غزة ما بعد الحرب .. استدرك ما فات يا أخي ...
04-02-2009, 01:27 PM
إن إخواننا وأهلنا وأبناءنا وآباءنا وأمهاتنا في غزة يلتحفون السماء ويفترشون الأرض في صقيع البرد ، وزخات المطر ، يعانون معاناة أخرى من المشقة والعنت والحرمان ، بعدما قضوا أكثر من عشرين يوم حالة من الذعر والخوف والتشريد والتقتيل والإبادة الجماعية ، وبعد تلك الهجمة الشرسة البربرية التي شنها عليهم أبناء القردة والخنازير مما أدى إلى تهديم البنايات والدور والمساكن وكل ما يكن من الحر والبرد ، وفي تلك الآونة هبت كل فئات المجتمع في كافة أصقاع العالم منددين بتلك الهجمات ، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى خمدت تلك المظاهرات الحاشدة وخفتت تلك الأصوات الصاخبة المنددة ، وكأن المهمة قد انتهت ، وكأن الناس قد أدوا ما عليهم بذلك الشجب والتنديد ، حقا هو وقوف بجانب المظلوم وتعبير عن التضامن معه ، ولكنه تعبير قاصر ، وما ينبغي أن يكتفي به العالم الإسلامي والعربي بل عليهم أن يتعدوه إلى غيره مما ينتفع به إخواننا هناك .
حقا إن تلك الحشود من الناس التي كانت تتجمع و تتظاهر وتندد - مما نقلته لنا وسائل الإعلام والقنوات الفضائية – كانت تقدم لإخواننا هناك دعما معنويا مهما كانوا في أمس الحاجة إليه ، ليشعروهم بأنهم ليسوا وحدهم بل لهم إخوان مساندون في كل بقاع المعمورة لسان حالهم ومقال بعضهم هذا جهد المقل ولو قدرنا أكثر من هذا لفعلنا ، قلت ذاك دعم كانوا في أمس الحاجة إليه ربما في ذلك الوقت ، أما الآن فهم في أمس الحاجة إلى دعم آخر لا يقل أهمية عن الدعم الأول إن لم يكن الثاني أشد أهمية وهو الدعم المادي بكل أنواعه ، مال ، مواد غذائية أفرشة أغطية خيام أدوية وكل ما يحفظ الإنسان هناك ، من ضروريات الحياة ، لأنهم فهم في أسوأ حال ، وحالهم ينذر بكارثة إنسانية .
يا مسلمون هبوا لنصرة إخوانكم المضطهدين والمحرومين في غزة ، وادعموهم بكل ما يحتاجون إليه كل على حسبه ، على الموسر قدره وعلى المقتر قدره ، وبرئوا ذمتكم أمام الله ، فإن فاتكم القتال معهم في ساحة الوغى فلا يفوتنكم وقوفكم معهم في هذه المحنة بالإمداد المادي المالي ، وكلاهما جهاد ، فالجهاد لا يقتصر على القتال والمشاركة في المعركة بالنفس فحسب ، بل يشمل الدعم المالي والله سبحانه وتعالى قدمه على الجهاد بالنفس فقال تعالى : [وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله] .
واسألوا الله رب العزة أن يفك الحصار عن أهل غزة ، وأن ينصرهم على أعداء الأمة وهذا أدنى ما ينبغى أن نقدمه نحن الشعوب لإخواننا المستضعفين هناك ، ندعوا الله تعالى أن يفرج عنهم كروبهم وأن ينصرهم على أعدائهم ، ونعينهم بالمال .
أما الساسة والقادة ومن بيدهم زمام الأمور فمهمتهم أكبر فما ينبغي أن يكتفوا بالتنديد وعقد القمم ، والمؤتمرات في الفنادق الفخمة وكأن لسان حالهم يقول :
عفـوًا غـزة فحربنـا صـوتٌ *** وسلاحنا خطبة عصماءُ أو شجبُ
بل لا بد من القيام بإجراءات عملية لنصرة هؤلاء المستضعفين ونسأله تعالى أن يوفق قادة العرب لنصرة المظلومين ، وأن يمدهم بعونه ليقوموا بعمل يشرفون به أمتهم ، ويعبدرون فيه عن طموحات شعوبهم ، وعليهم أن يقتدوا بجدهم المعتصم حينما هب لنصرة امرأة استغاثت به قائلة وامعتصماه ، فكيف بمدينة برمتها تستغيث حكام العرب والمسلمين ليرفعوا عنهم الحصار ويدفعوا عنهم كيد الأعداء ويخففوا من معاناتهم . فلا مجيب ....
وقد سجل لنا التاريخ موقفا حق أن يكتب بماء العين وبمداد الذهب ويعلق في جبين الدهر ليكون لقادة الأمة دستورا عليه يسيرون و على منواله ينطلقون ليعيدوا لهذه الأمة مجدها التليد .
قدم رجل كان بعمورية على المعتصم فقال :
يا أمير المؤمنين : كنت بعمورية فرأيت بسوقها امرأة عربية مهيبة جليلة تساوم روميا في سلعة وحاول أن يتغفلها ففوتت عليه غرضه , فأغلظ لها , فردت عدوانه بمثله , فلطمها على وجهها لطمة فصاحت في لهفة : وامعتصماه . فقال الرومي : وماذا يقدر عليه المعتصم وأنى له بي ؟ .فأمر المعتصم بأن يستعد الجيش لمحاصرة عمورية فمضى إليها فلما استعصت عليه قال : اجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رميا متتابعا ففعلوا فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها :هل أجابك المعتصم قالت نعم .فلما استقدم الرجل قالت له : هذا هو المعتصم قد جاء وأخزاك قال : قولي فيه قولك . قالت : أعز الله ملك أمير المؤمنين بحسبي من المجد أنك ثأرت لي . بحسبي من الفخر أنك انتصرت فهل يأذن لي أمير المؤمنين في أن أعفو عنه وأدع مالي له . فأعجب المعتصم بمقالها وقال لها : لأنت جديرة حقا بأن حاربت الروم ثأر لك . ولتعلم الروم أننا نعفو حينما نقدر .
هذا هو مجد أمتنا .......... أمة لا إله إلا الله ........ محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم

رب وامعتصماه انطلقت *** ملأ افواه الصبايا اليتم
لامست اسماعهم لكنها **** لم تلامس نخوة المعتصم
فهل من مجيب ، وهل من مغيث .
فيا ساستنا ها هي غزة تستصرخ ضمائركم
علـى الأسـرة أنـتم أيها العرب *** ونحـن فِي وهـج الأحداث نلتهب
علـى الأسـرة أنـتم تنظرون إلى *** مأساة شعب بها الشاشات تصطخب
شـاشاتكم لم تزل تروي لكم خبرا *** عـن طفلة قتلـت عـن ظالِم يثب
عـن ألف طفل يتيـم فِي مدامعه *** متسائـل: أين منا الأم أيـن الأب؟
عـن أسرة هدم الصـاروخ منزلها *** فكـل زاويـة في الـدار تنتحـب
عـن ألف قتيـل في مصـارعهم *** أدلـة لم يلامـس قولهـا الكـذب
شكرا لكم حين تـابعتم مجـازرنا *** علـى الأثير وقد ضاقت بنا الكرب
شكرا لأن الْمآسـي لاتفـارقكم *** أخبـارها فالمآسـي بحرهـا لجـب
لاتغضبوا إن قطعنا حبـل راحتكم *** أمـام شـاشـاتكم فالظالِم السبب
باراك أشعل نار الْحرب فاحترقت *** جَميـع أوراق مـن قالوا ومن كتبوا
قولوا لنا سعـة الشدقين تزجـره *** فربَّمـا يزجـر المستعصـي النسب
أخبـارنا أزعجتكم فهـي داميـة *** تبكـي العيون لهـا والقلب ينشعب
لو استطعنا كتمنا نـار حسرتنـا *** عنكـم ولـو نالنا من كتمها العطب
لكنها قنـوات القـوم تُخبركـم *** عـن حالنـا فعليهـا اللوم والعتب
أمـا فتحتم لها الأبواب مشرعـة *** تَجـري إليكم بِما يشقى به الأدب؟
تقـدم الخبـر الدامـي مراسلـة *** بدا لكم صدرهـا والساق والرُكب
لا تقلقوا فالمآسـي قوتهـا دمنـا *** ولَحمنا فاسْمعوا الأخبار واحتسبـوا
وإن قسا منظر الأحداث فانصرفوا *** إلى قنـاة من الأفـلام وانسحبـوا
هم ينقلون لكم مأسـاة مقدسنـا *** وبعدها تعـرض الأفلام والطـرب
تشابَهـت صـور الْمأساة في زمن *** شَمس المروءات عن عينيه تحتجـب
علـى الأسـرة أنتم يـا أحبتنـا *** يا خيْر من أنكروا يا خيْر من شجبوا
ياخير من أسندوا ظهر الخضوع على *** وسائد الذل يا نبْراس مـن هربـوا
نعم بذلتم لنـا مـالا ونشكركـم *** لـكنه وحـده لا ينفـع الذهـب
فِي مقلـة الظلم ما لا تبصرون وقد *** أراكـم الظلم ليـلا مـا له شهب
عذرا إذا أقسمـت أشلاؤنا قسمـا *** بأنكـم لَم تكونـوا مثلمـا يَجب
كأنكم في مجـال العصـر ذا *** مثقوبـة وعيهـا بالعصر مضطرب
عذرا لكم أيها الأحباب إن صرخت *** جراحنـا: أين أنتم أيهـا العرب؟!
عذرا سيدي كان أولى أن تقول : أين أنتم يا قادة العرب ، فالشعب مغلوب على أمره وقد أدى جلهم بعض ما عليه .
أما أنتم فيا أهل غزة لكم مني تحية إجلال وإكبار ، لقد ذكرتمونا ببطولات الأبطال الذين خلد التاريخ ذكرهم فأصبحت بطولاتهم وشجاعتهم مضرب المثل وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها .
وأنتم بدوركم سيجل لكم التاريخ صمودكم وثباتكم ومقاومتكم لعدو الأمة الغاشم ، فمنكم نتعلم ومنكم نستشف روح العزة والإباء ، فلا تبخلوا علينا بالدروس العملية ، فلقد سئمنا من الدروس الشفهية لعل الحياة ، حياة العزة والإباء تدب في أجسادنا من جديد فنحيا بعد طول سبات ، ويستيقظ ضمير أبناء هذه الأمة حكاما ومحكومين لعلهم يهبوا لنفض غبار الذل الذي تراكم عليهم على مر العصور والدهور ، علمونا ....
يـا رِجالاتِ غزَّة علمونـا *** بَعضَ ما عِندكم فنحنُ نسينـا
علِمونا فَنّ التشبّث بـأرضٍ *** و لا تتركوا الضَعيفَ حزينـا
يا أحبـاءنا الرِجَال سَلامًـا *** جَعـل الله يومكـم ياسمينـا
إن هذا العصرَ اليهوديَّ وهمٌ *** سوفَ ينهارُ لو مَلك اليقينـا
يا أهل غزة قد لزمنا جحورا *** وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنينا
قد صَغُرنا أمامكم ألفَ قَرنٍ *** وكبُرتم خِـلالَ شَهرٍ قرونـا
****
اثبتوا واصمدوا يا إخوتنا رغم أن النبال والسهام ترصدكم ، فأنتم في أرض الرباط ، وفي أرض مباركة فإني ألمح النصر آت من عندكم .
يـا أهـل غـزة لا عذرٌ فنعتـذرُ *** و مـا لنـا عن سهام العار مستَتَرُ
يـا أهـل غزة جبـارون ملحمةٌ *** مـن الصمود سُداها الموت والخطرُ
أنتم بقايا خيوط الضـوء في زمـن *** مـن الدُّجُنّـة بالدّجنـاء يعتكـرُ
رمـاكم العالَم الملعـون عـن وَتَر *** وأطبق الكـون لا حـسّ ولا خبرُ
فمـا رآكم سوى أسبـاع مأسدة *** إذا بدا الْهول لا تبقـي ولا تـذرُ
ونَحن فِي هـامش التـأريخ أُلهيـةٌ *** خُذروفُ غـرّ لـه في لهـوه وطرُ
كنـا إذا أرغـم الأعـداء هيبتنـا *** أو استباحوا الحمى بالشجب ننتصرُ
واليوم لا شجب حتى الشجب مجترم *** تأسـى لـه الْمُهج الحرى وتصطبرُ
كنا و كنا إذا ما العـار سـاورنـا *** يَجـيء مـؤتمـرٌ يتلـوه مؤتمـرُ
واليـوم تأتَمر الأحقـاد فِي دمنـا *** وغـاية العيـس لا وردٌ ولا صَدَرُ
فتضرعوا عباد الله ، تضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء ليكشف كرب المكروبين ، ويرفع الهم والغم عن المغمومين ويفك الحصار عن سكان غزة المحاصرين ، وأن يوقظ الضمائر الميتة ، وأن يعيد لهذه الأمة عزتها وأمنها واستقرارها .
يا رب العالمين
أبو عاصم الجزائري http://abou-assem.maktoobblog.com/