تحياتي الأستاذ بويدي **********************
----------------------------------------------------------
واقع مأساوي لأطفال يعيشون في شوارع مدينة سيدي بلعباس :
البراءة تغتصب ·· أمام صمت السلطات
يلفت انتباه أي متجول عبر شوارع مدينة سيدي بلعباس العدد الكبير لأطفال تتراوح أعمارهم بين السادسة والخامسة عشرة يرتدون ملابس رثة تملأها الأوساخ، فمنهم من تجده بمداخل الأسواق الشعبية منهمكا في بيع الأكياس البلاستيكية ومنهم من يفضل التواجد أمام محلات بيع الحلويات يستجدون المارة منحهم دنانير من أجل التمكن من شراء لقمة تسد رمقهم، وهناك أطفال آخرين تمركزوا في محطات حافلات النقل حيث يبيعون اللُبان وهم يردّدون كلمات توسلية لاستدرار عطف المواطنين ··· كلهم عينات من شريحة تنازلت عن طفولتها، لتغتال راحتها الأرصفة حتى أصبحت تنعت بأطفال الشوارع بعدما تخلت عنهم أسرهم أولا ثم المجتمع ثانيا·
أطلق مصطلح أطفال الشوارع منتصف الثمانينيات وهو يعني الأطفال الذين يفتقدون أحد الأبوين أو الذين يعيشون ظروفا قهرية تدفعهم إلى الشارع، ليدخلوا بذلك في مرحلة عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي وحتى الجسدي لأنهم يكتسبون من خلال تجولهم عبر الأزقة بدون رقيب الكذب، العنف وحتى الشذوذ الجنسي··· ـ الجزائر نيوزـ ارتأت تسليط الضوء على هذه الفئة المنسية·
عينات حية تتحدث بمرارة عن استغلالها البشع
لقد ساهمت مخلفات الأوضاع الأمنية التي مرت بها البلاد طيلة العشرية الماضية زد على ذلك تبعات الهزات الاقتصادية في اتساع دائرة الفقر بولاية سيدي بلعباس، وفي انحدار أغلب العائلات إلى الدرك الأسفل من الفاقة والعوز، ولعل من أهم تجليات السلبية لهذا الوضع على الجانب الاجتماعي استفحال ظاهرة تشغيل الأطفال، هؤلاء الصغار استطاعوا أن يجمعوا بين البراءة وقدرة الكبار في سبيل الحصول على رغيف خبز في غفلة من المجتمع وأمام سلطات متواطئة بصمتها ولا تكترث بمغتصبي البراءة·
أحمد ··إدريس ···نبيل نماذج تحكي معاناتها
تعجّ أسواق الخضر والفواكه المنتشرة عبر الأحياء الشعبية بصغار أعمارهم دون العاشرة تجدهم إما يبيعون خبز المنزل (المطلوع) أمام مداخل الأسواق أو يجوبونها وهم يتوسلون المواطنين لكي يبتاعوا منهم أكياسا بلاستيكية·· وحتى المطاعم والمحلات التجارية لا تخلوا من أطفال استغل أباؤهم العطلة الصيفية لزجهم في العمل من أجل الحصول على دنانير لإشباع البطون الجائعة لأفراد عائلاتهم المعوزة أو لحملهم على التكفل بنفقات الدخول المدرسي بحثّهم على الاعتماد على سواعدهم النحيلة، لذلك فالأطفال الصغار لا يترددون في القبول أي من الأعمال حتى الشاقة منها·
وما يساعد على تنامي هذه الظاهرة لجوء أرباب العمل إلى توظيف الصغار لأنهم يقبلون أي عمل وبأجر ضئيل وأقل مما يطلبه الكبار مثلما هو حال ''أحمد'' الذي يعمل في تفريغ الشاحنات المحملة بالخضر في سوق الجملة ، مقابل دنانير فقط لا تعادل ثلث حجم جهده المبذول، إذ يقول ''أحمد'' الذي التقته ـ الجزائر نيوزـ وملامحه تعكس مدى مشقة الأشغال التي يقوم بها يوميا حيث كان يرتدي لباس محيت ألوانه لتصبغ بلون التراب وعلامات التعب بادية على تعابير وجهه وبصوت حزين، يقول >أنا أعمل منذ السادسة صباحا إلى غاية ساعة متأخرة من الليل على حسب الشاحنات المحملة بالخضر حيث لا يتعدى ثمن تفريغ الشاحنة الواحدة 200 دينار بالرغم من مشقة وصعوبة العمل، إلا أني مضطر لتحمل هذا العناء لإعالة عائلتي المكونة من 6 أفراد هم بحاجة إلى الأكل واللباس، فالحاجة إلى المال تدفعني دائما لبذل جهد مضاعف· ففي الكثير من الأحيان أقوم بتفريغ حمولة ثلاث شاحنات مقابل مبلغ زهيد وفي أحيان أخرى أبيع الأكياس البلاستيكية في السوق اليومي للخضر والفواكه الكائن بحي عيسات إيدير<·
وأضاف أحمد بأنه آلف العمل في العطل المدرسية لمساعدة والدته التي تعمل كمنظفة في إطار الشبكة الاجتماعية في توفير تكاليف الدخول المدرسي من ملابس وأدوات له ولإخوته الخمسة على عكس الطفل ''إدريس'' 12 سنة الذي لم يسعفه الحظ خلال بداية هذه العطلة عقب تعرضه لحادث أثناء عمله بأحد المطاعم، فالطفل الذي قطع مفاوضات مراطونية مع صاحب المطعم من أجل تشغيله في محله كغاسل للأواني مقابل مبلغ 2500 دينار شهريا، سرعان ما تحولت فرحته بالحصول على وظيفة إلى كابوس بعد تعرضه لحادث كاد أن يقضي على حياته لولا مشيئة الخالق، إذ تسبب له في حروق على مستوى الرقبة والصدر عندما كان يتأهب لتسخين الماء لغسل الأواني وفي لحظة انقلب عليه الماء المغلي ليجد نفسه بعد شهر من استلامه لعمله مطرودا منه، حيث أكد ''إدريس'' بأن صاحب المطعم رفض تسديد تكاليف العلاج بل فضل إبعاده عن المطعم دون تسوية مستحقاته الشهرية، متحسرا في الوقت نفسه على عدم تمكّنه من العمل خلال بقية أيام العطلة لمساعدة والده المتقاعد، حيث أبدى استعداده للعودة للعمل فور تماثله للعلاج· لكنه أوضح بأنه سيبحث هذه المرة عن عمل أقل خطورة !؟
فظروف العمل عند الأطفال تختلف من طفل لآخر، حيث هناك عينة أخرى من هذه الشريحة التي تقترض الأموال من أوليائهم من أجل شراء بعض السلع البسيطة التي تتمثل أساسا في السجائر والحلويات وإعادة بيعها على أرصفة الشوارع ومحطات نقل المسافرين، وهو نفس الأمر بالنسبة لجمال الذي يتواجد دوما في محطة النقل الحضري حيث يعرض على قاصدي المحطة اللبان بـ10 دنانير لثلاث علب وهو يردد دائما عبارات توسلية لاستعطاف الراكبين خاصة وأن مظهره يعكس مدى الفقر الذي يعيشه رفقة عائلته· الحال ليس نفسه بالنسبة لهذه الشريحة التي تفضل التضحية بعطلتها في سبيل توفير بعض النقود للتخفيف من أزمة أسرها المادية حتى وإن كان هذا لظرف وجيز فقط، فهناك عينة أخرى من الأطفال تفضل التجول عبر الأحياء لجمع الخبز اليابس قصد إعادة بيعه للموّالين ومربي الدواجن مقابل بضع دنانير تغطي جزءا صغيرا من احتياجات أسرهم، حيث أكد لنا ''نبيل'' 11 سنة، الذي كانت علامات التعب بادية على وجهه بعدما أرهقه السير عبر العديد من الأحياء، بأنه يمارس هذا النشاط منذ سنوات وحتى في نهاية الأسبوع خلال المواسم الدراسية رفقة أخيه الأكبر الذي ترك مقاعد الدراسة قصد التفرغ لعملية جمع الخبز اليابس من أجل ضمان القوت اليومي لإخوته الأربعة الصغار بعدما تخلى عنهم والده الذي يصرف جميع راتبه الشهري على المشروبات الكحولية ثم يجبرهم على العمل وتغطية تكاليف معيشتهم·
هو جزء من واقع مأساوي يعيشه أطفال وجدوا أنفسهم مكرهين على العمل والتنازل عن حقهم في العطلة التي أصبحت في نظر بعضهم الجحيم الذي تطول أيامه بين لفحات الشمس والاستغلال الفاحش لطاقاتهم فيما يبقى العديد من أترابهم يستمتعون بأيام الراحة على الشواطئ لنسيان موسم دراسي متعب·
أطفال يقتاتون من مكبات رمي الأوساخ
يعجز اللسان أحيانا عن التعبير عندما تشاهد العين بعض السلوكات الناتجة عن الفاقة والبؤس الذي يلف مدينة سيدي بلعباس، مشاهد أبطالها أطفال في عمر الورد تجدهم يزاحمون القطط والكلاب الضالة في القمامات من أجل جمع ما تيسر لهم من أشياء قابلة للاسترجاع كالقارورات البلاستيكية وبعض المعادن حتى يتم بيعها لأحد الخواص نظير 120 دينار للكيلوغرام الواحد بالنسبة للمعادن ليبقى هذا المبلغ في انخفاض مستمر على حسب قيمة الأشياء المعثور عليها التي يتم تنظيفها قبل بيعها حتى يصل الى 5 دنانير للكيلوغرام الواحد من البلاستيك· يرى ''إبراهيم'' الذي صادفته ـ الجزائر نيوز ـ داخل القمامات الكائنة خلف عمارات حي 144 مسكن منهمكا في تجميع كل ما هو صالح للاسترجاع لبيعها رفقة أصدقائه السبعة، حيث كان يحدث جلبة أزعجت هدوء الحي السكني وأقلقت قيلولة السكان لأن الساعة كانت تشير حينها الي الثانية بعد منتصف النهار·· يرى بأن هذه المهنة سهلة بالنسبة لسنهم الأقل من العشر سنوات كما أن مدخولها سريع ووفير في بعض الأحيان رغم أن >الخواص في العديد من المرات لا يقيمون ماديا الخردوات التي نبيعوها لهم بأثمانها الحقيقية< كما أن كسبه أسهل من السلوكات المنحرفة التي يقوم بها أقرانه كالسرقة والتسول·
أطفال يجوبون الشوارع في رحلة البحث عن الدنانير
لم تعد شوارع وأرصفة مدينة سيدي بلعباس تخلوا من أطفال ذوي فئات عمرية مختلفة أقصاها الـ13 سنة يتمركزون خصوصا أمام المطاعم ومحلات بيع الحلويات وفي ساحات المساجد ووسط محطات النقل وحتى بالقرب من الأسواق المغطاة وهم يرتدون ملابس بالية ومتسخة ويرددون عبارات تخاطب العاطفة بقوة حتى تعتقد بأنهم من محترفي مهنة التسول حيث يطلبون منك 5 أو 10 دنانير من أجل شراء قطعة خبز أو حلوى لإشباع بطونهم والويل لك إذا لم تلبِ طلبهم فإنك لا تسلم من وابل الشتائم التي يطلقونها عليك وكأنك مجبر على منحهم الصدقة أو تتعرض لعقاب لفظي أمام مسمع المواطنين الذين يكتفون بالمشاهدة فقط أو الضحك أحيانا· يقول ''عبد الرحمان'' :>لقد تعرضت يوما لموقف محرج فعندما كنت أتهب للخروج من محل لبيع الحلويات تبعني أحد المتسولين الصغار وهو يلح عليّ منحه 10 دنانير إلا أني لم أعره أي اهتمام وفجأة بدأ الطفل يرشقني بالحجارة ويسّبني أمام الملأ·· ونظرا لصغر سنه انصرفت وتركته في حالة غضبه· ورغم مرور نحو سنتين على هذه الحادثة إلا أنني أجده دائما أمام نفس المحل يعترض المارة، ورغم ما يتعرض له الأطفال من اعتداءات جسدية وحتى جنسية أثناء تجولهم عبر شوارع المدينة طلبا لدنانير<· إلا أن الظروف التي يمرون بها لا تشفع لهم عند أوليائهم الذين يٌرغموهم على تطليق قاعات التدريس في سن مبكر من أجل التفرغ لمهنتهم لضمان التكفل بحاجيات أسرهم الفقيرة القاطنة بالأحياء الشعبية وحتى بالقرى والمداشر، هذا ما يؤكده ''سمير'' الذي يقول >لقد أرغمني والدي العاطل عن العمل رفقة أخي الأكبر على مغادرة مقاعد الدراسة بغرض التسول في الأرصفة والشوارع لتوفير قوت والدتي وإخوتي الصغار غير مكترث بالاعتداءات التي أتعرض لها من طرف منحرفين تحت تأثير المخدرات إما لسرقة مدخولي اليومي أو لمحاولة الاعتداء جنسيا عليّ< ··· إذ كشف بعد تردد بأنه تم الاعتداء عليه جنسيا خلال الصائفة الماضية، لذا فهو يتخذ حذره ببقائه على مقربة من موقع أخيه لكي يحميه في حالة حدوث أي طارئ· بهذا يبقى الأطفال عرضة للخطر في سن مبكر كما أن البيئة التي يعملون فيها تلقنهم أبجديات الانحراف أضف الى أنها معهدهم لتعلم الجريمة·
الهيئات الوصية تقف مكتوفة الأيدي
في مقابل هذا الوضع المأساوي الذي يخنق هذه الشريحة الحساسة بولاية سيدي بلعباس، تقف المحلية مكتوفة الأيدي، خاصة مفتشيه العمل التي لا تعكس الأرقام المستقاة من مصالحها حقيقة حجم اتساع الظاهرة، حيث أحصت خلال خرجاتها الميدانية منذ بداية السنة الجارية حالتين لعمالة الأطفال فقط، بينما الأرقام الحقيقية تعد بالمئات·· وتعلل المصالح المعنية فشلها في تطويق هذه الظاهرة كون أن استفحالها يتزامن مع العطل المدرسية في ظل غياب آليات إدارية وقانونية لمجابهة التنامي المتسارع لهذه الظواهر، التي يعززها البؤس والفقر الذي أحكم قبضته على العائلات، أضف إلى ذلك انعدام مراكز للتكفل بالأطفال الذين لا مأوى لهم، لتبقى هذه الشريحة تعاني في صمت أمام أعين السلطات المحلية التي لا تلتفت إليها إلا في المناسبات·