بحث: الأحزاب السياسية والتنمية السياسية في الجزائر
17-04-2015, 05:13 PM
الأحزاب السياسية والتنمية السياسية في الجزائر
مقدمة:
لعبت الأحزاب السياسية من الناحية التاريخية دورا في التحولات السياسيةعبر العالم، سواء من حيث التحرر أو مواجهة الحكومات الاستبدادية، أو منخلال دورها في طرح البرامج ومناقشة ونقد السياسات الحكومية والتنموية، مماجعل كثير من الدارسين في أدبيات التنمية السياسية مثل جوزيف لابالومباراJ Lapalombara وميرون وينر M Weiner يشيرون إلى أهمية الأحزاب السياسية منخلال دورها التعبوي أو البرنامجي في التنمية السياسية، هذه العملية التييصفها صموئيل هنتنغتون Huntington أنها عملية معقدة وراديكالية وطويلةالأمد وغير قابلة للرجوع إلى الوراء،. ولكن لعوامل معينة تصبح الأحزابالسياسية عائقا أمام التغيير وبعضها سيعمل على الحفاظ على الأوضاع القائمةلتكريس امتيازات حزبية أو مصلحية معينة .
وما يلاحظ في الجزائر هو أن التغيير نحو الديمقراطية والذي يمكن أن نقيمعلى ضوءه مسار عملية التنمية السياسية في الجزائر، لا زال موضع شك ونقد،فرغم المسار الديمقراطي الذي تعثر في التسعينيات وأعيدت له الحياة فيمابعد، إلا أنه أصبح مسارا مقيد ومحدودا. والورقة تتساءل عن دور الأحزابالسياسية في الجزائر ومسؤوليتها في حل الأزمة السياسية وترسيخ الديمقراطيةوالدفع بالتغيير السياسي والتنمية السياسية. وذلك على ضوء الفرضياتالتالية:
1) تلعب البنية التنظيمية الداخلية للحزب دورا في التغييرالخارجي.
2) الأحزاب السياسية في ظل التعددية السياسية عامل مساعد فيالتنمية السياسية.
الكلمات المفتاحية: التنمية السياسية، التغيير السياسي، الحزب السياسي، النظام الحزبي.
الدلالة النظرية والميدانية للتنمية السياسية:
عبر العديد من أدبيات التنمية السياسية والعوامل التي تؤدي إليها، يصعبإيجاد تعريف جامع مانع لمفهوم التنمية السياسية، هذا فضلا عن النقد الذيتوجه إلى هذا المفهوم، وتزداد الصعوبة بالانتقال إلى المستوى الإجرائيللمفهوم، وكيفية أيجاد مؤشرات ومقياس على أساسه يمكننا أن نرتب الدولوالمجتمعات وفق مقياس التنمية السياسية
يرتبط هذا المفهوم بانتقال النظم السياسية من نظام يقال عنه تقليدي إلىنظام سياسي حديث، أي إذا كان هناك من الناحية الاقتصادية أنظمة في طريقالنمو، فإن هناك أنظمة سياسية في طريق التحديث. وهو يشير إلى مسار عمليةالتطور في النظام السياسي التي تعزز الاستقرار. ولكن تبرز العديد منالاسئلة حول هذا المفهوم من حيث مكونات وعناصر التنمية السياسية وكيف نقيسالتنمية السياسية؟
ففي مجال التعاريف حول التنمية السياسية، يعرفها جابريل الموند بأنها: الزيادة في مسوى التمايز البنيوي والتخصص الوظيفي في النظام السياسي،والذي يمكنه من الاستجابة لمحتلف الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. ويعرف لوسيان باي التنمية السياسية بأنها " 1)زيادة النظام السياسي فيقدراته، من حيث تسيير الشؤون العامة وضبط النزاعات وتلبية المطالب"،2) الزيادة في التوجه نحو المساواة من خلال المشاركة السياسية والانتقال منثقافة الخضوع إلى ثقافة المشاركة، سواء من خلال طرق ديمقراطية ( توسعالاقتراع العام)، او من خلال زيادة التعبئة السيايسية، 3) التجنيد فيالمناصب العامة على أساس الجدارة وليس عبر الطرق التقليدية . ,ولكن تبقىمشكلة كيفية قياس التنمية السياسية وعلاقة هذا المفهوم بمفاهيم التحديث،التصنيع، الدمقرطة، التطور، لذا يرى صموئيل هنتنغتون S Huntingtonان مفهومالتنيمة السياسية يختلف عن بقية المفاهيم الاخرى مثل التحديث والتصنيع،ويضرب على ذلك بمثال الهند، فهي من جهة مجتمع تقليدي من الناحيةالاقتصادية والاجتماعية في قسم كبير جدا من سكانها، ومن جهة اخرى هي بلدمتطور من الناحية السياسية، باعتبارها أكبر بلد ديمقراطي في العالم. ويقصدهنتنغتون بالتنمية العملية التي بمقتضاها يزداد ترشيد السلطة Rationalization of Authority ، والتباين في الهياكل والابنية والمؤسساتالسياسية، وزيادة المشاركة السياسية . ويقصد هنتنغتون من ترشيد السلطةاحلال سلطة قائمة على أسس دينية او عائلية وراثية إلى سلطة سياسية موحدةوذات طابع قومي وطني، ويقصد بالتباين في الهياكل والابينة السياسية فصلالمجال السياسي عن بقية المجالات المجتمعية الاخرى. اما المشاركة السياسيةفيقصد بها ازدياد انخراط المواطنين في الشان السياسي.
التوجهات النظرية في دراسة التنمية السياسية:
الاتجاه الكمي:
وهو مجموعة الابحاث والدراسات المتأثرة بالموجة السلوكية في اعتمادها علىالطرق الكمية، ويحاول هذا الاتجاه ربط التغير السياسي والنزعة إلىالاستقرار والتطور في الأداء السياسي إلى النمو الاقتصادي وما يؤدي إليهمن تغيرات اجتماعية وسياسية، فعالجت هذه الدراسات النظرية مسألة التنميةالسياسية كناتج لتطورات اقتصادية واجتماعية .
الاتجاه الكيفي:
هذا الاتجاه يدرس تطور الأنظمة السياسية من منطلق التحولات النوعية التيتحدث فيها، فانطلاقا من الدراسات الانثروبولوجية يرى مشيل فوكو بأن هناكعلاقة بين مصدر المعرفة وأنظمة الحكم، أو أن أنظمة الحكم تأثرت بتطورالوعي الانساني والمعارف العلمية، ففي عصر الخرافة والاعتقاد بأن الآلهةهي مصدر المعرفة كان الحكم ثيوقراطيا، وحين ساد أن مصدر المعرفة همالأبطال كان الحكم ارستقراطيا، وحين ساد الاعتقاد بالانسان سادت النظمالجمهورية.
ومن أهم رواد المدخل الكيفي جابريل ألموند، صموئيل هنتنغتون، سيدني فيربا،حيث يرى ألموند بأن التنمية السياسية هي المسار الذي عرفته النظم السياسيةعبر التاريخ في تطور أبنيتها ووظائفها، من حيث الاتجاه نحو التخصص الوظيفيوالتمايز البنيوي ، مما يعزز من زيادة قدرات الأنظمة السياسية .
دور الأحزاب السياسية في التنمية السياسية:
لقدأشار العديد من رواد نظريات التنمية السياسية إلى دور الأحزاب السياسيةكمؤسسة وكوظيفة في عملية التنمية السياسية، فهي مؤسسة لم تستغن عنها الدولالحديثة والتي سعت نحو التطوير والتحديث، من خلال تجارب الحزب الواحد ودورهذه الأحزاب في التعبئة نحو المشاركة السياسية القسرية أو الطوعية فيالعديد من الأنظمة السياسية، ولجلب التأييد للمشاريع التنموية وبناءوتعزيز الشعور القومي، لكن بينة الأحزاب السياسية ووظيفتها تغيرت جذريا فيالوقت الراهن. ولأن العديد من المتخصصين في الأحزاب السياسية يتحدثون عنانحطاط الأحزاب السياسية في الديمقراطيات الراسخة ، وامتداد هذا الانحطاطإلى المجتمعات الأخرى، لتتحول الأحزاب السياسية إلى أحزاب لاقطة او احزابالكارتل، أو أحزاب بيروقراطية هي امتداد لجهاز الدولة في النظمالبيروقراطية – التسلطية.
والأهمية المركزية التي كانت تحتلها الأحزاب السياسية في حياة المواطنينوالمناضلين من خلال الأحزاب الجماهيرية والاندماجية التي لم تعد موجودةعلى الساحة السياسية الحالية، حلت محلها فواعل جديدة بفضل تطورالتكنولوجيا الإعلامية وتعدد مصادر المعلومات وتقلص دورها في الانتخاباتوفي الحملات الانتخابية. لكن هناك عوامل أخرى أدت إلى تهميش دور الأحزابالسياسية في عملية التنمية السياسية والتي يقصد بها زيادة المشاركةالسياسية وتعزيز المأسسة داخل الأبنية السياسية والمؤسسات السياسية والتيمن ضمنها الأحزاب في حد ذاتها، هذا ما نعرضه حول واقع الأحزاب السياسية فيالجزائر.
البنية الداخلية للأحزاب السياسية الجزائرية والتغيير:
إن الأحزاب السياسية في الجزائر لا تعرف دوران سلس ومرن للنخبة. فبقاءالقيادات واستمرارها، غياب التناوب على السلطة هي الخصائص الغالبة في معظمالأحزاب السياسية المهمة. توجه بنية الأحزاب السياسية نحو اتخاذها طابعالكرتلة أو الاحتكار، فالأحزاب السياسية تفتقر إلى المرونة والتغييروالمراجعة في خطاباتها السياسية وفي تحليلها للوضع العام للبلاد.
فهناك واقع اوليجاركي للأحزاب السياسية في ظل طموح ديمقراطي وطموح التغييرعلى مستوى القواعد الحزبية، ونتيجة لعدم المرونة في التناوب على السلطةفقد عرفت الأحزاب السياسية أزمات سياسية عشية انعقاد المؤتمرات الخاصةبتجديد هياكل الحزب، فقد عرف هذا النوع من الأزمات كل من حمس في سنة 2008،والنهضة والإصلاح وجبهة التحرير الوطني في 2003. حيث بات من المألوف علىالساحة الحزبية أن يحدث الانشقاق بين تيار تصحيحي والأخر موال للقيادةالحزبية الحالية. والكيفية الثانية لحدوث أزمات التناوب تتم عن طريقالانقلابات داخل الأحزاب السياسية كما حدث مع عبد الحميد مهري في حزب جبهةالتحرير الوطني، وجاب الله مع حزبه الأول النهضة وحزبه الثاني حركةالإصلاح.
إن السبب الرئيسي يرجع إلى عدم تفكير الأحزاب السياسية في تحديد آلياتتنظيمية واضحة للتناوب على السلطة أو عدم العمل بها. والسبب الثاني يرجعإلى النشأة الحديثة للأحزاب السياسية حيث أن الديمقراطية الداخلية للأحزابلم تكن من بين الأولويات أمام اعتبارات انتخابية وسياسية أخرى، حيث أنبروز قيادات سياسية غير معروفة للحزب سيكون له ثمن انتخابي باهظ على حسابشعبية الحزب التي تتمحور حول القيادات السياسية المؤسسة لها. والسببالثالث يكمن في الطبيعة الأتوقراطية للأحزاب السياسية في الجزائر حيثتنحصر معظم الصلاحيات في رئيس الحزب من الناحية الفعلية، فالنمط السائدللأحزاب السياسية هو النمط الرئاسي.
يبقى تساؤل جدير بالطرح عن سر بقاء التصلب التنظيمي والهيكلي داخل الأحزابالسياسية الجزائرية مع ما يحمله التجديد التنظيمي وإفساح المجال أمامالمشاركة السياسية الحزبية من تجديد لدماء الحزب ودخول فئات شابة وتوسعقاعدة الحزب الاجتماعية، ومثال ذلك لماذا لا تفكر الأحزاب السياسية في فتحالمنافسة السياسية داخليا عبر تنظيم انتخابات أولية، تمكنها من ترشيحالمنتخبين الأكثر شعبية وتسمح للأحزاب بتوسيع قاعدتها الشعبية بانفتاحهاعلى الجماهير.
البرامج الحزبية الجزائرية:
إن البرامج الحزبية التي تقدمها الأحزاب في الجزائر عادة غير واضحة كماأخذ النقاش البرامجي يفقد أهميته لدى الأحزاب السياسية ولدى الرأي العام،وذلك لعدة أسباب، افتقاد لرؤية واضحة حول التنمية بمختلف أبعادها، وتفتقرإلى وضوح للرؤية حول الخروج من الأزمة الأمنية والسياسية، وحول مواجهةالمشاكل الاجتماعية. ومن نتائج ذلك خفوت النقاش الإيديولوجي والسياسي بينالأحزاب السياسية، وتراجع الحماس للعمل الحزبي في أوساط المواطنين والسلوكالنضالي. فتأييد برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حول السلم والمصالحةومشاريع التنمية على سبيل المثال يمثل علامة فشل الأحزاب السياسية فيبلورة برامج للتنمية ولحكم البلاد ومعالجة الأزمات، فبدلا من سعي الأحزابالسياسية لتقديم برامج واقتراحات بديلة ومثرية حول مشروع المصالحة وكيفيةإنجاحه إن كانت فعلا تسعى لتأييده وإنجاحه، وتقديم برامج واقتراحات حولالأولويات التنموية والموقف من الاستثمارات الأجنبية، ومسألة العدالةالاجتماعية وتوزيع الثروة والسياسة الضريبية، وغيرها . وبدلا من ذلك اكتفتمعظم الأحزاب بالتأييد أو بالتركيز على جوانب أخرى من القضايا السياسية. لذا ينتقد الكثير من الباحثين والملاحظين غياب القضايا الجوهرية والأساسيةمن برامج الأحزاب السياسية الجزائرية، مثل تقييم العملية الديمقراطية،الفساد السياسي، علاقة السلطات المدنية مع العسكرية.
هذه المواضيع تعكس أزمة المشروع وأزمة البرنامج عند الأحزاب السياسية، هذاالمشروع الذي طال البحث عنه طيلة عشرين سنة من الدخول في عهد التعدديةالسياسية والإعلان عن الإصلاحات والدخول في مرحلة انتقالية لم يتحققالخروج منها بعد، فقد فشلت الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب السلطة منالخروج من المرحلة الانتقالية من النهج الاشتراكي إلى رأسمالية أو إلىنظام سوق لم يتحقق بعد، ولازال هناك تردد في الكثير من التفاصيل، وأخطاءيمكن أن ترهن الأجيال اللاحقة خصوصا في مجال المحروقات والاستثماراتالأجنبية والسياسات المالية.
فالأحزاب الإسلامية تفتقر في برامجها إلى رؤية في كيفية الحكم، وكيفيةالمخرج من الأزمة الاقتصادية، ومعالجة المشاكل الاجتماعية والتي تقفالبطالة في صدارة هذه المشاكل. أما أحزاب الإدارة أو الأحزاب الوطنيةالممارسة للسلطة فلم يتغير خطابها وتصورها حول الإصلاح الاقتصادي والسياسيفي إطار خطاب تقليدي لا يخاطب الأغلبية الساحقة للجماهير، والأحزابالمسماة بالديمقراطية تطرح بعضها من برنامجها بعيد عن الديمقراطية توصفبأنها برامج اتوقراطية تحديثية، تحاول في برامجها فرض حداثة قسرية علىالمجتمع. والعامل المشترك الغائب هو النقاش حول التحول الديمقراطي.
علاقة الأحزاب السياسية بالمجتمع:
نتيجة ما سبق عرضه ، فإن انعكاسات الواقع التنظيمي والسلطوي داخل الأحزابالسياسية سينعكس بدوره على العلاقة بين الأحزاب والمجتمع، والتي هي علاقةمحدودة وأصبحت تبني على أسس مصلحية وانتخابية، من خلال ممارسات القبليةوالجهوية والزبائنية في الانتخابات. وتيجة لذلك فقد المجتمع خصوصا فيأوساط المدن عالية الكثافة الأمل من الأحزاب السياسية والتغيير عبر صناديقالاقتراع من خلال الارتفاع المتواصل في نسب المقاطعة الانتخابية في أوساطالمدن، والإقبال على النشاطات السياسية. وقد تبلورت توجهات بدبلة فيالمجتمع تنفر من العمل الحزبي والسياسي باللجوء إلى العمل في جمعياتالمجتمع المدني. ضعف الصلة بين الأحزاب السياسية والمجتمع جعل الأحزابالسياسية تبتعد عن اداء وظيفتها الأساسية المتمثلة في الوساطة بين المجتمعالمدني والسلطة أو ما يسمى بالوظيفة المنبرية للأحزاب السياسية لإيصالالأصوات المحتجة والمعارضة إلى السلطات، وبدل ذلك أصبحت امتدادا للإدارةالحكومية وامتداد للسلطة، مما افقدها الكثير من المصداقية أمام الناخبينوالمتعاطفين. هذا يبرز من خلال خروج الأحزاب السياسية وتجاوز الأحداث لهاأو عدم قدرتها على الاستجابة للمطالب التي يعبر عنها المواطنون في العديدمن المناسبات، من خلال العديد من مظاهر الاحتجاجات الاجتماعية والتي اتسمتبالعنف التلقائي، بل إن هذا العنف والسخط أتجه بدوره إلى الأحزاب السياسيةمثل ما حدث من حرق مقرات أحزاب الارسيدي والأفافاس في منطقة القبائل رغمأنها تمثل معقلا لها.
النظام الحزبي في الجزائر من يصنعه:
في الأدبيات التي تدرس الأنظمة الحزبية في الأنظمة الديمقراطية، فإن تشكلالأنظمة الحزبية وتغيرها يخضع للآليات الانتخابية ولتغير أفضليات الناخبينوتعبر عن الانقسامات والصراعات الاجتماعية الكبرى. أما في الجزائر فمنالمبكر أن نتكلم عن نظام حزبي خلال المدة المحدودة من 1991 إلى 2005، ومعذلك فما يطبع النظام الحزبي من خلال قراءة أولية له هو عدم الاستقرارووجود الأصوات العائمة، وميل النظام الحزبي نحو الحزب المهيمن ذو النزعةالتسلطية، وهو بديل فرضته السلطة وفق هندسة انتخابية تعكس توزيع الحصصأكثر مما تعكس وجود انتخابات فعلية. هذا أفرغ التعددية الحزبية من مضمونهالأنها وقعت مجددا في الأحادية المرنة وغير المباشرة، بإعادة جبهة التحريرالوطني إلى الواجهة وفرضها كحزب مهيمن.
فالأحزاب السياسية إذا أريد لها أن تلعب دورا في تنمية وتطوير قدراتالنظام السياسي، فلابد أن تعكس التصدع الاجتماعي والسياسي الفعلي، وما هوواقع هو محاولة تغطية التصدعات الاجتماعية وحصرها، بدلا من معالجتهاوعرضها على المسرح السياسي لتجد التعبير المؤسسي لها، فيرى عدي هواري أنالتصدع بين الدولة والمجتمع هو الذي افرز الانتصار الساحق للجبهةالإسلامية، وتم إلغاء هذه النتيجة وعدم القبول بها.
هل نتوقع التغيير من الأحزاب السياسية في الجزائر:
المسؤولية لا تتحملها الأحزاب، فهناك بيئة لا تشجع على التغيير السياسيوالعمل الحزبي، من أهمها: مظاهر الثقافة السياسية السلوكية والقيمية لدىفئات كبيرة من المواطنين والتي لها توجه سلبي ونافر من الأحزاب السياسيةيدعم حججه بأنها مجرد بوق للنظام وبأنها إطار للسياسيين الذين يسعون نحوالمصالح الشخصية، ولم تلعب الأحزاب السياسية شيئا في تحسين ظروفهمالمعيشية، وهذا التوجه السلبي من الثقافة السياسية تشجع عليه السلطة،وتضيف إليه جملة من الممارسات مثل التضييق على تشكيل الأحزاب السياسية منخلال جملة من القرارات والقوانين التي تقيد نشوء الأحزاب السياسية، وهنانتساءل لماذا تمتلك وزارة الداخلية صلاحية الحسم في الملفات الحزبية منحيث الاعتماد وتجديد الهياكل الحزبية، والمفروض أن تتولى ذلك هيئة إداريةقضائية محايدة، كما هو الحال في العديد من الديمقراطيات الراسخة.
تعرض الأحزاب السياسية للعديد من الأزمات الداخلية كانت السلطة السياسيةطرفا غير محايد فيها. كما أن هناك من يرى بأن الأحزاب السياسية في الجزائرليست في موضعها الوظيفي الصحيح بسبب بنية السلطة التي لا تشجع علىالديمقراطية التمثيلية، لأنها سلطة مزدوجة قائمة على السلطة الفعليةالعسكرية والسلطة الشكلية الظاهرية المدنية، وان الأمر يستدعي تعديلادستوريا يعترف بمكانة الجيش في النظام السياسي وفي نفس الوقت يعطيالاعتبار للمؤسسات السياسية التمثيلية.
وهناك اتجاه يشكك في الاستقلالية الفعلية للأحزاب السياسية من الناحيةالثقافية والتنظيمية عن السلطة، فيرى أنها أما امتداد لآحد الاجنحة أوتعمل لتأييد مشاريع السلطة دون ان تكون لها القدرة على اتخاذ مواقف مستقلةومعارضة ، وذلك لضمان البقاء السياسي. فالأمر برمته في الجزائر يرجع إلىغياب المعارضة السياسية الحزبية أو تهميش وتغييب المعارضة بمختلف الوسائلوتقزيمها بحيث لم تعد لها قوتها السياسية. لذا يرى ثنيو على سبيل المثالأن فرصة نجاح الديمقراطية مشروع لازال مؤجلا نظرا لطبيعة السلطة التي يصفاوضاعها " إن استمرار منطق الشرعية الثورية والكفاح الوطني المسلح ضدالاستعمار، وانبناء نواة الحكم على مصدر عسكري، من شأنه أن يبقيالديموقراطية في حكم المؤجل. لأنه ستنتهي كل صور و صيغ التلاعب بحتميةالحل الديمقراطي للأزمة الجزائرية التي تعد في جوهرها تعبير عن الغيابالمتواصل لمقتضيات الديمقراطية من الفضّ السلمي للنزاعات الاجتماعيةوالسياسية، وإمكانية تداول المسئوليات العليا وليس السيطرة على مؤسساتالدولة أو محاولة امتلاكها والا أخذ النظام السياسي الشكل الاستبدادي"
الخاتمة:
منخلال هذه الورقة البحثية، نخلص إلى أن الأحزاب السياسية في الجزائر أصبحتجزءا من مشهد الوضع الراهن وتثبيته، وللتخلص من هذه الوضعية لابد منالتأكيد على أن التغيير يأتي عبر المزيد من الديمقراطية داخل الأحزابالسياسية، وإفساح المجال لمختلف الفئات للمشاركة في العملية السياسية، مماسيشجع على عودة الحيوية إلى الأحزاب السياسية، هذا سينعكس على تطور النقاشوالبرامج السياسية لمعالجة كافة القضايا والمشكلات العامة بوضوح وإثراءالنقاش حولها، ومن جهة أخرى فهناك دور للنظام السياسي وتحويل طبيعة النظامالسياسي المنغلقة إلى نظام سياسي متفتح وقابل للاستجابة للتغيرات الداخليةوالخارجية سيعمل على تغيير بيئة الأحزاب السياسية للعمل السياسي.
قائمة المراجع:-
ألموند، جابريال ، بنجام باول و روبرت مندت. السياسة المقارنة: إطار نظري. ترجمة: محمد زاهي بشير المغيربي. بنغازي، ليبيا: جامعة قار يونس، 1996.
- ثنيو، نور الدين ، "الأحزاب السياسية في الجزائر والتجربة الديمقراطية"، في موقع: التجديد العربي،http://www.arabrenewal.net/index.php?rd=AI&AI0=1584 09/08/2008
- حسنين، توفيق إبراهيم، النظم السياسية العربية: الاتجاهات الحديثة في دراستها، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005.
- خشيم، مصطفى عبد الله. موسوعة علم السياسة: مصطلحات مختارة. بنغازي، ليبيا: الدار الجامعية للنشر والتوزيع والإعلان، 1994.
- Badie Bertrand, le development poltique, Paris: Puf,
- Hachemaoui Mohammed, La représentation politique en Algérie entre médiation clientélaire et prédation (1997-2002), Revue française de science politique, vol. 53, n° 1, février 2003, pp 35-72.
- Lahouari Addi, les parties politiques en Algérie, Revue de l'Occident Musulman et de la Méditerranée , CNRS Aix-en-Provence, 2005.
- LaPalombara Joseph, “Reflections on Political Parties and Political Development, Four Decade Later”, Party Politics, Vol.13, No.2, 2007, pp 141-154.
- Schwantzenberg Roger-Gerard, Sociologie Politique, 5 ed, Paris : Montchrestien, 1998