عشرات الأفارقة يعتنقون الإسلام بسبب مطاعم الرحمة
02-07-2015, 08:16 PM


  • "مطاعمكم تحتوي على أطباق خمسة نجوم والشوربة حساء سحري"
ربورتاج: وهيبة سليماني


عشرات الأفارقة اعتنقوا الإسلام في رمضان تأثرا بحسن ضيافتهم في مطاعم الرحمة، هم شباب دفعتهم الحروب والصراعات والفقر إلى البحث عن الرزق والأمان في الجزائر، يعملون في شركات البناء الصينية المتفرقة بالعاصمة، غيروا أسماءهم من جورج وبيار وريكون.. إلى محمد وعيسى والسعيد. انبهروا بكرم الجزائريين فتحولت حياتهم .. هي المفاجأة والحقيقة التي وقفنا عليها أثناء مشاركتنا الإفطار مع عشرات الأفارقة في الحراش أين فتحوا لنا قلوبهم وتحدثوا عن مغامراتهم ويومياتهم في الجزائر.

عندما وصلنا إلى أحد مطاعم "جزائر الخير" بالحراش، كانت لا تفصلنا سوى دقائق معدودة عن أذان الإفطار، المطعم المكون من طابقين كان مكتظا بمرتاديه من عمال شركة بناء و شركة كوسيدار، وعابري السبيل والمتشردين، أجانب من دول المغرب ومالي والنيجر والبنين... الكل يبتسم ويتبادل أطراف الحديث في حيوية مع مرافقيه. المتطوعون من الشباب يوزعون الوجبات بانتظام بدءا بالخبز والماء إلى الطبق الرئيسي والسلطة والفاكهة.
الأفارقة كثيرون .. أغلبهم "زوافرا" في شركة صينية مكلفة بمشروع بناء في الجزائر، تقع على بعد أمتار من المطعم.
اختارت "الشروق" الجلوس إلى مأدبتهم التي التفوا حولها والابتسامة والرضا بادية على محياهم، رحبوا بنا بكل بشاشة، وعبروا من دون تردد عن أثر هذا التكافل والتضامن في أنفسهم وعن مطاعم الرحمة التي بعثت فيهم الحيوية وأنستهم بعدهم عن الأجواء العائلية، وحببتهم في الإسلام.
"إنها أجواء رائعة ولا تنسى.. الكل متوفر على موائد المطعم وكأنك في مطعم لفندق أربع نحوم!" قالها بالفرنسية شاب من البنين، يدعى "مسعود"، 28 سنة، حيث عبر عن سعادته لوجود مثل هذه المطاعم في شهر رمضان متمنيا السنة كلها رمضان.
وبحسب صديقه الذي كانت ابتسامة الرضا تقفز من عينيه، فإن المطعم أعفاه من عناء مصاريف رمضان، خاصة أن أجرته ـ يقول ـ ضعيفة ولا تكفي: "نحن نعيش لحظات بين إخواننا الجزائريين في مطاعم رحمة بمعنى الكلمة، إنها روعة الإسلام وطيبة قلوب أبناء هذا البلد".

"لم أر في حياتي مطعما تأكل فيه ما تشتهي دون أن تدفع"
"الشربة" الحساء الذين أكد الكثير من الأفارقة أنه رائع وتذوقوه لأول مرة في الجزائر هذا العام، وفي رأي بنيني آخر يبلغ من العمر 21 سنة، أن "الشربة" حساء سحري يتخيل رائحته في ذهنه كلما اقتربت ساعات الإفطار، فيشجع أصدقاء له من بلده أن يرافقوه إلى مطعم الرحمة. أطباق أخرى جزائرية، كـ "طاجين الزيتون"، أصبحت معروفة لدى الأجانب من خلال هذا المطعم.
ونحن نتبادل أطراف الحديث مع هؤلاء الأفارقة، التحق آخر من مالي، وفضل أن يجلس إلى جانب الجزائريين، والاختلاط بهم، بوجهه الأسمر الداكن وعينيه البراقتين، كان يبدو سعيدا ومرتاحا قال لـ "الشروق"، إنه لم يكن يعلم عندما طلب منه أحد أصدقائه أن يرافقه إلى هذا المطعم، بوفرة هذا"الخير".

"نتردد على المطعم يوميا دون أن ينقص شيء من المائدة"
الإفطار!!.. الحليب.. التمر، الشربة، وأطباق متنوعة، السلطة، الماء البارد، والعصائر.. حتى الفاكهة!" هي كلمات يرددها يوميا أغلب الأفارقة الذين يقصدون مطعم جمعية جزائر الخير الموجود في الحراش، حيث أكد أحدهم: "هي مأكولات شهية لم نتذوق مثلها في حياتنا، المائدة الجزائرية متنوعة وصحية وغنية، وأحسن شيء أن تتذوق على مدى 30 يوما هذه الأطباق..

هكذا ساهمت مطاعم الرحمة في إسلام الأفارقة
من خلال تبادلنا أطراف الحديث مع الأفارقة المنحدرين من عدة بلدان أغلبهم توافدوا من البينين وزامبيا وأنغولا.. لاحظنا أنهم ينادون بعضهم بعضا بأسماء عربية على غرار محمد، السعيد، عيسى.. فسألناهم فكانت المفاجأة، حيث أخبرنا من كان بجنبنا على اليمين، ويدعى سعيد، أنه هو والكثير من رفقائه الحاضرين في مطعم الرحمة، أعلنوا اعتناقهم الإسلام، أغلبهم من البينين ويعملون في الشركة الصينية المحاذية للمطعم الذي يفطرون فيه، وأضاف أن البعض غيروا أسماءهم إلى عيسى وآخرين إلى محمد.
وفي سياق الكلام، قاطعنا شاب إفريقي قادم من البينين أطلق على نفسه اسم عيسى، يبلغ من العمر 35 سنة، أن حياته تغيرت تماما في الجزائر. وأضاف أن توافده اليومي على مطاعم الرحمة جعله يمعن التفكير في السبب الذي يدفع الجزائريين إلى القيام بهذه المبادرات الخيرية مجانا، "وهذا ما دفعني إلى تبادل أطراف الحديث مع الكثير من الجزائريين الذين حدثوني عن سماحة وكرم الإسلام، وأنا بدوري أخبرت أصدقائي بما تعلمت وسمعت حيث أقنعت الكثير منهم باعتناق الإسلام... بعد الشهادتين نحن الآن نتعلم الصلاة، لم نشرع في الصيام بعد لطبيعة الأعمال الشاقة التي نعملها تحت الحرارة، غير أننا قررنا أن نتعلم الإسلام ونطبقه تدريجيا، وإن شاء الله سنعلن إسلامنا رسميا قريبا في أحد المساجد بالحراش.."
وفي هذا الإطار، أكد لنا المسؤول عن مطعم الرحمة لجمعية "جزائر الخير"، أن الأفارقة باتوا عائلة منا ولا يمكننا الاستغناء عنهم في مطاعمنا، نحاول أن نحسن إليهم ونعاملهم بأخلاق الإسلام. وهذا ما ما ساهم في إعجابهم الشديد بأخلاق وكرم الجزائريين، وتسعى لتواصل تضامنها مع هذه الشرائح حتى بعد رمضان من خلال توفير مطاعم ممولة من محسنين على طول السنة، خاصة في أيام البرد، على أن تختار أماكن وجودها حسب وجود الأجانب وانتشار المتشردين والفقراء. وأشار أن فعل الخير متأصل في الجزائريين بدليل أن المطعم ملك لشخص وتركه للجمعية ليفتح في رمضان لفعل الخير.
وقال إن العائلات القاطنة بالقرب من المطعم لم تتأخر هي الأخرى عن تمويله والإحسان للمحتاجين، حيث كان "المطلوع" و"الفطائر" موجودا على موائد المطعم.