معركة النص...قصة المعركة!!؟
14-11-2017, 02:20 PM
معركة النص...قصة المعركة!!؟
فهد بن صالح العجلان



الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وصحبه، أما بعد:

حين تقرأ كتابًا أو تقلِّب صحيفة أو تحرِّك موقعًا إلكترونيًا، فتجد المقولات التي تُصادِم النص الشرعي صراحة، وتدعو لرؤية مغايرة بالكلية ومصادمة تمامًا للأحكام الشرعية، فإن من المفارقات: أن تجد أن كل هذا -بحسب كاتبه- لا يعارض النص ولا يناقض أحكامه!!؟؛ وإنما يخالف تفسيرًا فقهيًا معيَّنًا: لا يقرُّه النص ولا يتوافق مع أصول الشريعة.
هذا خيط موحَّد يجمع أكثر الأفكار والرؤى المعاصرة التي تُصادِم النص وتناقض الإجماع؛ فلا تكاد تجد أحدًا يبدي صراحته في عدم اعتباره لقيمة النص الشرعي، بل إن كلَّ تلك المخلَّفات الفكرية والمخالفات الشرعية تُقدَّم في قالب التفسير الفقهي للنص، والسَّير على خط الاعتدال والوسطية التي دافعها الغيرة على النص من اختطاف الرؤى التفسيرية المتطرفة.
لقد أدرك خصوم النص: أن المعركة ضد النص محسومة النتائج، وكل خطوة للأمام: انكشاف تام ودخول لخط النار، وفي الضمير الحي للشعوب المسلمة من معاني الحب والتعظيم والفداء للدين وقِيَمه: ما يجعله يشمئز من مرأى هذا المحارِب، فضلًا عن قبول رأيه أو تفهُّمِ دواعيه.
عَلِم خصوم النص: أن قواهم الفكرية والإعلامية عاجزة عن تمزيق سياج النص للنفوذ إلى قلب الشعوب المسلمة، فكان لابد من حيلة تكون موصلة إلى هذه الغاية من غير الاصطدام بهذا السياج المُحكَم, فتحركت بوصلة المعركة من مواجهة مع النص إلى تخطٍّ للنص عن طريق مسايرة النص الشرعي بجعل كلِّ الرؤى والمفاهيم المنحرفة داخلة في مفهوم النص!!؟، ويقبُلها الفَهْم والتفسير الفقهي بطريقة شَرَحَ مفاصل إستراتيجيتها أحدهم بقوله:(طريق لا عقلاني للعقلانية).
لم يتغير شيء من تلك المفاهيم، فمفاهيم المعركة الأولى هي: ذاتها مفاهيم المعركة الثانية، لكنها بدلًا من أن تكون ضد النص الشرعي أصبحت مسايِرة له ومتوافِقة معه، وأصبحت مفاهيمهم المأخوذة من القيم الوافدة:(بقدرة قادر) مفاهيم شرعية تضافرت النصوص على تقريرها!!؟.
هذا التغيُّر الإستراتيجي قد يراه بعض الناس إيجابيًا وتصحيحًا لدى خصوم النص، لكن الواقع أن هذا التغيير: خطر جدًا على المفاهيم والأحكام الشرعية؛ لأن عامة الناس ليس لديهم قدرة تفصيلية على معرفة الحق والباطل، وإنما المعيار المعتمد لديهم هو: في موافقة النص أو مخالفته، وحين تُقدَّم الانحرافات الفكرية في قوالب شرعية، فمن السهل: وقوع التلبيس على كثيرٍ من الناس: لظنهم أنها موافقة للدين، ولما يريده اللَّه ورسوله!!؟.
إن تعظيم الشعوب المسلمة للنصوص الشرعية هو: أقوى أسباب الحفاظ على هوية وثقافة هذه المجتمعات، وحين تتمكن اللصوصية الثقافية من كسر هذا السياج، والدخول بعدها في عمق النص لممارسة العبث والتأويل للأحكام والمفاهيم الشرعية؛ فإن هذا مؤشِّرُ خَطَرٍ وبلاء سيحل بمفاهيم الناس وقيمهم من حيث لا يشعرون!!؟.
لا حلَّ أمام هذه اللصوصية الثقافية إلا بتكاتف العلماء والمثقفين والمفكرين الغيورين على كشف هذه الممارسات العبثية، وإزالة الأقنعة التي تُخفي عوارها، وإعلان المفاصلة التامة مع أفكار التأويل والتحريف للنصوص الشرعية؛ بحيث يكون حالها كحال المعطِّل والمنكِر، بل أشد من ذلك، وأن يكون واضحًا لدى الوعي المسلم: أن الاستدلال بالنص الشرعي ليس دائمًا علامة إتباع واستهداء، بل كثيرًا ما يكون: توظيفًا يراد به تحويل النص من كونه حلًا لمشكلات الثقافة العصرية إلى جعله مشكلة يتخلص منها للدخول في ثقافة العصر!!؟.
حالة تجاوز النص هذه، يقابلها من الجهة الأخرى: حالة رفض المساحة الاجتهادية التي يقبلها النص، أو يتعارض فيها مع نصوص أخرى، فلا يحتمل خلاف أهل العلم ويضيق صدره عن تقبل النظر والاجتهاد المنضبط بأصول الشرع وقواعد الاجتهاد، ويضيِّق فهمَ النص باجتهاده الفقهي الخاص وتغيب عنه سعة الفقه واختلاف مدارسه، وهذا مما يعقِّد حالة المعركة، ويجعل خيوطها تتشابك في أذهان الكثيرين، فيقعون بسببها حيرى مترديين في حسم موقفهم من معركة النص!!؟.
وهي -تحديدًا- بحاجة لكتابات العلماء الراشدين لأنهم الأقدر على ضبط الميزان الذي يكشف الانحراف الذي لا يحتمله النص والفهم الاجتهادي الذي يتسع له الدليل، وهم الأولى برسم وتحديد معالم الخلاف السائغ، من الخلاف غير السائغ، من الانحراف المرفوض.
فاختلاطها في عين الإنسان، وعدم ظهور معايير بينة للحد الفاصل بينها: توقع المسلم في الحيرة، فتكون سببًا لأن تُقْبَل تفسيرات معارضة للشرع: لوجود خلاف في فهم الشريعة، أو تُرفض تفسيرات صحيحة: لوجود منحرفين عن فهم الشريعة!!؟.
وفي هذا المجال دراسات وبحوث متعددة تناولت مشكورةً قضايا كثيرة في هذه المقصد، وما يزال بحاجة لجهد وبيان أكثر، فالقضايا الأساسية تتطلب باستمرار مزيد تأكيد وتوضيح وإزالة مشتبهات.