الأخ الفاضل:" سندباد الشروق".
يسرنا أن نرحب بك كعضو جديد في منتديات، ونتمنى لك إقامة طيبة بمشاركات فعالة مفيدا ومستفيدا.
سرني مرة ثانية: أن كانت أولى مشاركاتك في منتدياتنا على متصفحي هذا، وأقول تعليقا على مشاركتك المتميزة ما يأتي:
وجزاك الله خيرا على كريم تصفحك، وتميز إضافتك.
صدقت وبررت في قولك، ولا يخالفك في ذلك عاقل يحب الخير لنفسه ولغيره، وأستسمحك في تعليق بسيط، نقول فيه:
لاشك بأن الرأفة بالمدعوين وحب الخير للناس ونصحهم بالكلمة الطيبة والدعاء لهم بالهداية من أخص صفات:" دعاة الخلقللحق"- خاصة -، إذا كان المخالف من:" أهل السنة": كما ورد في تعليقك.
وكيف لا يكون الأمر كذلك، وكل ذلك مقتبس من القرآن الكريم وسيرة صفات النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى ذلك أدلة منها:
[لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ].
[فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ].
[قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ].
[فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ].
[قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ].
[رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ].
[رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا].
[وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ].
وفي:( الصحيحة: 426):" المؤمن يألف و يؤلف، ولا خير فيمن لا يألف، و لا يؤلف، وخير الناس: أنفعهم للناس".
وعند:( مسلم):" الدين النصيحة. قالوا لمن يا رسول الله؟. قال: لله ولكتابه ولرسوله مثله ولأئمة المسلمين أوالمؤمنين وعامتهم ".
هذا إن كان المخالف من:" أهل السنة": قد أخطأ متأولا غير قاصد نشر الضلالة، وأما من عرف منه من خلال ما يكتبه وينشره: أنه يسعى لنشر الضلالات تلبيسا وتدليسا، فالأصل معه الشدة حتى يرعوي ويلزم حدوده، فلكل مقام مقال!!؟.
" ولا زالت قضية النقد تثير أشجاناً عريضة في قلوب المسلمين، بل وعبر تاريخهم ومواقف علمائهم، يتعدى ذلك إلى واقعهم وماضيهم العلمي والعملي والحضاري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وينال النقد العلمي من ذلك المحل الأعلى، ويتبوأ منه مكان الرأس من الجسد، وهو يقوم على أسس دينية عقدية منهجية مدارها على اتباع الحق لا الهوى، والعدل والإنصاف لا الظلم والإجحاف، والتدليل والتعليل الصحيح لا الرمي بالتخرص والظنون، والتجرد لا التعصب، والعلم لا الجهل.
كما قال العلامة: ابن القيم رحمه الله في نونيته:
وتعرَّ من ثوبين من يلبسهما ÷ يَلقى الردى بمذمة وهوان
ثوب من الجهل المركب فوقه ÷ ثوب التعصب بئست الثوبان
وتحلُّ بالإنصاف أفخر حُلةٍ ÷ زينت بها الأعطاف والكتفان
ثم يأتي النقد العقدي المنهجي في عين النقد العلمي، وهو:" الذي وافق الغيرة على العقيدة والإيمان، وباعثه: النصح لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولكتابه وللمؤمنين، ومستمده: الكتاب العزيز والسنة النبوية الصحيحة، وما درج عليه سلف الأمة وعلماء الإسلام في مأثورهم وسطورهم ومنقول أحوالهم".
كتب أحد الأفاضل قائلا:
لقد كان شعار السلف الصالح مع أهل الأهواء والآراء والبدع بالعموم (الشدة والغلظة)، مترسمين قول الله تعالى:{وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً}.
وإن كانت هذه الآية في حق الكافر؛ ألا أنها تنال المبتدعة الضلال المبدلين للدين، المضللين للمسلمين، فهي ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة.
وكذلك قوله تعالى في توجيه نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في كيفية التعامل مع المنافقين:
{وَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً }.
{بليغاً}، أي: كلاما بليغا رادعا لهم.
وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }.
وقد جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله بخصوصها:
" وقال ابن مسعود في قوله تعالى:{ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ }،
قال: بيده فإن لم يستطع، فليكفهر في وجهه"،
وقال ابن عباس: أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهب الرفق عنهم.
وقال الضحاك: جاهد الكفار بالسيف، واغلظ على المنافقين بالكلام، وهو: مجاهدتهم".
وعلى هذا، فلم يكن لهم هوادة مع المبتدعة، بل يسومونهم بأدلة الحق ما يجرحهم ويخذلهم ويُخَذَّل عنهم.
فكانت هذه الخصلة من أنبل مناقبهم؛ كيف لا وقد حموا بها جناب التوحيد والدين القويم، ونصحوا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فأبعدوا عن حياضه كل عفن مؤذ، لا يدع أحدا يرتوي من حياض الشريعة السمحة.
بهذا الباعث الذي دفعهم وألجأهم إلى هذه الشدة والقسوة مع المخالف للحق، كانوا لا يترددون ولا يتوانون في الكلام حتى في الأخيار، بل ويغلظون عليهم في القول: إن ظهر منهم شيء يخالف الحق، فهذا إمام أهل السنة: احمد بن حنبل رحمه الله، كان:" لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة: يتكلم في جماعة من الأخيار إن صدر منهم ما يخالف السنة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين". (مناقب الإمام أحمد لأبن الجوزي: 253).
ولكن في:" زمن الغربة!!؟": انقلبت الموازين وتغيرت المفاهيم بسبب التخلي عن هذه الخصلة الحازمة الرادعة المغيظة المميتة لأهل الأهواء، النافعة الرافعة للحق وأهله، عندما أميتت من قبل الأكثر، فأبدلوا في التعامل مع المبتدعة مكان الشدة: ليناً وتساهلاً وموادعةً ومصافاةً، وكان الأجدر والأفضل هو: أن يتواطئوا جميعاً على البدع وأهلها بالشدة مترسمين طريقة السلف في تعاملهم مع أهل الأهواء المضلة.
لو اخذوا بهذا: لماتت وضعف أهلها، وتطهرت البلاد من جراثيم بدعهم، ولشع نور السنة في ربوعها.
وبما أننا نسبنا هذا الأسلوب من أساليب الدعوة الحقّة إلى سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، وجب علينا التدليل على ذلك وتدعيمه بالشواهد من سيرتهم الزكية العلية.
فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يواجهون أهل البدع بكل شدة وصرامة ويقمعونهم ويذلونهم ويتبرؤن منهم .
وهذا واضح في سيرهم مع المخالفين، قال العلامة: ابن القيم رحمه الله في(شفاء العليل:60):" كان ابن عباس رضي الله عنهما شديداً على القدرية، وكذلك الصحابة ".
ومن شدة هذا الحبر البحر القدوة على المبتدعة الضُّلال: ما ذكره عنه اللالكائي في (شرح السنة:4\712):عن عطاء رحمه الله قال:
" أتيت ابن عباس رضي الله عنهما، وهو ينزع في زمزم قد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت: قد تُكلم في القدر.
قال: أوَ قد فعلوها؟.
فقلت: نعم.
قال:" فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }، أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم ".
وكذلك من شدة الصحابة رضوان الله عليهم وصرامتهم مع المبتدعة يوضحه موقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل، وكيف شج رأسه بعراجين النخل في القصة المشهورة.
ومما يُظهِرُ شدة الصحابة على المبتدعة وتبرأهم منهم، قول ابن عمر رضي الله عنهما حينما سئل عن القدرية فقال:" فإذا لقيت أولئك، فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني". أخرجه مسلم.
وهذا حال سمرة بن جندب رضي الله عنه:" كان شديداّ على الخوارج، فكانوا يطعنون عليه".(الإصابة:3\130).
قال أحمد بن حنبل رحمه الله:" إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام؛ فإنه كان شديداً على المبتدعة".( السير:7\447).
ويوماً لقي ثوراً- وكان يرى القدر-الإمام الأوزاعي رحمه الله، فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال:
" يا ثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة، ولكنه الدين".(السير:11\344).
إذاً هذه الشدة وهذا التعامل الغليظ مع المبتدعة من الدين ولأجل الدين، فكان محموداً.
ويوماٍ سئل الإمام أحمد رحمه الله عن شريك رحمه الله، فقال:" كان عاقلاً صدوقاً محدثاً، وكان شديداً على أهل الريب والبدع".( السير:8\209).
فهذا الذي زكاه إمام أهل السنة ومدحه على شدته مع أهل الأهواء: كان من أقواله فيهم، كما جاء في:( الإبانة: 2\469):
" لئن يكون في كل قبيلة حمار: أحب إلي من أن يكون فيها رجل من أصحاب أبي فلان رجل كان مبتدعاٍ".
وهذا إمامنا: إمام دار الهجرة: مالك رحمه الله كان يقول:
" لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تحدث عنهم الأحاديث".( الجامع لأبن أبي زيد القيرواني:125).
(ولا تحدث عنهم الأحاديث)، هذا مع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولربما كانت صحيحة، ومع ذلك: ينهى هذا الإمام عن نقلها عنهم، لأنهم لا يستحقون أن تحمل عنهم، فما بالك إذا كانت كتبهم مملوءة بالضلال والبدع والأهواء ويأتي من يزكيها للناس، وينشرها كلها أو مصورا أجزاء منها، ويحث الناس على قرءتها!!؟.
وهذا الإمام الشافعي رحمه الله ذكر عنه البيهقي في:(مناقب الشافعي:1\469)، أنه كان:" شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع، مجاهراً ببغضهم وهجرهم".
وجاء في ترجمة الإمام المالكي الكبير:" أسد بن الفرات" رحمه الله كما في: (ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله:3\302):
" حدث أسد يوماً بحديث الرؤية، وسليمان الفراء المعتزلي في آخر المجلس فأنكر الرؤية، فسمعه أسد، فقام إليه وجمع بين طوقيه ولحيته، واستقبله بنعله، فضربه حتى أدماه، وطرده من مجلسه".
إن الشدة على أهل البدع والأهواء وهجرهم يعتبر من أعظم أصول الدين التي يحفظ بها المسلم دينه، ويتقي شر مهالك البدع والأهواء.
لهذا اهتم السلف به، فواجهوا المبتدعة مواجهة حاسمة، وحذروا الناس منهم، وتبرؤوا منهم وهجروهم، متبعين بذلك الطريقة الشرعية في التعامل مع المبتدعة، حتى صار من ممادحهم التي تذكر في سيرهم: أن فلاناً كان شديداً في السنة، كان شديداً على أهل الأهواء والبدع.
فهل بعد هذا البيان يحق لأحدٍ كائناً من كان: أن ينتقد هذه الطريقة الشرعية العريقة، ويذم سالكها وينسبه إلى الغلو المنهي عنه: زوراً وبهتاناً!!؟.
ألا، فليتق الله تعالى أقوام يدعون السنة، ويخذلون أهلها والذابين عنها بحق وعلم، ويحامون عن أهل البدع، ويوالون ويعادون من أجلها!!؟، فأفسدوا بذلك خلقا كثيرا، وصدوهم عن سبيل الله ومنهج السلف بهذه الأساليب والمواقف التي يتبرأ منها الإسلام وأهله من الصحابة والتابعين وأهل السنة وأئمتهم، فجنوا على الإسلام بذلك جناية عظيمة.
فسلوك سبيل السلف الصالح في التعامل مع هؤلاء المبتدعة هو: الطريق إلى النجاة من هذه الفتن.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.