السلطة السياسية والمؤسسة الدينية... عندما يستعمل الدين لتحقيق الأغراض الخاصة
15-02-2015, 06:41 AM

لطالما طالبت السلطات الحاكمة في العالم العربي، بإبعاد الدين والمؤسسة الدينية عن التجاذبات السياسية، لكن المتصفح للتاريخ يجد أن الحكام العرب قد استغلوا المؤسسات الدينية لتحقيق مأرب خاصة لهم، حتى ولو كان ذلك الحاكم ذا توجه علماني، لكن الضرورة والمصلحة خاصة جعلته يضع إديولوجياته وراء ظهره إلى حين تحقيق المصلحة.

وخلال الحراك في الشارع العربي خلال السنوات الأخيرة، شهد دور المؤسسات الدينية تزايدا، لكن لحساب السلطة الحاكمة، فشيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية وقفا خلف السيسي وهو يذيع للمصريين عزل مرسي، وفي سوريا وقف المرجعيات الدينية إلى جانب الأسد، وشهدت تونس سيطرة للسلطة الحاكمة على المؤسسة الدينية، ولم يختلف الأمر عنه في الجزائر.



محمد بن عبد الوهاب يَدين لآل سعود.. وشيوخ الأزهر يعيّنهم الزعماء

جامع الأزهر والسلفية لم يخالفا في تاريخيهما الملوك والرؤساء

تكفير من يخرج عن الحاكم، هي فتوى وهابية وأزهرية بامتياز، وسيكون من الخبل انتظار رأي لعالم أو مفت سعودي مخالف لمنهج العائلة الحاكمة والمالكة، وسيكون من العبث انتظار شيخ الأزهر الشريف ضد الحاكم، بمجرد أن نعرف تاريخ الوهابية ونعرف من يعيّن شيوخ الأزهر الشريف.

وفي عزّ وجود الرئيس المغتال أنور السادات الذي ربط مصر بعلاقات مع الكيان الصهيوني، كان شيوخ الأزهر يكفّرون معمر القذافي وحافظ الأسد، ويسمّون رئيسهم بالمؤمن، وفي عز فتح المملكة العربية السعودية أراضيها للقوات الأمريكية لتدمير معالم الحضارة العباسية في العراق، ظل شيوخ السلفية يدعون للجهاد في البوسنة والهرسك والشيشان وإريتريا، ويكفرون صدام حسين وجيرانه، ويسمون ملك العربية السعودية بصاحب الجلالة، وفي الربيع العربي وقفت هذه المؤسسات مع الدولة مظلومة أو ظالمة، وتلقت جميعها النقد الشديد من الكثير من العلماء ورضت بالفتنة الكبرى على أن توجه انتقادا واحدا، وسيكون من المؤسف أن تمر قرابة ثلاثة قرون عن انطلاق الحركة الوهابية، التي رأت النور في عام 1740 ولم نسمع في التاريخ انتقادا ولو عابرا، من شيخ وهابي أو سلفي من عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ. وعاصر الأزهر حكام مصر من خديويات وملوك ورؤساء، فكان إما صامتا أو ناطقا رسميا باسمهم، يهادن الإنجليز والملوك، ويدعو لجهاد الصهاينة في عهد جمال عبد الناصر، ويفتي بالسلم مع اليهود في عهد أنور السادات، ويقذف الإخوان بالإرهاب في زمن عبد الفتاح السيسي.



الجهاد في أفغانستان وليس في فلسطين...والطيب مع ثلاثة رؤساء

يقدّم الدكتور أحمد الطيب نموذجا لشيخ الأزهر الذي يُشرّق أينما يشرّق الحاكم، فقد عاصر منذ توليه رئاسة الأزهر عام 2010 ثلاثة رؤساء متناقضين، ولم يقدم لأي منهم أي انتقاد، فبمجرد أن ضعفت شوكة الرئيس حسني مبارك، حتى انضم للمنقلبين عليه، وثمّن وصول الإخوان إلى الحكم، حتى قيل بأنه إخواني أخفى أفكاره لعدة سنوات، ثم ظهر بصورة مغايرة منذ أن تولى عبد الفتاح السيسي الحكم، وصار ناطقا باسم السلطة الحالية، إلى درجة أنه يتعاون مع كل الوزراء من دون استثناء. ولا يختلف أحمد الطيب عن سالفيه، فالتاريخ يشهد على أن المرحومين مصطفى عبد الرازق ومحمد مأمون الشناوي وعبد المجيد البشري وإبراهيم حمروش كانوا شيوخا للأزهر على الطريقة الكنائسية، التي لا علاقة لها بالسياسة نهائيا، وتعايش الأزهر مع الحكم الاشتراكي ولم ينتقد حتى الشيوعية، عندما قاد الزعيم عبد الناصر مصر على مدار قرابة 18 سنة، خاض فيها حربين خسرهما في العدوان الثلاثي عام 1956 ونكسة 1967 حيث كان محمد الخضر حسين ومحمود شلتوت ومحمد الفحام، ناصريين، لا يناظرون سوى للناصرية والقومية، ثم جاءت الطامة الكبرى في عهد أنور السادات عندما وضع يده في يد ميناحيم بيغن، وزار القدس وباع فلسطين، ووجد إلى جانبه شيوخ الأزهر وعلى رأسهم عبد الحليم محمود والدكتور عبد الرحمان بيصار، كما وجد حسني مبارك في جاد الحق ومحمد سيد طنطاوي وأحمد الطيب أشبه بالوزراء في حكومته.

والأزهر الذي لم تجمعه علاقات حسنة مع الحوزات الشيعية ومع الإخوان ومختلف الحركات الإسلامية بقي على الدوام توأما للوهابية، ليس في التوجّه وإنما في المصالح، حيث انتقد الجميع إلا الوهابية، التي كان قدرها أنها ولدت كتوأم للسعودية، لأن محمد بن عبد الوهاب، بدأ دعوته للسلفية الحقيقية تحت غطاء محمد بن سعود، فكان الأول إماما وداعية، وكان الثاني أميرا للمسلمين، وكما ورّث بن سعود الحكم لأبنائه، ورّثهم أيضا محمد بن عبد الوهاب، وتعترف العائلة المالكة بالغطاء الديني الوهابي والسلفي الذي سايرها على مدار قرون، وتعترف الوهابية والسلفية بالغطاء السياسي والمالي، الذي وفرته لهما العائلة المالكة، فظل الشأن الخارجي هو شغل العلماء والدعاة والمفتين في المملكة العربية السعودية، فحرّمت إنجلترا وأمريكا وغيرهما من البلاد دخول أراضيها على الكثير من العلماء من مختلف التيارات، ولم يطل المنع أبدا علماء المملكة العربية السعودية الذين اهتموا بالدعوة للحروب التي تباركها أمريكا في أفغانستان وفي غيرها.



جمعية العلماء والزوايا كانتا تحت المظلة الفرنسية

حماني ونايت بلقاسم وشيبان لم يتصادموا أبدا ببومدين والشاذلي

للذي يقرأ كل أعداد الشهاب التي أشرف عليها الشيخ عبد الحميد بن باديس، لن يجد جملة واحدة تدل على معارضة الصحيفة أو جمعية العلماء المسلمين للسلطة الاستعمارية، بل إن رحلات الشيخ بن باديس إلى مختلف المدن والدواوير الجزائرية، كانت من أجل تبييض صورة الحكومة الفرنسية، هذا الكلام المدوّن في صحيفة الشهاب، حوّلناه للدكتور عبد العزيز فيلالي وهو مؤرخ ورئيس مؤسسة الشيخ بن باديس، فاعتبره سياسة ضرورية، انتهجها الشيخ حتى يُكمل رسالته التعليمية، ويكفي القول بأن ترخيص إنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائرين، كان بتأشيرة من السلطة الفرنسية، وكل الصحف التي أسّسها أو شارك في تأسيسها الشيخ بن باديس كانت بترخيص من فرنسا، لأجل ذلك تعذر على الشيخ التصادم مع الفرنسيين فاهتم بالعلم والتربية، وترك العمل بالسياسة في نشاطه الجمعوي وعمله الإعلامي، وسيكون من الخطأ لو اعتبرنا الزوايا في غالبها بعيدة عن المظلة الفرنسية.

ولكن الدور الذي قامت به جمعية العلماء المسلمين، بمدارسها هي التي حافظت على اللغة العربية وطهّرت الإسلام من الطرقية، ونقلت الفرد الجزائري إلى مستوى تعليمي، لا يقل عن الفرنسي، ومكنته من التنقل للتعلم في تونس ومصر، بينما استعملت فرنسا الزوايا في إطفاء بعض الثورات كما استعانت بالشيخ بن باديس عام 1934 في إطفاء معركة قسنطينة بين الأهالي واليهود، حيث كتب الشيخ عن الدور الذي لعبه بالتعاون مع حكام المدينة لتهدئة الأوضاع.

وبعد الاستقلال وفي غياب مفتي للديار الجزائرية، والدور اللا سياسي وغير المستقل للجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر، ظلت كل الهيئات مثل بقية الوزارات، تؤدي دورا في تبييض صورة السلطة، وشرح رسالة النظام فقط، بما في ذلك المجلس الإسلامي الأعلى الذي تأسّس عام 1972 بأمر من الرئيس الراحل هواري بومدين، بالرغم من أن هذا المجلس ضمّ قامات لا مثيل لها، ومنها نايت بلقاسم الذي خلفه الشيخ أحمد حماني إلى غاية 1988 في زمن الشاذلي بن جديد، كما ضم هذا المجلس من أعضائه المرحوم عبد الرحمان شيبان، وسار الجميع على ما خطّه بومدين، في جعل هذا المجلس كمستشار تقني لوزارة الشؤون الدينية، يهتم بالدعوة والفتوى في المساجد، والمشاركة في الملتقيات الفكرية خارج الوطن.

ولم نقرأ في السيرة الذاتية ولم نسمع عن أي خلاف أو نقد حاد تلقاه هواري بومدين أو الشاذلي بن جديد من هذا الثلاثي الذي يعتبر من أكبر مفكري الجزائر بعد الاستقلال، من الذين ساهموا في بعث واستمرار ملتقيات الفكر الإسلامي التي جمعت كل فطاحلة الدين الإسلامي من أمثال محمد عمارة والقرضاوي والغزالي والبوطي، وعندما نعلم بأن كلمة افتتاح ملتقيات الفكر كان يكتبها هواري بومدين نفهم بأن فسحة المناورة معدومة؟



مستشار مفتي الديار المصرية إبراهيم نجم لـ"الشروق"

"وقوف شيخ الأزهر إلى جانب السيسي في عزل مرسي كان استجابة للإرادة الشعبية"

يؤكد المستشار الإعلامي لمفتي الديار المصرية، الدكتور ابراهيم نجم، أن لا وصاية للسلطة السياسية على مؤسسة الإفتاء المصرية، ويرفض وجود مسافة بين المؤسسة السياسية والدينية.

يدافع إبراهيم نجم، عن استقلالية مؤسسة الإفتاء التي يتولاها الشيخ إبراهيم علام، عن قيود ونزوات وأهواء السلطة السياسية الحاكمة، ويقول للشروق "من واقع عملي-كان مستشارا كذلك للمفتي السابق علي جمعة-لا توجد تدخلات ولم نتلق تعليمات من أي جهة كانت، نحن في مؤسسة الإفتاء نتمتع باستقلالية تامة"، ويتابع مدافعا عن استقلالية قرار ومواقف مؤسسة الإفتاء المصرية "في مؤسسة الإفتاء لا إملاءات أو تدخلات أو توجيهات من أي جهة كانت".

وعن تفسيره لمسايرة شيخ الأزهر أحمد الطيب عزل الرئيس محمد مرسي من قبل الجيش، قال نجم "وقوف شيخ الأزهر وراء عبد الفتاح السيسي عندما تلا البيان-بيان عزل مرسي-، لم يكن أبدا غطاء أو ذريعة، ولكن ما حصل أن مؤسسة الأزهر كغيرها من المؤسسات وقفت مع الإرادة الشعبية للمصريين".

وعن المسافة الواجب أن تكون بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية، يذكر محدثنا "لا توجد مسافة بين الجهتين، أعتقد أن السلطة الدينية يجب أن تكون مستقلة حتى لا يٌؤثر على قراراتها... يجب أن تكون في استقلالية تامة وبعيدة عن التأثيرات الخارجية".



مطران الأقباط الكاثوليك بالجيزة الأنبا أنطونيوس عزيز لـ"الشروق":

"لسنا أداة في يد السلطة وقراراتنا تتخذ بإرادتنا"

يفرق مطران الأقباط الكاثوليك بالجيزة الأنبا أنطونيوس عزيز، وصاية السلطة السياسية في مصر على المؤسسة الكنسية، في مسألتين الأولى متعلقة بالنظام العام للبلد والقوانين، والأمر الثاني المتعلق بالشأن الداخلي للكنيسة، فالأول تتقيد به المؤسسة الكنسية والثاني حرة فيه.

ويشرح المسؤول في الكنسية الكاثوليكية المصرية، في حديث للشروق، واقع خضوع الكنيسة للسلطة السياسية بالقول "نحن نخضع كأي مؤسسة أخرى في البلد للقوانين المنظمة، فبناء كنيسة أو القيام بنشاط خارج مقرات الكنيسة يتطلب الحصول على التراخيص اللازمة، لكن لا يوجد خضوع للسلطة السياسية في قراراتنا كما هو الحال في اختيار الكهنة، هذا الأمر من اختصاصات الكنيسة فقط".

وإسقاطا على مسايرة الكنيسة للانقلاب الذي تم من قبل العسكر في حق محمد مرسي، كدليل على خضوع الكنيسة للقرارات المتأتية من المؤسسات النافذة في البلد، ينفي الأنبا انطونيس التهمة عن الكنيسة ويقول "نحن من منحنا التفويض للمؤسسة العسكرية، كغيرنا من أطياف المجتمع المصري... لولا الإرادة الشعبية لما تحركت المؤسسة العسكرية، ولما وجدت السند من الكنيسة... خيارات الكنيسة كانت من خيارات الشعب لأنها تحب الناس وتحب نبض الشعب"، وعن تبنيهم للمواقف الصادرة من السلطة الحاكمة، كتبني موقف أن الإخوان تنظيم إرهابي، أفاد محدثنا "لم نكن لننتظر القرار القضائي بتنصيف الإخوان جماعة إرهابية حتى نقول إنهم إرهابيون، لقد ثبت للجميع أن نهج الجماعة تلك نهج إرهابي".

وعن تفسيره لتودد أطراف سياسية على الكنيسة في المواعيد الانتخابية، أرجع ذلك إلى اعتقاد السياسيين أن الكنيسة تؤثر في اختيارات الناخبين وسجل "يعتقدون أننا نؤثر ونجند لصلاحهم وهذا غير صحيح، نحن نفتح لهم الكنائس ونقول للسياسي والمرشح خاطب المصريين".



أمين عام نقابة الإطارات الدينية في تونس فاضل عاشور لـ"الشروق":

"المساجد في عهد بن علي كانت تسير من الداخلية والغنوشي وظف 1000 نهضاوي دون مؤهل"

أحصى أمين عام نقابة الإطارات الدينية في تونس، فاضل عاشور، عديد الحالات لاستغلال السلطة السياسية قبل وبعد الثورة، للمؤسسات الدينية من أجل تحقيق أهدافها، حتى لو كانوا في العلن من المطالبين بإبعاد الدين عن الاستغلال السياسي.

يؤكد فاضل عاشور أن السلطة السياسية في تونس قد استثمرت واستغلت المؤسسة الدينية أيما استغلال بل استولت عليها كلية، ويقول للشروق"السلطة السياسية هي المشرف على المساجد وعلى وزارة الشؤون الدينية ودار الإفتاء والمجلس الإسلامي الأعلى.. هذا أمر خاطئ وغير مقبول، لقد تم تشويه المؤسسة الدينية بأفعال السلطة السياسية"، ومن الأمور غير المنطقية التي أشار إليها محدثنا التناقض التام في خطاب السلطة عن الدين والمؤسس الدينية فهي تنكر استغلال الدين من خصومها، لكن تسارع إلى استغلاله.

وقدم المعني ثلاثة مشاهد لسيطرة السلطة السياسية على المؤسسة الدينية، أوله في وقت زين العابدين بن علي، وذكر "في عهد بن علي كانت السيطرة التامة على المؤسسة الدينية، حتى أن المساجد كانت تحت إشراف ومراقبة وزارة الداخلية، ثم تواصل الأمر حتى مع وزارة الشؤون الدينية لان المساجد بقيت تحت مراقبة الوالي والمعتمد - ما يقابله رئيس الدائرة في الجزائر - لقد كانوا رقباء على كل مسجد فالتعيينات كانت تتم من قبلهم".

ويقدم عاشور صورة أخرى لواقع المؤسسة الدينية لتونس بعد الثورة، حيث تمت مهاجمة الأئمة لابتعادها عن قبضة الداخلية، لصالح من سماهم وعاظ محليين لا علاقة لهم بالخطاب المسجدي، ويتابع محدثنا "بعد تولي النهضة الحكم استولت على المساجد ووظفت 1000 إمام من الحركة على أساس الانتماء الحزبي لا على أساس الكفاءة".

وعن حاكم قرطاج الجديد، يقول عاشور، إن السبسي ورغم إيديولوجياته العلمانية، لكنه وسعيا منه للوصول إلى الرئاسة حاول استرضاء جامع الزيتونة وخاض معركة مع شيخه حسين العبيدي، وصل به الأمر إلى زيارة المقامات بحثا عن البركة، ولم يكن السبسي وحده من زار المقامات والأضرحة، وعلق محدثنا "الضرورة الانتخابية جعلتهم يتخلون عن إيديولوجياتهم العلمانية".

ناصر/ عبد السلام سكية