هام جدا: المسلمون وأنظمة حكمهم: الإشكالية والمخرج!!؟
29-07-2016, 04:57 PM
هام جدا: المسلمون وأنظمة حكمهم: الإشكالية والمخرج!!؟
يخاض في هذه المسألة الهامة جدا بالحق تارة، وبالباطل تارات!!؟.
ومن يخوض في هذه المسألة فريقان هما:
الأول: من يتكلم فيها بالحق، وهم:" أقل القليل ممن كان نهجهم هو: الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة"، ذلك المنهج العظيم الذي يراعي قاعدة الإسلام الشرعية العظمى، وهي:" درأ المفاسد وجلب المصالح".
الثاني: من يخوض فيها بالباطل، وهم:" الكثرة ممن كان نهجهم هو: اتباع الأهواء الناجمة عن مجرد العاطفة وردات الفعل المتهورة على الحرمان من بعض الحظوظ الدنيوية!!؟".
ولقد وصفنا هذه المسألة بأنها:" هامة جدا، وذلك لما ينجم عن الخوض فيها على نهج أتباع الأهواء بالخروج على الحكام من مفاسد عظيمة": يتجلى بعضها في:
(انتهاك الحرمات، وسفك الدماء المعصومة، وانفلات حبل الأمن، وضياع مصالح المسلمين العليا).
والذي دعاني إلى الحديث في هذه المسألة هو: تصريح خطير جدا قرأته في الأيام الماضية على الشريط الإخباري ل:" قناة الفتنة والتحريض التخاربية- المغاربية "، والتصريح كان للمدعو:" جيلالي سفيان – أحد رؤساء أحزاب المعارضة الجزائرية الكارتونية المصلحجية الصالوناتيةالمناسباتية!!؟-"، وجاء تصريحه كالآتي:
" نحن متوجهون إلى ثورة للتخلص من هذا النظام بأي ثمن!!؟".
أقول معقبا على تصريحه:
لا أدري باسم من يتكلم هذا الإنسان حين يستعمل ضمير:" نحن!!؟"، وهو الذي لا يستطيع ملء قاعة حفلات أعراس من أتباعه!!؟.
إن كل جزائري عاقل خبير بحقيقة رؤساء تلك الأحزاب يدرك بأنهم يريدون:" الزج به في صداممع النظام تكون عواقبه وخيمة جدا!!؟"، بينما يبقى رؤساء تلك الأحزاب آمنين بين أهليهم وذويهم، ويمارسون تحريضهم من القاعات المكيفة!!؟، وإذا ما تعفنت الأوضاع – لا قدر الله -، فسيفرون بجلودهم إلى عواصم الغرب، ومنها:" لندن التي يبث منها: طاقم التخاربية سمومهم لإشعال نار فتنة في الجزائر لا يصل إليهم لهيبها!!؟"، فخيب الله سعيهم، وسعي كل من يسعى لإيقاد نار الفتنة بين الجزائريين، وتعريض أمن وسلامة ووحدة بلدنا الحبيب:" جزائر الشهداء" للخطر الداهم.
وليتأمل كل جزائري عاقل قول:( جيلالي سفيان) في بيانه لسبيل التخلص من النظام، إنه يقول:" بأي ثمن!!؟"، ويعني بالمختصر المفيد:
ولو حصل ذلك:" بانتهاك الحرمات، وسفك الدماء المعصومة، وانفلات حبل الأمن، وضياع مصالح الجزائريين العليا، ومنها: تهديد وجود الجزائر كدولة ذات سيادة كاملة مثل ما هو حاصل في: سوريا وليبيا والعراق...".
ولأن المسألة بهذه الأهمية، أحببت:" درأللفتنة، ووأدها في مهدها": أن أذكر نفسي وكل القراء الأفاضل ببعض مما ورد في هذه المسألة من:" أدلة شرعية: كتابا وسنة بفهم سلف الأمة"، وقبل الشروع في المقصود: أنبه لأمرين هامين جدا، وهما:
التنبيه الأول: لم أقصد استيعاب كل الأدلة الواردة في المسألة، أو الرد على شبه المحرضين!!؟، وإنما ذكرت:" ما يغني فيه لطيف الإشارة عن طويلالعبارة"، و:" اللبيب بالإشارة يفهم!!؟".
التنبيه الثاني:لم أقصد بنشري لهذا المتصفح: الجدال والمراء!!؟"، وإنما القصد الأول والأخير هو:" النصح الصادق لكل من يريد خيرا لجزائرنا الحبيبة"، وأما:" من يضمر لها شرا، فهذا لا ينفع معه: نصح ولا جدال ولا مراء!!؟، لأن سوء القصد يعمي البصيرة، ويؤدي إلى سوء الفهم!!؟"، وهذا:" الصنف!!؟: يستحيل الوصول معه إلى نقطة وفاق – ولو استمرت فترة النقاش معه: فترة دعوة نوح عليه السلام لقومه!!؟-".
وإلى المقصود بتوفيق الله المعبود:
من:" أعظم أصول أهل السنة والجماعة في معاملة الحكام": ما أكده شيخ الإسلام:" ابن تيمية" رحمه الله في:( الفتاوى: 28/179)، حيث قرر أن:
" الصبر على جور الأئمة: أصل من أصول أهل السنة والجماعة".
ويؤيد هذا المعنى الإمام:" الشوكاني" رحمه الله في:(رفع الأساطين في حكم الاتصالبالسلاطين، ص:81-82)، حيث يقول:
" ولا تكاد ترى مؤلفاً في السنة يخلو من تقرير هذا الأصل والحض عليه، وقد بلغت الأحاديث حد التواتر في ذلك".
وهذا من محاسن الشريعة، فإن الأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم: يجلب من المصالح، ويدرأ من المفاسد: ما يكون به صلاح العباد والبلاد.
يقول شيخ الإسلام:" ابن تيمية" رحمه الله:
" وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ، فلا يجوز أن يزال: لما فيه من ظلم وجور، كما هو: عادة أكثر النفوس، تزيل الشر بما هو شر منه، وتزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد: أكثر من ظلمهم، فيصبر عليه، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي - في مواضع كثيرة: كقوله تعالى:[ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ]، وقوله:[ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ]،
وقوله:[ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا]، فالصبر على السلاطين إذا جاروا من عزائم الدين، ومن وصايا الأئمة الناصحين". (بدائع السلك في طبائعالملك:1/76).
وجاء في:( الشريعة: ص 38) للأجري : عن عمر بن يزيد، أنه قال :
سمعت الحسن البصري- أيام يزيد بن المهلب يقول - وأتاه رهط - فأمرهم أن يلزموا بيوتهم، ويغلقوا عليهم أبوابهم، ثم قال:
" والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا: ما لبثوا أن يرفع الله - عز وجل - ذلك عنهم، وذلك: أنهم يفزعون إلي السيف، فيوكلون إليه، واللهما جاؤوا بيوم خير قط، ثم تلا:[ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ]".
وقال الحسن - أيضاً - :
" اعلم - عافاك الله - أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى -، ونقماللهلاتلاقى بالسيوف، وإنما تتقي وتستدفع بالدعاء والتوبة، والإنابة والإقلاع عنالذنوب، إن نقماللهمتى لقيت بالسيوف كانت هي: أقطع، ولقد حدثني مالك بن دينار أن الحجاج كان يقول:
" اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنباً: أحدث الله في سلطانكم عقوبة".
ولقد حدثت أن قائلاً قال للحجاج : إنك تفعل بأمة رسول الله: كيت و كيت!، فقال: أجل، إنما أنا نقمة على أهل العراق: لما أحدثوا في دينهمما أحدثوا، وتركوا من شراع نبيهم عليه السلام - ما تركوا". ( آداب الحسن البصري، ص:119 – 120): لابن الجوزي.
و سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال:" لا تفعل - رحمك الله -، إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات: أن تليكم القردة والخنازير!!؟، ولقد بلغني أن رجلاً كتب إلي بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه:
يا أخي: وصلني كتابك تذكر ما أنتم فيه من جور العمال، وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية: أن ينكر العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب، والسلام".(المصدر السابق).
وهذا من حكمة الحسنِ البصري في دعوته إلى الله، فإن الخروج على الأئمة المسلمين - ولو كانوا فسّاقًا - يسبب شرًّا كثيرًا، وفتنة عظيمة، وإزهاقًا للأرواح، وفسادًا كبيرًا، فَسدَّ الحسن الباب أمام هذه المفاسد العظيمة.
ذلك هو:" منطلق الإيمان"، وتلك هي:" عصمة التقوى"، وتلك هي:
" بصيرة العالم بترجيح المصالح والمفاسد"، وذلك ما فعله:" سعيد بنالمسيب" رحمه الله، كان من أئمة التابعين الكبار الذين كانت لهم مواقف مشهورة مذكورة في قول الحق وفي الصدع به، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن دون أن يكون ذلك: مؤذناً بفتنة أو مفضياً إلى سفكدم، أو مؤدياً إلى اضطراب وخلل في أمن الناس ومعاشهم، ولذلك كان يقول رحمه الله: " الشيطان مع الشاذ والخارج عن الجماعة، وهو من الاثنين والجماعة أبعد".
وأما الحسن البصري، فكان من أئمة التابعين إيماناً وزهداً وعبادة، فقد جاور الحجاج مع ما هو معروف عنه من ظلمه وبطشه، وقالوا للحسن:" ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام، وأكل المال الحرام، وترك الصلاة جماعة، وما كان عليه من مخالفة السنة؟"، فقال:" أرى أن لا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبة من الله، فما أنتم برادي عقوبته، وإن يكن بلاء، فاصبروا حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين".
هذا هو:" موقف أهل السنة والجماعة من جور السلطان": يقابلونه بالصبر والاحتساب، ويعزون حلول ذلك الجور بهم إلى ما اقترفته أيديهم من خطاياوسيئات: كما قال الله - جلا وعلا -:[ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ]، فيهرعون إلى التوبة والاستغفار، ويسألون الله جل وعلا : أن يكشف ما بهم من ضر، ولا يقدمون على شيء مما نهى عنه الشرع المطهر في هذه الحال من:( حمل السلاح أو إثارة فتنة أو نزع يدمن طاعة): لعلمهم أن هذه الأمور، إنما يفزع إليها: من لا قدرلنصوص الشرع في قلوبهم من أهل الأهواء الذين تسيرهم الآراء، لا الآثار، وتتخطفهمالشبه، ويستزلهم الشيطان!!؟".
ولقد جاء في النصوص الشرعية من:" التحذير من مذاهب الخوارج": ما فيه بلاغ لمن عصمه الله - عز وجل الكريم - من مذاهبهم، ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله العظيم: كشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين، ودعا للولاة بالصلح، فإن أمروه بطاعتهم، وأمكنته طاعتهم: أطاعهم، وإن لم يمكنه: اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية: لم يطعهم، وإذا دارت بينهم الفتن: لزم بيته، وكف لسانه ويده، ولم يهو ما هم فيه ، ولم يعلن على فتنة، فمن كان هذا وصفه: كان على الطريق المستقيم - إن شاء الله –". (من كلام الآجري في الشريعة، ص: 37).
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: تأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم، ونسوق منها دليلين فقط: يكفيان من في كان في قلبه:
" تعظيملنصوص الشريعة وإيثار لها علىأهواء نفسه"، فإن:" طالب الحقيكفيه دليل، ومتبع الهوى: لن يقنعه ألف دليل!!؟"، وإلى الدليلين المتفق على صحتهما، فهما عند:
( البخاريومسلم) رحمهما الله:
الدليل الأول:
أخرج:(البخاري:13/5 )، و:(مسلم: 3/1477 ) عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من رأي من أميره شيئاً يكرهه: فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهلية".
وفي رواية لمسلم:" من كره من أميره شيئاً، فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً، فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية".
قال:( ابن أبي جمرة):
" المراد بالمفارقة: السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغيرحق".ا هـ.
والمراد بالميتة الجاهلية: حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد: أنه يموت كافراً، بل يموت عاصياًً"، قاله:" الحافظ" في:( الفتح: 13/7).
الدليل الثاني:
أخرج:( البخاري:13/5 )، و:(مسلم:( 147/2) - أيضا-، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تكرهونها ". قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟. قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم".
قوله:" أثرة" هي: الإنفراد بالشيء عمن له فيه حق، أي : يُؤثرون أقاربهم ومعارفهم، ويخصونهم دون سواهم، ودون غيرهم من الناس!!؟.
وقوله:" أمور تنكرونها " يعني: من أمور الدين.
لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته في هذه الحالة، وهي:
" استئثار الأمراء بالأموال، وإظهارهم للمخالفات الشرعية" إلى المسلكالسليم، والمعاملة الحسنة التي يبرأ صاحبها من الوقوع في الإثم، وهي:
" إعطاء الأمراء الحق الذي كتب لهم علينا من: الانقياد لهم، وعدم الخروج عليهم، وسؤال الله الحق الذي لنا في بيت المال بتسخير قلوبهم لأدائه، أو بتعويضنا عنه".
فالواجب علينا: أن نُطيع أولياء الأمور ديانةً ؛ فلا نُطيعهم طمعاً فيما عندهم من مساكن أو مناصب أو مراتب، ولا نُطيعهم من أجل سَوادِ عيونهم، ولا من أجل تحقيق مآربهم، ولا من أجل إثبات شخصياتهم، وإنما الواجب: طاعتهم من أجل أن تبقى هيبة للدولة، وأن تبقى الكلمة مجتمعة، ومن أجل أمن المجتمع، ومن أجل تحقيق المصلحة العامة التي يُقدمها الشرع على المصلحة الخاصة.
فهذا حُكْم شرعيٌّ لا يتغير ولا يتبدل ، وإن اختلفت الأمصارُ والأعصار كما هو معلوم.
قال:" النووي" رحمه الله تعالى في:( شرح مسلم: 12/232) معلقا على هذا الحديث:
" فيه الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً، فيعطي حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه، ولا يخلع، بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره، وإصلاحه". انتهى.
وقال:" ابن علان" رحمه الله:
" فيه الصبر على المقدور، والرضي بالقضاء حلوه ومره، والتسليم لمراد الرب العليم الحكيم".( دليل الفالحين:1/197). ا هـ.
ويستفاد من هذين الحديثين وغيرهما من الأحاديث والآثار: وجوب الصبر على جور الأئمة، واحتمالالأذى منهم: لما في ذلك من درء المفاسدالعظيمة التي تترتب على الخروج،وعدم الصبر عليهم، يقول الإمام:" ابنأبي العز الحنفي - رحمه الله – في:( شرحهللعقيدة الطحاوية: ص 368):
" وأما لزوم طاعتهم - وإن جاروا-، لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد: أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم: تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى: ما سلطهم علينا إلا لفسادأعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل.
قال تعالى:[ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ].
وقال تعالى:[ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ].
وقال تعالى:[ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ].
وقال تعالى:[ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ].
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلمالأمير الظالم، فليتركوا الظلم.
وعن مالك بن دينار أنه جاء في بعض الكتب:
" أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني: جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني: جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك، ولكن توبوا أعطفهم عليكم". انتهى.
ويقول:" الإمام العلامة المدقق المحقق: ابن قيم الجوزية" رحمه الله في كتابه:( مفتاح دار السعادة:1/253):
" وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم!!؟، فإن استقاموا: استقامت ملوكهم، وإن عدلوا: عدلت عليهم، وإن جاروا: جارت ملوكهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكر والخديعة، فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم، وبخلوا بها: منعت ملوكهم وولاتهم: ما لهم عندهم من الحق، ونحلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم: أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه، وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف: يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم، وليس في الحكمة الإلهية: أن يولى على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصدر الأول: خيار القرون وأبرها: كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا: شابت لهم الولاة، فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل:" معاوية وعمر بن عبد العزيز، فضلا عن مثل: أبي بكر وعمر"، بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم، وكل من الأمرين: موجب الحكمة ومقتضاها، ومن له فطنة: إذا سافر بفكره في هذا الباب: رأى الحكمة الإلهية سائرة في القضاء والقدر: ظاهرة وباطنة فيه كما في الخلق والأمر سواء، فإياك: أن تظن بظنك الفاسد أن شيئا من أقضيته وأقداره: عار عن الحكمة البالغة، بل جميع أقضيته تعالى وأقداره: واقعة على أتم وجوه الحكمة والصواب، ولكن العقول الضعيفة محجوبة بضعفها عن إدراكها، كما أن الأبصار الخفاشية محجوبة بضعفها عن ضوء الشمس، وهذه العقول الضعاف: إذا صادفها الباطل: جالت فيه وصالت ونطقت وقالت، كما أن الخفاش إذا صادفه ظلام الليل: طار وسار!!؟.
خفافيش أعشاها النهار بضوئه ÷ولازمها قطع من الليل مظلم
وههنا: ملاحظة هامة جدا، نذكرها حتى لا يتسرع بعضهم، فيتهمنا بأننا ندافع عن الأنظمة الظالمة، أو أننا نبرر فسادها وانحراف حكامها!!؟، فمعاذ الله أن يكون ذلك قصدنا، بل القصد هو: تقديم النصح للمسلمين – حكاما ومحكومين – على وجه نراعي فيه:" مقصدا شرعيا عظيما هو: ضرورة الحفاظ على دول المسلمين من التفكك والتشرذم والتمزق: كما هو مشاهد هنا وهناك، سابقا وحاليا، مما أغلبه: كان نتيجة التهور والخروج على الحكام والتحريض عليهم!!؟".
ولكن للأسف: تتكرر مآسينا على مر التاريخ، وكأننا: لا نريد أن نتعظ مما سمعنا به وقرأنا عنه في صفحات التاريخ!!؟، ونفضل أن نعيشه في:" نسخة مشوهة تأتي على الأخضر واليابس!!؟، ولعل لسان حال المتهورين
يقول لنا: ليس من رأى: كمن سمع!!؟".
ولمن ولاه الله مسؤولية أمور المسلمين - مهما عظمت أو صغرت تلك المسؤولية-، نقول:
اتقوا الله فيمن ولاكم الله أمره من رعيتكم – ولو كانت أسرة صغيرة-، فإن وعيد النبي صلى الله عليه وسلم: شديد فيمن غش في تلك الأمانة، ويدل لذلك الحديث الآتي:
عن الحسن قال : عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه، قال معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علمت أن لي حياة ما حدثتك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".(السلسلة الصحيحة:2631).
إن كثيرا من المسلمين يجعلون هذا الحديث حصرا على الحكام!!؟، وينسون بأنهم: معنيون به كأفراد من مجتمع في حالة ما إذا تولوا أية مسؤولية – مهما صغرت، ولو كانت مسؤولية أسرة!!؟-، ولنربط هذا المعنى بالحديث الآتي الذي يعرفه ويحفظه الكثير:
عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، وعبد الرجل، وفي طريق: والخادم راعٍ على مال سيده، وهو مسؤول عنه، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة"، سمعت هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال:" والرجل في مال أبيه"، ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته ".( صحيح الأدب المفرد:1/91).
ويؤكد أثر المسؤولية الفردية في حصول جور الحكام، وهو مما يغفل عنه كثير من المسلمين:" أن خيانة أمانة التجارة والغش فيها بنقصان المكيال والميزان: أحد أسباب جور الحكام!!؟"، كما سيأتي دليله.
وهنا أيضا نؤكد: بأنه يجب على حكام المسلمين: الحكم بكتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين، لأن الإعراض عن تحكيمهما من أهم أسباب فرقة المسلمين بدليل قول خاتم النبيين:"...وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم".( السلسلة الصحيحة:4009).
لقد جاء هذا التحذير الشديد، وذلك التهديد والوعيد في حديث عظيم جدا: يجب أن يقرأه ويفهمه ويعمل بمدلوله:( كل المسلمين: حكاما ومحكومين): إذا ما أرادوا:" الاهتداء والأمن والسعادة والرخاء والهناء في الدنيا، والفوز والنجاة يوم القيامة"، والحديث بتمامه كالآتي:
{ عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن:
1)لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها: إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
2)ولم ينقصوا المكيال والميزان: إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم.
3)ولم يمنعوا زكاة أموالهم: إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا.
4)ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله: إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم.
5)وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم}.( السلسلة الصحيحة:4009).
وختاما:
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى: أن يهدينا حكاما ومحكومين إلى طاعته وحسن عبادته، كما نسأله جل وعلا: أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد: يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته.
ونسأله تعالى أن يحفظ بلدنا الجزائر وكل بلاد المسلمين من الفتن: ما ظهرمنها وما بطن.
اللهم من أرادنا ببلدنا سوءا، فاجعل كيده في نحره، وتدبيره في تدميره.
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
من مواضيعي
0 مهما.. ومهما!
0 عالمية الدور الحضاري للعربية
0 صانعة الأجيال
0 هام جدا: مجتمعنا أمانة في أعناقنا
0 كيف نتعامل مع المشكلات الأخلاقية!!؟
0 23 تغريدة في رحلة مع حياة نوح وأسلوبه في التأثير والتواصل
0 عالمية الدور الحضاري للعربية
0 صانعة الأجيال
0 هام جدا: مجتمعنا أمانة في أعناقنا
0 كيف نتعامل مع المشكلات الأخلاقية!!؟
0 23 تغريدة في رحلة مع حياة نوح وأسلوبه في التأثير والتواصل
التعديل الأخير تم بواسطة أمازيغي مسلم ; 29-07-2016 الساعة 05:05 PM