رد: رسالة إلى كل مربية: عندما تربين زهرة!!؟
28-11-2015, 01:37 PM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
هذه كلمات طيبات تضمنتها مقالة الأستاذ:"يحيى البوليني" – جزاه الله خيرا-، وهي بعنوان:" وقفات مع تربية البنات" مع شيء من التصرف، فإليكموها:
قد لا يدرك بعض الآباء قدر المهمة العظيمة التي يقومون بها عند تربية بناتهم , وقدر الرسالة السامية التي يحفظون بها القيم والأخلاق في المجتمع المسلم: إن أحسنوا تلك التربية، فضلا عن الأجر والثواب المرجوين، لأنها قربى إلى الله سبحانه .
ففي الحديث الذي رواه مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه " , وفي سنن ابن ماجه، وحسنه الألباني، قال صلى الله عليه وسلم:" ما من رجل تدرك له ابنتان، فيحسن إليهما، ما صحبتاه أو صحبهما، إلا أدخلتاه الجنة ".
ولعظيم هذا الأجر: تستحق تربية البنات أن يوليها الآباء عناية كبيرة – خاصة- إذا تيقنا بالعاقبة السيئة على الفرد والمجتمع: إن أُهمل في تلك التربية.
ولكن بعض الناس: قد يستسهلون أمر التربية عموما للبنين والبنات على حد سواء , ويقللون من شأنها , بل ويعتبرون أن تربية البنات يسيرة، ولا تستحق أن يُجهد لها , فيعتقد أنه لا بديل في معاملة البنات عن الشدة والحزم والضغط الذي يصل أحيانا إلى الضرب والحرمان وكافة أنواع الإيذاء البدني والنفسي , وذلك من خلال توارث الناس لتلك المفاهيم في تراثهم الشعبي!!؟، ولنا مع تربية البنات وقفات ثمانية هي:
1)- أولا:
في تربية البنات شرف كبير للمسلم، لأنه حينذاك يتأسى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إذ كان أبا لأربع بنات، فرباهن وأدبهن، وأحسن تربيتهن حتى أثمرت تلك التربية النبوية بنتا مثل:" السيدة فاطمة رضي الله عنها": التي روى البخاري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها قبيل وفاته:" أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين ".
2)- ثانيا:
البنات مخلوقات رقيقة ناعمة ضعيفة: لا يصلح معها ما قد يصلح من الشدة والغلظة التي ربما يتعامل بها بعض الآباء مع الذكور من أبنائهم , فهي التي تنشأ في الحلية والزينة، ولا تمتلك القدرة على المجادلة والخصومة، قال الله عز وجل:[ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ]، ولذلك تحتاج تربيتهن إلى وسائل أخرى تتناسب مع رقتهن وتكوينهن الفطري الذي خلقهن الله به.
3)- ثالثا:
قد يظن بعض الآباء: أن دورهم التربوي للبنات ينحصر في توفير الملبس والمأكل والمال، وفي وضع المحاذير، ومعاقبة البنت إن خالفت أو وقعت في محظور، ويلقي بتبعة التربية على عاتق الأم وحدها!!؟، ويظن انه قد أدى كل ما عليه!!؟, ونحن إذ لا ننكر قيمة دور الأم التربوي في حياة أبنائها وبناتها، فإننا نتحدث عن مرحلة تحتاج فيها البنت إلى أبيها ليقوم بدوره التربوي الذي لا تستطيع الأم مهما فعلت أن تقوم به, فتربية البنات عملية مشتركة بين الأب والأم، ولا يغني أحدهما عن الآخر.
4)- رابعا:
في مرحلة الطفولة: تحتاج البنت لأمها لتقوم بأمرها، ولكنها في مرحلة المراهقة تحتاج احتياجا مباشرا وشديدا لأبيها، ليمارس دورا هاما لاستقامة حياتها بعد ذلك, وإذا تقاعس الأب عن أداء الدور، أو كان غير متفهم له، أو غير مقدر لخطورته، فسيكون هو معول الهدم الأول في حياة ابنته، وسيحدث أزمة داخلها: لا عاصم بعد الله من آثارها المدمرة.
5)- خامسا:
يتعلم المربون من خير من ربى البنات صلى الله عليه وسلم:" كيفية معاملته للبنت الصغيرة"، وهو يضرب المثل للرجال جميعا: كي يحسنوا إلى بناتهم في مجتمع كانت سمته:" وأد البنات".
ففي البخاري تقول:" أم خالد بنت خالد بن سعيد"، وهي تحكي عن موقف حدث لها في طفولتها، وكيف كان هذا الموقف مؤثرا في شخصيتها.
أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال:" ائتوني بأم خالد "، فأتي بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده، فألبسها. قال : " أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي "، وكان فيها علم أخضر أو أصفر. فقال: " يا أم خالد هذا سناه " وهي بالحبشية حسنة. قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرني أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعها ".
فالبنت بوجه عام منذ نعومة أظفارها: مخلوق متجمل تحب الإطراء، وتطرب لسماعه، وتؤثر فيها الكلمة الحسنة، وتجعلها لينة طائعة تقبل التوجيه والنصح.
فقد امتدح - صلى الله عليه وسلم - حسن ملابسها، وخاطبها باللغة التي نشأت عليها، والتي تفهمها حيث ربيت مع أبيها وأمها في الحبشة في هجرتهم، وسمح لها باللعب على كتفيه وتحملها، ثم دعا لها بطول العمر، وبشرها بالمستقبل بأنها في حفظ وأمان الأب، وطمأنها أن لا تحمل هما، وأن تبلى وتخلق من الملابس ما شاءت، فالأب سيتكفل عنها بكل شيء.
6)- سادسا:
من سمات النساء عموما - لاسيما البنات-: أنهن ضعيفات وعاطفيات يبحثن دائما عن الأمان، وأول من تنشد البنت عنده الأمان هو:" الأب"، وأول مكان تأوي إليه البنت عند شعورها بالخوف في أي مرحلة من مراحل حياتها هو:" بيت أبيها"، ولهذا لابد للأب: أن يوفر الأمان النفسي لابنته قبل الأمان المادي، وحينما يقصر في ذلك، وتشعر البنت أنها قد افتقدت الأمان عند أبيها وفي بيت أسرتها: ستطلب الأمان خارجه، وقد تتلقفها الأيدي الكاذبة الخادعة الماكرة ذات المنطق المعسول، وما أكثرها!!؟, وحينها لا يلومن الأب إلا نفسه بعد فوات الأوان، لأنه هو الذي دفع ابنته للانحراف بسبب سلوكه.
7)- سابعا:
في فترة المراهقة تحدث تغيرات جسمانية ونفسية معلومة للكثير في حياة البنت المراهقة , فبعض الآباء يهتم في تلك الفترة بالبحث عن وسيلة لتعليم ابنته الأحكام الفقهية، وربما يلقي بالمهمة على الأم، لتعلم ابنتها سرا ما يُستحيا من ذكره على العلن , والأحكام –على أهميتها الكبيرة – ليست كل ما يجب الاهتمام به , فالمراهق يشعر بنوع من الانجذاب الانفعالي للجنس الآخر، ويرغب في تواجد الآخر إلى جانبه بشكل دائم، والتحدث والاستماع إليه , والبنت المراهقة ترى أول رجل تقع عليه عيناها هو:" أبوها": الذي يختزل في نظرها كل الرجال، وعليه تبني مقياسها للحكم على الرجال في باقي حياتها , فإن كان أبا متفهما لدوره التربوي، مقدرا لمشاعرها: ازداد إعجابها بأبيها، وصار مثلا لها، ومعيارا لتقييم الرجال , وحين تتمنى زوجا لها: تتمناه يشبه أباها في صفاته وسلوكه، ولهذا قيل:" كل فتاة بأبيها معجبة ".
وفي المقابل، فالأب القاسي أو المتسلط أو المشغول: الذي لا يعلم عن أهله شيئا: يفقد القدرة على التأثير في ابنته المراهقة، وربما تبحث في الفراغ الذي خلفه عمن يملؤه بدلا منه، وحينها يكمن الشر والضرر.
8)- ثامنا:
تحتاج البنت المراهقة بوجه عام إلى:" الشعور بأنوثتها من الطرف الآخر، والشعور بالاهتمام منه"، وأيضا:" بالشعور بجمالها"، وتحتاج:" لسماع كلمات الرفق والتقدير"، وتحتاج:" للمسة الحانية"، وتعتبر البنت أباها كرجل من ذلك الطرف , فان استطاع الأب: أن يقدم لابنته ذلك الشعور بعطفه وحنانه الأبوي: أقام عندها خطا للدفاع قويا: لا يجعلها هشة إن سمعت كلاما معسولا، أو لُوح لها بلمسة حانية، أو نظرة إعجاب!!؟ , وقد يتعجب البعض من هذا الطرح، ولكن ما وجدناه في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع بناته: يؤكد ذلك، فقد كان يعظم شأن بناته، ويشعرهن بوافر حبه ورحمته بهن , وتوضح ذلك:" أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها"، فتقول:{ ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً برسولالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من فاطمة, كانت إذا دخلت عليه: قام إليها، فأخذ بيدها وقبَّلها ،وأجلسها في مجلسه, وكان إذا دخل عليها: قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته، وأجلسته في مجلسها}. رواه أبو داود والترمذي
فرسول الله: كأب يهش لابنته، ويقربها إليه، ويقوم لها، ويجلسها في مجلسه، وهي تبادله رفقا برفق، ورحمة برحمة في قمة سامية في الخلق الرفيع والتربية الكاملة.
إن هذا التصرف من الأب: يؤمن ابنته ضد الخطر الداهم من كل شيطان يلتف حولها، أو يحاول إغواءها بنظرة مغرضة: ظاهرها الرحمة ، وباطنها العذاب، أو كلمة براقة تخطف الأبصار، أو اهتمام زائف يلغي العقول، ويُذهب بالثوابت.
أيها الآباء:
إن مسئوليتكم عظيمة نحو بناتكم، فهن أمانة بين أيديكم:
فكم من صالحة أنشأت جيلا عظيما: كانت نتاج تربية صالحة من أبيها وأمها.
وكم من منحرفة أفسدت أمة بأسرها: كانت نتاجا لأب ظن أنه بالمال والطعام والشراب: قد أدى كل ما عليه نحو بناته!!؟.
فالله الله في بناتكم.