رواج "روايات الأوبئة" في زمن الكرونا
09-04-2020, 07:07 PM
رواج "روايات الأوبئة" في زمن الكرونا
الطاعون والكوليرا والعمى بعيون الظلام
كامي، ماركيز، ساراماغو، وآخرون
عادت في الآونة الأخيرة الروايات العالمية التي تتحدّث عن الأوبئة لتحقّق الرواج الأعلى والإقبال الأكثر، لعلّ من أشهر هذه الروايات:
• رواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي ألبير كامي
ألبير كامو (1913 – 1960) من مواليد: 7 نوفمبر 1913 ببلدية الذرعان ولاية قسنطينة بالجزائر. تدرّج في دراسته بتفوّق وتميّز من الابتدائي إلى المرحلة الثانوية، ثم تخرّج من جامعة الجزائر بفضل منحة دراسية وذلك لتفوقه ونبوغه، من قسم الفلسفة بكلية الآداب. وهو الفيلسوف والروائي الفرنسي الشهير وملك أدب العبث. حاز جائزة نوبل للآداب عام 1957 – قد ترك عدداً من المسرحيّات والروايات المفصليّة في تاريخ الأدب كـ«الغريب - 1942» و«الطاعون – 1947» و«السقطة 1956»، ضمنّها مواقفه الفلسفيّة الصادمة سرعان ما عُدّت - بعضها على الأقلّ - كلاسيكيّات خالدة تطرح ثيمات إنسانيّة عابرة للحدود والثقافات والأزمنة.
خاض كامي معارك فكريّة وأدبيّة وسياسيّة صحبة رفاق الوجوديّة على غرار جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار عُدّت أرشيفاً مهما للمرحلة التي عاصرها إلى أن رحل عن عالمنا في ربيعه الرابع والأربعين أثر حادث مرور مروع في العاصمة الفرنسية باريس. تطرح أعماله الأدبيّة بفتور رتيب عبثيّة تجربة الوجود البشري برمتها وتستحضر كوابيسها، كما تمتاز فلسفته بالتمرّد والثورة في مواجهة الأقدار المظلمة المحتمة.
أصدر ألبير كامي روايته «الطّاعون» بعد الحرب العالميّة الثانية، سنة 1947 م، وتدور أحداثها بمدينة وهران بالجزائر المحتلة أنذاك. حبك مشاهد قاتمة مستوحاة من أحداث شبه حقيقيّة لتراكم القمامة وجثث الفئران والجراذين في الشوارع العامّة والبنايات السكنيّة متعددة الطوابق التي ما تلبث أن تتسبب في انتشار وباء للطاعون بين سكان المدينة التي تُخضع عندها لحجر صحي شامل. فلا يسمح لأحد بالدخول إليها أو الخروج منها. وتناضل شخصيات أبطال الروايّة كلٌ على طريقته في مواجهة تكاد تكون عبثيّة مع الأوقات المظلمة فيما تتفاقم صناعة «الأخبار الكاذبة» لدى السلطات وفي الصحافة نكراناً لتفشي الوباء أو ادعاء لمحدوديّة تأثيره على صيغة «لا توجد فئران في هذه البناية»، فيما كان السكان أنفسهم يخرّون موتى من الطاعون. هذه الرّواية ولوهلة تبدو وكأنها تستلهم على المستوى الرّمزي المحض الواقع المعيش بكل سلبياته وإيجابياته في مواجهة الوباءات الجديدة من إيبولا إلى سارس، ومن إنفلونزا الخنازير المتصدّع كورونا كوفيد 19.
ولعلّ رواية "الطاعون" بوصفها عملا أدبيا عظيما تتسامى فوق غاية كاتبها الظاهرة، فتقدّم للأجيال المتلاحقة قراءات مفتوحة على مستويات مجازية متعددة عن كلّ طاعون ممكن: التردي الثقافي، أو المسخ الفكري، أو التعصب الديني، أو حتّى البطش الإيديولوجي. وإذا حسبنا كامي من الأدباء العبثيين، والفلاسفة المتشائمين الزاهدين في الحبّ بالخصوص، فإنّ التنقيب في تركته الشخصية أفرز مئات الصفحات من الرسائل الغرامية لحبيبته الإسبانيّة الممثلة ماريّا سيزاريس التي طُبعت وأُصدرت بباريس، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الستين لوفاته.
• "الحبّ في زمن الكوليرا" لغابرييل غارسيا ماركيز
غابريال غارسيا ماركيز أديب كولومبي بدأ حياته صحفيا، ونال شهرة واسعة في عالم الرواية. إذ حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982م. تعدّ روايته "مئة عام من العزلة" من أشهر ما ألّف، وكذلك رائعته "الحبّ في زمن الكوليرا". وتوفي "غابو" عام 2014 عن 87 عاما.
صدرت الرواية للمرة الأولى بالإسبانية في عام 1985م، وهي ذات أحداث متداخلة ومبهرة، يعيش القارئ معها التطورات الحاصلة في منطقة الكاريبي من حروب وتكنولوجيا وغيرها، تدور حول ثلاث شخصيات أساسية: “فلورنتينو أريثا”، المراهق العاشق الذي يكبر ويتغير عبر مسار الرواية، لكن حبّه وإصراره على الفوز بحبيبته الأبدية لا يتغير أبداً، تلك الحبيبة هي “فيرمينا داثا” التي أحبت “فلورنتينو” في طيش الصبا، وعنفوان المراهقة. ولكنّها تزوجت “خوفينال أوربينو”، الدكتور العائد من دراسة الطب في فرنسا الذي يعمل على معالجة الكوليرا في بلده والتي حالما وصل إليها لم يجدها جديرة بمشاعر الحنين التي كانت تملؤه.
الرواية تعبّر عن الحب الخالد الذي ابتدأ في المراهقة برسائل دون لقاء، حتى يكتشف والد “فيرمينا داثا” هذا الحبّ، فيقتله بالمعارضة لأنه لا يرى في “فلورنتينو أريثا” الصهر المناسب، لذلك كانت “فيرمينا” مجبرة على الزواج من “خوفينال أوربينو”. عندها اتّخذ “فلورنتينو أريثا” قراره الصارم بالحصول على لقب وثروة ليصبح جديراً بـ “فرمينا داثا”. وقد كرّس حياته كلها من أجل الظفر بـ “فيرمينا”، منذ زواجها عاش على أمل أن زوجها لا بدّ له أن يموت يوماً ما وستعود له، بدون أن يضع احتمالية موته هو أو “فيرمينا” قبله، كان دائماً منتظراً لموت “خوفينال” لأنّ حبه لـ “فرمينا داثا” يجب أن يُخلّد. بعد واحد وخمسين سنة وتسعة أشهر وأربعة أيام من اعترافه الأول بالحبّ، عاد ليعترف بحبه ثانيةً بعد جنازة زوجها “خوفينال” مباشرةً. “فيرمينا” التي كانت تنام ليلتها الأولى كأرملة تمنت أن يخطفها الموت في نومها لأنّها لم تحتمل ألم فراق زوجها، والاستيقاظ بدونه والتعامل مع أشيائه الباقية وحيدة “على الناس الذين يحبّهم المرء أن يموتوا مع كل أشيائهم”. عندما استيقظت في يومها التالي كان “فلورنتينو” هو أول ما شغل تفكيرها.
رغم كل التغيرات الحاصلة في المنطقة وصعود “فلورنتينو أريثا” المهني ورغم علاقاته الغرامية التي فاقت الست مائة، ظل حبّه لـ “فيرمينا داثا” خالداً واحتفظ بقلبه لها وحدها وظلّ يترقب الأيام وحضورها الدائم فيها.
“فلورنتينو” استطاع كتم هذا الحب عن الجميع إلا أمه، “ترانسيتو أريثا” –المؤمنة بالحب- والتي قالت له: “انتهز الفرصة لتتألم بقدر ما تستطيع الآن وأنت شاب، لأن هذه الأمور لا تدوم مدى الحياة.” لكنّها عندما لاحظت شدة ألم ابنها ظنت أنه مصاب بالكوليرا فخلطت الألم النفسي بالجسدي. “لا يمكن للضعفاء دخول مملكة الحب، لأنّها مملكة قاسية وصارمة.”
كان “فلورنتينو” في عمله يعجز عن صياغة رسالة رسمية واحدة لكنّه كان يكتب رسائل الحب بكلّ سلسة. وهو الخبير بها حتى أصبح سكرتير العاشقين، كانت بداية سنين حبّه لـ “فيرمينا” بتبادل الرسائل التي لم تكن “فيرمينا” شغوفة بها مثله: ”لقد كانت في الواقع رسائل لهو، تسعى إلى الاحتفاظ بالجمر متقداً ولكن من دون أن تضع يدها في النار، فيما “فلورنتينو أريثا” يحترق ويتحوّل إلى رماد في كل سطر يخطُّه.” يقول: “ما يؤلمني في الموت هو ألاّ أموت حباً” ، كان يظن أنه عاش أفضل حياة لأنّ سنوات حياته كانت سنوات حب.
الحب الذي ابتدأ في المراهقة يعود في السبعين بكلّ أصالته ليؤكد لنا “ماركيز” عظمة الحب الصادق : “كانا ينسابان بصمت كزوجين قديمين كَوَتهما الحياة، إلى ما وراء خدع العاطفة، إلى ما وراء ميل الأوهام القاسية وسراب خيبة الأمل: إلى ما وراء الحب. لقد عاشا معاً ما يكفي ليعرفا أنّ الحبّ هو أن نحب في أي وقت وفي أي مكان، وأنّ الحبّ يكون أكثر زخماً كلما كان أقرب إلى الموت”.
رواية "الحبّ في زمن الكوليرا" ليست مجرد قصة حب، إنّها علامة ذوق، أسلوب حياة، رمز وفاء. بصيص أمل.
• رواية "العمى" لخوسي ساراماغو
جوزيه ساراماغو هو أديب وصحفي برتغالي ولد يوم 16 نوفمبر 1922 بمنطقة اريناغا (وسط البرتغال) لعائلة من فقراء المزارعين. بدأ حياته صانع أقفال ثم صحافيا ومترجما قبل أن يكرس وقته للأدب. أصدر روايته الأولى "أرض الخطيئة" عام 1947. وتوقّف عن الكتابة ما يقارب العشرين عاما، ليصدر عام 1966 ديوانه الشعري الأول "قصائد محتملة". كما أصدر نحو عشرين كتابا ويعدّه النقاد واحدا من أهمّ الكتاب في البرتغال بفضل رواياته المتعددة الأصوات، والتي تستعيد التاريخ البرتغالي بتهكم دقيق شبيه بالأسلوب الذي اعتمده فولتير. إنّه عضو في الحزب الشيوعي البرتغالي منذ عام 1959م. حاز على عدّة جوائر أدبيه أهمّها: جائزة نوبل للأدب عام 1998م. عن روايته "سنة موت ريكاردو ريس". توفي ساراماجو في الثامن عشر من مايو عام 2010 م.
رواية "العمى" تختزل قضايا كثيرة في مجتمعاتنا البشرية. يصاب رجل بالعمى، ولكنّه عمى من نوع آخر حيث يرى الشخص الأشياء باللون الأبيض. وسرعان ما انتقلت عدوى العمى إلى المجتمع بأكمله، باستثناء امرأة واحدة لم تصب لسبب غير معروف، فتعيش معاناة مريرة، إلى أن تقول في قرارة نفسها: "ما أصعب أن يكون المرء مبصرا في مجتمع أعمى". وذلك لأنّها قادرة على رؤية كلّ ما يحدث من طغيان وسرقة ونهب وأعمال مخلة. كوارث يقوم بها المصابون الآخرون قصد الحصول على لقمة العيش. كما ترى طبائع الاستبداد وأنواع الديكتاتوريات الذي يفرضها البعض، ليعاني البعض الآخر.
رواية "العمى" تعرّي الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا. ولكنّه تتعاطى الأحداث بطرائق رمزية، إذ يحيل العمى العمى الفكري، وما يصاحبه من جهل وتخلف.
رواية "عيون الظلام" لدين كونتز
دين كونتز كاتب روائى أمريكى من مواليد عام 1945 عُرف برواياته التى تحمل صبغة تشويق غامضة، كذلك تمتزج فى رواياته عناصر رعب وخيال علمى وغموض وسخرية، وظهرت عناوين بعض كتبه فى قائمة النيويورك تايمز لأعلى الكتب مبيعا. ومن مؤلفاته: "موعد مع الجريمة"، و"عيون الظلام".
رواية "عيون الظلام" لدين كونتز صدرت سنة 1981 م، وفيها استشرف المستقبل بتوقّعه ظهور فيروس كورونا "كوفيد - 19" فى مدينة ووهان الصينية.
تدور أحداث رواية "عيون الظلام" فى المدينة ذاتها التي انتشر فيها أول مرّة الفيروس "ووهان"، إذ يطور العلماء فى مختبرات تابعة للجيش الصينى، فيروسا بوصفه جزء من برنامج هذا البلد للأسلحة البيولوجية فى الحروب، وأطلق المؤلف كونتز على الفيروس "ووهان - 400"، وسمّاه "السلاح المثالى"، لأنّه يؤثر فقط على البشر، كما أنّه لا يمكنه البقاء خارج جسم الإنسان لأكثر من دقيقة وتتطلب عملية إزالة تفشيه تكاليف باهظة بمجرد انتشارها بين السكان.
هذه هي الروايات التي طافت على السطح القرائي في الآونة الأخيرة. وبعثتها جائحة "كرونا كوفيد 19"، تحطم الأرقام القياسية بيعا ورواجا بين جمهور القراء في مختلف بقاع المعمورة.
وهكذا فلكلّ مأساة كِتابها. فغداة الاعتداءات الإرهابية في باريس 13 نوفمبر 2015، طافت على السطح القرائي رواية أرنست هيمنغواي "باريس حفلة" حققت مبيعاتها أرقاما قياسية. وإثر الحريق المهول الذي اندلع في كاتدرائية نوتردام، ارتفعت مبيعات رواية فيكتور هيغو "أحدب نوتردام". وحتّى رواية "الطاعون" ذاتها ذاع صيتها في اليابان عام 2011، بعد كارثة فوكوشيما النووية، إذ قامت على إثرها السلطات في البلاد بفرض حصار على المدينة، وتمّ خضاع ساكنتها إلى الحجر الصحي. وكلّ رواية والبشرية بخير... قراءة ممتعة.
الطاعون والكوليرا والعمى بعيون الظلام
كامي، ماركيز، ساراماغو، وآخرون
عادت في الآونة الأخيرة الروايات العالمية التي تتحدّث عن الأوبئة لتحقّق الرواج الأعلى والإقبال الأكثر، لعلّ من أشهر هذه الروايات:
• رواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي ألبير كامي
ألبير كامو (1913 – 1960) من مواليد: 7 نوفمبر 1913 ببلدية الذرعان ولاية قسنطينة بالجزائر. تدرّج في دراسته بتفوّق وتميّز من الابتدائي إلى المرحلة الثانوية، ثم تخرّج من جامعة الجزائر بفضل منحة دراسية وذلك لتفوقه ونبوغه، من قسم الفلسفة بكلية الآداب. وهو الفيلسوف والروائي الفرنسي الشهير وملك أدب العبث. حاز جائزة نوبل للآداب عام 1957 – قد ترك عدداً من المسرحيّات والروايات المفصليّة في تاريخ الأدب كـ«الغريب - 1942» و«الطاعون – 1947» و«السقطة 1956»، ضمنّها مواقفه الفلسفيّة الصادمة سرعان ما عُدّت - بعضها على الأقلّ - كلاسيكيّات خالدة تطرح ثيمات إنسانيّة عابرة للحدود والثقافات والأزمنة.
خاض كامي معارك فكريّة وأدبيّة وسياسيّة صحبة رفاق الوجوديّة على غرار جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار عُدّت أرشيفاً مهما للمرحلة التي عاصرها إلى أن رحل عن عالمنا في ربيعه الرابع والأربعين أثر حادث مرور مروع في العاصمة الفرنسية باريس. تطرح أعماله الأدبيّة بفتور رتيب عبثيّة تجربة الوجود البشري برمتها وتستحضر كوابيسها، كما تمتاز فلسفته بالتمرّد والثورة في مواجهة الأقدار المظلمة المحتمة.
أصدر ألبير كامي روايته «الطّاعون» بعد الحرب العالميّة الثانية، سنة 1947 م، وتدور أحداثها بمدينة وهران بالجزائر المحتلة أنذاك. حبك مشاهد قاتمة مستوحاة من أحداث شبه حقيقيّة لتراكم القمامة وجثث الفئران والجراذين في الشوارع العامّة والبنايات السكنيّة متعددة الطوابق التي ما تلبث أن تتسبب في انتشار وباء للطاعون بين سكان المدينة التي تُخضع عندها لحجر صحي شامل. فلا يسمح لأحد بالدخول إليها أو الخروج منها. وتناضل شخصيات أبطال الروايّة كلٌ على طريقته في مواجهة تكاد تكون عبثيّة مع الأوقات المظلمة فيما تتفاقم صناعة «الأخبار الكاذبة» لدى السلطات وفي الصحافة نكراناً لتفشي الوباء أو ادعاء لمحدوديّة تأثيره على صيغة «لا توجد فئران في هذه البناية»، فيما كان السكان أنفسهم يخرّون موتى من الطاعون. هذه الرّواية ولوهلة تبدو وكأنها تستلهم على المستوى الرّمزي المحض الواقع المعيش بكل سلبياته وإيجابياته في مواجهة الوباءات الجديدة من إيبولا إلى سارس، ومن إنفلونزا الخنازير المتصدّع كورونا كوفيد 19.
ولعلّ رواية "الطاعون" بوصفها عملا أدبيا عظيما تتسامى فوق غاية كاتبها الظاهرة، فتقدّم للأجيال المتلاحقة قراءات مفتوحة على مستويات مجازية متعددة عن كلّ طاعون ممكن: التردي الثقافي، أو المسخ الفكري، أو التعصب الديني، أو حتّى البطش الإيديولوجي. وإذا حسبنا كامي من الأدباء العبثيين، والفلاسفة المتشائمين الزاهدين في الحبّ بالخصوص، فإنّ التنقيب في تركته الشخصية أفرز مئات الصفحات من الرسائل الغرامية لحبيبته الإسبانيّة الممثلة ماريّا سيزاريس التي طُبعت وأُصدرت بباريس، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الستين لوفاته.
• "الحبّ في زمن الكوليرا" لغابرييل غارسيا ماركيز
غابريال غارسيا ماركيز أديب كولومبي بدأ حياته صحفيا، ونال شهرة واسعة في عالم الرواية. إذ حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982م. تعدّ روايته "مئة عام من العزلة" من أشهر ما ألّف، وكذلك رائعته "الحبّ في زمن الكوليرا". وتوفي "غابو" عام 2014 عن 87 عاما.
صدرت الرواية للمرة الأولى بالإسبانية في عام 1985م، وهي ذات أحداث متداخلة ومبهرة، يعيش القارئ معها التطورات الحاصلة في منطقة الكاريبي من حروب وتكنولوجيا وغيرها، تدور حول ثلاث شخصيات أساسية: “فلورنتينو أريثا”، المراهق العاشق الذي يكبر ويتغير عبر مسار الرواية، لكن حبّه وإصراره على الفوز بحبيبته الأبدية لا يتغير أبداً، تلك الحبيبة هي “فيرمينا داثا” التي أحبت “فلورنتينو” في طيش الصبا، وعنفوان المراهقة. ولكنّها تزوجت “خوفينال أوربينو”، الدكتور العائد من دراسة الطب في فرنسا الذي يعمل على معالجة الكوليرا في بلده والتي حالما وصل إليها لم يجدها جديرة بمشاعر الحنين التي كانت تملؤه.
الرواية تعبّر عن الحب الخالد الذي ابتدأ في المراهقة برسائل دون لقاء، حتى يكتشف والد “فيرمينا داثا” هذا الحبّ، فيقتله بالمعارضة لأنه لا يرى في “فلورنتينو أريثا” الصهر المناسب، لذلك كانت “فيرمينا” مجبرة على الزواج من “خوفينال أوربينو”. عندها اتّخذ “فلورنتينو أريثا” قراره الصارم بالحصول على لقب وثروة ليصبح جديراً بـ “فرمينا داثا”. وقد كرّس حياته كلها من أجل الظفر بـ “فيرمينا”، منذ زواجها عاش على أمل أن زوجها لا بدّ له أن يموت يوماً ما وستعود له، بدون أن يضع احتمالية موته هو أو “فيرمينا” قبله، كان دائماً منتظراً لموت “خوفينال” لأنّ حبه لـ “فرمينا داثا” يجب أن يُخلّد. بعد واحد وخمسين سنة وتسعة أشهر وأربعة أيام من اعترافه الأول بالحبّ، عاد ليعترف بحبه ثانيةً بعد جنازة زوجها “خوفينال” مباشرةً. “فيرمينا” التي كانت تنام ليلتها الأولى كأرملة تمنت أن يخطفها الموت في نومها لأنّها لم تحتمل ألم فراق زوجها، والاستيقاظ بدونه والتعامل مع أشيائه الباقية وحيدة “على الناس الذين يحبّهم المرء أن يموتوا مع كل أشيائهم”. عندما استيقظت في يومها التالي كان “فلورنتينو” هو أول ما شغل تفكيرها.
رغم كل التغيرات الحاصلة في المنطقة وصعود “فلورنتينو أريثا” المهني ورغم علاقاته الغرامية التي فاقت الست مائة، ظل حبّه لـ “فيرمينا داثا” خالداً واحتفظ بقلبه لها وحدها وظلّ يترقب الأيام وحضورها الدائم فيها.
“فلورنتينو” استطاع كتم هذا الحب عن الجميع إلا أمه، “ترانسيتو أريثا” –المؤمنة بالحب- والتي قالت له: “انتهز الفرصة لتتألم بقدر ما تستطيع الآن وأنت شاب، لأن هذه الأمور لا تدوم مدى الحياة.” لكنّها عندما لاحظت شدة ألم ابنها ظنت أنه مصاب بالكوليرا فخلطت الألم النفسي بالجسدي. “لا يمكن للضعفاء دخول مملكة الحب، لأنّها مملكة قاسية وصارمة.”
كان “فلورنتينو” في عمله يعجز عن صياغة رسالة رسمية واحدة لكنّه كان يكتب رسائل الحب بكلّ سلسة. وهو الخبير بها حتى أصبح سكرتير العاشقين، كانت بداية سنين حبّه لـ “فيرمينا” بتبادل الرسائل التي لم تكن “فيرمينا” شغوفة بها مثله: ”لقد كانت في الواقع رسائل لهو، تسعى إلى الاحتفاظ بالجمر متقداً ولكن من دون أن تضع يدها في النار، فيما “فلورنتينو أريثا” يحترق ويتحوّل إلى رماد في كل سطر يخطُّه.” يقول: “ما يؤلمني في الموت هو ألاّ أموت حباً” ، كان يظن أنه عاش أفضل حياة لأنّ سنوات حياته كانت سنوات حب.
الحب الذي ابتدأ في المراهقة يعود في السبعين بكلّ أصالته ليؤكد لنا “ماركيز” عظمة الحب الصادق : “كانا ينسابان بصمت كزوجين قديمين كَوَتهما الحياة، إلى ما وراء خدع العاطفة، إلى ما وراء ميل الأوهام القاسية وسراب خيبة الأمل: إلى ما وراء الحب. لقد عاشا معاً ما يكفي ليعرفا أنّ الحبّ هو أن نحب في أي وقت وفي أي مكان، وأنّ الحبّ يكون أكثر زخماً كلما كان أقرب إلى الموت”.
رواية "الحبّ في زمن الكوليرا" ليست مجرد قصة حب، إنّها علامة ذوق، أسلوب حياة، رمز وفاء. بصيص أمل.
• رواية "العمى" لخوسي ساراماغو
جوزيه ساراماغو هو أديب وصحفي برتغالي ولد يوم 16 نوفمبر 1922 بمنطقة اريناغا (وسط البرتغال) لعائلة من فقراء المزارعين. بدأ حياته صانع أقفال ثم صحافيا ومترجما قبل أن يكرس وقته للأدب. أصدر روايته الأولى "أرض الخطيئة" عام 1947. وتوقّف عن الكتابة ما يقارب العشرين عاما، ليصدر عام 1966 ديوانه الشعري الأول "قصائد محتملة". كما أصدر نحو عشرين كتابا ويعدّه النقاد واحدا من أهمّ الكتاب في البرتغال بفضل رواياته المتعددة الأصوات، والتي تستعيد التاريخ البرتغالي بتهكم دقيق شبيه بالأسلوب الذي اعتمده فولتير. إنّه عضو في الحزب الشيوعي البرتغالي منذ عام 1959م. حاز على عدّة جوائر أدبيه أهمّها: جائزة نوبل للأدب عام 1998م. عن روايته "سنة موت ريكاردو ريس". توفي ساراماجو في الثامن عشر من مايو عام 2010 م.
رواية "العمى" تختزل قضايا كثيرة في مجتمعاتنا البشرية. يصاب رجل بالعمى، ولكنّه عمى من نوع آخر حيث يرى الشخص الأشياء باللون الأبيض. وسرعان ما انتقلت عدوى العمى إلى المجتمع بأكمله، باستثناء امرأة واحدة لم تصب لسبب غير معروف، فتعيش معاناة مريرة، إلى أن تقول في قرارة نفسها: "ما أصعب أن يكون المرء مبصرا في مجتمع أعمى". وذلك لأنّها قادرة على رؤية كلّ ما يحدث من طغيان وسرقة ونهب وأعمال مخلة. كوارث يقوم بها المصابون الآخرون قصد الحصول على لقمة العيش. كما ترى طبائع الاستبداد وأنواع الديكتاتوريات الذي يفرضها البعض، ليعاني البعض الآخر.
رواية "العمى" تعرّي الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا. ولكنّه تتعاطى الأحداث بطرائق رمزية، إذ يحيل العمى العمى الفكري، وما يصاحبه من جهل وتخلف.
رواية "عيون الظلام" لدين كونتز
دين كونتز كاتب روائى أمريكى من مواليد عام 1945 عُرف برواياته التى تحمل صبغة تشويق غامضة، كذلك تمتزج فى رواياته عناصر رعب وخيال علمى وغموض وسخرية، وظهرت عناوين بعض كتبه فى قائمة النيويورك تايمز لأعلى الكتب مبيعا. ومن مؤلفاته: "موعد مع الجريمة"، و"عيون الظلام".
رواية "عيون الظلام" لدين كونتز صدرت سنة 1981 م، وفيها استشرف المستقبل بتوقّعه ظهور فيروس كورونا "كوفيد - 19" فى مدينة ووهان الصينية.
تدور أحداث رواية "عيون الظلام" فى المدينة ذاتها التي انتشر فيها أول مرّة الفيروس "ووهان"، إذ يطور العلماء فى مختبرات تابعة للجيش الصينى، فيروسا بوصفه جزء من برنامج هذا البلد للأسلحة البيولوجية فى الحروب، وأطلق المؤلف كونتز على الفيروس "ووهان - 400"، وسمّاه "السلاح المثالى"، لأنّه يؤثر فقط على البشر، كما أنّه لا يمكنه البقاء خارج جسم الإنسان لأكثر من دقيقة وتتطلب عملية إزالة تفشيه تكاليف باهظة بمجرد انتشارها بين السكان.
هذه هي الروايات التي طافت على السطح القرائي في الآونة الأخيرة. وبعثتها جائحة "كرونا كوفيد 19"، تحطم الأرقام القياسية بيعا ورواجا بين جمهور القراء في مختلف بقاع المعمورة.
وهكذا فلكلّ مأساة كِتابها. فغداة الاعتداءات الإرهابية في باريس 13 نوفمبر 2015، طافت على السطح القرائي رواية أرنست هيمنغواي "باريس حفلة" حققت مبيعاتها أرقاما قياسية. وإثر الحريق المهول الذي اندلع في كاتدرائية نوتردام، ارتفعت مبيعات رواية فيكتور هيغو "أحدب نوتردام". وحتّى رواية "الطاعون" ذاتها ذاع صيتها في اليابان عام 2011، بعد كارثة فوكوشيما النووية، إذ قامت على إثرها السلطات في البلاد بفرض حصار على المدينة، وتمّ خضاع ساكنتها إلى الحجر الصحي. وكلّ رواية والبشرية بخير... قراءة ممتعة.