الكتاب و دور الوكالات الأدبية
11-11-2008, 03:58 PM



الكتاب و دور الوكالات الأدبية
**حاليا نشهد تغيرا ملحوظا و عميقا في بنية الكتاب و قد يستمر هذا التحول مدة طويلة حتى تتحقق معالمه.
هناك وجهات نظر عديدة حول الكتاب بمفهومه الحضاري نأخذ منها على سبيل الحصر : وجهة مستعمليه و وجهة نظر مؤلفيه.
فأما وجهة نظر المستعملين للكتاب أو القراء بالتعبير العام فيعتبرون التربة الأساسية للكتاب و على الرغم من أن هذه القيم أضحت جزئيا اقل أهمية في الفترة الأخيرة لان العلاقة بين المؤلف و القارئ و حتى المكتبة من الناحية الأخرى و لان المشرفون و المكلفون برعايته و لا سيما المؤسسات ازدادوا بعدا عن فضاء الكتاب و قيمه.
و من أسباب هذا البعد حسب اعتقادي يعود إلى ضعف في التنظيم العام للمؤسسات المذكورة و هياكلها التي غالبا ما كانت تؤسس على شكل أجسام غير متوافقة و السبب الأخر هو أن هذه المؤسسات المشار إليها قضت فترة من الزمن خارج إطار تسييرما يسمى برؤوس الأموال و بالطريقة التي تحقق استثمارات كبيرة.
و لان الكتاب يعتبر عنصرا مهما كان الأجدر بنا كمهتمين به عمل الكثير باعتماد قيمه في تحديد معايير الفعالية كمؤهلات تقنية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
مثل هذا الفهم غير موجود بين مختلف الأطراف المهتمة بالكتاب بل العكس يلاحظ على معظمها محاولة الابتعاد عن الرقابة * الخضوع للقيم* و ذلك لأسباب تافهة تكمن في * فوزها* بصلاحيات تمنحها الشكل السهل أو كما يسمونه الشكل المريح في حركة رؤوس أموالها و بمفهوم آخر توفير الحرية في اتخاذ القرار و المبادرة التي تنسجم مع القيم و المعايير و الأعراف و الثقافة و لا تساهم في بنية الفكر و كل الأمور المتفرعة في الحياة اليومية * الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية..*
و من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن فائدة الكتاب بصفة عامة تكمن في * العمل بقواعد تحدد صلاحيات كل الأطراف* مع الآخذ بعين الاعتبار أن ما يعتبر حاسما بالنسبة للكتاب لا يمكن أن يكون كذلك بالنسبة للكاتب و القارئ فهذه ميزة قيم الكتاب.
إن الكتاب الذي تكون فيه القيم هي محور المعاملات إنما يمثل حسب رأيي نوع من التمييز بين الخطأ و الصواب الذي يعتمد هو الأخر على التمييز بين علاقات الصراع بين الإطراف المختلفة حسب تصوري.
و ما هو قيد التفاعل بالطبع هو دور الجهة الوصية بشكل عام الذي يعني دفاعها عن الكتاب و الكاتب و القارئ هو دفاع عن المؤسسات التي يكون فيها الكتاب هو الرابح بوجه عام و خاص و التزامها بتطبيق التنظيم القائم و يمكن للدفاع هذا أن يعني أيضا إضفاء المصداقية دون اللجوء إلى البرهان و المناظرة.
إن وجهة نظر المستعملين المركبة من الحرية و الرعاية و الحق في الاطلاع ..الخ هي موضوع يتطلب نقاشا مستفيضا و بالأخص إذا تجرأنا و اعترفنا بضخامة الأذى الذي لحق بالمستعمل و لكننا نختار دائما أقصر الطرق و نتحاشى الصراحة بأساليب خالية من المسؤولية نبرز بها الفشل.
و يبقى الكتاب , المطالعة,المكتبة و غيرهم الفضاءات الأساسية في تحضير الطبيعة البشرية و التأثير على معدل الإقبال و الاستعمال. و لو عدنا إلى ما سبق نشره حول المطالعة و صناعة الكتاب و مخطط انتشار المطالعة العمومية لتبين لنا أن تنشئة الأجيال الصاعدة داخل بيئة تشمل على الأقل * الكتاب و سقف يأوي القراء* لظهرت نتائج محترمة في غرس قيم الكتاب إلا إن الواقع يبقى خاضعا للمناسبات.
إن شكل التعامل الذي نحياه اليوم فيما يخض القراءة و الكتابة * من بيروقراطية,ارتجالية, مناسبتيه,بريكولاج ثقافي...الخ* لا يشجع بأي شكل من الأشكال في الذهاب قدما نحو تأسيس ما يسمى – بإنتاج- المثقف الشغوف الولوع صاحب الذوق الرقيق و المبادرة..
فوجود هذه الموانع و استمرارها كنتاج اجتماعي قابل للاستهلاك معناه إيجاد مجتمع منحرف ثقافيا الأمر إلي نعيشه مع الأسف كظاهرة من ظواهر تخلف – الكتابة و القراءة-
و أكثر من ذلك فقد ارتبطت أساسا بنمو المجتمع الذي أصبح لا يواكب التطور الذي تشهده الأمم بلغته * صناعة الكتاب و المطاعة و غيرهما*.
و المؤسف له هو أن الظاهرة تبدو لنا حتمية و بحجم طبيعي..أتدري أخي القارئ الكريم لماذا؟ بشكل بسيط لأننا امة لا تريد أن تنطلق جريا و عدوا لركوب قطار التطور , بل نفضل البقاء سائرين في طريق النمو..
يسمح لي أخي القارئ باستعمالي لهذا الأسلوب الذي لا اقصد به إلا تحريك العزيمة لدى كل واحد منا حتى نتحول و تتحول اهتماماتنا من الفعل و غاياته إلى الوسائل الناجعة و التركيز على المهارات و القيم الأخلاقية لدى الكتاب و محترفي الكتابة بشكل خاص.
و يصبح من الضروري تحويل المفاهيم السائدة إلى قيم لان المؤلف بوجه عام لم يعد ذلك التاجر الذي يجري وراء عدد النسخ التي يجب سحبها أو انتظار تاريخ تسديد المستحقات أكثر من البحث عن طرق تثمين إنتاج و صناعة الكتاب.
بعض البلدان المتطورة نظمت سوق الكتاب و صناعته بشكل ملفت للانتباه و ذلك بإنشائها لما يسمى بشبكات الوكالات التي تمثل المؤلف أمام الناشر من خلال اكتتاب تتعهد فيه بالإشراف الحضاري و الرعاية الصادقة لنشر المخطوط و بالإضافة إلى كل المعاملات القائمة كالضرائب و دراسة المشاريع و تقييمها من كل الجوانب حتى تلك التي تتعلق برواجها محليا و دوليا..و مهام هذه الوكالات, المناقشة و المفاوضة حول حقوق الاستغلال
و الحقوق المجاورة * كالطباعة و الورق و الأفلام..الخ* و تمثيل حتى الورثة و الناشرين في الخارج و بهذه الوتيرة يصبح القائم عليها المحامي و المحاسب و في اغلب الأوقات المستشار الصديق الحميم للمؤلف أو الكاتب و في حالة فوز و نجاح المشروع تقتطع نسبة من المستحقات على الأتعاب من كل صفقة.
في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يظهر أن هذا النموذج * الاستثماري الحضاري الضخم* من التسيير أصبح يعمل به بشكل قوي و ملفت للانتباه و بصفة عادية جدا تصل
إلى نسبة عالية جدا من الكتاب و المؤلفين الممثلين من طرف * الوكالات الأدبية
الذين أصبحوا في الأعوان المشرفين عليها المتعاملين الحقيقيين أصحاب الخبرة الذين يوفرون الفرص الثمينة للمؤلفين بالتفرغ لمامهم الأصلية.. و نتج عن هذا التعامل الحضاري المقولة المشهورة * أصبح من واجبنا إيجاد الناشر*Agences littéraires*
لكل مخطوط* و أصبحت من القيم الراسخة في مجتمعاتهم.
لقد تطور الكتاب و تغيرت مضامينه مع تغير و تطور أهدافه و وظائفه من جهة و المشاريع الثقافية و حاجات المستعملين من جهة أخرى.
إن قيم الكتاب تستهدف القدرة الثقافية على الالتصاق و التشبث بالمنفعة في إدراك متفتح و واع بمختلف العلاقات الاجتماعية و صورها التي تصنع البناء المرصوص و تقضي على الاستغلال و تتابع التطورات الحديثة و تسايرها لتصبح بعد ذلك و بحد ذاتها عنصرا من عناصر نشر القيم و تنمية مختلف جوانب الحياة.
محمد داود