حوريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــة
01-07-2020, 11:12 AM
حوريــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــة
أتنفس العشق مثلما يتنفس الناس الهواء....
قرأت ( الإلياذة) في ليلة واحدة. والتهمت قصائد ( نزار) بشغف ليس بعده شغف.
حين تصدح ( فيروز ) بالغناء يسبح بي الخيال الى الأفق البعيد حيث يرقص البنفسج و تتزين الشمس و تختال العنادل و يسترخي الربيع...
أستشعر وجع ( قيس بن الملوح ) عندما يناجي ليلاه النافرة...أتفهم سخطه الجامح و سروره الغامر و هسيتيريا العشق التي تسيطر عليه آناء الليل و أطراف النهار.
مند شهر أو يزيد...دهنت جدران حجرتي بلون وردي بديع. و قرب النافدة الصغيرة رسمت بالحبر الصيني تفاحة كبيرة جدا جدا..
وجنة حورية تحاكي تفاحة حمراء طازجة جيء بها من حدائق قرطبة...منذ عرفت هذه الأنثى أصبحت حياتي جدول شهد لا ينضب و ربيعا سرمديا لا شاطيء له.
تحت سرير غرفتي تزدحم عشرات الروايات و الدواوين و ملاحم العشق المشهورة في التاريخ...بالأمس تمتعت بقصة حب صاخبة جمعت سلطان الدنيا سليمان مع جاريته الروسية ( خرم ).
لقد صيرني العشق ملاكا رقيقا يسعى على الثرى حينا و يغرق في بحر العسل أحيانا. لا أكاد أحفل بما يحفل به البشر من الكدح و النصب و اللهث وراء الأرزاق.
حورية لونت سمائي بلون الكستناء...و غرست فوق شطآن قلبي أعواد البخور...و رسمت فوق دفاتري كلمات رقيقة جدا.. و غردت ذات صباح فوق أسطح بلدتي القديمة.
حورية كانت حمامة صغيرة حين عرفتها... في المدرسة الابتدائية كان لقاءنا الأول...جاءت الى قريتنا مع والدها. كان موظفا مرموقا في مصلحة المياه بالقرية.
في ذلك اللقاء جلسنا سويا على مقعد المدرسة و خاطبتني لأول مرة (لماذا لا تمسح حذاءك يا كريم ) .. تورمت وجنتاي من الخجل أو السخط لا أدري تحديدا.
في تلك اللحظة رقص قلبي الصغير كما يرقص عصفور أخضر فوق شجرة سرو عظيمة.
في ذلك اليوم ولدت دماء جديدة في شراييني. دماء تحمل أزهار الأمل و ضوء القمر و شيئا من التمرد و الجنون و التصوف..
في ذلك اليوم ولد في داخلي عاشق جديد.. أمامه طريق طويل محفوف بالزبرجد و الياقوت و المسك.
في غرفتي الأنيقة يؤنس وحشتي ببغاء ظريف..اقتنيته من أسواق الطيور عندما كنت طالبا في كلية الصيدلة..
عندما يلمحني يصرخ بلسان عربي فصيح ( حورية و كريم في بستان الأحلام يا سلام )...
تروقني أرياشه الملونة و جناحاه الفارهان . انه مستودع أسراري و خزانة أفكاري. و حين تشتد العواصف و تكشر الأحزان عن أضراسها. أجد هذا الطائر بقربي ليطفيء أوجاعي و يضمد أجراحي...كنت أعتقد دائما أن المرء يمكن أن يظفر بصديق غير آدمي. مثل هذا الببغاء اللطيف.
منذ أمد بعيد اتفقت أنا و حورية أن يجمعنا سقف واحد و أن يظللنا قمر واحد و أن يباركنا حلم واحد و أن نستحم بعطر واحد...حفرنا ذلك الاتفاق بأظافرنا على جدع السنديانة الوحيدة في البلدة.
في طريقي إلى البيت استوقفني دكان يبيع أطعمة الطيور بكل أنواعها. تذكرت صديقي الببغاء. انه مولع بحبوب الذرة . ابتعت شيئا من ذلك الطعام و عرجت على مكتبة مجاورة عسى أن أظفر بجريدة أو مجلة أو كتاب جديد...أجلت نظري بين الرفوف الزجاجية التي تكتظ بشتى الكتب و المطبوعات.
تجمد بصري أمام مجلة باذخة بالألوان. على غلافها صورة لشابة حسناء ترتدي قميص نوم شفاف. مشهد حافل بالإغراء و الأنوثة.
ربما كنت أعرف صاحبة الصورة. ربما كنت أحلم لست أدري...هتفت بصوت خافت و جريح ( يا رب السماوات لطفك ) . أسفل الصورة جملة مكتوبة بخط وردي رفيع ( قنبلة الموسم و عارضة الأزياء الصاعدة. حورية)...