دلالة أسرار ترتيب السور القرآنية وخصائص البسملة الدلالية التركيبية
20-03-2018, 01:34 PM
دلالة أسرار ترتيب السور القرآنية وخصائص البسملة الدلالية التركيبية
محمود ربايعة

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

تنوير:
افتتح سبحانه كتابه بسورة الفاتحة؛ لأنّها جمعت مقاصد القرآن ولذلك كان من أسمائها أمّ القرآن وأمّ الكتاب والأساس، فصارت كالعنوان. قال الحسن البصريّ:" إنّ الله أودع علوم الكتب السّابقة في القرآن، ثمّ أودع علوم القرآن في المفَصَّل، ثمّ أودع علوم المفَصَّل في الفاتحة، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة". أخرجه البيهقيّ في شعب الإيمان.
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرّره الزّمخشريّ باشتمالها على الثّناء على الله بما هو أهله وعلى التّعبّد والأمر والنّهي، وعلى الوعد والوعيد وآيات القرآن لا تخرج عن هذه الأمور. [1]

أوجه التّناسب بين سورةالفاتحةوسورالقرآن الكريم:
إذا تدبّرنا سور القرآن الكريم وتأمّلنا في آياته: نرى العلاقة والتّناسب فيما بينها واضحاً جليّاً، وسأقتصر على ذكر مثال واحد يكشف عن سرّ مجاورة السّور بعضها بعضاً وترتيبها وتناسبها على الوجه الذي هي عليه.

سرّ مجاورة سورةالبقرة سورةالفاتحةويظهر من ستّة أوجه:
الوجه الأوّل:
إنّ سورة الفاتحة جمعت سور القرآن، فجاءت مجملة فصّلتها سورة البقرة، وجاءت البقرة مجملة لتفصيل ما بعدها، وهكذا بقيّة سور القرآن، وهذا باب واسع، يكشف عن عظمة كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ففي قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ تفصيله ما وقع في سورة البقرة من الأمر بالذّكر في عدّة آيات ومن الدّعاء في قوله: ﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَالبقرة 186، وفي قوله:﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَالبقرة 286.
وقوله:﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ تفصيله قوله:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَالبقرة 2122، وقوله ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ29، ولذلك افتتحها بقصّة خلق آدم -عليه السلام- الذي هو مبدأ البشر وهو أشرف الأنواع من العالمين وذلك شرح لإجمال:﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
وقوله:﴿ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيم ﴾ قد أومأ إليه بقوله في قصّة آدم:﴿ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾37.
وفي قصّة إبراهيم -عليه السلام- لمّا سأل الرّزق للمؤمنين خاصّة بقوله: ﴿ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِالبقرة 126، فقال الله:﴿ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ﴾، وذلك لكونه رحماناً.

وما وقع في قصّة بني إسرائيل:﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ52 إلى أن أعاد الآية بجملتها في قوله:﴿ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ163، وذكر آية الدَّيْن إرشاداً للطّالبين من العباد ورحمة بهم ووضع عنهم الخطأ والنّسيان والإصر وما لا طاقة لهم به وختم بقوله: ﴿ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا ﴾، وذلك شرح قوله ﴿ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾.
وقوله:﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ تفصيله ما وقع من ذكر يوم القيامة في عدّة مواضع، ومنها قوله:﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ284. والدّيِنُ في الفاتحة: الحساب في البقرة.
وقوله:﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ مجمل شامل لجميع أنواع الشّريعة الفروعيّة، وقد فُصِّلت في البقرة أبلغ تفصيل، فَذُكِرَ فيها الطّهارة والحيض والصّلاة والاستقبال وطهارة المكان والجماعة وصلاة الخوف وصلاة العيد والزّكاة بأنواعها، والاعتكاف والصّوم وأنواع الصّدقات والبِرّ والحجّ والعمرة والبيع والإجارة والميراث والوصيّة والوديعة والنّكاح والصّداق والطّلاق والخلع والرّجعة والإيلاء والعدّة والرّضاع والنّفقات والقصاص والدّيات وقتال البغاة والرّدة والأشربة والجهاد والأطعمة والذّبائح والأيمان والنّذور والقضاء والشّهادات والعتق، فهذه أبواب الشّريعة كلّها مذكورة في هذه السّورة.

وقوله:﴿ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ شامل لعلم الأخلاق، وقد ذكر منها في هذه السّورة الجمّ الغفير من التّوبة والصّبر والشّكر والرّضى والتّفويض والذّكر والمراقبة والخوف وإلانة القول.

وقوله تعالى:﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾ تفصيله ما وقع في السّورة من ذكر طريق الأنبياء ومن حاد عنهم من النّصارى، ولهذا ذكر في الكعبة أنّها قبلة إبراهيم، فهي من صراط الذين أنعم عليهم، وقد حاد عنها اليهود والنّصارى معاً، ولذلك قال في قصّتها:﴿ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ142 تنبيهاً على أنّها الصّراط الذي سألوا الهداية إليه، ثمّ ذكر ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ145، وهم المغضوب عليهم والضّالّون الّذين حادوا عن طريقهم، ثمّ أخبر بهداية الذين آمنوا إلى طريقهم ثمّ قال:﴿ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ213 ، فكانت هاتان الآيتان تفصيل إجمال:﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيم﴾ إلى آخر السّورة، وأيضا قوله أوّل السّورة:﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الآيات، في وصف الكتاب إخبار بأنّ الصّراط الذي سألوا الهداية إليه هو ما تضمّنه الكتاب، وإنّما يكون هداية لمن اتّصف بما ذكر من صفات المتّقين، ثمّ ذكر أحوال الكفرة ثمّ أحوال المنافقين وهم من اليهود، وذلك تفصيل لمن حاد عن الصّراط المستقيم ولم يهتد بالكتاب، وكذلك قوله هنا:﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ136 فيه تفصيل النّبيين المنعَم عليهم وقال في آخر السّورة:﴿ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾، تعريفاً بالمغضوب عليهم والضّالّين الذين فرّقوا بين الأنبياء؛ ولذلك عقبها بقوله ﴿ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَوا ﴾، أي إلى الصّراط المستقيم صراط المنعَم عليهم كما اهتديتم.

الوجه الثاني:
أنّ الحديث والإجماع منعقد على تفسير ﴿ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم ﴾ باليهود، و ﴿ ٱلضَّالِّينَ ﴾ بالنّصارى، وقد ذُكِروا في سورة الفاتحة على حسب ترتيبهم في الزّمان، فعقَّب بسورة البقرة وجميع ما فيها من خطاب أهل الكتاب لليهود خاصّة، وما وقع فيها من ذكر النّصارى لم يقع بذكر الخطاب، ثمّ عقبت سورة البقرة بسورة آل عمران، وأكثر ما فيها من خطاب أهل الكتاب للنّصارى، فإنّ ثمانين آية من أوّلها نزلت في وفد نصارى نجران كما ورد في سبب نزولها وختمت بقوله:﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ199 ، وهي في النّجاشي وأصحابه من مؤمني النّصارى كما ورد به الحديث، وهذا وجهٌ بديعٌ في ترتيب السّورتين، كأنّه لمّا ذَكَر في الفاتحة الفريقين قصّ في كلّ سورة ممّا بعدها حال كلّ فريق على التّرتيب الواقع فيها؛ ولهذا كان صدر سورة النّساء في ذكر اليهود وآخرها في ذكر النّصارى.

الوجه الثّالث:
أنّ سورة البقرة أجمع سور القرآن للأحكام والأمثال؛ ولهذا سمّيت فسطاط القرآن الذي هو المدينة الجامعة فناسب تقديمها على جميع سوره.

الوجه الرّابع:
أنّها أطول سورة في القرآن، وقد افتتح بالسّبع الطّوال، فناسب البداءة بأطولها.

الوجه الخامس:
أنّها أوّل سورة نزلت بالمدينة، فناسب البداءة بها، فإنّ للأوليّة نوعاً من الأولويّة.

الوجه السّادس:
أنّ سورة الفاتحة كما ختمت بالدّعاء للمؤمنين بألاّ يسلك بهم طريق المغضوب عليهم ولا الضّآلين إجمالاً: ختمت سورة البقرة بالدّعاء بألاّ يسلك بهم طريقهم في المؤاخذة بالخطأ والنّسيان وحمل الإصر وما لا طاقة لهم به تفصيلاً، وتضمّن آخرها أيضا الإشارة إلى طريق المغضوب عليهم والضّالّين بقوله ﴿ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ 285، فتآخت السّورتان وتشابهتا في المقطع وذلك من وجوه المناسبة في التّتالي والتّناسق، وقد ورد في الحديث التّأمين في آخر سورة البقرة كما هو مشروع في آخر الفاتحة [2]

أسرار البسملة وخصائصها:
بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ:
قَسَمٌ مِنَ الله تعالى أنزلَهُ عند رأس كلّ سورة، وخصّ به هذه الأمّة بعد سليمان -عليه السلام-، وقد دلّت على ذات الله تعالى وصفاته، وينبغي لكلّ مسلم أن يرتبط بها في كلّ حركة من حركاته، فهي مفتاح كلّ خير. يقول جعفر الصّادق: " البسملة تيجان السّور ".

وفي تجرّد البسملة من الفعل سرّ عجيب، حيث جاءت مباشرة: بسم الله، لِحِكَمٍ وأسرارٍ منها: 1ـ أنّ البسملة لا ينبغي أن يتقدّم عليها غير ذكر الله تعالى، ولو ذكر الفعل لكان خلافـاً للمقصود؛ لذا حذف، كما في قولنا عند الدّخول في الصّلاة: الله أكبر.

في تجريد البسملة من الفعل إشارة إلى أنّ السّامع أو المتكلّم بالبسملة يُدعى إلى الاستغناء بالمشاهدة عن النّطق بالفعل إذ لا حاجة إليه؛ لأنّ المشاهدة دالّة على أنّ كلّ فعل إنّما هو باسم الله تعالى، والحوالة على شاهد الحال أقوى من الحوالة على شاهد النّطق. [3]

وجاء لفظ {بسم} مكوّنا من ثلاثة أحرف ومجردا كذلك من الألف، فلم يأت {باسم} لأسرار منها:
1- أن الألف في ﴿ باسم ﴾ علامتها همزة وصل، وصفة همزة الوصل النقص والكسر والضعف، ومنه الهمزة أي العيّاب. يقال حرف مهموز أي مكسور. وقد حذفت همزة الوصل من الكلمة فجاءت سليمة مجردة ﴿ بسم ﴾.

2- وسبب تجريد الكلمة ﴿ بسم ﴾ أيضا من همزة الوصل﴿ باسم ﴾ اقترانها بلفظ الجلالة ﴿ الله ﴾ فالكلمة ﴿ اسم ﴾ إذا بدئت بحرف الباء وارتبطت بلفظ الجلالة يجب حذف همزة الوصل فنقول: ﴿ بسم الله ﴾ وإذا بدئت بالباء وقرنت بغير اسم الجلالة يجب إلحاق همزة الوصل مثال ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾.

الارتباط بالبسملة:
ندب الشّرع إلى ذكر البسملة في أوّل كلّ فعل كالأكل والشّرب والنّوم والجماع والطّهارة وركوب البحر قال تعالى:﴿ وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ هود 41. وقال تعالى:﴿ فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ الأنعام 118.

وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: {سمّ الله وكلبيمينك وكل ممّا يليك }. رواه البخاري، باب التسمية، 458،و مسلم كتاب الأشربة 2022.

فهذا النّص وغيره من النّصوص يشير إلى ضرورة الاتّباع وتجنّب الابتداع؛ لأنّ في الاتّباع: إثبات وكشف عن أنّ المؤمن يثق بالرّسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، كما أنّه يرضى بما رضيه الله تعالى لنا.

والابتداع يكشف عن أنّ المبتدع بما يأتي به هو الكمال وهو الأحسن، فكأنّه يقول: لو أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم جاء به لكان أكمل وأحسن، فهذا التّوجيه والتّأويل: إنّما يصدر ممّن اتّبع هواه وأُعْجب برأيه، فقد أخبرنا الله تعالى: أنّ من اتّبع هواه، فإنّه يضلّه على علم، فالنّجاة في الاتّباع، والهلاك في الابتداع، فالابتداع والزّيادة من أعظم أسباب سوء الخاتمة؛ لذا ينبغي الحذر من فعل البدعة أو الرّضا بها وعدم بغضها، كما ينبغي الحذر من التّهاون بالسنّة الشّريفة أو الاستهزاء بها، فقد روى أبو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنّ رجلاً أكَلَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشمالِه، فقال له الرّسول: {كُلْ بيمينِك }. قال: لا أستطيع. قال صلى الله عليه وسلم: {لا استطعْت! }، ما منعه إلاّ الكِبْر! فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم في الاشربة 3 م 1599 رقم 2021.

وقد دعا الرّسول صلى الله عليه وسلم على هذا الرّجل: لتركه للسنّة بدافع الكِبْر مع أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين، ولم يَدْعُ على مسلمٍ قط، وإنّما دعا على هذا الرّجل: لإتيانه بعمل يستحقّ عليـه الدّعاء من الرّسول صلى الله عليه وسلم، وروي أنّ رجلاً من النّصارى كان في المدينة إذا سمع المؤذّن يقول: أشهد أنّ محمّداً رسولالله، قال: حُرِقَ الكاذب؛ فسقطت شرارة من نار على فراشه من الخادمة وهو نائم مع أهله فأحرقتهم جميعاً؛ فكانت عبرة للخلق. والبلاء موكّل بالمنطق [4]

وقد كنت في مجلس أذكّر بهديه صلى الله عليه وسلم في الأكل والشّرب ودخول الخلاء، فقام رجل وأدّى برجلِه حركة يُعَبّر بها عن الدّخول والخروج والجلوس لقضاء الحاجة قائلاً: المهم أن يقضي الحاجة باليمين بالشّمال ليس مهمّا، قال ذلك على سبيل النّكتة والسّخرية، فما هي إلاّ أيّام حتى أصيب بمرضٍ، فقُطِعت رِجله.

والمتأمّل في النّصوص السّابقة وغيرها يرى تحديد صيغة البسملة بلفظ: بسم الله، إلاّ في قراءة القرآن والمراسلات، كما ورد في رسالة سليمان -عليه السلام- إلى ملكة سبأ، حيث جاءت البسملة كاملة، أمّا في حالات دخول البيت والخروج منه وركوب الدّابّة واللباس والرّقية والأكل والشّرب والنّحر ودخول الخلاء ورمي الجمرات...الخ، فإنّ السُنّة قد جاءت بلفظ محدّد ينبغي الاقتصار عليه وعدم الزّيادة فيه، فعند الطّعام يقول المسلم: بسم الله، وعند الرّكوب بسم الله، كما قال تعالى﴿ وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ هود 41، وعند الوضوء: بسم الله... ولعلّ السّر في تخصيص لفظ الجلالة ﴿ الله ﴾ هنا بالبسملة دون بقيّة الأسماء والاقتصار عليه؛ لأنّ لفظ الجلالة إذا ذكِر جمَع في معناه جميع الأسماء والصّفات فعندما تقول: بسم الله، كأنك قلت بسم الرّحمن والرّحيم والعليم والسّميع والرّزاق... الخ، أمّا إذا قلت بسم الرّحمن مثلا، فلا تكون الاستعانة أو البداية إلاّ بالرّحمن فحسب، وكذا إذا قلت: بسم الله الرّحمن الرّحيم، فقد قيّدت الابتداء والاستعانة بالرّحمن الرّحيم، فلفظ الجلالة اسم جامع لجميع الأسماء والصّفات، وهذا من خصائص لفظ الجلالة.

خصائص البسملة:
وقد بيّن الرّسول صلى الله عليه وسلم أثر البسملة بهذه الصّيغة؛ وذلك أنّ المسلم إذا دخل بيته بيمينه، وأمسك بيده الباب وأغلقه قائلاً: بسم الله بصدق، فإنّه لا يضرّه شيء، ولا يمكن أن يقترب من الباب شيء، وهكذا إذا غطّى الإناء، وأطفأ السّراج، فإن لم يجد لإنائه غطاءً: وضع عليه عوداً، فإن لم يجد، فليمسح بيده، وليقل: بسم الله، فلا يضرّه شيء، وهكذا بقيّة أحوال العبد، فلا يضرّ مع اسم الله شيء، وتأمّل الاشارة إلى هذا المعنى في حديثه صلى الله عليه وسلم:{بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السّماء وهو السّميع العليم }. رواه ابو داود في الادب رقم 5088.

فالمسلم عندما يحرّك لسانه ببسم الله، فإنّ القلب يتنبّه ليطلقَ مِنْ نُورِ الإيمانِ قوّةً وأثراً يندفعُ مع حركة نطق اللّسان بالبسملة، فحينما يغطّي المسلم الإناء مثلاً ذاكراً اسم الله، تترك البسملة أثراً وسرّاً عجيباً يمنع الله تعالى به الإناء ويحفظه من كلّ أذى وسوء، وهكذا بقيّة الأشياء.

وهذا ليس بالعجب ولا يُسْتَنكَر، فهناك من صناعة الإنسان واكتشافاته ما يستخدمه من إشعاعات لا تُرى يسلّطها على غيره، فَتُحدِث أضراراً به، وقد تُميته دون أن تُشَاهَد أو يَشْعرَ بها أحد كأشعة الليزر.

وفي المقابل هناك من إشعاعات الشّر الممزوج بالخبث، والتي يصدرها قلب الحاسد أو العائن عبر العين، فتترك أثراً على المحسود قد يصل إلى الموت؛ لذا أمرنا الله تعالى أن نتعوّذ به من شرّ الحاسد.

ومن الآثار العجيبة التي تتركها البسملة على الأعيان: ما أخبرنا به القرآن من جريان السّفينة بنوح عليه السلام ومن معه وسط موجٍ وصفه القرآن كأنّه الجبال، وقد تفجّرت الأرض عيوناً وتفتّحت أبواب السّماء بماء منهمر، أمّا السّفينة فتجري وترسو بإحرام " بسم الله " الذي حال دون غرقها؛ حيث لا يضرّ مع اسم الله شيء.

ولنتأمّل أثر البسملة في قصّة الغلام الذي أراد الملك أن يقتله، حيث دفعه إلى نفر من أصحابه وأمرهم أن يطرحوه من أعلى الجبل إنْ لم يرجع عن دينه، ولمّا صعدوا به الجبل قال اللهمّ أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، ثمّ يأمر الملك أصحابه أن يلقوه وسط البحر، فيذهبون به، فيقول اللّهمّ اكفنيهم بما شئت. فغرقوا جميعاً، وجاء يمشي إلى الملك. ويقول للملك: إنّك لن تقتلني إلاّ في حالة واحدة، أن تجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ وتصلبني على جذع ثمّ تأخذ سهماً من كنانتي ثمّ تقول: بسم الله ربِّ الغلام ثمّ ارمني، فإنّك إن فعلت ذلك قتلتني، فجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ وصلبه على جذعٍ، ثمّ أخذ سهماً من كنانته، ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام، ثمّ رماه فوقع السّهم في صِدغِه، فوضع يده موضع السّهم فمات، فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام [5]

فتأمّل أثر البسملة؛ حيث كشفَتْ عَن عَجْز الملِك الذي لم يتمكّن من قتل غلامٍ بين يديه أو السّيطرة عليه إلاّ بعد أن دلّهُ الغلامُ على ذلك بأن يقول عند رميه بالسّهم: بسم الله ربِّ الغلام، فظهر أثر البسملة ومات بها الغلام، وزال مُلْك الملك، وَكُشِف زَيغُه وبَطَلَ سِحرُه، كما تركت أثراً على النّاس حيث آمنوا جميعاً.

وممّا يدلً على تأثير البسملة أيضاً: هروبُ الشّيطان منها عند التّلفظ بها، فالشّيطان أضعف ما يكون أمامها، فقد بيّن الرّسول صلى الله عليه وسلم أنّ الشّيطان يولّي هارباً إذا سمعها أو سمع الأذان وله ضراطٌ مِن شِدّةِ الخَوفِ، وهذا يكشف عن قوّة البسملة وأثرها العجيب في طرد الشّيطان.

الشيطان والبسملة:
للبسملة على الشيطان أثر كبير، فقد أخبر الرسول أنه يهرب وإسته تصَفّر من تأثير البسملة أو الأذان كذلك قال:{إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى}. رواه البخاري رقم 1164.

يفر ليقف بعيداً في زاوية المكان كالذي يجلس على أربع، يصوّب عينيه تجاه ابن آدم، وقد خسر أموراً ثلاثة:
ظنّه أنّه سينتصر على المسلم ويضمّه إلى حزبه.
2 ـ أنّه خسر جولتَهُ مع المسلم، وعلِمَ أنّ هزيمتَه لم تكن بأكثر من كلمة.
3 ـ أنّ طاعة الإنسان وسجوده لله تعالى تذكّر الشّيطان بفضيحته ومعصيته الأولى التي أوصلته إلى هذا الحال من الإهانة، وهل تُصدّق أنّه يأخذ بالبكاء والعويل!.

مواطن البكاء والضّحك والخوف عند الشّيطان:
يبكي الشّيطان عندما يرى الإنسان ساجداً لله تعالى، فيهرب إلى ركن البيت ويأخذ بضرب نفسه ويقول: ويلي ويلي، أُمِرْتُ بالسّجود فعصيت وأُمِرَ بالسّجود فأطاع.
2 ـ يضحك الشيطان عندما يقع الإنسان في معصيةٍ غير الشّرك، فيأخذ الشّيطان بالضّحك والسّخرية مـن المذنب؛ لأنّه تمكّن منه وتغلّب عليه.
3 ـ يسعى الشّيطان إلى جرّ الإنسان واستدراجه إلى المعصية، إلاّ أنّه يفاجأ منه عندما يقع في الشّرك، وليس هدفه ذلك؛ لذا عندما يرى المذنب قد تجاوز المعصية إلى الشّرك فإنّه يولّي هارباً خوفاً من الله تعالى؛ إذ ليس هدف الشّيطان إيقاعه في الشّرك، ولا يريد ذلك مـن الإنسان، فالعجب من الإنسان أن يتعدّى هدف الشّيطان إلى عبادة الأوثان، وأصل عبادة الأصنام جاء من تقديس القبور وتعظيم أهلها، كما يفعل الشّيعة بقبر الحسين والصّوفيّة بقبر السّيدة زينب والبدوي، وغيرهم في أرجاء الأرض. قال تعالى:﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ الحشر 16.
يُروى أنّ الشّيطان قد التقى بفرعون، فقال له: أنت الذي يقال عنك بأنّك تقول للنّاس أنا ربكم الأعلى؟، قال فرعون: نعم. قال الشّيطان: ما رأيت أجهل منك. أنا ما تجرأت على هذا، أمرني ربّي بالسّجود، فعصيت وهذا حالي، وأنت تقول أنا ربّكم الأعلى، إنّ هذا لهو الغباء الأحمق.

وأشّد شيء على الشّيطان ألماً:السّجود، فما يغيظ الشّيطانَ شيءٌ كما يغيظه سجود العبد لربّه، فإنّه عندما يرى العبد ساجداً لله تعالى يصبح كالنّائحة أو الثّكلى من شدّة الجزع والفزع؛ لذا إنْ قَذَفَنا بحصى الوسوسة ذبحناه بالسّجود، من هنا جاء السّر في تشريع سجدتيّ السّهو عندما يزعجنا بالوسوسة؛ حيث تذكّرُه السّجدة بعلّته الأولى، فتزيد من خزيه وحسرته.

وممّا يُضْعِفه ويَدْحَره: قَذْفُه ببسمِ الله عندما يعثَر المسلم أو تَعثَرُ دابّته، كما قال الرّسول صلى الله عليه وسلم:{لا تقل تعس الشّيطان فإنّه يتعاظم ويقول: صرعته بقوّتي، ولكن قلّ: بسم الله، فإنّه يتصاغر حتى يصير مثل الذّباب}. رواه الطبراني، مجمع الزوائد ج10/131 باب ما يقول إذا عثرت الدابة.

خصائص البسملة وعلاقتها بأسماءالله وصفاته:
اختلف النّحاة في اشتقاق الاسم في لفظ {بسم}، أمّا البصريون: فقالوا إنّه مشتقّ من " السّموّ " وهو العلوّ والرّفعة، فقيل: اسم؛ لأنّ صاحبه بمنزلـة المرتفع به. وقيل: لأنّ الاسم يسمو بالمُسمّى فيرفعه عن غيره.
وقيل: إنّما سمّي الاسم اسماً؛ لأنّه علا بقوّته على قسميّ الكلام: الحرف والفعل، والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنـّه الأصل، فلعلوّه سُمّي " اسماً ".

وأمّا الكوفيون: فقالوا إنّه مشتقّ من السّمة وهي العلامة؛ لأنّ الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا: وسم.
والأول أصحّ؛ لأنّه يقال في التّصغير: سُمَيّ، وفي الجمع أسماء، والجمع والتّصغير يردّان الأشياء إلى أصولها. فلا يقال: وسيم ولا أوسام.

وفائدة الخلاف تظهر عند من قال: إنّ الاسم مشتقّ من العلوّ وهو قول البصريين حيث لم يزل الخالق سبحانه وتعالى موصوفاً قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وبعد فنائهم، ولا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته، وهذا هو الحقّ وهو قول أهل السنّة والجماعة. أمّا من قال إن الاسم مشتقّ من السّمة، يقول: كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة. فلمّا خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة وهو قول المعتزلة. وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمّة.

قال الخليل: حذفت الألف ههنا في قوله تعالى {بسم الله} وثبتت في قوله تعالى ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾؛ لأنّ الابتداء بالسّين السّاكنة غير ممكن. ودخول الباء على الاسم نيابة عن الألف فسقطت في الخطّ ولم تسقط الألف في قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ }؛ لأنّ البـاء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في {بسم الله }؛ لأنّه يمكن حذف الباء مـن ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ مع بقاء المعنى صحيحاً فإنّنا لو قلنا: اقرأ اسمَ ربّك، صحّ المعنى. أمّا لو حذفنا الباء من {بسم الله} لم يصحّ المعنى.

الله: اسم يطلق على الذّات الإلهية، وقال قوم: إنّه ليس بمشتقّ ولا يجوز حذف الألف واللام منه كما في الرّحمن.

وقيل: مشتقّ من ألِهَ الرّجل يأْلَه إذا فَزِع إليه من أمْرٍ نزل به، فَأَلَهَهُ أي أجاره وأمّنه فسمّي إلهاً كما يسمّى الرّجل إماماً. وقيل مشتقّ من الوله؛ لأنّ قلوب العباد توله نحوه، كقولـه تعالـى:﴿ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾. النحل 53 [6].

من خصائص لفظ الجلالة {الله }:
تدخل تاء القسم على لفظ الجلالة دون غيره عند الحلف به، فنقول: تالله.
دخول ياء النّداء عليه مع اتصاله بأل التّعريف، فنقول: يا ألله، ولا نقول: يا الرّحمن.
تحويل الأسماء إلى صفات إذا جاءت بعد لفظ الجلالة، فلفظ السّميع: اسم، فإذا جاء تابعاً للفظ الجلالة صار صفة له. فنقول: الله سميع، فسميع: صفة للفظ الجلالة.

تضمّن اسم الله لجميع الأسماء والصّفات ومعانيها، وهذا لا يكون إلاّ للفظ الجلالة، فلو قلنا رحيم، فلا يفهم من الاسم إلاّ معنى الرّحمة، أمّا إذا قلنا: الله، فهو الرّحيم والسّميع والبصير والعليم.... الخ. كذلك قد يُتصور أن يتّصف العبد بشيء منها كالرّحيم والعليم والحليم... أمّا معنى اسم الله، فهو خاصّ خصوصاً لا يتصور فيه مشاركة مطلقاً؛ لهذا يقال: السّميع، العليم، الشّكور، الرحيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء السّميع والعليم والشّكور... قال تعالى {وَللَّهِ ٱلأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُبِهَا }.

أنّ لفظ الجلالة " الله " يخرج من الجوف، ولا تنطق به الشّفاه لخلوّه من النّقط.
أنّه اسم الله الأعظم الّذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى.
أنّ لفظ الجلالة عند الدّعاء به يقبل حرف الميم في آخره بدل ياء النّداء فنقول: اللهمّ، وهي باتفاق تعني يا ألله، ولا يصحّ أن تأتي إلاّ للدّعاء، نقول: اللّهمّ ارحمنا.

والميم التي تلحق لفظ الجلالة {اللهمّ} تفيد معنى الجمع، فاللفظ الذي فيه الميم يفيد الجمع مثل لمّ، اللمم، ومنه قوله تعالى:﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً ﴾الفجر 19، ومنه التّوأم، وهو اجتماع ولدين في البطن، ومنه أَمَّ، وَهَمَّ: إذا جَمَعَ قَصْدَهُ إليه، وَرَمَّ الشّيء: إذا جمع متفرّقه بالإصلاح، ومنه ضَمَّ: إذا جمع، فالميم الدّاخلة على لفظ الجلالة في قولنا: اللهمّ، إيذانٌ بجمع أسمائه وصفاته، فمعنى اللهمّ إنّي أسألك...، أي أدعوك وأسألك بجميع أسمائك وصفاتك؛ لذا قال الحسن البصريّ: {اللهمّ} مجمع الدّعاء. وقيل إنّ في الميم تسعة وتسعين اسماً. وجاء تشديد الميم عوضاً عن علامة الجمع وهي الواو والنّون كما في " مسلمون ". [7]

فالميم تشير إلى معنى الجمع كما مرّ ويظهر ذلك حتى في مخرجها، فهي تشير إلى الضمّ والجمع، فتخرج عند النّطق بها من ضمّ الشّفتين وفي ضمهما جمع.
هوامش:
[1] الاتقان في علوم القرآن / السيوطي 1 / 172. أسرار ترتيب القرآن / السيوطي 69.
[2] انظر: أسرار ترتيب القرآن / السيوطي أبو الفضل 68 ـ 85.
[3] ابن قيّم الجوزية/بدائع الفوائد 1/25. الجامع لأحكام القرآن 1/98
[4] الجامع لأحكام القرآن 6 / 232
[5] انظر الحديث صحيح مسلم 4 / 2300 رقم 3005.
[6] زاد المسير / ابن الجوزي 1 / 9 . الجامع لاحكام القران 1 / 101. الرازي / التفسير الكبير/1/1/93
[7] } انظر ابن قيّم الجوزية / التفسير القيّم 208 ـ211