مخطئ من يعتقد أن دفعة "لاكوست" كانت لاختراق الثورة
14-01-2016, 10:56 PM

حوار: محمد مسلم / هشام موفق

رئيس تحرير القسم السياسي بجريدة الشروق اليومي



في هذه الحلقة من شهادة وزير الدفاع الأسبق، الجنرال المتقاعد خالد نزار، يتحدث عن لحظة التحاقه بالثورة من ألمانيا، ويعرض إلى موقفه مما يعرف بقضية "دفعة لاكوست"، التي يقال إنها كانت بداية اختراق الثورة من قبل فرنسا، كما يعرض إلى حادثة حقيقية عن محاولة فاشلة لاختراق القاعدة الشرقية من طرف أحد المظليين الجزائريين، عندما تظاهر بالفرار من الجيش الفرنسي والالتحاق بالثورة.
هل أكملت تكوينك العسكري في المدارس الفرنسية؟
لم أكمل دراستي.

وما هي المحطة التي أعقبت ذلك؟
أرسلوني إلى ألمانيا. ومكثت هناك ثمانية أشهر. وهناك كنت أتابع، وكنت على علم بما يجري.

وجودك في ألمانيا، كان للتكوين؟
لا، للعمل في الجيش الفرنسي. وهناك التقيت مناضلا في الجبهة يدعى لبوخ. ولماذا كان المناضلون كثرا في ألمانيا، لأن الشرطة الفرنسية كانت تقوم بحملات بحث عن الجزائريين ولما تجدهم تجندهم مباشرة في الجيش، بداعي أنهم لم يؤدوا واجب الخدمة العسكرية (فرنسا يومها كانت تعتبر الجزائر جزءا من ترابها).

ولماذا حولوك إلى ألمانيا؟
ربما أبعدوني.

وكم بقيت هناك؟
بقيت هناك نحو ثمانية أشهر. وهناك اتصل بي بعض عناصر الجبهة، وكنت أشرت في وقت سابق إلى المناضل لبوخ. وأنا من قبل كانت لدي نية الالتحاق بالجبهة منذ كنت في مدرسة سان ميكسون. بعدها ذهبت إلى منطقة فيلري، في لوكسمبورغ، لأنني كنت أعرف أصدقاء من مسقط رأسي هناك، وبقيت معهم بعض الوقت، ثم قدرت أن الأمور لم تكن تسير على ما يرام، وحينها كنت في مدرسة ستراسبورغ، ولما خرجت في عطلة حاولت الالتحاق ولكن لم تسنح لي الفرصة.

لكن، لماذا لم تلتحق من مسقط رأسك في سريانة بباتنة؟
نعم، الآن نأتي إلى هذه النقطة. مسقط رأسي تأثر كثيرا، كما تأثرت عائلتي أيضا، ولذلك تحاشيت أن أضع العائلة ووالدي خاصة في متاعب إضافية. لم أرد أن أقول ذلك لكم مباشرة، ولكن هذه هي الخلفية الحقيقية لعدم التحاقي من منطقة سكناي.
لما وصلت إلى ألمانيا، تزامن وصولي مع رسالة الـ 56 ضابطا جزائريا الذين كانوا في الجيش الفرنسي، والتي وجهوها في العام 1956 للرئيس الفرنسي آنذاك، روني كوتيي، شرحوا فيها موقفهم، وهو أن القضية الجزائرية هي قضية سياسية بالدرجة الأولى، وأنهم وجدوا أنفسهم في حرج كبير وهم يواجهون أبناء وطنهم، وأكثرية هؤلاء حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الثانية وحرب الهند الصينية (الفيتنام).
ومن حرر تلك الرسالة هو المدعو رحماني، وقد توفي مؤخرا. وجهوا الرسالة وانتظروا، غير أن الرئيس الفرنسي لم يرد على انشغالهم. عندها اجتمعوا لدراسة الوضع، فقرروا الالتحاق بجيش التحرير، فكان منهم من التحق بجيش التحرير ومن جملتهم بن عبد المؤمن، مصطفى شلوفي (كان أمينا عاما وزارة الدفاع في العام 1987، وحاليا سيناتور)، سايس، بوتلة.. ومنهم من دخل السجن لمدة ستة أشهر. ونحن كنا أصغر منهم سنا.
إذن نعود للوراء قليلا، لما التحقت بألمانيا كانت الظروف مهيأة، فقال لي المناضل لبوخ، أنتم كضباط، يستحسن تقديم الاشتراكات، ونحن نجمعها ونوزع المنشورات المحرضة على التحاق بالثورة.. وهنا أذكر أننا قمنا بعملية ضد ضابط يعمل في الجيش الفرنسي لم تكن سيرته كما يجب، ومن ضربه يسمى زرزوري، وهو لا يزال على قيد الحياة في عنابة، في حدود معلوماتي.

هذا الضابط جزائري؟
نعم، جزائري وهو من سيدي بلعباس، وكانت عملية عسكرية، جرح فيها هذا الضابط. هذا للتدليل على أننا لم نكن نائمين هناك.

وما الهدف من تلك العملية؟
ربما لإيصال رسالة عن الجبهة. بالإضافة إلى استهداف مركز يحتوي على وقود يستعمله الجيش الفرنسي، وقد أحرق. إذن قمنا بأعمال. ولما عبرت لهم عن نيتي الالتحاق أخذوني لمسؤول الجبهة على مستوى فدرالية فرنسا وفرعها بألمانيا، فقال لي أحضر صورتك ثم سنرى. وهنا انتظرت ثمانية أشهر وأنا أنتظر. ولكن أنا لما خرجت للتقاعد من الجيش الوطني الشعبي، بعثت فقط وثائق تتعلق بالحكم الذي صدر ضدي بعشر سنوات سجنا نافذا، وهذه الوثائق عثر عليها في ثكنات الدرك الفرنسي لاحقا، ويتكلموا فيه عن أن خالد نزار لوحظ في اجتماع في المنطقة الفلانية، وفي اتصال مع فلان.. أرسلت هذا الملف لسي عبادوا (وزير مجاهدين سابق، وحاليا أمين عام المنظمة الوطنية للمجاهدين). إذن أنا لم أقدم شاهدين للحصول على شهادة مجاهد، واكتفيت بالوثائق التي صدرت عن الدرك الفرنسي إبان الثورة. أنا قدمت محضرا، وهذا يبين على أنني كنت أعمل.

ما حقيقة دفعة لاكوست، وهي التهمة التي عادة ما توجه للضباط الفارين من الجيش الفرنسي، والمتهمين باختراق الثورة؟
هذه كبيرة.. هذا سؤال متناقض. لقد "دخلنا" في الصحيح. وكيف تفسرون أنني وصلت إلى العديد من المسؤوليات السامية في الدولة.

طبعا، هناك من يقول إنك اخترقت الثورة ووصلت إلى أعلى المراتب؟
ومن عيننا في هذه المسؤوليات؟

بالطبع مسؤولون جزائريون..
دعهم يقولوا ما يشاؤون.

هل انخرطتم في تدريب تحت إشراف لاكوست؟
هذا لا معنى له. ما معنى دفعة لاكوست؟ هذا لاكوست كان حاكما عاما للجزائر في العام 1956. وبما أن فرنسا كانت حريصة على البقاء في الجزائر بكل السبل، فأرادوا نوعا ما مسح الأخطاء الكبيرة التي وقعوا فيها في الجزائر. يجب أن تعلموا أن الجزائر بعد الاستقلال مباشرة لم تكن تتوفر سوى على 500 طالب جامعي فقط في الجامعة المركزية في العاصمة.. ومن جهة أخرى، الثورة هي التي حتمت على الفرنسيين تكوين هؤلاء الضباط الجزائريين، وليس القصد هو اختراق الثورة. من يريد اختراق الثورة يخترقها بطرق أخرى.
من يتكلم عن مثل هذه القصص لهم أهداف أخرى، اتركهم يقولوا ما يشاءون. ولذلك أقول ما الذي أوصلني إلى أعلى المسؤوليات في الدولة الجزائرية إذا كنت أنا اخترقت الثورة؟ كيف؟ أنا كنت أدفع الاشتراك للثورة لمدة سنوات، وعرضت حياتي للخطر في الكثير من المرات، ثم يأتي اليوم من يقول إن نزار اخترق الثورة، هذه أمور لا يمكن تصديقها.

ربما العملية كانت محاكة بطريقة جد محترفة؟ ربما الاختراق نجح.. نحن نعرف أن الشاذلي هو من عينك وزير دفاع، لكن البعض يتساءل ويقول إن العملية نجحت أو الاختراق نجح بنسبة كبيرة؟
لا يجب طرح مثل هذه الأسئلة. يبدو أنك تتوجه نحو طريق آخر.

هذا امتداد للسؤال الذي سبقه؟
إذن أنت لم تفهم كل ما قلته. أنت تتحدث عن الاختراق، وتقول إنه كان ناجحا. إذن انطلاقتك تبين أنك مقتنع بوجود اختراق. أنا أقول لا.

وأنا أقول ممكن. وهذا ما يقوله بعض المتابعين. الاختراق كان وربما نجح، فلا شك أنكم مطلعون على قضية "لا بلويت"؟
فليقولو ما يشاءون. قضية "لا بلويت" شيء آخر، هناك أيضا قضية الطائر الأزرق، وندرك ما وقع للشهيد مصطفى بن بولعيد في الأوراس، وكيف تم تفجير الولاية الأولى التاريخية منذ العام 1956. فنحن نعلم أن هذه الولاية توقفت تقريبا في 1956. من يقوم بالاختراق هم أناس متخصصون جيدا.

هل تعرف أشخاصا فرنسيين متخصصين في عمليات الاختراق؟
هؤلاء لا يمكن أن تعرفهم. هم أناس يعملون في المصالح الخاصة، هذا اختصاص. ليس أيا كان يمكن أن يقوم به. إذا أردتم القول إننا اخترقنا بأفكارنا.. تريدون القول إننا عملنا مع فرنسا، نحن حاربنا فرنسا، أنا كافحت فرنسا من البداية إلى النهاية. وأنا قلت لكم سابقا أنه حتى السفارة الفرنسية في الجزائر لم أتصل بها عند وقف المسار الانتخابي في 1992، حتى لا يسمع فرانسوا ميتران بالقرار. إذا كان الاختراق نجح، كما تقول، معنى هذا أننا نعمل لفائدة فرنسا، من يقوم بمثل هذا العمل هم الطابور الخامس. هذا غير صحيح. إذا كان الإنسان جاء بنية خدمة بلاده، وتشككوا في وطنيته وتعتبروه خائنا، هذه مشكلة عويصة. نحن نعرف كيف بدأت، هناك ناس بحثوا عن المسؤولية، وممكن لا يتوفرون على التكوين الضروري لذلك، فحاولوا أكل الشوك بأفواه الآخرين.
هناك كتاب أنجز في عهد نابليون (إمبراطور فرنسي) خلال حرب المكسيك، عنوانه "النسر والعقاب". الجيش متكون من نسور وعقبان. من يقول مثل هذا الكلام هم نسور يأكلون الجيفة. إذا أردنا أن نجعل من النسور عقبانا، هذا أمر آخر. أنا عشتها ووقفت عليها، وعرفت من هم النسور.
وفي الحرب العالمية الثانية تحول مضمون هذا الكتاب إلى سيناريو فيلم، وخلاصته أنه يشرح بدقة كيف يتسلق الضباط في الجيش بالمسؤوليات، فمنهم من يصل بعرق جبينه، ومنهم من يصل عبر الوساطات والتملق وهو ليس أهلا لذلك، والصنف الثاني هو النسر، أما الأول فهو العقاب الذي لا يأكل الجيفة. وهذا الأمر موجود في المؤسسة العسكرية وفي مؤسسات أخرى، وموجود حتى عندكم أنتم في قطاع الإعلام والصحافة.

قرأنا في الصحافة مثلما سمعنا أيضا، أن الجنرال ديغول قال بعدما أيقن أن بقاء الجزائر تحت السيطرة الفرنسية بات مستحيلا، قولته المشهورة، ستعود الجزائر إلى أحضان فرنسا بعد ثلاثين سنة؟
دي غول ترك الجزائر، بل خسر الجزائر، لا أعتقد أنه.. ودي غول لم يقل هذا، بل الصحافة هي من قالت. دي غول لا علاقة له بدفعة لاكوست، لأن هذا الأخير كان في 1956 ودي غول جاء للحكم من بعد في العام 1958.
هناك من يخلط الأمور. بالنسبة لضباط فرنسا الذين التحقوا بالثورة، هناك نوعان، هناك من التحق بالثورة وشارك فيها وجرح وهناك من مات وأعرف الكثير منهم، وهؤلاء الشهداء ماذا نقول عنهم؟ مثل موسى حمداش الذي هرب معي، وآخر من سطيف وآخر من تلمسان نسيت اسمهما.. واليوم يأتي البعض ويقول هؤلاء اخترقت بهم فرنسا الثورة. هذا الكلام غير صحيح. والـ 15 ألفا الذين فروا من الجيش الفرنسي، هل هؤلاء كلهم مندسون وفيهم من قاد الثورة؟ وأنا قلت لكم إن معركة الجزائر قادها ضابط فار من الجيش الفرنسي يسمى يوسف لطر. وبن سالم، من أين جاء؟ لقد كان من بين أحسن الضباط في القاعدة الشرقية.
أنا جرحت، عبد المالك قنايزية (شغل منصب نائب وزير دفاع قبل أن يخلفه حاليا الفريق أحمد قايد صالح) جرح كذلك، وسليم سعدي (وزير وقيادي سابق في حزب رضا مالك) جرح أيضا.. أين جرح هؤلاء، لقد جرحوا في المعارك مع جيش الاحتلال.
قلت هناك نوعان من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، هناك من شارك في الثورة مباشرة في البداية أو في ومنتصفها، أنا قضيت أربع سنوات ونصفا في جيش التحرير، هذا ليس قليلا، والتحقت وكان عمري عشرين سنة ونصفا، ما معنى هذا؟ قليل من الناس من التحق في هذا السن. نعم هناك من التحق في سن 15 و16 سنة، وأعرفهم، نعم. إذن أنا التحقت في 20 سنة ونصف، وربما ظروف قادتنا للتكون في الجيش الفرنسي قبل أن ألتحق بالثورة، وساعدت بالخبرة التي كسبتها من تكويني.
وهناك جماعة التحقت بالثورة في 1962. أنت تكلمت في وقت سابق عن شعباني. هذا الأخير تكلم عن الجماعة التي التحقت في 1962. كيف التحقوا بالجيش؟ بومدين هو من قرر. قال أولئك الذين لم تكن تحوم حولهم شبهات حول مواجهة إخوانهم، ندمجهم في الجيش ليساهموا في تكوينه.

وأنت كان يعنيك هذا القرار؟
لا يعنيني بتاتا. أنا مجاهد. الذي شارك في الثورة لا يجب الحديث عنه. ونحن بالذات كنا نسمى من التحق بالجيش في 1962، بـ "الضباط المدمجين"، وهم أقلية، ممكن خمسون شخصا.

روجي وايبو وهو مسؤول مخابرات فرنسي سابق، قال في كتاب في 1979، لقد كونا ناسا وهم يشغلون الآن مناصب هامة في الدولة الجزائرية. ما تعليقك؟
لعبة فرنسا معروفة. هي لم تتحمل استقلال الجزائر. اليوم أي موضوع يطرح يدخلون الجزائر فيه. أي موضوع ولو كان لا علاقة له بالجزائر. هناك مهووسون بالجزائر، مثل الحالمين بالجزائر الفرنسية، إنهم يعملون يوميا. إذا انطلقنا من كلام يصدر من مثل هؤلاء، أو من أنصار المنظمة السرية الإرهابية، فهذا يعني أنا سقطنا في شراكهم.

ربما أطلنا كثيرا في هذه النقطة، ولكن هي فرصة لكم سيادة اللواء كي توضحوا الكثير من الأمور، لأنك أنت بالضبط هناك كلام كثير يقال عنك بهذا الخصوص.. فرحات عباس كان حتى بداية الثورة يعتبر ما يحدث في الجزائر، حربا أهلية، وكان بدأ في الاتصال مع السلطات الاستعمارية. ما رأيك في ذلك؟
هم وصلوا حتى إلى عبان رمضان.

بالمناسبة، روجي وايبو يقول إن عبان رمضان كان رجل فرنسا في الثورة؟
هذا خطأ كبير. أن تقول إن هناك مندسا في الثورة، لا. أنا لم ألتق بواحد من هؤلاء. وجدت أمورا، كنا في مدرسة الإطارات في الحدود مع تونس. وكان الجيش الفرنسي عندما يكون الليل مقمرا، يرسل طائرات بي 26 يستكشفوا المنطقة وأحيانا يقصفونها، وهكذا جرح قنايزية وفقد سمعه، وجرح مرة أخرى في الوحدات القتالية. وكان قائد المدرسة وهو سي بوعنان، ضابطا فارا من الجيش الفرنسي، كان يذهب إلى منطقة الكاف بالسيارة ثم يعود، فقررت المصالح الخاصة الفرنسية تصفيته، ولما جاءت الطائرات في الليل، أنزلت مظليين اثنين وكانا جزائريين.

كنت تعرفهما؟
لا. ومباشرة بعدما وطأت قدماهما الأرض كان أحدهما في قبضة المجاهدين. انظر كيف استعمل الفرنسيون ذكاءهم في الاختراق. الفرنسيون أعطوا للمظليين تكوينا خاصا، حيث أعطوا تعليمات لأحدهما بقتل رفيقه المظلي، وقالوا له توقف عند حافة الطريق لانتظار سيارة سي بوعنان. وعندما يصل ترفع يديك وتقول له إن الجيش الفرنسي بعثني أنا ورفيقي من أجل تصفيتك، ولأن رفيقي أصر على قتلك، قتلته أنا، وها أنا جئت لألتحق بالثورة. وفي الواقع هو من كان مكلفا بالاختراق. وهذه الحادثة عشتها.

وكيف عرفتم أن العملية كانت مدبرة؟

طبعا بعد استنطاقه من قبل المجاهدين اعترف بالحقيقة.