مشاركتي في مسابقة أول نوفمبر: شهيد الأحلام
30-10-2015, 07:06 PM
وضع رأسه على وسادة ناعمة وسحب الغطاء لحد كتفيه كان صوت التلفاز يصله من الصالون القريب أين جلس جده ضعيف السمع والنظر والذي بدأ الخرف يتسلل لعقله وكل ما يتذكره أحداث الثورة و أيام حبس سركاجي , تقلب في فراشه ولسان حاله يقول: ذاك الخرف عاد لمشاهدة العصا والعفيون ...الأفيون أو ماكان العنوان, لولا منحة المجاهدين لكان الآن في دار العجزة أحفاده لا يعرفهم لكنه لا يكف يتغنى بمن لم يلتقهم بحياته أصلا ,ذاك الخرف "صرخ بأعلى صوته " وقت النوم الشيخ ...طفي التي في.
لم يسمع ردا واصل التمتمة: لو كنت بذاك الوقت لأفسدت عليهم كل الأمر ...ما الفائدة وأين الاستقلال ؟ من صاحب الرشاش لصاحب الشكارة على الأقل أوروبا تستقبل العاملين المجدين وتسلك بالدوفيز .
أغمض عينيه بعد أن فقد الأمل في انتهاء كابوس سماعه لعبارات تحيا الجزائر حرة... الجزائر للجزائريين... الله أكبر.
ساد الظلام واستيقظ من غفوته ,وجد نفسه على حصيرة وسخة بالية ؛ جال بعينيه في المكان وكان كوخا مهترء السقف : بدا مألوفا بشكل غريب والرائحة مميزة... أجل... رائحة التبن والدجاج التي يكرهها وكم تذمر منها كلما زار أقرباءه بالريف .
تحامل على نفسه ودفع باب الكوخ الذي سقط بمجرد لمسه , رفع نظره لشمس الزوال الحارقة ,وصل سمعه كلمات : arrêtée ... Tuez-les...
سمع صوت الرصاص وبكاء الأطفال , صياح النساء وكسر الأبواب , حينها تجمدت قدماه ولم يستطع السير للأمام أو العودة للخلف ... حرك شفتيه في حركة لا ارادية اشهد ان لا اله الا الله وأشهد ان محمدا رسول الله .
فجأة عم الهدوء المكان وكأن لا أحد في الخارج شجعه ذلك ليخطو خطوتين ثم ثلاثة ... رأى سيارة الجيب العسكرية تغادر على الطريق الترابي مشى بين جثث موحلة مشوهة الملامح يحبس أنفاسه وقد تملك قلبه الخوف, مرت نسمة هواء حملت معها ورقة شجر يابسة مرت بخده فانتفض منها خوفا .
رأى بعض العجائز يمشين في صوب واحد وبينهم أطفال صغار قد جفت دموعهم , كهول بدى على وجوههم التعب والقهر والمذلة في خط واحد ساروا ثم راحوا يسرعون ويجرون منهم من يسقط وآخر يتعثر ثم يعاود الجري... لم يعلم ما يحدث... راحت قدماه تواكبان السير راح يجري خلفهم دون سبب .
دوت صفارة الانذار فلم يعلم لها وجهة دار في مكانه مرتين قبل أن يواصل الجري ... ولد في الثامنة يصرخ : الطيارة الصفراء ...
تلبك الجمع في المكان عندما ظهرت في السماء طائرتان ... دوي متقطع ثم نار وبعدها رماد ولم يعد للقرية وجود : لا ...لا ...لا ...
كان هذا كل ما تفوه به وهو يسقط عند شجرة الزيتون القريبة من الواد , أغمض عينيه يريد الاستيقاظ من كابوسه أحس بالتربيتة على كتفه وصوت ظنه لأول وهلة صوت والده , فتح عينيه ليرى شابا في مثل سنه أو أقل يضع أمامه فنجان القهوة ويقابله في الجلوس على طاولة المقهى , لم يفزع ولم يتحرك من مكانه راح يعد عدد الجالسين معه فوصل للخمسة : "واش حالك ؟ ماكش عاجبني هاذ الايام غير الخير .
تحدث آخر وهو يضع البيري الفرنسي على الطاولة : مادام الجزائر هكذا ,واحد ماهو بخير .
نطق آخر والابتسامة ملء شدقيه : واش تعرف يا ولد فرنسا على الجزائر , من البارح لليوم عدت رافد القضية على ظهرك ...هاي ... ميلود على حق , حالتك ماتعجبش .
تحامل على نفسه لينطق: الحمد لله بخير ..."أراد أن يسأل أين أنا ؟ لكن لسانه اكتفى بالحمد "
قامت الجماعة وبقي المسمى ميلود, تمعن فيه جيدا كأن به شبها من والده أو أخيه الكبير الذي لا يكف يشاجره : القرية ... شفت...سمعت ...كنت...
ولا كلمة استطاع نطقها صحيحة أو وضعها بجملة مفهومة , رد عليه مطمئنا اياه: الكل بخير , الخاوة هربوا قبل وصول الكلاب بصح القرية "ربنا ولك الحمد" ... وعدتك ووعد الحر دين ...أمانتك عند "الكوردوني ".
ترك محله وغادر المقهى وهو يحيي بيده كل من يمر به : هذا السيد مجاهد ؟ يعرف القرية ؟ الخاوة مجاهدين ؟ الأمانة ؟
ألف سؤال جال برأسه وهو يسترق السمع لأخبار على المذياع الموضوع على الطاولة المجاورة, وفي آخر الطريق على الجهة المقابلة وقف عسكريان يفتشان شيخا ليسمحا له أخيرا بالمرور , واتته الرغبة في الذهاب واستفزازهما وضربهما حتى, لكن الشعور بدأ يخمد كلما ابتعدا .
مرت به امرأة ترتدي حايكا أبيض اللون لا شية فيه وقفت ثم خاطبته دون أن تواجهه : يما تقلك هذي مدة ما مريت وراهي مريضة محتاجة دواء .
سألها : يما مريضة ؟؟ وقبل أن يكمل قاطعته: راح نبات هنا؟ هيا الناس تتفرج فينا .
قام ومشى خلفها راح يحلل مشيتها , حركة كتفيها عله يعرف من تكون وصل معها للحي العتيق الضيق وانتظرها وهي تدق الباب مرتين ثم تركله مرة , فتح الباب وأطلت بنت صغيرة لم يتجاوز عمرها السبع سنوات : هذا وين ...قاطعتها المرأة بأن أبعدتها لتدخل , تردد لحظتين قبل أن يتبعها بعد إشارة منها .
صعد خلفها الدرج الضيق الأفعواني ثم دخل رواقا واسعا الى غرفة بها الكثير من الأجهزة المفككة ورجلان يجلسان الى راديو مفكك : هذا وين تجي , خفي روحك القهوة و"التورنوفيس" "ثم استدار اليه : واش أخبار الخاوة ؟ والكوردوني ؟
لم يفهم شيئا لكن فهم أن للأمر علاقة بما قاله المدعو ميلود في القهوة فردد على مسامعه : بخير والأمانة عند الكوردوني.
جلس يقلد ما يفعلونه لحين التحقت بهم صبية بشعر أسود قصير لحد كتفيها رسمت فيه التعرجات لوحة فنية , جلست بقربه وراحت تساعده : شهرين ولم تحفظ كلمة السر لحد الآن .
لحظة هدوء غريبة سادت المكان , اقشعر بدنه كقطة تنتظر الزلزال ...نظروا اليه ابتسموا في حين صرخت البنت الصغيرة في الأسفل : يما يما ...لابوليس ...
استيقظ مرعوبا على صوت أحذية ثقيلة ترتطم بالحصى , وجد نفسه مع شبان جرحى وضعوا على حمالات ترك مكانه يبحث عن وجوه تأكد أنها ستكون هناك : ميلود ...ميلود ...
اتجه اليه وقد تغير حاله ولباسه : على سلامتك ... وصل المرسول ...البيان تحضر .
سار بالاتجاه الذي أشار اليه, عرف صاحب البيري تقدم اليه وتبعه ميلود , كان بيده سيجارة ملفوفة يدويا .
ميلود : تعرف لو يشوفك "نيفك آخر مرة يزين وجهك" .
صاحب البيري : واش ندير لازم باه القلب يموت وزيد راهي ليلتي الاخيرة معاكم .
ميلود : ان شاء الله خير , ترجع ونفرحوا بعرسك .
ـــ رصاصة في ذراعي اليسرى وجارتها في الكتف , ميلود خويا الثالثة ما تغلطش "ضرب على صدره " مكانها هنا .
سار يتبع صاحب البيري مودعا ميلود وهو يحس برغبة في البكاء لكن ابتسامة ميلود المميزة طمأنته, أراد أن يستفسر ولم يجد غير اسم "ولد فرنسا ".
ــ ولد فرنسا علاه رجعت ؟.
ـــ من الموت أم من أمر آخر ؟
ـــ من فرنسا ؟
ـــ وبلادي ؟ أرضي ؟ مسؤولياتي ؟ الجزاير ثاني ليا , آآآآآآآآه خايف نموت ويتفكرني التاريخ باسم "ولد فرنسا" .
ـــ مستقبلا الجزاير راح تتبدل... اللي بعدكم" استدرك " اللي بعدنا راح يضيعوها .
ـــ اللي بعدنا ؟ يعني الجزاير تستقل؟ ...يكفيني ... كل حاجة في وقتها .
ـــ راح يكون تاريخ في كتاب , والحكام "يحقرو" الشعب والأجيال تنسى واش كان وفرنسا تحكم ولو من خلف البحار .
ضحك : يحقرو ؟ و" النيف " يتقطع على جال قارو ؟
ـــ لالا ...نعم...قصدي كاين اللي يقطع الراس ...من بعد نقلك.
ـــ راسي ولا نيفي ..."أشار لأنفه" بهذا نعيش وبهذا نموت .
ـــ ...عندك حق ... "لم يجد ما يرد به غير هذا "
ـــ تعرف ...حلمي شعار "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية " على كل وثيقة كل حائط والعلم بنجمة وهلال على كل شرفة وكل دار نتباهى بيه في كل محفل... تكفيني ... أنا نقوم بواجبي ونضحي لو بدمي ...الباقي "أشار بيده ألا يهم"
ـــ وين الطريق ؟ قصدي...
قاطعه: أنا طريقي للجنة , ودعت الخاوة وعلابالي ماش راح نرجع غدوة ...أنت "ابتسم" مازال طريقك طويلة .
وفي غفلة منه اسود المكان وسمع صوت النار وتعالت الهتافات "الله أكبر " الله أكبر "
سمعت أصوات الانذار في كل مكان وصوت مذياع مرتعش يصل أذنه : أيها الشعب الجزائري،. أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية.
نظر ليديه وقد خضبتا دماء وسمع صوت الزغاريد في كل مكان , نظر للجثة المبتسمة بين يديه : الله يرحمك , الله يرحمكم , سامحوني ...سامحوني ... الجزائر حرة مستقلة ...حرة مستقلة .
تصبب عرقا في فراشه ثم انتفض منه , هرع للمطبخ ليشرب ما يطفأ النار المشتعلة داخله مر بالصالون عاد خطوتين ليطل على جده كانت قد اختلطت دموعه بضحكه وهذا ليس بالجديد منذ خرف .
ـــ الشيخ ...طفي التيفي ... الوقت تأخر...
اقترب منه وضحك جده لا يتوقف : الميلود خويا ماشفتوش ...راه جا سلم وراح ...
استغرب : الشيخ... شكون ميلود ؟ "قال ذلك يأمل ألا تكون الاجابة كما يتوقع "
ـــ الميلود خويا في الجبل , جا سلم وراح ...قالي ولد فرنسا لعبها بالرصاصة الثالثة و ماقاستش...جا سلم وراح ...
لم يسمع ردا واصل التمتمة: لو كنت بذاك الوقت لأفسدت عليهم كل الأمر ...ما الفائدة وأين الاستقلال ؟ من صاحب الرشاش لصاحب الشكارة على الأقل أوروبا تستقبل العاملين المجدين وتسلك بالدوفيز .
أغمض عينيه بعد أن فقد الأمل في انتهاء كابوس سماعه لعبارات تحيا الجزائر حرة... الجزائر للجزائريين... الله أكبر.
ساد الظلام واستيقظ من غفوته ,وجد نفسه على حصيرة وسخة بالية ؛ جال بعينيه في المكان وكان كوخا مهترء السقف : بدا مألوفا بشكل غريب والرائحة مميزة... أجل... رائحة التبن والدجاج التي يكرهها وكم تذمر منها كلما زار أقرباءه بالريف .
تحامل على نفسه ودفع باب الكوخ الذي سقط بمجرد لمسه , رفع نظره لشمس الزوال الحارقة ,وصل سمعه كلمات : arrêtée ... Tuez-les...
سمع صوت الرصاص وبكاء الأطفال , صياح النساء وكسر الأبواب , حينها تجمدت قدماه ولم يستطع السير للأمام أو العودة للخلف ... حرك شفتيه في حركة لا ارادية اشهد ان لا اله الا الله وأشهد ان محمدا رسول الله .
فجأة عم الهدوء المكان وكأن لا أحد في الخارج شجعه ذلك ليخطو خطوتين ثم ثلاثة ... رأى سيارة الجيب العسكرية تغادر على الطريق الترابي مشى بين جثث موحلة مشوهة الملامح يحبس أنفاسه وقد تملك قلبه الخوف, مرت نسمة هواء حملت معها ورقة شجر يابسة مرت بخده فانتفض منها خوفا .
رأى بعض العجائز يمشين في صوب واحد وبينهم أطفال صغار قد جفت دموعهم , كهول بدى على وجوههم التعب والقهر والمذلة في خط واحد ساروا ثم راحوا يسرعون ويجرون منهم من يسقط وآخر يتعثر ثم يعاود الجري... لم يعلم ما يحدث... راحت قدماه تواكبان السير راح يجري خلفهم دون سبب .
دوت صفارة الانذار فلم يعلم لها وجهة دار في مكانه مرتين قبل أن يواصل الجري ... ولد في الثامنة يصرخ : الطيارة الصفراء ...
تلبك الجمع في المكان عندما ظهرت في السماء طائرتان ... دوي متقطع ثم نار وبعدها رماد ولم يعد للقرية وجود : لا ...لا ...لا ...
كان هذا كل ما تفوه به وهو يسقط عند شجرة الزيتون القريبة من الواد , أغمض عينيه يريد الاستيقاظ من كابوسه أحس بالتربيتة على كتفه وصوت ظنه لأول وهلة صوت والده , فتح عينيه ليرى شابا في مثل سنه أو أقل يضع أمامه فنجان القهوة ويقابله في الجلوس على طاولة المقهى , لم يفزع ولم يتحرك من مكانه راح يعد عدد الجالسين معه فوصل للخمسة : "واش حالك ؟ ماكش عاجبني هاذ الايام غير الخير .
تحدث آخر وهو يضع البيري الفرنسي على الطاولة : مادام الجزائر هكذا ,واحد ماهو بخير .
نطق آخر والابتسامة ملء شدقيه : واش تعرف يا ولد فرنسا على الجزائر , من البارح لليوم عدت رافد القضية على ظهرك ...هاي ... ميلود على حق , حالتك ماتعجبش .
تحامل على نفسه لينطق: الحمد لله بخير ..."أراد أن يسأل أين أنا ؟ لكن لسانه اكتفى بالحمد "
قامت الجماعة وبقي المسمى ميلود, تمعن فيه جيدا كأن به شبها من والده أو أخيه الكبير الذي لا يكف يشاجره : القرية ... شفت...سمعت ...كنت...
ولا كلمة استطاع نطقها صحيحة أو وضعها بجملة مفهومة , رد عليه مطمئنا اياه: الكل بخير , الخاوة هربوا قبل وصول الكلاب بصح القرية "ربنا ولك الحمد" ... وعدتك ووعد الحر دين ...أمانتك عند "الكوردوني ".
ترك محله وغادر المقهى وهو يحيي بيده كل من يمر به : هذا السيد مجاهد ؟ يعرف القرية ؟ الخاوة مجاهدين ؟ الأمانة ؟
ألف سؤال جال برأسه وهو يسترق السمع لأخبار على المذياع الموضوع على الطاولة المجاورة, وفي آخر الطريق على الجهة المقابلة وقف عسكريان يفتشان شيخا ليسمحا له أخيرا بالمرور , واتته الرغبة في الذهاب واستفزازهما وضربهما حتى, لكن الشعور بدأ يخمد كلما ابتعدا .
مرت به امرأة ترتدي حايكا أبيض اللون لا شية فيه وقفت ثم خاطبته دون أن تواجهه : يما تقلك هذي مدة ما مريت وراهي مريضة محتاجة دواء .
سألها : يما مريضة ؟؟ وقبل أن يكمل قاطعته: راح نبات هنا؟ هيا الناس تتفرج فينا .
قام ومشى خلفها راح يحلل مشيتها , حركة كتفيها عله يعرف من تكون وصل معها للحي العتيق الضيق وانتظرها وهي تدق الباب مرتين ثم تركله مرة , فتح الباب وأطلت بنت صغيرة لم يتجاوز عمرها السبع سنوات : هذا وين ...قاطعتها المرأة بأن أبعدتها لتدخل , تردد لحظتين قبل أن يتبعها بعد إشارة منها .
صعد خلفها الدرج الضيق الأفعواني ثم دخل رواقا واسعا الى غرفة بها الكثير من الأجهزة المفككة ورجلان يجلسان الى راديو مفكك : هذا وين تجي , خفي روحك القهوة و"التورنوفيس" "ثم استدار اليه : واش أخبار الخاوة ؟ والكوردوني ؟
لم يفهم شيئا لكن فهم أن للأمر علاقة بما قاله المدعو ميلود في القهوة فردد على مسامعه : بخير والأمانة عند الكوردوني.
جلس يقلد ما يفعلونه لحين التحقت بهم صبية بشعر أسود قصير لحد كتفيها رسمت فيه التعرجات لوحة فنية , جلست بقربه وراحت تساعده : شهرين ولم تحفظ كلمة السر لحد الآن .
لحظة هدوء غريبة سادت المكان , اقشعر بدنه كقطة تنتظر الزلزال ...نظروا اليه ابتسموا في حين صرخت البنت الصغيرة في الأسفل : يما يما ...لابوليس ...
استيقظ مرعوبا على صوت أحذية ثقيلة ترتطم بالحصى , وجد نفسه مع شبان جرحى وضعوا على حمالات ترك مكانه يبحث عن وجوه تأكد أنها ستكون هناك : ميلود ...ميلود ...
اتجه اليه وقد تغير حاله ولباسه : على سلامتك ... وصل المرسول ...البيان تحضر .
سار بالاتجاه الذي أشار اليه, عرف صاحب البيري تقدم اليه وتبعه ميلود , كان بيده سيجارة ملفوفة يدويا .
ميلود : تعرف لو يشوفك "نيفك آخر مرة يزين وجهك" .
صاحب البيري : واش ندير لازم باه القلب يموت وزيد راهي ليلتي الاخيرة معاكم .
ميلود : ان شاء الله خير , ترجع ونفرحوا بعرسك .
ـــ رصاصة في ذراعي اليسرى وجارتها في الكتف , ميلود خويا الثالثة ما تغلطش "ضرب على صدره " مكانها هنا .
سار يتبع صاحب البيري مودعا ميلود وهو يحس برغبة في البكاء لكن ابتسامة ميلود المميزة طمأنته, أراد أن يستفسر ولم يجد غير اسم "ولد فرنسا ".
ــ ولد فرنسا علاه رجعت ؟.
ـــ من الموت أم من أمر آخر ؟
ـــ من فرنسا ؟
ـــ وبلادي ؟ أرضي ؟ مسؤولياتي ؟ الجزاير ثاني ليا , آآآآآآآآه خايف نموت ويتفكرني التاريخ باسم "ولد فرنسا" .
ـــ مستقبلا الجزاير راح تتبدل... اللي بعدكم" استدرك " اللي بعدنا راح يضيعوها .
ـــ اللي بعدنا ؟ يعني الجزاير تستقل؟ ...يكفيني ... كل حاجة في وقتها .
ـــ راح يكون تاريخ في كتاب , والحكام "يحقرو" الشعب والأجيال تنسى واش كان وفرنسا تحكم ولو من خلف البحار .
ضحك : يحقرو ؟ و" النيف " يتقطع على جال قارو ؟
ـــ لالا ...نعم...قصدي كاين اللي يقطع الراس ...من بعد نقلك.
ـــ راسي ولا نيفي ..."أشار لأنفه" بهذا نعيش وبهذا نموت .
ـــ ...عندك حق ... "لم يجد ما يرد به غير هذا "
ـــ تعرف ...حلمي شعار "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية " على كل وثيقة كل حائط والعلم بنجمة وهلال على كل شرفة وكل دار نتباهى بيه في كل محفل... تكفيني ... أنا نقوم بواجبي ونضحي لو بدمي ...الباقي "أشار بيده ألا يهم"
ـــ وين الطريق ؟ قصدي...
قاطعه: أنا طريقي للجنة , ودعت الخاوة وعلابالي ماش راح نرجع غدوة ...أنت "ابتسم" مازال طريقك طويلة .
وفي غفلة منه اسود المكان وسمع صوت النار وتعالت الهتافات "الله أكبر " الله أكبر "
سمعت أصوات الانذار في كل مكان وصوت مذياع مرتعش يصل أذنه : أيها الشعب الجزائري،. أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية.
نظر ليديه وقد خضبتا دماء وسمع صوت الزغاريد في كل مكان , نظر للجثة المبتسمة بين يديه : الله يرحمك , الله يرحمكم , سامحوني ...سامحوني ... الجزائر حرة مستقلة ...حرة مستقلة .
تصبب عرقا في فراشه ثم انتفض منه , هرع للمطبخ ليشرب ما يطفأ النار المشتعلة داخله مر بالصالون عاد خطوتين ليطل على جده كانت قد اختلطت دموعه بضحكه وهذا ليس بالجديد منذ خرف .
ـــ الشيخ ...طفي التيفي ... الوقت تأخر...
اقترب منه وضحك جده لا يتوقف : الميلود خويا ماشفتوش ...راه جا سلم وراح ...
استغرب : الشيخ... شكون ميلود ؟ "قال ذلك يأمل ألا تكون الاجابة كما يتوقع "
ـــ الميلود خويا في الجبل , جا سلم وراح ...قالي ولد فرنسا لعبها بالرصاصة الثالثة و ماقاستش...جا سلم وراح ...
.gif "13")
.gif "5")
فوق 50بالمئة تكفيني حتى لو لم تصوتي .gif "8")
