بومدين دافع عن "ضباط فرنسا.. إعدام شعباني غامض وعبّان ليس خائنا
16-01-2016, 02:04 AM

حوار: محمد مسلم - هشام موفق




في هذه الحلقة، يتحدث وزير الدفاع الأسبق، الجنرال المتقاعد، خالد نزار، عن العلاقة الخاصة التي كانت تربط الرئيس الراحل، هواري بومدين والضباط الفارين من الجيش الفرنسي، وكذا الخلفيات التي كانت وراء إعدام العقيد الشاب، محمد شعباني، وعن الغواصتين المصريتين اللتين كانتا في المياه الإقليمية الجزائرية، عشية الإطاحة بالرئيس الأسبق أحمد بن بلة، فيما عرف بـ"التصحيح الثوري" الذي قاده بومدين.

كيف عشت إعدام العقيد شعباني؟
إعدام شعباني لم يكن الوحيد، بل كانت هناك حوادث أخرى مشابهة مثل قضية عبان .
لكن المعروف أن قضية عبان مختلفة؟
تكلموا أيضا عن عبان. في ذلك الوقت كانت الاتصالات موجودة مع السلطات الفرنسية .
ما نوع تلك الاتصالات؟
كانت اتصالات سياسية.
ما قولك فيها؟ البعض كان يرى فيها خيانة؟
لا، ليست خيانة. لأنها كانت على مستوى كل المسؤولين. يجب أن تعلموا أن أول اتصال كان في العام 1956، مع غي مولي (رئيس حكومة فرنسا آنذاك)، للفصل في قضية الجزائر.
في هذه الفترة بالذات، ما رأيك في مؤتمر الصومام؟
هذه أمور تاريخية. أنا كعسكري كنت أتابعها، وأدرك ما قيل عن مؤتمر الصومام، كان فيه جدل كبير. ولكن الذي أعرفه أنا هو أن مؤتمر الصومام كان قد نظم الثورة التحريرية، وهذه لا بد من الاعتراف بها. إذن المؤتمر قدم أشياء للثورة.
هل كانت له سلبيات؟
ما أعرفه أن أكثر الولايات (التاريخية) شاركت في المؤتمر. سي مصطفى بن بولعيد كان استشهد وحضر شقيقه.
لم يكن ممثلا بكل الولايات؟
بالطبع.. بن بلة كان له موقف، وأحمد محساس كان له موقف آخر أيضا. وهذه هي الثورة، مع الأسف كانت هناك مشاكل. لما انطلقت الثورة كان البعض في مصر ومن دون شك تأثروا ببعض مواقف عبد الناصر ومسؤول مخابراته، فتحي الذيب كان يلعب دورا سيئا.. عملوا من أجل أن يكسبوا أطرافا في الثورة إلى جانبهم، ووجدوا بالفعل من سار على هواهم، ولذلك انتقلت الحكومة المؤقتة من مقرها في القاهرة إلى تونس، بسبب المشاكل.
وكيف تنظر إلى إعدام العقيد الشاب شعباني؟
أنا لم أكن يومها في الجزائر، بل كنت في روسيا (الاتحاد السوفياتي يومها). البعض تكلم، ولكن ما أعرفه هو أنه أعدم في وهران، وكان الرئيس الشاذلي بن جديد يومها قائدا للناحية العسكرية الثانية، وكان رويس بشير نائبه، وأدرك أن رويس بشير حضر محاكمة شعباني. هذا ما أعرفه.
الشيء الذي وقع بالنسبة إلى شعباني، وأنا أعرفه شخصيا، وكنت عرفته في العام 1962، ما عرف بمشكل الولايات، وحينها كلفنا بدخول العاصمة، ووجدنا أمامنا أطرافا حاولت منعنا من دخول العاصمة، علما أن مشكل الحكومة المؤقتة كان لم يحل بعد. ولذلك تولدت مشاكل الولايات.
عرفت شعباني، لأن كتيبة تابعة له عملت معي، كما أننا لما دخلنا العاصمة، كنا في قطار واحد إلى البليدة. وكان شعباني لما يأتي إلى قيادة الأركان، كنت ألتقيه. صحيح أن شعباني كانت له مشاكل. ما عرفته عن مشاكل الرجل، أنه أثناء صعود عناصر الأفافاس للجبل، جاءني أمر من عند سي الطاهر الزبيري، عن طريق جلول الخطيب، وكان يومها أمينا عاما، ومضمون هذا الأمر أن شعباني قادم من الصحراء، وهو مار باتجاه منطقة القبائل، وطلب مني إيقافه بمفترق الطرق بين سور الغزلان والبويرة.
يعني أنه طلب منك اعتقاله؟
طلب مني منعه من الوصول إلى منطقة القبائل. كلمت رئيس الفيلق، قدور بوحارة، وقد توفي رحمه الله، الذي كان بباليسترو (الأخضرية حاليا)، وطلبت ما طلب مني، وأمرته أن يأخذ احتياطاته، وأن يعامل شعباني وفق مقامه، وعندما يصل إلى عين المكان أبلغني. وبالفعل لما وصل والتقى شعباني أبلغه بالأمر، وتم إيقاف شعباني، ثم أبلغني بالأمر.
وعندما كان شعباني موقوفا، طلب أن يستعمل الهاتف، فسمح له، وكلم شعباني الرئيس الراحل، أحمد بن بلة.. فاعتبر قدور بوحارة مقصرا وتعرض لأمور لم يكن يتمناها.. ثم أمر بن بلة بإطلاق سراحه.
وهل التقيته؟
لا، لم ألتق به، لأنني كنت في العاصمة، في ثكنة علي خوجة.
ما هي مشكلته؟
كان يومها ملف ضباط فرنسا حديث الساعة، وكان محمد صخري من الذين حملوا هذه القضية أيضا.
وكان أيضا المجاهد عمار ملاح معهم؟
لا، عمار ملاح، ليس له علاقة بهذا الملف، لأنه كان في الولاية الأولى، ومشكلته بدأت في 1967. مشكلة شعباني بدأت مع اجتماع سينما إفريقيا في العام 1964.. وحينها رُفعت مطالب بتصفية الجيش؟
ممن؟ من ضباط فرنسا؟
نعم يقصدون ضباط فرنسا. وحينها قال لهم بومدين، من يصفي من؟ وأنا كنت حينها في موسكو، لأني كنت ضمن المجموعة الأولى التي سافرت للتكوين لقيادة الأركان. ولكن هذه القضية كان وراءها المسؤولون الكبار.
ماذا تقصدون؟
الجميع يدرك أن بن بلة كان يستعمل شعباني ضد بومدين. حتى بوعنان استعمل ضد بومدين. هذه المشاكل كانت موجودة. في هذه النقطة بالذات، كان مؤرخ كبير، وهو محمد حربي، كتب في كتاب له، أن الضباط الفارين من الجيش الفرنسي كانوا وطنيين، والضباط الذين تكونوا في الشرق الأوسط كانوا ثوريين. وأنا قلت له في كتابي، أحسنت. أنا وطني حقيقي. أكتفي بهذا ولا أريد الذهاب بعيدا، ويمكنهم مراجعة الكتاب، خاصة أن حربي عاش قريبا من الجميع وكان ثوريا.
قلت بن بلة استخدم شعباني.. ضد من؟
كان الصراع على أشده بين بن بلة وبومدين، هذا معروف. أنا شخصيا في ذلك الوقت كنت في موسكو. لذلك لم أكن مطلعا جيدا على حقيقة ما جرى بالضبط. وما أعرفه هو أن بومدين وافق على إدماج بعض الضباط الذين تكونوا في الجيش الفرنسي بعد الاستقلال مباشرة، وهذا الأمر لم يقبله الراحل شعباني، الذي رفض استقبال هؤلاء، وهو الأمر الذي أغضب الراحل بومدين، وعقد العلاقة بين الرجلين.
ما أعرفه أنه لم يمت أي جندي في قضية شعباني. لذلك أنا أتساءل لماذا أعدم؟ عقيد شاب.. ما قام به يشبه تمردا، ولكن لم يخلف أي خسائر بشرية. لما نزل الجيش بقيادة الراحل عبد الله بلهوشات، لم يواجه شعباني الجيش الذي قاده بلهوشات.
إذا لماذا اتخذ قرار إعدام شعباني؟
شخصيا، أنا بدوري أتساءل. ويبقى على المؤرخين أن يخوضوا في هذه القضية. ما سمعته هو أن بومدين كان ضد الإعدام. تكلم معه حينها بعض قادة الوحدات، كان من بينهم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، قائد الناحية العسكرية الثانية، وقائد الناحية العسكرية الأولى، سعيد عبيد.. كلهم رفضوا إعدام شعباني وتحدثوا في الأمر مع الرئيس بومدين.
هناك من قال إن قبر الشهيد شعباني حفر قبل محاكمته، ما حقيقة ذلك؟
هذا كلام في غير محله. أنا شخصيا تحدث مع رويس بشير الذي حضر وفاته، لم يتحدث عن أمر من هذا القبيل.
جنرال، بعد إعدام شعباني، هل توقفت الأصوات المطالبة بإبعاد ضباط فرنسا من الجيش، أم أن المطلب بقي قائما؟
شعباني لم يعدم بسبب قضية ضباط فرنسا.
لأن البعض يقول إن إعدام شعباني كان من أبرز أسبابه حديثه عن ضباط فرنسا، وإن كان السبب الذي رفع في وجهه، هو قيادته تمرد مسلح؟
المشكل موجود بين آخرين.. ربما القضية استعملت لإضعاف بومدين والمجموعة التي كانت معه. القضية تشبه إعدام عبان، وإن كان هناك فروقات، لكون الأخير لم يحاكم. السؤال هنا، هو لماذا لم يتدخل بن بلة ليصدر عفوا ويجنب شعباني الموت.
هناك من يقول إن من رفع لواء الدفاع عن ضباط فرنسا، هو الرئيس الراحل، هواري بومدين، بداعي إدخال الاحترافية للجيش، والهدف من ذلك هو استعمال هذه الفئة من الضباط للتغطية على عدم تمتعه برمزية قادة الثورة الآخرين. ما قولكم؟
أنا أعتقد أن الجواب كان قد جاء على لسان عميمور في حواره السابق لـ "الشروق".. الثورة كان فيها من السياسيين ومن العسكريين، وبومدين ليس أيا كان، لقد قاد الولاية الخامسة التاريخية، ومنذ البداية كان مناضلا، قبل أن يلتحق بالأزهر. بومدين كان صغيرا في السن مقارنة بغيره من كبار قادة الثورة. بومدين ولد في العام 1932. التحق بالثورة في ظروف جد صعبة. كيف التحق من مصر بوهران؟ على متن باخرة "ملكة الأردن" التي كانت مملوءة بالسلاح، قبل أن يدخل السلاح للولاية الخامسة. وقبل أن يصبح قائد الولاية الخامسة، عمل كثيرا، ثم أصبح فيما بعد قائدا للأركان..
فرحات عباس مثلا لم يطلق رصاصة واحدة كغيره من المسؤولين السياسيين، لم يكونوا في الميدان، لأنهم كانوا مسؤولين.. هذا هو نظام جبهة وجيش التحرير. ما تقوله تأويل، وكل واحد يجد لها قراءة. بومدين كان من باب الاقتناع، أنه يعين في المسؤوليات كل حسب مؤهلاته. بومدين كان يبحث عن الاحترافية، ولذلك، أدخل حتى من لم يطلق ولا رصاصة واحدة من ضباط فرنسا الذين التحقوا بعد الاستقلال، لقد كان همه هو احترافية الجيش.
هناك قراءات تاريخية، تقول إن بومدين استعمل ضباط فرنسا..
)نزار مقاطعا).. "أنا واحد ما استعملني"
دعني أطرح السؤال.
لا لا.. توقف. لست أنا فقط.
إذن كيف تفسر إسناد بومدين منصب جد حساس، مثل منصب أمين عام وزارة الدفاع لضابط فار من الجيش الفرنسي، وهو العقيد شابو، الذي كان يوصف بأنه زعيم هذه الفئة، وأنت تعلم الأمين العام في الوزارة هو بمثابة الرجل الثاني فيها؟
هذا الأمر لا يقوله بومدين. هناك قراءات كثيرة، وأنا لا يمكنني أن أعلق على هذا وذاك. هناك إطارات قليلة في ذلك الوقت يمكنها أن تتقلد هذا المنصب، ولذلك لجأ بومدين إلى العقيد شابو. الضباط العروبيون، كما يقول، عميمور، لم يكونوا على هذا القدر من التكوين. بومدين كان يبحث عمن يساعده في عمله. هو كان وزير دفاع ثم أصبح رئيس دولة، كان منشغلا بتكوين وتنظيم الجيش، فاختار، وكان معياره المقدرة والكفاءة.
سنأتي إلى فترة حكم بومدين.. لكن قبل هذا، في 1963، حسين آيت أحمد رفع السلاح؟
آه.. هذه القضية لا تزال "سخونة" ولا أريد الخوض فيها حاليا. سيأتي وقتها إن شاء الله، إذا اقتضى الحال. لأنني أنا اليوم متخندق، ولا شك أنكم اطلعتم على ما يكتب هذه الأيام، لقد دخلنا في دوامة.
هذه القضية تاريخية ولا علاقة لها بالتخندق. حقيقة لدي رأي فيها، ولكن لم يحن وقتها بعد. الرجل (آيت أحمد) مات مؤخرا فقط، وأفضل ترك الحديث فيها إلى وقت لاحق. وقد تحدثت عنها في كتبي.
لم تكن واضحة؟
لا، كانت واضحة، وإن تطلب الأمر العودة إليها، سأعود.
إنها فرصتك..
ليس اليوم.
لقد تحاشى سي خالد الحديث عن هذه القضية. لقد أجلها.
سنرى فيما بعد.
نصل الآن إلى ما عرف بـ "التصحيح الثوري"، ماذا تقول بخصوص هذه القضية؟
أنا شاركت في هذه القضية بحكم مسؤوليتي، كنت مكلفا بإدارة العتاد، وكان مركزي في مقر دار الصحافة حاليا بأول ماي. وكنت قد زرت مدراء بعض الصحف.. يومها كنت قريبا من صناعة القرار..
قبل شهر من التصحيح الثوري، كلمني شابو (أمين عام وزارة الدفاع).. تحدث لي عن مخطط جاهز.. أخبرني بوقوع أمر ما في القريب العاجل، لكن إذا أفشي السر ستتحمل المسؤولية. فهمت بأن هناك تصحيحا.. قال لي لا يمكن جلب الدبابات من باتنة، وأنت في المدرسة كان لديك دبابات لنستعملها، لكن من دون أن يشعر الناس، أما الجنود فننقلهم في الطائرات.. في مدة شهر قمت بهذه المهمة.
وكلفني شابو أيضا بمنطقة بلكور، فندق السفير.. لأنهم قسموا العاصمة إلى منطقتين، أنا كنت في جهة، والشريف جغري (رحمه الله) في جهة أخرى. كان عندي في مدرسة العتاد، نحو ألفي جندي، وطلب مني تحضير جنودي للقيام بحفظ الأمن في حالة حدوث شيء.. لكن لحسن الحظ لم يحدث شيء، باستثناء مظاهرة محدودة العدد في ساحة بالقرب من البريد المركزي (تافورة)، قبل أن ينصرفوا.. سمعنا بوقوع أحداث في عنابة خلفت سقوط ضحايا. ولكن كنت على علم بشأن بعض الأمور، من بينها انفجار في نادي الصنوبر حيث كان يعمل مصريون، واعتبر الأمر قنبلة.. فجاءت تعليمة تفيد بجمع جميع المصريين قبل أن يفرج عنهم.. وأذكر أننا أوقفنا مسؤول الشرطة المصرية في فندق السفير.
كان في زيارة للجزائر؟
نعم، كان في زيارة، ولكن الرئيس بومدين لم يكن على علم بذلك وأنا أيضا. وفي اليوم الموالي، اتصلت بنا غواصات مصرية كانت بالقرب من المياه الاقليمية الجزائرية، وقد طالبوا بدخول ميناء العاصمة من أجل التزود بالوقود. وهنا تساءلنا يومها كيف أنه في اليوم الموالي للإطاحة ببن بلة تتواجد غواصات مصرية بالقرب من المياه الإقليمية للجزائر.
قبل ذلك، إذا سمحت.. لماذا "التصحيح الثوري"؟
كان هناك مشكل بين بومدين وبن بلة.
طبعا أنت كنت في صف بومدين وطبقت التعليمات التي جاءتك؟
طبقتها مباشرة، كغيري من قادة الجيش.
ما هي الخلافات الجوهرية التي كانت بين الرجلين؟ بومدين كان يتهم بن بلة بالانحراف عن الثورة، للكن ماذا كان موقفك؟
الخلاف بين الرجلين يعود لأزمة صائفة 1962..