المشترك الأسمى والأديان السماوية
27-08-2017, 07:50 AM


إنَّ المشترك الأسمى بين المشتركات الإنسانية وهو "العقيدة" كما بيَّنَّا من خلال نظريَّة "المشترك الإنساني"، هو أقوى وأسمى ما يشترك فيه البشر جميعًا، ويتجلى ذلك في أصحاب الديانات السماوية، والديانات الوضعية، حتى اللادينيُّون أو الملاحدة، وعلى الرغم من أنَّنا في داخل هذه الأقسام نجد اختلافات مُؤَثِّرَة ومحوريَّة، فإنَّ التصوُّر العامَّ يجمع بينها.

الأديان السماويَّة:

تتَّفق الأديان السماوية في مجموعةٍ من السمات من أبرزها: الإله، الخَلق، الوحي إلى الأنبياء والرسل، البعث، العبادات، القصص، الدعوة إلى الأخلاق والقيم.

الإلـه:

في شأن دعوة الأنبياء -المتقدِّمين على موسى عليه السلام- إلى التوحيد تضمَّنت التوراة حكاية ما كانوا عليه من التوحيد والدعاء إليه ونفي الشرك، فإنَّها قد حكت ما وقع منهم من عند أبينا آدم عليه السلام، ومَنْ بعده من الأنبياء نوح وإبراهيم ولوط وإسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف إلى عند قيام موسى سلام الله عليهم أجمعين[1].

ففي القرآن الكريم: )اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ... ( [آل عمران: 2-7].

وجاء في العهد القديم: "أنا الرَّبُّ إلهك الَّذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبوديَّة، لا يكن لك آلهةٌ أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورةً ما ممَّا في السَّماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهنَّ ولا تعبدهنَّ؛ لأنِّي أنا الرَّبَّ إلهك إلهٌ غيورٌ، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ"[2].

وفي العهد الجديد، من إنجيل مرقس: "فجاء واحدٌ من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلمَّا رأى أنَّه أجابهم حَسَنًا، سأله: أيَّة وصيَّةٍ هي أوَّل الكلِّ؟ فأجابه يسوع: إنَّ أوَّل كلِّ الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل؛ الرَّبُّ إلهنا ربٌّ واحدٌ. وتحبُّ الرَّبَّ إلهك من كلِّ قلبك، ومن كلِّ نفسك، ومن كلِّ فكرك، ومن كلِّ قدرتك. هذه هي الوصيَّة الأولى"[3].

وفي موضوع الإله نكاد نلمح عبارات متطابقة في الكتب المقدَّسة للأديان السماويَّة؛ فالآية القرآنيَّة تقول: )لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ( [الشورى: 11]، هي ذاتها الواردة في سفر التثنية: "لَيْسَ مِثْلَ اللهِ"[4]. والآية القرآنية )لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ( [الأنعام: 103]، هي ذاتها الواردة في إنجيل يوحنا: "اللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ"[5].
الوحي إلى الأنبياء والرسل:

واجتمعت الأديان السماويَّة في أمر الوحي إلى الأنبياء والرسل، فاتَّفقت على أنَّ الله تعالى أنزل تعاليمه إلى الأرض عبر مَلَك الوحي، الذي ينزل من عند الله تعالى على أُناس قد اختارهم الله تعالى؛ ليحملوا أمانة التبيلغ وأداء الرسالة إلى الناس؛ لإخراجهم من ضلالاتهم إلى طريق الله تعالى.

فجاء في الرسالة إلى العبرانيِّين: "بالإيمان نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إليه عن أمور لم تُرَ بعد خافَ، فبنى فُلكًا لخلاص بيته، فبه دان العالم، وصار وارثًا للبرِّ الذي حَسَبَ الإيمان. بالإيمان إبراهيم لَمَّا دُعِيَ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا، أن يأخذه ميراثًا، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي"[6].

ويحكي سفر حبقوق في ثلاثة إصحاحات عن "الوحي الذي رآه حبقوق النبي"[7].

ويقول القرآن الكريم عن حقيقة الوحي: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا( [النساء: 163، 164].

بل كان الاتفاق قائمًا -أيضًا- في اسم الْمَلَك الموكل بالوحي، وهو جبريل عليه السلام؛ جاء في إنجيل لوقا: "فأجاب الملاك وقال له: أنا جبرائيل الواقف قُدَّام الله، وأُرسلت لأُكَلِّمك وأُبَشِّرك بهذا"[8]. وفي سفر دانيال: "وَسَمِعْتُ صَوْتَ إِنْسَانٍ بَيْنَ أُولَايَ، فَنَادَى وَقَالَ: يَا جِبْرَائِيلُ فَهِّمْ هَذَا الرَّجُلَ الرُّؤْيَا"[9].

وفي القرآن الكريم )قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ( [البقرة: 97].

البعث:

واتَّفقت الأديان السماويَّة على إثبات الدار الآخرة، ووجود الجنَّة والنار، والمعاد والقبر والحساب، وأنَّ الله تعالى أعدَّ للمحسنين جنات أبديَّة، وأعدَّ للعاصين نارًا أبديَّة كذلك، وهو ما أَكَّدَتْهُ نصوص التوراة والإنجيل والقرآن[10].

ففي القرآن الكريم: )إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا * نَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا( [النبأ: 17-36].

وفي إنجيل متى: "وأمَّا أنا فأقول لكم: إنَّ كلَّ مَنْ يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم، ومَنْ قال لأخيه: رَقَا. يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق. يكون مستوجبَ نارِ جهنَّم"[11]. وفي إنجيل مرقس: "وإن أعثرتك يدك فاقطعها. خيرٌ لك أن تدخل الحياة أقطعَ من أن تكون لك يدان وتمضي إلى جهنَّم، إلى النَّار التي لا تُطفأ. حيث دُودُهُمْ لا يموت والنار لا تُطفأ"[12]. وفي إنجيل يوحنا:" الحقَّ الحقَّ أقول لكم: إنَّ مَنْ يسمع كلامي ويُؤمن بالذي أرسلني فله حياةٌ أبديَّةٌ، ولا يأتي إلى دينونةٍ، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة.. فَيَخْرُجُ الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السَّيِّئات إلى قيامة الدَّينونة"[13].

وفي سفر التكوين في العهد القديم: "غرس الرَّبُّ الإله جنَّةً في عدنٍ شرقًا.. وأنبت الرَّبُّ الإله من الأرض كلَّ شجرةٍ شهيَّةٍ للنَّظر وجيِّدةٍ للأكل، وشجرةَ الحياة في وَسَط الجنَّة، وشجرةَ معرفة الخير والشَّرِّ"[14]. وفي سفر دانيال: "وكثيرون من الرَّاقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبديَّة، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبديِّ"[15].

العبادات:

والعبادات مجالها رحب، ولا يخلُ دين من وجود مناسك وشعائر يُؤَدِّيها أتباعه، غير أنَّ التشابه في العبادات بين الديانات السماوية الثلاثة من الوضوح بمكان:

الصلاة:

تتَّفق أصول الديانات على أداء الصلاة الواجبة لله تعالى، وتتشابه في كثيرٍ من العناصر؛ منها: السجود، وصلاة الجماعة، ولفظ "آمين" بمعنى اللهمَّ استجب، وهدفها واحدٌ وهو الخضوع والتذلُّل والحاجة للقدرة الإلهيَّة[16]، وقد ورد في التوراة "كان لمـَّا انتهى سليمان من الصلاة إلى الربِّ بكلِّ هذه الصلاة والتضرُّع أنَّه نهض من أمام مذبح الربِّ من الجثو على ركبتيه، ويداه مبسوطتان نحو السماء"[17]. كما ورد في الإنجيل: "وكلُّ ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه"[18]. ونقرأ كذلك في القرآن الكريم: )وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ( [الأنعام: 72].

الزكاة:

وهي ملزمةٌ في سائر الأديان والشرائع؛ ففي اليهوديَّة: "إذا حصدت حصيدك في حقلك ونسيت حزمة في الحقل فلا ترجع لتأخذها، للغريب واليتيم والأرملة تكون؛ لكي يُباركك الربُّ إلهك في كلِّ عمل يديك"[19]. وأيضًا: "وعندما تحصدون حصيد أرضكم لا تُكمل زوايا حقلك في الحصاد، ولقاط حصيدك لا تلتقط، وكرمك لا تعلله، ونثار كرمك لا تلتقط؛ للمسكين والغريب تتركه، أنا الربُّ إلهكم"[20]. وفي الإنجيل: "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قُدَّام الناس لكي ينظروكم، وإلَّا فليس لكم أجرٌ عند أبيكم الذي في السموات، فمتى صَنَعْتَ صدقة فلا تُصَوِّت قدَّامك بالبوق كما يفعل المراءون في المجامع وفي الأزقَّة؛ لكي يُمَجَّدوا من النَّاس. الحقَّ أقول لكم: إنَّهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صنعتَ صدقةً فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك، لكي تكون صدقتك في الخفاء؛ فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يُجازيك علانيةً"[21]. وجاء في القرآن الكريم ما يُثبت أن الزكاة كانت من الأمور المفروضة على بني إسرائيل من قبلنا: )وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا( [المائدة: 12]، وجاء فيه فرض الزكاة على المسلمين في قوله تعالى: )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا( [التوبة: 103].

الصوم:

جاء في التوراة: "وناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكي نتذلَّل أمام إلهنا؛ لنطلب منه طريقًا مستقيمةً لنا ولأطفالنا ولكلِّ ما لنا"[22]. ومثل ذلك في الإنجيل حينما سُئل المسيح: "حينئذٍ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين: لماذا نصوم نحن وَالْفَرِّيسِيُّونَ كثيرًا، وأمَّا تلاميذك فلا يصومون؟ فقال لهم يسوع: هل يستطيع بنو الْعُرْسِ أن يَنُوحُوا ما دام العريس معهم، ولكن ستأتي أيَّام حين يُرْفَعُ العريسُ عنهم فحينئذٍ يصومون"[23]. وفي القرآن الكريم إثباتٌ لحقيقة وجود الصيام فيمن قبلنا من الأمم، وفرضه علينا في قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( [البقرة: 183].

الدعاء:

في الكتب السماوية الثلاثة كثرت الابتهالات والأدعية، وفيها القَدْر ذاته من تقديس الإله الحقِّ واللجوء وإليه والاستعانة به، ويُعَدُّ من المصائب النازلة بالعباد ألَّا يستجيب الربُّ لدعائهم، ولا يستمع إليه، من ذلك ما جاء في التوراة: "إذا بنى الربُّ صهيون يرى بمجده. التفت إلى صلاة المضطر ولم يرذل دعاءهم"[24]. وورد في سفر آرميا: "وأنت فلا تُصَلِّ لأجل هذا الشعب، ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة، ولا تُلِحَّ عليَّ لأنِّي لا أسمعك. أَمَا ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا، وفي شوارع أورشليم"[25]. وجاء في الإنجيل: "لا تهتمُّوا بشيء، بل في كلِّ شيءٍ بالصلاة والدعاء مع الشكر، لِتُعْلَمْ طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع"[26]. وممَّا جاء في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى: )قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ( [غافر: 60]، وقوله سبحانه وتعالى: )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ( [البقرة: 186].

وعلى هذا المنوال تتشابه الكثير من الأصول التعبديَّة بين الأديان السماويَّة الثلاثة، وهذا ما يجعل ما بينها أقرب ممَّا بين أحدها وغيرها من الديانات؛ لذا سمَّاهم القرآن الكريم تسميةً محبَّبة، فقال عنهم: )أَهْلَ الْكِتَابِ(، وخَاطَبَهم بهذه الصفة[27].

القصص:

ومن الأشياء المميزة كذلك في الأديان السماوية الثلاثة ذلك التشابه الذي يصل كثيرًا إلى حدِّ التطابق في القصص، لا سيَّما قصص الأنبياء، والأنبياء هم الأشخاص أنفسهم في الأديان السماوية الثلاثة، إذا تجاوزنا الخلاف القائم على المسيح عليه السلام لدى اليهود، وعلى محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لدى اليهود والمسيحيِّين، كما أنَّ القرآن ذَكَرَ نَبِيَّين آخرين لا وجود لهما في الكتب القديمة؛ هما: هود وصالح عليهما السلام، وفي غير هذا تتَّفق الأديان في النبوَّات؛ فنوح وإبراهيم ولوط وموسى وداود وسليمان عليهم السلام هم شخصيَّات كبرى في كلِّ الأديان السماويَّة، وجوهر القصص المروي عنهم واحدٌ في الكتب الثلاثة: التوراة والإنجيل والقرآن.

ففي سفر التكوين عن نوح عليه السلام: "كان نوحٌ رجلًا بارًّا كاملًا في أجياله، وسار نوحٌ مع الله، وقال الرَّبُّ لنوحٍ: ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفُلك، لأنِّي إيَّاك رأيتُ بارًّا لديَّ في هذا الجيل"[28].

وفي القرآن الكريم قال سبحانه وتعالى: )فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ( [المؤمنون: 27]، وقال -أيضًا-: )سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( [الصافات: 79-81].

وفي سفر العدد عن موسى عليه السلام: "وأمَّا الرَّجل موسى فكان حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض"[29].

وفي القرآن الكريم )وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( [الصافات: 114-122].

وعن نبيِّ الله زكريا عليه السلام يحكي الإنجيل: "فظهر له ملاك الربِّ واقفًا عن يمين مذبح البخور، فلمَّا رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف، فقال له الملاك: لا تخفْ يا زكريا؛ لأنَّ طِلْبَتَكَ قد سُمعت، وامرأتك أَلِيصَابَات ستلد لك ابنًا وتُسمِّيه يُوحَنَّا. ويكون لك فرحٌ وابتهاجٌ وكثيرون سيفرحون بولادته؛ لأنَّه يكون عظيمًا أمام الربِّ وخمرًا ومسكرًا لا يَشْرَبُ، ومن بطن أمِّه يمتلئ من الروح القدس، وَيَرُدُّ كثيرين من بني إسرائيل إلى الربِّ إلههم، ويتقدَّم أمامه بروح إيليا وقُوَّته؛ لِيَرُدَّ قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاةَ إلى فكر الأبرار؛ لكي يُهَيِّئَ للرب شعبًا مستعدًّا. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا؛ لأنِّي أنا شيخٌ وامرأتي متقدِّمةٌ في أيَّامها؟ فأجاب الملاك، وقال له: أنا جبرائيل الواقف قدَّام الله، وأُرْسلتُ لأُكَلِّمك وأُبَشِّرك بهذا، وها أنت تكون صامتًا ولا تقدر أن تتكلَّم إلى اليوم الذي يكون فيه هذا؛ لأنَّك لم تُصَدِّقْ كلامي الذي سيتمُّ في وقته، وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجِّبين من إبطائه في الهيكل، فلما خرج لم يستطع أن يُكَلِّمهم ففهموا أنَّه قد رأى رؤيا في الهيكل، فكان يُومئ إليهم وبقي صامتًا"[30].

وعن هذا يقول القرآن الكريم: )ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا([مريم: 2-11].

وثمَّة مشهدٌ يُمكن أن نأخذه مثالًا على مدى التشابه، ذلك هو مشهد قصَّة نزول إبراهيم عليه السلام بزوجته سارة إلى أرض مصر: "وحدث جوعٌ في الأرض، فانحدر أبرام إلى مصر ليتغرَّب هناك؛ لأنَّ الجوع في الأرض كان شديدًا، وحدث لمـَّا قرب أن يدخل مصر أنَّه قال لساراي امرأته: إنِّي قد علمت أنَّك امرأةٌ حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصريُّون أنَّهم يقولون: هذه امرأته. فيقتلونني ويستبقونك. قولي: إنَّك أختي. ليكون لي خيرٌ بسببك وتحيا نفسي من أجلك. فحدث لمـَّا دخل أبرام إلى مصر أنَّ المصريين رأوا المرأة أنَّها حسنةٌ جدًّا، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأُخذت المرأة إلى بيت فرعون، فصنع إلى أبرام خيرًا بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال. فضرب الربُّ فرعونَ وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة أبرام. فدعا فرعون أبرام وقال: ما هذا الذي صنعت بي؟ لماذا لم تخبرني أنَّها امرأتك؟ لماذا قلتَ: هي أختي. حتى أخذتها لي لتكون زوجتي. والآن هوذا امرأتك. خذها واذهب. فأوصى عليه فرعون رجالًا فشيَّعوه وامرأته وكل ما كان له"[31].

هذا المشهد يحكيه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي. فَأَتَى سَارَةَ، قَالَ: يَا سَارَةُ؛ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي؛ فَلاَ تُكَذِّبِينِي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ، فَأُخِذَ فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ. فَدَعَتِ اللَّهَ فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ، فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ. فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ، فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ. فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا، قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوِ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ. وَأَخْدَمَ هَاجَرَ"[32].

الدعوة إلى الأخلاق والقيم:

وهنا يبلغ التشابه بين الأديان حدًّا كبيرًا، وكثيرًا ما نجد في إرث هذه الأديان نصوصًا قد تصل إلى حدِّ أن تكون متطابقة، وسنضرب على هذا أمثلة سريعة:

حرصت الأديان على التآخي والتآزر فنقرأ -مثلًا- في رسالة بطرس: "قبل كلِّ شيءٍ لتكن محبَّتكم بعضكم لبعضٍ شديدة؛ لأنَّ المحبَّة تستر كثرة من الخطايا، كونوا مضيفين بعضكم بعضًا بلا دمدمة"[33]. كما نقرأ في رسالة بولس إلى أهل روميَّة: "المحبَّة فلتكن بلا رياء، كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير، وأدين بعضكم بعضًا بالمحبَّة الأخويَّة. مقدِّمين بعضكم بعضًا في الكرامة"[34].

وهذا المعنى نفسه هو ما نجده في قوله تعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ( [الحجرات: 10]، و)حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [الأنفال: 62، 63].

وحرصت الأديان -أيضًا- على العفاف والحشمة، فجاء في الشريعة اليهوديَّة في سفر التكوين قصَّة "تامار"، التي قعدت في بيت أبيها بعد طلاقها، ولمـَّا طال الزمان "خلعت عنها ثياب ترمُّلها وتغطَّت ببرقع وتلفَّفت"[35]. وجاء في سفر أشعيا: "وقال الرب: من أجل أنَّ بنات صهيون يتشامخن، ويمشين ممدودات الأعناق، وغامزات بعيونهن، وخاطرات في مشيهنَّ ويخشخشن بأرجلهنَّ. يصلع السيِّد هامَة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن"[36]. وتُوجد في الكيان الصهيوني اليوم قوانين تُسَمَّى قوانين الاحتشام، وتوضع على لافتات في شوارع الكيان الصهيوني، يمشي الرجال في ناحية والنساء في الناحية الأخرى[37].

وتدعو المسيحيَّة النساء إلى التزام الحشمة والفضيلة، فمِنْ أقوال بولس: "وأمَّا كلُّ امرأةٍ تصلِّي أو تتنبَّأ ورأسها غير مغطَّى، فتشين رأسها، لأنَّها والمحلوقة شيءٌ واحدٌ بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطَّى فَلْيُقَصَّ شعرها، وإن كان قبيحًا بالمرأة أن تقصَّ أو تحلق، فلتتغطَّ"[38]. كما حرَّمت المسيحيَّة -أيضًا- النظر إلى المرأة، وحظرت مخالطة الزناة، وجاء في الإنجيل أنَّ المسيح عليه السلام قال: "قد سمعتم أنَّه قيل للقدماء: لا تَزْنِ. وأمَّا أنا فأقول لكم: إنَّ كلَّ مَنْ ينظر إلى امرأةٍ ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه"[39].

وبهذا -أيضًا- جاء القرآن الكريم؛ فقال سبحانه وتعالى: )قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ( [النور: 30، 31]، وقال سبحانه وتعالى: )وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا( [الإسراء: 32].

وممَّا اتفقت عليه الأديان السماويَّة كذلك تحريم شرب الخمر؛ فقد جاء في سفر اللاويين: "وكلَّم الرَّبُّ هارون قائلًا: خمرًا ومسكرًا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا في أجيالكم، وللتَّمييز بين الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وبين النَّجس والطَّاهر، ولتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض الَّتي كلَّمهم الرَّبُّ بها بيد موسى"[40].

كما ورد في رسالة بولس إلى أهل غلاطية، وهو يُحَذِّرهم من معاصي الجسد والروح: "وأعمال الجسد ظاهرةٌ، الَّتي هي: زنًى، عهارةٌ، نجاسةٌ، دعارةٌ.. عبادة الأوثان، سحرٌ، عداوةٌ، خصامٌ، غَيْرَةٌ، سَخَطٌ، تَحَزُّبٌ شقاقٌ، بدعةٌ.. حسدٌ، قتلٌ، سكرٌ، بطرٌ، وأمثال هذه الَّتي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقتُ فَقُلْتُ -أيضًا: إنَّ الَّذين يفعلون مثل هذه لا يَرِثُونَ ملكوت الله"[41].

وفي القرآن وردت الآيات محذِّرة من الخمر، يقول الله سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ( [المائدة: 90، 91]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَايِعَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُسْقِيَهَا"[42].

وهذه الأمثلة السريعة قُصِد بها بيان مدى قوَّة الاتفاق والارتباط بين الديانات السماويَّة، وقد جاء هذا المعنى في القرآن الكريم، في قوله سبحانه وتعالى: )شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ( [الشورى: 13].

فهذا الذي اتَّفقت عليه الأديان السماويَّة وعظم على المشركين فلم يطيقوا حمله، وهؤلاء المشركون هم -في كتابنا هذا- أصحاب الديانات الوضعيَّة.

كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.

[1] الشوكاني: إرشاد الثقات إلى اتِّفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات 1/9.
[2] سفر الخروج 20/2-5.
[3] سفر مرقس 12/28-34.
[4] سفر التثنية 33/26.
[5] سفر يوحنا 1/18.
[6] الرسالة إلى العبرانيين 11/7، 8.
[7] سفر حبقوق 1/1.
[8] إنجيل لوقا 1/19.
[9] سفر دانيال 8/16.
[10] الشوكاني: إرشاد الثقات إلى اتِّفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات 1/10-24.
[11] إنجيل متى 5/22.
[12] إنجيل مرقس 9/43-44.
[13] إنجيل يوحنا 5/24، 29.
[14] سفر التكوين 2/8-9.
[15] سفر دانيال 12/2.
[16] للدكتورة هدى درويش كتاب في تفصيل هذا الأمر عنوانه: "الصلاة في الشرائع القديمة والرسالات السماوية" صادر عن دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة 2006م.
[17] سفر الملوك الأول 8/54.
[18] إنجيل متَّى 21/22.
[19] سفر التثنية 24/19.
[20] سفر اللاويين 19/9-11.
[21] إنجيل متى 6/1-4.
[22] سفر عزرا 8/21.
[23] إنجيل متى 9/14، 15.
[24] سفر المزامير 102/16، 17.
[25] سفر آرميا 7/16، 17.
[26] رسالة القديس بولس إلى أهل فيلبي 4/6، 7.
[27] سنتناول التشابه في الحجِّ عند الديانات في "السياحة" من فصل "المشتركات الإنسانيَّة الداعمة".
[28] سفر التكوين 6/9، 7/1.
[29] سفر العدد 12/3.
[30] إنجيل لوقا 1/11-22.
[31] سفر التكوين 12/10-20.
[32] البخاري: كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: )وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا( [النساء: 125]، (3179) عن أبي هريرة، ومسلم: كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام (2371).
[33] رسالة بطرس الأولى 4/8، 9.
[34] رسالة بولس إلى أهل رومية 12/9، 10.
[35] سفر التكوين 38/14.
[36] سفر أشعيا 3/16، 17.
[37] هدي درويش: تقارب الشعوب، ص54، 55.
[38] رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 11/5، 6.
[39] إنجيل متى 5/27، 28.
[40] سفر اللاويين 10/ 8-11.
[41] رسالة بولس إلى أهل غلاطية 5/16-21.
[42] الحاكم: كتاب البيوع (2234)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. وقال الذهبي: صحيح، وقد روي نحو هذا عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها أحاديث حسنة صحيحة، انظر: المستدرك حديث (2235)، وسنن ابن ماجه بتعليق الألباني، حديث (3381)، وسنن الترمذي بتعليق الألباني، حديث (1295).