يوبا الثاني ، الملك الأمازيغي المثقف .
26-11-2014, 12:36 AM
يوبا لثانــــي الملـــك الأمازيغي المثقـــــف

الدكتور جميل حمداوي
” كانت شهرة يوبا الثاني بخدماته العلمية تفوق شهرته بملكه.”
المؤرخ پلين الأكبر[1]



الجزء [1 ]
المقدمــــــة:

من يتأمل الدراسات التاريخية المغربية، فلن يجد ما يشفي غليله فيما يخص تاريخ المغرب القديم، أو ما يسمى بتاريخ الأمازيغيين وثقافتهم وحضارتهم. فقد انصبت هذه الدراسات على التاريخ الوسيط، والتاريخ الحديث، والتاريخ المعاصر، مع غض الطرف عن أهم مرحلة حضارية في تاريخ المغرب هي فترة الممالك الأمازيغية في صراعها مع الرومان والوندال والبيزنطيين.
وتسمى هذه المرحلة التاريخية أيضا عند الدارسين الغربيين بتاريخ شمال أفريقيا أو تاريخ البربر أو تاريخ الأمازيغ قبل دخول المسلمين إلى تامازغا.
بل وصفت هذه المرحلة بالجاهلية في بعض الدراسات العربية؛ لأنها فترة سبقت دخول الإسلام إلى المغرب، كما يبدو ذلك جليا في كتاب (الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه) لعباس الجراري، حيث عنون الفصل الأول بـ(وجود المغرب الحضاري والثقافي في العصر الجاهلي)[2]. علاوة على ذلك، فقد كانت أغلب الدراسات التاريخية والأدبية تبدأ بعصر الفتوح في تحقيب تاريخ المغرب وتدوينه، كما فعل عبد الله كنون في كتابه (النبوغ المغربي في الأدب العربي)[3]، حيث استهل كتابه القيم بعصر الفتوحات الإسلامية، منتقلا من دولة الأدارسة ، مرورا بالمرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين، وصولا إلى الدولة العلوية في مختلف مراحلها التاريخية، ناسيا أهم فترة في تاريخ المغرب، وهي فترة الأمازيغيين التي تعد مرحلة مهمة للتعرف على حضارة المغرب القديم، ورصد إسهامات الأمازيغ الحقيقية في بناء الحضارة الإنسانية بصفة عامة، والحضارة المتوسطية بصفة خاصة. وفي هذا الإطار، يقول عباس الجراري:” من بين قضايانا التاريخية والفكرية، تبدو قضية مغرب ما قبل الإسلام ذات أهمية كبيرة، لما صادف هذا المغرب عند المؤرخين المغاربة والمسلمين عامة من إهمال يكاد أن يكون تاما.والسبب في هذا الإهمال راجع إلى الفكرة التي انطلقوا منها في التأريخ له، والتي وهموا فيها أنه ولد مع الفتح الإسلامي، وإنه لم يكن له من قبل أي وجود. فكان أن عرضوا عن تلك الفترة، وغدا التاريخ عندهم بالنسبة للمغرب لايبدأ إلا مع الفتح.

وعلى الرغم من أننا لانشك في أن الإسلام أعاد خلق المغرب، وغير مجرى الحياة فيه، وفتح له آفاق حضارة وثقافة جديدتين، وجعله في نطاق هذه الآفاق يتحمل رسالة نهض بها خلال التاريخ.ومازال، فإن وهم المؤرخين في فكرتهم يبدو سافرا لمن يطالع في أبحاث الدارسين من الأجانب، فيتعرف إلى تاريخ المغرب في المرحلة السابقة على الإسلام، ويجده حافلا بالأحداث وملامح الحياة، وبما يستحق أن ينظر فيه ويعنى به، على الرغم مما يكتنفه من غموض واضطراب يعزيان إلى عدم تطور هذا التاريخ في خط طبيعي وباطراد، إذ تعرض لانتكاسات ساهمت في خلق فجوات تمثلها الحلقات المفقودة التي نصادفها باستمرار، ونحن نتتبع تاريخنا القديم، وما تعرض له من تغيرات حضارية وثقافية تحمل معها من الغموض والإبهام بقدر ما يكون فيها من مدى وعمق.”[4]
هذا، وإذا كان تاريخ المغرب القديم، بكل مراحله وحقبه التاريخية، قد أهمله المؤرخون المغاربة القدامى (ابن خلدون، والناصري، وابن عذارى المراكشي، وعبد الواحد المراكشي، وليون الأفريقي، و غيرهم…)، وينطبق هذا الحكم نفسه على كثير من المؤرخين المعاصرين، فماذا نقول عن شخصية الحاكم الأمازيغي يوبا الثاني؟ إذ لم نعثر لها على أثر جلي وبين في كتابات المؤرخين المغاربة، سواء أكانوا قدامى أم محدثين ومعاصرين، على الرغم من فرادة هذه الشخصية المثقفة الموسوعية ، وتميز نبوغها في تاريخنا المغربي القديم بإسهاماتها الثقافية، وإنجازاتها المتنوعة في مختلف الميادين والأصعدة والمستويات ، مع استثناء بعض المصادر والمراجع القليلة جدا التي أشارت إليها بشكل سريع ومقتضب، مثلما هو شأن كتاب: عباس الجراري (الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه)[5]، وكتاب (الممالك الأمازيغية في مواجهة التحديات) لمحمد بوكبوط[6]، ومحمد شفيق في كتابه ( لمحمة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين)[7]، والعربي اكنينح في كتابه ( في المسألة الأمازيغية)[8]، وجميل حمداوي في كتابه(المقاومة الأمازيغية عبر التاريخ)[9]…

وأدهى من ذلك وأمر أن إبراهيم حركات يذهب في كتابه (المغرب عبر التاريخ) إلى أن المغرب ، في عهد المرحلة الرومانية، لم يعرف مفكرا أو مثقفا بارزا إلا بعد الفتوحات الإسلامية. وفي هذا المنحى، يقول الدارس:”لكن المغرب لم ينتج من المفكرين البارزين في عهد الرومان أحدا، أو على الأقل من الذين أنتجوا في حقل الفكر شيئا مشرفا.وعلى العكس من ذلك بعد الفتح الإسلامي ببضعة عقود حيث ظهر علماء ومثقفون بارزون من البربر.[10]”

إذاً، يصدر إبراهيم حركات أحكاما مطلقة وعامة خالية من الدقة العلمية؛ لأنه يتناسى أن يوبا الثاني قد خدم الفكر الإنساني أكثر من مثقف أمازيغي إلى يومنا هذا، فقد ألف كتبا شتى لا يمكن عدها ولا إحصاؤها في مختلف المعارف والعلوم والفنون، يعجز المثقفون الأمازيغيون المحدثون والمعاصرون أن يجاروه في ذلك شأوا وسبقا وموسوعية، مهما كان باعهم العلمي أو شأنهم الفكري والثقافي.

أما الكتابات الكولونيالية (الاستعمارية)، فقد اهتمت اهتماما كبيرا بيوبا الثاني، مثل: كتاب (المغرب القديم) لجيروم كركوبينو (Jérôme Carcopino)[11]، وكتاب( تاريخ شمال أفريقيا القديم ) لستيفان أگصيل(Stephane Gsell)[12]، وكتاب (تاريخ شمال أفريقيا) لشارل أندري جوليان (CH.André Julien)…[13]
بيد أن عبد الله العروي يشكك في هذه الكتابات الكولونيالية، ويسفه منهجها الاستعماري، مادام هدفها الحقيقي هو الدفاع المستميت عن التفوق الحضاري الغربي مقارنة بالتفوق الحضاري الأمازيغي أو العربي. وفي هذا الإطار، يقول عبد الله العروي في كتابه( مجمل تاريخ المغرب):” من المعلوم أن معرفة التاريخ تتبع طريقا معاكسا لاتجاه توالي الأحداث، يعرف الإنسان مباشرة الوقائع المعاصرة له، ولا يعرف إلا بمشقة الأحداث البعيدة عنه. وهكذا لم تدرس، في تاريخ المغرب، الحقبة التي سبقت تأسيس محطات فينيقية، أواخر القرن العاشر ق.م، إلا في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وهو موضوع تخصص فيه الدارسون الاستعماريون، وجالوا فيه بدون منازع، حيث لم يكن للمغاربة، قدامى ومحدثين، ما يقولونه في شأنه.
أمر طبيعي حيث إن علم أصل الإنسان حديث جدا.
كانت دراسات الحقبة المذكورة، إلى غاية الحرب العالمية الأولى، مرتبطة بالكلاسيكيات (أي بالأدبيات اليونانية والرومانية)، كان ستيفان أكصيل من جامعة الجزائر هو شيخ مؤرخي المغرب القديم في تلك الفترة.وكانت نتائج الحفريات، التي تقدمت مناهجها تقدما باهرا في أوروبا، وطبقت في الشمال الأفريقي، لاتستعمل إلا لمراجعة وتدقيق المعطيات الأدبية التي كانت تحتل دائما المرتبة الأولى. بعد 1930م، دخلت دراسات المغرب القديم طورا جديدا عندما حل ليونيل بالو محل أكصيل، فحصل فعلا تغيير عام، وقدمت الوثيقة الأثرية على الوثيقة الأدبية، غير أن الاتجاهين كانا يخضعان معا للخلفيات الإيديولوجية نفسها، مما حد من تأثير التجديد المنهجي.إن أمثال أكصيل وبالو هم الذين روجوا، باسم العلم الموضوعي، تلك الأفكار المشوهة عن ماضي المغرب التي سنعرض لها بالنقد مرارا في الصفحات اللاحقة. ليس في هذا الأمر ما يدعو إلى الاستغراب حيث إن المتخصصين في ما قبل التاريخ جاءوا بعد المؤرخين.أي: بعد أن رسخت في الأذهان دعاوى الاستعمار.”[14]
ويتبين لنا، مما سبق ذكره، بأن الدراسات الكولونيالية التي درست المغرب القديم بصفة عامة، وتاريخ يوبا الثاني بصفة خاصة، تحمل ، في طياتها، خلفيات سياسية وإيديولوجية وعرقية، حتى وإن غلفت في ثوب علمي موضوعي ، مستندة في ذلك إلى الوثائق والحفريات والنصوص والاستكشافات الدقيقة.
=======================

[1]- ستيفان أگصيل: تاريخ شمال أفريقيا، ترجمة: محمد التازي سعود، الجزء الثامن والأخير، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:219. [2]- د.عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، مطبعة النجاح الجيدة، الدار لبيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 1982م، ص:11. [3]- عبد الله كنون: النبوغ المغربي في الأدب العربي، ثلاثة أجزاء، بدون ذكر المطبعة ومكانها، الطبعة الثانية، 1960م، ص:37. [4]- د.عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، مطبعة النجاح الجيدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 1982م. ، ص:13-14. [5]- انظر: د.عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، مرجع سبق ذكره. [6]- محمدبوكبوط: الممالكالأمازيغيةفيمواجهةالتحديات،منشوراتمركزطارقب نزياد،الرباط،،الطبعةالأولىسنة 2002م. [7]- محمدشفيق : لمحةعنثلاثةوثلاثينقرنامنتاريخالأمازيغيين،دارالكلام ،الرباط،الطبعةالأولىسنة 1989م. [8]- العربي أكنيح: في المسألة الأمازيغية، أصول المغاربة، مطبعة أنفوبرانت، الليدو- فاس، الطبعة الأولى سنة 2003م، ص:21. [9]- د.جميل حمداوي: المقاومة الأمازيغية عبر التاريخ، منشورات المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2013م. [10]- د.إبراهيمحركات: المغربعبرالتاريخ،الجزءالأول،دارالرشادالحديثة،الدار البيضاء،المغرب،الطبعةالأولى 2009م،ص: 61. [11]- جيروم كركوبينو: المغرب العتيق، ترجمة: محمد التازي سعود، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2008م، [12]- ستيفان أگصيل: تاريخ شمال أفريقيا،مرجع سبق ذكره. [13]- أندريجوليان: تاريخشمالأفريقيا،تعريبمحمدمزاليوالبشيرابنسلامة،الد ارالتونسيةللنشر،ص:252. [14]- عبد الله العروي: مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1984م، ص:37.