تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
طوف88
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 07-10-2016
  • المشاركات : 308
  • معدل تقييم المستوى :

    8

  • طوف88 is on a distinguished road
طوف88
عضو فعال
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
02-08-2018, 06:53 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمازيغي مسلم مشاهدة المشاركة
قاصمة ظهر المشككين الطاعنين في القرآن المبين
تنبيه لقاعدة فاصلة هامة جدا


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ردا على المشاغبين المشككين بخربشاتهم التافهة الساقطة في حفظ رب العالمين لكتابه المبين، وتثبيتا لقلوب المؤمنين، ننبه إلى قاعدة فاصلة هامةجدا، وهي:

[ أن القرآن الكريم محفوظ في الأفئدة والصدور قبل أن يكون محفوظا في المصاحف و السطور، فالمصدر الأصلي في حفظ ونقل القرآن العظيم هو: السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف]

وبذلك، فإن تشكيك المشككين الطاعنين في حفظ رب العالمين لكتابه المبين، بأثر هنا ورواية هناك والمقارنة بين المخطوطات: لا يعدو أن يكون رسما في الماء، أو نقشا في الهواء!!؟.
قال الإمام المقرئ الحجةابن الجزري رحمه الله:
" ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة".(النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 1/6).

تلك القاعدة العظيمة الفاصلة التي أرعبت وأفزعت كل المستشرقين وأذيالهم!!؟، لأنها نسفت كدهم وتعبهم لعشرات السنين وسفرهم الأيام والليالي بحثًا عن مُؤَكِّدٍ لشُبْهَتهم القائمة على قضية المخطوطات!!؟.
إن كافة المستشرقين قديمًا وحديثًا، ممن قاموا وناموا على رعاية شبهة الدراسة المقارنة بين الأصول الخطية للمصحف بغرض:(تحقيق القرآن!!؟) ذابت كل جهودهم وانْماعَت كما يَنْماعُ المِلْحُ في الماءِ بهذه القاعدة العظيمة:

[ الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف]
لقد هَيَّأَ الله عز وجل لكتابه العظيم: كُتَّابًا وحُفَّاظًا، كتبوه في ألواحهم وقلوبهم معًا، وجعل الله عز وجل السماع والحفظ: حاكمًا على الكتابة والمصاحف، لا العكس، ولو أراد سبحانه وتعالى عكس ذلك: لفعل، وقد كانت الكتابة والألواح هي: الْحَكَم لدى بني إسرائيل مثلاً؛ ولذا ألْقَى الله عز وجل الألواح لموسى عليه السلام؛ كما قال سبحانه وتعالى:
{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ} [الأعراف: 145].
وقال سبحانه وتعالى:{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150].
وقال سبحانه:{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154].
فالْحَكَم عند بني إسرائيل إذن هو: الكتابة والألواح والصُّحُف، وليس السماع والْحِفْظ.
غير أَنَّ الله عز وجل قد مَيَّزَ المسلمين على غيرهم، واختصَّهم دون سواهم بخصيصة الإسناد والسماع المعتمدة على الحفظ والأخذ المباشر من أفواه المشايخ.
روى الإمام البخاري رحمه الله: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ}، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ". ورواه مسلم أيضًا:(448).

فأنتَ ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعجَّل حفظ القرآن، فأمره الله عز وجل أن ينصت إلى جبريل عليه السلام، أولاً، ووعدَه بأن يحفظه، وأن يقرأَه النبي صلى الله عليه وسلم كما سمِعَه من جبريل عليه السلام.
وبناءً على هذا: جاء جبريل عليه السلام بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع لا حصر لها، فألقاهُ إليه سماعًا ومشافهةً لا كتابةً أو صُحُفًا.
وفي حديث ابن عباسٍ المذكور:
" فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ".
فها هو يقرأه كما قرأَه جبريل تمامًا، ثم تأتي روايات حديث البراء بن عازبٍ، ومنها:
رواية البخاري (4990) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوْ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95].

فانظر في هذا الترتيب الرباني المُحْكَم: يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأَهُ جبريل تمامًا، ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة الوحي على الفور، في الوقت نفسه يقرأَهُ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فيحفظوه، حتى إذا ما نَسِيَ شيئًا منه ذكَّرَتْه قراءة أصحابه رضوان الله لما سمعوه منه من قبلُ، وما دوَّنوه بأمره وتحت سمعه وبصره في ألواحهم،
فلك اللهم الحمد على ما أنعمتَ به وأوليت.

ومِنْ هنا وبناءً على ما تقدَّمَ:
صار السماعُ عندنا هو: الْحَكَم بأمر الله عز وجل وإشارَتِه، لا بُحُكْمِنا وهوانا.
روى البخاري:(4987 - 4988): أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال:
" إِنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ: رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري رحمه الله (أحد أئمة الحديث، وراوي الحديث الذي معنا): وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ:
" فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ:{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ".أهـ

ويلاحظ في هذه المرحلة: أن زيدًا وغيره من الصحابة الكرام الذين قاموا على جمع القرآن الكريم رضي الله عنهم: قد اعتمدوا على السماع والكتابة معًا، وجمعوا بينهما، فاشترطوا اقتران السماع والكتابة وتلازمهما في المجموع، وهذا من أعلى درجات التوثيق التي يمكن الوصول إليها، وقد أتاحها الله عز وجل لكتابِه: صيانةً له، وحمايةً لجنابه الشَّريف.
ولذا: رأينا زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه يفقد آيةً أثناء جمعه للقرآن زمن أبي بكرٍ رضي الله عنه، وأخرى زمن عثمان، لا يجدهما أمامه في المكتوب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهما معروفتان عنده، لا شك فيهما؛ لأنه سمعهما هو وغيره من النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أنهما سُمِعَا من النبي صلى الله عليه وسلم، وأُخِذا عنه بلا واسطةٍ إلا أَنَّهُ لم يثبتهما حتى بحث عنهما، ووجدهما كتابةً أيضًا، فلم يعتمد الكتابة وحدها، ولا السماع وحده، وإن كان كل واحدٍ من الكتابة أو السماع يصح الاعتماد عليه بلا غضاضة؛ لكنَّ الصحابة الكرام رضي الله عنهم أرادوا بلوغ النهاية في توثيق القرآن الكريم وصيانته والحفاظ عليه، فالحمد لله تعالى.

لقد أَرَسَلَها أئمتُنا الكرام رضي الله عنهم قاعدةً أصيلةً حَمَلَتْها الركبان إلى جميع الأقطار؛ لتقول لهم:

" لا تأخذوا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ، ولا العلم أو الحديث عن صُحُفِيٍّ"

فقطع أئمتُنا بذلك كل طُرق الاعتماد في نقل القرآن على الكتابة والمصاحف، وتركوا الباب مفتوحًا أمام السماع والأسانيد لا غير.
* فَعَن سليمان بن موسى أَنَّه قال:" لا تأخذوا الحديثَ عن الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآنَ على الْمُصْحَفِيِّين".(الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم:2/31)، و(المحدث الفاصل، للرامهُرْمزي:211).
* وقال سعيد بن عبد العزيز:" لا تأخذوا العلم عن صُحُفِيٍّ، ولا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ".( الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم: 2/31).
* ويقول الوليد بن مسلم: " لا تأخذوا العلم من الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآن على الْمُصَحَفِيِّين؛ إلا مِمَّن سمعه مِن الرجال وقرأَ على الرجال".(تاريخ دمشق، لابن عساكر:63/292)، و(تهذيب الكمال، للمزي: 31/98).
*ويقول السخاوي في (فتح المغيث:2/262):" والأخذ للأسماء والألفاظ من أفواههم - أي العلماء بذلك، الضابطين له ممن أخذه أيضًا عمن تقدم من شيوخه وهلم جرَّا- لا من بطون الكتب والصُّحُف من غير تدريب المشايخ: أَدْفَع للتَّصحيف، وأَسْلَم من التبديل والتحريف".
* ويقول الصنعاني في:(توضيح الأفكار:2/394):
" ويقال: لا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيٍّ، ولا العلم من صُحُفِيٍّ".
ومما حكاه الصنعانيُّ في ذلك: قول القائل:
" والعلم إِنْ فاتَه إسنادُ مُسْنِدِه ÷ كالبيتِ ليس له سقْفٌ ولا طُنُب"
والطُّنُب: حبلٌ يُشَدّ به البيت، فكأنه بيتٌ لا عماد له ولا سقف.

ختاما:
وبهذا تدحض بفضل الحافظ المتين لكتابه المبين شبهة المشككين الطاعنين القائمة على المقارنة بين مخطوطات المصاحف، والتي نسفت نسفا بأصل نقل القرآن العظيم بالحفظ في أفئدة الصدور بأسانيد ذهبية متواترة إلى اليوم حتى تصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام عن جبريل عليه السلام، فلك الله الحمد والمنة أولا وأخرا، وظاهرا وباطنا.
هذا هو: العلم بالحجة والبيان، والدليل والبرهان، يشهد له كل منصف، ويقر به كل عاقل، وليس بعده إلا الإعراض والعناد والجحود والمكابرة، وهي: صفات ملازمة لأعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم سابقا ولاحقا الذين خاب ظنهم، وضل سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!؟.
قال العزيز الحكيم في كتابه العظيم:
[قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)].(الكهف).
إن أعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم قد أنفقوا جهودهم وأموالهم وأوقاتهم للصد عن سبيل الله، فردهم خائبين متحسرين مغلوبين، وقال عنهم ذو القوة المتين:
[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)].(الأنفال).

لقد حاول أعداء الإسلام إطفاء نور الله بأفواههم وأقلامهم، فرد الواحد القهار كيدهم في نحورهم، وصدق الخبير العليم القائل في كتابه الكريم:
[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)].(الصف).

ملاحظة:
أغلب ما ذكر في هذه المشاركة، وما سيأتي بعدها من الردود المفحمة للأستاذ الفاضل المستشار: سالم عبد الهادي، جزاه الله خير الجزاء، وقد جاءت في سياق رده على:( المستشرق الألماني د. ميلكوش موراني من كلية الآداب ـ جامعة بون ـ بألمانيا)، وهو: مستشرق بروتستانتي، تيسر له الاطلاع على بعض المخطوطات العربية والإسلامية في بلاد المغربوغيرها، خاصة مخطوطات الفقه المالكي، وقد زعم موراني في لقاء له مع:( شبكة التفسير):
"... كان هناك مشروع في النص القرآني قبل الحرب العالمية الثانية، وجَمعَ تلاميذُ نولدكه المشهورون المتخصصون في القراءات نسخاً للقُرآنِ بغرض تحقيقِ النصِّ القرآنيِّ تَحقيقاً علميَّاً كما تُحقَّقُ كتبُ التراث، إذ ما بين يدينا مطبوعاً هو النص المتفق عليه، وليس نصاً مُحقَّقاً بِمعنى التحقيق!!؟، وأنه ربما ترتب على تحقيقه: إعادة صياغة هذا النص القرآني من جديدٍ؛ لأننا قد نحصل على كلمةِ نقصٍ هنا وكلمة زيادة هناك!!؟".

ونذكر القراء الأفاضل بأن غاية المستشرقين من دراساتهم حول الإسلام ومصادره قد فضحها المستشرق:( رودي بارت:1143م) حين قال:
" إن الهدف من الكتابات الاستشراقية كان إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام واجتذابهم إلى الدين المسيحي".( الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، للمستشرق رودي بارت ص 11 ترجمه إلى العربية مصطفى ماهر، ونشرته دار الكتاب العربي).

يتبع إن شاء الله.




لم يكن هناك داع لكل هذه الخطبة الخارجة عن جوهر الموضوع اصلا

لست ادري يا زميلي المحترم لماذا لا تتقيد بمضمون مواضيعك التي تنسخها

و تلصقها؟؟؟

اهو عدم الاطلاع ؟؟؟

او عدم التمحيص و التدقيق فتنسخ و تلصق دون تعب و جهد او اجتهاد منك؟؟؟

مما يترتب علىه انك لا تستطيع ان تدافع عن وجهة نظرك و ميولك لراي

على الاخر،فتضطر الى محاولة تشتيت الموضوع و تفريعه الى عدة مواضيع

جانبية.

موضوعك الذي طرحته للنقاش،هو دعوى وجود لحن في القران

و ليس اقوال العلماء في من طعن في القران.

اما ادعائك انه لا وجود للحن في القران ،فقد تبين كذب ما تدعيه بالحجة و البرهان.

واما عن الزيادة و النقصان في القران فقد تبين ان ذلك موجود كما في سورة الحديد

الاية 23او24
حسب المصحف فحتى ترقيم الايات يختلف بين المصاحف.

لكنك لم تجب على السؤال و تبين لنا ايهما اصح و هو مصحف عثمان.

علما بان الامام مالك قد صرح بذهاب مصحف عثمان و انه لم يعد موجودا.


اما تبديل حرف مكان حرف،كذلك تبين انه موجود في القران بالدليل القاطع

كسابقه.

لكنك لم تبين نا اي المصحفين اصح الذي كتبت فيه الاية 21 من سورة غافر

منهم بالهاء، او منكم بالكاف
.


و كلاهما معتمد و معمول به عند المسلمين.

ومن الذي يكفر في هذه الحالة؟؟؟؟


بدلا من ان تركز على مثل هذه الاشكالات التي تطرقت لها انت بفسك

و اجبتك عليها،تتركها و تهرب الى خطب انشائية عاطفية لا تغني و لا تسمن

من جوع.

اريد اجاباتك على ما سئلت عنه،مثلما اجيبك عن اسئلتك
.

من مواضيعي 0 استفسار
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
04-08-2018, 05:24 PM
هذا مزيد بيان بتوفيق الحافظ الرحمن للقاعدة الفاصلة الهامة جدا في كون:

[ القرآن الكريم محفوظ في الأفئدة والصدور قبل أن يكون محفوظا في المصاحف و السطور، فالمصدر الأصلي في حفظ ونقل القرآن العظيم هو: السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف]

فإلى المقصود بتوفيق الحافظ المعبود:

قال الأستاذ الفاضل المستشار: سالم عبد الهادي:

سَـمَــاعِــيٌّ مِن البدايةِ إلى النهايةِ

روى الإمام البخاري رحمه في:(صحيحه:4679): حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ؛ وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ـ وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ ـ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ: مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. انتهى.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الحديث:" إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ".

وفي هذا فوائد ثلاثة:
الأولى: إقرار أبي بكرٍ وزيد رضي الله عنهما لقول عمر المذكور، فهذا إجماعٌ من إجماعات الشيخين أبي بكرٍ وعمر، ثم موافقة باقي الصحابة لهما على فعلهما، وعدم إنكاره؛ تدل على إجماع الصحابة الكرام رضي الله عنهم على هذا الأمر.
الثانية: خشية عمر رضي الله عنه من كثرة قتل القُرَّاء، والتي سينتج عنه لو حصل: (أن يذهب كثيرٌ من القرآن)؛ تعني بكل إيجاز: أنه لم يذهب حرفٌ من القرآن حتى هذه اللحظة التي كان الثلاثة (أبو بكر، وعمر، وزيد رضي الله عنهم يتباحثون في جمع القرآن)، فحتى هذه اللحظة لم يذهب حرف من القرآن، لكن عمر رضي الله عنه يخشى أن يضيع كثيرٌ من القرآن إذا استحرَّ القتل، أو كَثُر القتل في صفوف القُرَّاء في كل معركة من معارك المسلمين، فيرى عمر رضي الله عنه ضرورة جمع القرآن الآن، والقرآء متوافرون متواجدون قبل أن يُقْتلوا في معارك المسلمين، وبهذا يضيع كثيرٌ من القرآن بمقتل من يحفظه، فلابد إِذن من البدء على الفور في جمع القرآن.
وإذا لم يكن قد ذهب حرفٌ من القرآن حتى اللحظة المذكورة بإجماعهم؛ ثم بَدَءَ الجمعُ مباشرة، ولله الحمد، فهذا بإيجاز يعني: أَنَّه لم يذهب حرفٌ واحدٌ من القرآن الكريم أبدًا، ولله الحمد.
الثالثة: لكن رويدًا يا أمير المؤمنين: أبا حفصٍ العظيم رضي الله عنك وعن أولادك وذريتك وأحبابك، وحشرنا الله معك في جنات النعيم في صحبة نبينا صلى الله عليه وسلم.
رويدًا أبا حفصٍ، ودعني أسألك، لأتعلَّمَ منك، يا مَنْ أنعم الله عليَّ بحبِّكَ:
لماذا تخشى ضياع القرآن بموت القراء!!؟.
هل لأن الجزيرة العربية أو المدينة قد خلتْ ممن يُحْسِن القراءة إلا هؤلاء القراء، فتخشى إن قُتِلوا: أن لا تجد قارئًا أو كاتبًا يجيد القراءة والكتابة!!؟.
أرجوك أبا حفصٍ: سامحني على غبائي في سؤالي.
أرجوك أبا حفصٍ أن تسامحني، وليشفع لي عندك حُبّي للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وسائر الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
أنا ما سألتُك أبا حفصٍ لأعترضَ؛ كلا.
وما سألتُك أبا حفصٍ لجهلي بالإجابة؛ كلا.
وكيف أجهلها، وأنا ابنُ الإسلام وتلميذكم!!؟.
إنما سألتُكم، ليعلم السامع جواب ما أريد:
يلزم من ضياع القرآن بمقتل القرآء: أن يكون القراء هم: المصدر الأساسي في نقل القرآن لا غير، وقد وافق أبو بكرٍ وعمر وجميع الصحابة على هذا الذي قاله أبو حفص عمر رضي الله عنه.
فالقراءهم: مصدر التلقّي الوحيد للقرآن، لا غير، ولو كان مصدر التلقِّي هو: الصُّحُف أو الكتابة: لما هَمَّ ذلك عمر، ولا غيره من الصحابة.
أعلمتَ أبا حفصٍ رضي الله عنك: أنني أفهم قصدك وما ترمي إليه.
نعم أبا حفصٍ: أَعْلَمُ أنك ترسل رسالة لمثلي؛ كأنك تقول فيها: المصدر الوحيد في نقل القرآن هو: السماع لا الكتابة، ولذلك فأنتَ تخشى من موت الحفظة الذين يحفظونه كما أُنْزِل، فلابد من جمع القرآن من هؤلاء الحفظة بنفس الطريقة التي حفظوه بها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان الاعتماد في نقل القرآن على الصحف: لم يكن ثمة ما يدعو للانزعاج من مقتل القرآء والحفظة، وما يضرهم أن يُقتل القرآء جميعًا: إِنْ كان القرآن محفوظًا لديهم في صحفٍ خاصةٍ به!!؟، فدل هذا على أن نقل القرآن وروايته على القراء (السماع)، لا على الكتابة (الصُّحُف).

ـ وفي(صحيح مسلم:2865) من حديثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ.. فذكر حديثًا طويلاً، وفيه يقول سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:" إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ"
يقول الإمام النووي في(شرح صحيح مسلم):
" أَمَّا قَوْله تَعَالَى [يعني في الحديث القدسي]: (لَا يَغْسِلهُ الْمَاء)، فَمَعْنَاهُ: مَحْفُوظ فِي الصُّدُور, لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ الذَّهَاب, بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرّ الْأَزْمَان، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: (تَقْرَأهُ نَائِمًا وَيَقْظَان) فَقَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ يَكُون مَحْفُوظًا لَك فِي حَالَتَيْ النَّوْم وَالْيَقَظَة, وَقِيلَ: تَقْرَأهُ فِي يُسْر وَسُهُولَة".

يقول أبو بكر بنُ مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات:88):
" ذكر الأسانيد التي نقلت إلينا القراءة عن أئمة أهل كل مصر من هذه الأمصار.
أسانيد قراءة نافع:
فأما قراءة نافع بن أبي نعيم، فإني قرأت بها على عبد الرحمن بن عبدوس من أول القرآن إلى خاتمته نحوا من عشرين مرة".أهـ
ثم بدأ في سرد أسانيده إلى أئمة القراءات.
فانظر إلى قوله عن قراءة نافع فقط:" فأما قراءة نافع بن أبي نعيم، فإني قرأت بها على عبد الرحمن بن عبدوس من أول القرآن إلى خاتمته نحوًا من عشرين مرة".
فهو قد قرأ قراءة واحدة فقط من قراءات القرآن على شيخٍ واحدٍ فقط: نحوًا من عشرين مرة، فما بالك ببقية القراءات وبقية الشيوخ!!؟.
وهذا يؤكد ما نكرره دائمًا: أن الاعتماد في نقل القرآن وروايته على السماع لا على الكتابة.
وانظر إلى قول أبي بكر بن مجاهد في نفس الكتاب (48) أثناء كلامه على روايات القرآن:
" ومنها: ما توهم فيه من رواه، فضيع روايته، ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله: عرفوا توهمه، وردوه على من حمله، وربما سقطت روايته لذلك بإصراره على لزومه، وتركه الانصراف عنه، ولعل كثيرا ممن ترك حديثه، واتهم في روايته كانت هذه علته، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحرام والحلال والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الرواية والاختلاف".
فانظر: كيف يُتْرَك الراوي للقرآن إذا (نسي سماعه!!؟).

وانظر إلى قول أبي بكر بن مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات: 46) أيضًا: " وقد ينسى الحافظ، فيضيع السماع، وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحن لا يعرفه، وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره، ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقا، فيحمل ذلك عنه، وقد نسيه ووهم فيه، وجسر على لزومه والإصرار عليه.
أو يكون قد قرأ على من نسى وضيع الإعراب، ودخلته الشبهة فتوهم، فذلك لا يقلد القراءة، ولا يحتج بنقله.
ومنهم: من يعربقراءته ويبصر المعاني ويعرف اللغات، ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعًا.
وقد رويت في كراهة ذلك وحظره أحاديث".
ثم يروي لنا ابنُ مجاهد بإسناده:
ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال:" اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم".
ـ وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه:" اتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن استقمتم: لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموهم يمينا وشمالا: لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا ".
ـ وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" إن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلِّمتم".
ـ وعن عبد الله بن مسعود نحو أثر عليٍّ، ولكني رأيتُ إسناده ضعيفًا، فلم أذكره.
ـ قال ابنُ مجاهد:" وقد كان أبو عمرو بن العلاء، وهو إمام أهل عصره في اللغة، وقد رأس في القراءة والتابعون أحياء، وقرأ على جلة التابعين: مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ويحيى بن يعمر، وكان لا يقرأ بما لم يتقدمه فيه أحد.
حدثني عبيد الله بن علي الهاشمي وأبو إسحق بن إسماعيل بن إسحق بن إسماعيل بن حماد بن زيد القاضي قالا: حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: أخبرنا الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول:" لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قُرِىءَ به: لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا".
وحدثني عبيد الله بن علي قال: حدثنا ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء {وبركنا عليه} في موضع {وتركنا عليه} في موضع أيعرف هذا؟، فقال:" ما يعرف إلا أن يُسْمع من المشايخ الأولين".
قال: وقال أبو عمرو:" إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال".
قال أبو بكر: وفي ذلك أحاديث اقتصرت على هذه منها".

فحتى وإن كان وجهًا جائزًا في اللغة: لا يُقْرَأُ به، وإنما يُقْرأُ بما سُمِعَ، وأُخِذَ روايةً وسماعًا، وعلى هذا كلام أبي عمرو بن العلاء السابق في قوله:" لولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قُرِئَ به، لقرأتُ حرف كذا كذا وحرف كذا كذا"، يعني: أن اللغة العربية ووجوهها يصح فيها، ويجوز قراءة هذه الحروف على الشكل الذي قصده أبو عمرو، ولكن لا يصح في القرآن إلا أن يكون مسموعًا.
وانظر ما رواه لنا ابنُ مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات: 51)، وسأختصر الأسانيد هنا:
ـ عن محمد بن المنكدر قال:" قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول"، قال: وسمعت أيضا بعض أشياخنا يقول عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك.
ـ وعامر الشعبي قال:" القراءة سنة، فاقرؤوا كما قرأ أولوكم".
ـ وعن صفوان بن عمرو وغيره قالوا: سمعنا أشياخنا يقولون:" إن قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول".
ـ وعن عروة بن الزبير قال:" إنما قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما عُلِّمتموه".
وفي لفظٍ عن عروة بن الزبير قال:" إنما قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما أُقْرئتموه".
ـ وعن زيد بن ثابت قال:" قراءة القرآن سنة".

وقال ابن الجزري رحمه الله:
" ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة".[النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 1/6].

ويقول الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه:
" والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:" إِنَّ ربى قال لي أَن قم في قريش فأنذرهم، فقلت: أي رب إذًا يثلغوا رأسي - أي يشدخوا- فقال: إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظانًا، فابعث جندا أبعث مثليهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأَنْفق أُنْفِق عليك"؛ فأخبر: أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرؤه في كل حال، كما جاء في نَعْتِ أُمَّتِه: (أناجيلهم في صدروهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب".(مجموع الفتاوى لابن تيمية: 13/400).

قال المفسر الآلوسي رحمه الله:
" المرعى فيه: السماع من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم".( روح المعاني للآلوسي: 1/21).
وقال الآلوسي أيضًا أثناء ردّه على بعضهم:
" فلأن قوله: إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مجموعًا مُؤَلَّفًا على ما هو عليه الآن إلخ؛ إنْ أراد به: أنه مرتب الآي والسور كما هو اليوم، وأنه يقرأه من حفظه في الصدر من الأصحاب كذلك، لكنه كان مفرقًا في العسب واللخاف؛ فمُسَلَّمٌ".( روح المعاني: 1/25).

ويقول الزرقاني في (مناهل العرفان: 1/177):
" وقد قلنا غير مرة: إن المعول عليه وقتئذٍ كان هو: الحفظ والاستظهار، وإنما اعتمد على الكتابة كمصدر من المصادر زيادة في الاحتياط ومبالغة في الدقة والحذر".

شهادة من ألماني:
يقول:( د. مراد هوفمان):
" إن المستشرقين حاولوا إثبات: أن القرآن ليس من عند الله وفشلوا، كما فشلوا في إثبات حدوث تغيير في أي حرف أو كلمة فيه، وقد يرفض غير المسلم محتوى القرآن، ولكنه لا يستطيع أن يتجاهل تأثيره الخلاب على قارئه والمستمع إليه، ويجد الباحث أن في القرآن: إشارات علمية لم تكن معلومة في هذا الزمان، ثم ثبت صدقها مؤخرا، والقرآن هو: الكتاب الوحيد في العالم الذي يحفظه ملايين البشر عن ظهر قلب، ولغة القرآن هي: العربية التي تجمع العالم الإسلامي الذي يزيد على 1200 مليون مسلم، والقرآن هو: الذي حافظ على اللغة العربية بقواعدها وكلماتها، ولذلك، فهي اللغة الوحيدة في العالم التي كتب بها القرآن منذ أكثر من 1400 عام، ولا يزال مئات الملايين من عامة أهلها يستطيعون قراءته دون تأهيل بدراسات خاصة، ودون ترجمته إلى اللغة المتداولة الآن عند العرب، فلغة القرآن هي: اللغة التي يتكلم ويكتب بها العربحتى اليوم...".أهـ.
هنا

ومن هنا:
يظهر للقراء الكرام: أن الأصل في رواية القرآن وتلقّيه على السماع والحفظ، لا على الكتابة والمصاحف.
وقد صار هذا ديدنًا لعلماء القراءات يذكرونه في فواتح كتبهم، بعبارات شتى، ومعنًى واحدٍ.
ومن ذلك: قول أبي عمرو الداني رحمه الله في مقدمة كتابه:(نقط المصاحف):
" هذا كتاب علم نقط المصاحف، وكيفيته على صيغ التلاوة، ومذاهب القراءة".

ويقول ابن خالويه رحمه الله في مقدمة كتابه:(الحجة في القراءات السبع:61) في بيان منهجه في كتابه:
" فإني تدبرت قراءة الأئمة السبعة، من أهل الأمصار الخمسة، المعروفين بصحة النقل وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية واللفظ".

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
طوف88
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 07-10-2016
  • المشاركات : 308
  • معدل تقييم المستوى :

    8

  • طوف88 is on a distinguished road
طوف88
عضو فعال
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
06-08-2018, 11:42 AM

كف عن المراوغة و فسر لنا كيف حدث كل ما يوجد من اختلاف في المصاحف

من زيادة و نقصان و تبديل الحروف باخرى مما يوقع خلالا فى المعاني.

رغم كل ما يقوله من تنسخ و تلصق اقوالهم التي يكفرون فيها من يقول بذلك.

فالقراء العشر لم يعيروا هاته الاقوال اي اهتمام،بل لم يلتفتوا اليها اصلا،ولم يعملوا

بمقتضاها.

و ذهب كل منهم في انشاء مصحف حسب رغبته مخالفا لمصحف غيره.

اعلم علم اليقين انك لا تملك اي اجابة شافية كافية، على اي اشكال من الاشكالات في اي

من مواضيعك.


لهذا تلزم الصمت و تتتجاهل الاسئلة الموجهة اليك.

و تستمر في نسخ و صق كل الهرطقات و الخزعبلات التي لا تمت لمواضيعك بصلة.


من مواضيعي 0 استفسار
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
09-08-2018, 01:43 PM
قال الأستاذ الفاضل المستشار: سالم عبد الهادي:

التدوين الكتابي للقرآن
ذكرتُ فيما سبق:" أن الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف"، وسيأتي ما يؤيد هذا إن شاء الله تعالى ويُؤَكده.
وقد آن للقراء الكرام: أن نوقفهم على تاريخ تدوين المصحف في نسخٍ خطية ومصاحف مكتوبة باليد.
صار من حق البحث الآن: أن نذهب به صوب مخطوطات المصحف، وما حقيقة ما جرى هنالك، وهل يا ترى كُتِبَت هذه النسخ الخطية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أم في حياته!!؟.
خلط المستشرقون هنا خلطًا عجيبًا، فزعم بعضهم: انقطاع أسانيد النُّسَخ الخطية، وزعم آخرون: أنها دُوِّنَتْ بمعرفة الصحابة الكرام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهلم جرَّا من تُرَّهات المستشرقين وأباطيلهم التي لا حصر لها!!؟.
رغم أن القضية في نظر البعض ربما لم يعد لها أهميتها من حيث البحث، أو لم تعد الحاجة ماسة إلى بيانها في نظر البعض؛ بعد بيان: أن الاعتماد في نقل القرآن على السماع لا الكتابة، ورغم ذلك: فإنها تكتسب أهمية من عدة جهاتٍ؛ أذكر منها:

أولاً: أن الكتابة مؤكدة للحفظ ومعينة على تثبيته والعناية به، ومذاكرته وتذكُّره على الدوام، ووجودهما معًا: أعلى درجات الحفظ وأولاها وآكدها من وجود الحفظ دون الكتابة أو الكتابة دون الحفظ.
ولذا نعلم أن حفظ القرآن ونقله يأتي في أعلى درجات الحفظ والعناية والتثبُّت؛ لأنه يعتمد على السماع والحفظ في الأصل، ثم لم يُغْفِل أهمية الكتابة وفائدتها في تذكُّر المحفوظ واستذكاره.

ثانيًا: أن كثيرًا من المستشرقين قد عبثوا في هذه الجهة جدًا، وحاولوا تشكيك المسلمين في القرآن الكريم من خلالها، وخلطوا فيها خلطًا عجيبًا، مع تزوير الحقائق وتزييفها وإخفاء الوجه الصحيح للمسألة.
فكان من حقنا: أن نعيد الأمر إلى نصابه، وندخل البيت من بابه، فننظر في المسألة نظرة المسلمين الأصحاء، لا نظرة المستشرقين الخبثاء، ونقيم الأدلة على كلامنا من خلال ثوابت الروايات وقواطع النصوص التي لا تقبل الجدل ولا التشكيك، لعل الله عز وجل ينفع به أقوامًا ويضر به آخرين.


النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بكتابة القرآن فور نزوله:
لنترك الروايات الثابتة والصحيحة تتكلم بنفسها عن نفسها، ولننقلها من أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل وهو:(صحيح البخاري)، وسنرى الآتي:

البخاري (2831) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95].

البخاري (4594) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ادْعُوا فُلَانًا"، فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوْ الْكَتِفُ، فَقَالَ:" اكْتُبْ{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ؛ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95].

البخاري (4990) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ادْعُ لِي زَيْدًا، وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوْ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}.[النساء: 95].
وفي رواية الإمام أحمد لنفس الحديث (18174) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]، أَتَاهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي إِنِّي ضَرِيرُ الْبَصَرِ؟، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَوْ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ". ونحوها في رواية الإمام أحمد أيضًا (18084).

دروسٌ مستفادة:

والحقيقة: أن أمر كُتَّابِ الوحي مشهور متواتر لا يحتاج لبيانٍ، ولكنا عمدنا هنا إلى بعض ما يؤكد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن فور نزول الوحي عليه، وقد سبق هذا صريحًا واضحًا في النصوص المذكورة هنا، فما معنى هذا، وما هي الفائدة من إيراده!!؟:

أولا: براءة النبي صلى الله عليه وسلم من نسيان بعض الوحي، أو عدم تبليغه لأُمَّتِه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن فور نزول الوحي عليه: يقطع الطرق على هؤلاء المستشرقين الخبثاء أمثال: نولدكه (الذي يشيد به موراني دائمًا) وجون جلكورايست وغيرهما ممن يقولون:" إن المصحف لم يشتمل على كافة الأجزاء القرآنية"، أو:" أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسي شيئًا من القرآن لم يبلغه أمته!!؟".
ومع وضوح فساد هذا القول جدًا ومصادمته للنصوص القرآنية المؤكدة لحفظ الله عز وجل لهذا القرآن الكريم خاصة وللإسلام عامة، وتوصيله كاملا لكافة أجيال أمة الإسلام؛ ومع هذا كله، فقد جاءت النصوص السابقة لتقول:
" هاؤم: انظروا كيف كتب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فور نزول الوحي عليه، فها هو يقيد الوحي بالكتابة إلى جانب الحفظ، حتى لا ينسىَ شيئًا أو يضيع منه شيء، أو يتسرب الشك إليه في يومٍ من الأيام!!؟".
وكأن الله عز وجل بسابق علمه: قد أراد أن يقطع بهذه النصوص السابقة طريق التشكيك الاستشراقي الخبيث في القرآن الكريم من جهة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الوحي الذي نزل.
كلا؛ هذا هو الوحي ينزل، فيستدعي النبي صلى الله عليه وسلم كتَبَة الوحي فورًا، ويأمرهم بكتابة ما نزل، ثم يأتي زيد بن ثابت رضي الله عنه (كما سيأتي)، فيجمع القرآن من هذه الصحف التي كتبها هو أو غيره بناءً على أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتحت سمعه وبصره وفي حياته، فلا مجال إذن لحاقدٍ أو عابثٍ!!؟.

ثانيًا: القرآن ليس وجادةً، والوجادة في الكتب كالضالة في الأشياء لا صاحب لها، ولا نسب ولا صلة تربطها بأحدٍ!!؟.
ومِنْ هنا: اختلف علماء الحديث في قبولها وردها، واستقرَّ الأمر عندهم على قبولها في مواضع، ورفضها في أخرى، فقبلوها حيث قامت القرائن على صحَّتِها، ورفضوها حين احتفَّتْ بها أمارات الرفض، أو كانت عارية عن أسباب القبول.
فأنتَ ترى أنها لم تُقْبَل لذاتها، وإنما قُبِلَتْ بناءً على ما حولها من ملابسات؛ فهي من (المقبول لغيره) لا (المقبول لذاته).
وهذا هو منهج العقل السليم، وهو الذي عليه علماء المسلمين، بخلاف النصارى الذين قبلوا الوجادة في كل وقتٍ، بل وأثبتوا بها: القداسة والنزاهة لما لا تهدأ فيه منافرة الحروف، وتلاحي الكلمات: لتضاربالمعاني وسمج السياقات!!؟، فيا الله: ما أحلمك عليهم!.
نبقى مع القرآن الكريم، فنقول: رغم الضوابط الصارمة التي ذكرها أهل الحديث الشريف في قبول الوجادة وردّها إلا أن الإجماع قد قام على أن الاعتماد في نقل القرآن على السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف، وقد سبق بيان هذا الأصل، كما رأينا هنا: أن نُسَخ القرآن الخطية التي اعتمد عليها زيدٌ في جمع القرآن: لم تكن وليدة زمن أبي بكرٍ رضي الله عنه، ولا كانت وجادةً؛ يعني لم تكن صحيفةً وُجِدَتْ بعد عصر كاتبها أو وفاته، وإنما كُتِبَتْ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفي حضرته، وتحت سمعه وبصره، فأغلق الله بهذا الطريق على خبيث يدعي انقطاع سند مخطوطات المصحف، أو جاهلٍ يزعم: أنها كُتِبَتْ بعد النبي صلى الله عليه وسلم!!؟.
ثم هاهو زيدٌ يتتبع هذه النُّسَخ، وينسخها كلها في مكانٍ واحدٍ، فالحمد لك يا الله.

نعم؛ ثبت لنا الآن، وبلا أدنى شكٍّ:
أن القرآن الكريم قد كُتِبَ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتحت سمعه وبصره وبحضرته، وفور نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم، ثم جاء زيدٌ رضي الله عنه، فتتبَّع هذه النُّسَخ المعروف نسبتها وصلتها، والسابق كتابتها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ زيدٌ هذه النُّسَخ المعروفة نسبًا وصلةً، فجمعها في مصحفٍ واحدٍ، اعتمادًا على المحفوظ والمكتوب، وبناءً على الضوابط الصارمة التي وُضِعَتْ في نَسْخِ القرآن المكتوب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
12-08-2018, 02:24 PM
ما بينَ موراني وجلكرايست: شُبْهَةٌلا أساس لها!!؟


سبق وذكرتُ: أن طعونات المستشرقين في ثوابت الإسلام لا تتوقف عند قضية مخطوطات القرآن، وأنها حلقة في منظومة كبيرة للطعن في الإسلام، وتشكيك المسلمين في دينهم من ناحية، وتشويه الإسلام وتقديمه للشعوب الغربية بصورة منفرة من ناحية أخرى، فهي حلقة ذات حدين: لإصابة المسلمين وتشكيكهم في دينهم، ولحجب غير المسلمين عن الدخول في الإسلام.
وقد تتابع المستشرقون على الطعن في القرآن الكريم خاصة، وفي الإسلام عامة، ولم تتغير نظرتهم للقرآن عبر العصور، وإن اختلفتْ مناهجهم في تناول الطعن وتقديمه، كما سبق وأفاد د.موراني في عبارته التي سبق لي أن نقلتُها عنه في بدايات موضوعنا هذا.
وكان الإطار الذي اختاره موراني لوضع الطعن فيه هو:" إطار البحث العلمي النزيه القائم على الدراسة المقارنة بين مخطوطات المصاحف، وتحقيق المصحف تحقيقًا علميًّا " حسب زعمه!!؟، كما زعم: أنه ربما أوصلتنا هذه النسخ إلى زيادة ونقصان في بعضها، أو إلى اختلاف ترتيب بعض الآيات ولو جزئيًّا.. كذا زعم موراني!!؟، وقد مضى نقل كلامه بنصه في أول هذه المقالات، وفي غير مرة.
وجاء جون جلكرايست، فأخذ هذا الطعن وجعله في إطارٍ آخر، ثم أضاف إليه أشياء أخرى لم يذكرها لنا موراني هنا، وربما ذكرها في موضعٍ آخر؛ لأن غيره من المستشرقين قد ذكرها، ولا زال موراني يؤكد على أن نظرة المستشرقين للقرآن لم تتغير!!؟.
تكلم جلكرايست كلامًا كثيرًا لا طائل من ورائه، وخلط في كلامه خلطًا عجيبًا، وحَرَّفَ وزَوَّرَ وَزَيَّفَ، بل لم يدع رذيلة علمية أو خطيئة منهجيَّة إلا وارتكبها في كتابه هذا!!؟، ومع هذا نقتطف من كتابه النص الآتي فقط:
يقول جون جلكرايست في كتابه:(جمع القرآن) تحت عنوان:(3- نظرة عامة حول المرحلة الأولى لجمع القرآن):
" إمكانية فقدان بعض أجزاء النص واردة في عدة أحاديث نبوية تبين بعضها أن محمدا كان هو نفسه عرضة لنسيان بعض أجزاء القرآن.
"حدثنا موسى، يعني: ابن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا قام من الليل، فقرأ فرفع صوته بالقرآن، فلما أصبح قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم: يرحم الله فلانا كائن من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها ". (كتاب الحروف و القراءات سنن بن أبي داود، رقم: 3456).
وضع مترجم المرجع السابق إلى الإنجليزية ملاحظة هامشية بين فيها: أن محمدا لم ينس بعض الآيات تلقائيا، بل الله هو الذي أنساه إياها مقيما بذلك عبرة للمسلمين، مهما كانت الغاية و الأسباب، فالمهم هو: أن محمدا تعرض لنسيان بعض القرآن الذي أقر أنه أوحي إليه".
وبناءً على هذا، قال جون جلكرايست:
" نفس النصوص تنفي الفرضية الحديثة القائلة بأن المصحف الحالي هو: نسخة طبق الأصل للقرآن الأول لم يحذف منها شيء، و لم يمسسها أي تغيير، ليس هناك ما يدل على أن النص تعرض للتحريف، وكل محاولة لتأكيد ذلك (كما فعل بعض الباحثين الغربيين) يمكن دحضها بسهولة، بالمقابل: هناك أدلة عديدة على أن القرآن كان غير مكتمل وقت تدوينه في مصحف واحد".

إن جون جلكرايست يشير إلى تأكيد بعض الباحثين الغربيين على تحريف القرآن، ثم ينفي هذا الزعم، ويؤكد على أنه لم يُحَرَّف، وبهذا ينفذ إلى قلوب القراء، ويظن القارئ به: الإنصاف أو النزاهة أو الحيادية!!؟، فيسهل عليه بعد ذلك: أن يزيف الحقيقة، ويزعم: أن القرآن لم يصل كاملاً!!؟، ويطلق عبارة لا قيمة لها بأن هناك:" أدلة عديدة على أن القرآن كان غير مكتمل وقت تدوينه في مصحفٍ واحدٍ!!؟".
ويخبط خبط عشواء، ويحطب والدنيا ظلام!!؟، ليؤكد كلامه وفكرته هذه، بل
وصل الأمر به: أن يجعل الواقعة المذكورة في الحديث السابق في كلامه مؤكدة لنسيان النبي صلى الله عليه وسلم بعض الوحي!!؟.
وقد نقله من سنن أبي داود، على عادة المستشرقين في عدم الفهم في ترتيب المصادر، والجهل بعلوم الإسلام ومصادره، ولنر رأي التاريخ في هذا الخبط الموراني أو الجلكرايستي!!؟.

فماذا لديك أيها التاريخ!!؟:
إذا رجعنا إلى الحديث السابق في كلام جلكرايست، فسنرى أنه عند البخاري ومسلم، وكان العزو إليهما أولى: لو كان عارفًا بمصادر المسلمين أو بطرق استخراج النصوص وتخريجها عندهم!!؟.
على كل حالٍ، فالحديث رواه:( البخاري:5042) و:(مسلم:788):
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:
" يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا".

والجواب على هذه الشُّبْهة من وجوهٍ عديدة نذكر منها:

أولاً: فرقٌ بين النسيان الجائز على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الوحي، وبين دعوى نقصان القرآن، وأنه نسي بعضه ولم يبلغه أُمَّتَه!!؟،
فالنسيان جائزٌ على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الوحي، وربما نسِيَ شيئًا من الوحي، لكن لا يُقَرّ على هذا النسيان أبدًا، بل كان سبحانه وتعالى يتعهَّد نبيه بالتذكير دائمًا، إما عن طريق الوحي المباشر، أو عن طريق نصب الدلالة له على التذكُّر كما في الحديث المذكور، حيثُ نصَبَ الله عز وجل له رجلا من الصحابة يقرأ الآية، ليتذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: أن هذه الشُّبْهة لا دليل فيها على أن بعض القرآن قد ضاع، أو أنه لم يصل كاملاً، بل الحديث المذكور واضح جدًا في كمال القرآن وتمامه، وأنه قد بلَّغَه النبي صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِه، كاملاً غير منقوص.
ولو تدبَّر المستشرقون وفكروا بعقولهم قليلاً: لرأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لقد أَذْكَرَنِي كذا وكذا آيةً أسقطتُها"، فمِنْ أين وصلتْ هذه الآيات للرجل الذي قرأَ بها!!؟، ومَنْ أبلغه إياها هو وغيره من الصحابة!!؟.
أليس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!!؟.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ الآية لأصحابه، فحفظوها ووعوها، ثم نساها لبعض الوقت حتى تذكرها بقراءة القارئ، فالقضية هنا: محصورة في نسيان النبي صلى الله عليه وسلم للآية لبعض الوقت، ثم تذكُّره لها ثانية بعد سماعها من القارئ، ولا أثر لها على القرآن إطلاقًا.
لماذا!!؟.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغَها أصحابه، فوصلتهم ووعوها وحفظوها وقرؤوا بها، ففي الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يذكرها: كانت الآية محفوظة في صدور أصحابه، معلومةً لديهم، يقرؤون بها في صلاتهم، فلم تتأثر الآية أصلا بنسيان النبي صلى الله عليه وسلم لها لبعض الوقت؛ لأن نسيانه لها جرى بعد أَنْ بلَّغَها أصحابه فحفظوها ووعوها، بدليل أنه تذكرها حين سمعها من القارئ، ولو كان نسيان النبي صلى الله عليه وسلم للآية المذكورة مؤثِّرًا عليها: لم يكن ليقرأ بها أحدٌ أصلاً، ولا ليتذكرها هو ثانيةً صلى الله عليه وسلم، ولكن وقع نسيانه لها بعد تبليغه لها، فكأَنْ شيئًا لم يكن كما ترى؛ إِذْ لا صلة لنسيانه لها لبعض الوقت من قريب أو بعيد بقضية وصولها لأصحابه رضوان الله عليهم، ولا حفظهم لها؛ لأنه كما كررتُ مرارًا: قد بلغها قبل نسيانه لها، والحديث ظاهرٌ واضحٌ في ذلك.
ويؤَكِّد هذا ويوضِّحه بلا أدنى لبسٍ: أنه صلى الله عليه وسلم كان يبادر بإملاء الوحي فور نزوله على كُتَّابِ الوحي إِنْ كانوا حضورًا في مجلسِه، أو يبادر بالإرسال لهم وأمرهم بإحضار أدوات الكتابة، وكتابة ما نزل من الوحي فور نزوله، وقد سبق هذا في المداخلة السابقة هنا، مع أدلة ذلك بوضوح.
فأنت ترى الآن: أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب الوحي فور نزوله، ثم كان يُبَلِّغه أصحابه فور نزوله، ويقرأه عليهم فيكتبوه، فلا إشكال بعد ذلك: إن نسيَ شيئًا لبعض الوقت، ثم تذكَّرَهُ ثانيةً؛ لأنه قد سبق تدوينه فور نزوله فحُفِظَ في أدوات الكتابة كما حُفِظَ في الصدور.
فاجتمع فور نزول الوحي أعلى درجات الحفظ له، وهما: حفظ الصدر وحفظ الكتابة، وتكاتف السماع مع الكتابة على حفظ القرآن الكريم، فلله الحمد.
ومن هنا: لا مدخل ولا شُبْهَة لهؤلاء المستشرقين الذين يزعمون: أن القرآن وصل ناقصًا!!؟، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسيَ بعض الآيات!!؟.
كلا؛ نساها بعد أن كتبها.
كلا؛ ونساها بعد أن حفظها أصحابه، ومِنْ ثَمَّ، تذكَّرَها ثانيةً حين سمعهم يقرؤون بها، كما هو واضح من الحديث بحمد الله تعالى.

ثانيًا: قال ابن حجرٍ شارح البخاري في شرحه للحديث السابق:
" وَقَوْله فِيهِ:(لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَة)، قَالَ الْجُمْهُور: يَجُوز عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْسَى شَيْئًا مِنْ الْقُرْآن بَعْد التَّبْلِيغ، لَكِنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَجُوز أَنْ يَنْسَى مَا لا يَتَعَلَّق بِالإِبْلاغِ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:{سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّه} [الأعلى: 6 - 7]".أهـ
والاستثناء في قوله تعالى:{إلا ما شاء الله} يعني: إلا ما شاء الله أن يُنسيكه، فسيُنْسِيكه الله عز وجل، لعلَّة النسخ مثلاً، كما يقول الله عز وجل في الآية الأخرى:{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106].
وقد بَوَّب:( البخاري:5037) على الحديث المذكور هنا بقوله:" بَاب نِسْيَانِ الْقُرْآنِ، وَهَلْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّه} [الأعلى: 6 - 7]".
قال شارحه ابنُ حجرٍ رحمه الله:" كَأَنَّهُ يُرِيد أَنَّ النَّهْي عَنْ قَوْل: نَسِيت آيَة كَذَا وَكَذَا: لَيْسَ لِلزَّجْرِ عَنْ هَذَا اللَّفْظ , بَلْ لِلزَّجْرِ عَنْ تَعَاطِي أَسْبَاب النِّسْيَان الْمُقْتَضِيَة لِقَوْلِ هَذَا اللَّفْظ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَنْزِل الْمَنْع وَالْإِبَاحَة عَلَى حَالَتَيْنِ: فَمَنْ نَشَأَ نِسْيَانه عَنْ اِشْتِغَاله بِأَمْرٍ دِينِيّ كَالْجِهَادِ: لَمْ يَمْتَنِع عَلَيْهِ قَوْل ذَلِكَ، لِأَنَّ النِّسْيَان لَمْ يَنْشَأ عَنْ إِهْمَال دِينِيّ, وَعَلَى ذَلِكَ: يُحْمَل مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسْبَة النِّسْيَان إِلَى نَفْسه، وَمَنْ نَشَأَ نِسْيَانه عَنْ اِشْتِغَاله بِأَمْرٍ دُنْيَوِيّ - وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مَحْظُورًا - اِمْتَنَعَ عَلَيْهِ لِتَعَاطِيهِ أَسْبَاب النِّسْيَان.
قَوْله ـ [يعني البخاري]ـ: وَقَوْل اللَّه تَعَالَى:{سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّه}: هُوَ مَصِير مِنْهُ ـ [يعني البخاري]ـ إِلَى اِخْتِيَار مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر: أَنَّ (لا) فِي قَوْله:{فَلا تَنْسَى} نَافِيَة، وَأَنَّ اللَّه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لا يَنْسَى مَا أَقْرَأهُ إِيَّاهُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ (لا) نَاهِيَة، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِشْبَاع فِي السِّين لِتُنَاسِب رُءُوس الآي، وَالأَوَّل أَكْثَر. وَاخْتُلِفَ فِي الاسْتِثْنَاء، فَقَالَ الْفَرَّاء: هُوَ لِلتَّبَرُّكِ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْء اِسْتُثْنِيَ، وَعَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة:{إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّه}، أَيْ: قَضَى أَنْ تُرْفَع تِلاوَته، وَعَنْ اِبْن عَبَّاس: إِلاَّ مَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُنْسِيكَهُ لِتَسُنّ، وَقِيلَ: لِمَا جُبِلْت عَلَيْهِ مِنْ الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة، لَكِنْ سَنَذْكُرُهُ بَعْد, وَقِيلَ الْمَعْنَى:{فَلَا تَنْسَى}، أَيْ: لا تَتْرُك الْعَمَل بِهِ إِلاَّ مَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَنْسَخهُ، فَتَتْرُك الْعَمَل بِهِ".أهـ

ثالثًا: قال الإمام البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ}، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ: اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ: قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ". ورواه مسلم أيضًا:(448).
فأنتَ ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعجَّل حفظ القرآن، فأمره الله عز وجل أن ينصت إلى جبريل عليه السلام، أولاً، ووعدَه بأن يحفظه، وأن يقرأَه النبي صلى الله عليه وسلم كما سمِعَه من جبريل عليه السلام.
ففي حديث ابن عباسٍ المذكور:" فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ".
فها هو يقرأه كما قرأَه جبريل تمامًا، ثم تأتي روايات حديث البراء بن عازبٍ السابق في المداخلة السابقة، ومنها:
رواية البخاري (4990) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوْ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء: 95].
فانظر في هذا الترتيب الرباني المُحْكَم: يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأَهُ جبريل تمامًا، ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة الوحي على الفور، في الوقت نفسه يقرأَهُ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فيحفظوه، حتى إذا ما نَسِيَ شيئًا منه ذكَّرَتْه قراءة أصحابه رضوان الله لما سمعوه منه من قبلُ، وما دوَّنوه بأمره وتحت سمعه وبصره في ألواحهم،
فلك اللهم الحمد على ما أنعمتَ به وأوليت.

رابعًا: قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله في:(تفسيره:1/55):
" حدثنا مَعْمر عن قتادة والكلبي في قوله:{ما ننسخ من آية أو ننسها} قالا: كان الله تعالي ذِكْره يُنْسِي نبيَّه ما شاءَ، وينسخ ما شاء.
قال مَعْمر: وقال قتادة: وأما قوله:{نأت بخير منها أو مثلها} يقول: آية فيها تخفيف فيها رخصة فيها أمر فيها نهي".أهـ
وهذا المعنى مشهور في تفاسير المسلمين، ومنه يؤخذ: أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقع إلا بمشيئة الله عز وجل، وبطبيعة الحال، فإن ما أراد الله عز وجل أن يُنْسِيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فليس هو من الوحي المأمور بتبليغه، بخلاف ما لو أوحاه الله عز وجل إليه، ثم نساه النبي صلى الله عليه وسلم بعد تبليغه لأُمَّتِه، فهذا وحي، لا يضره أن ينساه النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الوقت؛ لأنه قد بلَّغَه لأُمَّتِه فحفظوه ووعوه ودوَّنوه في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وتحت سمعه وبصره، ثم ها هو يتذكره ثانيةً إذا سمعهم يتلونه.
وقال ابنُ أبي حاتمٍ في:(تفسيره:1057):" حدثنا أبو زرعة حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة حدثنا أسباط عن السُّدِّي:{ما ننسخ من آيةٍ}: نسخها: قبضها.
قال أبو محمد ـ [وهو ابن أبي حاتمٍ] ـ: يعني بقبضها: رفعها؛ مثل: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة، وقوله: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالث".أهـ
ولننظر في هذه النصوص في:(تفسير ابن أبي حاتمٍ) أيضًا:
" 19222 عن مجاهد في قوله:{سنقرئك فلا تنسى} قال: كان يتذكر القرآن في نفسِه مخافة أن ينسى.
19223 عن ابن عباس:{سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} يقول: إلا ما شئت أنا، فأنسيك.
19224 عن قتادة في قوله:{سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا إلا ما شاء الله".أهـ
ويقول ابنُ كثير في:(تفسيره:4/501):
" وقوله تعالى:{سنقرئك}، أي: يا محمد {فلا تنسى}، وهذا إخبارٌ من الله تعالى ووعدٌ منه له بأنه سيقرئه قراءةً لا ينساها، {إلا ما شاء الله}، وهذا اختيار ابن جرير، وقال قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا إلا ما شاء الله، وقيل: المراد بقوله:{فلا تنسى}: طلب، وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ، أي: لا تنسى ما نقرئك إلا ما يشاء الله رفعه، فلا عليك أن تتركه".أهـ.

وأكتفي في الجواب عن الشُّبْهة المثارة بهذه الرُّباعية المذكورة، ومنها: يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم مُبَرَّأٌ تمامًا من نسيان بعض الوحي قبل أَنْ يُبْلِغَه أُمَّتَه، كما يتضح لنا مما سبق بجلاءٍ لا لبس فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسَ حرفًا من القرآن لم يُبْلِغه أُمَّتَه، وأنَّ القرآن قد وصلنا كاملاً غير منقوص تمامًا كما قرأهُ النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، فالحمد لله ربِّ العالمين.

يتبع إن شاء الله.

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
01-09-2018, 11:07 AM
مصحفٌ واحدٌ وترتيبٌ واحدٌ لا غير

نعم؛ لا يوجد لدى المسلمين أكثر من مصحفٍ، بل هو مصحفٌ واحدٌ له ملايين النُّسَخ والصور المأخوذة عن النسخة الأصلية.
وجميع الصور هي بعينها النسخة الأصل، فهي صور طبق الأصل لنسخةٍ واحدةٍ ومصحفٍ واحدٍ فقط لا أكثر.
دعنا نعود للوراء حيث موراني وأسلافه المستشرقين لنرسم صورتهم التي يريدونها:

يرى موراني تبعًا لنولدكه أنَّ النسخة المنشورة من المصحف بأيدي المسلمين الآن ليست نسخةً محققةً، وأنها بحاجةٍ إلى تحقيقٍ، كيف!!؟.
عن طريق الدراسة المقارنة لنسخ المصحف الخطية المتداولة في العالم الإسلامي، ومنها هذه المجموعة النادرة التي عُثِر عليها في صنعاء مثلاً، أو تلك التي عُثِر عليها في الأزهرية أو في دار الكتب أو غير ذلك من نسخ المصحف الخطية حول العالم، لكن انتبهوا يا قراء، فالأمر لم ينته بعدُ!!؟،
فالقصة القصيرة عند موراني ونظرائه تقول:" لابد من الدراسة المقارنة للنسخ الخطية للمصحف".
هكذا تبدو قصتهم القصيرة بريئة وعفيفة المظهر، لكن ثمة عبارات تُظْهِر ما في البطون!!؟.
حينما نسمع بالدراسة المقارنة يقفز إلى أذهاننا احتمالية وجود خلاف، فيؤكد موراني هذا، فيحتمل أنه ربما وجدنا كلمة نقصٍ هنا أو كلمة زيادة هناك أو اختلاف في الآيات على حدِّ زعمه السابق في عبارته المذكورة في صدْر موضوعنا.

في النُّسَخ الخطية للمصحف: ما عُزِيَ إلى عثمان، وبعضه قيل: إنه بخطِّ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه نفسه.
انظروا يا قراء: نُسَخ بخط عليٍّ أو غيره؟.
إذن، سنجد في أثناء الدراسة المقارنة خلافًا بين نسخة عليٍّ رضي الله عنه من حيثُ الترتيب، وبين الترتيب المشهور المتداول للمصحف.
انتظروا: هذا ليس كل شيءٍ، فحتَّى إن لم نجد نسخةَ عليٍّ أو ابن مسعود مثلاً، بما تحمله هذه النُّسخ من خلافٍ في الترتيب عن الترتيب المتداول المشهور الذي صار معروفًا بالمصحف العثماني، فحتى إن لم نجد هذه النسخ؛ فسنجد ما يقوم مقامها في كتب العلماء وكلامهم؛ أمثال حكاية ابن الأنباري رحمة الله عليه لخلاف مصحف عليٍّ وابن مسعود مثلاً مع المصحف العثماني!!؟، وهنا تنتهي القصة القصيرة يا قراء، وقد أراد مؤلفها أن يقول لكم:
إنه مهما حاولتُم، فسنجد نسخًا واختلافاتٍ وزيادة ونقص في نسخ المصحف عن الترتيب المعهود المتداول المشهور، وهنا عليكم الاختيار أيها الناس، ويلزمكم البحث والترجيح!!؟.
وهكذا سيخرج بنا موراني من دائرة الثابت المستقر إلى دائرة الشك والتجريب!!؟.
هكذا خططوا وأرادوا.
لكن هل يتم لهم هذا!!؟، هل صحَّ ما ذكروه!!؟.

لم يعد القراء الكرام بحاجة إلى جوابٍ عن هذا السؤال بعد كل ما سبق؛ لكن لا علينا أن نعيد التذكرة ببعض الأمور باختصارٍ وتركيزٍ:
الأول: أن الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف، فالأصل السماع، وما خالف السماع الوارد الآن، فلا عبرة به مهما كان، وقد سبق بيان هذا الأصل بحمد الله تعالى.

الثاني: أنَّ عثمان رضي الله عنه قد أراحنا من هذا كله، فأحرقَ تلك النُّسخ التي كتبها ابن مسعود وغيره من الصحابة لأنفسهم رضي الله عنهم، حتى لا يختلف الناس في القرآن.
فمَنْ زعم الآن: أن بإمكانه العثور على نسخة ابن مسعودٍ أو عليٍّ أو أُبَيٍّ نفسها، فقد خالف التاريخ المتواتر المقطوع به.
نعم؛ لا نُنْكر أن نجد بعض نسخ مكتوبة أو منسوخةً من هذه النُّسخ السابقة قبل حرقها، لكن يبقى هذا الاحتمال مجرد احتمال ذهني ممكن الوقوع من حيثُ الذهن فقط، وليس ممكنًا من حيثُ الشَّرْع أبدًا؛ بل مستحيلٌ في نظري.

ومع هذا، فلو حصل ـ وهذا بعيدٌ كما سبق ـ ووُجِدَتْ بعض نسخةٍ مكتوبةٍ ومنسوخةٍ من هذه النُّسَخ قبل حرقها، فكأنَّ شيئًا لم يكن!!؟.
نعم؛ لأنها: لا عبرة بها: لا في الترتيب ولا في غيره من المباحث الخاصة بالقرآن؛ لخلوِّها من شروط نقل القرآن الكريم، المتمثلة في السماع والتواتُّر؛ إلخ.

فشمِّر عن ساعديك يا موراني للبحث عن مثل هذه القطع، واستعن بأهل الأرض جميعًا ممن يوافقك المذهب، لنقول لك في نهاية مطافك وتعبك:
" ما جئتُم به لا يوافق شروطنا الصارمة لنقل قرآننا الكريم، فأعيدوا الكَرَّة في اتجاهٍ آخر، ولا يلزمنا ما ليس بحجةٍ عندنا، كما وأنه مِن العبثِ والجهل: أن يُحْتَجَّ علينا بما ننكره!!؟.
وهنا نقرأ قول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ .. فَسَيُنفِقُونَهَا .. ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً .. ثُمَّ يُغْلَبُونَ .. وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [36] لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ [37] قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال:36 - 38].

أما أنتم يا قراء، فقد صار مِن حقِّكم علينا أن نكشف لكم عن سِرِّ اختلاف نسخة عليٍّ أو ابن مسعود أو غيرهما ممن كتبَ نسخةً لنفسه، تخالف المشهور المتداول المتواتر بأيدي المسلمين الآن.

دعنا نُذَكِّر القراء الكرام بما سبقت الإشارة إليه من كون الترتيب القرآني لا مجال فيه لاجتهادِ بشرٍ، وإنما هو توقيفيٌّ بحت، يعني أنه تم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، تبعًا للوحي.
وهذا سرٌّ آخر من أسرار المعجزة القرآنية ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى، لكن تتعيَّن الإشارة هنا إلى تلقِّي الصحابة الكرام رضي الله عنهم لهذا الترتيب التوقيفي، ثم رضاهم وعملهم به..
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه قد نسخ المصاحف ووزعها في المسلمين، بمشورةٍ منهم، فكان ذلك إجماعًا منهم وممن بعدهم من المسلمين على الترتيب المتداول المتواتر بأيدي المسلمين الآن.
وقد رفض عثمان رضي الله عنه كما سبق النَّقْل عنه: أن يتصرَّف في شيءٍ، وعلى حدِّ قوله:" لا أُغَيِّر شيئًا من مكانه" كما سبق قريبًا.
وقد دلَّ إقرار الصحابة رضي الله عنهم جميعًا بهذا الترتيب النبوي للقرآن الكريم على أن اختلاف النُّسَخِ التي كتبها بعضُ الصحابة لأنفسهم، والتي عُرِفَتْ باسم المصاحف لم يكن مقصودًا، سواءٌ لأُبَيٍّ أو ابنِ مسعود، أو غيرهما.
نعم؛ لم يكن خلافهم مع ما عُرِفَ بعدُ باسمِ مصحفِ عثمان مقصودًا، وإنما جاء اختلاف نُسَخِهِم تبعًا لطبيعة الوحي في نزول القرآن مُفَرَّقًا، فكانت الآية تنزل حسب الواقعة أو الحادثة، فيكتبها ابن مسعود أو أُبيٌّ وغيرهما في صحُفٍ خاصةٍ بهم، فإذا نزلتْ أخرى ألحقوها بما قبلها، وهكذا.
ولم تكن أدوات الكتابة في حالةٍ تسمح آنذاك بتغيير الترتيب مِنْ آنٍ لآخر، ولا هي بمثل ما هي عليه الآن من يُسْرٍ وسهولةٍ، ولذا اكتفى أمثال ابن مسعود وأُبي مثلاً بحفظ الترتيب الذي يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا للوحي، وتركوا ما كتبوه في ألواحهم الخاصة بهم كما هو، على ترتيب النزول، فلما رحل هذا الجيل المبارك، وجاءتْ أجيالٌ أخرى، ورأوا هذا الاختلاف ظنُّوه مقصودًا، ولذا تناقلوا عبارة (مصحف عليٍّ) أو(مصحف ابن مسعود) أو (مصحف أُبَيٍّ)، وعليٌّ وابنُ مسعود وأُبَيٌّ رضي الله عنهم من هذا القصد براء.
كيف وقد نُسِخَتِ الصُّحُف أكثر من مرة في حياة هؤلاء بالترتيب المشهور في المصحف المتداول بيد المسلمين، ولم يُنْكر عليٌّ ولا ابن مسعود ولا غيرهما هذا الترتيب، ولا اعترضوا عليه!!؟.
ولو كان ترتيبهم المخالف لما في أيدي المسلمين الآن مقصودًا: لاعترضوا على الترتيب الحالي، ولأظهروا رأيهم المخالف، خاصة وهم مَن هم مِن الأمانة والثقة والشجاعة في قول الحق، ولا يمنعهم من البلاغ آنذاك: رهبة حاكم ظالمٍ ولا زيف دنيا هزيلة؛ لأنه لم يكن ثمة ظلم ولا رغبة في دنيا، فما كانوا يعرفون سوى الآخرة، وما عملوا إلا لها، فرضي الله عنهم.
فدلَّ سكوتهم وإقرارهم بالترتيب الذي بأيدي المسلمين على أنه: المعتمد لديهم أيضًا، وأنهم لا يخالفونه أبدًا، وإنما اختلفتْ طريقة الكتابة في ألواحهم فقط؛ لأنهم كتبوها بناءً على ترتيب النزول، آيةً وراء آية، واستغنوا بحفظ الترتيب التوقيفي الذي قَرَّرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، واشتهر بين الناس؛ فاستغنى عليٌّ وابن مسعود وأُبَيٌّ ونحوهم بحفظ هذا الترتيب التوقيفي وشُهْرَتِه عن إعادة نَسْخِ وكتابة ما كتبوه.
فلا ذنب لهم: إِنْ جاء بعدهم مَنْ لم يفهم مقصدهم، ولا عُنِيَ بدراسة حالتهم الاجتماعية وعُرْفهم السائد آنذاك، ليقف على طبيعة الأمور كما هي في الحقيقة، لا كما يتصوَّرها هو!!؟.
وربما رجع الاختلاف عندهم في أول الأمر إلى حدود عِلْمِهم وما بلغهم، ثم ثابوا بعد ذلك إلى الترتيب التوقيفي الذي اشتهر أمره في الناس، ولم يعترضوا عليه.
وقد بعث عثمان بمصحفه إلى الآفاق، وعَلِمَ به الكافة مِن الناس، ولم يعترض عليه أحدٌ منهم، ولا ممَّن بعدهم، فدلَّ ذلك كله على رضاهم جميعًا بالترتيب المشهور في الناس الآن، وهو الترتيب التوقيفي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رجع إليه أصحاب نُسَخ المصاحف الأخرى؛ كعليٍّ وغيره.
وقد وردَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ وغيره من أصحاب المصاحف المذكورة: ما يدل على رضاهم ومباركتهم لمصحف عثمان بترتيبه المشهور، بل وَرَدَ صريحًا: أَنَّ عثمان رضي الله عنه لم ينسخ المصحف بترتيبه المتداول بين المسلمين إلا بمشورةٍ مِن عليٍّ وغيره مِن الصحابة الكرام، وأنه فَعَلَ ذلك برأيهم، ولم ينفرد بالرأي دونهم.
وقد ذكر ابن أبي داود في كتابه(المصاحف)، وغيره مِن العلماء عدة نصوصٍ في هذا الصدد، أقتصر منها فقط على الخبر المشهور عن عليٍّ رضي الله عنه، والذي لا يكاد يتركه أحدٌ مِمَّن تعرَّض لهذه المسألة، ومنهم السيوطي في:(الإتقان:772) حيث يقول:
" وأخرجَ ابنُ أبي داود بسندٍ صحيحٍ عن سُوَيْدِ بن غَفَلَة قال: قال عليٌّ: لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إِلاَّ عن مَلأ مِنَّا؛ قال ـ [يعني: عثمان]ـ: ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أَنَّ بعضَهم يقول: إنَّ قراءتي خيرٌ مِن قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرًا؟، قلنا: فما ترى؟، قال: أرى أَنْ يُجْمَعَ الناس على مصحفٍ واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا: نِعْمَ ما رأيتَ".
ووردَ عن عليٍّ أيضًا أنه قال:" لو وُليت لعملتُ بالمصاحف عمل عثمان بها". [انظر: الإتقان أيضًا 775].

فهذا ظاهرٌ بلفظه ومعناه على الرضى بعمل عثمان رضي الله عنه، والذي اشتهر بعدُ باسم المصحف العثماني، وهو المتداول بأيدي المسلمين الآن.
ولذا قال الإمام الْمُفَسِّر الآلوسيُّ رحمه الله في:(تفسيره) أثناء الكلام عن نسخ عثمان رضي الله عنه للمصاحف:
" وقد ارتضى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أن المرتضى كرم الله تعالى وجهه قال على ما أخرج ابن أبي داود بسندٍ صحيح عن سويد بن غفلة عنه: لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل في المصاحف إلا عن ملأ مِنَّا، وفي روايةٍ: لو وُليت لعملتُ بالمصحف الذي عمله عثمان.
وما نُقِلَ عن ابنِ مسعود أنه قال لما أُحرق مصحفه: لو ملكت كما ملكوا لصنعتُ بمصحفهم كما صنعوا بمصحفي؛ كذبٌ؛ كسوء معاملة عثمان معه التي يزعمها الشيعة حين أخذ المصحف منه.
وهذا الذي ذكرناه مِن فِعْلِ عثمان هو: ما ذكرهُ غير واحدٍ مِن المحققين حتى صرحوا بأَنَّ عثمان لم يصنع شيئًا فيما جَمَعَهُ أبو بكرٍ مِنْ زيادةٍ أو نقصٍ أو تغييرِ ترتيبٍ سوى أنه جَمَعَ الناسَ على القراءةِ بلغةِ قريشٍ محتجًّا بأَنَّ القرآنَ نزلَ بلغتِهِم".أهـ.

فدلَّ هذا على الرضى بترتيب المصحف المتداول بين المسلمين، على أنَّ اختلاف الترتيب في مصاحفهم أو نُسَخِهم التي نسخوها من المصحف، إنما وردَ مِنْ جهة الكتابة عند نزول الوحي مباشرة، وإلحاق ما يُستجد من الوحي بما سبق كتابته، على حسب أزمنة النزول، مع حِفْظ الترتيب الخاص بالقرآن في الصدور.
وإنما مَنَعَهم مِن تغيير نُسَخِهم ونمط ترتيبها: تعسُّر هذا الأمر ومشقّته عليهم، خاصةً مع عدم توفُّر مواد الكتابة، وصعوبة القيام بهذا العمل، وقد سبق أنهم كانوا يكتبون في الأكتاف واللخاف وغيرهما من الأدوات، وهي إما أوراق النخيل، أو قطع العظم أو الأحجار الرقيقة، أو غيرها.
ومثل هذه الأدوات المذكورة وغيرها يصعب جدًا تغييرها كل حينٍ بناءً على الترتيب الأخير للمصحف، الذي تلقَّاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحي، فاستغنى هؤلاء بحفظ هذا الترتيب الأخير، وتركوا ما كتبوه كما هو دون تغيير، خاصةً وأنَّ الاعتماد في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف.
نعم؛ لكنهم أعلنوا رضاهم بما صنَعَ عثمان رضي الله عنه، وبمصحفه الذي نُسِبَ إليه، وهو المصحف المتداول بأيدي المسلمين الآن، بترتيبه الحالي،
فكان هذا الإعلان والرضى منهم: كافيًا في بيان الحال، وقاطعًا لكل الشُّبَه،
ومع هذا، فقد أَبَى قومٌ إلا الأخذ بالشُّبُهات والتعلُّق بها في مقابلة الحق الواضح!!؟.
كما دلَّ رضاهم بهذا الترتيب المتداول المشهور على أنهم علموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإشارته به، فلم يعارضوه، ولو كان أمرًا اجتهاديًّا تجوز مخالفته: لتمسكوا أو بعضهم بما في نُسَخِهم من ترتيبٍ على أوقات النزول أو غير ذلك، لكن لم يكن شيء من ذلك بحمد الله عز وجل.
فدلَّ هذا كله على ما سبق تقريره: أن سبب اختلاف نسخهم المكتوبة يرجع إلى طريقة الكتابة أولاً بأولٍ عند نزول الآيات في الأحداث والوقائع المختلفة، وإلحاق الآية بعد الأخرى حسب العِلْم بما نزل، والاطلاع على آخر ما استجدَّ مِنْ الوحي الإلهي.
هذا في الوقت الذي كانوا يحفظون فيه الترتيب الأخير لآيات القرآن وسوره حسبما رتَّبَه النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا لما قرأَهُ على جبريل عليه السلام قبل وفاته صلى الله عليه وسلم.
فلم يَرَ عليٌّ وابن مسعود وأُبَيُّ بن كعبٍ مثلاً: إعادة نسخ ما كتبوه ليوافق الترتيب التوقيفي المشهور، لصعوبة ذلك بالنسبة لهم ولحالتهم الاجتماعية وأداوات الكتابة آنذاك، ثم اعتمادًا منهم على حفظِ الترتيب التوقيفي والعِلْم به، وشُهْرته في الناس.
وما وردَ عنهم بخلاف ذلك، فلا يصح إسنادًا أو دلالةً، وقد مضى بعض قول عليٍّ الصريح في الرضى بما صنعَ عثمان، وفيه الترتيب المشهور المتداول، والحمد لله ربِّ العالمين.
ولعل من المناسب هنا: أن نلفت نظر القراء الكرام إلى أن د.موراني قد حاول جاهدًا التشويش على الموضوع بصفات ونعوتٍ شتى، منها: الفوضوية مثلا، ومنها: استخدام السب والشتم للتشويش على الموضوع.
وأكتفي في الرد عليه بما ذكره هو نفسه حين قال في ملتقى التفسير:هنا

" الباجي المحترم , حفظه الله, قد كتب:
الرواية الشفوية يا دكتور موراني هي الأصل، ثم يأتي التوثيق الكتابي، بذلك حفظ المسلمون كتابهم من التحريف والتغيير.
أنا شخصيا, كما سبقت الإشارة إلى ذلك, لا أجد دليلا قاطعا على هذا الرأي الذي أحترمه, بل أجد غيره ما لا يفوتك عند قراءتك في الروايات حول (جمع القرآن), وهي كثيرة، فمن هنا لسنا في حاجة إلى إعادتها.
كما لسنا في حاجة, كما أرى, أن ندخل في هذا الحوار العلمي حول المصاحف القديمة ( وهذا هو الموضوع ) أمورا من ميادين السياسة وما يتعلق بها من قريب أو بعيد.
الـدكتور م. مــورانـي مستشرق. كلية الآداب. جامعة بون. ألمانيا". انتهى.

فقوله:" الذي أحترمه" يرد على وصفه لموضوعنا هنا بالفوضوية، وبه نكتفي في هذا الرد السريع الآن إن شاء الله تعالى.
أما إنكاره لكلامنا السابق في اعتماد السماع والحفظ لنقل القرآن لا الكتابة والمصاحف، فأكتفي في الرد عليه بنصٍ سبق ونقله له الأستاذ الباجي في الرابط السابق من ملتقى التفسير أيضًا عن نولدكه أو شفالي، حيث قال الأستاذ الباجي مخاطبًا موراني هناك:
" وأبدأك بهذا النص عن نولدكه العظيم!!؟ أو عن فريدرش شفالي - فلا أدري لمن أنسب الكلام بعد ما رأيته في واجهة الجزء الثاني من [ تاريخ القرآن ] < عدله تعديلا تاما فريدريش شفالي > -.
قال 2/241: ( ... هكذا يبقى أن نعرف بطبية الحال، ما إذا كان كل من <الجامعين> قد حفظ نصوص الوحي أو أجزاء كبيرة منه في ذهنه، كما سوف نرى لاحقا، فإن حفظ النصوص المقدسة غيبا كان في كل الأزمنة؛ الأمر الأساسي، في حين أن التناقل المكتوب لنصوص الوحي كان ينظر إليه دائما بكونه واسطة لبلوغ الغاية). انتهى النص المقتبس من كلام .

وقد اخترتُ هذا النص خاصة لوصف موراني لدراسات نولدكه بأنها:" معتمدة!!؟": كما سبق في كلامه في موضوعنا هذا، وإشادته بصنائع نولدكه في أكثر من مناسبة!!؟، وقد اعترف نولدكه المعظم لدى موراني أو حتى شفالي بما سبق وقررناه.
فهل سيعترف به موراني أيضًا، أم سيرمي نولدكه وشفالي بالهراء!!؟.
ندع له حرية الاختيار على عادتنا في ترك الاختيار له.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
06-09-2018, 05:31 PM
كتابٌ إلهيٌّ واحدٌ نزل مفرَّقًا ثم جَمَعَهُ الله عز وجل كما كان مجموعًا مِن قبلُ في اللوحِ المحفوظِ في السماء


نعود إلى الكلام عن قضية إلهية الترتيب القرآني الكريم، فنقول:
ترتيب القرآن جزءٌ من المعجزة القرآنية الكبرى بأسرارها وأبعادها العظيمة، ولذلك فهو يحتوي على أسرارٍ ومناسبات، عُنِيَ بها علماء المسلمين في كلامهم على(أسرار ترتيب القرآن) أو(مناسبات السور والآيات) والمصنفات في الباب كثيرة بحمد الله تعالى.
ولو كان مما يُقدر عليه، أو يستطيعه بشرٌ: لجاء ترتيبه على الموضوعات، أو على الترتيب الزمني حسبما نزل، أو حتى على أوائل الحروف للسور أو للآيات، إلى آخر هذه الأنواع المقدور عليها من الترتيبات والفهرسات المختلفة.
لكنه نزل على أزمنةٍ، وفي مُدَدٍ مختلفة، ثم هو يأتي مرتَّبًا على صيغةٍ أخرى، لم تلتزم بالزمن، وكان المتوقع هنا: أن يوجد ثمة تنافر بين آياته وسوره؛ لمخالفتها للوحدة الزمنية أو الموضوعية على الأقل، لكن شيئًا من هذا لم يكن بحمد الله، بل جاءت سوره وآياته متناسقة مترابطة في سياقٍ بديعٍ جدًا، عُنِيَ به علماء الإسلام في كلامهم على أسرار الترتيب القرآني العظيم.
وهذه مِنْ أَلْطَف قضايا إعجاز القرآن الكريم، التي ترغم مخالفه على النزول على حُكْمِه، والوقوف عند أمره ونهيه، كما تدل العقول السليمة والفِطَر الصحيحة على إسلام النفس لله ربِّ العالمين.
إِذْ كان مِن الْمُتَوَقَّع في ترتيب القرآن الكريم: أن يكون على أزمِنَةِ النزول، أو يكون على الموضوعات، أو ربما كان على أطراف الآيات حسب الحروف، أو غيره مِنْ أنواع وأجناس الترتيبات الذهنية التي اخترعها ووقف عليها البشر عبر أجيال الإنسانية المتتابعة.
هذا ما تفرضه حدود معارف البشر، وعقولهم الضعيفة، لكن نلمح أن شيئًا مِنْ هذا لم يكن، فلا هو مرتَّبٌ على الحروف الأبجدية لآياته، ولا هو بالذي تم ترتيبه على موضوعاته، بحيث تكون آيات الطلاق في سورة، وآيات العقيدة في سورة.. وهكذا، كما أنه لم يُرَتَّب وَفْق تاريخ نزول آياته، وترتيبها الزَّمَنِي.
ومع هذا: نجد التحدِّي قائمًا لكل البشر في قوله تعالى:{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرًا} [النساء: 82].
فليس مرتَّبًا على الترتيب المقدور عليه للبشر، ولو في بعض العصور، ثم هو يتحدَّى: أن يوجد فيه اختلافٌ أو تنافرٌ بين أجزائه.
نرجع إلى كتاب الله عز وجل، فلا نجد اختلافًا واحدًا، ولا تنافرًا بين حرفين أبدًا، في الوقت الذي نقف على ما لا حصر له من المصنفات والأبحاث التي تتكلم عن(تناسق الآيات والسور) أو (أسرار الترتيب)، سواء كانت مفردةً في هذا الجانب خاصة، أو اشتملت على علوم القرآن عامة، بما في ذلك الكلام عن هذا الجانب العظيم من المعجزة القرآنية.
نعود فنكرر القراءة، فنزداد عجبًا فوق عجب، ولا يكاد ينقضي منا العجب دهشةً وذهولاً أمام هذا الإعجاز القرآني السامي.
ثم يلفت انتباهنا: ثبات القرآن من عصر النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الساعة، بلا زيادة ولا نقصان، بل وبدون أي تغيير في حرفٍ واحدٍ.
ثم هو يلائم عصرنا كما كان يلائم عصر النبوة وصدر الإسلام، تمامًا كما كان ملائمًا لكافة العصور، وسيظل حتى يَرِثَ الله الأرض ومَنْ عليها.
الحرف هو الحرف، والآية هي الآية، والسورة هي السورة منذ أن تركها النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الساعة، يقرأها الأعرابي فيتأثر بها، ويُذْعِن لإعجازها، ثم يقرأها ابن عصر الاتصالات والحاسبات، فيتأثر بها، ويرى فيها غاية الإعجاز، وضالته المنشودة للهداية والسَّكِينة، واطمئنان النفس، ثم يرى فيها الحائرون أجوبتهم الشافية لكل ما يدور في خلجات أنفسهم، فهو صالحٌ لكافة الأزمنة والأمكنة والأشخاص، رغم اختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فيما بينها، وثبات آياته وسوره وكلماته، بل وحروفه عن التغيير أو الزيادة والنقصان، ثابتٌ يلائم ملايين المتحركات عبر التاريخ، إنه: كلام الله الذي لا يوازيه كلام، وكتاب الله الذي لا يُدانيه كتاب، وهذا يعني باختصار:
أَنَّ الترتيب القرآني جزءٌ أصيلٌ من المعجزة القرآنية العظيمة، فهو كلام الله عز وجل بحروفه وكلماته، كما أنه كلامه سبحانه وتعالى بنظمه، عبارةً وترتيبًا وسياقًا.
ولذا يقول الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه:
" من الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله، منزلٌ غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وأن الله تعالى تكلَّم به حقيقةً، وأنَّ هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو: كلام الله حقيقة، لا كلام غيره، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة عنه، بل إذا قَرَأَهُ الناسُ أو كتبوه بذلك في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقةً، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مُبْتَدِئًا، لا إلى من قاله مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا.
وهو كلام الله؛ حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف".(مجموع الفتاوى:3/401ـ402).
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله في موضعٍ آخر أيضًا:
" والقرآن كلام الله بحروفه ونظمه ومعانيه، كل ذلك يدخل في القرآن وفي كلام الله، وإعراب الحروف هو من تمام الحروف".( مجموع الفتاوى: 3/144).

فالنظم القرآني ترتيبًا وسياقًا وعبارةً: مقصودٌ لله عز وجل، وهو جزءٌ من كلامه سبحانه وتعالى، وهو المعجزة الخالدة التي أيَّد الله عز وجل بها نبيَّ الإسلام صلى الله عليه وسلم.
ولو أراد الله عز وجل أن يُرَتِّبه وينظمه على نسقٍ آخر: لما أعْجَزَهُ هذا.
نعم؛ لو أراد سبحانه وتعالى أن ينظمَه على الترتيب الزمني ما أعجزَهُ هذا،
لكنه سبحانه وتعالى قد نظمه ورتَّبَه على لونٍ آخر لم يقدر عليه أهل الفصاحة والبلاغة في قريش، ولن يقدر عليه غيرهم على مدار العصور.
لأنه وباختصار: لو كان الترتيب القرآني مقدورًا عليه، ولو في بعض العصور دون بعضٍ: لخرج عن كونه معجزةً خالدةً، ولانتقضت المعجزة.
ولذا كررنا غير مرةٍ: إن الترتيب القرآني الكريم جزء أصيلٌ من المعجزة القرآنية الخالدة.
ويلزم من هذا بعبارة مختصرة: ضرورة أن يكون الترتيب إلهيًا؛ لأنَّ الله عز وجل هو: وحده العالم بكل العصور، وبما يُستجد من الأزمنة والأحوال، وما يطرأ على البشر من التطورات، فهو وحده العالم بما يخترعه البشر ويصلون إليه، وهو وحده القادر على وضع ترتيبٍ معجزٍ خالدٍ لا تصل إليه عقول البشر في يومٍ من الأيام، ولا في عصرٍ من العصور.
ويؤكد إلهية الترتيب القرآني الكريم: أنَّه كان مجموعًا في اللوح المحفوظ في كتابٍ واحدٍ، كما قال سبحانه وتعالى:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [77] فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} [الواقعة: 77 - 78].
وقوله سبحانه وتعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ [21] فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 21 - 22].
فهو قرآنٌ مجيدٌ، في كتابٍ مكنونٍ، محفوظٌ في لوحٍ محفوظٍ:" والكتاب هنا: كتاب في السماء؛ قاله ابن عباس".[تفسير القرطبي 17/193]، وقيل: هو المصحف الذي بأيدي المسلمين، والأول أصح.
ولاشك أنَّ وصفَ القرآن بكونه في كتابٍ يستلزم أنه كان مجموعًا في السماء في كتابٍ.
وقد وردَ وصفه بالكتاب في أكثرِ من مناسبةٍ، ومن ذلك تسمية الفاتحة بـ:" أم الكتاب".
يقول ابن عاشور في تفسيره:(التحرير والتنوير:3686):
" وَلَمَّا سَمَّي اللهُ القرآنَ كتابًا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأْمُر كُتَّابَ الوحي مِن أصحابه أَنْ يكتبوا كلَّ آيةٍ تنزل مِن الوحي في الموضعِ الْمُعَيَّنِ لها بين أخواتها، استنادًا إلى أمرٍ مِن الله؛ لأنَّ الله أشارَ إلى الأمرِ بكتابتِه في مواضع كثيرةٍ مِن أَوَّلِهَا: قوله:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ [21] فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 21 - 22]، وقوله:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [77] فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} [الواقعة: 77 - 78]".أهـ
يعني أنه سبحانه وتعالى يشير إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم بأن القرآن كان مكتوبًا في السماءِ في كتابٍ، فاكتبه أنتَ أيضًا في الأرضِ في كتابٍ.
فهو في كتابٍ مجموعٍ في السماء، ثم شاء الله عز وجل أن ينزله مفرَّقًا رأفةً ورحمةً بهذه الأمة حسب الوقائع والأحداث.
وفي هذا الصدد نذكر حديث الإمام البخاري رحمة الله عليه (4993) من رواية يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ قَالَ:
" إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟، قَالَتْ: وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟، قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لا تَزْنُوا لَقَالُوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ".
وكما تكفَّل سبحانه وتعالى بحفظه، فقد تكفَّل أيضًا بجمعه، روى البخاري (5)، ومسلم (448)، وغيرهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قَالَ:
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ ـ وهو ابن جبير، راوي الحديث عن ابن عباس ـ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17] قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]، قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ".
وفي رواية البخاري (7524)، ورواية لمسلمٍ (448)، والنسائي (935):
" فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَقْرَأَهُ".
وفي رواية أخرى مسلمٍ (448) من نفس الحديث:" فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ".
وفي رواية الإمام أحمد (3181):" فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ كَمَا أَقْرَأَهُ".
ولفظ الإمام أحمد في روايته (1913): قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنٌ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 18]".
ونحوه عند الترمذي (3329) في روايته لهذا الحديث.

يعني قرأهُ النبي صلى الله عليه وسلم كما أَقْرَأَهُ جبريل تمامًا، لم يذهب منه حرفٌ ولا حركة ولا همزة، ولا يزيد فيه شيئًا أو ينقص منه شيئًا، قليلاً أو كثيرًا.
وقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16] يشمل جمعه في الصدر كما ذكر ابنُ عم النبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عباس، كما يشمل أيضًا بعموم لفظه جمعه للنبي صلى الله عليه وسلم مرتَّبًا، مكتوبًا في الصحف ونحوها، ومحفوظًا في الصدور.
وقد ألمحَ الإمام البخاري رحمة الله عليه إلى ذلك في:(كتاب التفسير من صحيحه:8/301 - فتح الباري) في باب(سُورَةُ النُّورِ)، فقال:" وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16] تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 17]، فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَأَلَّفْنَاهُ، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ؛ أَيْ: مَا جُمِعَ فِيهِ، فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ اللَّهُ، وَيُقَالُ: لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ؛ أَيْ: تَأْلِيفٌ".أهـ
وقد وردَ نحو هذا عن قتادة وغيره من المفسِّرين، ذكروا أنَّ جَمْعَهُ: تأليفه، يعني: تأليف بعضه إلى بعضٍ، أي جمعه وترتيبه.
وقد روى عبد الرزاق والطبري ذلك عن قتادة، كما ذكره ابن جرير الطبري والسيوطي وغيرهما عند تفسير الآية من تفسيراتهم، عن قتادة أيضًا.
ولذا قُرِيءَ (القرآن) مثلاً في قوله تعالى في سورة البقرة: { شهرُ رمضانَ الذي أنزل فيه القرآن} بالهمز في أكثر القراءات وقيل بغير همزٍ.
قال ابن زنجلة:" قَرَأَ ابنُ كثيرٍ (القران) بغير هَمْزٍ، وحُجَّتُه ما رُوِيَ عن الشافعي عن إسماعيل، قال الشافعي: قرأتُ على إسماعيل فكان يقول: (القران) اسم وليس مهموزًا، وَلَمْ يُؤْخَذ مِن قرأتُ، ولو أُخِذَ مِن قرأتُ لكان كل ما قُرِيءَ قُرْآنًا، ولكنه اسمٌ مثل التوراة، وقَرَأَ الباقونَ (القرآن) بالهمز؛ مصدر قرأتُ الشيء؛ أَيْ أَلَّفْتُه وَجَمَعْتُه؛ قرآنًا، قالوا: فسُمِّيَ بالمصدرِ، وحُجَّتُهم قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ}؛ أي: جمعناه {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:16- 17]؛ أي: تأليفه".(حجة القراءات: 126).

يتبع إن شاء الله.


  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
10-09-2018, 04:27 PM
القرآن كلامالله عز وجل

وإِذْ قد وصلنا إلى ما وصلنا إليه آنفًا، فلنُذَكِّر القراء الكرام: بأن القرآن كلام الله عز وجل بنظمه وكلماته وحروفه وترتيبه، ولا مدخل فيه لبشرٍ مِنْ قريبٍ أو بعيدٍ، بل هو: كلام الله عز وجل، كيف كان: مسموعًا ومحفوظًا ومكتوبًا.
وقد ثبتَ ذلك بالكتاب والسنة والإجماع.

فأما القرآن الكريم:
فمنه: قوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6].
وقوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:143].

وأما السنة النبوية:
فمنها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ بِالْمَوْقِفِ؛ ويقول:" أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلْنِي إِلَى قَوْمِهِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي".
رواه ابنُ أبي شيبة (14/310)، وأحمد (3/390)، وعثمان بن سعيد في (الرد على الجهمية:ص/74)، والبخاري في(خلق أفعال العباد: ص/40)، وأبو داود (4734)، والنسائي في(الكبرى:7727)، والترمذي (2925)، وابن ماجة (201)، والحاكم (2/612ـ613)، وغيرهم بإسنادٍ صحيحٍ.

وأما الإجماع:
فقد حكاه غيرُ واحدٍ من السلف الصالح رضي الله عنهم، ومن ذلك:
قال الإمام عمرو بن دينار رحمه الله:
" أَدْرَكْتُ الناسَ - وكان قد أدركَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن دونهم - منذ سبعين سنة - كلَّهم يقولون: اللهُ جلَّ اسْمُهُ الخالقُ، وما سواهُ مخلوقٌ؛ إلا القرآن، فإِنَّه كلام الله تعالى".
رواه البخاري في(خَلْق أفعال العباد:ص/29)، وابن بطة في(الإبانة:2/6 - 8 رقم183 - 184)، وغيرهما.
وساق ابنُ الجوزي رحمه الله بإسناده عن أبي عبد الله بن مَنْدَةَ قال:
" إنَّ الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار، قرنًا بعد قرنٍ، إلى عصرنا هذا: أجمعوا على أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال غير ذلك كَفَرَ".(فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن، لابن الجوزي، ص/53).
وقال الإمام محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ رحمه الله:
" اعلموا رحمنا الله وإياكم: أنَّ قول المسلمين الذين لم تَزِغْ قلوبهم عن الحقِّ، ووفِّقوا للرَّشادِ قديمًا وحديثًا: إِنًّ القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوقٍ؛ لأنَّ القرآن مِن عِلْم الله تعالى، وعِلْمُ الله عز وجل لا يكون مخلوقًا، تعالى الله عز وجل عن ذلك.
دلَّ على ذلك القرآن والسنة وقول الصحابة رضي الله عنهم وقول أئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم، لا يُنكر هذا إلا جهميٌّ خبيثٌ، والجهميةُ عند العلماء كافرةٌ".(الشريعة، للآجُرِّي: ص/75).
وقال الإمام ابن بطة العُكْبري رحمه الله:
" ثم بعد ذلك: أَنْ يعلم بغير شكٍّ ولا مِرْيةٍ ولا وقوفٍ أَنَّ القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته وصفاته وأسمائه، وهو عِلْمٌ مِنْ عِلْمِهِ، غير مخلوقٍ، وكيف قُرِئَ، وكيف كُتِبَ، وحيثُ تُلِيَ، وفي أَيِّ موضعٍ كان، في السماء وُجِدَ أو في الأرضِ، حُفِظَ في اللوح المحفوظ وفي المصاحف وفي ألواح الصبيان مرسومًا، أو في حَجَرٍ منقوشًا، وعلى كلِّ الحالات، وفي كلِّ الجهات؛ فهو كلام الله غير مخلوق.
ومَن قال: مخلوق، أو قال: كلام الله وَوَقَفَ، أو شكَّ، أو قال بلسانه وأضْمَرَهُ في نفسه: فهو بالله كافرٌ، حلال الدم، بريء مِن الله، والله منه بريءٌ، ومَن شكَّ في كفره، ووَقَفَ عن تكفيره: فهو كافرٌ؛ لقول الله عز وجل:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ [21] فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج:21 ـ 22].
وقال تعالى:{حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6].
وقوله تعالى:{ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} [الطلاق:5].
فمَنْ زَعَمَ أَنَّ حرفًا واحدًا منه مخلوق؛ فقد كَفَرَ لا محالة؛ فالآي في ذلك مِن القرآن، والحجة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أكثر مِن أَنْ تُحْصى، وأَظْهَر مِن أَنْ تخْفى".( الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة، لابن بطة :ص/184 ـ 185، ط: المكتبة الفيصلية بمكة).

وقد وردت الآثارُ بذلك عن الخلفاء الأربعة الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم رضي الله عنهم جميعًا.
أقتبس من ذلك ما رواه أحمد في:(الزهد:ص/35)، وابنه عبد الله في:(السنة: 1/144-145 رقم117-118)، وعثمان بن سعيد في:(الرد على الجهمية: ص/78)، وغيرهم: عن عمر بن الخطاب أَنَّهُ قال:
" القرآن كلام الله تعالى، فَضَعُوهُ في مواضعه".
وما قاله أبو مُصعبٍ الزُّهري:" سمعتُ مالك بن أنس يقول: القرآن كلام الله".
ذكرَهُ ابن بطة في:(الإبانة:2/47 - 48 رقم241 - الرد على الجهمية).
وأختمُ ذلك بما قاله فضيلة الشيخ: حسن مأمون مفتي مصر سابقًا رحمه الله تعالى:
" القرآن كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لهداية الناس، وبيان الأحكام التي تعبَّدَ الله الناس بها، وكلَّفَهم باتِّباعها، والقرآن وحيٌ متلوٌّ، سَمِعَهُ الرسول من الوحي، وحَفِظَهُ بألفاظه وعباراته، ووعاه، وأبلَغَهُ كما سمعه إلى أصحابه، ودعاهم إلى حِفْظِه، وتَفَهُّم معانيه، والعمل به، فحفظوه، وفهموا معانيه، وعملوا بأحكامه، ونُقِلَ إلينا بطريق التواتر، وثبت على وجه القطع، ورَوَوْهُ عن الله عز وجل، وصَدَقَ ما وَعَدَ الله به رسولَهُ:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]".أهـ
(الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، نشر وزارة الأوقاف بمصر: 5/1606 رقم707).


توضيح حول المنهج:

نشير هنا في لمحةٍ خاطفةٍ إلى ما ذكره د.موراني في غير موضعٍ، حيثُ زعم في أكثر من مناسبة: أننا ننطلق في موضوعنا هذا مِن الوحي، ولذا فهو يتحاشى الحوار، وقد أشرتُ إلى خطئه في ذلك في موضعٍ آخر، لكن لا بأس من إعادة الأمر بأكثر مما مضى، في العناصر الآتية:

أولاً: أننا لا ننطلق هنا مِن جهةِ إيماننا بكون القرآن وحيًا، ولا مِنْ جهةِ الإسلام الذي ندين الله عز وجل به؛ لأننا لا نخاطب هنا المؤمنين بالقرآن فقط، ولا نوجِّه حديثنا للمسلمين وفقط، بل، كان الحديث ولا زال موجَّهًا للجميع، مسلمهم وغير مسلمهم، لعل الله ينفع به أقوامًا ويضر به آخرين، ومع هذا: رأينا العلمَ قد دلَّنا على صِدْقِ الوحي، ففرحنا بهذا، ولاشك أنَّه مِنْ حقِّنا أن نفرحَ حين نرى العلم يُصَدِّقُ الوحي ولا ينافيه.

ثانيًا: وهذا يستلزم أن يتحلَّى الموضوع بالشموليَّةِ، سواءٌ في موضوعاته وأطروحاته، أو في منطلقاته ومُقدِّماتِه، ولذا تراني أنطلق مِنْ أسسٍ علميَّةٍ بحتةٍ، وأبني على أسسٍ علميَّةٍ مجرَّدةٍ لا صلة لها بالوحي، وأنتظر النتائج، فأراها تأخذني إلى ما يقرره الوحي، ومع هذا رأينا العلمَ قد دلَّنا على صِدْقِ الوحي، ففرحنا بهذا، ولاشك أنَّه مِنْ حقِّنا أن نفرحَ حين نرى العلم يُصَدِّقُ الوحي ولا ينافيه.
ولو أَنَّا انطلقنا مِنْ الوحي أو قَدَّمْناه ـ وهو جديرٌ بهذا ـ لقلنا: تعهَّد الله عز وجل بحفظ كتابه، فما يقال بعد ذلك، فهو هراء، وسكتنا وكفينا أنفسنا عناء البحث!!؟، لكنَّا ذهبنا إلى التاريخ والعلم نستجدي مِنهما المعلومات التي عندهما، ونحلِّل ما يذكراه لنا من وقائع وأحداث، ماذا لديك أيها العلم؟، وماذا رأيتَ أيها التاريخ؟، فدلاَّنا على نتائج حتميةٍ ولوازم ضرويةٍ، مبنيَّة على مُقَدِّماتٍ سليمةٍ وصحيحةٍ بحمد الله تعالى، فأَشْهَدْنا التاريخ والعِلْمَ على ذلك.
ثم قارنَّا بين هذه النتائج التي توصَّل إليها التاريخ والعِلْم، فوجدناها مصداقًا لوعد الله عز وجل بحفظ كتابه، فاعترفنا آنذاك ـ ولابد ـ بأن الله عز وجل قد حَفِظَ كتابه وصانه عن كل تحريفٍ وتبديلٍ.
وهكذا سارتْ معنا الأمور، وهذه هي المنهجيَّة التي لم يفهمها د.موراني حتى الساعة فيما يظهر مِنْ كلامه ومشاركاته التي يعرض فيها لهذا الأمر؛ لأنه لا يفهم سوى تقديم النتائج، ثم تطَلُّب الأدلة لها، ولو رغمًا عن الأدلة والعلم نفسه كما سيأتي!!؟.

ثالثًا: شتان بين قولي:" وبناءً عليه "، وبين قول موراني وجون جلكرايست ومن قبلهم جولدزيهر ونولدكه وشفالي وغيرهم:" ومن هنا يتضح"، فالبناء لا يكون على غير أساسٍ بخلاف الوعد بوضوح ما سبق تقريره.
وبيان ذلك: أن عقلاء البشر جميعًا قد اتفقوا على تقديم المقدمات قبل النتائج، ثم البناء عليها، والعمل بما تنتجه، ولذا قدَّمْتُ أسبابي وأدلَّتي، ثم انتظرتُ نتائجي وخواتيمي بخلافِ المنهج المعكوس المتَّبع لدى موراني ونظرائه القائم على:( وضع الفِكْرة أولاً، ثم تتبُّع ما هنا وهناك لإثباتها ثانيةً!!؟)، فالخطوة الأولى عندي: مقدمة، والثانية: نتيجة.
والعكس تمامًا هو: الحاصل لدى موراني ونظرائه وأسلافه من المستشرقين.
وأقربمثال لذلك: ما نحن فيه الآن، بسبب كلمة موراني السابقة في صدر موضوعنا هذا، حيث قَرَّر أنه ربما أَدَّتِ الدراسة المقارنة لمخطوطات المصحف فيما زعم إلى وجود فوارق مِنْ زيادةٍ ونقصان واختلاف ترتيب فيما زعم!!؟، ولكنه في الوقت الذي قَرَّر فيه هذه النتيجة الكبيرة: كان لا يزال يطالب بعمل هذه الدراسة المقارنة!!؟.
فهل مِنْ العِلْم ومن المنهجيَّة العلميَّة: أن نضع النتيجة، ثم نطلب أدلتها بعدُ!!؟.
فالدراسة المقارنة التي سيجريها موراني إذن: ليست من أجل العلم ولا الدراسة، ولكنها مِنْ أجل هذه النتيجة المسبقة التي قَرَّرها هو سلفًا، وعلى الدراسة أن تثبتَها له، ولو رغم أنفها!!؟، وهذا بخلاف منهجيّتنا القائمة على وضع الأسباب والمعطيات في موضعها اللائق بها أولاً، ثم الدخول عليها بالتحليل وتقليب وجوه النظر، لنرى ما تسفر لنا عنه من نتائج، وحينها نقول: وبناءً عليه ظهر لنا كذا وكذا، وهذا قَدْرٌ مشتركٌ ومتفقٌ عليه بين عقلاء البشر جميعًا، وآمل أن يُدرك موراني أبعاد هذه المنهجيَّة التي نسير عليها.

رابعًا: أننا لم نخرج عن الموضوع قَيْد أُنملة بحمد الله تعالى، حسب المنهج الذي رسمناه له في بدء كلامنا عنه، ولذا نورد مِنْ أقوال المستشرقين وأفكارهم شيئًا يسيرًا جدًا على سبيل الإشارة فقط، لا على سبيل بيان مذاهبهم، ولكن على سبيل بيان موافقة موراني لهم وانطلاقه من قواعدهم بحذافيرها، وفي الوقت نفسه بَرَّأْنَا موراني أَنْ نَنْسِبَ إليه شيئًا لم يقله هو، فنسبنا له ما قاله بنصه، ونسبنا لغيره ما صدر عنهم، وهذا ما لم يفهمه موراني من كلامنا في هذا الصدد في أوائل هذا الموضوع، حتى كتب هناك ما يفيد أن الموضوع ليس خاصًّا به!!؟، وطالبتُه آنذاك بأن يثبت هذا، فلم يستطع!!؟، وآمل الآن أن يلتفت لهذه المنهجيَّة؛ لأنها مِمَّا لا ينبغي لمثله: أن يجهلها أو يغفل عنها!!؟.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
17-09-2018, 10:04 AM
السماع والكتابة حسب الطريقة الأولى



نرجع إلى قضية نقل القرآن من زاويةٍ أخرى، فنقول:
سبق وذكرتُ أن الأصل في نقل القرآن والاعتماد فيه على السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف، وسبق بيان النصوص الدالة على هذا الأصل، وتأكيده بأخبار وأقوال أئمة العلم رحمهم الله جميعًا.
وهنا نؤكدُ على(حَرْفِيَّة النَّقْلِ)، أو(مطابقةِ السَّماع للرواية)، فالسماع يعني: التزام الرواية الواردة شكلاً ومضمونًا، بكل تفاصيلها وأركانها وأبعادها،
وليس لكائنٍ مهما كان أن يُغَيِّرَ في السماع والرواية، لا قصدًا ولا توهمًا.
وقد سبقت دلائل ذلك من أقوال وأخبار أئمة العلم رضي الله عنهم، أثناء المداخلة السابقة بعنوان:(سماعي من البداية إلى النهاية).
ولعل من المناسب أن نكرر بعضها هنا للتذكير، وندع مراجعة الباقي فيما مضى للقراء الكرام، فانظر إلى قول أبي بكر بن مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات:48):
" ومنها: ما توهم فيه من رواه، فضيع روايته، ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله: عرفوا توهمه وردوه على من حمله، وربما سقطت روايته لذلك بإصراره على لزومه، وتركه الانصراف عنه، ولعل كثيرا ممن ترك حديثه، واتهم في روايته كانت هذه علته، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحرام والحلال والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الرواية والاختلاف".

فانظر كيف يُتْرَك الراوي للقرآن إذا:" نسي سماعه".
وانظر إلى قول أبي بكر بن مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات:46):
" وقد ينسى الحافظ، فيضيع السماع، وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحن لا يعرفه، وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره، ويبرئ نفسه وعسى أن يكون عند الناس مصدقا، فيحمل ذلك عنه، وقد نسيه ووهم فيه وجسر على لزومه والإصرار عليه.
أو يكون قد قرأ على من نسى وضيع الإعراب، ودخلته الشبهة فتوهم، فذلك لا يقلد القراءة، ولا يحتج بنقله.
ومنهم: من يعربقراءته، ويبصر المعاني، ويعرف اللغات، ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية: لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعًا.
وقد رويت في كراهة ذلك وحظره أحاديث".

ثم يروي لنا ابنُ مجاهد بإسناده طائفةً من الآثار في ذلك، سبق ذِكْرُها،
لكنَّا نُذَكِّر القراء هنا بما سبق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" إن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلِّمتم".
وساق ابنُ مجاهد بإسناده إلى الأصمعي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء {وبركنا عليه} في موضع {وتركنا عليه} في موضع أيعرف هذا؟، فقال:" ما يعرف إلا أن يُسْمع من المشايخ الأولين".
وأوردَ ابنُ مجاهدٍ عن محمد بن المنكدر قوله:" قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول"، قال: وسمعت أيضا بعض أشياخنا يقول عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك.
وعن عامر الشعبي قال:" القراءة سنة، فاقرؤوا كما قرأ أولوكم".
وعن صفوان بن عمرو وغيره قالوا: سمعنا أشياخنا يقولون:" إن قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول".
وعن عروة بن الزبير قال:" إنما قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما عُلِّمتموه".
وفي لفظٍ عن عروة بن الزبير قال:" إنما قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما أُقْرئتموه".
وعن زيد بن ثابت قال:" قراءة القرآن سنة".
فليس لأحدٍ أن يُغَيِّرَ في الرواية أو السماع كما ترى؛ لأنها سُنَّة يأخذها الآخر عن الأول، إلى أن تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، روايةً عن جبريل، عن ربِّ العزة سبحانه وتعالى، وهذه خصيصةٌ من خصائص القرآن العظيم.
يروي الإمام أبو عمرو المقرئ في كتاب:(المقنع:ق/5/أ ـ مخطوطة الأزهرية) من طريق الإمام إسماعيل بن إسحاق بإسناده عن الإمام حماد بن زيدٍ رحمه الله، قال: نا أيوب، عن أبي قِلاَبة، قال: نا مَنْ كان يكتُب معهم، قال حماد: أظنه أنس بن مالكٍ القشيري رضي الله عنه قال:" كانوا يختلفون في الآية فيقولون: أَقْرَأَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلان بن فلانٍ، فعسى أن يكون على رأسِ ثلاثة أميال من المدينة، فيُرْسَلُ إليه، فيُجَاء به، فيقال له: كيف أَقْرَأَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟، فيقال: أقرأنيها كذا وكذا، فيُكْتَب كما يقول".
وهذا خبرٌ ثابتٌ، وأبو قِلابة هو عبد الله بن زيد، التابعي الجليل المشهور رحمة الله عليه.
وله طريقٌ آخر قبل هذا عند أبي عمرو، كما نقله القرطبي في:(تفسيره: 1/85) بنحوه، معزوًّا لإسماعيل بن إسحاق وغيره، ولا نطيل في ذلك كي لا نخرج عن المقصود هنا الآن.
ويمكن لنا أن نعتبر الخبر المذكور لأنس بن مالكٍ القشيري الصحابي المعروف، وليس بأنس بن مالكٍ الأنصاري رضي الله عنهم وعن الأنصار جميعًا، يمكن لنا أن نعتبر هذا الخبر المذكور تلخيصًا لما سبق، ويأتي من الكلام عن طرق تدوين القرآن، والدِّقة والصرامة التي اتبعها الصحابة الكرام رضي الله عنهم في ذلك، بحيث لم يكتبوا شيئًا إلا بعد التأَكُّد مِن كونه منقولاً ومسموعًا مِن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهةً.
في النَّقْل العادي ربما قامت الإجازات أو الوجادات أو المراسلات ونحو ذلك من الوسائل؛ ربما قامت في ظروفٍ معينة، وبضوابط معيَّنة مقام المشافهة الصريحة من حيثُ الثبوت والحجّية، لكنها لا تَرْقَ إلى مرتبة المشافهة الصريحة بلا شكٍ.
لكنَّا نلمح أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم قد اشترطوا ضرورة المشافهة المباشرة، والتلقِّي المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم، أضف إلى ذلك أن يكون المنسوخ مكتوبًا أيضًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فليس مسموعًا مشافهة مباشرة فقط، وليس مكتوبًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فقط، بل لابد من الجمع بين الاثنين، وهذه أعلى ما يمكن أن تسمع عنه الدنيا من درجات الثقة والمصداقية، كما وأنه أعلى ما يمكن الوصول إليه في تثبيت المنقول.
وامتدادًا لهذا المنهج الإسلامي الرصين: اشترط العلماء في الراوي والناقل للقرآن الكريم: أن يكون يقظًا فطِنًا، يحافظ على الرواية والسماع حرفًا بحرفٍ، فينقلها إلى مَنْ بعده بحركاتها وهيئاتها، لا يزيد فيها ولا ينقص،
وقد مضت الآثارُ الدالةُ على هذا.
بل حتى كتابة المصاحف الآن: لابد أن تكون موافقةً لكتابته في العصر الأول، أو ما عُرِفَ واشتهر باسم الرسم العثماني للمصحف، ولكن يُتَجَوَّز عن ذلك للضرورة وتَعَسُّر الإتيان بهذا الرسم، مع الحاجة إلى الاحتجاج بالقرآن في الفتاوى والأحكام، لكن لابد مِن الالتزام بالرسم العثماني متى قدر الكاتب والمفتي ونحوهما على الإتيان بالرسم العثماني.
قال أبو عمرو المقرئ في كتابه:(المقنع، مخطوطة المكتبة الأزهرية، ق/5/ب):" وسُئِلَ مالك رحمه الله: هل يكتب المصحف على ما أحدثَه الناسُ مِن الهجاء؟، فقال: لا، إلاَّ على الكتبة الأولى".
ثم ساق أبو عمرو المقرئ بإسناده إلى ابن عبد الحكم قال:" قال أشهبُ: سُئِلَ مالك فقيل له: أرأيتَ مَنِ استكتب مصحفًا اليوم، أترى أن يُكْتَبَ على ما أحدثَ الناس مِن الهجاء اليوم؟، فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتابة الأولى.
قال أبو عمرو: ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة". انتهى.
وقال البيهقي في كتابه:(شُعَبِ الإيمان:2678):
" مَن كَتَبَ مصحفًا، فينبغي له أَنْ يحافظَ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يُغَيِّر مِمَّا كتبوه شيئًا؛ فإِنَّهم كانوا أكثر عِلْمًا، وأَصْدَق قَلْبًا ولسانًا، وأعظم أمانة مِنَّا، فلا ينبغي لنا أَنْ نظنَّ بأنفسِنا استدراكًا عليهم ولا تَسَقُّطًا لهم".
ثم ساق البيهقيُّ في كتابه هذا (2679) بإسناده إلى زيد بن ثابت قال:
" القراءة سُنَّةٌ".
قال الإمام الجليل سليمان بن داودٍ الهاشمي (وهو سليمان بن داود بن داود بن علي بن عبد الله، ابن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد رواة إسناد الخبر المذكور عن زيدٍ هنا" يعني ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع".
قال البيهقيُّ:" وبمعناه بلغني عن أبي عبيد في تفسير ذلك قال: ونرى القُرَّاء لم يلتفتوا إلى مذاهب العربية في القراءةِ إذا خالف ذلك خطّ المصحف، وزاد: واتِّباع حروف المصاحف عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحدٍ أَنْ يَتَعَدَّاها".
وذكر البيهقي في:(السنن الكبرى:2/385) خبر زيدٍ المذكور:" القراءة سُنَّة"، ثم قال البيهقي:" وإِنَّما أرادَ والله أعلم: أَنَّ اتِّباع مَن قَبْلَنا في الحروفِ وفي القراءاتِ سُنَّة مُتَّبَعَةٌ، لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة، وإِنْ كانَ غير ذلك سائغًا في اللغةِ".أهـ
لأنه لا مدخل هنا للرؤية الشخصية، ولا للاجتهاد الشخصي، مهما بلغ الإنسان مِنْ العِلم والاجتهاد، ومهما كانت فصاحته أو بلاغته، فالاعتماد هنا على الرواية المباشرة، والسماع من المشايخ، سنة مُتَّبعة، يأخذها الآخر عن الأول، قراءةً، وتجويدًا، وكتابةً، ورسمًا، وترتيبًا.
وبعبارةٍ أخرى: لابد من السماع المباشر والمشافهة، إلى جانب التَّوَاتُر في نقل القرآن الكريم، ولا فرق في ذلك بين القراءة أو الترتيب أو التجويد أو الرسم، فالكل توقيفٌ لا يجوزُ خلافه ولا مخالفته.
وقد أجمع الصحابة الكرام رضي الله عنهم على الرسم العثماني المتداول بأيدي المسلمين، وهو إجماعٌ سابقٌ ومُتَقَدِّمٌ لا يمكن نسخه، ولا تعديله بهذا الخصوص، خاصةً وأن للرسم العثماني اختصاصا بكثيرٍ من حروف القراءات.
ولذا أثبتَ الصحابة بعض الحروف في موضعٍ، وحذفوها في موطنٍ آخر، وذلك لا يخفى على الصحابة جميعًا، ربما لو كان الكاتب واحدا: لقلنا خفي عليه هذا، لكن كيف وقد شارك في كتابته أكثر من واحدٍ، وتحت سمع وبصر أمير المؤمنين: عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره من حُفَّاظ القرآن الكريم والعالِمين به، ثم أرسلَ عثمان رضي الله عنهم بالمصاحف بعد ذلك إلى الأمصار، فلم يعترض أحدٌ على ذلك كله، فدلَّ هذا على أمرين:
الأول: إجماع الصحابة في سائر الأمصار، ومَنْ وُجِدَ معهم من التابعين الكرام على الرسم الذي بات معروفًا باسم الرسم العثماني، وهذا كما سبق إجماعٌ سابقٌ مُتَقَدِّمٌ، لا ينقضه ناقضٌ مهما كان.
الثاني: يدل إجماعهم على رسم بعض الحروف في مكان وحذف نفس الحرف في مكانٍ آخر على أنهم فعلوا هذا عن قصدٍ، ولم يفعلوه جهلاً ولا سهوًا، وقد نقل الزرقاني في:(مناهل العرفان) وغيره إجماع المذاهب الأربعة أيضًا على وجوب اتِّباع الرسم العثماني وعدم جواز تغييره، ولذا كان من شروط قبول القراءات: أن توافق رسم المصحف العثماني.
أما وقد بان لك هذا، فاعلم أنهم لم يفعلوا هذا عن اجتهادٍ من عندهم؛ لأنه لا يجوز الزيادة ولا النقصان من المصحف في حرفٍ واحدٍ.
قال القاضي عياض رحمه الله:
" وقد أَجْمَعَ المسلمون أَنَّ القرآنَ المتلوَّ في جميعِ أقطارِ الأرض، والمكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جَمَعَهُ الدَّفَّتَانِ مِنْ أَوَّلِ:(الحمد لله رَبِّ الْعَالَمِين) إلى آخر:(قل أعوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلامُ الله، ووَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأَنَّ جميعَ ما فيه حقٌّ، وأَنَّ مَنْ نَقَصَ منه حرفًا قاصِدًا لذلك، أو بَدَّلَهُ بحرفٍ آخَرَ مكانَهُ، أو زادَ فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأُجْمِعَ على أَنَّهُ ليس مِن القرآنِ، عامِدًا لكلِّ هذا: أَنّه كافرٌ".(كتاب الشفا، للقاضي عياض: 2/263).

وبناءً عليه ليست للمصحف نُسَخًا جديدة:
نعم أيها القُرَّاء الكرام: ليست لدينا في إسلامنا أية مخطوطات جديدة للمصحف، ولا نعترف بما هو جديدٌ أبدًا، بل هو باطلٌ في باطلٍ، ومردودٌ على مَنْ جاء به.

قف أيها الكاتب:
أتُنْكِر مخطوطات المصحف، أم تُنْكر الجديد منها؟، وماذا تعني بالجديد؟.

هذه الأسئلة وغيرها مما قد يدور في أذهان القراء الكرام بعد صَدْمة العنوان أعلاه: (ليست للمصحف نسخًا جديدة)، أبادر وأجيب على هذه الأسئلة وغيرها بجوابٍ واضحٍ ومختصرٍ في آنٍ واحدٍ بإذن الله تعالى.
أنا لم أخترع عنوانًا مِنْ عندي، ولا جئتُ بقولٍ مُحْدَثٍ غير مسبوقٍ بأدلَّتِه، وإنما كررتُ نتيجة حتمية لمقدِّمَاتٍ سليمةٍ وصحيحةٍ بحمد الله تعالى.
دعنا نعيد الصورة مختصرةً:
كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتَعَجَّل صلى الله عليه وسلم تحريك شفتيه بحفظه وترديده، ليحفظه في صَدْرِه، ثم هو يأمر صلى الله عليه وسلم بكتابة الوحي على الفور، فإِنْ لم يكن الكاتب موجودًا أمَرَ باستدعاء كاتب الوحي، وأمره بإحضار أدوات الكتابة معه، ثم أَمْلَى عليه وعلى غيره من الناس ما نزل به الوحي، ليحفظه الناسُ بعد ذلك بطريقتين:
الأولى: السماع والحفظ، والثانية: الكتابة في الألواح وغيرها من أدوات الكتابة المعهودة آنذاك.
وكان صلى الله عليه وسلم يُعَالج شدةً في ذلك، ويجد المشَقَّة في ترديد الوحي وتحريك شفتيه به يكرره ليحفظه، وهذا يشي لنا بأنه صلى الله عليه وسلم كان حريصًا أشدّ الحرص على حِفْظ الوحي، وتبليغه كلّه.
فخَفَّفَ الله عز وجل على نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم ذلك، فأمره بأن لا يُحَرِّك به لسانه ليعجل به؛ يعني لا يُحَرِّك لسانه بتكراره ليحفظه في صدْرِه، ولكن عليه أن يستمع إلى الوحي إذا جاءه الوحي، ولا يخشى من حِفْظِه وجمعه.
وهنا تَعَهَّدَ له الله سبحانه وتعالى، بأَنْ يجمع له القرآن، وهذا شاملٌ للجمع في الصدْر بالحفظِ، وللجمع في الصُّحُفِ بالكتابةِ، وذلك تنفيذًا لوعد الله عز وجل السابق بحفظِ القرآن الكريم.
وبناءً على هذا، فقد كان جبريل عليه السلام يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كل عامٍ مرةً حتى لا ينساه، ثم عرضَه عرضتين في العام الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد هَيَّأَ الله عز وجل لكتابه: كُتَّابًا وحُفَّاظًا، كتبوه في ألواحهم وقلوبهم معًا،
وجعل الله عز وجل السماع والحفظ: حاكمًا على الكتابة والمصاحف، لا العكس، ولو أراد سبحانه وتعالى عكس ذلك: لفعل، وقد كانت الكتابة والألواح هي: الْحَكَم لدى بني إسرائيل مثلاً؛ ولذا ألْقَى الله عز وجل الألواح لموسى عليه السلام؛ كما قال سبحانه وتعالى:{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ} [الأعراف: 145].
وقال سبحانه وتعالى:{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150].
وقال سبحانه:{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154].
فالْحَكَم عند بني إسرائيل إذن هو: الكتابة والألواح والصُّحُف، وليس السماع والْحِفْظ.
غير أَنَّ الله عز وجل قد مَيَّزَ المسلمين على غيرهم، واختصَّهم دون سواهم بخصيصة الإسناد والسماع المعتمدة على الحفظ والأخذ المباشر من أفواه المشايخ.
وبناءً على هذا: جاء جبريل عليه السلام بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع لا حصر لها، فألقاهُ إليه سماعًا ومشافهةً لا كتابةً أو صُحُفًا.
ومِنْ هنا وبناءً على ما تقدَّمَ: صار السماعُ عندنا هو: الْحَكَم بأمر الله عز وجل وإشارَتِه، لا بُحُكْمِنا وهوانا.
والكلمةُ المسموعة: أسرع انتشارًا، وأقوى نفاذًا من المكتوبة، وانتشارها أَبْقَى لها، وأعظم لحفظها من خفائها.
ولذا كانت مَظِنَّة الانتشار جزءا من أجزاء الفتوى والنَّظَر لدى المسلمين.
نعم؛ فلا تستوي لدينا في الأحكام تلك الأمور التي تعم بها البلوى، أو توجد الضرورة لانتشارها وعمومها، مع غيرها من الأمور التي من شأنها الخفاء أو اقتصار العِلْم بها على فئةِ الباحثين والدارسين مثلاً، فلكلٍّ من هذا وذاك حُكْمُه حسب الوقائع والأحداث والملابسات المحيطة.
نعود إلى قضيتنا الأم هنا:
حيثُ صار السماع والحفظ حكَمًا على الكتابة والمصاحف؛ لأن الكتابة والمصاحف فرعٌ على السماع والحفظ، وليست أصلاً، بل هو سابقٌ عليها، فصارتْ له الصَّدَارة والأولويَّة.
ومع هذا، فلم تُهْدَر الكتابة، بل كانت ضرورةً وفرعًا موازيًا يعمل تحت إِمْرَةِ السَّماع، في حِفْظِ القرآن الكريم، لكن ثمة ملاحظةٌ مهمةٌ وشرطٌ أصيلٌ في السماع والكتابة، وهو أنَّه لابد بالإسناد السماعي أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولابد، كما أنه لابد للكتابة أن تنتهي إلى الكتابة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامةُ هذا وذاك: تواتُر الروايات بذلك، وموافقة رسم المصحف العثماني، فشرطُ قبولُ الروايات: أن تكون متواترةً مشهورةً، وشرطُ قبولُ المكتوبات: أن تكون موافقةً للرسم العثماني، والكتابة الأولى، ثم شرطٌ في كليهما (الروايات والمكتوبات): أن ينتهيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فلا يصح السماع والإسناد والرواية مهما تواترت وانتشرث: ما لم يتحقق فيها: شرط الانتهاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، نقلاً عن جبريل عن رب العزة تبارك وتعالى.
كما لا تصح النُّسْخ المكتوبة حتى تنتهي إلى تلك الألواح والأدوات التي كُتِبَتْ في حضرةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وبأمرِه وتحت سمعه وبصره.
فهذه شروطٌ مُرَكَّبةٌ ومتداخلةٌ: لا تصح الروايات أو النُّسَخ إلا بها، ونعيدها محددةً في نقاطٍ كالتالي:

1- أن تكون الرواية متواترةً، ليس فيها انقطاع، ولا وهم، ولا خطأ.
2- أن تكون الرواية متصلة الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أن تكون مشافهةً مطابقةً للسماع الأول الذي عَلَّمَهُ النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، حرفًا بحرفٍ، حركةً بحركةٍ، مطابقةً تامَّةً، غير منقوصةٍ ولا قاصرةٍ.
فأما النُّسَخُ، فشرطُ قبولها أن تكون مكتوبةً بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحت سمعه وبصره.
4- أو تكون منسوخةً مِمَّا كُتِبَ بحضرةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وتحت سمعه وبصره، وأن يشهد على كِتَابَتِها ونسخها مِمَّا كُتِبَ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم معروفون أُمَنَاءٌ.
أو تكون مِمَّا نُسِخ مِمَّا كُتِبَ بحضرةِ النبي صلى الله عليه وسلم وأمرِه، وهلم جرّا، بشهادةِ العدول الأمناء الثقات أيضًا.
5- أن لا يكون كاتبها مجهولاً، وراويها مجهولاً.
6- أن توافق الرسم العثماني.
7- أن لا تكون مختفيةً، أو غير مشهورةً ومعروفةً، ثم تظهر في زمنٍ ما لا يُعْلم لها أصلاً، ولا نعرف لها نسبًا؛ لأنَّهُ لا عبرةَ في نقل القرآن بالوجادات، وهي النُّسَخ التي قد نعثُرُ عليها في بعض دور المخطوطات لا نعلم عن نسَبِها وأصلها شيئًا، ولم تشتهر، فلا مانع من الاستفادة بهذه النُّسَخ لأغراضٍ أخرى غير نقل القرآن أو روايته.
وأما نقل القرآن وروايته، فلا تقوم الحجة فيه بمثلِ هذه الوجادات أو النُّسَخ التي قد يُعْثَرُ عليها هنا أو هناك، مبتوتة الصِّلَة والنَّسَب.
8- ومع هذا كله، فلابد من موافقتها للسماع حرفًا بحرفٍ.
9- أن تجتمع شروط الرواية في الرواية، وشروط النُّسْخة والكتابة في الكتابة، اجتماعًا تامًّا، فإذا فَقَدَتْ شرطًا فلا عبرة بها، وخرجتْ بذلك عن حَدِّ الاحتجاج أو المصداقية.
فلابد من اجتماع الشروط المذكورة للرواية معًا، كما لابد من اجتماع الشروط المذكورة في الكتابة معًا.
ونعيد صياغة ذلك مرةً أخرى فنقول: إنه يستحيل أن تجتمع مثل هذه الشُّروط في روايةٍ إلا في روايات أئمة القراءات وعلوم القرآن من المسلمين.
كما أنه يستحيل اجتماع الشروط السابقة في النُّسَخ المكتوبة إلا فيما ينقله علماء المسلمين فقط بإسنادهم المتواتر المشهور، النَّقِي من الوهم والخطأ، نقلاً ونسخًا عن النُّسْخةِ الأم التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم بأَمْرِه وحضرتِه، وتحت سمعه وبصره، وما عندهم من هذا الزَّمان وحتى الساعة، فهو منسوخاتٍ أو مُصوَّرَاتٍ طبق الأصل للنُّسْخَة الأم التي كُتِبَتْ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحضرَتِه.
ومِنْ ثَمَّ قلتُ في عنواني آنفًا:" وبناءً عليه: ليست للمصحفِ نسخًا جديدةً".
نعم؛ لأنَّ ما ينقله أئمة القراءات وعلوم القرآن وعلماء المسلمين: ما هو إلا صورة طبق الأصل لِمَا كُتِبَ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وتحت سمعه وبصره، وليست نسخًا جديدةً.
وما خرجَ عن نقْلِ علماء القراءات وعلماء المسلمين بأسانيدهم الثابتة المتواترة المشهورة، فلا عبرة به في نقل القرآن، ولا حجة فيه في دراسة القرآن أو التعرُّف عليه من خلاله، من قريبٍ أو بعيدٍ.
ولا يتجاوز ما خرج عن أسانيد علماء المسلمين وأئمة القراءات: أن يكون صحيحًا موافقًا لما ينقله الأئمة بأسانيدهم المشهورة المتواترة، فالعبرة على ما عندهم، أو يكون مخالفًا لهم في ذلك، فالعبرة على ما عندهم أيضًا ولا عبرة لما خالفهم.
لكنَّا نطلع على هذه النُّسَخ الموجودة في دار الكتب المصرية أو جامع صنعاء أو غيرهما لغرضٍ آخر غير نقل القرآن، إما أن يكون رصد العناية بكتابة القرآن على مدار الأزمنة، أو رصد تطورات الخط العربي، أو غير ذلك من الأغراض.
لكنني أعود وأؤكِّد على أنه لا صلة لهذه النُّسَخِ بنقل القرآن ودراسته مِنْ قريبٍ أو بعيدٍ.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم
27-09-2018, 10:48 AM
مثالٌ تطبيقيٌّ
وقد رأيتُ أن أضع هنا مثالاً تطبيقيًّا على ما مضى بيانه، تتضح الصورة من خلاله، واخترتُ المثال من كلام المستشرق موراني نفسه، حيثُ يقول في (ملتقى أهل التفسير): هنا

تحت عنوان:(قراءة: لا اله إلا هو إليه المصير) ما نصه:
" عثرت بين أوراقي المتعددة على جريدة بالعنوان:(مجلة الأبحاث) لجامعة ولاية سارلند الألمانية من عام 1999 فيها تقارير ودراسة قصيرة حول المصاحف التي قام بترتيبها والبحث فيها فرقة من المستشرقين والباحثين المحلّيين بصنعاء بين عامي 1987 و1992 وعام 1996 و1997. كذلك تمّ ترميم عدد كبير من القطع القرآنية وتصويرها على أفلام. وجدير بالذكر أنّ جميع المصاحف قد كتب على الرق وبمختلف الخطوط, منه بالخط الحجازي المائل ومنه بالخطوط الكوفية على يد نساخ وخطاطين عدة. كثير من هذه المصاحف قد نسخ في النصف الثاني من القرن الأول الهجري.
لقد عثر أحد الباحثين المقيمين في صنعاء في تلك الفترة على قطعة من مصحف فيها, على اللوحة (الرق) التي تهمنا هنا, آخر سورة الزمر وتليه مباشرة بداية سورة غافر بعدم ذكر اسم السورة وبدون غير فاصل ما بين الآيات. وأشار الباحث في تعليقاته على هذه القطعة إلى العبارات التالية في آخر الآية 3:
لا اله إلا هو إليه المصير
وجاءت هذه العبارات بالخط الحجازي بالرسم التالي :
لا إليه الاّ هو إليه المصير
مشيرا في ذلك إلى أن في ( لا اله) زيادة الياء وشكله كما جاء في (إليه المصير), بالمعني أن كلتا العبارتين ( اله ) و(إليه) قد كتبتا على نفس الشكل, بنفس الرسم, كما يتبين ذلك واضحا على الصورة الضوئية التي أضافه الباحث في هذا الموضع.
هذا, ولا يستبعد هذا الباحث, الذي قضى أربع سنوات في صنعاء, أنّ الرسم في كلتا الحالتين (إليه ــ بالياء) قد يجعل القراءة التالية من باب الاحتمال:
لا اله إلا هو اله المصير, بدلا من:(إليه المصير)
غير أنه يشير إلى آيات أخرى التي تثبت صحة القراءة:(إليه المصير). فمن هنا يقترح أنّ البحث يجب أن يرجع إلى هذه الرسوم القديمة, أي إلى المصاحف في صنعاء والى دراسة طبيعتها والقراءات فيها.
هذا ما ذكر الباحث حول القراءة المحتملة للآية 3 في سورة غافر.
فأقول: لا شكّ في أنّ الرسم قد جاء كما ذكرنا ( لا إليه الا هو إليه المصير), غير أنّ العبارة ( لا إليه إلا هو) لا معنى له من قريب أو بعيد , فمن هنا تم التسوية عند هذا الباحث بين (اله ) و(إليه) وقرأهما (اله) في كلتا الحالتين, أي قرأ ( اله المصير).
غير أنه قد غفل أمرا بالغ الأهمية ولم يطرحه للمناقشة كما لم يضعه في عين الاعتبار.
إذ انه من الملاحظ أنّ بين العبارتين (لا إليه) و(إليه المصير) ليس هناك إلا كلمتان قصيرتان فحسب وهما : (الاّ هو). أما الناسخ فانه, كما يبدو لي, لم يكتب الآية من حفظه, بل نسخها من نسخة أخرى....فما حدث في هذا الموضع فهو يحدث عند غيره:
وهو ظاهرة انتقال النظر في القراءة من كلمة إلى كلمة أخرى ( أو حتى إلى سطر آخر) بقزف عين الناسخ من كلمة, وفي هذه الآية: القزف عند الكتابة من ( اله) الى الكلمة (إليه) المصير فكتب في كلا الموضعين سهوا: (إليه).
وهذه الظاهرة التي عرفها العلماء القدماء, منهم ابن خلكان, وكانوا يسمونها بـالعبور من سطر إلى سطرـ ( أنظر وفيات الأعيان, ج 4, ص 183 بتحقيق إحسان عباس), هذه هي الظاهرة التي نواجهها في هذا الموضع أيضا في بداية سورة غافر, فلا داع إذا لاحتمالات أخرى لقراءة (اله المصير).
للأسف, لم يقدم هذا الباحث رسما للآيات الأخرى فيها (إليه المصير) الواردة ربما في مصاحف أخرى في صنعاء بنفس الخط المائل ومن نفس العصر: مثل المائدة, 18 والشورى, 15, التغابن, 3. ومن هنا بقي احتمال قراءته بغير دليل قاطع. وذلك حتى ولو نبّهنا إلى أنّ كتابة الفتحة الطويلة في هذه المصاحف القديمة تتم بالياء, مثل: التورية ( نعم, هكذا) بدلا من التوراة. أما كتابة (إليه ) مرة بالمعنى (اله) ومرة بالمعنى ( إليه), أي بغير تمييز بينهما في الرسم, فذلك موضوع الشك فيه, فمن هنا لا أراه إلا سهوا من الناسخ كما بيّنته.
لقد تم جمع القراءات القرآنية في 8 مجلدات ( الكويت, ذات السلاسل. 1402 إلى 1405 هـ) غير أنّ المصاحف في صنعاء تسجل قراءات أخرى غير واردة في هذا المعجم القيم, مثل:
قيل جا الحق ( بدلا من: قل جاء الحق), وهنا أيضا يتساءل القارئ بغير الطعن في القرآن, بل باحثا في تطور كتابة النص: ما هو (الدور) للياء في هذا المقام: وهو: قيل, هل هو (قال), الفتحة الطويلة, أم قيل كما هو ( ما لا يسمى اسمه), وذلك إلى جانب أمثلة أخرى في مصاحف صنعاء.
هذا, وانقطعت الأعمال قي صنعاء منذ مدة حسب علمي، ولا أعلم شخصيا ما هو السبب لذلك. ربما يفيدنا الأعضاء المشاركون في هذا الملتقى بما لديهم من الأخبار حول الأنشطة العلمية المتركزة على هذه المصاحف القديمة في دار المخطوطات بصنعاء.
الـدكتور م. مــورانـي مستشرق. كلية الآداب. جامعة بون. ألمانيا
[email protected] ".
وذكر موراني نحو هذا أيضًا في موضعٍ آخر من لفظه: هنا

وسأكتفي بهذا المثال المرير من جهةِ النَّاقل موراني والمنقول عنه؛ لأنه يَشِي لنا بحجم الجهل لدى الغربحول القرآن الكريم، وتأريخ القرآن، وكيف تم تدوينه، وكيف وصل إلينا!!؟.
لابد لنا أن نرصد بعض الجوانب المريرة في المثال المذكور:

- فهو يبحث في اختلافات القراءات في آية، بعيدًا عن مصادر القراءات المعتمدة لدى المسلمين، وهذا وإنْ كان كأن لم يكن من جهة البحث العلمي؛ لأنَّه بحثٌ في غير محلِّه؛ إلا أنَّه يحتمل أمرين لا ثالث لهما: إما جهل هؤلاء الباحثين بالقرآن، والجاهل لا عبرة به ولا بكلامه، وإما حقدهم الدفين وافتراؤهم، ولا عبرة بأثر الحقد في البحث العلمي أيضًا؛ لأنه تعوزه المصداقية والإنصاف، وقصد الصدق والتحري في البحث.
وبناءً على ما سبق تأصيله في المداخلات السابقة، فإنَّه لا مجال هنا لقبول مثل هذا المثال المذكور هنا؛ لأنه لم تتوفر فيه شروط القبول السابق بيانها في المداخلات السابقة.

ـ ثم هو يبحث في رسومٍ مختلفة، ولا يبحث في الرسم العثماني، وهذا مشكلةٌ أخرى، وقد سبقت الإشارة إلى ضرورة الرسم العثماني؛ لتعلُّقِه بالقراءات القرآنية، ويظهر ذلك من خلال النظر في مثل(الصراط) (المصيطرون)، ونحوهما مما رُسِمَ على أصله ليدل على وجهٍ واحدٍ فيه، وما رُسِمَ على غير أصله، ليدل على وجهين في قراءته، نحو إبدال السين صادًا فيما أصله السين، ليدل على قراءةٍ له بالصاد بجوار القراءة بالسين التي هي الأصل، وهذا ملمح لم يفطن له هؤلاء الذين زعموا لأنفسهم حق البحث، ثم جاؤوا ليقولوا لنا (رسوم)!!؟.
ألا، فليعلموا أنه ليس لدينا رسمًا سوى الرسم الذي عُرِفَ بالعثماني، واشتهر به، فهذا هو الرسم المعتمد، وقد بدا لك من الإشارة السابقة تعلُّقه بالقراءات القرآنية الواردة.
ومضى قول مالكٍ فيمن أراد أن يكتب مصحفًا الآن بأن يكتبه (على الكتبة الأولى)، كما سبقت حكاية أبي عمرو المقرئ الإجماع على هذا الأمر؛ فراجع ما مضى في ذلك مشكورًا.

ـ ثم إِنَّهُ لا مجال هنا للكلام عن قضية تحول النظر التي أثارها موراني، بناءً على تسويته بين القرآن وغيره في طريقة التلقِّي، وقد يخالفه غيره، فيرى ذلك ليس تحولا للنظر، وإنما هو خطأ في القراءات القرآنية، وهكذا ينفتح لهم الطريق على مصراعيه نحو الطعنٍ والتشكيك في القرآن والإسلام، هكذا ظنوا!!؟.
وهذا كله خطأٌ محضٌ، لا قيمة به، ولا يُلْتَفَتُ إليه؛ لأنَّ النسخة المشار إليها لا نعرف لها إسنادًا منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، نقلاً عن الوحي، ولم تشتهر بين المسلمين، ولم تنقل بالإسناد الصحيح من عصرها وحتى الساعة، كما وقد عُثِرَ فيها كما ترى على ما يخالف الرسم العثماني، وبعض هذا كفيلٌ بإسقاطها، فكيف به مجموعًا!!؟.
فالبحث الآن يُعَدُّ بحثًا في فراغٍ، أو فيما لا طائل تحته؛ لأنَّه بعد أن يقول موراني ما يقول، سيأتي لنا لنقول له:" لا قيمة بهذه النسخ عندنا".
والواجب عليه إن كان يكتب لنا: أن يكتب بما هو حجة عندنا لا بما ننكره.
وكذا إن كان يكتب عن الإسلام، فالواجب عليه حينئذٍ: أن يكتب عن الإسلام كما هو الإسلام، لا كما يراه هو أو غيره.
فالرؤية الشخصية شيءٌ، والحقيقة التي ينبغي إيضاحها في البحث العلمي شيءٌ آخر، ولذا فعليه هو وغيره: أن يكتبوا عن الإسلام كما هو الإسلام، بغض النظر عن رؤيتهم الشخصية بعد هذا.

- ثم هو يبحث في نسخةٍ خطيةٍ لم يذكر لنا مدى موافقتها للسماع الذي هو الأصل والحكم لدى المسلمين في نقل القرآن (كما سبق بيانه)!!؟.

وأكتفي بهذه الملاحظات التي لم يفطن لها الناقل والمنقول عنه، وقد سبق التفصيل فيها، فلا أكرره ثانية.
ومن هنا: أراني أنطلق إلى القراءات القرآنية في نظرةٍ إجماليَّةٍ تمهيديَّة لها الآن، فأقول:

القراءات القرآنية ليست شيئًا مباينًا للقرآن، أو منفصلا عنه، ولكنها جزءٌ من القرآن العظيم، فهي جزءٌ من المعجزة القرآنية الخالدة، وبأيها قرأ المسلم: أجزأه ذلك.
ثم هي تعود في حقيقتها إلى الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم، وهذا مجمعٌ عليه على مدار أربعة عشر قرنًا من الزمان، رغم الاختلاف في تحديد ماهية الحروف السبعة الواردة في الحديث، من حيث ظاهر العبارات، لكن الباحث الجيد يستطيع أن يعود بأكثر هذه الأقوال إلى قولٍ واحدٍ متفقٍ في تحديد المراد بالأحرف السبعة.
وقد نطقت الروايات بالحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرفٍ، وهي: التيسير على هذه الأمة الضعيفة، ثم بلغها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقرأَ بها أصحابُه، وبلَّغوها مَنْ بعدهم.
وقد اتفق أهل العلم على أن الأحرف السبعة والقراءات من بعدها تتعلق باللفظ، زيادةً ورسمًا، ولا تؤدِّي إلى تناقض المعنى أو اختلال النظم القرآني، بل هي جزءٌ من المعجزة القرآنية، فكأنَّه معجزاتٌ في معجزةٍ واحدةٍ، وهذا أبلغ في الإعجازِ لِمَنْ تَدَبَّر!.

خلاصة ذلك الآن:
أَنَّ القراءات القرآنية جزءٌ من الوحي، وجزءٌ من المعجزة القرآنية الخالدة بأبعادها وإعجازها، فتجري عليها أحكام القرآن، نظمًا وإعجازًا، كما تجري عليها شروط نقل القرآن.
وقد اشترط العلماء في نقل القراءات موافقة الرسم العثماني، وموافقة بعض أوجه اللغة، مع صِحَّةِ السَّنَدِ، وهذا كله يقطع ببطلان المثال التطبيقي المذكور آنفًا في كلام موراني؛ لأنه لم يلتزم أحد هذه الشروط المشار إليها مثلاً، فلا هو موافق للرسم العثماني، ولا هو صحيح السَّنَدِ مثلاً، بل لا يُعْرَف هذا أصلا، ولم يشتهر لدى أحدٍ من الناس، ولم يعرفه أحدٌ منهم، وإنما هو وجادة ونسخة وجِدَتْ في مكتبةٍ أثبت الاختبار الكربوني أو أثبت رسم الخط: أنها كُتِبَتْ في زمنٍ ما!!؟.
كلا؛ فالقرآن لا يثبت بمثل هذا، وليس حفريةً نتطلَّب لها اختبارًا كربونيًا قد يصدق اليوم ويكذب غدًا تبعًا لتطور نظريات العلوم!!؟.
وإنما هو: كتابٌ ثابتٌ لا يتغير ولا يتبدَّل، رسمًا ونظمًا وقراءات وترتيبًا، فكان المناسب له: ثبات النقل الذي لا يتغير عبر الأزمنة، وهو: المشافهة والتلقِّي سماعًا، كابرًا عن كابرٍ، ثم الرسم العثماني يقف بجوار السماع جنبًا إلى جنبٍ، ليحكم بصحَّةِ المكتوب.
على أنه مما تجدر الإشارة إليه: أنه لا قيمة بما هو خارجٌ معروف متواتر لدى المسلمين الآن، فما يُكْتَشَف اليوم أو غدًا في قِطَعٍ مبتوتة السند والصلة هنا أو هناك، فلا عبرة به، كما سبق وأشرتُ إليه مرارًا.
وبهذا التمهيد القصير أكتفي الآن، ولنا عودةٌ إلى الموضوع بأكثر من هذا إن شاء الله في وقتٍ لاحقٍ، بإذن الله تعالى.

يتبع إن شاء الله.

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 10:15 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى