العلماءُ والطُّرقيَّة
27-11-2012, 08:56 PM
العلماءُ والطُّرقيَّة


مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ



بسم الله الرحمن الرحيم



يقول الإمام الإبراهيميُّ – رحمه الله - : " ... قالوا إن هذه الطرقية مَرَّتْ عليها قرونٌ ولم يُنْكِرْهَا العلماء ، فَبَيَّنَّا لـهُمْ أنَّ عدم إنكار العلماء الباطل لا يُصَيِّرُهُ حقًّا ، ومرور الزمن عليه لا يُصَيِّرَهُ حقًّا ... " (1)
ويقول الشَّيخ مبارك الميلي –رحمه الله – في "رسالة الشرك" (ص:54) ، تحت فصل "الجواب على المطاعن" : " .... لا ، لم نأت بشيء جديد في نظر الدين ، ولكنه جديد في آذان المستمعين ، ومن تقدَّمنا من العلماء بعضهم نكروا مثلنا فطُعن فيهم وحيل بينهم وبين العامة ، وبعضهم أسَرُّوا الإنكار لمن وثقوا بامتثاله ، ومنهم من كتم لغلبة يأسه ، ومحافظته على هناء نفسه ، ومنهم من لم يكن يدري هذا الشأن ، وإنما اشتهر بمسائل الفروع ، ثم العلماء الثقات حجّةٌ فيما يأثرون ، لا فيما يفعلون أو يقرُّون ، ولا يكون الفعل أو التقرير حجّة إلا من المعصوم .
فأما تأويل النصوص فأكثره تحريف للكلم عن مواضعه ، وغضٌّ من مهابة ظواهرها وعظم موقعها في النفوس ، وأما صرف أقوال العامة ، وأفعالها إلى غير ما أرادت منها ، فتغرير بها وإغراء لها على الباطل .
وأمَّا ابن تيمية فلم يبتدع ضلالة ، وإنما أحيا السنّة ، ودعا إلى الهدى ، واجتهد في النصح ، وليست الدعوة إلى التوحيد بمذهب خاص ، ولكنه دين الله العام .
وما جعل العوام يستخفون بما وقعوا فيه من الشرك الجلي إلا الاعتياد ، وجبن جل العلماء عن الجهر بالإرشاد والعادة – كما يقال – "طبيعة ثانية" ، والإسرار بالعلم إِقْبَارٌ له ... وما جعل بعض العلماء ينتصبون للدفاع عن تَدَيُّنِ العامة ، إلا مجاراة للعوام والتقرب منهم ، ومن مُغرضي الحكام لنيل منصب أو حطام ، وهذا ظاهر في هذا الزمان ، لا يختلف فيه اثنان ... " إ.هــ.
ويقول في فصل "الإكثار على الاحتجاج بسكوت العلماء" في آخر رسالته (ص:295) : " أبعد هذا يحتج محتج لتقرير بدعة بسكوت من يعرفه من العلماء عنها ؟ على أن العلماء العاملين لم يتواطئوا على السكوت وقد نقلنا في هذه الرسالة من الأقوال ما تعرف به استمرار الإنكار على البدع في كل زمان ، وأنَّ ما نكرناه على أهل زماننا نكره مَن قبلنا على أهل زمانهم ، ولم ينفرد بهذه الخطة التقي ابن تيمية رحمه الله وإن انفرد بالشهرة فيها " إ.هــ .
وهذا كاتبٌ من شيبة الإصلاح بالمغرب الأقصى "الرباط" راسلَ "الشهاب" ، [مرآة الإصلاح والمصلحين ، ليس في الجزائر فحسب ، بل في الشمال الإفريقي ] ، ونُشرت مقالته بعنوان : "لا طرق في الإسلام" (2) ، جاء فيها قولهُ : " راقبوا الله أيها العلماء ، واسعوا بكامل مجهودكم إلى تنبيه أولئك الغافلين الذين أضلَّتهم فئة المبتدعين ، وقولوا لنا جهرًا على رءوس الأشهاد بلا خوفٍ ولا وَجَلٍ أنَّ لا طرق في الإسلام ، أما كفاكم أنَّ العوام يستدلون بسكوتكم ويدّعون أنّ ما هم فيه أمرٌ ثابتٌ لا يخرج عن أصول الدّين ؟ " إ.هــ .

الحواشي :
(1) : "آثار الإبراهيمي" (1/174)
(2) : "الشهاب" ، العدد (64) ، (ص:10-12) ، السنة الثانية ، 20 ربيع الثاني 1345هــ أكتوبر 1926م .
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 27-11-2012 الساعة 11:29 PM