يناير 2968.. احتفالات التّقاليد والهوية
12-01-2018, 09:15 PM


رانية مختاري / وليد بوهراوة / فاطمة عكوش / توفيق. ب / محمد الأمين


لأول مرة، وبعد عقود من

الزمن، تتنحى السياسة جانبا في احتفالات يناير بتيزي وزو، تاركة المجال لأنشطة متعددة، تحتفي بتاريخ ضارب في الأعماق، بعدما انتصر النضال السياسي للهوية الوطنية وانتزع لهذه المناسبة مكانتها الطبيعية وسط المجتمع الجزائري، المستمد قوته اليوم من التعدد الثقافي والتراث الذي يعتبر عماد إرثه الحضاري، إذ لم يكن مطلب ترسيم يناير وجعله عيدا وطنيا مدفوع الأجر مقتصرا على منطقة القبائل فقط، بل للجزائريين كافة.

فالعودة إلى هذا اليوم من كل سنة، تجبرنا على الوقوف والاطلاع على تاريخ حافل لقاهر الفراعنة، الملك "ششناق"، الذي اعتلى عرش "أم الحضارات" قبل 2968 سنة، حين تغلب على غريمه الفرعوني "رمسيس الثاني"، وجعله يركع لقوته وجبروته، وتدفعنا إلى إعادة الاعتبار لتاريخ كان لنا فيه مجد خلدت بصمته منذ الحضارة الفرعونية.
احتفالات يناير هذه السنة بولاية تيزي وزو على غرار ولايات الوطن، جاءت مختلفة عن نظيراتها من السنوات الماضية، بعدما خرجت من قوقعة الإحياء للذكرى وتجديد مطالب الترسيم، إلى الإحياء احتفالا بانتصار سنوات قليلة من الكفاح والنضال، لتاريخ تجاوز السنة الميلادية بقرون من الزمن.
السلطات على مختلف مستوياتها وبعد تحديد ولاية تيزي وزو، لاحتضان الاحتفالات الرسمية بيناير، سطرت برنامجا ثريا نسقت بشأنه عدة مديريات ضمنها الثقافة والشبيبة والرياضة لمدة أسبوع كامل، وجعلت تيزي وزو عبر مختلف مرافقها الثقافية والشبابية، ترقص طربا بهذا المكسب الثقافي والتاريخي.
ترسيم يناير وإنشاء الأكاديمية الأمازيغية سنة بعد ترسيم اللغة الأمازيغية، جاء ليكون مكسبا لا يستهان به ومنعرجا إجباريا لتغيير مسار الأحزاب السياسية والحركات الانفصالية التي كانت تساوم السلطة به وتضمن الاستمرار باعتماده في كل مناسبة متاحة.

يناير بعيدا عن السياسة


ارتبط يناير لدى القدامى بالجانب التاريخي، حيث انطلق التقويم الأمازيغي قبل 2968 وهو التاريخ الذي انتصر خلاله الملك الأمازيغي "ششناق" على الفرعوني "رمسيس الثاني"، وهو الإنجاز التاريخي الذي لم يسبقه إليه أحد، ما جعل بداية التقويم الأمازيغي تعتمد ذلك التاريخ المخلد لانتصار عظيم.
أما الجانب الثقافي المرتبط بالذاكرة الشعبية، فيعتبر يناير رأس السنة الأمازيغية وبداية لموسم الزراعي، حيث كانت الزراعة محور الحياة لدى الأمازيغ المرتبطين بالأرض ارتباطا قويا، جعلهم يقسمون فصول السنة حسب مواسم الزرع والحصاد، ولكل موعد أهمية خاصة يتحضّر ويحضّر لها الجميع.
كلمة "يناير" المنقسمة إلى شقين تعني: "ينا" بمعني الفاتح و"ير" الشهر، وهو ما يعني "فاتح الشهر" وبداية السنة الأمازيغية، التي تحتفل بها جميع العائلات منذ الأزل بعادات قد تختلف من منطقة إلى أخرى، لكنها تتشارك في استقبالها السنة الجديدة بطبق الكسكسي باللحم، اللحوم الحمراء أو البيضاء، لكن ذبح الديك البلدي وتحضير المرق بلحمه إلى جانب أنواع مختلفة من البقوليات، هو الأساس، ويطلق عليه تسمية "أسفل" أو "الأضحية" التي يحضر بها "عشاء يناير" ويفضل ذبحها في المنزل وإعدادها فيه أيضا، حتى يدفع– حسب المعتقدات- البلاء عن أفراد العائلة، ويكون استعدادا لاستقبال مواسم زراعية وفيرة.
عشاء يناير لا يقتصر استهلاكه على البشر، بل يكون فيه نصيب للطيور والحيوانات، إذ يلقى جزء منه على سقف المنزل حتى يتناوله كل ما يمر بالقرب منه.
والطفل الذي يستقبل لأول مرة مناسبة يناير وسط عائلته، تكون له حصة الأسد من الاحتفال، حيث يوضع في قصعة كبيرة وحوله أطفال آخرون يغنون، وتقوم كبيرة نساء العائلة وعموما هي الجدة، برمي الحلويات والمكسرات على رأسه، ليكون فألا طيبا عليه.

"التريد" و"المديونة" لا يمكن الاستغناء عنهما في هذه المناسبة
ملحمة "عيرد".. من أسطورة تاريخية إلى رمز للاحتفال بالناير في تلمسان


تحتفل تلمسان ليلة الجمعة، برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2968 يناير أو ما يعرف محليا بمحلمة "عيرد" باللهجة الشلحية المنتشرة في عدة مناطق بالولاية، وستكون بلدية بني سنوس فضاء لهذه الاحتفالات لأول مرة بعد ترسيمها عيدا وطنيا من طرف الرئيس بوتفليقة.
وانتشرت في مدن وبلدات تلمسان تجارة موسمية، حيث يقوم بعض الشباب بعرض المكسرات والفواكه الجافة من جوز وفستق ولوز وبندق، كما يباع أيضا التمر الجاف والتين وزيت الزيتون، وغيرها ومستلزمات يحتاجها المواطنون للاحتفال بيناير.
يقتني الناس هذه المستلزمات وتقوم النسوة في البيوت بتحضير "التريد" وهو خبز تقليدي رقيق خاص بهذه المناسبة يحضر بالفرينة والماء والزيت يطهى على قدر مقلوب يسمى "الترادة".
في يوم الاحتفال، تجتمع العائلة الكبيرة في بيت الأكبر سنا غالبا ما يكون بيت الجد وتجمع كل الفواكه الجافة والحلوى في "الميدونة"، وهي طبق كبير مصنوع من نبات الدوم ويوضع في وسطه أصغر طفل في العائلة وترمي الجدة عليه المكسرات والحلوى، وهي في اعتقاد العائلات تجلب الرزق والسعادة لهذا الطفل عندما يكبر، ويحضر طبق "البركوكس" بسبع خضر تجلبها النساء من منازلهن.
ومعلوم أن العائلات في تلمسان ما زالت تحافظ على الاحتفال بقدوم "يناير" من خلال مظاهر متعددة للتعبير عن تمسكها بموروثها الحضاري الضارب في أعماق التاريخ وعن فرحتها وبهجتها بحلول السنة الأمازيغية الجديدة بعادات مميزة وأطباق خاصة بالمناسبة.
وبخصوص الاحتفالات الرسمية، سطرت ولاية تلمسان بالتنسيق مع مديرية الثقافة ومديرية الشباب والرياضة، وكذا جامعة تلمسان برنامجا خاصا بالتظاهرة يمتد من 11 إلى 15 جانفي، حيث سيقوم ابتداء من الخميس أساتذة وباحثون في التاريخ والثقافة الشعبية بمحاضرات على مستوى جامعة تلمسان حول يناير وجذوره الضاربة في أعماق تاريخ المنطقة حسب بيان لولاية تلمسان.
كما جاء في البيان أن الاحتفال سيكون عبر مختلف دوائر وبلديات الولاية من خلال تنظيم معارض اللباس التقليدي والأكلات والأطباق الخاصة بالمناسبة.
وستحتضن بلدية بني سنوس ليلة الجمعة أمسيات شعرية ومسرحيات وندوات فكرية حول ملحمة "عيرد" مع تحديد المفهوم العلمي لهذه الكلمة التي كثيرا ما اختلفت حولها الأساطير إذ يقول البعض إنه بطل أمازيغي كان يهزم السباع، ويحمي المنطقة فيما تذهب بعض الأقوال الأخرى إلى أنه أسد كان يربيه سكان بني سنوس وكان يحميهم من بطش القبائل المجاورة لهم.

بالتنسيق بين الأميار ولجان المساجد والجمعيات
موائد إفطار جماعية في القرى والمداشر للاحتفال بيناير بالبويرة
إقبال كبير على دجاج الحشاذ الريفي وارتفاع سعره إلى 1500 دج


يتم يوم الجمعة، وفي أول مرة في التاريخ تنظيم موائد إفطار جماعية على مستوى كل قرى ومداشر ولاية البويرة، وذلك بالتنسيق بين الأميار ولجان القرى ومختلف الجمعيات الناشطة في الميدان، للاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة، ضمن مناخ أمازيغي مائة في المائة. وهذا، لأن يناير هو في المقام الأول فرصة للتلاقي وإبراز التمسك بالعادات والتقاليد والعمل على التواصل بين الأجيال، وهو أيضا فرصة للتذكير بالنضال والتضحية لأجل الحفاظ على الهوية الأمازيغية، وعلى صعيد آخر سجلت "الشروق "تهافت المواطنين على اقتناء دجاج الحشاد الريفي من الأسواق المحلية لتحضير عشاء يناير، وهذا رغم ارتفاع أسعاره خلال اليومين الأخيرين حيث تجاوز سعر الديك عتبة 1500دج.

تستقبل العائلات البويرية مناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة بنحر الأضاحي وذلك بتقديم "أسفل" الذي يعني الأضحية، التي تختلف من عائلة إلى أخرى حسب إمكانياتها، حيث نجد عادات بعض القرى قائمة على ذبح ديك عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة معا عن كل امرأة حامل من العائلة، في حين إن بعض القرى لا تشترط نوع الأضحية، فالمهم حسب المعتقدات السائدة في المجتمع القبائلي هو إسالة الدماء لحماية العائلة من الأمراض وعين الحسود، كما أنها تقي أفرادها من المخاطر طول أيام السنة، وتقوم النساء بموازاة ذلك بتحضير مأكولات تقليدية مختلفة ومتنوعة يطلق عليها سكان منطقة القبائل اسم "امنسي نيناير" أي عشاء يناير، وذلك لما له من تأثير بالغ على العائلة ورزقها طوال أيام السنة الجديدة، حيث إن تنوع أطباق هذه المأكولات يوحي بكثرة الرزق والأرباح وجني محصول وفير، ويلعب طبق الكسكسي الذي لا يخلو أي بيت قبائلي منه، دورا رئيسيا في مائدة يناير مرفوقا بلحم الأضحية والخضر الجافة، كما توضع إلى جانبه المأكولات التقليدية التي تكون أساسا من العجائن لما لها من معان وقوة التمسك بالموروث عن الأجداد.
وحسب السيد عمي علي فاتح، الأمين العام لجمعية "تاغرما" التابعة إلى قرية تسالة بتاغزوت، فإن يناير بالنسبة إلى العائلات البويرية أولا وقبل كل شيء باب ينفتح على العام الجديد، وإن إحياء ذكراه لم يفقده طراوته ولا أصله. وأضاف محدثنا أنه عشية يناير يتوجه المواطنون إلى الأسواق لشراء الدجاج الريفي الملقب بدجاج الحشاذ وكل ما يحتاجونه من لوازم للبيت، وعندما يحل المساء يقوم الآباء بذبح الدجاج ليتم تحضيره للطهي، كما يتم بالمناسبة تحضير أكلات خاصة منها العيش، اشباض، ثيركيمث، الخفاف، ثيغرفين.. وبعد صلاة العشاء مباشرة، تزين الموائد بشتى المأكولات، فيتقدم رب العائلة ليدشن الأكل، أولا، ثم يليه جميع أفراد العائلة احتراما له.
ومن جهتهم، أكد العديد من أعيان قرى احنيف بضواحي مشدالة في حديثهم مع "الشروق" أن كل العائلات بالمنطقة تحتفل بطريقة مميزة بحلول السنة الأمازيغية الجديدة، ومن العادات الموروثة أبا عن جد تحضير عشاء يناير بالسردوك الأصلي وكما يسمونه بالأمازيغية بـ (ayazid whachad ) "دجاج الحشاذ" وهو بحسبهم الدجاج الذي يكون طيلة العام غضبان، يصعب ذبحه، ويصعب طبخه، كما يصعب هضم لحمه، وبحسبهم، فإن تناول لحم الدجاج الأحمر تبقى ذكراه راسخة من عام إلى آخر، ويتحول "السرذوك الغضبان" إلى محل تنكيت وضحك لدى العائلات بسبب طول مدة طبخه التي تتعدى في الكثير من الأحيان 6 ساعات، لكن رغم ذلك يحرص الجميع على اقتناء ديك الحشاذ لذبحه عشية يناير. وهذا رغم أن أسعاره تتعدى بالأسواق المحلية 1500دج، مؤكدين "أننا ما زلنا نحن الأمازيغ نفضل ذبح ديك الحشاد احتفالا بالسنة الأمازيغية الجديدة، في وقت يفاخر الغير بذبح الديك الرومي رأس السنة الميلادية".
وحسب خالتي وردية من الأسنام، فإن الاستبشار خيرا بيناير يتم ربطه عادة بأحداث عائلية، وعادة تقوم ربات البيوت بوضع أوان مليئة بالملح خارج المنزل أو على سطحه، حيث إن عدد حبات الملح يرمز إلى عدد أشهر السنة.. ومن العادات الأخرى السائدة في المنطقة حلق شعر المولود الذي يبلغ سنة من العمر عند حلول هذه المناسبة، حيث تخصص له أجمل الثياب ويوضع داخل جفنة كبيرة لترمى فوقه امرأة متقدمة في السن مزيجا من الحلويات والمكسرات والسكر والبيض. وأهم ما يميز إحياء عيد يناير بالمنطقة، حرص ربات البيوت على استبدال الأواني القديمة لاسيما الطينية منها بأخرى جديدة، وموقد البيت الذي عادة ما يكون مشكلا من ثلاثة أحجار، بالإضافة إلى نسج أفرشة جديدة وفي مقدمتها الزربية ليتم استقبال العام الأمازيغي الجديد بألبسة وأفرشة وأوان جديدة بعد أن يتم طلاء البيت وتزيينه والتخلص من كل ما هو قديم.
ويربط الكثير الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بإحدى الروايتين، الأولى هي الارتباط الوثيق بالأرض، باعتبار هذه الفترة من السنة بداية السنة الفلاحية، وهي مناسبة فلاحية يتم الاحتفال بها تيمّنا بمجيء سنة فلاحية جيدة خضراء، وليست مقتصرة على المناطق البربرية، ويدخل هذا اليوم ضمن ما يسمى بأيام العواشر، التي تعتبر قبل كل شيء أياما دينية، أما الرّواية الثانية المتداولة، فتتمثل في أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، مردّه إلى انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني. وارتبط يناير أيضا بمعتقدات ضاربة في القدم، مثل حدث أسطوري يقول إنه في زمن بعيد، استهانت امرأة عجوز بقوى الطبيعة، حيث حرثت أرضها وأرجعت صمودها إلى قوتها ولم تشكر السماء، فغضب يناير (رمز الخصوبة والزراعة) وطلب من فورار (شهر فبراير بالأمازيغية، أن يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز، فحدثت عاصفة قوية وشديدة أتت على خيرات أراضي العجوز..

نشاطات متنوعة وبرنامج ثري بدار الثقافة الطاوس عمروش
بجاية تحتفل بـ"يناير" مع ضيوف من المغرب العربي


تتواصل بدار الثقافة "الطاووس عمروش" بولاية بجاية فعاليات الأيام الدولية للتظاهرة الثقافية "يناير"، وذلك إلى غاية 12 من الشهر الجاري، بمشاركة وفود من المغرب وتونس ودول أخرى، حيث امتزجت الألوان والأشكال بين فضاءات إبداعية مغربية أبت إلا أن تكون فرصة للتعرف على يناير في شقيه الفولكلوري والتاريخي.
تحت شعار "يناير شمال إفريقيا" نظمت الجمعية الثقافية الحرفية "أفنيق" ببجاية أياما ثقافية دولية، تستمر على مدى سبعة أيام، سطرت من خلالها ورشات عمل مشتركة بين الدول المشاركة على غرار تونس والمغرب، كما اشتملت التظاهرة على محاضرات سلطت الضوء على تاريخ رأس السنة الأمازيغية وعلى التقويم الأمازيغي الذي شهدت فيه انتصار الملك الأمازيغي شيشناق على مالك الفراعنة رمسيس الثالث وبالضبط في الـ 12 من هذا الشهر.
كما تضمن البرنامج أمسيات شعرية وعروضا مسرحية ومعارض ولوحات زيتية، وموسيقى قبائلية إلى جانب عرض نموذجي لعروس قبائلية تم من خلالها التعريف بتقليد الحناء، حيث استحسن الزوار المبادرة وكانت فكرة لاستذكار العادات القديمة.
واشتملت المشاركة التونسية والمغربية على عروض مميزة أبدع فيها الحرفيون من خلال ورشات عمل مشتركة بفن التطريز والمطبخ، وهو ما يعكس التبادل الثقافي القائم على المحافظة على الهوية.

يتم خلاله إبراز الموروث التاريخي والحضاري الأمازيغي
احتفالات أسطورية رسمية وشعبية بقرى ومداشر البويرة بمناسبة يناير


يستعد ولأول مرة سكان قرى وبلديات البويرة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة يناير 2968 في أجواء مميزة، وهذا بعد تحقيق مطلب جعل رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنيا ويوم عطلة مدفوع الأجر، الذي يعتبر تتويجا لنضالات ومطالب الحركة الأمازيغية، ومن جهة أخرى، هو تأكيد على المشروعية الثقافية والعلمية والحقوقية للمطلب، ما جعل لجان القرى والسلطات المحلية تستعد للاحتفال بيناير بشكل يليق بحجم هذا الحدث التاريخي، لما له من قيمة ودور بالنسبة إلى الأمازيغ.

غير أن الطقوس المعتمدة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية، تختلف من منطقة إلى أخرى.. فببلدية أهل القصر، تقوم جمعية أمازيغ بالتنسيق مع جمعيات تالويث، الإحسان، تادوكلي ثافاث باحتضان احتفالات يناير 2968، لمدة 4 أيام كاملة وذلك ابتداء من 10 جانفي إلى 13 جانفي، يتم خلال التظاهرة الثقافية تقديم برنامج ثري للزوار، حيث سينظم بالمناسبة مهرجان الجبة القبائلية لأول مرة بالمنطقة، وسيستقبل العديد من أنواع الجبات من ولايات تيزي وزو، البويرة، بجاية، بومرداس، كما ستعرض كل أنواع الفضة القبائلية كفضة الأربعاء ناث ايراثن واث يني، كما سيكرم العديد من الشخصيات الثقافية والفنية الذين خدموا الأمازيغية.
ويعد يناير إرثا تاريخيا في ذاكرة منطقة أهل القصر وبالمناطق الأخرى، وهو اليوم الذي يلتقي فيه الأهالي والقرويون عبر ولائم، إذ تجتمع العائلات في ولائم كبيرة حول مائدة طعام يكون طبق الكسكسي المحضر بالدجاج سيد المائدة، وهو تقليد دأب عليه سكان المنطقة، كما تردد فيه العجائز أهازيج وشعارات من التراث تعبيرا عن الأمل، ويدمجون بعض المقاطع التي تشيد بانتصار ملك الأمازيغ على الفراعنة حسب ما ترويه الروايات، لذلك يعود هذا الاحتفال إلى انتصار الملك البربري ''شاشناق'' على الفراعنة عام 950 قبل الميلاد وذلك ردا على تحالفهم مع الرومان لاستهداف الأمازيغ.
ومن جهة أخرى، يحرص سكان مشدالة، احنيف، الأصنام، حيزر وغيرها على تحضير وجبات خاصة للمناسبة أشهرها طبق الكسكسي بالخضر ويكون بلحم الدجاج المحلي، فيما تقوم بعض العائلات بتحضير الكسكسي بسبعة أنواع من الخضر أو أكثر ويستحضر اللبن ويتم إعداد الغرايف والبيض المسلوق والبركوكس، ويعتبر هذا اليوم فرصة لتجمع الأسر حول مائدة واحدة، وخلال السهرة العائلية يلتف فيها الجميع على الجدة، التي تشرع في سرد حكايات، وأساطير توارثها الأجداد جيل عن جيل، بطريقة مشوقة جدا وبأسلوب يأخذ ببال المستمع إلى عالم آخر، ما يجعله متفاعلا نفسيا مع مراحل هذه الأساطير المليئة بمعاني التشبث بالأرض والدعوة إلى فعل الخير ومساعدة المحتاج، وغيرها من القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحتوي معانيها مثل هذه الأساطير كحادثة انتصار الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر وذلك أربعة قرون قبل الميلاد. وحيكت حول الحدث أساطير تختلف من منطقة إلى أخرى ترسخت في مخيلة سكان المنطقة ككل، فمنهم من يربط العيد الأمازيغي بالعجوز التي سبت شهر يناير ولم تكترث له، وفضلت إخراج قطيع غنمها لترعاه، متحدية قوة الطبيعة، ففوجئت بعاصفة ثلجية جمدتها هي وغنمها، ومن ثم بات ذلك اليوم يوما يُحتفى به، في تاريخ الأمازيغ، فيما تقول أسطورة ثانية إنه يحتفل به الأمازيغ ليبارك موسمهم الفلاحي لارتباطهم بأرضهم، فيما جاء في أسطورة ثالثة، وهي الأقرب إلى الحقيقة، حسب عدد من المؤرخين في بلدان المغرب، وهي انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني، فرعون مصر.
وتختلف مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة من منطقة إلى أخرى بقرى ومداشر تغزوت، فيقوم عادة الرجال ليلة الاحتفال بيناير بوضع قصب طويل في المزارع والحقول حتى تكون غلال السنة الفلاحية الجديدة جيدة وتنمو بسرعة، حيث يعتبر رأس السنة الأمازيغية بالنسبة إلى السكان تقليدا مرتبطا بالطبيعة وبالموسم الفلاحي، وتشير الطقوس إلى مدى ارتباط الإنسان الأمازيغي القديم بأرضه ومدى اندماجه في الطبيعة من خلال ممارسة بعض التعبيرات التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة إلى الإنسان الأمازيغي إلا بوفرة المحاصيل، فبداية العام تشكل نهاية وخاتمة للمؤونة الماضية أو العولة وبداية التحضير للمحصول القادم.
وإلى جانب تحضير الأطباق الشهية والاحتفال مع الأطفال، ما يميز يناير بقرى البويرة، توزيع الأكل على الفقراء والمساكين، حيث تجتمع العائلات الميسورة في بيت واحد، وتجمع الأموال وتحضر الأطباق خاصة الكسكسي.. وأثناء تحضيرها، تبدأ النسوة بترديد الأغاني القديمة، وبعد الانتهاء يتم توزيع المأكولات في شكل حصص متساوية على الفقراء ويطلق عليها اسم "الوزيعة"، ورغم اختلاف العادات والتقاليد بين قرية وأخرى إلا أن سكان البويرة يحتفلون بحلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة دون استثناء، ويتضامنون في ما بينهم لخلق جو من الرحمة والمحبة، يلمسه المرء عبر الشوارع بين الناس الذين نجدهم في هذا اليوم يتبادلون الهدايا والتمنيات بقول كلمة "أسقاس أمقاس".. وتعني "عام سعيد".

يناير بوسمغون من ساحة تاجماعت إلى ساحة تقوريت نبرة
حضور الذاكرة وتقوية للروابط الاجتماعية


تشهد بلدية بوسمغون حركة تفاعلية غير عادية تزامنا والاحتفال بيناير هذه السنة، لكونها زاوجت بين العمق الأمازيغي للمنطقة والطابع الرسمي للاحتفال.

فبلدية بوسمغون تاشلحيت بالأمازيغية bussemyun أو أغرام تعرف بتقاليدها المميزة الضاربة في العمق والقدم قدم قصرها الذي تشير الروايات الشعبية إلى أنه بني في القرن الثالث الميلادي ومسجده المشيد منذ 8 قرون الذي يتوسط القصر، الذي يكون كما جرت العادة مكان بداية انطلاق تظاهرة إحياء عادات وتقاليد يناير. ففي وقت الضحى، يجتمع ساكنة بوسمغون بمن فيهم أبناء بوسمغون الذين يسكنون في العديد من ولايات الوطن ويتنقلون خصيصا لإحياء يناير في أرض أجدادهم في قعدة تقليدية بالشاي وخبزة الشحم المصنوعة بخلطة توابل مميزة في ساحة تاجماعت، ثم يخرجون من الباب الخلفي للقصر بعدما يطوفون بمختلف زقاقاته التي مازالت شاهدة على تاريخ منطقة عريقة ثم يتوجهون إلى ساحة تقوريت نبرة داخل الواحة للاستمتاع بجملة من الألعاب التقليدية كلعبة العصي والبيضة والشكارة ومباريات في لعبة تاشورت وحفر النابر ليفسح المجال بعد ذلك للإهازيج والأغاني التراثية الأمازيغية التي تشتهر بها المنطقة، وبخاصة أغاني الفنان ابن المنطقة بشير بلحاج، قبل التوجه إلى وسط ساحة القصر ثانية لتقاسم مأدبة غداء جماعي بالشرشم وأطباق الكسكسي المزين بالحبوب الجافة وسط إلقاءات شعرية ودندنة لمختلف المحفوظات الشعبية المتوارثة عن الأجداد التي تشير إلى الترابط الاجتماعي الذي كان ومازال يسود بين العائلات والروح المعنوية العالية التي كانت تطبع أغلب أعمال التويزة، وخصوصا في مجال العمل والنشاط الفلاحي سواء في مرحلة البذر أم الحصاد، أما عند النسوة، فمجال التفاعل له خصوصياته عند العائلات لكون منطقة بوسمغون منطقة محافظة، حيث تتزين النساء في ما بينهن بالمواد الطبيعية، وبخاصة الكحل، الذي له مكانة خاصة حتى عند بعض الرجال الذين يدخلون القصر الأسعد، وفق تقاليد وأعراف تظهر جليا في مناسبة كيناير من باب القصر المسمى بنتانسي، ويستمرون في الغناء والرقص وتبادل التهاني حتى ساعات متأخرة من الليل، في حين يجد الأطفال ضالتهم في التلذذ بالمخلط الذي يجمع بين مختلف المكسرات والشكولاطة والفواكه والحلويات.

الاحتفالات بيناير تدوم ثلاثة أيام
تحضير الكسكسي بمختلف الخضروات والأعشاب الجبلية في البليدة


انطلقت بولاية البليدة الاحتفالات الرسمية لحلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة، الأربعاء، من خلال تنظيم العديد من المعارض التي تعكس عادات وتقاليد سكان هذه المنطقة في الاحتفال بهذه المناسبة.

فبمقر ولاية البليدة، نظم حفل كبير عرف حضور السلطات المحلية وممثلي الهيئات الأمنية وكذا أفراد المجتمع المدني وعدد كبير من الجمعيات الثقافية، إلى جانب الأمين العام للمحافظة السامية للغة الأمازيغية سي الهامشي عصاد الذي كان ضيف شرف.
واستهل هذا الحفل بعرض فيديو يعكس تاريخ وتقاليد الاحتفال بهذا الحدث عبر مختلف ولايات الوطن ليتبع بتقديم عروض فلكلورية تعكس تراث منطقة القبائل، لقيت تفاعلا كبيرا من طرف الحاضرين إلى جانب عرض يوضح طقوس سكان البليدة في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية.
وفي هذا السياق، كشف أحد المهتمين بالثقافة الأمازيغية بمدينة البليدة، عمر مالك بن سونة، خلال مداخلته، أن سكان هذه الولاية يحتفلون بهذا الحدث الذي يعد بداية رأس السنة الفلاحية الأمازيغية منذ قرون حيث يحرصون على إحياء عادات قديمة.
وأضاف أن الاحتفال بهذه المناسبة بالولاية يكون على مدار ثلاثة أيام، حيث تحرص النسوة في اليوم الأول على طبخ طبق صحي يضم مختلف الخضروات والأعشاب الجبلية، أما في اليوم الثاني، فتتفنن النسوة في إعداد مختلف الأطباق التقليدية، لتختتم هذه الاحتفالات في اليوم الثالث بـ"العام"، وهو ما يطلق محليا
على إعداد طبق الرشتة أو الفطاير أو الكسكسي المسقاة جميعها بلحم الدجاج لتتجمع العائلة الكبيرة مساء في جلسة حميمية يتم خلالها سكب مجموعة متنوعة من الحلويات على أصغر طفل في العائلة، تفاؤلا بأن يكون هذا العام الجديد عام خير وبركة.