معركة أنوال الفاصلة.. الكارثة العسكرية الكبرى في تاريخ إسبانيا
12-12-2019, 12:31 PM


في معركة أنوال الشهيرة والفاصلة لقَّن المجاهدين المغاربة جنود الاحتلال الإسباني دروسًا لن تُنسى ..

كانت معركة أنوال من المعارك الفاصلة في تاريخ الثورة الريفية في المغرب ضد الاحتلال الإسباني، وقد وصفها شاهد عيان: بأنها معركة شديدة لم يسبق لها مثيل في جميع المعارك التي جرت بين المغرب وإسبانيا، كما قال عنها البعض: أنها كمعركة الزلاقة في أيام المرابطين ومعركة الأرك في عهد الموحدين حيث كان لها صدى كبير في العالم الغربي ولقَّنت جنود الاحتلال الإسباني دروسًا لن تُنسى إلى الأبد، وهذا ما جعل أحد الجنرالات الإسبان يصرح في أعقاب المعركة أن هذه أكبر كارثة عسكرية عرفتها إسبانيا في تاريخها.

ما قبل معركة أنوال
تعرضت الأمة العربية للعدوان والاحتلال الأوروبي طوال العصر الحديث وحتى الحقبة المعاصرة، وكانت وراء ذلك مجموعة من الدوافع أهمها التعصب الديني والقومي والأطماع الاقتصادية، وشارك في ذلك العدوان العديد من القوى الأوروبية في مقدمتها البرتغال والإسبان والفرنسيون فضلًا عن المشاركة البريطانية والأمريكية في الحقبة المتأخرة من العصر الحديث ومطلع القرن العشرين.
وقد تميز المغرب عن غيره من أقطار الوطن العربي بأنه شهد وواجه أولى موجات هذا الاحتلال، فمنذ القرن السابع عشر الميلادي انفردت إسبانيا باحتلال العديد من المدن والموانئ الساحلية المغربية، وفي مطلع القرن العشرين دخلت إسبانيا في مفاوضات مع فرنسا انتهت بتقسيم المغرب إلى ثلاث مناطق إحداهما خضعت للنفوذ الدولي والثانية خضعت للنفوذ الفرنسي والثالثة خضعت للنفوذ الإسباني وهي منطقة إقليمي الريف وجبالة في الشمال المغربي، وقد أعطى هذا الاتفاق حرية الحركة لفرنسا وإسبانيا في احتلال المغرب تحت ذريعة ايفاء الديون المستحقة وبالتالي خضع المغرب للاحتلال الثنائي الفرنسي الإسباني.

الاستعداد لمعركة أنوال
لم يقف المغاربة حكومةً وشعبًا مكتوفي الأيدي إزاء العدوان الإسباني، فقد كان الرد سريعًا وحاسمًا، فبعد إعلان الاتفاق الفرنسي الإسباني في عام 1912م بدأ الكفاح الشعبي المسلح في نفس العام، وبدأت الحركات الشعبية والجهادية في كل الأقاليم وعلى رأسها إقليم الريف الذي أشعل الثورة في جوانبه الأمير محمد عبد الكريم الخطابي الذي كان يعلم حقيقة قوة الخصم وشدته ورغم ذلك قرر محاربته إلى آخر رمق.
بدأ محمد عبد الكريم الخطابي جهوده في مواجهة الاحتلال بالتعبئة الدينية والوطنية، فقد كان يدرك أن النصر لن يتحقق بغير تلك العاملين الديني والوطني، ومن هنا بدأ يبث في أبناء شعبه روح الوطنية التي تتماشى مع دين الإسلام والشريعة المطهرة، ويستدل بالكتاب والسنة في جميع أحاديثه ومواعظه، وكان المسجد نقطة انطلاقته فكان يؤم الناس في الصلاة ثم يلقي عليهم أحاديثه، وعليه فقد أدت المساجد دورًا كبيرًا في إثارة الحماس للجهاد الوطني ضد الإسبان المحتلين للمغرب.
لم يكتفي محمد عبد الكريم الخطابي بالتوعية فقط للتحرك الوطني، بل عمل على إصلاح الأحوال الداخلية وتنظيم القيادات العسكرية القتالية، فعكف على شراء الأسلحة والعتاد ووضع أُسسًا جديدة لحرب العصابات وقام بتدريب المجاهدين على أساليب الحرب وطرق الهجوم والدفاع، ثم بعد ذلك عقد مؤتمرًا حضره جميع أعيان وعلماء إقليم الريف، ودعاهم فيه إلى التمسك بالكتاب والسنة في جميع أعمالهم، وأن يتحدوا كلهم لمحاربة القوات الإسبانية المحتلة فأكد له الجميع أنهم مستعدون للدفاع عن وطنهم وشرفهم وانتخبوه أميرًا عليهم في قيادة الجهاد الوطني ومواجهة الاحتلال الإسباني.

أحداث معركة أنوال الفاصلة
منذ عام 1912م لم يتوقف الكفاح الشعبي المغربي ضد الاحتلال الإسباني، وخلال هذه السنوات خاض المغاربة بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي الكثير من المعارك مع العدو أبرزها معركة أنوال التي وقعت في 21 يوليو 1921م وكانت بوابة التحرير لمعظم الشمال المغربي.
تقررت حالة الحرب بين الطرفين وبدأت المعركة الفاصلة في قرية أنوال بين المغاربة الذي كان عددهم كما قيل: لا يتعدى ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وبين الجيش الإسباني بقيادة الجنرال سلفستر وكان عددهم كما قيل: أيضًا 27 ألف جندي مدججين بأحدث الأسلحة الفتاكة.
استخدم الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي خطة حرب العصابات الغير نظامية واستدرج الجيش الإسباني إلى مناطق جبلية وعرة كان قد حفر بها بعض الخنادق لمباغتة القوات الإسبانية، وفي الموعد خرج المقاتلون الريفيون من خنادقهم متسللين وهاجموا القوات الإسبانية هجومًا شديدًا ومباغتًا حتى أن الجنود الإسبان أذهلتهم المفاجأة وعاشوا حالة من الذعر وسرعان ما ضعفت معنوياتهم حتى أصيب بعضهم بالهستيريا وقام بعضهم بالانتحار، أما البعض الأخر قرر الانسحاب والهروب رغم كثرة عددهم، وعند هروبهم أخذت النيران الريفية تنهمر عليهم من كل جانب حتى ملأت جثثهم مسافات واسعة من الأرض، وقد لقى الجنرال سلفستر حتفه هو وعدد كبير من الضباط، وانتهت المعركة بانتصار ساحق للمجاهدين الريفيين الفلاحين البسطاء.

نتائج معركة أنوال
كان لمعركة أنوال نتائج مهمة على الصعيد المحلي والوطني والعربي والدولي فقد تكبدت القوات الإسبانية خسائر فادحة على كافة المستويات البشرية والمادية والنفسية، وقد ذكرت الإحصائيات الرسمية الإسبانية نفسها أن خسائرهم في الأفراد 19 ألف قتيل و430 جريح و570 أسير، في حين بلغت تضحيات القوات الريفية 500 شهيد و600 جريح، حيث كان لتضاريس الأرض أثرها في صغر حجم التضحيات الريفية، وهذا ما جعل أحد الجنرالات الإسبان يصرح في أعقاب المعركة أن هذه أكبر كارثة عسكرية عرفتها إسبانيا في تاريخها.
أيضًا حصل الريفيون على الكثير من المعدات العسكرية والتموينية والطبية مكنتهم من النضال ضد الإسبان لفترة طويلة، وهذا ما جعل الخطابي يقول "لقد أعطانا الإسبان في ليلة واحدة كل ما نحتاج إليه للقيام بحرب كبيرة"، كما كان للمعركة أنوال صداها المحلي حيث ابتهج سكان الريف المغربي بهذا النصر وأيقنوا أن بإمكانهم الوقوف في وجه الاستعمار الأجنبي مهما كانت قوته، والصعيد العربي فقد هز انتصار أنوال معظم أقطار الوطن العربي، واستقبل الشعب العربي هذا الانتصار بفرح وابتهاج، أيضًا كان لمعركة أنوال انعكاساتها وتأثيراتها على الأوضاع الداخلية في إسبانيا إذ كانت سببًا في استقالة الحكومة الإسبانية وإحداث حالة انقسام في الرأي العام حتى ارتفعت بعض الأصوات بالمطالبة بالجلاء عن المغرب[1].

[1] محمد علي داهش: دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر، ص117- 151، وعبدالله اللويزي: صورة المغربي في المتخيل الاسباني، دار الخليج، الأردن، الطبعة الأولى، 2018، ص71- 89.
قصة الإسلام