حُبُّ الصَّحابةِ دِينٌ بقلم خادم العلم : الشَّيخ سمير سمراد - حفظه الله
30-09-2012, 08:37 AM
حُبُّ الصَّحابةِ دِينٌ
بقلم خادم العلم :

الشَّيخ سمير سمراد - حفظه الله




أُلْقِيت يوم الجمعة03ربيع الأوّل 1433هـ الموافق لـ:27 جانفي 2012م.


عباد الله!....مِن واجباتِ السُّنّة والفَرَائِضِ المتعيِّنة...مِن أصول مذهب السّلف الصّالح ومن عقائدِ الدِّينِ الحقِّ: «حُبُّ الصّحابةِ كُلِّهم، وتعظيمهم، وإجلالهم، وموالاتهم والتَّرَضِّي عنهم، والاستغفارُ لهم والثّناءُ عليهم».
عن قبيصة بن عقبةَ (رحمه الله) قال: «حُبُّ أصحابِ النّبيِّ كلِّهم سُنَّةٌ» .
عباد الله!...إنَّمَا وَجَبَ علينا أن نُحِبَّ أصحابَ رسولِ الله ﷺ لأمورٍ عدَّةٍ، منها: أنّ اللهَ تبارك وتعالى اصطفاهُم اصطفاءً ربَّانيًّا، واختارهم مِن دونِ النّاس وشرّفهم بصحبةِ نبيِّه ﷺ فجعلهم وُزراءَ نَبيِّه وأعوانَهُ على إقامةِ دينِهِ، ثَبَتَ عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال:
«إنّ اللهَ نَظَرَ في قلوب العباد فَوَجَدَ قلبَ محمّدٍ [ﷺ]خيرَ قلوب العباد فاصطفاه لنفسِهِ فابْتَعَثَهُ برسالتِهِ، ثمّ نَظَرَ في قلوب العباد بعد قلبِ محمّدٍ [ﷺ]فوَجَدَ قلوبَ الصّحابةِ خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وُزَرَاءَ نبيِّهِ يُقاتِلُونَ على دينه» .
وممّا يُوجِبُ حُبَّ الصّحابةِ(رضوان الله عليهم) أنّهم نَصَرُوا دين الله تعالى، وبَذَلُوا أَغْلَى مَا يملكون، وجَادُوا بأنفسهم وأموالهم وقدَّمُوهَا رخيصةً في سبيل إعلاءِ كلمةِ الله، وهُمُ الّذين قالَ اللهُ عنهم: ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾[الحشر:8].
وممّا يُوجب حُبَّ الصّحابةِ: سابِقَتُهم للإسلام، واللهُ تعالى قد أثنى عليهم بسَبْقِهِمْ للإسلام في غيرِ ما آيةٍ في كتابِهِ، فهُمُ السّابقون الّذينَ سبقوا غيرهم ولم يسبقهم أحدٌ، وكلّما سبق العبدُ في الخير كان أعلى رتبةً وأرفع منزلةً.
وممّا يُوجبُ محبّتهم ويَسْتَدْعِي مُوَالاَتهم: أنّهم حفظوا على الأمّةِ دينها وشريعتها، وكانوا الوُسَطَاء بين النّبيِّ ﷺ وأمّتِهِ، فهُمْ حُمَاةُ الدّين ونَقَلَةُ الشّريعة، وحَمَلَةُ الأمانةِ بعد نبيِّ الأمّة، وما نتقلّبُ فيه الآنَ من نعمةِ الدّين والإسلام والإيمان ونهمة القرآن والعلم والسّنّة فببركةِ جهادِهم ورَعْيِهِم لأمانتِهم: «كلّ خيرٍ فيه المسلمون إلى يوم القيامةِ من الإيمانِ والإسلام والقرآن والعلم والمعارف والعبادات ودخول الجنة والنّجاة من النّار...فإنّما هو ببركةِ ما فعلهُ الصّحابةُ الّذينَ بلّغوا الدّينَ وجاهدُوا في سبيلِ الله، وكلُّ من آمنَ بالله فللصّحابةِ الفضلُ إلى يومِ القيامةِ». وقد قال النّبيّ ﷺ: «مَنْ دَعَا إلى هُدًى كانَ لَهُ مِن الأجر مثلُ أُجُورِ مَن تبِعَهُ لا ينْقِصُ ذلكَ مِن أجورِهِمْ شيئًا» . وما مِن أمّةٍ دخلت في الإسلام بعد الصَّحابةِ إلاّ وهُمْ في صَحَائِفِ حسناتهم. عباد الله!...اعلموا أنّ القرآن والسّنّةَ مُتَمَالِئَانِ على الثّناء على الصّحابة والتّذكير بفضلهم وسابقتهم وخيريَّتِهِمْ، لا يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ عن حُجَجِهِمَا إلاّ مخذولٌ طَمَسَ اللهُ على بصيرتِهِ، ومِن نصوص القرآنِ في ذلك:
قولُ الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 110]. فهذا خطابٌ من الله تعالى لمن تنزَّلَ عليهم القرآنُ أوّلاً ولمن آمنوا باللهِ وبرسوله أوّلاً، وهم صحابةُ رسول الله ﷺ... شهادةٌ مِن الله تعالى للصَّحابة بأنّهم خَيْرُ أمّةٍ أُخرجت للنّاس، وأَعْظِمْ بها شهادةً مِن خيرِ شاهدٍ جلَّ في عُلاهُ.
ومنها قولُ الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة:143]. وقولُهُ: ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾أي: خِيَارًا وعُدُولاً. فهي شهادةٌ لهم من ربِّهم بالخيريّة والعدالَة.
ومنها: أنّ اللهَ تعالى أخبر بأنّهم رضي عنهم ورضُوا عنهُ، قال جلَّ وعلا: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة: 100]. فرَضِيَ اللهُ تعالى عن السَّابقين مِن غيرِ اشتراط إحسانٍ، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان. فيا لهُ من فضل، إنّ الله لا يرضى عمّن هو دونَ الصّحابةِ إلا أن يكون تابعًا لهم بإحسان، إلا أن يَكُونَ قد أحسنَ في متابعتهم ونهجَ نهْجَهُمْ، كما أنّ الله تعالى لا يرضى إيمانَ أَحَدٍ إلاّ أن يكون إيمانُهُ كإيمانِ الصّحابةِ، قال تعالى: ﴿فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾[البقرة: 137]، وقال جلَّّ وعلا متوعِّدًا من خالفَ سبيلَ الصّحابةِ وآمرًا بأن يأخذَ النّاسُ بطريقهم، فطريقُهُمْ هو المَحَجَّةُ وسبيلُهُم هو الحُجَّة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[النساء:115].
وقال تعالى في سياق إخباره عن رِضَائِهِ عن الصّحابةِ: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾[الفتح: 18]. ومَن رَضِيَ اللهُ عنه لم يَسخطْ عليهِ أبدًا، وفي الصّحيح عنه ﷺ: «لا يدخلُ النَّارَ أَحَدٌ بايعَ تحتَ الشّجرة».

وقال تعالى في الصَّحابة مبيّنًا فضيلة من أنفق من قبل الفتح-وهو صُلْحُ الحديبيّة- وقاتل على من أَنْفَقَ من بعدُ وقاتل، وكُلاًّ مِن المنفِقِين قبلَ الفتح وبعده وَعَدَ اللهُ الجنّة، قال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[الحديد: 10].
ومن الآيات الّتي ذكر الله فيها الصّحابةَ بالخير وأثنى عليهم فيها قولُهُ جلَّ مِن قائل: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[الأحزاب:23]، وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح: 29]. وقال الإمام مالك (رحمه الله): «مَن أصبحَ وفِي قَلْبِهِ شيءٌ أو غَيْظٌ على أَحَدٍ من أصحاب رسول الله ﷺ فقد أصابَتْهُ الآيةُ» .
ومن الآيات قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾[الأنفال: 74].
ومن فضائلهم أنّ الله تعالى بشّرهم بالجِنَان وبالرِّضوان فقال: ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾[التوبة: 21].
ومن فضائلهم في القرآن أنّ الله تعالى ذَكَرَ المهاجرين ووصفهم بأنَّهم الصَّادقون: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[الحشر: 8]، ثمّ ذكر الأنصار فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الحشر: 9]، ثمَّ ذَكَرَ حالَ المؤمنين مِن بعدهم مِن الّذين اتّبعوا الصَّحابةَ بإحسانٍ فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10]. وقد استنبطَتْ عائشةُ أمُّ المؤمنين وغيرها مِن الآيةِ أنّنا أُمِرْنَا بالاستِغْفَارِ لهم.
ومِن فضائلهم أنّ الله تعالى حَذَّرَ مِن أذيّتهم وتَوَعَّدَ على ذلك فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾[الأحزاب:58]. وأَوَّلُ مَن يَدخُلُ في الآيةِ خيارُ المؤمنين وهُمُ الصّحابةُ(رضوان الله عليهم).
فنسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنا ممّن يعرف لهم قدرهم ويحفظ لهم كرامتهم ويوفّي لهم حقَّهم، آمين.



الخطبة الثّانية:


لقد جاءَ في صحيحِ السُّنّةِ مِن الأحاديث ما يُؤكِّد ما في القرآنِ مِن بيانِ منزلةِ الأصحابِ والتّأكيدِ على حقِّهم والتّرهيبِ من التّعرُّض لهم بسُوءٍ، منها:
قولُهُ ﷺ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثمَّ الّذين يَلُونَهُمْ ثمّ الّذين يَلُونَهُمْ....» . قوله «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي» أي: الّذينَ ابْتُعِثَ فيهم رسولُ الله ﷺ، وهم أصحابُهُ. فهذا شهادةٌ من رسول الله ﷺ لهم بأنّهم خَيْرُ النَّاسِ وأفضل النّاس.
ومنها: قوله ﷺ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ للسَّماء، فإذا ذهبت النُّجُوم أَتَى السَّماءَ ما تُوعَد، وأَنَا أَمَنَةٌ لأصحابي فإذا ذهبتُ أَتَى أصحابي مَا يُوعَدُون، وأصحابي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فإذا ذهبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُون» . والشّاهد من الحديث قولُهُ: «وأصحابي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي»، ومعنى «أَمَنَةٌ» أي: سَبَبٌ للأمن الوافر، فوجودُ الصَّحابةِ في الأُمّة وبقاؤهم فيها سببٌ عظيمٌ لأَمْنِهَا مِن جميعِ أسبابِ الفُرْقة والاختلاف في الدّين، فقد كانت الأُمَّةُ مجتمعةً في دينها، وما يَظهر من الاختلاف والتّشكُّكات فإنّ الصحابةَ يُبيِّنُونَهُ بما لهم من الفَهْمِ الصَّائِبِ في القرآن والعلمِ بالسُّنّة، والمقصودُ أنَّ خِيارَ الأُمَّةِ إذا ذهبوا جاءت نُذُرُ الشّرّ، وهكذا كان، فبَعْدَ الصَّحابةِ تقلّبَ النَّاسُ في الأَهْوَاءِ واختلفوا في دينهم إلاَّ مَن عَصَمَهُ الله بالتّمسُّك بما كان عليه النّاسُ قبلَ أن يختلفُوا.
ومنها: قوله ﷺ: «دَعُوا لِي أصحابي، فوَالّذي نفسي بيده لَوْ أنَّ أحدَكُمْ أَنْفَقَ مثلَ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا ما أَدْرَكَ مُدَّ أحدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ» . المُدُّ أو نِصفُهُ يُنفقُهُ الصّحابيُّ؛ يتصدَّقُ به، لا يبلغُ منزلَتَهُ وفضلَهُ مَن دون الصّحابيِّ ولو تَصَدَّقَ بمثلِ جبلِ أُحُدٍ ذَهَبًا، ومعلومٌ من التّاريخ أنّ الصّحابةَ أنفقوا المُدَّ والمُدَّيْن وأكثرَ وأقلّ، ولم يُنقل في التّاريخِ أنَّ أحدًا أنفق مثلَ جبلِ أُحُدٍ ذَهَبًا، والمقصودُ مِن هذا: قطعُ الرَّجَاءِ في أن يُدَانِيَ الصَّحابةَ أحدٌ، فلم يكن ولا يكونُ مَن يُعادلهم في فضلهم فضلاً عن أن يُجَاوِزَهُمْ.
ومنها ما جاء في فضلِ أهلِ بَدْرٍ مِن الصَّحابةِ، فقد نَزَلَ جبريلُ فقال للنّبيِّ ﷺ: «ما تَعُدُّونَ مَن شهِدَ بَدْرًا فيكم. قال: خِيَارُنَا» وفي رواية: «مِنْ أفضلِ المسلمين...»الحديث .
وقال ﷺ فيهم: «إنَّ اللهَ تعالى اطَّلَعَ على أهلِ بَدْرٍ فقال: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» أو قالَ: «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقد وَجَبَتْ لكمُ الجَنَّةُ».
وقال ﷺ: «إنِّي لأَرْجُو أن لا يَدخل النَّارَ أَحَدٌ إن شاء الله ممّن شهِدَ بَدْرًا و الحُدَيبية» ، وقال ﷺ: «لا يَدخلُ النَّارَ أَحَدٌ ممَّن بايعَ تحتَ الشّجرة» ، وأصحابُ الشَّجَرة كان عددُهم أكثرَ مِن ألفٍ وأربعمائة، مِن جملتهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ(رضي الله عنهم جميعًا).
ومنها ما قال ﷺ في حقِّ الأنصار: «آيةُ الإيمان حبُّ الأنصار، وآيةُ النِّفاق بُغْضُ الأنصار» ، وقال ﷺ: «لا يبغض الأنصارَ رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر» .
وقال ﷺ في التّرهيبِ مِن تناولِ أصحابِهِ بسُوءٍ: «لا تَسُبُّوا أصحابي، فَوَالّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفقَ مثلَ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا ما أَدْرَكَ مُدَّ أحدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ» ، وقال ﷺ: «مَن سَبَّ أصحابي فعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكةِ والنّاسِ أجمعين» .
وقال في الحَضِّ على حِفْظِ كرامتهم وكَفِّ الأذى عنهم:
«أَحْسِنُوا إلى أصحابي ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم» ، وفي روايةٍ: «احْفَظُونِي في أَصْحَابِي...» ، والمعنى: احْفَظُوا حُرْمَتِي وحَقِّي عليكم في احترامهم وإكرامِهِمْ وكَفِّ الأَذَى عنهم .
واعلموا -عباد الله!- أنَّهُ قد جاءت آثارٌ عن علماءِ السّلف في الوصيَّةِ باحترامِ الصّحابة والنّهي عن سبِّهم، منها:
ما قالت أمُّ المؤمنين عائشة(رضي الله عنها): «أُمِرُوا بالاستغفارِ لهم فَسَبُّوهُمْ» .
وصحَّ عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أنّه كان يقول: «لا تَسُبُّوا أصحابَ محمّدٍ ﷺ فَلَمَقَامُ أحدِهِمْ ساعةً خيرٌ مِن عملِ أحدِكُمْ عُمْرَهُ» .
وقد كان سلفُنا الصّالح يُعظِّمون أَمْرَ تناوُلِ الصّحابةِ بسُوءٍ، ويتّهمون مَن يفعلُ ذلك في إسلامِهِ، فهذا إمامُ السّنّةِ الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) يقول لأحدِ أصحابه: «يا أبا الحسن! إذا رأيتَ أحدًا يذكرُ أصحابَ رسولِ الله ﷺ بسُوءٍ فاتَّهِمْهُ على الإسلام» .
وكان سلفُنَا الصّالح يرونَ أنّ الأرضَ الّتي يُسبُّ فيها الصّحابةً أرضُ سوءٍ وأرضُ بدعةٍ ينبغي الخروجُ منها والهجرةُ إلى أرضِ السّنّة الّتي يُعرفُ فيهَا للصّحابةِ فَضْلُهُم وتُرْعَى لهم حُرْمَتُهُم، فهذا الإمامُ مالكٌ (رحمه الله) يقولُ: «لا يُقاُمُ بِأَرْضٍ يُسَبُّ فيها السَّلَف»، أو قالَ: «لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أن يُقِيمَ بأرضٍ يُسَبُّ فيها السَّلَف» . يعني: الصّحابة والتّابعونَ لهم بإحسان.
ومِن تعظيمِ عُلماءِ السّلفِ لهذا الأمرِ الجليل، أنّهم كانُوا يَرَوْنَ أنّ الرّجلَ إذا سَلِمَ قلبُهُ ولسانُهُ للصّحابةِ فلا خوفَ عليهِ ويرجونَ لهُ النَّجاةَ ودخولَ الجنَّة، ومِن أقوالهم: «لا تَسُبَّ السَّلَفَ وادْخُلِ الجنَّةَ بسَلاَمٍ» .
والمقصودُ عباد الله!... أنّ مِن واجباتِ الدِّينِ ومِن علامةِ النّجاةِ مِن الأهواء الّتي تَهْوِي بِصَاحِبِهَا في النَّار: سلامةُ القلوب والألسنة لأصحابِ رسولِ الله ﷺ، فاللّهمَّ اجعلنا ممّن يحفظُ للصّحابةِ كرامتهم ويعرفُ لهم فضلَهم، فيُرْحَمَ بمحبّتِهم ويُدْخَلَ جنَّةَ ربِّهِ بمُوَالاَتِهِم، آمين والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 30-09-2012 الساعة 08:42 AM