طقوس مثيرة للاحتفال بـ"النّاير" في الأوراس
09-01-2018, 02:12 AM


صالح سعودي

مراسل لجريدة الشروق، وصحافي مهتم بالقضايا الرياضية والمحلية والتاريخية

يستعد سكان منطقة الأوراس على غرار باقي سكان الوطن للاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة (ينار) المصادفة لـ12 جانفي، من خلال إحياء طقوس تاريخية وبرمجة أنشطة ثقافية وفلكلورية متنوعة، ومعارض للصور والألبسة التقليدية ومحاضرات للتعريف بالموروث التاريخي والثقافي للحضارة الأمازيغية على مر السنين.
لقي رأس السنة الأمازيغية الجديدة (ينار) ترحابا واسعا في بيوت المجتمع الأوراسي، بطقوس تحتل مكانة اجتماعية مقدسة في تقاليد الأمازيغ، حيث تقوم النسوة بتغيير أثافي الموقد بأثافي جديدةٍ، ودفن رماد المواقد القديمة أو رميها بعيدا، وهذا تيمنا بحلول بركة العام الجديد، كما تملأ الأواني بالماء في ليلة رأس السنة الأمازيغية رمزا للخصوبة والنماء والحياة، ويتم تنظيف حرم البيت (هماسخث ن خام)، ويتم تبييض البيت الحجري بمادة الجير، مع وضع بعض الحشائش الخضراء على السقوف. ويؤكد الأستاذ عادل سلطاني لـ"الشروق" بأن هذا "التطقيس" يندرج ضمن المفهوم الواسع للخصوبة، ويعني حياة الأرض الأم، وحياة القطعان التي تعتبر ركيزة أساسية في معاش الأوراسي وحياته، حيث تقوم المرأة حسب محدثنا بتحضير وجبة "إيشرشمن"، أو طبق "آكسكسو" بلحم الديك، وإعداد الحلويات التقليدية المعروفة حسب محدثنا في الأوراس وعلى مستوى الوطني، مع اختلافات نسبية من منطقة لأخرى.
ويؤكد الدكتور يوسف بن يزة من جامعة باتنة بأنه لا توجد عائلة جزائرية لا تحتفل بعيد ينار، لذلك فينار حسب قوله يوحّد الجزائريين ويستحق أن يكون عيدا وطنيا وليس يوم عطلة فقط، مضيفا بأن المطلب سيبقى قائما على ضرورة المصالحة مع الذات التي يراها مفتاح الخلاص من التيه الهوياتي، ثم الانطلاق نحو الآفاق.
ويؤكد الكثير من المؤرخين والباحثين، بأن السنة الأمازيغية بدأت كسنة فلاحيه، ولا تزال تمارس الطقوس الخاصة بالفلاحة، كقلب الحجارة من طرف النساء للوقوف على كمية الرطوبة في الجو، من خلال تكاثر الحشرات، والعكس في حال الجفاف، والتبرك بالحشيش الذي يوضع على مداخل البيوت، كما أن نثر القمح المطبوخ في البساتين يعتبر تقربا من الطبيعة لتكون أكثر خصوبة وعطاء وسخاء، ويصادف كل هذا يوم الثالث عشر من جانفي (ينار)، وحسب الأستاذة خديجة ساعد، فهناك شيء ثابت لا يمكن إنكاره، وهو التمسك والارتباط بهذا المكسب التاريخي الضارب في الجذور، مثل ارتباط شيشنق بأرضه الأم وتفاعل شعبه مع انتصاراته في كل مكان، لأن السيطرة على ملك الفراعنة حسب محدثتنا، وغزو المشرق بذلك الدهاء كان حدثا كبيرا هز العالم القديم، وتناقلته الأجيال لمدة طويلة، وهذا ما خلد انتصارهم في نظر خديجة ساعد ليبقى هذا الاحتفال بالموروث الحضاري للأمازيغ عبر العصور.
وتضيف: "تدوم احتفالات ينار في الأوراس ثلاثة أيام، بداية من اليوم الثاني عشر والذي يسمى" ينار اقذيم"، ثم الثالث عشر ويسمى ينار اجديذ أو أثرار"، وصولا إلى اليوم الرابع عشر والذي يسمى "اس ن فرعون"، وهذا الأخير هو الدليل القاطع على الحدث التاريخي المتعلق بالملك شيشنق، بينما اليوم الأول هو احتفال فلاحي محض وهو أقدم من الحدث التاريخي.
"أسفال" لإبعاد الشر وجلب الخير
ويأخذ إحياء هذه الطقوس أشكالا مختلفة من منطقة لأخرى، وحسب الكاتب سليم سوهالي فإنه وفق معتقد شعبي "من يحتفل بيناير يبعد عن نفسه الحسد وأذى الدهر"، وجلب السلم والسعادة يتطلب تضحيات يطلق عليها تسمية "أسفال"، والمتمثلة في ذبح ديك على عتبة البيت لإبعاد الشر وجلب الخير، وإعداد الطبق التقليدي ليناير (أمنسي نيناير)، مثل طبق الكسكسي المرفق بالدجاج أو اللحم والخضر، والذي يستهلك جماعيا في صحن واحد، اعتقادا بأن هذه الفرصة سانحة للتصالح وترك النزاعات جانبا، ويرى محدثنا أن الموروث الأمازيغي رافد من روافد الثقافة الإنسانية، ولا يجوز حصره في بعض المناطق، أو الغوص في عالم الأساطير وإبعاده عن الحياة اليومية، وختم سوهالي قوله بأن الأمازيغية تعد مشروعا لمجتمع يواكب تطورات العصر، وليس مجرد إحياء مناسبات وأساطير.