نظرة في طريقة تقييم الطَّالب الجامعي
17-02-2016, 09:37 PM
إنَّ تقييم الطالب وسيلة ضرورية للوقوف على مستواه العلمي، وتبيُّن قُدرته وكفاءته في الانتقال إلى المرحلة الموالية، مع تنبيهه إلى الجوانب التي تحتاج إلى تقويم، واستدراك، ومعالجة، ولذلك وَجب أن يحوز هذا الجانب على اهتمام كبير من قِبَل الجميع، إلّا إنَّ هذه المسألة على أهميتها أضحت محاطةً بقدرٍ من الغموض، بحيث يصعب على الطالب غالبا معرفة المعايير التي قُيِّم على أساسها، وصار كثير من الأساتذة يرفضون توضيح هذه المعايير، ربما خوفا من محاسبة الطالب الذي غدا لا يرضيه شيء، وجُلُّ همِّه منصبٌّ على تحصيل علامة جيدة، ومعدل ممتاز، يؤهِّله لما يأتي وحسب.

فالعلامة ذات أهمية كبيرة عند الطالب، ومِحوريَّةٌ في مساره الدراسي حتى أشبهت فيه الثقوب الكونية السوداء، وهي منطقة في الفضاء صغيرة جدا وذات جاذبية قوية وخارقة، تمتص أي جرم يمر بجانبها مهما كان حجمه وسرعته، ولعلّ هذا التشبيه مناسبٌ هنا، لأن العلامة صارت تُعمي أبصار كثير من الأساتذة عن إمكانات الطالب، وقدراته، ومواهبه، وتميُّزه عن الآخرين(سلبا أو إيجابا)، وتُذهِل كثيرا من الطَّلَبة عن حقيقة مستوياتهم، وصارت النقطة تمتصُّ الطالب رغم (كُتلته الهائلة)، وتمتصُّ كل ما يقترب منها عِلماً كان أو جَهلا، وتَكبح تقدُّمه إذا كانت سرعتُه في السَّير فوق المسموح به قانونا، وهنا أجد المسألة دخلت في تناقضٍ عجيب لا يخدم أهدافنا العلمية المزعومة.
وبعيدا عن النظريات العلمية التي غالبا ما يضعُف مفعولها في واقعنا المريض، وبعيدا عن التشكيك في النوايا، وتبادل الاتهامات مثلما تعوَّدنا في حواراتنا الفجَّة، أرى أنَّ ثمة ما يجب أن يقال في هذا الموضوع، وعلى كل المعنيِّين به أن يتواضعوا أمام الآراء المخالفة، فإنَّ الله تبارك وتعالى يُخرج الحيَّ من الميِّت، ويُخرج المَيِّت من الحيّ، و لا يعيبنا الاعترافُ أنَّ التقييم القاصر المبني على رؤية مُفكَّكة لواقع الطالب، كثيرا ما جَنى على طلبةٍ مميَّزين، أو خدم آخرين لم يكونوا حقًّا مؤهَّلين، وقد يطالبني البعض ببرهان على هذا الكلام، مثلما تحتاج الشمس الحارقة في بلادنا إلى دليل على وجودها.

أرى أنَّ سُبل تقييم الطالب في الجامعة لا تكاد تختلف عنها في مرحلة الثانوية، بينما يقتضي الاختلاف بين المرحلتين اختلافا في كيفية التعامل مع المسألة، والغريب أن خطاب الإدارة والأستاذ غالبا ما يستنكر من الطالب عجزه عن الارتقاء إلى مستوى الجامعة، في حين يبقى تعاملهما مع الطالب بعيدا عما يدعوان إليه، والحجة دائما هي ضعف الطالب، فإلى متى يستمر نزولنا إلى المستوى الذي نريد أن نغادره؟ ولا شكّ إنَّ الطالب الجامعي محمَّل عيوبا كثيرة، لكنَّ كثيرا منها لم يكن جريرتَه على نفسه، ولعلَّ العجز عن صناعة الطالب آكَدُ منه عند الطالب نفسه.

كما يشهد واقعنا أنَّ العلامة كثيرا ما كانت وسيلة ضغط، أو انتقام، وهذا مؤسف جدا، ولعل هذا يؤكّد إنَّنا نعاني مشاكل منهجية، وفكرية، وأخلاقية لا يكون التحصيل الأكاديمي حلًّا لها جميعا بالتأكيد، ولهذا أيضا صارت حقوق المواطن البسيط وسيلة للضغط عليه، حتى إنَّ بطاقة الانتخاب صارت في فترة ما إجبارية –بشكل غير رسمي – لاستخراج بعض الوثائق الإدارية، وللتسجيل في قائمة السكن الاجتماعي، مثلما صار افتكاك بعض المناصب المرموقة وسيلة للانتقام من المواطن الذي لم ينتخب صاحبَ المنصب، أو وسيلة لنيل بعض المآرب التي لا تتحقَّق إلا بوسيلة ضغط، أو وسيلة ابتزاز.

لا أرى أنَّ المقارنة هنا مجحفة، بل إنَّ المصيبة واحدة، ذلك إنَّ السلطة عندنا مُغرية، ولا يملك كثيرٌ منا قوَّةً ورغبةً كافيتَين لمقاومة إغرائها، ولعل هذا يفسّر تَفرعُن حُجّاب كثير من إداراتنا، وعرقلتهم شؤونَ الناس، بل وتدخُّلهم في قضايا ليست من شأنهم. فوَجب في نظري حماية عملية التقييم من تعسُّف الأستاذ، الذي يملك عمليا سُلطةً مطلقةً فيها، ووجَب الحذر من تحوُّل النقطة إلى وسيلة ضغط، أو ابتزاز، ولقد نقلت لنا الصحافة الوطنية أخبارا كثيرة مِن هذا، وكَونُ هذا السلوك استثناءً لا يُبرِّر تجاهلَه، أو التساهل في معالجته، ووجوده يجعل العملية التعليمية في خطر دائم، ومتجدِّد.

إنَّ اعتماد الإجابة الصحيحة في الامتحان دليلا كافيا على مستوى الطالب فيه مغالطة كبيرة جدا، وهو فوق ذلك يُبعِدنا عن الهدف الذي نسعى إليه، وهو صناعة طالبا باحثا، وفاعلا في مجتمعه، فالإجابة الصحيحة هي جزء صغير جدا مما يُطلَب من الطالب، ولكنَّ الواقع يشهد في الغالب، أن أشياء أخرى لا يُعتدُّ بها أثناء التصحيح، قد تكون أهمّ بكثير من المعلومة الصحيحة التي حفظها الطالب، أو التي حصَّلها بطرق غير شرعية معروفة، ومِن ذلك مثلا منهجيةُ الإجابة، ولا زلتُ لا أفهم كيف أنَّ مقياس منهجية البحث ثابتٌ في كل سداسي، و يُضاف إليه محاضرات إضافية في المنهجية أيضا، ثم لا يُعتدُّ بمنهجية الإجابة خلال تصحيح الامتحانات! والأغربُ من ذلك أن لا يعتدَّ أستاذ المنهجية، بمنهجية الإجابة في تصحيحه ورقة الطالب! إنَّ منهجية البحث أكثرُ ما يحتاج إلى التطبيق والممارسة، والامتحان فرصة لذلك، وهي ممّا ينبغي أن يتحوّل إلى عادة فكرية، تظهر في إجابات الطالب الشفوية والكتابية، وفي طريقة تفكيره أيضا، وحتى يحدث ذلك يجب أن يتفق الجميع أنها من أهم عناصر التقييم، فيُخصَّص لها درجة محترمة تليق بمكانتها في البحث العلمي.

وممّا لا يليق بنا تجاهلُه إطلاقا، بل يَحرُم غيابُه في قسم اللغة والأدب العربي، أسلوبُ الطالب، ولغتُه. أليس غريبا أنَّ الجميع يشكو أخطاء الطلبة الإملائية، ثم لا يعاقَبون عليها في الامتحانات والفروض؟! أليس غريبا أيضا، أن يتأجّل عقابهم إلى موعد مناقشة المذكرة؟ ولو حدث أنْ صار النظر إلى اللغة والأسلوب ثابتاً من ثوابت التصحيح، لأعطى الطالب هذه المسألة حقها من الاهتمام، شريطة أن يكون على علم بها، والواقع يثبت أنَّ النقطة استُعمِلت وسيلة ضغط على الطلبة لحضور ندوات، أو ملتقيات، فلماذا لا يُضغط بها عليه لتصحيح كتابته، وترقية أسلوبه؟

إنه لا يليق بطالب في قسم الأدب واللغة، أن لا يعمل على اكتساب أسلوب أدبي راق، فلماذا يُتجاهَل هذا الأمر عند تقييم الطالب؟ ولقد طرحت المسألة على أستاذٍ فقال لي لو اعتمدنا هذا في التصحيح لكانت النتائج كارثية. وهذا صحيح، إلّا إنَّ هذا التساهل والتحجُّج المستمر بمستوى الطالب، يزيد المسألة تعقيدا، وقد يكون وجهاً من أوجه التواطؤ، وهو زيادًة على ذلك يناقض الهدف الذي نسعى إليه جميعا، وهو تكوين طالب جيد على جميع المستويات. ومن جهةٍ أخرى سيقلِّل هذا الإجراء من عمليات الغش، إذ لا يمكن للطالب أن يستعير أسلوبه من زميله، ولا أن ينقل عنه الإملاء الصحيح لكل كلمة.

إنَّ توسع سُلطة المعلومة الصحيحة في تقييم الطالب، يمثّل أيضا إجحافا من نوعٍ ما، إذ يمكن للطالب أن يحصِّلها بضربة حظ، ويحدث هذا كثيرا، ولهذا كان التوازن ضروريا جدا بين الحفظ والفهم، غير إنَّ الأجوبة التي تعتمد على فهم الطالب تفتقد إلى معايير واضحة أيضا، لا سيما إذا كان فهم الطالب يختلف عن فهم أستاذه في مسألة ما، وهاهنا يجدر بنا أن ننتبه لمسألة هامة جدا، وهي احترام جهد الطالب في التفكير، بغض النظر عن صحة النتيجة التي وصل إليها، ومِن سمات العلوم الإنسانية أن الناس يختلفون في نظرهم للمسألة الواحدة حدَّ التناقض، ولكلٍّ حُجةٌ محتَرمة، فلماذاَ يُلزَم الطالبُ بفهمِ الأستاذ؟ وبأيّ حق؟ إنَّ عملية التفكير نفسَها أهمُّ من صحة الجواب، وهذا هو الذي يصنع طلبةً باحثين دوما عن أجوبةٍ مختلفة لقضايا معروفة، وهو مِن سُبُل الإبداع.

وهكذا يبدو لي أن صحة المعلومة هي جزء صغير جدا في مجموعة عناصر، لا أفهم كيف لا يُنظَر إليها غالبا. ولنَذكُر هنا أيضا أنَّ التدريس الخاطئ لمادة ما يقود بالضرورة إلى تقييم خاطئ، لا سيما إذا كان الطالب كثير الاطلاع في المادّة المَعنيَّة، ولهذا أشرتُ إلى الرّؤية التفكيكية للطالب، ومن صُورِها أنّ تقييمه في كل مقياس منفصلا عن المقياس الآخر هو في رأيي خطأ، فإذا كانت المقاييس كلها تتكامل فلماذا لا تتكامل أيضا سبل التقييم؟ وهذه مسألة من الصعب تحقُّقها، لكن ليس في المقياس الواحد الذي يدرِّسه أستاذ واحد على مدى سداسييْن أو أكثر، لهذا أستغرب أيضا عدم النظر إلى نتائج الطالب السابقة في المقياس نفسه، إذ التعليم هو عملية تراكمية، ثم إنَّ هذا قد يوقِف الأستاذ على مدى تقدم الطالب مِن عدمه.

إنَّ المسألة تذكّرني هنا بالتنازع القائم بين الوزارات، فكل واحدة تدعي أنَّ مشكلا ما ليس من اختصاصها، وكأن كلّاً منها موجود في بلد مختلف، وهذا التنازع طبيعي إلّا إذا زاد عن الحدّ المقبول، وضيَّع مصالح الناس. وكثيرا ما يعامَل الطالب الموظف معاملة الطالب العادي، ويقال له بصريح العبارة:" إمّا أن تختار بين الدراسة أو الشغل"، وهذا حقٌّ أُخِذَ مَأخذاً باطلا، إذ السّلطة هي التي جعلت المواطن مشتَّتا، فإذا اقتصر على الدراسة أسْلمَته إلى البطالة، وإن وجد فرصة للعمل ضُيِّق عليه في الدراسة، فكيف نشجِّع العلم، والجامعة تُضيِّق على طلبته!
فنحن إذن، نعيش أزمةً في تحقيق التكامل بين الأمور، حتى إنَّ بعض الأساتذة لا يتفقون حول كيفية تدريس مقياسا واحدا، وكيف يحققون التكامل بينهم، ولهذا كثيرا ما تُكرَّر على أسماعنا المعلومات نفسها في كلّ سداسي، مع اختلاف في المُدرِّس، واسم المقياس فقط، بينما يقتضي المنطق أن يبني اللاحق على ما وصل إليه السابق، وأن ينطلِق الأستاذ الثاني من حيث انتهى الأوَّل، وما أُخِذ نظريا في سداسي، يُترجَم إلى تطبيق وممارسة في السداسي الموالي، وهكذا تتقدم عملية التدريس. لكنَّ الواقع مخالف لهذا تماما، ومِن نتائجه أنَّ الطالب الذي كان الأول في المقياس سابقا، يُصبح بقدرة قادر الأخيرَ لاحقا، وفي المقياس ذاته.

وهناك مسألةٌ أخرى في غاية الأهمية، وهي أنَّ مِحوريَّة العلامة في المسار العلمي للطالب، مع التجاهل التام لنشاطاته الثقافية، أو إنتاجاته الفكرية –إن وُجدت-يجعل الطالب يشعر دائما بأنَّه مُقيَّد، أسير لتقدير الأستاذ وتقييمه، وهذا من أهم أسباب عزوف الطلبة عن مناقشة كثير من الأساتذة خوفا من انتقامهم، ثم يستغربون عدم إقبال الطالب على المناقشة في المُدرَّج! وهذا منافٍ تماما لعملية الإبداع التي تحتاج إلى تَحرُّر فكري، وإنَّ النشاط الثقافي للطالب ينبغي أن يأخذ حظه في التقييم العام، إذ العدل يقتضي أن لا يُعامل الطالب النَّشط معاملة غيره، و لا الطالب كثير المطالعة معاملة غيره أيضا، وهلمّ جرّا.
وبهذا يمكننا أن نتعلَّم تقاليد جديدةً، تصنع مع مرور الوقت طلبةً مختلفين، وهنا لا يمكن أبدا التحجج بالعدل في التعامل مع هؤلاء بطريقة واحدة، فثمة مواضع يتعذَّر على الإنسان تجسيد العدل بمفهوم تقسيم المكاسب بالسوية، ولهذا فضّل الله بعض الناس على بعض، وهو العدل سبحانه، وبالعمل يتفاضل الناس، فما الذي يجعل طالبا مجتهدا كطالبٍ غير مجتهد؟! وهل علامة الامتحان لو كانت واحدةً تَجعلُهما سواءً؟ إنّ الله سبحانه لم يجعل مَن أنفق من قبل الفتح وقاتل، كالذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، ولم يجعل المجاهدين كالقاعدين، بل فضَّل هؤلاء على هؤلاء درجة.

وإنَّه لَيُؤسفني كثيرا أن يُعامَل حافظ كتابَ الله، أو القارئ المُجوِّد له، أو المُشتَغِل به، معاملةً عادية كغيره من الناس. إنَّ اللغة العربية لا تقوم إلّا بالقرآن، وما كان لها شأنٌ في العالم حتى نزل بها، ومعرفة قدرا محترما من علوم القرآن ضروريٌّ جدا لكلُّ منتسبٍ لأقسام اللغة العربية، فلكتاب الله في علوم اللغة منزلةٌ كبرى، فكيفَ لا تُمنَح درجةٌ إضافية للمشتغلين بالقرآن وحمَلتِه؟ إنَّ حافظ كتاب الله قاطعٌ شوطا مهمًّا في درس اللغة العربية، وهذا يجعله في منزلةٍ أرفع من غيره، وإنَّ الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع آخرين، ولكنَّنا وبلا حياء من الله، نضع مَن رفعه الله، وشرَّفه بحفظ كلامه، والاشتغال به.

ينبغي لتقديرنا القرآن أن يحمِلنا على تقدير أهله، ونحن الزاعمون انتسابا لأهل اللغة أحرى أن نعلَم ذلك، وأن نكرم القرآن في صدور حامليه، ونعلي شأنه على ألسنة مُجوِّديه، وإنّي لَأستحي أن أقول بمنْح كلّ حافظ كتاب الله، أو قدرا مهما منه، درجتين إضافيَّتَين، أو ثلاثة في كل امتحان، وما الدّرجتان أو الثلاثة في حق كتاب صنع مِن " رعاةِ غنم رعاةَ أمم، وأخرج مِن خمول الجهل والأُّمِّية أعلامَ العِلم والحِكمة؟".
ولماذا تكون الوساطات شفيعا للبعض في افتكاك علاماتٍ إضافية، ولا يكون القرآن شفيعا لأهله في مثل ذلك، وهو الشفيع لأهله يوم القيامة؟ وهكذا تتأكَّد رؤيتُنا التفكيكية للأشياء، وهكذا يفضحنا القرآن الذي نتعبَّد به كل يوم، ثم نلقيه وراء ظهورنا إذا انصرفنا عن عباداتنا. أليس غريبا أن يُلزِم الأستاذ الطالبَ معاملة الآيات القرآنية معاملةً خاصة في كتابة مذكِّرة التخرُّج، ثم هو لا يُعامل الطالب الحافظ كتاب الله معاملةً مختلفة؟

ولا يُقال هنا إنَّ العدل يقتضي معاملة الجميع بالسَّوية، لأنَّ العدلَ في رفع كلام العدلِ سبحانه، الذي أكرم أهلَ القرآن وجعلهم خاصَّتَه، وكيف "يُقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ ورتِّل وارتقِ، كما كنت تُرتِّل في الدنيا فإنَّ منزلتك عند آخر آية كنت تقرأها" ونقول له نحن: أنت وغيرك من الناس سواء؟! أحسَب أنَّ مراجعة هذا الأمر سيقرِّبنا أكثر من القرآن، وأحسب أنَّ مراجعته واجبة.

فهذه إذن، نظرةٌ مفكَّكةٌ تَجعل الامتحان منفصلا عن منظومة تقييمية، بل تجعله منظومةً في ذاته، وهذه مبالغةٌ كبيرةٌ جدا في قدر الامتحان، وهي مجازفةٌ أيضا أن نعتمده دليلا على مستوى الطالب، ومرجعا في ترتيبه، ومُستنَدا عند توجيهه نحو تخصُّص ما، لقد صارت العلامةُ بهذا المَسلَك هدفا لا وسيلةً، بينما ضاع الهدف الأسمى في الثقب الكوني، الذي امتصَّه وطوَّح به حيث لا يَعلمُ إلّا الله.
وأضيف إلى ما سبق صورةً أخرى من صوَر التناقض الصريح، وهي أنَّ بعض الأساتذة يَستهين بإجابات طلَبته، فربما يمنحُ علامات بشكلٍ تقريبي دون قراءة الإجابات، أو يوكِل أمرها إلى بعض طلبته في مرحلة ما بعد التدرج، وهذه مجازفةٌ أخرى بمستقبَل الطالب، فالانتقال إلى المرحلة الموالية في نظام (أل ام دي)، قد يتوقّف على نقطة تبدو أمرا هيِّنا عند البعض، وهذا تناقض، لأنَّ هذه الاستهانة لا تتوافق مع الأهمية التي يولونها لعلامة الامتحان، ولا مع الحراسة المشدَّدة على الطالب المُمتَحَن، وأعلَم إنَّ الشمس في بلادنا تحتاج إلى دليل.
وممّا يجدر التنبُّه إليه، واستنكاره أيضا، تعالي كثير من الأساتذة عن تقديم إجابة نموذجية تُمكِّن الطالب من معرفة خطئه، وصوابه، وكذلك معاقبتُه إذا طالبَ الأستاذ بالاطِّلاع على ورقة الامتحان، وناقشه في العلامة، وكان مخطئا في رأيه، وهذا العقاب -إن وقَع- لا يدلُّ إلّا على نظرةٍ غير منصفة، لأنه إن تبيَّن صوابه، فإن الأستاذ لا يعاقَب. وأنا لا أدعو إلى معاقبة الأستاذ على كل حال، ولا إلى معاقبة الطالب، فمعاقبتُه في الحالة التي أشرنا إليها لا وَجهَ لها، إذ يُعاقَب على ماذا؟ على تشكيكه في تصحيح الأستاذ، فإنَّ كلَّ بني آدم خطَّاء، أو يُعاقَب على تحميل الأستاذ جهدا إضافيا، فإنَّ هذا جزءٌ مِن عمله، أو إنّ مناقشة الأستاذ في العلامة إساءةٌ له، فلا ينبغي لها أن تكون، لو كانت العلاقة بين طرفي العملية التعليمية مبنيةً على قدرٍ كافٍ من الثِّقة والوضوح.

في النهاية أقول إنّ سُبُل تقييم الطالب، ممّا ينبغي أن يأخذَ حقَّه من الإصلاح، والمراجعة، وأرى أنَّ إعادة صياغة العلاقة بين الطالب والأستاذ على أسُس جديدة، أو متجدِّدة، مهمٌّ جدا، حتى لا تتحول الجامعة إلى معركة دائمة، يتربَّص فيها كلٌّ بصاحبه، ثمَّ لا نجد إلا مَن يدَّعي براءته من الوضع العام، ولا نجد أحداً نفدي به الحرَم الجامعي إلّا رقَبة الطالب، فيَطَّهَّر البعضُ بدمه، وقد يكون طالبا مثلَه، وأعلمُ يقينا أنِّي أغفلتُ أمورا كثيرةً أخرى، وغفلتُ عن غيرها، وأخطأت في القليل أو الكثير، ولستُ ساعيًا في كلامي إلى استقصاء الموضوع، وإنَّما إلى التَّنبيه إلى مسائل أعلَم أنَّها تشغَل عددا كبيرا جدًّا من الطلبة، ويبقى هذا الكلام نظرةَ طالب تستحقُّ الاحترام، على ما انطوت عليه مِن تقصير.
عبد العزيز حامدي
[email protected]
التعديل الأخير تم بواسطة abdo hamdi ; 17-02-2016 الساعة 09:40 PM