الأرض و مستقبل الإنسان
21-11-2017, 05:12 PM
ألا يمكن للتقدم التكنولوجي المتسارع أن يقودنا إلى كارثة بيئية ، أو إلى حرب نووية مثلاً ؟.
يعتقد البعض أن المدنية المعاصرة تعاني من ذعر تكنولوجي لم تشهد له البشرية في تاريخها مثيلاً. لقد ظهرت كثير من المخاوف بدءاً من عام 1968م، من أن تقدم التكنولوجيا بهذا الشكل، مصحوباً بالنمو السريع لعدد سكان الأرض، سيؤدي في غضون ما لا يزيد عن مئة عام قادمة إلى نهاية مدنية الإنسان.
لكن لم ظهرت هذه المخاوف في عام 1968م تحديداً؟ إنه عام رحلة سفينة الفضاء (أبوللو-8) بطاقمها حول القمر، حيث أمكن للعين البشرية أن تنظر، ولأول مرة في التاريخ إلى الأرض من خارجها، لتبدو كرة كبيرة زرقاء ساطعة، معلقة في ظلام دامس، وكأنها سفينة فضاء تمخر عباب الظلمة الأبدية، رُكّابها سكان الأرض.
التقطت البعثة للأرض صوراً ملونة من خارجها، فكان لهذه الصور وقعٌ نفسيّ شديدٌ على المهتمين بأمور البيئة ومستقبل الإنسان، وبدأ هؤلاء يقرعون نواقيس الخطر، منذرين مهددين متوعدين كل من تسوّل له نفسه المساس ببيئة الأرض، داعين إلى تنظيم عدد أفراد الأسرة ومراقبة تزايد السكّان، وبدأ الحديث عن سفينة فضاء تسمى (الأرض) يظهر في المجلات العلمية والصحف. كما ظهرت كتب تنذر بالويل و الثبور، مثل كتاب يحمل عنوان: (كتاب الواقعة – The Doomsday Book)، وآخر بعنوان (القنبلة السكانية- The Population Bomb) ، و (مجاعة-Famine). كذلك فقد أطلقت مجلات وصحف كثيرة تتناول مواضيع البيئة وضرورة حمايتها من (الوحش التكنولوجي المروّع)، وأُنشئت منظمة سمّت نفسها (أصدقاء الأرض).


سفينة فضاء اسمها (الأرض)-أول صورة تلتقط للأرض من خارجها

لقد بلغ هذا المدّ المذعور أوجَه عندما أصدر نادي روما (وهو تجمع لبعض العلماء و الصناعيين المهتمين بأمور البيئة) كتاباً تحت عنوان (حدود التطور-The limits to growth) عام 1972 م، فذاع صيته، وبيعت منه مئات النسخ. ظهر الكتاب المذكور في حلة علمية قشيبة، وادّعى مؤلفوه أنّ دراستهم مبنية على منهج رياضي في البحث، يأخذ جميع العوامل التي تؤثر على مستقبل الأرض بعين الاعتبار، مثل؛ عدد السكان في العالم ومعدلات التكاثر، ومصادر الغذاء المتاحة، ومعدلات التلوث المرصودة، والمعادن المخزونة في الأرض، وقد قام المؤلفون بتغذية الحاسوب بهذه المعلومات فتبين لهم – حسب ما يدّعون- أننا لن نصل إلى عام (2100)، إلا وتكون المدنية الإنسانية قد انهارت تماماً. أما حلّهم المقترح لهذا الانهيار (المحتوم)، فهو أن نوقف كل التقدم التكنولوجي، وألا نسمح بأي خطوة إلى الأمام في هذا السبيل.
وُجِّه إلى تقرير روما كثيرمن النقد: فالطريقة التي تمّت تغذية الحاسبات الالكترونية بالمعلومات بها غير صحيحة، إذ اعتبر التلوث في كل الحالات و النماذج متزايدا بينما ثبّتت بقية المعطيات، وبمعنى آخر فقد اعتبرت جميع موارد الأرض من معادن ومصادر للطاقة ثابتة، كذلك اعتبر معدّل التكاثر ثابتاً، أما التلوث فيزداد مع ازدياد التقدم الصناعي والتكنولوجي، وينقص أو يتوقف عند حدود معينة إذا أوقفنا هذا التقدم. لكنّ مؤلفي الكتاب (أو التقرير) لم يبينوا الكيفية التي أمكنهم من خلالها قياس حدود التلوث التي أشاروا إليها. هل كان ذلك بقياس كثافة الضباب فوق مدنية (لوس أنجلوس) في أميركا مثلاً؟ أم بإحصاء عدد العلب الفارغة التي تلقى في قمامات المدن الكبيرة كل عام؟ أم بقياس مساحة بقع الزيت التي ينقلها ماء المحيط خلال المدّ و الجزر من وإلى اليابسة؟.
لا يوضح التقرير شيئاً من هذا ولا ذاك، بل لا يوضح الحدود التي يجب الالتزام بها وعدم تجاوزها مستقبلاً بما يخص ملوثات البيئة من تربة وماء وهواء، علماً بأنه لا يوجد اتفاق عالمي حول هذه الحدود حتى في وقتنا الحاضر، ناهيك عن المستقبل.
لقد تجاهل كاتبو(تقرير روما) تماماً جميع الإجراءات التي تتخذها الحكومات منذ سنوات عديدة للحفاظ على نظافة البيئة، فبفضل القوانين الصارمة التي اتخذت في الكثير من دول العالم، أصبحت بعض المدن التي كانت مغطاة بضباب الغازات السامة ومعلقات الغبار، أصبحت أنظف مما كانت عليه منذ مئة عام. كما أدت القوانين الناظمة لمواصفات مياه المجاري الصحية ونفايات المصانع إلى نظافة مياه الأنهار التي تُطرح هذه الفضلات فيها، بحيث أصبح بالإمكان، لأول مرة منذ أكثر من خمسين عاماً رؤية الأسماك من خلال المياه الصافية لهذه الأنهار، كذلك يجري السعي الآن حثيثاً لاستبدال الوقود النفطي المستعمل في الآلات و السيارات بأنواع أخرى من مصادر الطاقة (الكهربائية، أو الشمسية) مما سيقلل كثيراً من آثار التلوث في المستقبل القريب.
لقد اعتبر (تقرير روما) أنّ مصادر الثروة الطبيعية المتاحة ساعة إعداده هي المصادر الطبيعية الوحيدة في الأرض، وفي هذا تجاهل واضح للكشوفات المتجددة كل يوم الأمر الذي أعطى التقرير صفة متشائمة تفتقر إلى السند العلمي الصحيح. أورد (التقرير) مثلاً أن التلوث البيئي لا يجوز له أن يتعدى بأي حال خمسة أضعاف حدود التلوث ساعة إعداده دون أن يأتي على ذلك بأي برهان أو دليل، وكأن ما جاء به التقرير قوانين طبيعية مقدسة لا يطالها الشك.
نُشرت مؤخرا رسالة على الإنترنت يعود تاريخها إلى عام 1992 أصدرها أكثر من 15 ألف عالم من جميع أنحاء العالم بعضهم يحمل جائزة نوبل للسلام، لتحذير الإنسانية من الأخطار المروعة التى تواجه الأرض وتهدد مستقبل البشرية، مثل تغير المناخ، و الإمعان في إزالة الغابات التي تعتبر عاملا هاما في تعديل المناخ و استدرار مياه الأمطار، و شح مصادر المياه العذبة، وانقراض أنواع أحيائية بشكل ملحوظ، والنمو السكانى غير المنضبط، و مما جاء في التقرير أن الاستهلاك المفرط للموارد الثمينة من قبل السكان يظل الخطر الأكبر الذى يواجه البشرية، وحث العلماء على ضرورة ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، و تنظيم النسل، بالإضافة إلى ضرورة استخدام مصادر الطاقة النظيفة المستدامة لإنقاذ الكوكب من مصير مدمّر...[1]
و في مؤتمر تينيست المنعقد في بيكين (Tencent Web Summit in Beijing) في 5 نوفمبر/2017، ظهر عالم فيزياء الفضاء البارز (ستيفن هوكنغ) ليعلن أن على البشرية مغادرة الأرض قبل حلول عام 2600 حفاظاً على الجنس البشري و حضارته من الفناء، متوقعا أنه في غضون خمس مئة عام قادمة ستتحول الأرض إلى كرة من الجحيم بفعل تزايد السكان المستمر و زيادة استهلاكهم لثرواتها، خاصة مصادر الطاقة المختلفة و المعادن.[2]
لقد اكتسبت جميع هذه الدعوات و النماذج صفة الذعر و العاطفة التي أضلتها عن وضع اليد على ما يهدد الأرض و سكانها فعلا بالدمار.
وبعد، ألا تتوفر لدينا معطيات علمية أقرب إلى اليقين، حول مستقبل الإنسان على سفينة الفضاء – الأرض؟

يمكن تصنيف الأخطار التي تتهدد كوكب الأرض في ثلاث فئات:

1. أخطار من صنع الإنسان.
2. أخطار من صنع الطبيعة لا يد للإنسان فيها، لكن يمكنه توخي الحيطة و الحذر و التخطيط مسبقا لتجنبها.
3. أخطار من صنع الطبيعة أيضا و لكن ليس بوسع الإنسان تفاديها.


تحت البند الأول نجد أن أهم ما يهدد مستقبل البشرية اليوم هو ذلك الجشع الذي يتنامى يوما بعد يوم لدى الدول الاستعمارية الكبرى لنهب ثروات و موارد العالم و جعلها حكرا على اللوبيات الحاكمة في تلك الدول، حتى ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالبيئة و الإنسان، و ليس ببعيد تهديد دولة كبرى بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، الذي يلزم الدول بمعايير صارمة لحماية البيئة، لكن و لحسن الحظ فإن أصدقاء البيئة أصبحوا اليوم أكثر من أعدائها. لكن الأهم هو خطر الحرب النووية الذي ما زال جاثما على صدر العالم ينتظر سوء تقدير أو تصرف أو خطأ انساني، ليدمر كل ما حققته الإنسانية في تاريخها الطويل و يعيدها مئات السنين إلى الوراء. لقد أصبح مخزون الأسلحة النووية و الكيميائية لدى الدول العظمى كافيا لإبادة سكان الأرض جميعا. إن أول تطبيق للسلاح الذري في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، أدى إلى إبادة مئات الألوف من البشر في بضعة دقائق، مخلفا أمراضا و أوراما خبيثة لم تكن البشرية تعرفها من قبل و مازالت اليابان تعاني منها إلى اليوم.
لقد تفنن صناع الحروب اليوم بالانتقال إلى جيل جديد من الحرب أدهى و أشد فتكا من كل ماعرفته البشرية خلال تاريخها الطويل، حرب من أقذر الحروب، هي حرب السلاح البيولوجي الذي طورت من أجله ميكروبات يمكن نشرها في الهواء فتقضي على كل الأحياء في المناطق التي يراد اخلاؤها من سكانها، كما يجري التحضير الآن لجيل من الحرب يعتمد على الروبوت جوا و برا و بحرا، من ذلك مثلا انتاج روبوتات تعمل على الطاقة الشمسية بمقدورها التعرف على ملامح الأشخاص المستهدفين، حجمها لايتجاوز راحة الكف تطير و تلتصق بالهدف و تقتله برصاصة في رأسه. استخدام الروبوت في هذا النوع من الحروب يمكن أن يكون فرديا لأغراض الاغتيال و القنص، أو يمكن توظيف جيش من الروبوت بوسعه أن يقضي على سكان مدينة كاملة في غضون بضع ساعات.
من جهة أخرى فلو أُحسن استخدام الذكاء الصنعي و الروبوت مستقبلا لوجد له تطبيقات كثيرة: في النقل عندما سيحل الروبوت محل الطيارين و سائقي السيارات و القطارات و البواخر، و في الطب سواء في الطب السريري و تشخيص الأمراض أو في العمليات الجراحية، و في التعليم و في الاقتصاد ... ، كذلك فإن عمليات الاستنساخ التي نجحت على الحيوان و بشكل محدود على البشر بسبب القيود الأخلاقية، ستعود لتزدهر مستقبلا، و لانعجب إذا سكنت الأرض حينها الروبوتات و البشر المعدلون جينيا (وراثيا)، و باختصار فإننا على مشارف ثورة أحيائية و تكنولوجية لم يسبق لها مثيل، بل ربما ستحتفظ أجيال المستقبل بثلة من شبيهاتنا في المتاحف أو الحدائق العامة للفرجة و الاستمتاع و الأبحاث البيولوجية.
يجب أن لا ننسى أن ما تم إلى اليوم من تطور تكنولوجي مبهر، و ما يتوقع تحقيقه من عجائب مستقبلا، يمكن أن يشكل تهديدا للأرض و سكانها بالفناء، إذا لم يتصاحب بثورة في المفاهيم و الأخلاق توازي ثورة العلوم و التكنولوجيا و تتماشى معها، فقد تقوم ثلة من الإرهابيين و تجار الحروب مثلا باستغلال الروبوتات لاستئصال الجنس البشري و السيطرة على موارد العالم، أو أن يقوم بعض البشر المعدلين وراثيا والذين يتمتعون بذكاء و قدرات خارقة بالاستيلاء على العالم و موارده بعد استئصال أقرانهم من البشر الطبيعيين.
من العوامل الأخرى التي يعتقد البعض أنها تهدد مستقبل الإنسان على الأرض تكاثر السكان الذي يبلغ معدله الحالي اثنان بالمئة وفقاً للإحصائيات، وهذا يعني أن عدد السكان يتضاعف كل (35) سنة ضعفين. فإذا بدأنا بعام (1972) عندما كان عددهم يبلغ (3.7) مليار نسمة، نجد أنه سيصبح حوالي (7) مليار نسمة في عام (2000)، وحوالي (50) مليار نسمة في عام (2100)، و إذا تابعنا الاستمداد فإن عدد السكان في عام (3000) سيبلغ 2.5 مليون مليار نسمة وهو رقم خيالي لا تتسع له الأرض حتى لو جففنا مياه محيطاتها لزيادة مساحة اليابسة، فإن حصة المتر المربع الواحد من سطح الأرض ستكون ألوف البشر.
وردت مثل هذه الأفكار في كتاب (الانفجار السكاني(The Population Bomb - لمؤلفه (بول إيرليش). الفقرة التالية مقتطفة من الكتاب المذكور وهي تعكس رأي أنصار هذه الفكرة، يقول المؤلف:
"لقد بدأت في فهم ما يعنيه الانفجار السكاني منذ بضع سنوات عندما كنت في دلهي في الهند، كنا نستقل سيارة أجرة إلى الفندق الذي نقيم فيه أنا وزوجتي وابنتي، فاضطررنا لعبور منطقة شعبية كثيفة السكان، رأينا أعداداً هائلة من البشر، يأكلون، يغسلون ثيابهم في الشارع، ينامون على قارعة الطريق، يتصايحون، يرمون بأيديهم من نوافذ السيارة مستجدين المال، يتشبثون بأطراف الحافلات التي لم يبق فيها فسحة في الداخل، ناس ، ناس ، ناس.. ليلتها أدركت ما تعنيه زيادة السكان."




ما يمكن أن يعنيه الانفجار السكاني

هذا نموذج ما يمكن أن يؤدي إليه التكاثر اللامحدود على سطح الأرض، كما يحذرنا منه (ايرليش)، وقد ظهر نموذج مماثل في كتاب الأخوين بادوك (William & Paul Paddock) الذي يحمل عنوان (مجاعة - Famine) في عام 1975.
يستند استعراض(ايرليش) المثير لمشكلة السكان، إلى نهج عالم السكان (مالتوس)، الذي أصدر عام (1798) الطبعة الأولى من كتابه الشهير عن تزايد السكان، و أورد أن معدل نموهم سيستمر في التزايد حتى توقفه المجاعة والمرض والحرب، لكن المتشائمين نسوا أن (مالتوس) في طبعة كتابه الثانية التي ظهرت عام (1803) قد تراجع إلى حد بعيد عن النزعة التشاؤمية التي ظهرت في كتابه الأول، و بين أنه يمكن التحكم بمعدل التكاثر بواسطة ما أسماه (القيد الأخلاقي – Moral Restraint) أو الحصافة، فما الذي عناه بذلك؟
تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى نوع من تحديد النسل الطبيعي بين البشر، تبين هذه الإحصائيات أن توفر الدواء يعتبر من الأمور الحاسمة في تحديد عدد السكان، فليس من قبيل المصادفة أن نجد دولاً مثل الولايات المتحدة، أو الدول الأوروبية أو اليابان، حيث تتوفر تقنيات الطب الحديث، لا يزيد معدل التكاثر فيها عن (1) بالمئة من عدد السكان. بينما نجد أن هذا المعدل يتراوح بين (2 و 4) بالمئة في الدول النامية. إن نقص المعونة الطبية وعدم الاستقرار، و الخوف من المستقبل، هي من العوامل النفسية التي تدفع بالأبوين إلى زيادة عدد أفراد الأسرة لتعويض ما قد يفقدانه من أفرادها بالوفاة، وإن إدخال تقنيات الطب الوقائي و العلاجي الحديثة إلى الدول النامية سيقلل من معدلات التكاثر، كما حصل في الدول المتقدمة سابقاً. تشير إحصائية أجرتها هيئة الأمم المتحدة، إلى أن عدد المواليد يتزايد حتى يبلغ ذروة معينة، ثم يأخذ بالتناقص بعد ذلك مع إدخال تقنيات الطب الحديث، ويتوقع أن ينخفض معدل التزايد عن النسبة المحددة له حالياً بـ (2%) في غضون بضعة عقود، كما يعتقد كثير من العلماء أن عدد سكان الأرض لن يتجاوز (10) مليارات نسمة خلال مئة سنة قادمة.

تحت البند الثاني من الأخطار التي تتهدد الأرض و الإنسان تقع أخطار طبيعية متوقعة، بعضها يتكرر حدوثه في فترات متقاربة نسبيا، كالزلازل و البراكين و العواصف المدمرة، وبعضها لايحدث إلا خلال مئات ألوف السنين كالبراكين العظمى، و اجتياح النيازك الكبيرة لأجواء الأرض، أو اضطراب و تغيير القدرة الإشعاعية للشمس و انطفائها في نهاية عمرها الإشعاعي.
تستمد الأرض الحرارة اللازمة لاستمرار الحياة من الشمس، و لو اضطربت الاشعاعات التي تبثها الشمس، أو لو انتهت حياتها الاشعاعية، إذا لانتهت الحياة بكل أشكالها على الأرض، فهل لدينا ما يساعد على التنبؤ بالعمر الاشعاعي المستقر المتبقي للشمس.
لحسن الحظ تتوفر وثيقة فلكية هامة، وضعها عالمان: أحدهم دانمركي والآخر أميركي، تدعى هذه الوثيقة:(مخطط هرتزسبرينغ- رُسِّل، Russell Diagram– Herzspring) نسبة إلى اسمي واضعيها. وما هذا المخطط إلا إحصائية تقارن بين بضعة ملايين من النجوم المتشابهة نسبياً من حيث لونها، وشدة تألقها، ونماذج الطيف التي تبثها.
وضع هذا المخطط عام (1937) ثم حُدِّث مراراً بعد ذلك، الفائدة منه هي التنبؤ بالفترة التي يمكن لنجم ما أن يبقي معدل إشعاعه مستقراً خلالها، إذ أن النجوم تمر بأطوار إشعاعية مختلفة بدءاً من ولادتها، مروراً بفترة تكون مستقرة فيها، ثم تنتهي حياتها بعد فترة قد تطول أو تقصر. تتعلق الفترة التي يكون النجم فيها مستقراً بكتلة النجم ذاته. وهذا ما ينبه إليه الجدول المذكور، الذي يدل على أن فترة الاستقرار الإشعاعي للنجم، و بالتالي عمر النجم يقصران كلما ازدادت كتلته. يمكن تصور النجوم على أنها أفران نووية مستعرة، وقودها الهيدروجين الذي تندمج نوياته لتشكل الهليوم فيتحول جزء من كتلة الهيدروجين خلال هذا الاندماج إلى طاقة صرفة. يستمر إنتاج الطاقة بهذه الطريقة في نجم متوسط الكتلة كالشمس مثلاً مليارات السنين مالئاً الفراغ الكوني المحيط بإشعاع مستقر لابدّ منه لاستمرار الحياة على الأرض.
باستمرار تفاعلات الاندماج النووي، يُستهلك معظم الهيدروجين المتفاعل ويقترب النجم من نهاية حياته الإشعاعية، بعد ذلك ينهي النجم حياته بطرق عديدة، لكن ما يتوقع حدوثه للشمس في أطوار حياتها الأخيرة هو أن تتضخم إلى ما يسمى بالعملاق الأحمر (RED GIANT)، حيث سيزداد قطرها حوالي ثلاثين ضعفاً، مبتلعة الكواكب القريبة و منها القمر و ربما الأرض.
متى ستقع هذه النهاية المأساوية للشمس؟ إذا عدنا إلى الجدول السابق نجد أن كتلة الشمس مناسبة تماماً لتحيا حياة إشعاعية مستقرة تبلغ 11 مليار سنة، أمضت منها 5 مليارات فتبقى لها حوالي 6 مليارات سنة قبل أن تصبح عملاقاً أحمر.
قد تطرأ بعض التغييرات البسيطة على القدرة الإشعاعية للشمس خلال هذه الفترة لكنها لن تكون من الخطورة بحيث تقضي على الحياة على الأرض. قد تأتي عصور جليدية كالتي حصلت في أحقاب غابرة، لكن التاريخ الطبيعي للأرض ينبؤنا بأن هذه العصور لم تنه الحياة بشكل كامل على سطح الكوكب. نعم ستمر ستة مليارات سنة قبل أن تسدل ستارة الفناء أمام مسرح الحياة هنا. هذا ما ينبئنا به مخطط (هرتزسبرنغ – رسّل)، خلال مليارات السنين هذه سيكون الإنسان قد بلغ شأوا بعيدا من التقدم يمكنه من الارتحال بعيدا إلى كواكب أخرى تحتضن الجنس البشري من جديد.
من الأخطار الأخرى التي تهدد الأرض بين الحين و الآخر اختراق الكويكبات أو النيازك لغلافها الجوي، مصدر هذه الكويكبات هو الحطام الدائر في فلك بين مداري المريخ و المشتري. يعتقد أن هذا الحطام هو المخلفات المتبقية من تشكل المجموعة الشمسية، أو أنها نتجت عن تحطم كوكب في هذا المدار منذ بداية تشكل المجموعة الشمسية. يسمى هذا الحطام اجمالا بالكويكبات، و ما ينفلت منها من مداره فيضرب الأرض يسمى بالنيازك. بعض هذه الكويكبات لا يتجاوز قطره بضعة أمتار، في حين يبلغ قطر بعضها الآخر مئات الكيلو مترات: (يبلغ قطر الكويكب سيريس 940 كيلو مترا مثلا)، ينفلت بعض هذا الحطام بين الفينة و الأخرى سابحا في الفضاء، فإذا وقعت الأرض في مساره فإنه يخترق غلافها الجوي بسرعة هائلة تؤدي مع احتكاكه بالهواء إلى أن ترتفع درجة حرارته آلاف الدرجات المئوية فيبدو على شكل شهاب لامع ثم يتبخر و يتلاشى إذا كان قطره أقل من 25 مترا. لكن بعض الكويكبات الأكبر يمكنها أن تنفذ من الغلاف الجوي لتضرب الأرض بعد أن يتبخر جزء منها. إن ارتطام نيزك كبير بالأرض، يؤدي إلى نتائج كارثية، و هو احتمال وارد بالرغم من ندرته يتكرر كل 1000 إلى 10000 سنة.
وضعت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا-NASA) خططا لمواجهة مثل هذه الكوارث المحتملة تتلخص في إطلاق صواريخ أو مركبات فضائية للاصطدام بالكويكب الذي يشكل خطرا على الأرض في الفضاء قبل أن يقترب منها بما يجعله ينحرف عن مساره، أو جرّه بقوة جاذبية المركبة إلى مسار بعيد عن الأرض، لكن مثل هذه الخطط يتطلب تنفيذها العلم باحتمال سقوط الكويكب قبل أكثر من عشر سنوات.
لقد ضرب كويكب ضخم الأرض قبل حوالي 60 مليون عام و أدى إلى انقراض الديناصورات كما تدل الحفريات على ذلك، [3]. أما الكويكبات التي يبلغ قطرها 20 مترا أو أقل فيتكرر دخولها إلى أجواء الأرض كل 60 عام، ففي 15 شباط (فبراير) من عام 2015 ضرب كويكب قطره حوالي 20 مترا أجواء مدينة شيليابنسك (Chelyabinsk) جنوب الأورال من جمهورية روسيا الاتحادية بسرعة تقارب 70 ألف كيلومتر في الساعة على ارتفاع 30 كيلومترا من سطح الأرض بقوة انفجار تبلغ حوالي 30 قنبلة ذرية مماثلة لقنبلة هيروشيما مخلفا أضراراً في آلاف الشقق السكنية و حوالي 1500 جريح أكثرهم بسبب الزجاج المحطم، و لم تسجل وفيات بسبب الحادث[4]

بما أن التعامل مع مثل هذه الكوارث يتطلب العلم بها مسبقا قبل أكثر من عشر سنوات، فإن الخطة البديلة المقترحة لدى وكالات الفضاء، تتلخص في التصدي للكويكب المتقدم إلى الأرض بصاروخ يحمل رأسا نوويا، و تدميره على ارتفاع مناسب إذا اقتضت الضرورة.
أما الخطر الطبيعي الأكبر من خطر الكويكبات و المتخفي تحت أقدامنا، فهو خطر البراكين الكبرى (Super Volcanoes)، فمن المعروف أن الأرض كانت عبارة عن صهارة صخرية في بداية تشكلها ثم بردت قشرتها الخارجية و تجمدت بمرور السنين، لكن الطبقات السفلى من الأرض ما زالت تحوي الصهارة التي تسمى (ماغما-Magma)، هذه الصهارة تندفع من خلال تشققات القشرة الأرضية محدثة البراكين التي قد تكون عادية، و تتميز بأن مقذوفها البركاني لايتجاوز 1 كيلومتر مكعب من الماغما، تتجمع على شكل مخروط بعد أن تبرد. تحدث هذا البراكين في فترات متقاربة ربما في كل قرن أو بضعة قرون، و قد تكون من نوع البراكين العظمى (Super Volcanoes). تختلف البراكين العظمى بأن ما تقذفه من الصهارة يبلغ 1000 كيلومتر مكعب على الأقل تغطي مساحات مسطحة شاسعة و عادة ما تكون المنطقة المحيطة بالبراكين العظمى مرتفعة عن منطقة البركان فيمتلئ حوض البركان بصهارة الصخور البركانية إلى حواف المنطقة المرتفعة المحيطة بالحوض. لحسن الحظ فإن مثل هذه البراكين لا تحدث إلا مرة كل مئة ألف عام أو أكثر، و لو حدثت فإن الرماد البركاني الناتج عنها سيغطي عين الشمس و سيؤدي إلى شتاء بركاني طويل تنضب فيه المواد الغذائية اللازمة لاستمرار الحياة، علما بأن مخزون الأرض من الغذاء لا يكفي سكانها أكثر من 74 يوما وفق تقديرات الأمم المتحدة عام 2012. يعرف من البراكين العظمى حوالي 20 بركانا موزعة على مناطق جغرافية متباعدة، و قد وضعت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا-NASA) خطة طويلة الأمد للتعامل مع هذه البراكين تتلخص في حفر بئر من أحد جوانب القشرة الأرضية التي تعلو البركان بعمق 10 كيلومتر تقريبا بعيدا عن حجرة الماغما و ضخ مياه بضغط عال في البئر بغرض تحويل المياه إلى بخار يستفاد منه في تبريد الماغما و بالتالي تخفيض احتمال اندفاعها خارج الأرض، في الوقت نفسه يستخدم البخار التاتج بهذه الطريقة لتوليد الكهرباء بسعر رخيص نسبيا. مازالت هذه الأفكار قيد الدراسة، ولربما توفرت حلول هندسية أكثر تطورا من المطروحة حاليا في المستقبل.[5]



أحد البراكين العظمي في يلو ستون-كالديرا، الولايات المتحدة.

أما النوع الثالث من الكوارث الكونية التي تستعصي على الإنسان مواجهتها، فتدخل في دائرة الاحتمال البعيد جدا أو نادر الحدوث، كأن تجتمع أكثر من كارثة طبيعية معا في آن واحد: (كويكبات تجتاح الغلاف الجوي، مع أعاصير تسونامي و انفجار أحد البراكين العظمى كلها معا)، أو أن ينفجر نجم قريب منا مطلقا إشعاعات غاما بشدة تدمر طبقة الأوزون و تفني الأنواع الحية، أو أن يستمر الكون في التوسع حتى يتلاشى أو في الانكماش ليعود و ينطوي على نفسه كما بدأ (أو أن تقوم القيامة بالمفردات الدينية)، عندها لن يكون للإنسان و سفينة فضائه الأرض من مفر. لكن هذه الافتراضات لا تهدد الأرض و لا الجنس البشري حاليا على الأقل.[6]
و هكذا نجد أن ما يهدد الأرض و الحياة عليها فعلا هو الاستعمار الجديد و لوبياته الحاكمة التي استغلت البيئة و الإنسان لتروي جشعها و رغبتها في السيطرة على الكوكب و موارده بأي ثمن و بدون رادع أو ضمير أو أخلاق بدلاً من تسخير التطور الذي بلغته الإنسانية في عصرنا هذا لخدمة و رفاهية الإنسان.
إن نهضة أوروبا الحديثة انطلقت من مقولة (فرنسيس بيكون): المعرفة قوة (Knowledge is power)، لكن بيكون نسي على ما يبدو أن يحدد الجهة التي يجب أن تُوجّه إليها هذه القوة، هل إلى المستضعفين في الأرض لزيادة بؤسهم و شقائهم، أم إلى الطبيعة ببراكينها و زلازلها و عواصفها المدمرة للأرض و الإنسان؟ أم أنه ترك القرار لمن سيأتي بعده من أجيال؟

----------------------------------------------
المراجع:

[1]. زينب عبد المنعم، اليوم السابع: رسالة يرجع تاريخها لعام 1992 تكشف تخوفات العلماء من دمار الأرض؛
الإثنين، 13 نوفمبر 2017 11:00 م.
[2] Mike Wall, Stephen Hawking Warns: Humanity May Have Less Than 600 Years to Leave Earth; LIVE SCI=NCE, November 13, 2017 10:21am ET
[3]. Charles Q. Choi, Asteroids: Fun Facts and Information About Asteroids, Space.com., September 20, 2017 07:54pm ET
[4]. WikipediA, The Free Encyclopedia; Chelyabinsk meteor
[5]David Cox, BBC, Nasa’s ambitious plan to save earth from a super volcano, 17 August 2017.
[6]. Apocalypse when?, BBC Apocalypse Week, August 15th 2017