عندما نحتاط للرادار وننسى رقابة الواحد القهار!!؟
06-01-2018, 01:48 PM
عندما نحتاط للرادار وننسى رقابةالواحد القهار!!؟
سلطان بركاني


لقد جرّب كلّ واحد منّا مع نفسه: أنّه كلّما رأى، وهو يقود سيارته، لافتة مكتوبا عليها: "حذار رادار"، أو رأى سائقي السيارات التي تسير في الاتّجاه المعاكس يحذّرون من وجود رادار أو نقطة مراقبة: أنّه يأخذ كلّ احتياطاته، فيخفّض سرعته، ويضع حزام الأمان، ويردّ ابنه الصّغير إلى المقاعد الخلفية: خشية أن تحرّر ضدّه مخالفة أو تسحب منه رخصة القيادة..
فماذا لو كانت السيارات مزوّدة بكاميرات مراقبة داخلية وخارجية تراقب كلّ صغيرة وكبيرة تتعلّق بالقيادة والتعامل مع الإشارات وتخزّن المخالفات إلى حين الاطّلاع الدّوريّ عليها لتنظر الجهة المكلّفة بالمراقبة في تحديد العقوبات المستحقّة؛ هل كنّا سنجرؤ على مخالفة قانون المرور أو إجراءات السلامة!!؟.
كثيرا ما ينسى الواحد منّا وهو يعيش أيام وساعات عمره: أنّ كلّ حركاته وأقواله وأفعاله: مراقبة بدقة متناهية، ويكتبها له أو عليه في كتاب:((لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)): كتبة حفظة ليسوا بشرا يمكن أن يسهوا أو يغفلوا، إنّما هما ملكان لا يغفلان أبدا:((عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))، رقابتهما أدقّ من أيّ كاميرا أو رادار في هذا العالم، لا تنفكّ عن العبد في ليله ونهاره، في حلّه وترحاله، ولا تغادره ولو كان وحده في غرفة مظلمة أو في مكان خال، ترصد كلّ كلمة وكلّ نظرة وكلّ عمل، وتدوّنه بكلّ أمانة، في صحيفة تحفظ وتؤتمن في أيد أمينة، تُفتح للعبد من حين ميلاده، وتدون فيها الحسنات، ولا تدون السيئات حتى يبلغ، وتظلّ مفتوحة حتى تفارق الروح الجسد، ليأخذها العبد يوم القيامة، ويجد فيها ما قدّمه في دنياه من خير وشرّ، ثمّ توضع له في الميزان لينظر: هل ترجح الحسنات أم السيئات!!؟.
مع دقّة هذه المراقبة واستيعابها أقوال وأعمال وأحوال الإنسان في كلّ حين وكلّ مكان، هناك رقابةأعظم وأهمّ منها هي: رقابةالعليم الخبير سبحانه، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، يعلم ما يختلج في القلوب وما تضمره النّفوس، ويعلم ما يرجوه العبد بقوله وفعله وحاله.
وإذا كان العبد ربّما يستهين بمراقبة الملكين أمام ضعف نفسه، فهل يليق به أن يستهين بنظر الله إليه، حينما يضمر ما لا يحبّه الله، أو يخلو بنفسه فيأتي ما لا يرضاه مولاه من الأعمال والأحوال، يطلق عينه بالحرام، ويستجيب لدواعي النّفس الأمارة بالسوء، ويطيع الشّيطان و يستهين بنظر الخالق إليه.
قال رجل لسليمان بن علي: عظني، فقال: "لئن كنت إذا عصيتالله خاليا ظننت أنَّه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك، فلقد كفرت".
وقال رجل لوُهَيب بن الوَرْد رحمه الله: عظني، فقال: "اتّق أن يكون اللهأهون الناظرين إليك".
إنّ من أهون الدّركات التي يمكن أن ينزل إليها العبد بتماديه في الاستهانة بنظر الخالق سبحانه: أن يصل إلى حدّ يكون فيه نظر الإله: أهون شيء عليه؛ لا يتذكّره ولا يخطر على باله، وإن تذكّره لا يحسب له أيّ حساب؛ يُظهر رجاحة العقل وعفّة النّفس أمام النّاس، لكنّه إذا خلا بنفسه: تخلّى عن عقله واستسلم لهوى نفسه وأطلق لها العنان، لتبارز الرحمن بالعصيان. وفي مقابل هذا، فإنّ العبد المؤمن الذي يعلم أنّه سيقف يوما بين يدي مولاه ليسأله عن أعماله، يستشعر رقابته سبحانه في كلّ وقت وكلّ مكان، ويستحيي من نظره إليه أكثر من حيائه من والديه وخلانه والناس أجمعين.
روي أنّ رجلا راود امرأة على نفسها وقال لها: لا يرانا أحد!، ومن يرانا في ظلام كهذا غير الكواكب؟!!؟، فقالت: وأين مكوكِبُها؟، فقام وتركها. وأدخل أحدهم امرأة إلى بيته عنوة وأغلق الأبواب، فقالت له: لقد تركت بابا مفتوحا، قال: أيّ باب؟، قالت: الباب الذي بيننا وبين الله، فاقشعرّ جلده، ونكّس رأسه، واستغفر الله، وتركها تمضي لحالها.
ويروى في قصص الأمثال: أنّ أحد الشيوخ كان له جمع من التلاميذ، يخصُّ واحدًا منهم بمزيد من العناية، فسألوه عن السبب، فأعطى كل واحد منهم طائرًا، وقال: ليذبح كل واحد منكم طائره حيث لا يراه أحد، فمضى كل منهم إلى جهة، ثم رجع إلى شيخه، وقد ذبح الطائر، عدا ذلك التلميذ، فقد رجع إلى شيخه والطائر في يده، فسأله الشيخ: لِمَ لَم تذبح طائرك؟، قال: أنت أمرتني بأن أذبح الطائر حيث لا يراني أحد، ولم أجد موضعًا لا يراني الله فيه.