أفول شمس الحضارة الإسلامية وصعود الغرب-3:
27-10-2024, 11:36 AM
وهكذا، فبينما كان العلم والعقل يحرزان التقدم والأولوية في سباق المعرفة والاكتشاف، كانت الحياة تفقد معناها لدى أعداد من الناس تتزايد يوما بعد يوم، وقد وجد الكثيرون أنفسهم مضطرين لأول مرة في تاريخ البشرية إلى العيش حياة لا روح فيها.
ولكن ذلك لم يكن يسري على الجميع، إذ أن (جون لوك: 1632-1704)، وهومن أوائل فلاسفة التنوير الفلسفي لم تكن تساوره الشكوك في وجود الله، وكان يدرك أن المعايير التي وضعها فرنسيس بيكون باعتبار الحقيقة لا يمكن أن تخرج عن نطاق حواسنا الخمسة لا يمكن تطبيقها على الإله الذي خلق الطبيعة أصلا، و كان الدين لدى لوك يقوم على العقل الذي اعتقد بقدرته على الكشف عن الحقيقة بنفسه إذا تخلى الفرد عن الأسطورة والخرافات التي فرضها القساوسة على الناس بالقوة، و على الدولة أن لا تتدخل في عقائد الناس و على الكنيسة أن تنفصل عن الدولة، وقد ألهمت هذه المفاهيم الناس فيما بعد نموذجا للدولة الحديثة العلمانية المتسامحة وشارك الفلاسفة الألمان والفرنسيون أيضا في مباركة هذا الدين، أي الإيمان بالله وحده دون وساطة من أنبياء أو كتب مقدسة أو قساوسة و كهان، فهذه الأديان القديمة بحسب رأيهم قد عفا عليها الزمن، وإن فكرة الوحي و التنزيل فكرة خيالية يجب نبذها. يقول المؤرخ الألماني هيرمان صموئيل رايماروس (1694-1768): إن عيسى لم يزعم يوما أنه الله أو ابن الله، واننا يجب أن نبجل عيسى باعتباره معلما عظيما ومؤسسا لدين رائع بسيط و عملي.
من المفارقات العجيبة أن اعتبار العقل المعيار الأوحد للحقيقة قد قوبل بردة فعل من الهوس الديني في أوروبا وأميركا آنذاك، فكان ما يسمى ب(جنون الساحرات) في القرنين السادس عشر والسابع عشر والذي دلّ على أن تنمية العقلية العلمية لا تمنع ظهور قوى الظلام وانتشارها، فانفلتت الغرائز من عقالها وانطلقت جامحة في الوقت الذي بدأ فيه الدين يتخلى عن روحانيته، فقد وُصف جنون الساحرات بأنه نوع من الوهم الجماعي أصاب الرجال والنساء من مختلف الفئات فكان الناس يعتقدون أنهم قد ضاجعوا العفاريت و شاركوا في حفلات شيطانية ماجنة. وكان المعتقد أن الساحرات يعبدن الشيطان بدلا من الله في ارتكاس ربما يمثل على مستوى اللاوعي رد فعل على الدين التقليدي الذي انهار أمام تيار الحداثة. وقد أدين الآلاف من الرجال والنساء بتهمة ممارسة السحر وكانوا يشنقون أو يحرقون علنا أمام العامة في سبيل إطفاء نيران هذا الجنون.
في تلك الفترة الرهيبة في الغرب وعلى جانبي المحيط الأطلسي انقسم الناس إلى معسكرات تضمر أشد ضروب العداء لبعضها، فاندلعت حرب أهلية بين البروتستانت والكاثوليك في فرنسا بين عامي (1562-1563)، ووقعت مذبحة للبروتستانت عام 1872، وخربت حرب الثلاثين عاما (1648-1618) أوروبا، وفي عام 1642 نشبت حرب أهلية زلزلت كيان انكلترا. وجاءت الثورة الفرنسية عام 1789 لتعلن حقوق الإنسان في العيش الكريم ليتلوها حكم الرعب والإعدام بالمقصلة ولو على الشبهة للمناوئين للثورة في تناقض بيِّن لمُثل التنوير العليا التي جاءت بها وهي الحرية والإخاء والمساواة. واندلعت في المستعمرات الأمريكية حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا حول ممتلكاتهما في هذه المستعمرات (1763-1756) تلتها حرب الاستقلال لأميركا عن انكلترا (1775-1783) التي أدت إلى قيام أول دولة علمانية في العالم الحديث بعد قرنين من العنف والدماء.
في تلك الأثناء بدت الحاجة ملحة إلى عزاء روحي يساهم في التعويض عما حل بالناس من كوارث واحزان فلجؤوا إلى الدين من جديد، ووجد البعض أن الأشكال القديمة للعقيدة لم تعد قادرة على النجاح، فحاولوا التعبير عن المثل العليا للعصر الجديد بأسلوب ديني مثل (جورج فوكس1624-1691) الذي دعا إلى حركة دينية تعتمد على العقل أو التنوير الداخلي المقدس بدلا من الوحي، و كان أتباعه يسمون الكويكريون المشتقة من الكلمة الانكليزية (Quake) التي تعني ارتعد أو ارتجف لذكر الله في نفسه، ومن مبادئهم أن البشر سواسية وان على الإنسان الاعتماد على نفسه في تحصيل العلم والمعرفة، و على غرار ذلك حاول (جون ويزلي 1703-1791) تطبيق المنهج العلمي على النشاط الروحي، فكان يعلن أن الدين ليس عقيدة في الرأس بل ضوء في القلب.
ولكن ذلك لم يكن يسري على الجميع، إذ أن (جون لوك: 1632-1704)، وهومن أوائل فلاسفة التنوير الفلسفي لم تكن تساوره الشكوك في وجود الله، وكان يدرك أن المعايير التي وضعها فرنسيس بيكون باعتبار الحقيقة لا يمكن أن تخرج عن نطاق حواسنا الخمسة لا يمكن تطبيقها على الإله الذي خلق الطبيعة أصلا، و كان الدين لدى لوك يقوم على العقل الذي اعتقد بقدرته على الكشف عن الحقيقة بنفسه إذا تخلى الفرد عن الأسطورة والخرافات التي فرضها القساوسة على الناس بالقوة، و على الدولة أن لا تتدخل في عقائد الناس و على الكنيسة أن تنفصل عن الدولة، وقد ألهمت هذه المفاهيم الناس فيما بعد نموذجا للدولة الحديثة العلمانية المتسامحة وشارك الفلاسفة الألمان والفرنسيون أيضا في مباركة هذا الدين، أي الإيمان بالله وحده دون وساطة من أنبياء أو كتب مقدسة أو قساوسة و كهان، فهذه الأديان القديمة بحسب رأيهم قد عفا عليها الزمن، وإن فكرة الوحي و التنزيل فكرة خيالية يجب نبذها. يقول المؤرخ الألماني هيرمان صموئيل رايماروس (1694-1768): إن عيسى لم يزعم يوما أنه الله أو ابن الله، واننا يجب أن نبجل عيسى باعتباره معلما عظيما ومؤسسا لدين رائع بسيط و عملي.
من المفارقات العجيبة أن اعتبار العقل المعيار الأوحد للحقيقة قد قوبل بردة فعل من الهوس الديني في أوروبا وأميركا آنذاك، فكان ما يسمى ب(جنون الساحرات) في القرنين السادس عشر والسابع عشر والذي دلّ على أن تنمية العقلية العلمية لا تمنع ظهور قوى الظلام وانتشارها، فانفلتت الغرائز من عقالها وانطلقت جامحة في الوقت الذي بدأ فيه الدين يتخلى عن روحانيته، فقد وُصف جنون الساحرات بأنه نوع من الوهم الجماعي أصاب الرجال والنساء من مختلف الفئات فكان الناس يعتقدون أنهم قد ضاجعوا العفاريت و شاركوا في حفلات شيطانية ماجنة. وكان المعتقد أن الساحرات يعبدن الشيطان بدلا من الله في ارتكاس ربما يمثل على مستوى اللاوعي رد فعل على الدين التقليدي الذي انهار أمام تيار الحداثة. وقد أدين الآلاف من الرجال والنساء بتهمة ممارسة السحر وكانوا يشنقون أو يحرقون علنا أمام العامة في سبيل إطفاء نيران هذا الجنون.
في تلك الفترة الرهيبة في الغرب وعلى جانبي المحيط الأطلسي انقسم الناس إلى معسكرات تضمر أشد ضروب العداء لبعضها، فاندلعت حرب أهلية بين البروتستانت والكاثوليك في فرنسا بين عامي (1562-1563)، ووقعت مذبحة للبروتستانت عام 1872، وخربت حرب الثلاثين عاما (1648-1618) أوروبا، وفي عام 1642 نشبت حرب أهلية زلزلت كيان انكلترا. وجاءت الثورة الفرنسية عام 1789 لتعلن حقوق الإنسان في العيش الكريم ليتلوها حكم الرعب والإعدام بالمقصلة ولو على الشبهة للمناوئين للثورة في تناقض بيِّن لمُثل التنوير العليا التي جاءت بها وهي الحرية والإخاء والمساواة. واندلعت في المستعمرات الأمريكية حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا حول ممتلكاتهما في هذه المستعمرات (1763-1756) تلتها حرب الاستقلال لأميركا عن انكلترا (1775-1783) التي أدت إلى قيام أول دولة علمانية في العالم الحديث بعد قرنين من العنف والدماء.
في تلك الأثناء بدت الحاجة ملحة إلى عزاء روحي يساهم في التعويض عما حل بالناس من كوارث واحزان فلجؤوا إلى الدين من جديد، ووجد البعض أن الأشكال القديمة للعقيدة لم تعد قادرة على النجاح، فحاولوا التعبير عن المثل العليا للعصر الجديد بأسلوب ديني مثل (جورج فوكس1624-1691) الذي دعا إلى حركة دينية تعتمد على العقل أو التنوير الداخلي المقدس بدلا من الوحي، و كان أتباعه يسمون الكويكريون المشتقة من الكلمة الانكليزية (Quake) التي تعني ارتعد أو ارتجف لذكر الله في نفسه، ومن مبادئهم أن البشر سواسية وان على الإنسان الاعتماد على نفسه في تحصيل العلم والمعرفة، و على غرار ذلك حاول (جون ويزلي 1703-1791) تطبيق المنهج العلمي على النشاط الروحي، فكان يعلن أن الدين ليس عقيدة في الرأس بل ضوء في القلب.