طريق الايمان (1)
29-03-2007, 10:14 AM
السلام عليكم وبعد :

يسرني مجددا أن أساهم بهذا الموضوع لكي نضع معالم الطريق لايجاد نهضة صحيحة يكون مصدرها الوحي وليس التشريعات الوضعية التي سنها الانسان. هذا الكائن الناقص والعاجز والمحتاج ولذا وشعورا منا باداء واجب التبليغ ها نحن نقتفي أثر هذه النهضة التي لا يمكن أن تؤسس إلا بايجاد العقيدة الصحيحة التي تبنى عليها كل المعالجات المتعلقة برعاية شؤون هذا الانسان.
وكما أسلفنا فالانسان ينهض بما عنده من فكر عن الكون والانسان والحياة وعن صلة هذه الاشياء بما قبلها وما بعدها. ولذا كان لزاما علينا أن نغير فكر هذا الانسان تغييرا أساسيا وشاملا لايجاد فكر بديل له حتى ينهض، لأن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الاشياء، ويركز هذه المفاهيم حتى تكون يقينية لا يشوبها ظن أو شك. والانسان يكون سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها، فهو تراه يحب الشخص الذي توجد لديه مفاهيم الحب عنه، وتراه يبغض الشخص الذي توجد لديه مفاهيم البغض عنه، ولذا كان تغيير المفاهيم لدى الانسان هو الخطوة الاساسية في تغيير سلوكه من سلوك منخفض الى سلوك راق :( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وما بالانفس هي المفاهيم والافكار التى يحملها الانسان ويتبناها ويبني عليها حياته وسلوكه.
قبل ايجاد الفكر عن الحياة وما ينظم شؤونها لا بد أن نحل ما يسمى بالعقدة الكبرى والتي تؤدي الى ايجاد الفكرة الكلية عن الكون والانسان والحياة وعما قبلها وما بعدها وعن صلتها بهما. لأن بوجود هذه الفكرة الكلية نكون قد أوجدنا القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الافكار عن الحياة. وبها تحل العقدة الكبرى عند الانسان والتي تتمثل في حقيقة هذا الوجود، دوره والغاية منه.ومتى حلت هذه العقدة حلت باقي العقد التي تتمثل في كيفية تنظيم شؤون الحياة المختلفة والتي تتجلى في سلوك الانسان عندما يسعى لاشباع غرائزه وحاجاته العضوية. لكن يشترط في هذا الحل حتى يكون حلا صحيحا يؤدي الى ايجاد نهضة صحيحة وليس مجرد نهضة هو أن يتوفر على شرطين وهما : موافقة هذا الحل لفطرة الانسان وإقناع العقل حتى يمتلئ القلب طمأنينة.
ولا يمكن إطلاقا ايجاد هذا الحل إلا بايجاد الفكر المستنير عن الكون ، الانسان والحياة. هذا الفكر الذي يمتاز بدراسته العميقة والشاملة لهذه الاشياء حتى يحيط بكل جزئياتها وخباياها، وهذا ما يقع عليه حس الانسان وادراكه. فإذا وجد هذا الفكر المستنير وجد الحل الصحيح وهو العقيدة، وهومانسميه هنا بالقاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة. فالانسان المبدئي الذي ترسخت فيه هذه العقيدة يستحيل عليه أن يقوم بفعل أو سلوك ينافي هذه العقيدة مهما كانت الظروف الا أن يكون تقية كما فعل ذلك عمار بن ياسر وهو يرى أبويه يعذبان حتى الموت دون أن يتخلى عن ايمانه إلا تقية.
لقد عمد الاسلام الى هذه العقدة الكبرى فحلها للانسان حلا يوافق الفطرة ويقنع العقل ويملأ القلب طمأنينة، وجعل دخول الانسان فيه متوقفا على الاقرار بهذا الحل إقرارا صادرا عن العقل أي صادرا عن يقين وليس تقليد. ولذا كان الاسلام مبنيا على أساس واحد هو العقيدة، وهي أن وراء هذا الكون والانسان والحياة خالقا خلقها جميعا، وخلق كل شيء، وأن هذا الخالق هو الله تعالى. وأن هذا الخالق أوجد الاشياء من العدم، وهو واجب الوجود، فهو غير مخلوق، وإلا لما كان خالقا، واتصافه بكونه خالقا يقضي بكونه غير مخلوق، ويقضي بأنه واجب الوجود، لأن الاشياء جميعها تستند في وجودها إليه ولا يستند هو إلى شيء.
أما أنه للاشياء من خالق يخلقها فذلك أن الاشياء التي يدركها العقل هي الانسان والحياة والكون، وهذه الاشياء محدودة، فهي عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها. فالانسان محدود لأنه ينمو في كل شيء إلى حد لا يتجاوزه، فهو محدود. والحياة محدودة، لأن مظهرها فردي فقط، والمشاهد بالحس أنها تنتهي بانتهاء الفرد فهي محدودة. والكون محدود لأنه مجموع أجرام وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة، فالكون اذن محدود، وعلى ذلك فالكون والانسان والحياة محدودة قطعا.
وحين ننظر الى المحدود نجده ليس أزليا وإلا لما كان محدودا فلا بد من أن يكون المحدود مخلوقا لغيره، وهذا الغير هو خالق الكون، الانسان والحياة، وهو إما أن يكون مخلوقا لغيره، أو خالقا لنفسه، أو أزليا واجب الوجود. أما كونه مخلوق لغيره فباطل، لأنه يكون محدودا، وأما أنه خالق لنفسه فباطل أيضا، لأنه يكون مخلوقا لنفسه وخالقا لنفسه في ان واحد، وهذا باطل أيضا، فلا بد أن يكون الخالق أزليا أي ليست له بداية ولا نهاية واجب الوجود وهو الله تعالى.
على أن كل من كان له عقل يدرك من مجرد الاشياء التي يقع عليها حسه، أن لها خالقا خلقها، لأن المشاهد فيها أنها ناقصة، وعاجزة ومحتاجة لغيرها، فهي بالتالي مخلوقة لغيرها. ولذلك يكفي أن يلفت النظر إلى أي شيء في الكون والانسان والحياة ليستدل به على وجود الخالق المدبر. ولذلك نجد القران يلفت النظر إلى الاشياء ويدعو الانسان لأن ينظر إليها وإلى ما حولها وما يتعلق بها أي النظرة المستنيرة فيستدل بذلك على وجود الله تعالى، وإذ ينظر الانسان إلى الاشياء
كيف أنها محتاجة إلى غيرها فيدرك من ذلك وجود الخالق المدبر إدراكا يقينيا قطعيا. وقد وردت مئات الايات في هذا المعنى من مثل :( إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) و (فلينظر الانسان مما خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب) ووو...إلى غير ذلك من الآيات التي تدعو الانسان لأن ينظر النظرة العميقة إلى الاشياء وما حولها ومايتعلق بها أي النظرة المستنيرة، ويستدل بذلك على وجود الخالق المدبر، حتى يكون ايمانه بالله ايمانا راسخا عن عقل وبينة.
إن من فطرة الانسان أن يؤمن بالخالق إلا أن هذا الايمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان وهذا الطريق غير مأمون الجانب فقد يضفي الوجدان على ما يؤمن به أشياء لا حقائق لها كأن يعبد الطاغوت أو النار ظنا منه أنها هي الاله ومن ثم يقع في الكفر والشرك والضلال. ولهذا لم يترك الاسلام الوجدان وحده طريقا للايمان حتى لا يجعل لله صفات تتناقض مع الالوهية، أو يجعله ممكن التجسد في أشياء مادية، أو يتصور إمكان التقرب إليه بعبادة أشياء مادية، فيؤدي إما الى الكفر أو الاشراك، وإما الى الاوهام والخرافات التي يأباها الايمان الصادق. ولذلك حتم الاسلام استعمال العقل مع الوجدان وأوجب على المسلم استعمال عقله حين يؤمن بالله تعالى، ونهى عن التقليد في العقيدة. تقول القاعدة الفقهية ( لاتؤخد العقائد إلا عن يقين) ولذلك جعل العقل حكما في الايمان بالله تعالى، والقراَن مملوء بالايات التي تدعو الانسان الى التدبر والتأمل ليكون ايمانه عن عقل وبينة وتحذره الأخذ بما وجد عليه اباءه وأجداده من غير نظر فيه وتمحيص له وثقة ذاتية بمبلغه من الحق. هذا هو الايمان الذي دعا الاسلام اليه وهو ليس هذا الايمان الذي يسمونه إيمان العجائز، إنما هو ايمان المستنير المستيقن الذي نظر ونظر، ثم فكر وفكر، ثم وصل من طريق النظر والتفكير الى اليقين بالله جلت قدرته.
هذا ما أردنا تبيانه في هذه الحلقة فيما يخص طريق الايمان وستتبعه حلقات أخرى حتى يتبين الحق من الباطل، ولذا يجب على كل إنسان مسلم أن يسأل نفسه لماذا أنا مؤمن وكيف، وهل أنا مقلد في العقائد أم متيقن ومؤمن إيمانا راسخا بعقيدتي الاسلامية. وفي فرصة قادمة إن شاء الله ودمتم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم.(يتبع).
التعديل الأخير تم بواسطة عبيد الله ; 29-03-2007 الساعة 10:40 AM