فرج فودة: لماذا تعود أفكار صاحب "الحقيقة الغائبة" لتثير الجدل بعد مرور نحو 30 عاما على اغتياله؟
15-05-2020, 02:14 PM



تبدو سيرة الكاتب المصري الراحل، فرج فودة، كأنها تأبى إلا أن تعود لواجهة النقاش في بلاده، رغم مرور نحو 30 عاما على اغتياله، إذ أثار حديث ممثل مصري عن الكاتب ردود فعل جدلية في مصر وخارجها حول إرث فودة الذي كان من أبرز المدافعين عن العلمانية في البلاد.
فالممثل أحمد الرافعي، الذي أدى دور قيادي في جماعة إسلامية متطرفة في مسلسل يتناول الصدام بين الجيش المصري والمسلحين الإسلاميين، كان قد نشر على مواقع التواصل الاجتماعي منشورا تحدث فيه عن "فرحة أبناء البلد بمقتل فودة" قبل أن يعود ويوجه النقد لإرث الكاتب العلماني بوصفه ينتمي إلى تيار" كان يوجه الرصاص إلى عقول أبناء الشعب المصري مثلما أطلق الإرهابيون النار على صدر الوطن"، كما قال الممثل الشاب في مقابلة تليفزيونية.
وقد أعاد حديث الرافعي الجدل حول أفكار فودة عن الدولة المدنية وتاريخ الخلافة الإسلامية وهي أفكار تقاطعت مع المشهد السياسي في مصر قبل نحو 40 عاما عندما كان مشهدا لا يشبه ما تمر به مصر الآن بحسب مراقبين.

يقول الباحث في الجماعات الإسلامية، علي بكر الفقي، إنه "لا تشابه بين الأوضاع في مصر زمن اغتيال فودة وما هو واقع الآن، فقبل ثلاثين عاما كان للإسلاميين وجود كبير على الساحة السياسية بعكس الوضع الآن. فالدولة المصرية الآن في عداء كبير معهم بينما كانت تهادنهم في زمن فودة".
"خطاب سهل غير معقد"

تفيد المعلومات الشحيحة المتداولة عن السنوات الأولى في حياة فودة بأنه ولد في محافظة دمياط شمال القاهرة عام 1946 قبل أن يدرس العلوم الزراعية ويحصل على رسالة دكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس في العاصمة المصرية.
وبدأ اسم فودة في التداول في ثمانينيات القرن الماضي في فترة بدأت فيها مصر تعرف ما وٌصف بهامش من التعددية السياسية والثقافية.
وانضم فودة إلى حزب الوفد الجديد الذي يستلهم تجربة حزب الوفد ذي الإرث الليبرالي في مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952.
وغادر فودة حزب الوفد بعد أن دخل الحزب في تحالف انتخابي مع مرشحي جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية عام 1984 في قرار عده فودة خيانة لـ"مبادئ الحزب".
ولم يتوقف مشوار فودة السياسي عند الخروج من الوفد، إذ أعلن عزمه تأسيس حزب جديد إلا أن السلطات المصرية رفضت منح الحزب الترخيص، كما خاض الانتخابات في عام 1987 في تجربة لم تكلل بالنجاح.
وكان فودة في تلك الفترة يدافع في مقالاته عن فكرة الدولة المدنية ما أدخله في سجالات فكرية مع كتاب إسلاميين كانوا حاضرين بقوة في الساحة السياسية المصرية كنتيجة لما يراه الباحث في الجماعات الإسلامية، أحمد بان، "صفقة سياسية " فالنظام المصري في عهد السادات تحالف مع الجماعات الإسلامية لمواجهة خصومه من اليساريين والقوميين".
وكان السجال بين فودة وخصومه يتناول قضايا متنوعة فهناك نقاش حول العلمانية وجدل حول كتاب ألف ليلة وليلة وخلاف حول حجية الحجاب.
ويرى أحمد بان أن أكثر ما يميز فودة كان "خطابه السهل غير المعقد الذي نجح في جذب الكثيرين حوله"، وكثيرا ما انتقد الإسلاميون فودة لكونه "غير متخصص في الإسلام يسعى للطعن في العقيدة مستخدما روايات ضعيفة للحظات استثنائية لا تعكس عظمة التاريخ الإسلامي".
إلا أن فودة كان يقول إن عدم تخصصه في دراسة الإسلام لا يحرمه حق التساؤل مشددا على أن "أغلب ما جاء في سنوات التاريخ الإسلامي يعكس مشهدا مأساويا يخالف كل مبادئ العقيدة الإسلامية".
"نعم للإسلام لا للدولة الإسلامية"

يشدد فودة في كثير من كتاباته ومحاضراته على أنه مسلم متمسك بالإسلام الذي هو عنده "الدين الأعظم" مع التمييز بين الإسلام كديانة والدولة الإسلامية.
وتبدو الفكرة الرئيسية التي تهيمن على كتابات فودة هي أن الحديث عن دولة دينية تستلهم تراث الإسلام النقي يتجاهل روايات في كتب التاريخ تظهر أن العقود الأولى من حكم الخلفاء الأوائل للنبي شهدت حوادث "لا تتفق مع مبادئ الإسلام أو الحكم الرشيد " مثل ما حدث للخليفة الثالث عثمان بن عفان الذي "يُقتل ويرفُض سكان المدينة دفنه في مقابر المسلمين".
وتزداد الصورة قتامة في زمن الخلافتين الأموية والعباسية بحسب فودة، الذي يستشهد بحوادث أوردها مؤرخون مثل تهديد الخليفة عبد الملك بن مروان بـ"قطع رأس من يأمره بتقوى الله" أو ما قام به العباسيون من "نبش قبور خلفاء بني أمية والتمثيل برفاتهم" بعد أن وصلوا إلى الحكم عام 132 للهجرة.
كما دافع فودة كثيرا عن مفهوم الدولة العلمانية " التي تصون حقوق جميع مواطنيها بغض النظر عن عقيدتهم"، إذ يرى أن وضع المسلمين في ظل العالم الحديث "أفضل كثيرا مما كانوا عليه في عصور الخلافة".
وكان فودة يرى أنه يقوم بمهمة في غاية الأهمية ألا وهي كشف "الحقيقة الغائبة"- وهو عنوان أحد أهم كتبه- بنقد التراث الإسلامي وإعمال العقل فيه عوضا عن تمجيده.
ويرى الباحث علي بكر الفقي أن الغضب الكبير الذي أثارته كتابات فودة عند الإسلاميين يرجع إلى انها "تنتقد المسلمات التي يتمسكون بها بوصفها صحيح الدين".
المناظرة

يعد فرج فودة موضوعا مثيرا للنقاش في مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين لفكرة العلمانية ومعارضين.
ورغم اختلاف مواقف الفريقين حيال فودة فإن من بين ما يجمعهما الاستشهاد بالمناظرات الفكرية التي شارك فيها فودة في الفترة التي سبقت اغتياله.
ويرى بعض المعلقين أن المناظرة التي جرت في معرض القاهرة للكتاب في يناير / كانون الثاني تحت عنوان "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية" والتي شارك فيها فودة كانت هي الحاسمة في تحديد مصيره.
حيث جلس فودة بجانب الكاتب محمد أحمد خلف الله، صاحب الكتاب المثير للجدل "الفن القصصي في القرآن"، للدفاع عن مقولة الدولة المدنية في مواجهة الداعية الإسلامي البارز، محمد الغزالي، والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، مأمون الهضيبي، قبل أن يصبح مرشدا للجماعة، والكاتب الإسلامي محمد عمارة.
وتظهر المقاطع المصورة للمناظرة أن الحديث عن دولة مدنية لم يلق قبولا عند أغلب الجمهور في قاعة المناظرة حيث ترددت هتافات دينية لدعم حجة الإسلاميين واستهجان حديث الفريق الآخر.
وبينما تركز الهجوم على أنصار الدولة العلمانية لكونهم "من أنصار الاستعمار الغربي ممن يردوا أن يحرموا اغلبية الشعب المسلم في مصر من حقه في دولة إسلامية" فإن فودة كان يشدد على أنه دعاة الدولة الإسلامية لا يقدمون سوى وعود براقة دون أي برنامج سياسي واضح".
"قتل المرتد"

وأثارت مناظرة معرض الكتاب وما تلاها من مناظرات حفيظة عدد من الإسلاميين إلى درجة أن نشرت جريدة النور الإسلامية بيانا لمجموعة من أساتذة العلوم الدينية، (ندوة علماء الأزهر) تشن فيها هجوما شديدا على فودة وتدعو إلى عدم السماح بالترخيص لحزبه.
وفي 8 يونيو/حزيران أطلق شابان ينتميان إلى الجماعات الإسلامية المتشددة النار على فودة أثناء خروجه من مكتبه في حي مصر الجديدة ليفارق الحياة .
وأظهرت تحقيقات النيابة التي نشرتها صحف مصرية أن قاتلي فودة قالا إنهما تصرفا بناء على فتاوى من قيادات تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد.
كما نشرت صحف مصرية جلسات المحاكمة، التي انتهت بإصدار حكم الإعدام على قاتلي فودة، وجاء فيها أن الغزالي استدعى للشهادة التي قال فيها "إن على الحاكم أن يقتل المرتد طالما أصر الأخير على البقاء في المجتمع وأن تطبيق الحدود يكون بيد الحاكم فقط لا لأحاد الناس."
وبعد نحو ثلاثين عاما من تلك الواقعة فإن معارضين للنظام الحالي في مصر يرون أن التضييق الذي تشهده البلاد لا يساعد على تقديم إجابات للأسئلة التي طرحها فودة وخصومه حول التراث وشكل الدولة، بينما يقول مؤيدو النظام أن الأخير قدم إجابة للقضية الأهم التي برزت في حادثة مقتل فودة ألا وهي حماية البلاد من خطر المتطرفين.