مزحة الطلاق
03-02-2020, 09:33 PM
مزحة الطلااق قصة ..............الجزأ الأول
إنني أشعر بملل يتسلل خفية إلى أوصالي ، و يومي يتكرر باستمرار ، أيامي كلها متشابهة ، أرى نفس الوجـوه ، أقـوم بنفس الأعمال ... حتى أني أسمع نفس الأقوال و أكرر نفس الأحاديث ، رتـابة في كل شيء ،
كانت زوجتـه تستمع إليه و تشعـر بكلماته ، هي تـحس بما يقول لأنها تعيش نفس الحالـة .
كثيرا ما يخيم الصمت و السكون على أرجاء البيت ، كــأن سكانه أمـوات ، هي منغمسـة في أعمـال منزلية روتينية مملـة و هو مرمي هناك فوق سريره يلهو بتغيير القنوات ، و لا شيء يجمع بينهما إلا قولها له اشتري كذا و اجلب كذا معك ، و ماذا أعـد للغذاء و ماذا تحب على العشاء ، حتى هذا السؤال الوحيد بدأ يضجـره .
فاجأته بقولها :
- أنا أيضـا أشعـر بملل قاتل ، نحن بالكاد نتحـدث ،
- ما رأيك في إحـداث تغيير في حياتنا ؟
- و ما ذاك تقول مستفسرة ؟
- أن نفترق لبعض الوقت ،
- لا أفهمك ماذا تعني بنفترق ؟
- ما رأيك في أن تذهبي لبيت أهلك و تخبريهم أنني طلقتك ، و ينتشر هذا الخبر في العائلة ، لنرى ردة فعل الناس من حولنا ، و ردة فعلنا نحن ، نحدث تغييرا بسيطا في علاقتنا ببعضنا و بغيرنا .........
صدمتها كلماته ، لم تكن تنتظر منه أن يطلقها و لو مازحا ،
- و هل هناك مزاح في الطلاق ؟ تسألـه ،
- أنا لن أطلقك فقط نشيع ذلك بين الناس
- و لما كل هذا ؟ دعنا نسافر و نغير الأجواء ربما يكون أحسن ....
- فكرة الفراق لبعض الوقت تراودني منذ وقت ليس بالقصير ، أريد أن أجربها معك ،
طأطأت رأسها و صمتت ، إنها تخشى عاقبة هكذا مزاح ، خصوصا أنه مضى على زواجها عامين و لم تنجب لحد الساعة ، و كثيرا ما طلبت حماتها من ولدها الزواج عليها في أحسن الأحوال ، أصر الزوج على تطبيق فكرته ، و أكثر من الحديث عن مزاياها ، هو يتكلم و هي صامتة ، تسمع غير منصتـة ، ثم قالت فجأة مقاطعة :
- ما دامت هذه رغبتك ، افعل ما بدا لك ما عاد الأمر يهمني كثيرا .
في صباح اليوم التالي كانت الزوجة قد حزمت حقائبها و اتصلت بأخيها تطلب منه أن يقلها إلى البيت
عند وصولها سألتها أمها ما الذي حدث ؟
ردت بحزن:
- لقد طلقني مراد ......
كانت الأم واقفة فجلست و تنهدت أمسكت رأسها و صاحت : يا ويلي يا ابنتي كنت أخشى أن يحدث هذا ، تلك العقرب أمه هي السبب ،
تركتها تندب حظ ابنتها و صعدت إلى غرفتها التي كانت تتقاسمها مع أختها الصغيرة ، لقد عادت إلى نقطة الصفر بعد عامين من مغامرة تبدو أنها فاشلة ، ارتمت على سرير أختها و غطت في نوم عميق ، في داخلها كانت تضحك و تشعر بدغدغة لمشاعرها ، نامت و كأنها لم تنم بهذا العمق و الراحة منذ سنة....
بقي مراد في بيته ، و في المساء اتصلت به أمه و في صوتها نبرة فرح هي ليس من عادتها الاتصال به، كانت ترفض زوجتـه لا لشيء فقط لأنها لا تحب أمها ،
- مساء الخير حبيبي كيف أحوالك ؟
....لم تترك له المجال ليرد التحية ....
- لقد سمعت أنك تخلصت أخيرا من تلك المرأة .......رائع يا بني سأحضر عندك غـدا و سأعطيك قائمة النساء اللواتي أريدك أن تختار منهن واحـدة ، و إذا أنهيت عملك و بقي لك بعض الوقت يمكنك القدوم إلينا الليلة ..كل العائلة هنا إلا أنت ، إنهم فرحين بقرارك ، أخيرا ستتغير حياتك إلى الأفضل ، إلى اللقاء بني،
و قطعت المكالمة دون أن تعرف حتى إن كان الرقم صحيحا .
كانت مكالمة أمه له بتلك السرعة و بذلك الأسلوب و بذلك الكم من المعلومات المعدة مسبقا و بكل ذلك الحقد الذي كانت تكنه لزوجتـه مؤثـرة عليه أيما تأثير ...
تساءل بينه و بين نفسه
- ترى من أخبرها ؟
و جاءت الإجابة من إخوته و أخواته ما إن يقطع واحد اتصاله حتى ترن أخرى ، هم يباركون له طلاقه ، غريب أمرهم يقول بينه و بين نفسه ، كل هذا كانوا يخبئونه ؟
قضى أول ليلة وحده ، يتلمس جانبها في الفراش و تحتقن عيناه بالدموع ، ياه لم أكن أعلم أنني أحبها كل هذا الحب ، فقط ليلة واحدة ، ما أطول الليل في غياب الأحباب، كانت صفية هناك ترتب الخزانة ، كانت هنا تنظف السجاد ، كانت صفية تبتسم للمرآة كانت صفية تتمتم كلمات ، صفية تصلي و تدعوني للصلاة و تسألني صفية ماذا تريد للعشاء ؟ و أنا كالملك على عرش سريري أقلب القنوات ، إن طيفها ما يزال هنا و هناك ، كيف يمكن أن أعيش بدون صفيه هيهات ، غلبه النعاس و هو يمسك بوسادتها و يضمها إليه حتى أصبح الصباح
يُدَقُ الباب بشدة ، يقوم مراد مفزوعا ، يفتح الباب فيلج أخواها و أباها البيت ، لم يلقوا أية تحية و يتجهون إلى الصالون ، أول من تكلم أباها:- لماذا طلقت صفية يا مراد ما لذي فعلته لك ؟
- هذا أمر بيني و بينها لا دخل لكم فيه ...
- يا جبان أعطيناك امرأة، كان يطلب ودها أبناء الأغنياء و أكابر القوم ، ثم تكافئها بهذا..........
أسرها في نفسه و لم يبدي لهم غضبه،
- أنا حر فيما أفعل و يبقى هذا بيني و بينها هي أيضا حرة و تملك زمام أمرها ،
- تفوه عليك و على أمثالك قبحك الله من وجه ، تبا لك و لأفعالك يا وسخ يا قمامة ...
لم يتركوا كلاما قبيحا إلا و وصفوه به ، و كاد الأخ الأصغر أن يضربه لو لا أن أمسكه أباه .
تعجب مراد في تصرف أنسبائه ، أهذا عمي الطاهر الرجل الحكيم الوقور ؟ و هذان هما الحملان الوديعان إبناه ....ياه كيف يتغير الناس فجأة.
انتشر خبر طلاق مراد و صفية انتشار النار في الهشيم و بدأت مكنونات الناس تخرج كل يعبر عن رأيه ، تعجبت صفية و مراد من الكم الهائل من المكالمات و الاتصالات التي كانت تصل إليهما .... بين مبارك و غاضب ، لقد كانت حياتنا بسيطة سهلة ، لم أكن أظن أننا سنحضى بكل هذا الاهتمام يقول مراد في اتصاله بزوجته .
كل مجالس العائلتين الكبيرتين و الجيران القدامى و الجدد تتحدث عن قضية مراد و صفية ، و كثرت التأويلات و انتشرت الاشاعات ، لقد ضربها و رماها في الشارع ، إنها لا تنجب و رفضت أن يتزوج عليها ، لقد اكتشفت أنه يخونها ، و أصبح كل يدلي بدلوه في قضية الزوجين ، أصبح موضوعهما على كل لسان .
شعر مراد ببعض الاهتمام الزائد من زميلاته في العمل ، و زارت كذا من أم بيت صفية لتطمئن عليها ، و تهمس في أذن الأم ، في حالة لم يرجعها زوجها فإنا ابني مهتم بها .
و هكذا كانت يوميات الزوجين غير المطلقين المطلقين مليئة بالأحداث و الأكاذيب و الاشاعات ، أصبحا كل يوم يسألان عما يقال عنهما و تفاجئان بما يسمعان ، مجتمع فاسد يقول مـراد في نفسه ، أغلقت صفية عليها باب غرفتها و لم تعد تخرج إلا نادرا ، أختها من كانت تأتيها بالأخبار ، كثيرا ما كانت تضحك مما تسمع ، و أختها متعجبة ، تقول ذلك لأمها فترد لا تلوميها مسكينة إنها في حالة حزن و اكتئاب .
مضت الأيام و كثر الهمس و تحول الى كلام صريح ، ظهرت أضغان الناس ، و تمنى كل شخص أمنية ، هناك من يريد صفية زوجة ، و غيره يريدها فقط مطلقة و هناك من تريد مراد زوجا لها ، لديه المسكن و العمل و السيارة هو خلوق و لا شيء ينقصـه .
اشتد الضغط من الأقارب خصوصا من الأم ، تتصل به كل يوم و إذا حدث و أن زارها يجد صور البنات و أخبارهن بانتظاره ، أصبح يحن إلى أيـام صفية .
من جانبها صفية بـدأت تمل من وجودها في بيت أهلها ، الرتابة هي نفسها و الملل نفسـه ، في حديثها إلى أختها العازبة تشعر أنها كانت في جنة ، إن أختها كانت تغبطها على حياتها مستقلة مع زوجها ، و في حديثها مع أخواتها المتزوجات وجدت نفس الوضع ، الملل و الرتابة و الروتين يميز العلاقة الزوجية و هذا أمر عادي يحدث بين كل الأزواج ، أصبحت أكثر استعدادا من ذي قبل لتستعيد حياتها مع زوجها في بيتها ، إنها تشعر بسعادة غامرة ، و تشتاق لاتصال مراد كل ليلة ، إنه يحدثها عن شوقه لها و عن اشتياقه لحياته معها ، أصبحا يعيشان فترة الخطوبة من جديد لكن دون زيف أو كذب أو تحريف ، هي تعرفه و هو يعرفها ، لقد استعادا الكثير من ذكرياتهما معا ، كان يعبر لها عن حبه باستمرار و هو الذي لم يكن يكلمها إلا نادرا ، كل هذه العواطف و هذه المشاعر كنت تخفيها تسأله ، و تمضي عليه الأيام طويلة ، أكثر ما كان يحـزنه الليل و وحدته، عندما يؤوي كل شخص إلى فراشه و سكنه يبقى هو يتقلب يفكر في صفيته ، أحيانا يشعر بالندم على فكرته و أحيانا تعجبه ، لولا ما فعلنا لما كنا اكتشفنا كل ما اكتشفناه ، و يعود الى نفسـه يكلمها و تكلمه ، لا يشعر بالنعمة إلا من فقدها ، لقد كنت في نعمة يحسدني عليها غيري ......أما هي فقد كان الشوق إلى زوجها يقتلها لم يكفها حنان أبيها و أمها و عطفهما عليها ، لا احد مهما بلغت درجة حبه و قربه أن يعوض مكان مراد كائنا من كان .
مضى شهر و نصف، هـدأت الأمور قليلا و نسي أكثر الناس الموضوع ، الجميل في الناس أنهم ينسون ، و أصبح موضوع الزوجين محل اهتمام العائلتين فقط ، خصوصا أمه و أمها ، موعد نهاية العدة المزعومة تقترب ، و لابد من حل لهذه المشكلة ، اتصل مراد بزوجته و أخبرها بخبر أثار اهتمامها ، طلب منها أن تكتمه .
اتصل مراد بصديقيه و لأول مرة منذ انفصاله عن زوجتـه يخبر أحدا عن الموضوع ، و طلبا منهما أن يعدا له عرسا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و طلب منهما أن ينشرا خبر زواجـه ، انتشر الخبر و عاد الموضوع مطروح من جـديد ، مجتمعنا هو من يتحكم بنا مهما فعلنا ، نحن لسنا أبدا أحرارا في تصرفاتنا .
كان الجميع يتساءل عن هوية سعيدة الحظ ، أمه كانت أكثر الناس سعادة ، المهم أن ابنة أسماء لا ترجع إلى بيت ابني ، يتزوج من يشاء إلا هي تقول لأختها ، و من تظنينه قد عزم على الزواج منها ؟ ربما واحدة من زميلاته في العمل ، لقد زارتني اثنتان منهما الأسبوع الماضي .
يتجـه مراد إلى عيادة التحاليل ليجري تحليلا على إمكانية الإنجاب ، لقد كان يعتقد فيما مضى أن سبب تأخر الإنجاب يكمن في زوجته ، لكن نتيجة التحليل خيبت ظنه ، إمكانية إنجابه تنقص كثيرا عن الخمسين بالمائة ، لقد كان هو السبب و ليست زوجتـه ، كبرت صفية في عينه لقد كانت تعلم الحقيقة و تخفيها عنه حتى لا تجـرحه .
في نهاية الأسبوع التالي كان الحضور مكثفا في صالة الأفراح لحضور حفل زواج مراد ، الكل كان يجهل من هي العروس ، ينتظرون المفاجأة التي لم يطل انتظارها ، قبل ساعة من ذلك الوقت كانت صفية تخبر عائلتها عن كل شيء ، بكى أبوها ندما على ما فعل ، أما أمها فلم تكن الأرض تسعها من الفرح ، لقد طلبت من أخواتها إعدادها لتكون عروسا من جديد ، و جاء موكب العرس يحمل صفية كالأميرة إلى قاعة الحفلات ، قبل وصل الموكب اختلى مراد بأمه و أخبرها ، أمي أتعلمين من هو العاجز عن الإنجاب ؟ أنا يا أمي و ليس صفية ، و هي تعلم لأنها أجرت التحاليل و علمت أن لا شيء بها ، أُسْقِطَ في يدي الأم و قالت : كم ظلمت ابنتي و أسأت الحكم عليها ، - كيف طاوعك قلبك و طلقتها ؟
- لم أطلقها يا أمي ،إذا فقد تزوجت عليها ؟
- لا يا أمي .......
و قاطعهما صوت مزامير الموكب ، خرجت الأم مسرعة إلى البهو و كانت المفـاجأة ...........صفية عروس من جـديد .
انتهت القصة القصيرة .
#كلمات_عنتر