هذه حالنا
06-08-2008, 09:22 AM
لا يعرف هذا الصقر كيف هي الحياة خارج هذه الصحراء ، فقد ولد و ترعرع بين والدية في خيمة هذا البدوي ، و الذي كان يتنقل بهم من مكان لآخر ....
لقد ألف الصقر الصيد لهذا البدوي ، و أحبه ، حتى أن البدوي كان يحب هذا الصقر أكثر من والدي الصقر اللذين ماتا ، فأحسن تربية هذا الصقر ،الذي قاسمه العيش في الصحراء ، بل أصبح يقدم له أجود أنواع اللحم ، و كان يؤثر الصقر على نفسه إذا حصلا على صيد ثمين ، وعاش الصقر مرفها ، فلم يكن يلبسه صاحبه البرقع ، بل يتركه يطلق العنان لبصره أين ما شاء ، حتى أن الصقر لما كبر قليلا ، كان يتركه بلا وثاق ، لأنه يعلم أنه من غير الممكن أن يتخلى هذا الصقر عنه ، خصوصا و أن بينهما لغة ، لا يفهمها أي مخلوق سواهم ....
وذات صباح ... زار البدوي مجموعة من البدو ، و كان أحدهم يحمل صقرا ، قد وضع برقعا على عينيه ، فلما استقر بجانب الصقر الآخر ، نظر إليه شامتا وقال : هل يتعبك ضوء النهار !!
رد الصقر المبرقع بغضب و قال : بل ألبس البرقع لأنني صقر ولست دجاجة.
فوجئ الصقر بهذا الرد القوي ، فقال : و أنا لا ألبس البرقع لأنني مخلص و هناك ثقة متبادله بيني و بين صاحبي
- لكنك عبد له ، دجنك لذيذ الطعام ، فحارت أجنحتك على التحليق ، و مازلت لاصقا بالأرض مثل الفأر ، ويحك ، متى تعلم بأنك صقر ، تعلو الجبال ، و تتزوج من تشاء ، لا من يسوقها لك صاحبك ....
إستاء الصقر من هذا الكلام ، فهذا المبرقع يطلب منه خيانة صاحبه الذي قاسمه الود ....فقرر إنهاء الحوار معه وأن لا يفتح على نفسه المشاكل.
في اليوم التالي ، خرج الصقر للصيد ، فقرر أن لا يعود إلا بفريسة دسمه فإذا به يحمل حبارى ضخمه ، لم يسبق لصاحبه أن رأى مثلها من قبل ، فكافئه البدوي أن أعطاها كلها للصقر ...
و بعد أسابيع ..
لاحظ البدوي أن الصقر قد تغير طبعه، فلم يعد بصاحبه الأول ، بل لاحظ أنه بدأ يتجه للعدوانيه و التوحش ، حتى الفرائس التي كان يصيدها بمهارة ، أصبح يأتي بها وقد مزقها و أثخن فيها الجراح ، و كان الصقر يرفض الأكل الذي يمده له صاحبه ، فيمضي اليوم و اليومين دون أكل حتى يقع هو بنفسه على الفريسة التي يختارها.
قرر البدوي ، أن يلبس الصقر برقع كي يهدأ قليلا ، وعلم بأنه يمر بحالة تحدث دائما للصقور ، و سبق و أن مرت بوالد هذا الصقر.
سكن الصقر ، بعد أيام من إلباسه البرقع ، ولاحظ البدوي بأنه بدأ يأكل من الطعام الذي يقدمه له صاحبه ، و قد عادت الحميمية السابقة إلى عهدها ، فقرر بذلك فك البرقع من جديد ...
في صباح اليوم التالي ، أطلق البدوي الصقر ، ليحضر له فريسه ، إلا أن الصقر تأخر و لم يرجع ، شك البدوي في أنه قد استعجل كثيرا في فك برقعه ، فقرر ركوب سيارته وملاحقة اتجاه سيره في الصحراء ، إلا أن الصقر غاب عن ناظريه ، فأخذ يسأل عنه أهل البادية و أخبرهم بأنه قد وضع على قدم الصقر علامة تحمل رقم جواله و ندائه الخاص على جهاز المراسلات الكينوود، فكان أكثرهم يقول : لا تستعجل ، فسوف يعود لك بعد أيام ، و هذه حادثة تتكرر كثيرا من الصقور و سوف يتصل عليك من يجده...
مضى اليوم و اليومان ، ثم الأسبوع و الشهر ، و لم يرى له أثر ...
بعد شهرين ... خرج البدوي من الخيمة في الصباح الباكر ، و أراد أن يركب سيارته ، فإذا به يجد حبارى مقتوله أمام سيارته ، و قد تم اصطيادها بمهارة فائقة ذكرته بصقره المفقود ، فلما رفعها عن الأرض ، وجد داخلها العلامه التي كانت على قدم الصقر ، قد مزقت و وضعت فم الحبارى ، رفع البدوي بصره إلى السماء فلم يجد للصقر أية أثر .......
لقد انتشى الصقر بالطيران و التحليق ، فكان كلما ازداد علا ، صغرت الأرض و الأماكن التي كان يعيشها في نظره ، و كان كلما هبط كبرت الأرض في عينيه ...