كيف ألهمت رباعيات الخيام أنصار التلذذية في الغرب؟
16-11-2018, 07:29 PM
كيف استطاعت قصيدة مكونة من أربعمائة بيت مبنية على كتابات حكيمٍ فارسي وتدعو إلى اغتنام اليوم وعيش اللحظة كما في مذهب التلذذية -ويطلق عليه مذهب اللذة ومذهب المتعة وهو مدرسة فكرية تعتقد بأن المتعة هي القيمة الجوهرية، وبشكل مبسط تسعى لتحقيق أقصى قدر من المتعة للساعي وراءها- أن تحظى بشعبيةٍ واسعةٍ في إنجلترا الفكتورية؟ قام المؤلف الإنجليزي الراحل إدوارد فيتزجيرالد بترجمة "رباعيات الخيام" التي كتبها الشاعر عالم الرياضيات عمر الخيام في القرن الثاني عشر.
ربما كانت في البداية غير معروفة في أوروبا ولكن تاريخ نشر القصيدة الاستثنائي أسطورة بحد ذاته. تم نشر ترجمة رباعيات الخيام لأول مرة في عام 1859، وهو نفس العام الذي نُشِر فيه كتاب تشارلز داروين "أصل الأنواع" وكتاب جون ستيوارت ميل "عن الحرية" اللذان لاقا ضجة كبيرة، فلم يلحظ أحد الكتاب المترجم ولم يتم بيع أي نسخة منه لمدة عامين. تغيّر كل ذلك عندما وقعت نسخة متبقية من كتيب فيتزجيرالد المؤلَّف من عشرين صفحة في يدي العالِم الكلتي - وهي لغة تحدثت بها تاريخياً الشعوب الكلتية وباقي منها عدة لغات في الدول الكلتية الواقعة في جزيرتي بريطانيا وأيرلندا وفي الشمال الغربي من فرنسا - وايتلي ستوكس مقابل فلسٍ واحد. قام ستوكس بتمرير هذه النسخة إلى دانتي جابرييل روزيتي مؤسس أخوية "ما قبل الرفائيلية" - وهي رابطة تشكلت من الرسامين والشعراء البريطانيين عام 1848م كاحتجاج على المستوى المتدني للفن الإنجليزي في ذاك الوقت. وقع روزيتي في حب الرباعيات وتغنى بمدحها بين مجتمع ما قبل الرفائيلية.
عندما وقع الكتيب في أيدي جون روسكين في عام 1863، أعلن: " لم أقرأ في حياتي أي شيء جليل كهذه القصيدة". منذ تلك اللحظة، نشأت جماعة محبي الخيام -التي كانت أشبه بمذهب ديني- واستمرت على الأقل حتى الحرب العالمية الأولى، وفي ذلك الوقت كان هناك 447 نسخة من ترجمة فيتزجيرالد قيد التداول. ظهرت نوادي طعام تحت اسم عمر وكان بإمكانك شراء مساحيق الأسنان الحاملة لاسم عمر وبطاقات اللعب المصورة بصورة عمر. خلال الحرب، تم العثور على الجنود القتلى في الخنادق حاملين نسخاً مدمَّرةً مخبأة في جيوبهم.
ما هي الجاذبية الاستثنائية في الرباعيات؟
تظهر الإجابة جليّةً في بعض أشهر أبياتها:
الرابع والعشرون:
إِنْ تَحْلُ لَدَى الرَّبِيعِ كَفُّ السُحْب حَدَّ الأَزْهَارِ فَابْتَدِرْ لِلشُرْبِ فَالْيَوْم يدي الرَّوْضَةِ تَرْتَاحُ وَمِنْ ذَرَّاتِك سَوْفَ تَزْدَهِي بِالعُشْبِ
الخامس والثلاثون:
وَالسَمْعُ يَهْوَى مِعْزَفاً وَرَبَابَا إِنْ يَصْنَعُوا كُوْزاً ثَرَايَ فَلَيْتَهُمْ أَنْ يَمْلَئوهُ مَدَى الزَّمَانِ شَرَابَا مَا خَلَقَ اللَّهُ رَاحَةً وَهَنَا إِلاَّ لِمَنْ عَاشَ مُفْرَداً عَزَبَا مَنْ تَرَكَ الانْفِرَادَ وَاقْتَرَنَا
الثالث والستون
يا عالماً بِجَميع أسْرارِ الوَرى ونصيرَهُم في العَجْزِ والكُرُباتِ كن قابلاً عُذري إلَيك وتوبتي يا قابِل الأعذار والتوبات
(تعريب أحمد الصافي النجفي)
كانت الرباعيات تعبيراً صريحاً عن مذهب المتعة مستحضرةً أذهاننا حواساً تعبق برائحة الياسمين التي تملأ الحدائق في نسيم الليالي العربية مصحوبةً بأكوابٍ من النبيذ البارد المُسكِر. كانت صرخةً عاطفية ضد الأيديولوجيات الفكتورية -غير الرسمية- عن الاعتدال والبدائية وضبط النفس. كانت رسالة القصيدة أكثر راديكليةٍ من كل ذلك، فقد كانت رفضاً للدين المسيحي وأخلاقياته. فيشير الخيام إلى أن لا حياة بعد الآخرة بما أن الوجود الإنساني عابر -والموت سيأتي أسرع بكثير مما نتخيله- فمن الأفضل أن نتلذذ بلحظات الحياة الرائعة بينما نستطيع ذلك. لم يكن ذلك يعني أن نرمي أنفسنا بفيضٍ من المتعة بل بالأحرى أن نغرس إحساساً بالوجود ونقدّر ونستمتع باللحظة مستغلين الوقت المحدود الذي نمتلكه على الأرض.
استحوذ هذا الاتحاد المهيب بين الملذات الجسدية والشك الديني والوفاة الوشيكة (الدنيا الفانية) على مخيلة قرّائه الفكتوريين الذين نشأوا على غناء ترانيم ورعة في الكنيسة صباح يوم الأحد. لا عجب في أن الكاتب غلبرت كايث تشيسترتون أعلن بشكل مثير للإعجاب أن "الرباعيات" هي الكتاب المقدس لدين "اغتنام اليوم" أو "انتهاز الفرصة" carpe diem -وهي من مقطع قصيدة لاتينية لهوراس وتعني اغتنم اليوم ولا تفكر كثيراً في المستقبل.
كان تأثير القصيدة على الثقافة الفكتورية واضحاً بشكل خاص في أعمال أوسكار وايلد التي وصفها بأنها "تحفة فنية" وأحد أعظم الأعمال الأدبية الأحب على قلبه. تناول موضوعاتها في روايته "صورة دوريان غراي" التي نُشِرَت عام 1890. يُعتَبَر اللورد هنري ووتون - وهو أحد شخصيات رواية صورة دوريان غراي - بطلاً لمذهب المتعة الذي يشير صراحة إلى الجاذبية الحسية للحكيم "عمر"، ويغري الشاب الوسيم "دوريان" ليبيع روحه من أجل ملذات الشباب الأبدية. يقول اللورد هنري: "يغار الوقت منك ومن الحروب على زنابقك وورودك"، كما قال أيضاً: "متعة جديدة هو ما يحتاجه قرننا".
كانت رواية وايلد بمثابة احتفالٍ محكم بالشذوذ الجنسي، وهو جريمة تم استدعاؤه للمحكمة بسببها في عام 1895 حيث تم قراءة مقاطع من الكتاب في محاكمته كجزء من الأدلة التجريمية. لقد رأى في رباعيات الخيام حجة للحرية الفردية والتحرير الجنسي من القيود التي تفرضها الاتفاقية الاجتماعية الفيكتورية، لأسبابٍ أقلها أن فيتزجيرالد كان معروفاً بمثليته. بالنسبة إلى وايلد - كما هو الحال بالنسبة إلى فيتزجيرالد -، كان مذهب التلذذية ل"انتهاز الفرصة" أكثر بكثير من السعي وراء الملذات الحسية؛ فقد كان عملاً سياسياً متمرداً مع القدرة على إعادة تشكيل المشهد الثقافي.
في الوقت الحاضر، يتمتع مذهب التلذذية بسمعة سيئة حيث الإدمان على الكحول وتعاطي جرعات زائدة من المخدرات تحت شعار "أنت تعيش مرة واحدة فقط"، ونهج قائم على قائمة أمنيات في الحياة يقدّر التجديد العابر والسعي وراء الإثارة أكثر من أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن تاريخ الرباعيات هو تذكير بأننا قد نحاول إعادة اكتشاف الفضائل الخفية في مذهب المتعة.
من ناحية، يمكن أن يكون بمثابة ترياق لتزايد النزعة التطرفية في فكر السعادة الحديثة، الأمر الذي يهدد بتحويلنا إلى أشخاصٍ مدمنين على الاعتدال، مسيطرين على أنفسهم، ونادراً ما يعبّرون عن رغبةٍ عاطفية في الحياة. التقط كتاباً من رفوف المساعدة الذاتية، مهما قلّبت صفحاته فمن غير المرجح أن ينصحك بالتعامل مع مشاكلك عن طريق تدخين نوعٍ من المخدرات تحت النجوم أو أن تقضي الليل بأكمله تشرب التيكيلا في نادٍ ليلي. ومع ذلك، فإن مثل هذه المساعي التلذذية -التي يتم التمتّع بها بشكل معقول- كانت مركزية لثقافة الإنسان ورفاهه على مدى قرون؛ عندما وصل الغزاة الإسبان إلى الأمريكتين، اكتشفوا أن الآزتيك -هم من الشعوب الأصلية في الأمريكتين- يتناولون الفطر السحري -وهو أحد أنواع الفطر المخدرة التي تُحدِث هلوسةً لمُتناولها.
من ناحية أخرى، يمكن أن تساعد نوعية المتعة السائدة في الرباعيات على إعادة اتصالنا بفضائل التجربة المباشرة في عصر الوساطة، حيث يتم تصفية الكثير من حياتنا اليومية من خلال إضاءات الأجهزة الإلكترونية ثنائية الأبعاد وتحديداً الهاتف الذكي أو الحاسوب اللوحي tablet. أصبحنا مراقبين للحياة بدلاً من مشاركين فيها، منغمسين في مجتمع من المشهد الرقمي. يمكننا أن نتعلم شيئاً أو اثنين من الفكتوريين: دعونا نحتفظ بنسخة من رباعيات الخيام في جيوبنا إلى جانب الهاتف الذكي، ولنتذكر كلمات الخيام الحكيم: "وَاعْبَثْ بِشَعْرِ الحَبِيبِ وَاشْرَبْ ... فَالْعُمْرُ يَمْضِي غَداً هبَاءَ".
______________________________________
ترجمة: آلاء أبو رميلة
هذا التقرير مترجم عن: Aeon
ربما كانت في البداية غير معروفة في أوروبا ولكن تاريخ نشر القصيدة الاستثنائي أسطورة بحد ذاته. تم نشر ترجمة رباعيات الخيام لأول مرة في عام 1859، وهو نفس العام الذي نُشِر فيه كتاب تشارلز داروين "أصل الأنواع" وكتاب جون ستيوارت ميل "عن الحرية" اللذان لاقا ضجة كبيرة، فلم يلحظ أحد الكتاب المترجم ولم يتم بيع أي نسخة منه لمدة عامين. تغيّر كل ذلك عندما وقعت نسخة متبقية من كتيب فيتزجيرالد المؤلَّف من عشرين صفحة في يدي العالِم الكلتي - وهي لغة تحدثت بها تاريخياً الشعوب الكلتية وباقي منها عدة لغات في الدول الكلتية الواقعة في جزيرتي بريطانيا وأيرلندا وفي الشمال الغربي من فرنسا - وايتلي ستوكس مقابل فلسٍ واحد. قام ستوكس بتمرير هذه النسخة إلى دانتي جابرييل روزيتي مؤسس أخوية "ما قبل الرفائيلية" - وهي رابطة تشكلت من الرسامين والشعراء البريطانيين عام 1848م كاحتجاج على المستوى المتدني للفن الإنجليزي في ذاك الوقت. وقع روزيتي في حب الرباعيات وتغنى بمدحها بين مجتمع ما قبل الرفائيلية.
عندما وقع الكتيب في أيدي جون روسكين في عام 1863، أعلن: " لم أقرأ في حياتي أي شيء جليل كهذه القصيدة". منذ تلك اللحظة، نشأت جماعة محبي الخيام -التي كانت أشبه بمذهب ديني- واستمرت على الأقل حتى الحرب العالمية الأولى، وفي ذلك الوقت كان هناك 447 نسخة من ترجمة فيتزجيرالد قيد التداول. ظهرت نوادي طعام تحت اسم عمر وكان بإمكانك شراء مساحيق الأسنان الحاملة لاسم عمر وبطاقات اللعب المصورة بصورة عمر. خلال الحرب، تم العثور على الجنود القتلى في الخنادق حاملين نسخاً مدمَّرةً مخبأة في جيوبهم.
ما هي الجاذبية الاستثنائية في الرباعيات؟
تظهر الإجابة جليّةً في بعض أشهر أبياتها:
الرابع والعشرون:
إِنْ تَحْلُ لَدَى الرَّبِيعِ كَفُّ السُحْب حَدَّ الأَزْهَارِ فَابْتَدِرْ لِلشُرْبِ فَالْيَوْم يدي الرَّوْضَةِ تَرْتَاحُ وَمِنْ ذَرَّاتِك سَوْفَ تَزْدَهِي بِالعُشْبِ
الخامس والثلاثون:
وَالسَمْعُ يَهْوَى مِعْزَفاً وَرَبَابَا إِنْ يَصْنَعُوا كُوْزاً ثَرَايَ فَلَيْتَهُمْ أَنْ يَمْلَئوهُ مَدَى الزَّمَانِ شَرَابَا مَا خَلَقَ اللَّهُ رَاحَةً وَهَنَا إِلاَّ لِمَنْ عَاشَ مُفْرَداً عَزَبَا مَنْ تَرَكَ الانْفِرَادَ وَاقْتَرَنَا
الثالث والستون
يا عالماً بِجَميع أسْرارِ الوَرى ونصيرَهُم في العَجْزِ والكُرُباتِ كن قابلاً عُذري إلَيك وتوبتي يا قابِل الأعذار والتوبات
(تعريب أحمد الصافي النجفي)
كانت الرباعيات تعبيراً صريحاً عن مذهب المتعة مستحضرةً أذهاننا حواساً تعبق برائحة الياسمين التي تملأ الحدائق في نسيم الليالي العربية مصحوبةً بأكوابٍ من النبيذ البارد المُسكِر. كانت صرخةً عاطفية ضد الأيديولوجيات الفكتورية -غير الرسمية- عن الاعتدال والبدائية وضبط النفس. كانت رسالة القصيدة أكثر راديكليةٍ من كل ذلك، فقد كانت رفضاً للدين المسيحي وأخلاقياته. فيشير الخيام إلى أن لا حياة بعد الآخرة بما أن الوجود الإنساني عابر -والموت سيأتي أسرع بكثير مما نتخيله- فمن الأفضل أن نتلذذ بلحظات الحياة الرائعة بينما نستطيع ذلك. لم يكن ذلك يعني أن نرمي أنفسنا بفيضٍ من المتعة بل بالأحرى أن نغرس إحساساً بالوجود ونقدّر ونستمتع باللحظة مستغلين الوقت المحدود الذي نمتلكه على الأرض.
استحوذ هذا الاتحاد المهيب بين الملذات الجسدية والشك الديني والوفاة الوشيكة (الدنيا الفانية) على مخيلة قرّائه الفكتوريين الذين نشأوا على غناء ترانيم ورعة في الكنيسة صباح يوم الأحد. لا عجب في أن الكاتب غلبرت كايث تشيسترتون أعلن بشكل مثير للإعجاب أن "الرباعيات" هي الكتاب المقدس لدين "اغتنام اليوم" أو "انتهاز الفرصة" carpe diem -وهي من مقطع قصيدة لاتينية لهوراس وتعني اغتنم اليوم ولا تفكر كثيراً في المستقبل.
كان تأثير القصيدة على الثقافة الفكتورية واضحاً بشكل خاص في أعمال أوسكار وايلد التي وصفها بأنها "تحفة فنية" وأحد أعظم الأعمال الأدبية الأحب على قلبه. تناول موضوعاتها في روايته "صورة دوريان غراي" التي نُشِرَت عام 1890. يُعتَبَر اللورد هنري ووتون - وهو أحد شخصيات رواية صورة دوريان غراي - بطلاً لمذهب المتعة الذي يشير صراحة إلى الجاذبية الحسية للحكيم "عمر"، ويغري الشاب الوسيم "دوريان" ليبيع روحه من أجل ملذات الشباب الأبدية. يقول اللورد هنري: "يغار الوقت منك ومن الحروب على زنابقك وورودك"، كما قال أيضاً: "متعة جديدة هو ما يحتاجه قرننا".
كانت رواية وايلد بمثابة احتفالٍ محكم بالشذوذ الجنسي، وهو جريمة تم استدعاؤه للمحكمة بسببها في عام 1895 حيث تم قراءة مقاطع من الكتاب في محاكمته كجزء من الأدلة التجريمية. لقد رأى في رباعيات الخيام حجة للحرية الفردية والتحرير الجنسي من القيود التي تفرضها الاتفاقية الاجتماعية الفيكتورية، لأسبابٍ أقلها أن فيتزجيرالد كان معروفاً بمثليته. بالنسبة إلى وايلد - كما هو الحال بالنسبة إلى فيتزجيرالد -، كان مذهب التلذذية ل"انتهاز الفرصة" أكثر بكثير من السعي وراء الملذات الحسية؛ فقد كان عملاً سياسياً متمرداً مع القدرة على إعادة تشكيل المشهد الثقافي.
في الوقت الحاضر، يتمتع مذهب التلذذية بسمعة سيئة حيث الإدمان على الكحول وتعاطي جرعات زائدة من المخدرات تحت شعار "أنت تعيش مرة واحدة فقط"، ونهج قائم على قائمة أمنيات في الحياة يقدّر التجديد العابر والسعي وراء الإثارة أكثر من أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن تاريخ الرباعيات هو تذكير بأننا قد نحاول إعادة اكتشاف الفضائل الخفية في مذهب المتعة.
من ناحية، يمكن أن يكون بمثابة ترياق لتزايد النزعة التطرفية في فكر السعادة الحديثة، الأمر الذي يهدد بتحويلنا إلى أشخاصٍ مدمنين على الاعتدال، مسيطرين على أنفسهم، ونادراً ما يعبّرون عن رغبةٍ عاطفية في الحياة. التقط كتاباً من رفوف المساعدة الذاتية، مهما قلّبت صفحاته فمن غير المرجح أن ينصحك بالتعامل مع مشاكلك عن طريق تدخين نوعٍ من المخدرات تحت النجوم أو أن تقضي الليل بأكمله تشرب التيكيلا في نادٍ ليلي. ومع ذلك، فإن مثل هذه المساعي التلذذية -التي يتم التمتّع بها بشكل معقول- كانت مركزية لثقافة الإنسان ورفاهه على مدى قرون؛ عندما وصل الغزاة الإسبان إلى الأمريكتين، اكتشفوا أن الآزتيك -هم من الشعوب الأصلية في الأمريكتين- يتناولون الفطر السحري -وهو أحد أنواع الفطر المخدرة التي تُحدِث هلوسةً لمُتناولها.
من ناحية أخرى، يمكن أن تساعد نوعية المتعة السائدة في الرباعيات على إعادة اتصالنا بفضائل التجربة المباشرة في عصر الوساطة، حيث يتم تصفية الكثير من حياتنا اليومية من خلال إضاءات الأجهزة الإلكترونية ثنائية الأبعاد وتحديداً الهاتف الذكي أو الحاسوب اللوحي tablet. أصبحنا مراقبين للحياة بدلاً من مشاركين فيها، منغمسين في مجتمع من المشهد الرقمي. يمكننا أن نتعلم شيئاً أو اثنين من الفكتوريين: دعونا نحتفظ بنسخة من رباعيات الخيام في جيوبنا إلى جانب الهاتف الذكي، ولنتذكر كلمات الخيام الحكيم: "وَاعْبَثْ بِشَعْرِ الحَبِيبِ وَاشْرَبْ ... فَالْعُمْرُ يَمْضِي غَداً هبَاءَ".
______________________________________
ترجمة: آلاء أبو رميلة
هذا التقرير مترجم عن: Aeon