الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
04-04-2009, 11:43 PM
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
إن الرد على المخالف أصل من أصول الدين ,وقاعدة من قواعد شريعة رب العالمين ,دل عليها الكتاب والسنة واجماع السلف الصالحين ,وهو باب عظيم جليل من أبواب الجهاد فى سبيل الله تعالى ,كما قال شيخ الإسلام بن تيمية –رحمه الله -:"فالراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول الذب عن السنة أفضل من الجهاد".
فليس هو إذاً تتبع للزلات ,وتطلع إلى العيوب والعثرات ,وقصد لإظهار السوءات ,بل هو جهاد بالقلم واللسان لاحباط الباطل وفضح البدع وأهلها ,قال تعالى : وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِين (الأنعام: ٥٥).
وقد رد الصحابة بعضهم على بعض ,ورد من بعدهم على كل مخالف للسنة الصحيحة,وربما أغلظوا فى الرد؛ لا بغضاً له؛ وإنما لأن السنة معظمة فى نفوسهم ,ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم ,وأمره فوق أمر كل مخلوق.
قال ابن عبد البر:"هذا كثير فى العلماء ,وكذلك اختلاف أصحاب رسول الله والتابعين ومن بعدهم من المخالفين, وما رد فيه بعضهم على بعض لا يكاد يحيط به كتاب فضلاً أن يجمع فى باب ,وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتنا ,وفى رجوع أصحاب رسول الله بعضهم إلى بعض ,ورد بعضهم على بعض: دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب,ولولا ذلك كان يقول كل واحد منهم :جائز ما قلت أنت وجائز ما قلت أنا ,وكلٌ نجم يهتدى به ,فلا علينا شىء من اختلافنا".
وقال شيخ الإسلام –رحمه الله -:"ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة او العبادات المخالفة للكتاب والسنة ,فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين ,حتى قيل لأحمد بن حنبل :(الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب اليك أو يتكلم فى أهل البدع؟) فقال: (إذا صام وصلى واعتكف فانما هو لنفسه واذا تكلم فى أهل البدع فإنما هو للمسلمين, هذا أفضل ). فبين أن نفع هذا عام للمسلمين فى دينهم من جنس الجهاد فى سبيل الله ,إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين, ولولا [1]جامع بيان العلم وفضله (2|919-920).
من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين, وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب فان هؤلاء اذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء ".([1])
وقال أيضاً وهو يبين خطر السكوت عن أخطاء أهل البدع وعدم بيان باطلهم:" وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون وقد أمرالله نبيه بجهاد الطائفتين فى قوله (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) فى آيتين من القرآن, فاذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعاً تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبدل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذى لم ينكر على أهله ([2]),وإذا كان أقوام ليسوا منافقين؛ لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقاً ؛وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين, كما قال تعالى:لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (التوبة: ٤٧).فلا بد أيضاً من بيان حال هؤلاء, بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم,([3])فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم ,وقد دخلوا فى بدع من بدع المنافقين التى تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق, لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها ".([4])
ويقول الله تعالى : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج: ٤١),فمن واجبات الدين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بضوابطه الشرعية المرعية.
قال العلامة ابن باز –رحمه الله -:" ومتى سكت أهل الحق عن بيان أخطاء المخطئين ,وأغلاط الغالطين ,لم يحصل فيهم ما أمر الله به من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر,ومعلوم ما يترتب على ذلك من إثم الساكت عن إنكار المنكر؛ وبقاء الغالط على غلطه والمخالف للحق على خطئه ,وذلك خلاف ما شرعه الله سبحانه من النصيحة والتعاون على الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, والله ولى التوفيق".نقلاً عن (تنبيهات على ما كتبه الصابونى فى صفات الله عز وجل).

فتيبين مما سبق أن الرد على المخالفين باب عظيم من أبواب حراسة الدين ينتفع به الراد بحصوله على الأجر العظيم لقيامه بحفظ الدين والذب عن شريعة رب العالمين, وينتفع به المردود عليه من جهة مراجعة الحق وتركه للباطل والتوبة إلى الله منه ,والله يقول :وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات: ٥٥).
وقد ذكر الذهبى رحمه الله فى (السير 7/364)عن أبى صالح الفراء قال :(حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني الحسن بن صالح بن حي - فقلت ليوسف: أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ ([5]) فقال: لم يا أحمق ؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم، كان أضر عليهم). قال عاصم الأحول :" جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه, ونال منه, فقلت له: أبا الخطاب ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض!! فقال: يا أحول ألا تدري أن الرجل اذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى يحذر".([6])
قال الشاطبى معلقاً على هذا الأثر :" فمثل هؤلاء لا بد من ذكرهم والتشريد بهم ، لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا ، أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم ,إذا كان سبب ترك التعيين الخوف من التفرق والعداوة . ولا شك أن التفرق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم ـ إذا أقيم ـ عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومن شايعهم واتبعهم ، وإذا تعارض الضرران يرتكب أخفهما وأسهلهما ، وبعض الشر أهون من جميعه ، كقطع اليد المتآكلة ، إتلافها أسهل من إتلاف النفس ,وهذا شأن الشرع أبداً : يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل ".
وقيل للإمام أحمد رحمه الله:"إنه يثقل على أن أقول فلان كذا وفلان كذا ! فقال أحمد : « إذا سكت أنت وسكت أنا ، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟.([7])

وإن مما يؤسف أن ترى كثيراً من المنتسبين للسنة قد أغمضوا أعينهم عن أخطاء أهل البدع وضلالاتهم بحجج واهية لا قيمة لها, فمن قائل: لا تفرقوا المسلمين ,ومن قائل: سلم منك اليهود والنصارى ولم يسلم منك اخوانك !! ومن قائل :لا ترد على من هو أكبر منك فى السن والعلم!! ومن قائل: هل عرفت أنت الحق وغاب عمن ترد عليهم وهم أكثر منك شهرة وصيتاً ,ومن قائل: نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضناً فيما اختلفنا فيه ,ومن قائل :كل يخطئ ويصيب وزمن العصمة قد انتهى ...الخ ذلك من الشبهات والحجج الواهية .
وهؤلاء القائلون بذلك -وإن كان فى بعضهم صلاح وخير - هم يستنكرون نقد الباطل والضلال, وإنما ذلك لضعف عزائمهم أحياناً أو ضعف ادراكهم الحق والصواب أحياناً ,أو لعدم معرفتهم بخطورة البدع أحياناً أخرى ,بل هذا الكلام فى حقيقته إنما هو من التولى عن القيام بواجبات الدين من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, فإن عجزوا عن النصيحة للمخطئين فعليهم على الأقل أن يسكتوا عمن يرد على المخالفين ,قال أبو على الدقاق :(الساكت عن الحق شيطان أخرس والمتكلم بالباطل شيطان ناطق).
ونقول لهؤلاء :هل سكت أهل الباطل عن نشر باطلهم؟حتى نسكت نحن عن نشر الحق ودفع هذا الباطل ومحاربته؟ أم أننا نطالب بالسكوت عن الحق وأهل الباطل يستميتون فى الدفاع عن باطلهم ونصره بكل طريق؟!!
ولقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بافتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة واحدة وجماعة واحدة ,مع الإختلاف العقدى والاضراب المنهجى والتباين الشاسع بين هذه الفرق؟ أم أنها دعوة إلى وحدة الصف على حساب التوحيد؟ومتى نرد على المخالف؟هل نمتنع من الرد عليه إلا إذا كفر فقط؟ فإذا خرج من الملة رددنا عليه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!.
أم يريدون أن يكونوا على منهج اليهود والنصارى وقولهم: "دع ما لله لله, وما لقيصر لقيصر" , وكما وصفهم الله جل وعلا لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُون (الحشر: ١٤).نعوذ بالله من الخذلان.

وكثير منهم يهاجم المصلحين الذين يردون على المخالفين فيقول: هذا ليس وقت الرد, فالكفار يتربصون بالمسلمين.
فنقول: متى يعرف المخطئ خطأه؟ ومتى يرجع عنه؟ ومتى يتعلم الجاهل؟ولماذا يتكلم الجهال فى دين الله أصلاً؟ فهلا سكتوا حتى نسكت عن الرد عليهم؟ وفى الحديث :"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً,قيل: يارسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم "([8]),وفى رواية لمسلم: "إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نصر".
فالرد على أهل البدع وبيان ضلالهم فرض على الكفاية,فإذا قام به الناصحون من أهل العلم وجب على بقية المسلمين مناصرتهم,وشد أزرهم ضد أهل البدع.
هذا هو الواجب,أما اليوم فترى العكس !! يهاجم المصلحون دفاعاً عن أهل البدع والأهواء,ومناصرة لهم.
يقول شيخ الإسلام فى بيان عقوبة من ينصر أهل البدع أو يدافع عنهم ضد أهل السنة :" ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم, أو ذب عنهم, أو أثنى عليهم, أوعظم كتبهم ,أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم, أو كره الكلام فيهم ,أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو, أو من قال أنه صنف هذا الكتاب, وأمثال هذه المعاذير التى لايقولها إلا جاهل أو منافق, بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم, فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء وهم يسعون فى الأرض فساداً ويصدون عن سبيل الله".([9])


([1])
الفتاوى(28/232).

([2])
وهذا ما يريده من يدعون إلى التجميع وعدم الرد ,ويحاربون كتب الردود بحجة أنها تصدع الصف وتفرق المسلمين,ولا يلتفتون لحال أهل الكتاب الذين قال الله عز وجل فيهم:,فلو سكتنا عن الأخطاء لتحول الإسلام إلى دين آخر, ويأبى الله إلا حفظه فيقيض لذلك أهل العلم الذين ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

([3])
وهذا حال دعاة القطبية اليوم ,يظهرون بمظهر السنة وينشرون بين الناس التكفير للمسلمين كما يفعل دعاة الفضائيات ,فالفتنة بهم أشد وخطرهم أعظم!!.

([4])
الفتاوى(28/232).

([5])
وفى هذا الخبر رد على ضعفاء النفوس وقليلى العلم الذين تضيق صدورهم بالردود ؛ظناً منهم أن ذلك أقرب إلى الورع وصيانة لأعراض المسلمين.

([6])
حلية الأولياء 2/335.

([7])
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي 1/178.

([8])
البخارى 444.

([9])
عن مدارك النظر لـ عبد المالك رمضانى بتصرف.

وهذا من كتاب شيخنا حفظه الله محمد بن عبدالعليم آل ماض