عطر سان فالونتان
22-05-2020, 09:45 PM
عندما يتقدم الليل و تعشش العتمة بين الأشياء و التضاريس يسكن الصمت في كل مكان في اصرار.
- بييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييب – لكن هذا الصدى العميق يمزق غشاء الفضاء و تحلق بعض الغربان مذعورة نحو المجهول.
قبطان الباخرة العملاقة ينذر الجميع بموعد انطلاق المركب و على جمهور المسافرين أن يتقدموا نحو رصيف الميناء.
ارتشف كمال قدح الشاي و هو يرقب هذا الديكور و ملامح الناس و أبهة البحر حين يصافح عتمة الليل...
من هذه الشرفة يمكنه أن يرصد أدق التفاصيل في لذة و متعة لا نظير لهما..
اخرج ورقة بيضاء كبيرة و خط عليها بقلم الرصاص بضعة أحرف :
- نجوى ....صمتك يذبحني و يقذف بي نحو الجنون –
- بييييييييييييييييييييييييييييييييييب – ضج المركب العملاق مرة أخرى و رفعوا المرساة و أرخوا الحبال و تحركت السفينة في وقار تشق صفحة الماء الراكد لتبدأ سفرا طويلا نحو امريكا.
- ما أروع الرحيل الى بلد العم سام – فكر كمال بينه و بين نفسه و هو يرمق السفينة التي ابتلعها الظلام و الضباب شيئا فشيئا.
و يعود قلم الرصاص مرة اخرى الى معانقة الحروف و القرطاس:
- نجوى ...تخونني الكلمات و تتمرد علي المفردات و أنبش في ذاكرتي فلا أظفر بقصيدة تليق بجمال مقلتيك النجلاوين –
يعتصر الأسى و الشوق صدر كمال حين يتذكر أن نجوى فارقت البيت منذ شهر أو يزيد.
لقد كان سخيفا و وقحا و انانيا يوم أن اكتشفت نجوى في قميصه قارورة عطر نسائي باذخ من علامة – سان فالونتان -...
استيقظت نار الغيرة في قلب نجوى و كادت أن تحرق الأخضر و اليابس...
في تلك الليلة الشاحبة حاول كمال أن يكفكف من غلواء تلك الغيرة و استمات في الدفاع عن نفسه و صاح مرات و مرات:
- اتهامك يقتلني . أنا لست خائنا . انت زوجتي و ام ولدي و حرام ان تهدمي حياتنا بسبب قارورة عطر - لكن المرأة الغضوب حملت حقائبها و رضيعها و استقلت سيارة أجرة و رحلت دون وداع.
أمسك كمال عن الكتابة و رمق الميناء الوسيع الذي رحلت عنه السفينة للتو...و ابتسم كمال حين اكتشف أنه يشاطر الميناء لوعة الفراق.
أغلق الشرفة و تمدد على سرير النوم..هناك فوق الخزانة و من اطار فضي جميل كانت نجوى ترمقه و هي تتوشح فستان الفرح.
قبل الصورة بشفتين مرتبكتين و شعر أن نصف جسده بدأ يشيخ.
لقد تزوجا منذ زمن طويل و كان زفافهما الاسطوري حديث الساعة آنذاك...
و سرعان ما تسلط عليه شبح النوم...و استغرق في نوم سرمدي حتى منتصف النهار.
شعاع الشمس كان يغشى الغرفة في وداعة حين فتح جفنيه المتخمين بالنعاس...أحس أنه نام أطول من أصحاب الكهف.
- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه – أطلقها كمال و الذهول يملأ ملامحه الوسيمة. أنثى في كامل زينتها و أناقتها تجلس بقربه على حافة السرير.
و قبل أن ينبس كمال بأية كلمة وضعت نجوى أناملها فوق فمه و هتفت بصوت ملائكي آسر :
- اليوم هو الخامس من يويليو عيد ميلادك يا حبيبي .كل لحظة و انت بألف خير –
و مزقت المرأة علبة ملونة من الكرتون و أخرجت منها قارورة عطر - سان فالونتان -دفعتها الى كمال و هي ترمقه بشغف كبير...
التعديل الأخير تم بواسطة أبو المجد مصطفى ; 23-05-2020 الساعة 10:41 AM