تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى التاريخ > منتدى السير والتراجم

> شاعر الإسلام في الجزائر: محمد العيد آل خليفة -رحمه الله

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 07-04-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 711
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • KimoB is on a distinguished road
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
شاعر الإسلام في الجزائر: محمد العيد آل خليفة -رحمه الله
09-08-2012, 03:23 AM




شاعر الإسلام في الجزائر:
محمد العيد آل خليفة -رحمه الله





للجزائر كما للأمم العريقة في المجد والحضارة تراث أدبي وعلمي يربط حاضرها بماضيها فتبني عليه مستقبلها، هذا التراث الذي صنعه أدباء وعلماء وشعراء، فبقوا خالدين بأعمالهم.

ومن الذين كان لهم الصرح الكبير في نظم الشعر ، الشاعر محمد العيد آل خليفة الذي كانت له الشخصية المتميزة في الشعر الجزائري الحديث والذي أحتل مكانة مرموقة بغزارة إنتاجه وتنوعه وصدقه في فنه ومشاعره ، فعد بذلك نغما جوهريا في صوت الجزائر بوجهها العربي الاسلامي.






هذا الشاعر المجاهد أطلق عليه الإمام عبد الحميد بن باديس ( ت سنة 1940م ) لقبه الامام عبد الحميد بن باديس بــ: '' أمير شعراء الجزائر '' ؛ وهو يُعتبر أحد أبرز علماء و مدرسي و شعراء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي نافحت و كافحت في سبيل عزة الإسلام و المسلمين ضد الاستدمار الفرنسي الغاشم ، يشرفني أن أقدم لكم تعريفا موجزا بهذه الشخصية الجزائرية:



مولده ونسبه :

هو محمد العيد بن محمد علي بن خليفة من محاميد سوف المعروفين بالمناصير من أولاد سوف من شرق الصحراء، ولد في مدينة عين البيضاء ( مدينة بأقصى الشرق الجزائري) بتاريخ 28 أوت 1904 م الموافق 27 جمادى الأول 1323 هـ .

حفظ القرآن الكريم كاملا و لم يتعدى الثانية عشر من العمر كما تلقى الحديث وأصول الدين و اللغة عن الشيخين محمد الكامل بن عزوز و أحمد بن ناجي انتقل مع أسرته إلى مدينة بسكرة – بوابة الصحراء الجزائرية - سنة 1918 و واصل دراسته بها عن المشايخ علي بن إبراهيم العقبي الشريف و المختار بن عمر اليعلاوي و الجنيدي أحمد مكي.




ولد في أحضان أسرة متدينة ، وتحت رعاية أبٍ صوفيٍّ صالح ، فتزعزع في ذلك الجوّ الأسريّ المفعم بالتقى والعفة والورع وتشربت نفسه هذا الحبّ العميق المتوارث للعقيدة الإسلامية والأخلاق الفاضلة والإيمان الشديد بعزّ الإسلام والوطن (4).

منابع ثقافته:
تعد الأسرة التي عاش فيها "محمد العيد" أول منبع لثقافته ، فقد أخذ منها الكثير كحب الوطن وحبّ العقيدة والقيام بتعاليمها ، وكذا محبة الأخلاق السامية والتحلي بها .

ثمّ استهل تعلمه وحفظه للقرآن الكريم ، في الكتاتيب ثم التحق بالمدرسة التابعة لمسقط رأسه بعين البيضاء حيث بدأ يتلقى المبادئ الأولى في العلوم الدينية واللغوية ، على يد الأستاذين : الشيخ أحمد بن ناجي والشيخ محمد الكامل بن الشيخ المكي.
أتمّ حفظ القرآن الكريم وهو صاحب الأربعة عشر سنة، على يد أحد أئمة مساجد بسكرة ، ثم توجه لدراسة التوحيد(5) والفقه والنحو والمنطق وغيرها من العلوم الدينية واللغوية ، على يد الشيخ"عليّ بن ابراهيم العقبي" ، وفي عام1921م، سافر الى تونس ، قبلة البعثات الطلابية آن ذاك وانتسب الى جامع الزيتونة ، ولماّ وجد أن الكتب المقررة في درجته ، كان قد قرأ معظمها بالجزائر ، قررّ التخلص من هذه الطريقة النّظامية ، التي تلزمه بالحضور في حلقة معينة ، فراح يحضر حلقات مختلفة المستويات مماّ سمح له باختيار ما يلائمه من دروسٍ وأساتذة ، والى جانب هذا كان يداوم بصفةٍ حرة على بعض الدروس في بعض المواد العصرية كالحساب والجغرافية وغيرها وذلك بالمدرسة الخلدونية ، وبقي على هذا الحال مدة سنتين ، ولأسبابٍ مرضية عاد الى الجزائر عام1923م ، دون أن يحصل على أيةّ شهادة علمية ، وكان مايزال طالب علم، متعطشاً الى المزيد ، فاتصل بالعديد من الشيوخ ، وأخذ عنهم الكثير من العلوم منها؛ الفقه والحساب والفلك والتفسير وعلوم البلاغة ، ومن بين هؤلاء الشيوخ ؛ البشير الإبراهيمي ، والطيب العقبي.

1-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة /ديوان المطبوعات الجامعية، ابن عكنون –الجزائر1992-ص9(بتصرف).

2-في الأدب الجزائري الحديث تاريخاً وأنواعها وقضايا وأعلامها تأليف،د /عمر بن قينة ، ديوان المطبوعات الجامعية، ابن عكنون –ص66(بتصرف).

3- محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص07(بتصرف).

4-نفسه-ص09(بتصرف).

5- نفسه-ص09-10-11(بتصرف).

إضافة الى كلّ هذا كانت البيئة الاجتماعية قد أثرت هي الأخرى في تكوين شخصيته العلمية(1).

وكذا مكتبته الخاصة التي كانت تحوي مصنفات دينية وعلمية ، كما شملت أمهات الكتب المشهورة في اللغة والأدب وبعض دواوين الشعراء القدامى والمحدثين(2).

ونظراً لثقافته واختلافها فقد تقلد بفضلها عدةّ مناصب نذكر منها : درّس في عدةّ مدارس وتولىّ إدارتها مثل :جمعية الشبيبة الإسلامية في مدينة الجزائر سنوات"1928-1940" وكان مديراً لها عام1931م.

وكذا مدرسة التربية والتعليم في باتنة سنوات"1940-1947" ومدرسة العرفان بعين مليلة سنوات"1947-1954" ، تولى منصب إمام بمسجد من المساجد الحرةّ بعين مليلة .

-احتل منزلة عضو في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها(3) عام 1931م، وكان نائب رئيس لجنة الآداب التابعة للجمعية(4).

شارك في النهضة الصحافية ببسكرة ، حيث نشر في معظم الصحف والجرائد شعره.

احتل منصب عضو في الهيئة المؤسسة والمحررّة لجريدة صدى الصحراء ، كان العضو الثاني الى جانب العقبي في إصدار وتحرير جريدة الإصلاح ، كما كان عضواً في تأسيس مطبعة الإصلاح؛(5).

كان عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق(6).
كما اعتبر كاتب مسرحيّ، مثلت مسرحياته في الحفلات الطلابية(7).

شخصيته ومكانته:
حياته الدينية التي شبّ عليها جعلته منذ صباه راغباً عن حياة الدنيا موليا وجهه عن زخرفها ، قانعاً بالقليل منها، مماّ طبع بطوابع الجدّ ، فنشأ بذلك عزوفاً عن الحياة المليئة بالبذخ والملذات فهو لم يعرف ماعرفه بعض الشعراء في القديم وفي الحديث ، من مظاهر اللهو والترف في مراحل حياته ، كما لم يعرف من ناحية أخرى، ذلك الترددّ ما بين اللهو والتدين أو ذلك الازدواج في الشخصية ، الذي وقع فيه بعض الشعراء المحدثين أمثال "أحمد شوقي"بل شبّ على الدين والتقوى وشاب عليها، فتجلى ذلك في طهارة قلبه وعزةّ نفسه والميل الى البساطة والتواضع والنّفور من الادعاء والتعقيد والتكبر ، وهاهو ذا يقول في التواضع:

إنّ التواضع من سمات البـرّ من ** يَعْتَدْه فهو البَرُّ في الأقـوام

وقد شبه الأستاذ "محمد بن سمينة" شخصية الشاعر بشخصية "حسان ابن ثابت الأنصاري" حيث قال: وتكاد شخصيته في هذه الجوانب تقترب من شخصية الشاعر حسان ابن ثابت الأنصاري ، الذي كان يغزو مع المجاهدين في صدر الاسلام .

إلاّ أن عدته وعتاده في ذلك الغزو إنماّ هو لسانه وشعره وكذلك شاعرنا كان شاعراً في الحرب وشاعراً في السلم ولكنه لايملك من العدةّ في كلتا الحالتين إلاّ الشعر والأدب:

أسالم الناس في عيشتي فإن عمدوا ** الى خصامي فسيفي :الشعر والأدب
وإن دعاني قومي أن أنا صرهم ** فعدتي في انتصاري : الشعر والأدب

ويقول عنه الدكتور عمر بن قينة:"هو شخصية متميزة عكسها شعره الذي رافق مرحلة النهوض السياسي والفكري والاصلاحي ، فعبرّ عن ذلك بصدق وإخلاص ... فكان بذلك نغماً جوهرياً في صوت الجزائر ، بوجهها العربي الاسلامي، وملامحها الانسانية ، منساقاً في كلّ الأحوال لقيم الخير والحرية والعدل والمحبة والرحمة والتكافل والبذل ...مماّ يعكس حقاً شخصية شاعر فنان يهزه الحدث الكبير ، كما تطربه اللفتة الصغيرة والصورة الجميلة ، مثل الفكرة العابرة"(1).


محمد العيد رجل التصوف والاصلاح:



كان "محمد العيد" واقعاً تحت مؤثرات البيئة الاجتماعية ، التي كانت في معظمها بيئة دينية محافظة ، فجمع في تكوينه الفكري ما بين مبادئ الاصلاح التي كانت بذورها الأولى قد غرست في نفسه قبل سفره الى تونس ، وبين النزعة الصوفية التي انتقلت اليه وراثة واكتساباً ، من أسرته بوجهٍ عام ومن أبيه بوجه خاص والذي كان صوفياً على الطريقة التّجانية.

ويضاف الى تأثير الأسرة والأدب ، تأثير آخر وهو تأثير الأساتذة والمشايخ فمعظمهم كانوا رجال إصلاح وتصوف هذا ما ساعد على تعميق الصلّة(2) بين الشاعر والاصلاح من جهة ، وبينه وبين التصوف من جهة أخرى، فمشايخه من آل المكي بن عزوز بيعين البيضاء ، وكانوا شيوخاً للطريقة الرحمانية ودعاة اصلاحٍ في آن واحد، لقد تمسك الشاعر بهذه الطريقة الصحيحة، كما كان يرى أنه لايخرج فيها الى ما يشين الى العقيدة ، أو يخدش بها الدّين ، بل يرى أن هذه الطريقة هي منهج للعبادة والذكر ، كما أنها لاتتناقض مع فكرة الاصلاح ، وذلك لأنهما يلتقيان في بعض الغايات ، بصفتها عامل من عوامل نشر الاسلام وذلك لما تعتمد عليه من الأصول الدينية من قرآن وسّنة.

لقد كان الشاعر مصلحاً صوفيا داعيا الى الاصلاح ناشراً للمفهوم الصحيح للاسلام ومقاوماً للانحراف ، والجهود والأهواء ولا عجب في ذلك فقد عرفت هذه الثنائية بين الصوفية والاصلاح ، وبين العمل للدنيا والعمل للآخرة في القديم والحديث ، وممّن اشتهر بذلك من القدماء : حجة الاسلام أبو حامد الغزالي (450-505هـ) الذي جمع ما بين التصوف والفقه وبين العلم والفلسفة، ونشير الى أنّ الشاعر معجباً بمنهج أبو حامد الغزالي ، مماّ يبرز تأثره به فهو يقر بهذه الحقيقة في قوله:"إنيّ أحبّ مشرب الغزالي لأنه لا يخرج عن الشريعة ، ولايهمل العقل"(3).

كان محمد العيد آل خليفة يشرف على تسيير مؤسسة مدرسة الشبيبة الاسلامية التي تعتبر في نظر الاستعمار من أخطر المؤسسات التعليمية في قلب البلاد وهو من جهة أخرى شاعر أسهم بشعره ، في توعية المواطنين

وتصويب تطلعات شعبه ، والدفاع عن قضاياه ، وهو من جهة ثالثة ركن من أركان الاصلاح والوطنية يحمل لواء الدعوة الى المقاومة .

ولهذه الأسباب مجتمعة ، كان "محمد العيد" محل شبهة تكاد تكون دائمة ، فكانت العيون تترصده في حلّه وترحاله ، وتحسب عليه حركاته وسكناته فهو محارب أينما وجد .

ولعله أشار الى بعض ذلك في هذه الأبيات حيث يقول :
إنّ للناس أنفسًــا ** ضاريات على الضرر
وعيوناً رقيبـــةً ** شرّة تقذف الشـرر
فأنج من كيدها وكن** من أذاها على حذر

وقد قدم للمحاكمة عدة مرات بتهمة أنه يقوم بتعليم اللغة العربية والدين الاسلامي ، وتوعية الشعب . وكان يستدعى للاستنطاق من حين لآخر ، وقد هددّ بالسجن أكثر من مرة ودخله عام1955م من شهر جوان(1)، وبقي شاعرنا يعيش حياة غير مستقرة تملاها الضغوطات والمطاردات لينتهي به الحال الى فرض الاقامة الجبرية عليه في منزله الذي بقي محاصراً طوال أيام الثورة المباركة.

وقد صور لنا حالته في هذا الشأن بقوله:
أخال إقامتي جبراً كقبــر ** حملت اليه كالجثث البوالي
أرى الأحياء من حولي قريبا** وهو بالعيش عنيّ في اشتغال(2)

وبالرغم من تلك الحياة التي عاشها شاعرنا تحت الظروف القاسية والحرب النفسية لم تنل من عزيمته ولم توقف نظاله بل واصل رسالته لما يغمر قلبه من ثقة بالله تعالى ، وحبّ الوطن وتفانٍ في خدمته وبقي يساهم في الاصلاح الديني وتوعية الشعب واستنهاض هممه؛ لهذا نقول إنّ لنزعته الزهدية والصوفية جذور قديمة متأصلة في أعماقه فما برحت تمدها وتغذيها أسباب متعددة من ميراثه الصوفيّ ونشأته الدينية وبيئته المحافظة وتكوينه العربي الاسلامي ومعايشته لمأساة أمته كما أنّ محاصرته داخل منزله وفرت له الجوّ الملائم للنزوع الصوفيّ ومكنّته من النمو والسمّو في نفسه ، واستمر على هذا الحال متفرغاً للعبادة ، لايتصل بالحياة الدنيا وأهلها إلاّ بحذر وبمقدار .

وفي سنّ الشيخوخة(بعد الاستقلال) خلص للعبادة وخاصة بعد أدائه لفريضة الحج سنة1966م فقد أصبح كلّ وقته له، تفرغ فيه الى خلوة تكاد تكون خالصة ، يشبع فيها تلك الرغبة الكامنة من هذا الفيض الرباني، ويعكف فيها على نفسه، يجهدها في طاعة الله، والتقرب اليه بصالح الأعمال وخالص العبادة وصادق الذكر ، وانكب عليها يزكيها ويزهدها في الحياة الدنيا ويرغبها في الحياة الأخرى ونعيمها .

يقول في النزعة الصوفية هذه الأبيات:
لأرباب القلوب عهود صـدق ** وأقوال تصدقها الفعال
على القلب السليم بنوا وشادوا ** له ملكاً وبالملكوت جالوا
وبالظّن الجميل جنوا ثمــارا ** زكيات لها زكت الخلالُ
جمال الله أذهلهم فهامـــوا ** وأدهش بالهم منه الجلال(1)
فما سكنوا الى الدنيا قلوبــا ** وماركنوا لزخرفها ومالوا
فكن أبداً مع الأبرار واجنـح ** لهدى إمامهم فهو المثـالُ
رسول سن سنته طريقـــاً ** معبدة يباح بها الوِصـال

نلاحظ من خلال هذه الأبيات ، صدق التجربة وحرارة الانفعال ، اللذين كان الشاعر يعيشهما، وهو يحيا هذه الأجواء الرّبانية مما يعكس بعض ملامح صوفيته ، التي استقى أصولها من صميم الاسلام .

مواقفه

يُعدّ محمد العيد آل خليفة من رواد الشعر العربي الحديث، ومهما اجتهدنا في تبيان أهمية شعره فلن نقول أكثر مما شهد به رئيس العلماء وشيخ الأدباء البشير الإبراهيمي (ت 1965 م) الذي قال : ((رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها, وله في كل نواحيها, وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها - القصائد الغر والمقاطع الخالدة، شعره - لو جمع - سجل صادق لهذه النهضة وعرض رائع لأطوارها ))

وكان الشاعر محمد العيد ينطلق في شعره من أربع كليات هي : الإسلام ، الوطن ، العروبة و والإنسانية ، فكان سجلا أمينا لأحداث الوطن الصغير والكبير على السواء, ومعبرا عن آمال الأمة وآلامها ولا تكاد تخلو قصيدة من الطابع الديني حتى في القصائد الذاتية وقصائد الرثاء والوصف.

وقد جمع قصائد الديوان أول مرة تلميذه أحمد بوعدو سنة 1952 م, وتم طبعه سنة 1967 م, ثم قام أحد تلامذته بالكشف عن قصائد للشاعر لم تنشر، جمعها من الصحف الوطنية القديمة، ومن النسخة المخطوطة من ديوان الشاعر، ومن أسرته ومعارفه, وهي بذلك تكملة واستدراك على الديوان،ونشرها في كتاب وسمه بـ (العيديات المجهولة).

من آثاره أيضا : أنشودة الوليد، رواية بلال بن رباح (مسرحية شعرية)، ديوان محمد العيد.

والحديث عن شعر الشيخ محمد العيد آل خليفة يقودنا إلى الحديث عن الشعر الإسلامي الحديث في الجزائر , في هذا المقام يقول الدكتور الشاعر صالح الخرفي في دراسة عن شعر محمد العيد : (يحلق محمد العيد في الأفاق البعيدة للرسالة السماوية والمواقف البطولية لظهور الإسلام, والتركيز في حياة محمد صلى الله عليه وسلم على جانب الجهاد, والوقوف مليا عند فتوحاته, وتلك هي مطامح الشعب الجزائري, وهو يعاني من التحكم الأجنبي)

وكان لمحمد العيد حوليات شعرية اعتاد إلقاءها في المناسبات الخاصة بجمعية العلماء، وفيها تنويه بالقيم السامية للدين الإسلامي، وتغن بالعلم والعلماء. ويلتفت الشاعر إلى تاريخ السلف الصالح فيذكر بخصالهم، و لعل القصيدة الرائعة التي جادت بها قريحته في الرد على الفرنسي آشيل ACHILLE (و هو معمر فرنسي عاش في الجزائر بين سنوات 1885-1948 م .) الذي وصف القرآن الكريم بأنه كتاب يدعو إلى الهمجية و القتل في مقالات نشرها في جريدة (لاديبيش: la dépêche de Constantine و معناها باللغة العربية البرق أو البرقية ) التي كانت تصدر في مدينة قسنطينة ، ,, فردّ عليه الشيخ محمد العيد بقصيدة عصماء يدحض فيها اباطيله ومنافحا فيها عن كتاب الله عز و جل القرآن الكريم ، و منوها فيها بموقف الإمام عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الذي كتب سلسلة من المقالات في مجلة البصائر فند فيها أكاذيب و أباطيل هذا المُستدمِر (1) الخبيث و هاكم بعض من أبياتها – و اعذروني عن نقل معظمها لأنها تشفي الغليل في الخبثاء الفرنسيين - :


هيهات لا يعتري القرآن تبديلُ ... وإن تبدل توراة وإنجيلُ
قل للذين رموا هذا الكتاب بما ... لم يتفق معه شرح وتأويلُ
هل تشبهون ذوي الألباب في خلق... إلا كما تشبه الناس التماثيلُ
فاعزوا الأباطيل لقرآن وابتدعوا...في القول هيهات لا تجدي الأباطيل
وازروا عليه كما شاءت حلومكم ... فإنه فوق هام الحق إكليل
ماذا تقولون في آي مفصلة ... يزينها من فم الأيام ترتيل
ماذا تقولون في سفر صحائفه... هدى من الله ممض فيه جبريل
آياته بهدى الإسلام ما برحت ... تهدي المماليك جيلا بعده جيل
فآية ملؤها ذكرى وتبصرة ... وآية ملؤها حكم وتفصيل
فليس فيه لا على الناس منزلة ... (عدن) وفيه لأدنى الناس سجيل
ولا احتيال ولا غمص ولا مطل ... ولا اغتيال ولا نغص وتنكيل
إن هو إلا هدى للناس منبلج ... ضاحي المسمى أغر الاسم تنزيل
لئن مضت عنه أجيال وأزمنة... تترى فهل سامه نقض وتحويل
-------
ما بال (آشيل) في (الدبيش) يسخر...من آيات محكمة لا كان (آشيل)
ما بال (آشيل) يهذي في مقالته ... كحالم راعه في النوم تخييل
ما بال (آشيل) يزري المسلمين وهم ... غر العرائك انجاب بهاليل
أفكارهم بهدى القرآن ثاقبة ... فلا يخامرها في الرأي تضليل
وأمرهم بينهم شورى ودينهم ... فتح من الله, لا قتل وتمثيل
لا يعدم الحق أنصارا تحيط به ... سورا ولو كثرت فينا الأضاليل
--------
هذا ابن باديس يحمي الحق متئدا ... كذاك يتئد الشم الأماثيل
(عبد الحميد) رعاك الله من بطل ... ماضي الشكيمة لا يلويك تهويل
دمغت أقوال (آشيل) كما دمغت ... أبطال (أبرهة) الطير الأبابيل
عليك مني, وإن قصرت في كلمي ... تحية ملؤها بشر وتحليل



وفاته

بقي الشاعر يعيش أواخر أيامه بصوفيته وزهده وعكوفه عن الحياة الدنيا، إلى أن مرض ونقل إثر ذلك الى مستشفى مدينة باتنة وبقي على حاله يوم الأربعاء ، وتوفي السابع من رمضان المعظم سنة1399هـ الموافق لـ31جويلية1979م ونقل جثمانه الى مدينة بسكرة حيث دفن بمقبرة "العزيلات" وذلك يوم09من شهر رمضان لليوم الثاني من شهر أوت.

مراحل شعره:
لم يترك الشاعر وراءه ما يتهالك عليه المتهالكون من حطام الدنيا ولكنه ترك لنا شعره ، وأهم ما وصلنا منه ديوانه الذي يقع في أكثر من ست مائة صفحة(1)، ويحتوي على 6797بيتاً من الشعر(2)، طبع عام1967م على نفقة وزارة التربية الوطنية في الجزائر ، ثم قامت الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بطبعة مرة ثانية سنة1979م، كما ترك ملحمة شعرية يصور فيها الجزائر حتى عام1964م بعنوان: وحي الثورة والاستقلال، وهي في446صفحة ومسرحية شعرية بعنوان"بلال بن رباح"(3).

إنّ الموهبة الشعرية لدى محمد العيد مكنته من التعبير عن أحاسيسه وتجاربه فجادت قريحته بقول الشعر ونظم القصائد وتعتبر أول خطوة خطاها وهو مايزال طالباً في بسكرة ، أعانه على ذلك أنه نشأ في بيئة أدبية ودرس على يد شيوخ معظمهم شعراء مثل معلمه الأول بعين البيضاء "محمد الكامل بن عزوز" ، ولماّ انتقل الى بسكرة توفرت لديه حوافز الابداع فبدأ ينظم قبل أن يتعرف تعرفّاً جيداً على أدواته بدافع من موهبته وبتأثير من محفوظاته وهو لم يتعدى السابعة عشر من عمره ، فكان يعرض ما ينظم على أقرانه وعلى شيخه علي بن إبراهيم العقبي فكان يحضى بالاعجاب والتشجيع حيناً وبالنقد والتوجيه حيناً آخر .
إن ّ لهذه المؤثرات المختلفة مفعولها في تغذية اتجاه الشاعر الى قول الشعر فاستمر في هذا الاتجاه وتعتبر قصيـدة "داعي النهوض" من أقدم القصائد الكاملة التي وصلتنا على حدّ تعبير الأستاذ محمد ابن سمينة والتي قالها حوالي سنة1920م ثم نشرها في 24جويلية1925م(4).

أما عندما كان طالبا في تونس لم يتسنى له أن قال شعراً وذلك لأنه وقع أمام الخيار الحاسم فرض عليه أن يختار اتجاه من الاتجاهين وهما إماّ يسير في طريق الأدب وإماّ أن يسلك طريق العلم والتحصيل فاختار الاتجاه الثاني يقول في هذا الصدد : (كنت طوال فترة وجودي بتونس منكباً على التحصيل العلمي مشتغلاً به دون سواه ، لإحساسي أنّ ما حصلت عليه من الأدب قد يكفيني الى حين ولذلك لم استكثر من الشعر ولم أحرص على عقد الصلّة بيني وبين من كنت أسمع بهم من شعراء تونس يومئذ...على الرغم من أنيّ كنت أترددّ على البعض المحافل الأدبيةأحياناً).

وعند عودته من تونس استقر ببسكرة وكانت تشهد يومئذ بوادر نهضته علمية وأدبية نشطة يساهم فيها ويوجهها كوكبة من الكتاب والشعراء فاندمج الشاعر في هذه الحركة ، ويعلق على ذلك فيقول : (في بسكرة فتحت عيني على النهضة الأدبية والعلمية وتعرفت على بعض الأدباء وكان لي معهم مساجلات أدبية ورسائل شعرية).

ويمكن القول أنّ الانطلاقة الحقيقية للشاعر في الميدان الفني ترجع الى الفترة التي عقبت عودته من تونس ، والذي يدلّ على هذا هو غزارة إنتاجه(1) وتمرسه فيه.

أما ما سبق هذه المرحلة فتعد بدايات وارهاصات لما بعدها ومن أقدم القصائد في هذه المرحلة "قصيدة صدى الصحراء" حيث تتضمن دعوة حارة الى العمل واليقظة والاصلاح ، حيث يقول:
صفا العيش لي وامتد ريف ظلالـي ** فمـا تكاليف الزمـان ومالـي
صفا العيش وازدان روض مواهـبي ** وأينع فضلي واستبـان كمالـي
وكنت صدى الصحراء أدعى لأنني ** بسطت على الصحراء نور هلالي
وواليت بالارشاد رفـع عقيرتـي ** عسى أن يهب النائمون حيالي
وهبوّا الى الاصـلاح فالله كافـلٌ ** لمن هبّ للاصلاح حسن مئـال

ويبدو من خلال هذه القصيدة أن الشاعر قد دخل الحياة العامة ، بعد عودته من تونس مباشرة ، لكنه سرعان مااصطدم بالواقع السّيء الذي يتخبط فيه شعبه ، ولكونه لم يزل بعد طريّ العود، غضّ التجربة، ولم يكن يملك الوسائل التي تمكنه من المقاومة الصلبة، فقد تراجع الى الخلف وأصيب بتوتر نفسي دفعه الى العكوف على نفسه يتأملها ويبحث عن سرّ الحقيقة في أغوارها ، وساعد على نمو بذور تلك النزعة الانطوائية التي شبّ عليها فتبّرم من الدّهر وهو في ريعان الشباب ، يعبر عن ذلك بقوله:

سئمت على شرخ الشباب حياتي ** فحرتُ ولم أملك عليّ ثباتـي
أرى حظّ أرذال النفوس مواتيـاً ** وحظّ كريم النّفس غير مواتـي
فأوجس في نفسي من الدّهر خيفة ** لعلمي بأن الدهر ذو غمـرات
أرى الكون قرآنا من الله منـزلاً ** على الروح والأحداث آي عظات
وأقرأ من آي الشقـاوة أسطـراً ** على صفحات الكون مرتسمات

ولايمكن أن نرجع هذا السلوك الى الفشل ، بل يرجع الى إحساسه العميق بمأساة وطنه (2).

وتجدر الاشارة الى أنّ نقول أنه لم يعثر في ديوانه على أكثر من أربع قصائد ومقطوعة واحدة، وذلك كلّ مايمثل حصيلة ما أنتجه أثناء الثورة المجيدة إلاّ أن هناك من يذكر أن للشاعر قصيدتين فقط، وهذا لايعني أنه لم يكن يكتب شعراً والدليل على هذا قوله: (كنت أكتب وأكتم ما أكتب).

ويمكن أن يكون ماكتبه يومئذ قد أتلف أو حرق أثناء بعض الحملات الارهابية التفتيشية التي كان المحتلون يشنونها على بيوت المواطنين ومحلاتهم، يقول الشاعر في هذا الصدد: (كنت قد نظمت أثناء الثورة بعض الشعر، وهو قليل لكنه قد ضاع منّي بسبب ظروف التحري التي كناّ نخضع لها في أغلب الأوقات ).

أما بعد الاستقلال وبعدما أصبح حلم الشاعر حقيقة (المتمثل في الاستقلال) خرج من أسره تغمره الفرحة وتهزه النشوة وتوفرت له حوافز القول ودوافع الإنشاء، مضى يغني للحرية بعد صمتٍ طويل ، غناءا أطرب الأسماع وهزّ القلوب، فظنّ أولئك الذين حركتهم تلك الألحان الصادقة أنّ الشاعر قد استعاد سيطرته على الموقف وملك زمام أمره وأنه سيمضي على هذا الطريق بهذه القوة والحرارة نفسها التي عهدت في شعره .
ولكن الحقيقة كانت غير ما كان يفكر فيه هؤلاء ، ذلك أنه ما كان من الشاعر(1) .

في هذه السنوات الأولى من الاستقلال إلاّ فيضا وجدانيا لما يغمر قلبه من مشاعر الفرحة وهزّ الوجدان فكانت تلك الروائع استجابة لهذه الأحاسيس الحارة فقط لا أكثر ، فعاد الى العزلة والصمت وألوان العبادة والتصوف من جديـد(2) .

مواضيع وأغراض شعره:
إنّ مضامين شعره تتركز حول محاور أساسية ، يمكن القول أنهاّ أربعة لايكاد الشاعر يغادرها إلاّ ليعمقها ويمكن لها وهي: (الاسلام والعروبة ، الوطن والانسانية) .

إنّ الاسلام هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأمة وبه تحي وتستمر فالتاريخ يكشف لنا على أنّ الكثير من الأمم قد آلت الى الزوال بعدما حرّفت عقيدتها ، لهذا أخذ محمد العيد على عاتقه مهمة الدفاع عن العقيدة ومبادئ الاسلام داعيا الشباب للتمسك بالدين باعتباره الطريق الوحيد للنجاة والنجاح يقول:

نتمنى لك الثبات على الـرّ ** شـد وما أنت عندنا مسترابُ
نتمنى بالدين أن تتحلــىّ ** من تحلىّ بدينـه لايـعـابُ
إنماّ الدين لليوث عريــنّ ** لا تغرنك بالعواء الذئــابُ
إنماّ الدين في المبـادئ رأس ** المجـد منهـا وغيره أذنـابُ

من هذه الأبيات يظهر لنا ان الشاعر متشبع بالروح الدينية والتقى والورع يحب الخير للجميع وينصح الشباب للتمسك بالدين ، والحفاظ على العقيدة لأنها حبل إعتصامه وقوة وحدته وعزّته .

أماّ العروبة في نظر شاعرنا هي أنّ كلّ من تكلم العربية ودافع عنها فهو عربي يتمتع بكامل عروبته ، وهو بهذا يؤكد معنى العروبة الحقيقي دون تعصب لها كعرق ، وإنماّ ينظر اليها كمعيار للحضارة التي سهلت الوحدة بين أبناء لغة الضاد ، ولهذا فشاعرنا يهتم باللغة لأنها تمثل بالنسبة اليه أحد المقومات الهامة التي من شأنها الربط بين أبناء العروبة فقد نوه لها انطلاقاً من أصالتها وكونها وعاءا حوى ماضي الأمة التي تشترك في المصير

وعلى هذا الأساس نظم القصيدة المعزوفة العروبة أمناّ الكبرى حيث يقول فيها:

الملة السمحاء آصرة لنــا ** فوق الأوامر و العروبة مولد
هيهات تقدر أن تفرقنا يـد ** والله يجمع شملنا ومحمّــد
إنّ العروبة أمناّ الكبرى التي ** في الأمهات نظيرها لايوجد(1)

أماّ ما قاله عن الوطن فهو يعبر عن صدق تجربه وإحساسه المرهف وحبهّ العميق للجزائر ، فقد تألمّ لألمه وفرح لفرحه، أنشد فأطرب وعبّر فأجاد ، وحسّ فصدق ، شاركه في أفراحه وأتراحه بقلمه ولسانه فكان عنصراً فعالاً في استنهاض همم الشباب وبث روح الحماسة مواكباً لأحداث وطنه جسداً وروحاً .
وفي هذه الأبيات يخاطب المحتلّ الفرنسي بأن لاحقّ له في أرض شعبٍ بذل النفس والنفيس في استرجاعها فليس عدلاً أن يسلبه حقه ليستريح ويشقى هو، وأن يخلد المحتلّ ويبيد تحت ظلمه هذا الشعب ، ولكن هذه الأرض هي لأفذاذ سيبقون أحراراً رغم الطغاة الغزاة وإن أستهين بقوتهم:

ليس حقاً أن تحرمي الشعب حقاً ** لقي النار دونه و الجديدا
ليس حقا أن تستريح ويشقـى ** ليس حقاً أن تسكني و يميداَ
ليس حقا أن تستجدّي يبلى ** ليس حقاً أن تخلدي ويبيداَ
يا فرنسا ردى الحقوق إلينـا ** وأقلىّ الأذى و كفّى الوعيداَ
نحن رغم الطغاة في الأرض أحرا ** ر وإن خالنا الطغاة عبيدا(2)

لماّ تحقق النصر للشعب المفدى واسترجع دولته الفتية بعد جهادٍ طويل كلفه غالياً ،عبّر الشاعر عن فرحته بهذا اليوم الذي بقي خالداً وسيبقى خالداً...

كان يوم استقلالنا عيد شعب ** طافح البشر ساحب الأذيال
قالزغاريد والهتافات تعلــى ** بين قرع الطبول والأزجال
والأناشيد في الميادين تتلـى ** من نساء وصبية ورجــال
قد رفعنا الهامات بالنصر تيها ** و شكرنا لربّنـا المتعــال

الى جانب هذه المضامين الأساسية ، نلمح وجود بعض الأغراض التقليدية المعروفة في الشعر القديم من وصف وحكمة ومراثي وإخوانيات ...الخ، ندرج بعضا منها:

1-الرثاء: رثا "محمد العيد" شاعر النيل حافظ ابرهيم في قصيدة بعنوان"رثاء شاعر النيل" .
قمْ عزّ مصر وعزّ الشرق أقطاراً ** فحلُ مصر خبا كالنجم وانهـاراَ
ياموتُ عدتَ بنفس خصبة نبتت ** فيها المبرّات مثل الرّوض أنهـاراَ
وغلت ليثاً بجنب النيل كان لـه ** زأرّ به أوسع "التاميز" إنـذارا
ياشاعراً حنّ بالفصحى ورنّ مدى ** كالطير زقزقة و العود أوتـارا
أقام مأتمه الدنيـا وأقعـدهــا ** ودام فيها عشياتٍ و أبـكـارا
وفي الجزائر من وجـد بمأتمــه ** هولٌ عليها طغى كالموج تيـارا
وابن الجزائر بابن الشرق مرتبـط ** وإن أحاطت به الأشواك أسواراَ
يارحمة الله هبّـي نفحـةً وهـمي ** غيثا على حافظ في القبر مدرازاَ
في ذمة الله لا أنسـاه ثانـيــة ** حسبي بحبّي له عهداً وتذكـارا(1)

2-الوصف: لقد نظم الشاعر قصيدة يصور فيها مشهداً من مشاهد البؤس الكثيرة في الجزائر ومن تلك القصيدة نورد الأبيات التالية:

بدا لعيني تاعــسٌ ناعــسٌ ** على الثرى في الصبح بالي الثيـاب
جاثٍ على الرجلين حاني الحشى ** والظهر هاوي الجسم ذاوي الشباب
فهاج من حزني ومن لوعتــي ** كما يهيج النار عـودُ الثقــاب(2)

3-الاخوانيات: وفي هذا الموضوع ندرج أبياتاً كان قداحياّ بهم محمد العيد الأستاذ أحمد سحنون حينما زاره في بيته يقول:

سيديّ إننيّ إليك مشــوقٌ ** وعوادي الزمان عنك تعوق
إننيّ مذ فقدت وجهك لم أضفر ** بوجهٍ من الأنام يــروقُ
سيديّ كيف حالُ قلبك بعدي ** في زمان قد عزّ فيه الصديقُ
هل كما كان للحياة طروبـاً ** هلْ له بعدُ بالقريض خفوقُ(3)

وقد أهدى الشاعر هذه القطعة الشعرية الى صديقيه الأستاذ الطيب العقبي والسيد عباس تركي ، بعد أن أطلق سراحهما من السجن ظلماً من الاستعمار الفرنسي ، يقول فيها:

خذا لكما عنيّ من الشعر باقة ** كذكركما كما الزّاكي تضوع وتعبق
مضت لكما في الدهر أيام محنة ** وساعات عُسر بالأماثل تلحــق
بها يمحّص الله المحقّين في الورى ** ويسحق دعوى المبطلين ويمحـق(1)

خصائص شعره:
على العموم "محمد العيد" يعتبر من أحد شعراء المدرسة الاحيائية التي تقوم على احياء التراث والاستفادة منه، إلاّ أنه جددّ في المضامين وكان شديد الصلة بالأسلوب العربي القديم ، حاول أن يخلّص أسلوبه من الضعف والتصنع والجمود(2).

ومن أهم خصائص شعره:
1-يكاد شعره يخلو من تصوير لعواطف الشاعر وأحاسيسه الذاتية الخاصة ، فغلبت على شعره الذات القومية الجماعية(3) ، يقول في هذا الصدد: (إنّ ذلك الموقف الذي اتخذته، وذلك المنهج الذي إلتزمت به في شعري إنماّ هو تعبير عن وجدان الأمة ، وإنيّ وإن كنت قد قلت في بعض الأشخاص فلأني كنت أعتبر ذلك جزءاً أساسياً من عملي الوطني والقومي)(4).

ومثال ذلك قوله:
نحن الدعاة الى الحسنى فما أحدّ ** مناّ بمجترح للشـرّ مجتــرم
ألا فقل للذي بالحرب فاجأنـا ** لاتلق بالحرب من يلقاك بالسلم
وقل لمن نالنا بالظلم منتقـمـاً ** حذار من نائلٍ بالعدل منتقـم(5)

2-اللغة التي استعملها في شعره هي لغة الرغبة الجادة في التبليغ ، لا لغة الزخارف والأصباغ التزييفية والتلاعب بالألفاظ(6) يقول :

أنت من عنصر الخلود لباب ** كن الى المجد طامحاً ياشبابُ(7)
لك دين مدى الدهور عزيزّ ** يبذل المالُ دونه والرّقـاب

-المعيار الفني: عنده ليس محدداً بأشكال معينة في التجديد ولا محصوراً في قوالب تقليدية زخرفية ، بل تجاوز الزخارف المصطنعة الى الانفعال بالحدث، وحسن التعبير عن التجربة ، وجودة بناءها(1)، فكان يجهد نفسه في البحث عن الألفاظ والتراكيب والمعاني المتداولة في الحياة العامة، ويذللها لشعره إذ يراها أنفذ الى مشاعر سامعيه من غيرها ، وأقدر على التأثير فيهم(2)، حيث يدخل المتلقي في حالة شعورية ذهنية فكرية روحية ، فيشارك التجربة وينفعل معها(3).

أو مثال هذا الأبيات التي صورّ موقف النساء ومشاركتهن في الثورة والكفاح المسلح، وشجاعتهن الفائقة.

قد سبقن الرجال في البأس صبراً ** وتحملن فتنة الأضــداد
وأثرن الأبطال للثأر منهــم ** فاستبادوا زروعهم بالحصاد
كم غدونا الى جريح طريـحٍ ** فأسونا جراحه بالضمــاد
وحنونا على شهيد مجيــد ** خطّ تاريخه بأزكى مــداد(4)

4-ارتبطت صوره الشعرية بمقاييس النقد القديم، تفتقد الى الغرابة والابتكار وتقترب من السطحية ، وبما أنّ التشبيه هو الأداة المفضلة عند القدامى ، فقد استخدمه "محمد العيد" بكثرة ، فهو يعتقد أنّ التشبيه هو الأقرب الى الواقع وألصق بالعقل، وأكثر تناسباً مع الاتجاه الشعري الذي اختاره الى نفسه، وهو الاتجاه الذي تغلب عليه النظرة الواقعية للأشياء ، ومن هذه التشبيهات في قصيدة"مالي وللأذى":

كن طاهراً كالملاك نفساً ** لاتظمر الحقد كالجمال
كمْ من أذى لم أعره بالا ** فغاص كالماء في الرّمال

5-هو مثله غيره من شعراء الجزائر (احتفظ بسمة من الوضوح ولم يوغل في الرّمزية وإن رمز في شعره فهو ليس بالايجابي الغامض ، لكنه نتاج ظروف سياسية واجتماعية فقط مثل ذلك قوله في الحرية:

من كان في العشاق باسمك ناطقاً ** فكأنماّ هو الناطق بمحالِ

حيث نلاحظ في هذا اليت الذي أشاد فيه بالحرية رمزٌ خفي حيث رمز لها بالحبيبة وهو إيحاءٌ ظاهر قريب جداً للمعنى واضح الهدف لايحتاج الى عناءٍ فكري (5).

6-استقى صوره من الطبيعة غالباً ، يقول محيياًّ من خلالها "جمال عبد الناصر"

إنّ الجزائر بوّأتك أرضهــا ** أكباد أحرارٍ لها وحرائــر
صحت إليك حدائقها بأزهارها ** وثمارها ضحك الحبيب السافر
واستقبلتك سهولها وحقولهــا ** وربيعها الزاهي بحسن المناظر

-اقتبس كثيراً من القرآن ، ونجد هذا على سبيل المثال لا للحصر في تلك القصيدة التي صور فيها هلاك الرومان الذي لحقهم بسبب ظلمهم وطغيانهم يقول:

فصبّ عليهم ربناّ سوط بأسه ** وعاقبهم عماّ جنوه بغائل

فكما هو واضح أن محمد العيد هنا اعتمد في رسمه لهذه الصورة على قوله تعالى في صورة الفجر ... فصبّ عليهم ربكّ سوط عذاب) .
وبقول ذلك في بيت جعل شطره آية قرآنية .

لا تأمن الغدر قلنا ** حسبنا الله و نعم الوكيل (1)

كما اقتبس من الحديث النبوي الشريف وذلك حين قال:

وإنّ من البيان لنا لسحراً ** وإنّ من القريض لنا لحكمه
وهذا مستلهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ من البيان لسحر وإنّ من الشعر لحكمة)(2).

أخذ عن بعض سابقيه من الشعراء القدامى والمحدثين لفظا ومعنى وضمنه شعره(3) ومن هذا قوله:

سئمت وإن كنت ابن عشرين حجّة ** حوادث لاتنفك مستعرات(4)

فعبارة (عشرين حجة) نجدها في بيت للشاعر زهير بن أبي سلمى حيث يقول:

وقفت بها من بعد عشرين حجة ** فلأياًّ عرفت الدّار بعد توهّم
كما نجده قد استلهم من معاني الشعر الحديث في قصيدة بعنوان "يا قوْم هبّوا" يقول :

وإذا أراد الشعب نال مراده ** ولو أنّه كالنجم عزّ مثالا

وهذا قولٌ مستوحى من مطلع قصيدة إرادة الحياة للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي الذي يقول:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة ** فلا بدّ أن يستجيب القدر(5)
-نلمس في شعره طابع المعاناة التي تتجدد بصورة واضحة إذا تحدث عن قضية وطنه الجزائر والقضايا العربية بصفة عامة ، فالشاعر مفعمّ بالروح العربية ، يعيش تلك القضايا بشعره وأعصابه وعقله، ولعلّ خير ما يذكر في هذا الشأن قضية فلسطين الجريحة .

إيه فلسطين الشقيقة لا اتنسي ** عن ردّ عدوان اليهود الأشنع(6)
ويح القلوب فكلّ قلب شاعر ** متقطعٌ لأنينك المتقطــع
ويح العدالة والسلام فلا أرى ** غير العدالة و السلام بموجع

كما يعتبر التكرار من الميزات البارزة في شعر محمد العيد حيث نجده كثيراً ما يكررّ المعنى الواحد في القصيد الواحدة أو في قصائد أخرى أو تكرار الكلمة بعينها أو أشطارها ، بذاتها عدةّ مرات ، ويقصد من وراء هذا التكرار توكيد المعاني وإعطائها صفة الحمية والوجوب وقد يقصد بها إثارة الحماس في نفوس سامعيه حتى يستحوذ على مشاعرهم ، لأنه يدرك أن مهمته تكمن في إرضاء وجدان الآخرين لأني إرضاء وجدانه فقط لذا نجده يحاول التغلغل إلى أعماقهم ومخاطبة عيونهم وقلوبهم .
ونجده في تكرار العبارات يقول في قصيدته "الشعر والأدب" يقول:

أنا ابن جديّ وقومي السّادة العرب ** وحرفتي ماَ حييت : الشعر والأدب
انفقت وقتي في شعر وفي أدبٍ ** لاشغل عندي إلاّ : الشعر والأدب
ولا غذاء به أحيا بغير طوى ** منعم البالِ إلاّ الشعر والأدب

وللاشارة فإنّ هذه القصيدة بكاملها قد كرّرت عبارة الشعر والأدب في آخر كلّ عَجُـزٍ منها:
كما أنه يكرر الأصوات لتأثره بأسلوب القرآن الكريم ، فاستخدم هذا اللون من التعبير بمهارة فائقة لتمكنه من اللغة العربية وقدرته على انتقاء الكلمات ذات الجرس الصوتي المتطابق ، وهذا ما نراه في هذه المقطوعة .

أيّها الحراس الشداد الباس
لاتبّثوا اليأس في قلوب الناس تورقها الضّنى
زحزحوا بالفأس دفة المتراس
واتركوا الأنفس تستطيب الآس تنشق السَّوْسَنا
فحرف السين يدل هنا على الألم والحسرة اللذين يعاني منهما الشاعر، وبصور حالته النفسية إزاء أوضاع أمتّه المتردّية.

حافظً "محمد العيد" وغيره من شعراء الاصلاح على نمط القصيدة العمودية والالتزام الواضح بالايقاع الموسيقي المعتمد على الوزن والقافية .

وفي الاخير نقول ان محمد العيد آل خليفة جمع بين الإصلاح والتصوف فهو بذلك جمع بين العمل للدنيا والعمل للآخرة كما يمكن ان نعتبر شخصيته شخصية دينية اكثر منها ادبية وهذا ما لاحظناه من خلال كل ما سبق فعمله يلخص في ثلاث كلمات الكلمة الهادفة شعرا ، والكلمة الطيبة تربية والكلمة الصادقة اصلاحا كما يمكن ان نقول ان تجربته ناجحة صادقة ومؤثرة ..

*قائمة المصادر والمراجع*

المصادر :

1-ديوان محمد العيد محمد علي خليفة، المؤسسة الوطنية للكتاب –الجزائر، الطبعة الثالثة .

المراجع:

1-محمد العيد آل خليفة، دراسة تحليلية لحياته تأليف الأستاذ محمد ابن سمينة ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون-الجزائر1992.

2-في الأدب الجزائري الحديث تاريخاً وأنواعا وقضايا وأعلاما، تأليف الدكتور عمر بن قينة-ديوان المطبوعات الجزائرية بن عكنون-الجزائر .

*الرسائل:

1-الحس الاصلاحي في شعر محمد العيد آل خليفة، من إعداد حرة زياط-تومية زروالة-صديقي ناصرية، تحت إشراف الأستاذ وذناني بوداود –دفعة 2000.

2-الاسلام والعروبة في شعر محمد العيد آل خليفة ، من إعداد تقاري محمد-خليفة الطاهر –علالي عبد القادر، تحت إشراف وذناني بوداود - دفعة1995-1996
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية علي قوادري
علي قوادري
مشرف شرفي
  • تاريخ التسجيل : 30-07-2008
  • المشاركات : 4,559
  • معدل تقييم المستوى :

    20

  • علي قوادري is on a distinguished road
الصورة الرمزية علي قوادري
علي قوادري
مشرف شرفي
رد: شاعر الإسلام في الجزائر: محمد العيد آل خليفة -رحمه الله
09-08-2012, 04:55 PM
بارك الله فيك
هو شاعر كبير قرأنا عنه وقرأنا له وألهمنا شعره الملتزم.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
الديمقراطيه الأمريكيه أشبه بحصان طرواده الحريه من الخارج ومليشيات الموت في الداخل... ولا يثق بأمريكا إلا مغفل ولا تمدح أمريكا إلا خادم لها !
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 07-04-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 711
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • KimoB is on a distinguished road
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
رد: شاعر الإسلام في الجزائر: محمد العيد آل خليفة -رحمه الله
09-08-2012, 06:27 PM
اقتباس:
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد تلمساني مشاهدة المشاركة

بارك الله فيك

ورحم الله شاعر الاسلام و الجزائر

وفيك كل الخير والبركة اخي الكريم محمد
شرفني مرورك و عطر ردك العبق متصفحي
صح فطوركم و تقبل الله منكم


  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 07-04-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 711
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • KimoB is on a distinguished road
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
رد: شاعر الإسلام في الجزائر: محمد العيد آل خليفة -رحمه الله
10-08-2012, 11:28 PM
اقتباس:
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي قوادري مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
هو شاعر كبير قرأنا عنه وقرأنا له وألهمنا شعره الملتزم.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
وفيك البركة وكل الخير اخي الكريم علي
اللهم آمين لنا أجمعين
شكرا لمرورك الطيب


  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 07-04-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 711
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • KimoB is on a distinguished road
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 07-04-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 711
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • KimoB is on a distinguished road
الصورة الرمزية KimoB
KimoB
عضو متميز
رد: شاعر الإسلام في الجزائر: محمد العيد آل خليفة -رحمه الله
12-11-2012, 10:26 AM
اقتباس:
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة zamil مشاهدة المشاركة
نعلم الكثير عن شعراء غيرنا ونجهل دواوين شعرائنا

لك الشكر الجزيل على تعريفك الجيد لشاعرنا الكبير
الشكر لك موصول على طيب المرور
نورت صفحتي

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 07:30 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى