الأمة الاسلامية ... تحديات المستقبل ... بقلم الاستاذ عياش اليزيد .. تربية بدنية
13-06-2020, 06:37 PM
الأمة الاسلامية ... تحديات المستقبل ... بقلم الاستاذ عياش اليزيد .. تربية بدنية
لقد مرت الأمة الاسلامية بمراحل مختلفة ؛ مراحل مرت فيها على جميع المحطات التي لا بد ان تمر عليها أي أمة تنشد النهضة وسبيل الحضارة ، هذه المراحل التي قسمها مفكرنا مالك بن نبي رحمه الله الى ثلاثة مراحل أساسية وجوهرية برأيه الا وهي : مرحلة الروح ، مرحلة العقل ، مرحلة الغريزة ، بحيث لم يكتف بتحديد هاته المراحل فقط ، بل قام بتحديد الاطار الزماني لها ؛ من حيث أن مرحلة الروح تمثل مرحلة حكم النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه ، ثم بعده مرحلة الخلافة الراشدة ، أما مرحلة العقل فكانت برأيه بداية من موقعة صفين التي وقعت بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سنة 37 للهجرة ، وأما مرحلة الغريزة فبرأيه كانت في عصر الموحدين ؛ ففي هاته المرحلة عرفت الامة سقوطا مدويا في شتى مناحي الحياة ، وعلى رأسها المنحى الروحي والقيمي الذي يعتبر من الأساسات الثابتة لهاته الأمة ، ومن الدوافع الجوهرية التي تدفع بالأمة نحو الرقي والتطور وقيادة العالم وظهورها على باقي الأمم ، فما ان أدرنا ظهرنا للمقومات الأساسية ولأسرار نهضتنا حتى دار بنا الزمن وتغير حالنا من أمة كانت بالأمس تقود الى أمة تقاد ، من أمة كانت تملك كل أسباب النصر والتمكين التي كان أساسها الروح والعقل الى أمة فقدت كل تلك الاسباب فصارت فريسة يتكالب عليها كل أعداء الأمة من كل حدب وصوب بسبب سيطرة الغريزة عليها ، بحيث تعرضت الى شتى أنواع الظلم والعذاب والهوان من طرف أعدائها من خلال مرحلة الاستدمار ومحاولة الاستيطان التي خضعت لها بالقوة والجبروت ، لكن هذا الخضوع لم يكن ليكون لولا دخول الأمة في مرحلة الغريزة أو مرحلة الانسان ما بعد الحضارة ، فيها تكون الامة قد فقدت كل مقومات الحضارة ودخلت دائرة التخلف والبؤس الحضاري ، فتصير بذلك كما قال مفكرنا مالك بن نبي رحمه الله شعوبا وأمما لها قابلية للاستعمار وهذا ما حدث للأمة بالضبط ، لكنها استطاعت بفضل الحركات الاصلاحية التي تبنت فكرا تجديديا للأمة ، والتي كانت بداية ظهور نشاطها في منتصف القرن التاسع عشر وأواخره ، ومن المفكرين والمجددين الاصلاحيين الذين برزوا في تلك الفترة نجد جمال الدين الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم كثير ، وكان نشاطهم هذا بمثابة باكورة للأمة به عرفت بروز مجددين آخرين واتساع رقعة التجديد في شتى بقاع الامة الاسلامية ، كبروز شخصية العلامة المجدد عبد الحميد بن باديس وشخصية العلامة محمد البشير الابراهيمي في الجزائر ، أما في مصر فنجد شخصية الحسن البنا وجمال البنا ومحمد الغزالي رحمهم الله جميعا ، كل هاته الشخصيات ساهمت بقسط كبير في تجديد الامة واعادتها الى دينها واحياء الجهاد في نفسها ، وهو ما انعكس على المجتمع والامة ككل من خلال بروز حركات تحررية في شتى بقاع العالم الاسلامي ، بحيث استطاعت هذه الحركات تخليص الامة من براثن وقيود الاستدمار الغاشم الذي عاث فيها فسادا ، من خلال محاولاته اليائسة طمس مقومات وثوابت الامة واستنزاف طاقاتها وخيراتها ، الا ان ذلك لم يكن ليتحقق لولا جهود هؤلاء المجددين الذين ابتعثهم الله على رأس كل مئة عام لكي يجددوا للأمة دينها ، لكن هناك اسئلة نود طرحها بعد كل هاته الديباجة الا وهي : ما حال الامة مع مرحلة الغريزة بعد ان تحررت من أغلال الاستدمار ؟ ، ما موضع الانسان عندنا الآن بالنسبة للحضارة ؟ ، ما التحديات المستقبلية المنتظرة من الامة رفعها ان ارادت بلوغ مرادها وربح معركة التحدي أو الصراع الحضاري مع الحضارة المادية خاصة التي تتهدد أجيالها الحالية بالتماهي فيها والتبعية لها اكثر فاكثر ان هي بقيت على حالها ؟
للأسف ان حاولنا الاجابة عن السؤال الاول بعين التشاؤم لقلنا أن الأمة غارقة الى حد أذنيها في مرحلة الغريزة أكثر مما كانت عليه في زمن الاستدمار ؛ فالصور التي تبعث في النفس اليأس والاحباط كثيرة جدا ، كصور الانحلال الخلقي والتفسخ القيمي في المجتمع ، معها أيضا تفشي مظاهر التخلف الجلية في شتى مناحي الحياة ، اضافة الى كل هذا فشل ما يسمى زورا وبهتانا بالثورات العربية المناشدة للتغيير ، والتي بدل ان يتولد منها تغييرا ايجابيا يعطي الامل للنفوس تولد منها تغييرا زاد الصورة والوضع أكثر سوداوية وقتامة عما كانت عليه من ذي قبل ووقعت الكثير من البلاد الاسلامية بين مخالب الفوضى والحروب الاهلية والصراعات الايديولوجية والمذهبية والتدخلات الاقليمية والدولية ، وهذا ما ترك أثرا عميقا في نفوس من تأمل منها الشيء الكثير ، لكن بالمقابل ان نظرنا اليها بعين التفاؤل سنجد الكثير من الصور التي تبعث في النفس الامل والتفاؤل بغد مشرق للامة ؛ فحال الأمة في جانب الصحوة يعرف خطا تصاعديا بفضل ظهور وبروز الكثير من المجددين والحركات التجديدية التي تسعى نحو ايقاظ الامة من سباتها وارجاعها الى دينها ومحاولة رفع مخزونها الروحي ووعيها الفكري وتوجيهه نحو الاهتمام بقضاياها وأزماتها الاساسية التي تقف حائلا بينها وبين انطلاقتها مرة اخرى نحو المجد وتمكينها من كل اسباب النصر والتمكين ؛ والتي يأتي على رأسها كما قال مالك بن نبي رحمه الله تعالي في قوة الكتاب الذي تملكه هاته الامة ؛ والذي يحتوي على كل اسباب عزها وسيادتها للعالم ، ان هذه الامة استطاعت فهمه وتطبيق ما جاء فيه في واقعها ، ومن صور ذلك نجد الاقبال الشديد للشباب نحو الالتزام الديني والاخلاقي والاهتمام أكثر بالمسائل الاساسية للامة ، الى جانب اهتمامه أكثر بالفكر الذي يهتم ويدرس مشكلات الحضارة وكيفية الخروج منها والولوج الى عالم البناء والتشييد الحضاري مرة اخرى ، وذلك من خلال التحكم في معادلة الحضارة كما بينها مفكرنا مالك بن نبي رحمه الله ؛ والتي اساسها هاته العناصر الثلاثة المتمثلة في : الانسان ، التربة ، الزمن ، أما عن موضع الانسان عندنا الآن بالنسبة للحضارة فلنكن متفائلين حسب الصورة الاخيرة التي سقناها اليكم بعين الامل والتفاؤل ، فاننا نعتقد أن الانسان عندنا حاليا هو في موضع الانسان الذي يسبق الحضارة ؛ انسان تغمره صحوة فكرية تجعل منه كامل الاستعداد للارتقاء بالفكرة الى مستوى الدولة ، ومنها الى مستوى النهضة والانتاج الحضاري باذن الله ، أما عن التحديات المستقبلية المنتظرة الواجب على الأمة رفعها ان ارادت الارتقاء بفكرة الصحوة أكثر فأكثر والوصول بها الى ماكنة التمكين لها ، فالتحدي الاول يتمثل في لعب ورقة السياسة وعدم الزهد فيها كما يظن البعض اصحاب النظرة القاصرة والعقول الجامدة ، فورقة السياسة هي الورقة الوحيدة التي بإمكانها الرقي بالفكرة الصحوية وتجسيدها واقعا ان تمكنا من ايصالها على مستوى الدولة ، لكن قبل ذلك علينا ان نقوي من عصبة الفكرة الصحوية من خلال محاولة الاكثار من أعداد متبنيها ، ان على مستوى المجتمع أو الدولة وأجهزتها ؛ فالدولة هي القادر الوحيد على انجاحها وتمكينها والذود عنها بوسائلها الخاصة ، أما التحدي الثاني فيكمن في خطورة الاعداء التقليدين للأمة سواء الاعداء الداخليين أو الخارجيين الرافضين لكل تغيير حفاظا على مصالحهم ، فعلى الأمة ان تعي بخطورة أفكار هؤلاء وادواتهم المستخدمة ونقاط ضعفهم وقوتهم وان تكون في أتم الاستعداد لمواجهة كل خطر يأتي منهم ، فالمعروف ان لكل تغيير مقاومة وان اعداء هاته الامة كثيرون لا ينام لهم جفن ، وعلى راسهم نجد الصهيونية والصليبية العالمية ، أما التحدي الثالث فهو يعتبر أساس نجاح التحديات السابقة الا وهو تحدي بناء الفرد الذي هو أساس بناء الحضارة ، والبداية ستكون من ترتيب الاولويات الحضارية التي تتميز بها هاته الامة عن غيرها من الامم ، اي بناء الانسان روحيا قبل الارتقاء به عقليا وضرورة خلق توازن بين هذين البنائين ان اردنا التمكين والنصر في شتى ميادين الحياة ، فالحياة الروحية ليس معناها الرهبنة والزهد المطلق الذي ينجم عنه هوان وذل بعدها بعيدا عن العقل ، بل هي الأخذ بأسباب النصر والتمكين التي جاء القرآن الكريم والسنة النبوية صادحين بها ، وهي فهم صحيح لمفهوم وحقيقة الاستخلاف التي تعني الصلاح والاصلاح ، صلاح الفرد وسعيه في اصلاح مجتمعه ؛ والصلاح والاصلاح ليس مرتكزه الروح فقط ، بل الروح والعقل معا ، لذا على الأمة ان تدرك أن جوهر الحضارة كما قال مفكرها مالك بن نبي رحمه الله مكمنه في الانسان ان اردات فعلا ان تنقذ أجيالها من التماهي أكثر فاكثر في الحضارة المادية وولوج عالم الحضارة ، حضارة محورها الاساس الفرد الواعي المنتج للفكرة الولادة للعزة والثروة ... تولانا الله برحمته