خبرات الاقتراب من الموت
15-02-2018, 06:43 PM
أولت الأبحاث الطبية و النفسية مؤخرا كثيرا من الاهتمام للحظة وداع العالم من قبل الإنسان، فقد أحاط بهذه اللحظات كثير من الغرائب التي تستدعي النظر و التفسير.
يتناول الطب دراسة هذه الظاهرة تحت عنوان (خبرة الاقتراب من الموت-Near Death Experience) أو اختصارا (NDE)، و هي ظاهرة غير طبيعية نادرة الحدوث، تتلخص في أن البعض ممن تعرضوا لحوادث كادت أن تودي بحياتهم قد مروا بأحداث وأماكن مختلفة منهم من وصفها بالطيبة والجميلة ومنهم من وصفها بمشاهد التهلكة والعذاب. الحوادث المتشابهة في هذه الخبرات جميعها تتلخص في مرور المحتضر بنفق إما أن يكون مضيئا أو مظلما أسود حتى يصل إلى نور يصفه بعض الذين تعرضوا للتجربة بأنه سماوي يتلألأ في نهاية النفق.
تبدأ خبرة الاقتراب من الموت بعملية خروج (للوعي) من جسد المحتضر، فيستطيع مشاهدة جسده المسجى على فراش الموت و قد تجمع أحباؤه و أقرباؤه حوله باكين لفراقه، فيعجب لحزنهم لأنه يشعر أنه في أحسن حال، بعد ذلك يبدأ باجتياز نفق يرى في نهايته نور ساطع، فيخّيل إليه أنه في طريقه إلى الجنة، وفعلا يلتقي بعد ذلك بأحبائه ممن توفي في الدنيا؛ مما يزيده تعلقا بهذا المكان الذي انتقل إليه كارها العودة إلى جسده الطبيعي، لكنه لا يلبث أن يسمع صوت أحد أحبائه الذين ماتوا يطلب منه العودة إلى الدنيا؛ لأن ساعته لم تحن بعد، و أن هناك الكثير من المهام التي يجب عليه القيام بها أولا.


بالرغم من أن غالبية خبرات الاقتراب من الموت مفرحة، إلا أن بعضها يمكن أن يكون مرعبا، (انظر مثلا أبحاث غريسون و بوش Greyson and Bushعام 1992)، فبعض التجارب تشمل تجارب الجحيم و المقابلات مع كيانات شيطانية و ربما تنطوي على التعذيب و المعاناة، و هناك مجموعة ثالثة من الاختبارات تتميز بالشعور بالوحدة و شعورا عميقا بالكآبة.
قد تخرج بعض التجارب عن النمط المعهود، ولكن طبقا للاستفتاء الذي قام به جورج كالوب (George Gallup) في أمريكا، فأن نسبة تسعة من عشرة أقرّوا بعبورهم مثل هذا النفق.
بالرغم من اختلاف الثقافات والديانات و التباعد الجغرافي بين الشعوب و الأمم؛ فإن خبرات الاقتراب من الموت تكاد تكون متشابهة، مما يدل على أن طبيعة وقوانين العلاقة بين النفس والجسم في الإنسان، تكاد تكون واحدة بين مختلف الشعوب و الحضارات و الأعراق.
يعرفّ الدكتور بيم فان لوميل Pim van Lommel تجربة الاقتراب من الموت بقوله:
"أفاد بعض الناس الذين نجوا من أزمة هددت حياتهم, عن تجربة استثنائية مروا بها وهي تجربة الاقتراب من الموت ويزداد عدد هذه التجارب مع تقدم تقنيات الإنعاش. إن ما تضمنته هذه التجارب وتأثيرها على المرضى يبدو متشابها في جميع أنحاء العالم، وفي جميع الثقافات والأزمنة. تمتاز هذه الخبرات بطبيعة موضوعية وبغياب الصورة التي تشير إلى حالة من الثقافة الفردية بالرغم من المفردات اللغوية المستخدمة لوصف وترجمة هذه التجربة التي قد تحمل طابعا دينياً.
يمكن تعريف هذه الخبرات على أنها تقرير للذاكرة عن انطباعات كاملة أثناء حالة من الوعي، تتضمن عددا من العناصر المشتركة بين الأشخاص الذين تعرضوا للخبرة، كتجربة خروج الوعي من الجسد و مشاعر البهجة و رؤية النفق والنور ولقاء الموتى من الأقارب، أو استعراض شريط الحياة السابقة.
لقد وُصفت العديد من الحالات التي حدثت فيها هذه التجارب كالسكتة القلبية وحدوث الموت السريري و الإغماء بعد فقدان كمية كبيرة من الدماء أو الأذى الحاصل أثناء الجراحة الدماغية والنزيف الدماغي وفي حالات الغرق والاختناق وكذلك في عدد من الأمراض الخطرة التي لم تنتهي بالموت الكامل للدماغ"
تؤكد خبرات الاقتراب من الموت أنها نوع من القابلية الموجودة في النفس الإنسانية، يمكن حدوثها في ظروف خاصة كعمل وظيفي للدماغ،و لا يمكن اعتبارها ناجمة عن خلل وظيفي لكنها تعبر عن الطبيعة الواحدة للموت التي تحدث في الدماغ عند كل البشر، بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وثقافاتهم كما تؤكد أيضا إن طبيعة الانفصال بين (الوعي) والجسم المادي؛ هي واحدة.
هذه القابلية هي كغيرها من القابليات الموجودة في النفس الإنسانية، كالقدرة على الأحلام والتعلم، و التخاطر عن بُعد أو تحريك الأشياء من خلال التركيز الذهني، أو الادراكات الحسية الفائقة ... إلى الكثير من القابليات التي يمكن تطويرها من خلال رياضات خاصة، أو تأتي كموهبة ليس لصاحبها دخل في وجودها كما يقول ايدكار كايس (Edgar Cayce) الذي يعتقد أنها قابلية فطرية للموت عند الإنسان.
يتوهم الإنسان أثناء التجربة أن ما حدث له هو الموت الذي كان يخافه وليس هناك سبيل للعودة، لكن البعض يرى أنها الحقيقة كما يعلمها الله وأنه ليس بميت وله عودة إلى جسمه الفيزيائي فهو لم يرَ من الموت إلا بعض مقدماته، كما حدث لكثير من أصحاب هذه الرؤى، الذين لم يكونوا من الناس المتدينين أو من المؤمنين بوجود عالم أو حياة بعد الموت، فتحولوا إلى أناس متدينين يعملون لأجل الله ويتجردون من كثير من الأمور الدنيوية ويصبحون أناسا روحانيين يدركون حقيقة وجودهم ولا ينظرون إلى الغلاف الخارجي لأرواحهم.
تؤكد هذه الخبرات الثنائية الخاصة بالإنسان وتكونه من جسد و روح. فقد يختلي شخص ما بنفسه ويحاول مناقشة فكرة هذه الثنائية وربما يصل إلى قناعة أو تصور إلى أنه كائن آخر غير هذا الجسم الظاهري، لكنه سرعان ما يعود إلى ذلك الوهم الخاطيْ من أنه هو ذلك البدن الذي يراه حال عودته إلى الناس وانغماسه في مشاغله الدنيوية، لكن ما حصل لهؤلاء الذين مرّوا بخبرة الاقتراب من الموت عندما عايشوا هذه الظاهرة، أنهم أخذوا ينتظرون اليوم الذي يستعيدون فيه جوهرهم الروحي. مثل هذه الرؤى تحدث عنها الكثير من الفلاسفة والمفكرين الذين أيقنوا أن بدنهم الظاهري، يحوي ماهو أسمى من مجرد اللحم و الدم.
إن الرأي السائد الذي يتفق عليه جميع الباحثين المؤمنين بخبرات الاقتراب من الموت (أو مرحلة سكرات الموت)، هو أنها ولوج إلى عالم من الوعي الإنساني ندخله جميعا بعد أن نغادر العالم المادي في حالة الموت، يمكن تشبيهه بحالة الحلم التي ننتقل فيها إلى عالم آخر لاتنطبق عليه قوانين عالمنا الطبيعي.
من الناحية الطبيعية لا يستطيع البشر الأحياء مغادرة العالم المادي للاستكشاف، إنهم يستطيعون فقط تعلم التركيز على ما وراءه.


مراجع:


1. Anna LeMind, Quantum Theory Proves That Consciousness Moves to Another Universe After Death, LEARNING MIND, December 7th, 2013.


2. أورنيلا غورازا، تجربة الموت الوشيك، دراسة المراحل و الانتشار. ماوراء الطبيعة.
التعديل الأخير تم بواسطة طارق زينة ; 15-02-2018 الساعة 07:50 PM