مطاردة لعينة
18-07-2018, 08:44 PM
قفز الطفل مسرعا من سور عال بكل قواه هاربا، ورجل ضخم يلحق به بأقسى سرعة يطارده، يصرخ بقوة:
قف يا ابن العاهرة فهذه نهايتك.
كان الطفل "اللعين" كما يطلق عليه والده، مشاغبا، متمردا، لن يقف عند أمر أو نهي ما لم تقطب جبينك وتصرخ فيه، عمره حوالي عشر سنوات، معروف بين أقرانه بالزعيم؛ يستغرب والده دائما كيف لرحم إنس رحيم أن يخرج شيطانا، فلم يسلم من شره جار ولا قط ولا كلب...، في كل يوم يد مظلومة تطرق شاكية باب المنزل.
للطفل؛ واسمه "موحا"، كتاكيت كثر يهتم بهم حتى يصيروا دجاجا فيبيعهم؛ يحب أن يستثمر في الدجاج هذه هوايته، ترى دجاجه وحده من بين دجاج الحي كله من ينتقل في الأزقة اختيالا وتكبرا، الويل لمن سيمسهم؛ الحي فقير على هامش المدينة يغطي آلاف الهكتارات، اكتساح كالفطر لبناء عشوائي نمى فجأة، تعداد سكان فيه مرتفع، صنفته آخر تقارير برنامج الأمم الإنمائي undp ضمن الأحياء الأكثر هشاشة، فهو تجمع سكاني على عتبة الفقر، وقد حارت الحكومة في سبل إنمائه.
كان دجاج موحا فخورا معتزا بسيده، لا يخاف، ينبش بأطرافه في كل نقطة، يقتات كيف يشاء ويضع برازه أينما شاء. لكن حدث أن سطا عليهم قط ضخم مرة واحدة، لم يترك فيهم غير الريش، تضربه وتنقله الرياح، حتى بلغت قصة دجاج موحا الذي لا يخاف كل مجمع للناس عنه يضحكون، غضب موحا وشعر بالمهانة، أقسم بشرف أمه الميتة أن سيأخذ ثأره قبل أن يسكت الناس عن نميمته، وبعد يومين وجدت ثلاثة قطط ضخمة ميتة، معلقة من ذيلها بسلك على عمود إنارة، وقد لحف الجلد عن وجهها بواسطة نار أسفلهم الناس من أطفأها، لقطع ألسنة الجميع. ذهل السكان من المشهد المريع، وتعاطفوا مع القطط المسكينة، ورهبوا من سلوك موحا الشاذ، قال شاب متعلم:
اعزوا القطط أولا وفكوها؛ هذه سادية وليست سلوكا سليما.
لأسبوع والشاب المتعلم يبحث عن موحا، الذي يبدو أنه أدرك عواقب جريمته فأخفى رائحته. الشاب هو رئيس جمعية للرفق بالحيوانات في المدينة ودائم المجيء للحي الصفيحي، لحاجات في نفسه، هدفه أخذ القصاص من موحا الذي كما يقول لسان السكان، أن عليه الدخول للسجن، فقد بلغت أعذارهم منه لدنا. يبدو أن فرصة الشاب لإنهاء قصة موحا حانت؛ قام الشاب برفع مجموعة من التقارير والشكاوى للشرطة بالمدينة، عززت بشهود من سكان الحي الذين لم يتوانوا في الإدلاء بشهاداتهم، فموحا لم يحترمهم يوما لذا جاء الدور عليهم كي يردوا أفعاله أفعالا، أما والده فرجل طيب لكن ما من حل، خصوصا وأن الشاب المتعلم يعرفهم، ماسك، ضاغط عنهم بكم من ملف، وأن قلقهم الحقيقي أن ينقل موحا ساديته لأطفالهم؛ إنهم حريصون على أبنائهم.
كان الطفل موحا سيرمي بنفسه للبحر، ولا أن يمسكه والده، فهو يعلم إن قبض عليه ستكون النهاية، فقد ظن والده أن حادث القطط سيمر من حيث مر حادث الكلب الذي جن بهجوم عشرات الصراصير موحا من أطلقها عليه، حتى غدا الكلب يهرب من السيارة يظنها صرصورا، والحمير التي أشربها الخمر فهجمت على السكان...، لكن لما وقفت عليه الشرطة في ورشة العمل أدرك حجم الجريمة، مباشرة بعد أن خرج من مركز الشرطة، توجه لمنزل الجدة صاكا وجهه، ضاغطا على أضراسه، يدخل ويخرج شهيقا وزفيرا حارا، هناك بقي موحا مختبئا؛ فأحد القطط المقتولة يعود لسيدة تعرف خادمة لدى منزل سائق نائب الوزير لن تتنازل، ثم تلا رئيس القسم المحضر الموجه لموحا، أمامه طالبا منه المساعدة، كان في مكتب الشرطة الشاب رئيس جمعية حقوق الحيوانات، وقد سبق دخول الأب بساعات، تحدث فيها مع رئيس القسم كثيرا، لكن استغرابه كان من عدد الشهود الضخم الذي حضر.
يعتبر الشاب من رواد الحي بشكل يومي فجمعيته وإن كانت للحيوانات فهو يقدم مساعدات كثيرة للأسر هنا باسم الجمعية، لذا فالناس تحترمه. كم من مرة حاول أن يتقرب من موحا، فيكون كباقي الأطفال طفلا يسعى التودد إليه، يجود عليه بدراهم، فيقوم بالسخرة أو التوسط له مع فتيات حيه، فموحا يعرفهم منزلا منزلا، كما يفعل مع باقي الأطفال، بل يقف موحا شوكة في حلقه، شاهدا حيا على خلواته المشبوهة، لم ينبش موحا بسر واحد، لكن فضيحة فتاة الجيران الحبلى بطفل مجهول، يعرف موحا قصتها، جعل الشاب يعمل على ملف موحا كي يرتاح منه؛ فهو حاصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص تخصص الجريمة والعقاب، له تجربة طويلة في ميدان الحقوق؛ إنه مستعد لمثل هذه الضربات؛ فموت القطط هو من دبر أمره لا موحا الذي أخفى آثاره خوفا من أبيه المتسلط، قام بقتل الدجاج وتقديمه للقط في الشارع العام، اتصل بموحا وأخبره أن يأتي كي يرى بأعينه دجاجه الذي لا يخاف يفترس في أماكن عمومية وأمام المارة، ثم توجه بعد ذلك لصاحبة القط تحدث إليها باسم رئيس حقوق الحيوانات، فحرضها، قامت هي تتصل، اتصالها كان غاية؛ آخر مسمار سيدق في نعش موحا.
بدأت المطاردة بين الرجل وابنه؛ بمجرد ما وصل منزل الجدة التي صرخت بأعلى قوتها لموحا كي يهرب من النافذة لأن والده على الباب سيقتله، لكن موحا كان في السطح فقفز...

31-08-2017
التعديل الأخير تم بواسطة خالد أمرابظ ; 20-07-2018 الساعة 11:17 AM