شيخُ الطريقة القادرية يُسمعُ الطرق كلمةَ الحقّ بقلم: الشَّيخ سمير سمراد
16-10-2012, 04:26 PM
شيخُ الطريقة القادرية يُسمعُ الطرق كلمةَ الحقّ
بقلم:
الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله


مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ



بسم الله الرحمن الرحيم


عقد رؤساء الطرق والزوايا مؤتمرهم في عاصمة الجزائر يوم 15 أفريل 1938م ، والأيام التى تليه : 16 ، 17 ، 18 ، " وقدم إلى الجزائر يوم الاثنين (19) الشاب الناهض الشَّيخ محمد الصالح بن الشَّيخ الهاشمي (1) ليشترك في هذا المؤتمر نيابةً عن أخيه الشَّيخ عبد العزيز رئيس الطريقة القادرية بشمال إفريقيا الذي استدعى للحضور ، فألقى خطبةً رائعةً ،بيَّن بها أن لا طريقة إلاّ طريقة السنَّة ، وذكر فضل علماء الإصلاح على الجزائر في بثّ الهداية الإسلاميَّة الحقَّة (2) ، وقد نشرت "البصائر" نصَّ الخطاب الذي ألقاه الشَّيخ محمد الصالح في مؤتمر الطرقيَّة ، ممَّا جاء فيه :
1- جاهرهم بالانتقاد على كون اجتماعهم واتحادهم "جامعة اتحاد الزوايا" خاصًّا بأصحاب الطرائق وأرباب الزوايا دون غيرهم من العلماء ، فقال :
" حزنَّا كثيرًا لقصور هذا الاتحاد – إن تحقق – على طائفة من المسلمين دون طوائف، وودنا لو كان هذا العنوان عامًّا في مدلوله شاملاً للمسلمين كلهم "
" إن هذا الاجتماع سوق أقمناه ومعرض نظمناه فكان أول عيوبه ونقائصه ما في اسمه من تخصيص النِّسبة وقصور الإضافة " ، " أيها الإخوان : لو كان هذا الاجتماع دنيويًّا عقد باسم الدنيا ولغرض من أغراض الدنيا – لكان للتخصيص فيه معنى ، ولكان للطائفية فيه عذر مقبول وغرض معقول ، لأن الناس فرقت بينهم أسباب الدنيا ومصالحها واختلفت بسببها آراؤهم واختصاصاتهم فيها ... ولكن هذا الاجتماع ديني وفي معناه ومبناه وبأسبابه ودواعيه ، وليس في الدين حرفة ينفرد أهلها برأي ولا تجارة ينفرد أصحابها ببضاعة ، وإنما هو كتاب الله منه المبدأ وإليه المصير ، وعليه قامت سنة نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم استقام هدي سلفنا الصالح رضوان الله عليهم ، وبهذه الثلاثة قامت الحجة علينا ، وبهذه الثلاثة يجتمع شملنا وتتفق كلمتنا ، وإلى هذه الثلاثة يجب أن تكون دعوتنا جهارًا بلا أسرار ، وجمعًا بلا تفرق ، فما أحقَّ هذا الاجتماع بأن تكون دعوته الجفلى وأن يكون باسم الأمة الإسلامية كلها ، لتجتمع على الكلمة الجامعة من كتاب ربها وسنة نبيِّها ، وما أحقه أن يزدان بحضور علماء الوطن الجزائري الذين هم زينته ومفخره " (3)
2- وانتقد عليهم أن يكون اجتماعهم اجتماعًا: " تثور فيه الحقود وتنمو بسببه الضغائن من طائفة من المسلمين على طائفة أخرى " (4)، مشيرًا إلى ما كان في هذا الاجتماع من التعرض للعلماء المصلحين والتهجّم عليهم.
3- دعاهم إلى أن يكون اجتماعهم اجتماعًا حقيقيًّا، تبذلُ فيه النصيحة وتُسمعُ الحقيقة، فقال: " لا قيمة لاجتماعنا هذا إلا إذا كان معرضًا للحقائق تجلى فيه بكل صراحة ، وملجأً لكلمة الحق تلقى فيه بكل حريَّة ، وإنه لا مكافأة لما صرفه الإخوان الحاضرون من وقت ومال في سبيل هذا الاجتماع ، إلا ما يسمعونه من حقائق ويتبادلونه من نصائح دينيَّة وإرشادات ويقومون به جميعًا من واجب التواصي بالحق والتواصي بالمرحمة والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر ، فإن لم يكن هذا فنعلم أننا غششنا أنفسنا وغششنا المسلمين وأسخطنا الله ورسوله وصالحي المؤمنين " (5)
4- جاهرهم بأن من أعظم أسباب ما أصاب هذه الأمة من البلاء : " تفرُّق النِّسب برؤسائها الدينيِّين " ، هذا البلاء الذي طال عليه " الأمَدُّ حتى استعصى على العلاج ، فالواجب على كلِّ من في قلبه مثقال ذرة من الرحمة بهذه الأمة أو الشفقة عليها أن يُعين على إزالة أسباب هذا البلاء " (6)
5- جاهرهم بأن دعوة العلماء المصلحين حقٌّ ، فقال : " إن أحق الناس بالدعوة إلى هذا هم العلماء وقد كانت هذه الدعوة ، وكانت صارخة مستنفزَّة ، فثقلت على النفوس وقوبلت من بعضها بالاشمئزاز والتنفير ، ومن بعضها بالردّ والصدّ ، ولا نخفي الحقَّ إذا قلنا إنَّ هذا الاجتماع أثرٌ من آثار تلك الدعوة ، لكن الحق الذي يجب أن يقال في هذا المقام هو أن تلك الدعوة في ذاتها حق ، لأنها تدعو إلى كتاب الله وهو حق وإلى سنة رسوله وهي حق وإلى هدي السلف وهو حق ، وإلى هدم البدع التى لابست الدين وهي موجودة حقًّا وكثيرة حقًا وكلها شرٌّ حقًّا وباطلة حقًّا ، والواجب على كل مسلم هدمها حقًّا "
6- دعاهم إلى ترك حظوظ النفس وإيثارها على قبول الحقّ الذي دعا إليه العلماء ، فقال : " ومن الحق الذي يجب أن يقال في هذا المقام أن ثقل تلك الدعوة على بعض النفوس ليس من طبيعة تلك الدعوة ، وإنَّمَا هو من طبيعة تلك النفوس ، والواجب علينا قبل كل شيء أن نفرِّقَ ماهو من حقوق الدين ، وبين ما هو حظ من حظوظ النفس ، وأن نربي أنفسنا على إيثار حقوق الدين على حظوظ النفس ، وأن نربيها على الاتساع والإذعان والرجوع للحق ، وأن نربي آذاننا على سماع كلمة الحق ، وألستنا على النطق بها " (7)
7- وأخيرًا صارحهم : بأن لا طرقية في الإسلام ، فقال : " أيها الإخوان : أنا طُرُقِيٌّ وِرَاثَةً ، وابن زاوية عريقٌ في نسبة الزاوية والطرقية إلى بضعة أجداد في التاريخ ، وعندى من العلم ما أُفَرِّقُ به بين الحق والباطل على الأقل ، ومن المعرفة العامة ما أُمَيِّزُ به بين الخير والشرِّ وبين المقبول والمردود ، وإني أدين الله الذي أُؤمِنُ بلقائه بأن لا طرقية في الإسلام ولا زاوية في الإسلام ولا طائفيَّة في الإسلام ، وبأنه إن كان في هذه الزاويا وهذه الطرق خيرٌ فإنَّ شرَّها يذهب بخيرها ، وبأنَّ من آثارها النفسيَّة التى لا ينركها إلاَّ أعمى البصيرة أنَّها فرقت كلمة المسلمين ، لا أتكلم عن غائب ولا عن مجهول وإنَّما أتكلَّم عن مشاهد وعيان وأعبِّرُ عن وجدان لا تزال آثاره في نفسي التي بين جنبيَّ لولا أن عصمني الله بما وفقنىي إليه من العلم "
8- وخَتَمَ شيخُ ورئيسُ الطريقة القادرية بشمال إفريقيا خطابَهُ بثناءٍ على دعوة العلماء وتبيينٍ لمراميهم النَّبِيلة ، فقال : " إنني أدين الله أيضًا أن الحركة القائمة إنَّما هي ضدَّ البدع المحدثة في الدين وإنَّها إن أَتَتْ فإنما تأتي على الباطل أمَّا الحقُّ فهو ثابتٌ بإذن الله محفوظٌ بحفظ الله ، وإني فهمت ولا زلتُ أفهم من أقوال القائمين بها وأعمالهم ومراميهم أنَّها ليست موجَّهة لهدم الزاويا وإنَّما هي مُوَجَّهة لإصلاحها (8) عبد العزيز بن الهاشمي (9)

الحواشي :
(1) : قال ابن باديس في مقالته : " الشَّيخ عبد العزيز الهاشمي والإصلاح " : بعد أن ذكر الشَّيخ الهاشمي : شيخ الطريقة القادرية ، واشتراطه في أبنائه أن لا حظَّ لأحدهم في الحبس إلاَّ إذا حصل على شهادة العالمية (التطويع) من جامع الزيتونة : (... انتهى أمر الحبس إلى الشَّيخ عبد العزيز بن الشَّيخ الهاشمي بمقتضى شرط المحبس بعد وفاة أخيه الأكبر ، وتولَّى مشيخة الطريقة القادريَّة ، ودخل معه في الحبس أخوه الشَّيخ محمد الصالح لتحصيله على شهادة العالميَّة ، فكان الرجلان بما لهما من العالميَّة بعيدين عن كلِّ تلك المواقف العدائيَّة التى وقفها شيوخ الطرق الأخرى أو أُوقِفُوا فيها ضدَّ جمعيَّة العلماء ) انظر : " آثار الإمام ابن باديس " (5/397)
(2) : "البصائر" ، العدد (111)، 28 صفر 1357هـــ ، 29 أفريل 1938م ، (ص:6).
(3) : "البصائر" ، العدد (112) ، 6 ربيع الأول 1357هـــ ، 6 ماي 1938م ، (ص:6-7)
(4) : المصدر نفسه
(5) : المصدر نفسه
(6) : "البصائر" ، العدد (113) ، 13 ربيع الأول 1357 هـــ ، 13 ماي 1938م ، (ص:2-3) .
(7) : نشر ابن باديس ( للحقيقة والتاريخ ) – كما قال – القانون الفرنسي لجمعيَّة الزوايا (الطرقيَّة) ، وذلك : ( ليطّلع عليه القراء ويعرفوا منه غاية هؤلاء الناس وما إليهِ يعملون ) ، يقول كبراء الزوايا عن غايتهم وغاية (جامعتهم) : ( غاية هذه الجمعية هي أوَّلاً المحافظة على نفوذ الزوايا والطرق وعلى شهرتها وسمعتها ومكانتها ) ، وعلَّقَ ابنُ باديس بقوله : ( النفوذ ! والشهرة ! والسمعة ! والمكانة ! فهل أَبْقَوْا من مظاهر السلطان والسيادة والكبرياء والعظمة والاستيلاء شيئًا ؟ هذه هي غايتهم: أن يَبْقَوْا سادةً على الناس، وأن يُبْقَوْا الناسَ مُسْتَعْبدِينَ لهم، أين هي التربية ؟ أين هو التعليم ؟ أين هو نشر الإسلام ؟ أين هي مقاومة المفاسد والشرور ؟ أين هو الوعظ والارشاد ؟ هذه كلها أمورٌ لا ذكر لها عندهم، لأنهم يخافون منها على سلطانهم....) ، انظر : " آثار الإمام ابن باديس " ( الزوايا وغاياتها كفى بهم شهداء على أنفسهم ) (5/161-162) .
(8) : وقد شرع الشَّيخ عبد العزيز بن الهاشمي ( بعمارة زواياه بالعلم ، وعيَّن رجلين للتعليم من أبناء سوف المتخرجين من جامع الزيتونة ...) انظر : " آثار الإمام ابن باديس " (5/398) ، فالزوايا إن كانت تعلِّم العلم الصحيح ، وتُرَبِّـي على الكتاب والسُّنَّة وهدْي سلف الأمَّة ، فنِعمَّا هيَ ، أمَّا إن كانت زوايا طرقيَّة ، تُعطي العهود ، وتُلقِّنُ الأوراد البدعيَّة ، ويكونُ الـمُريدُ فيها خاضعًا مطيعًا لشيخِها الجاهل ، فهذا الذي هَدَمَهُ المصلحون ، وقال فيه ابنُ باديس : ( الأوضاعُ الطرقية بدعةٌ لم يعرفها السلف ، ومبناها كلّها على الغلوّ في الشَّيخ ، والتحيُّز لأتباع الشَّيخ ، وخدمة دار الشَّيخ ، وأولاد الشَّيخ ، إلى ما هناك من استغلال ... ومن تجميد للعقول وإماتة للهمم وقتل للشعور ، وغير ذلك من الشرور ) انظر : " آثار الإمام ابن باديس " (5/155) .
تنبيهٌ : بعضُ الإصلاحيين العصريِّين - ممَّن أشرتُ إليهم آنفًا - يُؤثْـرُ التَّعبير - عن قصدٍ أو غيرِ قصدٍ - بأنَّ المصلحين لا زالوا يثنُون على زوايا العلم والقرآن ، وإنَّما كانوا يُحاربون زوايا الشعوذة والخرافة والتدجيل ، والشطح والبندير ، وقد يبدُو كلامهُم هذا لأوَّل وهلةٍ صحيحًا ، لكن إذا استحضرنا دفاعهم عن الطرق السُّنيَّة ! - في زعمهم - ، أدركنا أنَّهم يُدخلون في جملة الثناء : الزوايا الطرقيَّة ، إذا خَلَتْ ! - عندهم من مظاهر التدجيل والابتزاز ... الخ ، وقد رَدَدْنَا عليهم مزاعمهم ، وفنَّدنا ادِّعاءاتهم في هذا البحث وما تضمَّنه من فصول وفروع ، وأزيدُ هنا ، فأقولُ :
التَّعبير الصوابُ والدَّقيق : أنَّ المصلحين كما حاربوا زوايا الشطح والبندير ، والشعوذة والخرافة ، حاربوا زوايا الطُّرقيَّة ، وأنكروا أوضاعها البِدعيَّة ، من النسبة للشَّيخ ، وإعطاء العهد ، وتلقين الوِرْدِ والمواظبة على وظائفها المخترَعَة ، كتحديد الأذكار بعَدَدٍ وتوقيتٍ وترتيبٍ الثواب عليها ... الخ ، فالذي نمدحُهُ ونحمدُهُ : زوايا العلم والقرآن ، التي لا تنتمي إلى طريقة ولا يَحْشُرُ الشَّيخُ إليها الطلبةَ ويتَّخِذُهُم مُريدينَ لهُ ، يَفرضُ عليهم الخضوع والطاعةَ والاستسلام !! - ترغيبًا وترهيبًا - .
(9) : "البصائر" ، العدد (113) ، 13 ربيع الأول 1357هــ ، 13 ماي 1938م ، (ص:2-3)
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 16-10-2012 الساعة 04:30 PM