تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الزهراء دحو
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 10-03-2018
  • المشاركات : 1
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • الزهراء دحو is on a distinguished road
الزهراء دحو
عضو جديد
تحديات السياسة الخارجية الجزائرية
29-03-2018, 05:47 PM
ان هذا البحث فحواه هو ]التكلم [/size]عن السياسة الخارجية الجزائرية ومواقف الديبلوماسية الجزائرية من القضايا العالقة في الاقليم
نتمنى ان تستفيدو[






































إلى من تفضَّل علينا بتولِّي مهمة الإشراف ، الأستاذ : ناجي محمد صلاح


إلى أستاذْ مقياس تقنيات البنوك : طهراوي


إلى السادة أعضاء اللجنة المناقشة :


إلى كلٌّ من أستاذ مقياس التاريخ ـ المحامي : بلعاليا منور وكذا المحامي الدّولي الأستاذ :جلول لحسن لزرق


إلى المحامية وأستاذة مقياس الإنجليزية : " سباح سهيلة " أقول لكِ سيِّدتي ، دموعكِ لؤلؤًا يتناثر أغلى من أن يقدَّر بثمن


إلى المشرف التطبيقي الأستاذ : بوعبيدة عبد الجبَّار







إلى الوالدين العزيزين ، وبدرجة أخص الوالدة : تيرس عائشة أمُّ المؤمنين


إلى روح الخال الكريم ، تغمَّده الله بواسع رحمته


إلى الإخوة دحو محمد ، مكيد بن عودة ، و دحو مريم


مع تقديري لهم للمجهود المبذول ، في سبيل إنجاز هذا العمل


إلى الزميلتين بلعجري إيمان ، وبن حبيب روميساء ، والسيّدة الفاضلة : رحلة فاطمة


مع عدم تجاهل أطفال العائِلَة : تيرس يحي عبد الرّحمان ، عليوي ملاك ، تيرس سمّية ، و عليوي عائشة أمُّ المؤمنين









الفصل الأوَّل: دور التحوُّلات الإقليمية والدُّولية في فرض تحديات السياسة الخارجية الجزائرية

المبحث الأوَّل: دور الدُّستور والقائد في صياغة السياسة الخارجية الجزائرية

المطلب الأوَّل: التأطير القانوني لصياغة السياسة الخارجية الجزائرية

المطلب الثاني: مهام مؤسّسة الرِئاسة في صياغة السياسة الخارجية الجزائرية ( إستراتيجية التحفيز الذاتي )

المبحث الثاني: دور التفاعلات السياسية ـ الإقليمية و العالمية ، في صنع تحدِّيات السياسة الخارجية الجزائرية

المطلب الأوَّل: المحدِّدات الإقليمية والعربية للسياسة الخارجية الجزائرية

المطلب الثاني: رهانات السياسة الخارجية الجزائرية في ظلِّ إرادة تموقع الدُّول الكبرى





الفصل الثاني: الإقتصاد الجزائري بين الثورات البنيوية وأيديولوجية التنمية

المبحث الأوَّل: تحدِّيات السياسة الجزائرية في إعادة هيكلة المنظومة الإقتصادية


المطلب الأوَّل: التحدِّي مصدر لِضعف العدوان الإقتصادي "إستراتيجية بومدين "


المطلب الثاني: مجهوداتالجزائرفي الحصول على السيادة الإقتصادية في إطار إستراتيجية التصلُّب


المبحث الثاني: مساعي الجزائر في تجسيد متغير الأمن الإقتصادي


المطلب الأوَّل: الإقتصاد الجزائري وتبنِّي إستراتيجية البدائل المطروحة


المطلب الثاني: دور الجزائر في تنسيق التنمية الإقتصادية






الفصل الثالث: إستراتيجيات السياسة الإستثمارية في الإقتصاد الجزائري

المبحث الأوَّل : منطلقات وتطلُّعات السياسة الإستثمارية في الجزائِر

*Euromed*المطلب الأوَّل : دور الجزائر في الشراكة الأورومتوسطية

المطلب الثاني : دور إستراتيجية التبنِّي في موازاة السياسة الخارجية الجزائرية للشرعية الدُّولية (مشروع الشراكة الجزائرية السعودية ـ و الأورومتوسطية

Adaptive strategy المبحث الثاني : دور الدبلوماسية الجزائِرِيَة في تجسيد إستراتيجية التبنِّي

المطلب الأوَّل: فعاليات السياسة الإستثمارية الجزائِرِية (المشروع الأمريكي للزِّراعة )

المطلب الثاني: دور الجزائِر في تفعيل إستراتيجية البدائِل المطروحة (مشروع إستغلال الطاقات المتجدِّدة)


الحوصلة :


الخاتمة :

الجانب التطبيقي :


من المُؤكد أنَّنا استطعنا تقديم موضوع تأمُّلي لِدارِسي القانون ، الإقتصاد ، والفقه ،كلٌّ على حِدى في الجزائِر. إنَّ غايتنا لا تزال مفرطة في الطُّموح ، ذلك أنَّ دراسة القوى العميقة ، تؤدِّي إلى طرق مسائل لا تبلُغُ حدًّا من الشساعة والتعمُّق ، بحيث تتعذَّر الإحاطة بها كلَّها ، ويُمثِّل الإحساس القومي جوهر الأسباب الذاتية في التطرُّق لِمعالجتها ، و ليس من شك في أن تستهدف هذه التجربة التأليفية للإعتِراضات ، وعلى هذا ارتأينا وجوب التعرُّض لهذه المجازفة ، والتي لا مفرَّ منها طالما قصرنا غايتنا على تقديم ، والتحقُق من الغاية الجمالية لِماضي ـــ حاضر، ومستقبل الجزائِر آميلين بلوغ غاية واحدة على الأقل ، وهي إفساح مكان للتسلُّح في دِراسة المُؤِثِّرات التاريخية والآفاق المستقبلية للجزائر، وهذا على غِرار مذكِّرة بولو الألماني ، والمعنونة في جزئِها 16 رقم 3900 بباريس 1931 بالسياسة الخارجية الألمانية ، ومرافعة الجنرال الأمريكي كولن باول في مذكِّراته التي كتبها مباشرةً بعد حرب الخليج الثانية قائِلًا : " ليس الأمر سيِّئًا كما نظُّنُ ، سيبدو أفضل في الصباح ، تمرّد على الواقع ، ثم عد غلى رُشدكْ ، لا تسمح للحقائق المخالفة بِأن تقف في طريق قرارِكْ ، تحقَّق من الأشياءْ الصغيرة ، كن ثاقب البصرِ متصلِّبًا ، لا تسمح لِنفسِكَ بالإختيارِ نيابةً عن غيرِكْ ، ولا تسمح للغير بالإختيارِ نيابةً عنكْ ، لا تدع مخاوفك مصدر إيحائكْ ولا تدع البراجة مصدرِ إلهامَكْ" ، وهو نموذج عَكَسَ صلابة وقُدْرةْ الدُّول الكبرى ، والتي عبَّرَ عَنها مسعود ضاهِرْ في مُؤَلَّفِهِ صِدامْ الحضاراتْ " ــ الإسلام والغرب ــ "بحيث جاءَ موازاةً مع كِتاب الإستِشراق المعتَمد في العمل ...



إبتدأنا موضوعنا بالتأطير القانوني للسياسة الخارجية الجزائرية ، والذي أضحى ظِّلًا عليه حتَّى آخر كلمة فيه ، من ذلك إنتهاج الجزائِر مبدأ عدم التَّدخُل المرتكِز على مبدأ مونرو 1823 والمُؤَسَّسْ بمادَّة تحريمية في نصوص ميثاق الأمم المُتَّحِدَة المادَّة 2 / 7 ، إلَّا ما كان في إطار واجب التعاون ، الأمر الذي ألحَّت عليه المادَّة 2 / 5 من ميثاق الأمم المتحِدَة بالنسبة للدُّول وذلك لتمكين المجتمع الدُّولي ، من تحقيق مقاصد السِّلم والأمن والترقية في جميع الميادين ، وما أُلحِقَ بالسيادة إلى تحقيق لمثلِ هذه الشؤون في حدود كلّ إقليم وتجاورِهِ مع أقاليم الغير...... الأمر الذي سار بنا نحومعالجة المحدِّدات الإقليمية والعالمية للسياسة الخارجية الجزائرية والتي تطرَّقنا فيها وبِنَوْعٍ من الإيجاز لِمُشْكِلة الصحراءْ الغربية ، كونها لا تعدو أنْ تكون مجرَّدْ تفعيل لِقواعِدْ اللُّعبة ، والتي تلعبُ فيها الجزائِر دورًا فاعِلًا ، الغرَضُ منه المحافظة على أمنِ إقليمها.... وقعَ إختيارنا على طرق باب الدَّور الفاعِل للجزائِر في أزمة مالي ، ونجاحها المحقَّق في هذا الشأن ، وذلك لِما تكتسيهِ هذِهِ الأزمة من بعد تاريخي وحضاري ، جعلت فيه مخطوطات محمّد ابنُ عبد الكريم المغيلي التّلمساني و أحمد بابا التومبوكتي ، القِوى العظمى تلعبُ دورَهَا في تفتيت المنطقة والقضاءْ على الحلم الذَّهـــبــي لأبو راس النَّاصِري االجزائِري ومخطوطاتِهِ ..وبالتالي الحِفاظ على الترابُط ، لِأفكار الموضوع بين اختيارنا لأزمة مالي كنموذج ، وكذا التطرُّق إليها من خِلال حوصلة الموضوع.... توسَّط البحث الجانب الإقتِصادي ، ذلك أنَّ منَ الإجراءَات القسرية ، والحروب المكسية والتَّحريم والمُقاطعات التي شهِدَها تاريخ إقتصاد الدُّول ما يجعل إستحالة فصل دور العامل الإقتصادي بحيث يتوَّجب السَّعي لتحديد ما إذا كان هذا الدَّوْرُ، راجِحًا أو تابِعًا، فهو حينًا يُحدِّد أو يُوَّجه الفعل السياسي وحينًا آخر يُستحدم كسِلاح لِهذا الفعل، فالأمر هو مُشاهدة أساسية للتفسير التاريخي لِأنَّها تطرح مسألة التفسير الإقتصادي، والتي ولو أمكن إثباتُها وبِكُلِّ تحقُقْ ، فيظلّْ مداها موضعْ نِقاشْ فقد لا يكون المسعى دائِمًا في القرار الحكومي، امَّا في الحالة التي تكون فيها المصالح الإقتصادية وسيلة لِبلُوغ أهداف سياسية، فإنَّ الآثار المكتوبة تصبح أكثر شيوعًا لأنَّ الحكومة لا ترى سببًا لِتمويه فعلِها ، ولأنَّ الفئات المعنية ترغبُ دائمًا في الإحتِفاظ بالبرهان على الخدمة التي قدَّمَتْهَا للدَّولة، فالعامل الإقتصادي لا يقوم على الإقرار لتحديدِهِ للفعل السياسي، ولاعلى إنكارِهِ له إنَّما هو متغيِّر براغماتي في التَّفسير التاريخي لسياسات الدُّوَل........... توَّجهنا ببحثِنا نحو البنك الخارجي الجزائِري ، لِتقصِّي مدى مركزية الدَّولة الجزائرية ، أمام التفسير الفوق قومي ، والَّذي يفتح المجال أمام غيرِها من الفواعِل التعدُّدية في تحديد موقِعها على السَّاحة الدُّولية ، ففي تباين المقاربات المتنافسة إقتصاديًا ، ما يُفعِّلُ دورها في تجسيد الحِوارات الكُبْرى في نظرية العلاقات الدُّولية في السياسة الدُّولية بِزَعامة "بول" و "فاسكي" (النظرية السلوكية) و أنصار الكونية المُرَكّز على تعدُدِية الفواعل في هذا المجال (صندوق النَّقد الدُّولي ومنظمة التِّجارة العالمية ) ، فهل في التكريس القانوني والدُّستوري للدَّولة الجزائِرية للحُرِّية الإقتصادية في القطاعين المالي والمصرِفي ، وتهميشِها للقطاع الخاص ، ما يحول دون ترتيب الأهداف في السياسة الخارِجية ؟ (الإزدهار الإقتصادي) وهل حقَّق مجلس النَّقد والقرض أهداف قانون الضبط الإقتِصادي في الجزائِر، وكذا تفعيل دورهُ في تمويل الإقتصاد عن طريق بورصة الجزائِر؟ الإجابة هي : لا للسؤالين ، والشرح هو ضمن المقترحات المُقَدَّمة ضمن خاتمة الجانب التطبيقي ، وما قاعِدة الإثراءْ بلا سبب ، وكذا فرض الضريبة على الدَّخل ، إلَّا إطار لإعادة النَّظر في قانون الصَّفقات العمومية الممنوحة للمستثمِرْ الأجنبي ، أمَّا على صعيد الإقتصاد النَّقدي فإلغاءْ القروض المستندية المُؤَكَّدة والغير قابلة للإلغاءْ، هو أهم خطوة في القضاءْ على التمويل التَّقليدي ، وذلك في إطار تطبيق الصيرفة الإسلامية....... وبهذا نكون قد أثبتنا إعتراف كينيث والتز من أنَّ الإقتصاد ، الثَّقافة والسِّياسة هي عناصر متضافرة ، وبالتَّالي إفتراض أنّه ليس هناك وضوح في التَّمييز بين نظام الدّولة وطبيعة سيادة الوحدات الَّتي يمكن أن تشكِّله ، والنتيجة هي بقاءْ العلاقة بينها وبين النِّظام في فكرِهِ (1) بحيث لا يمكن تجريد النِّظام الدُّولي من أيِّ مجال .


(1) kenneth n.waltz :explain war in international relations theory realism ;pluralism ;globalism ed by paulviotti § markv.kauppi (new york) : mac millan publishing company ; 1993 ) p . 123 – 40 .


أدَّت الأهمية البالغة للموقع الجيوستراتيجي للجزائِرْ إلى استقطاب* وجلب اهتمام غالبية الدُّول لاسيما المتقدِّمة منها ، وذلك في ظِلِّ هيمنة الكثير من المتغيرات العالمية على علاقات الجزائر بغيرِهَا من الدُّول ، محاولةً رسم خريطة طريق في الممارسة ، وذلك في إطار سياقها القانوني الإقتصادي ، الدبلوماسي والحضاري ، كركائِزْ لإقامة علاقات القوَّة الرَّاهنة ، ومن أجل الحفاظ على ما حصلت عليه من نعمة التَّحفُزْ الذاتي ، في مواجهة الإحتمالات التي يفرضها نظام العلاقات الدُّولية القائِم ، من خلال إرتِكازْها على أبعاد مُتَغَيِّرْ التقاربْ على الصعيد الإقليمي العربي و الدُّولي ، وكذا على ضعف الدُّول الصناعية المتمثِّل في احتياجها الدّائِم للمواد الأوّلية والطاقات التي تمتلكُها........ فما مدى تفاعُلْ السياسة الخارجية الجزائِرِية مع بيئتها الإقليمية والعالمية ؟ " وذلك على إعتبار أنَّ النِّظام الدّولي لا يزالُ يَاْخُذُ بالدَّولة القومية في المقام الأوَّل ، والَّتي هي وحدها صاحبة السِّيادة والصِّفات الإقليمية ، رُغْمَ منافسة بعضْ المؤسّسات لها ( صندوق النَّقد الدُّولي ) ، وبالتالي تأثُرها بشَكْلٍ مباشِرْ بتلك الإعتبارات التي يَاْخُذُ بها النِّظام الدُّولي "(1) وحتمية تفاعلها المستمر ومستجداته .....




* إستقطاب : مصطلح يُحدّد إشكالية الموضوع ، والذي هو بمثابة التأطير لكنه السياسة الخارجية للجزائِر بتبيان أهمِّية العامل الجغرافي، وذلك على غِرار أهمية العامل الإقتصادي، الدبلوماسي والحضاريفي التأثير على العلاقات الدُّولية ، ورسم الصراع الدّولي ، حول مناطق النُّفوذْ في العالم، في إطار ما يُعْرَفْ بسياسة الإستقطاب الدُّولي والتي قال عنها نابوليون بونابرت:" أنَّ سياسة الدُّول في جغرافيتها "....
(1) ثامر كامل الخزرجي : العلاقات السِّياسية الدُّولية وإستراتيجية إدارة الأزمات فقرة 01 صفحة 63 ـ الطّبعة الأولى ـ السّنة 11 / 01 / 2005





دور التحوُّلات الإقليمية والدُّولية في فرض تحدِّيات السياسة الخارجية الجزائِرية





دور الدّستور والقائد في صياغة السياسة الخارجية الجزائرية





التأطير القانوني للسياسة الخارجية الجزائرية




مهام مؤسّسة الرئاسة في صياغة السياسة الخارجية الجزائرية


مـــقــدِّمـــة الفــصــل الأوَّل : بناءًاعلى الأغراض التي يتوخَّاها القانون الدُّولي والتي يمكن إجمالها في تحديد إختصاصات الدّول في مواجهة بعضها البعض ، وتحديد الإلتزامات التي تقع على عاتق كلّْ دولة في ممارسة إختصاصاتها وتنظيم إختصاصات الهيئَات والمنظَّمات الدُّولية ، وكذلك حماية حقوق الأفراد ، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ آمال الكثيرين معقودة على تطوُّر القانون الدُّولي في البحث عن مجتمع دولي يسوده السِّلم والنِّظَام ، ولكن ضَيْقْ السَّاحة التي وظِّف فيها القانون الدُّوَلِي وقصوره وتغافل بعض القوى الدُّولية المهيمنة لحقوق الكثير من الشُّعوب ، وتشْديدِها على المصلحة الوطنية ، وغياب سلطة عالمية تُشَرِّعْ وتُنَفِّذْ القانون ، كلُّ هذا جعل من القانون الدُّولي وسيلة محدَّدة للوصول إلى عالم يتمتَّع بالسَّلام والإستقرار (1) ومع أنَّ القانون الدُّولي لا يسهم في تنظيم العالم بصورة مباشِرة وفاعلة ، عن طريق إرغام الدُّول على سلوكية السَّلام فإنَّه يُهيِّئْ الأرضية الفكرية التي عليها يمكن بناءْ صرح مثل هذا التَّنظيم بفضل التَّأثير في المواقف بِشأن طبيعة الواقعية السياسية الدُّولية (2) وليس أدَّل من تحوُّل مبدأ عدم التدَّخُل إلى قاعدة قانونية ذو القوَّة الإلزامية ، ومن منطلق التَّقيُد الصَّارم للجزائِرْ بقرارات الأمم المتَّحدة في إنتهاجها لهذا المبدَأ من جهة ، و قضية فلسطين التي بها بدأت تتحوّل الأمم المتّحدة برمَّتها من فاعل رئيسي إلى فاعل ثانوي والتي كان من أبرز قراراتها القرار رقم 242 القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي إحتلتها العام 1967 فانتهاج الجزائِرْ مبدأ عدم التَّدخل في القانون الدُّولي ، كان على خلفية قيمة مثل هذه قرارات وهذا على غرار إستعمالات حقّْ النَّقض فيها، كتحديد واضح لمسؤُولياتها في العلاقات الدّولية التفاعلية ، وذلك بعد أن غيَّرَت عدّةْ أحداث من قواعد النِّظام الدّولي القديم ، والتي تصدَّرتها ما سمّاها المفكِّر الفرنسي كلود للّوش بالصدمات الثلاثة الكبرى : تحطيم حائِط برلين 1989 ، حرب الخليج 1991 ، وإنهيار الإتّحاد السّوُفياتي 1991 ، بحيث وصفت رئِيسة الوزراءْ البريطانية السَّابقة مارغريت تاتشار هذه اللّحظة التّاريخية قائِلةً : " لقد إنتصرنا في الحرب الباردة " ( نهاية 1989 ) *وهذا إلى جانب الإلتزام المطلق للجزائِرْ بالقرارات الدّولية ، وتصرُّفها ضمن نطاق القانون الدّولي وفق اختصاصاتها المنوط بها وهو ما أكّد عليه قرار معهد القانون الدُّولي في لوزان سنة 1927 ، وعكسه كلٌّ من بروتوكول جنيف 1977 ولجنة القانون الدُّولي في المادَّة 10 من مشروع المسؤُولية الدّولية ، و إتفاقية هارفارد لتقنين مسؤُولية الدّولة في المادَّة 09




(1) ثامر كامل الخزرجي : مرجع سابق ـ ص 60 فقرة 02
(2) د ـــ كاظم هاشم نعمة : مرجع سابق ـ ص 11
* IBID : p 55 .

المطلب الأوَّل ــــ التأطير القانوني للسياسة الخارجية الجزائِرِية:
يمكن تقسيم الوظائف التي تُؤدّيها الدّولة من زوايا مختلفة ، منها على سبيل المثال وظائِف داخلية واُخْرى خارجية (1) فعلى المستوى الخارِجي نجد فيه عمل الدّولة ، على الدُّخول في علاقات مختلِفة ، مثل الإنضمام إلى المنظَّمات الدّولية وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدُّول ، والسَّعي إلى نشر ثقافتِها و أيديولوجياتها بالدُّخول في علاقات متنوعة لسدِّ حاجياتها المختلفة عن طريق الإستيراد والتَّصدير، وكذلك حماية رعاياها في الخارِج، ما كان يُسمّى في عهد الإستعمار بإقليم ما وراءَ البحارْ* كما هو الحال في أعالي البِحارْ والسَّفارات وحكومات المنفى ، إلى جانب دعم القضايا التي تُؤمِنُ بها (2) مثلما كان الحال بالنسبة لصياغة الدُّستور الجديد لضمان المجالس المنتخبة والتي كانت تقوية سلطات رئيس الجمهورية من أبرز النقاط البارزة فيه ، وحصرًا ومن ضمن المحطَّات التاريخية لمؤسّسات الرئاسة التي عملت على إعادة بناءْ المُؤَسَّسات الدُّستورية : " فقد كان إنتخاب السيّد ليامين زروال في نوفمبر 1995 والتغيُّرات الدستورية وإصدار قانون إنتخابي جديد ، كلُّها محطات مدعوة لإعادة الشرعية لمُؤَسَّسات الدَّولة " (3 ) و بتغذية العلاقة الوطيدة بين السياسة الداّخلية والخارِجية (4) بما في ذلك البناءْ الدُّستوري الجديد على المستوى الدَّاخلي والمستقاة من حرب التحرير ، إذْ ظلَّتْ السياستان تتبادلان الدَّعم " إذْ أنَّ السياسة الخارِجية للجزائِرْ هي إمتداد طبيعي للسياسة الدَّاخلية المُسطّرة من طرف ثورة نوفمبر، وعملت على الحفاظ على المصالح العليا للشعب الجزائِري ، وعلى هذه القاعدة تمَّ الإرتِكاز لضمان الأولوية المطلقة في السياسة الخارجية والمتمثلة في ضمان وتوطين الإستقلال الوطني (5) السياسي والإقتصادي







(1) خليل طعمة الجزائري : محاضرات في القانون الدُّستوري و المؤسّسات السياسية ، جامعة قسنطينة 1991 (غير مطبوعة )
(2) الأمين شرَيَطْ : الوجيز في القانون الدُّستوري والمُؤَسّسات السياسية المقارنة ـ الطبعة السابعة ـ ديوان المطبوعات الجامعية مارس 2011 ، ص 107 فقرة 01
(3) (4) (5) عبد الله بلحبيب : السياسة الخارجية الجزائرية في ظلّ الأزمة 1992 ـ 1997
Territtoire d‘ autre mer * إقليم ما وراءِ البحار:


المطلب الثاني ـ مهام مؤسّسة الرئاسة في صياغة السياسة الخارجية الجزائرية :
نصَّت المادّة 374 من دستور1989 على أنّ رئيس الجمهورية : " يقرر السياسة الخارجية للأمّة ويوجِّهها " وبذلك " فإنّه " يعيّن سفراءْ الجمهورية والمبعوثين فوق العادة إلى الخارج ، وينهي مهامهم ويتسلّم أوراق إعتماد الممثلين الدبلوماسيين الأجانب ، وأوراق إنهاءْ مهامهم (74/10 )" ويبرم المعاهدات الدّولية ويصادق عليها " المادّة (74/11) وإن كان المجلس الشعبي الوطني قد خوّله الدستور ، نوعًا من الرقابة بشأن المعاهدات و الإتفاقيات الدّولية بموجب المادّة 122 و 91 من الدستور التي تشترط لصحّتها موافقة المجلس عليها (1) وبعقد الإختصاص في المجال الخارجي لشؤون الدّولة لصياغة السلطة التنفيذية بمراقبة السلطة التشريعية ، هو أحد الأوجه التي عمل الدستور الجزائري على السيرعليها من أجل توحيد المجالات القانونية الخاصّة بكلّ دولة ، والملاحظ أنّ دستور 1989 في مجال المعاهدات أكثر دقّةً من دستور 1976 ، ويتجلّى ذلك من تحديد طبيعة المعاهدات ، التي تعرض على المجلس الشعبي للموافقة ، فهي المتعلّقة باتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم و التحالف والإتّحاد ، والمعاهدات المتعلّقة بحدود الدّولة ، وكذا قانون الأشخاص والمعاهدات التي تترتّب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدّولة " وذلك على خلاف المادّة 158 من دستور 1976 ذات الصبغة العامّة التي يصعب تحديدها (2) وذلك لغموض المعاهدات ذات الطابع السياسي ، ولصعوبة معرفتها التي تعدّل محتوى القانون فيعود تفسيرها بيد الجهة القابضة على السلطة المتمثّلة في رئيس الجمهورية ، الأمين العام للحزب الذي له أن يعرض ما يشاءْ من معاهدات على المجلس ، مضيفًا بذلك الصبغة السياسية عليها ، ويرفض ما يشاءْ باستثناءْ الهامّة مكيّفًا إيّاها بغير ذلك على الرغم من طبيعتها (3) " ذلك أن صياغة القرار هي عملية ملازمة لكلّ الأنظمة مع إختلاف توجهاتها وأيديولوجياتها ) * كما يفهم من هذا أنّ الشؤون الخارجية مجال محتكر من قبل الرئيس لا دخل لرئيس الحكومة فيه شأنه في ذلك شأن قيادة الدّفاع الوطني ، والسبب هو أنّ هذين المجالين نظرًا لضرورة استقرارهما وابتعادهما عن التأثيرات السياسية التي تعرفها مجالات أخرى ، إذْ ينبغي أن تستند قيادتها إلى جهة أكثر استقرارًا وحيادًا ، على شرط أن يكون القائِمُ عليها منتخبًا ، ولن يكون ذلك إلّا لرئيس الجمهورية ، مجسّد وحدة الأمّة والدّولة داخل البلاد وخارجها وحامي الدستور (4) .






(1) (2) (3) (4 ) : السَّعيد بوشعير ـ النظام السياسي الجزائري ـ دار الهدى ـ ص 248 ، 249 فقرة 1 و2
* للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى : ـ السياسة المعاصرة للأنظمة التقليدية ـ لبهلر أوتون و جيم سيوركا
إنطلاقًا ومن خلال مختلف الوضعيات الدستورية المعاشة من طرف النظام السياسي الجزائري ، من 1962 إلى الدستور 1996 (1) و الدراسة المختصرة لكلا من دستوري 1976 و 1989 على سبيل الحصر فإنّ السياسة الخارجية ، وتبعًا لممارستها الثابتة ، وإن كانت تتميَّز بهيمنة الجهاز التّنفيذي ، نجد أنّ هناك تدخّل فاعلين آخرين في صناعتها (2) الأمر الذي يجعلنا نقف عند دور الجزائر ، وضرورة احتسابها في المعادلة السياسية الدّولية وكذا الإقليمية ، كونها تستند وبشكلٍ كبير على نشاطها الدبلوماسي داخل المنظمات العالمية والإقليمية ، الأمر الذي أكسبها أكبر ديناميكية على فضاءات الحوار والتشاور ، مرتكزين في ذلك على الخطاب الرئاسي كنقطة انطلاقة لتجسيد إدراك قائد الجزائر لأهمّية دولته فالمتأمّل في قراءة وتحليل أدبيات ومفردات المقاومة الجزائرية ، يجد فيها شكلين اثنين للخطاب الوطني ، خطاب براغماتي يستفيد من الهامش القانوني المتاح للعمل السياسي في الجزائر ، ويضمن عبر ذلك الحضور الفعلي في السّاحة وتمرير خطابه المطلبي ، وخطاب ثوري راديكالي ، يهدف إلى إيقاظ الهمم ، وشحذ العزائم ، وبعث الرّوح الوطنية الفعّالة ، عبر تنظيم القوى الوطنية ، وإعداد جيل من الشباب والإطارات القادرين على بعث أسس الدّولة الجزائرية الجديدة (3) كما يشكل الخطاب البراغماتي إحدى دعائم الخطاب الوطني ، إذ يعود أساس وجوده على السّاحة السياسية إلى الهامش القانوني الذي تمّ تحقيقه بفضل الكفاح المرير الذي خاضه الشّعب الجزائري منذ الإحتلال الفرنسي سنة 1830 إلى بداية تشكيل النّواة الأولى للكفاح السياسي الدبلوماسي كبديل طبيعي للكفاح المسلّح (4) من ذلك ارتكاز جهود الجزائر في المجال الخارجي سنة 1982 على دعم حركة عدم الإنحياز ومنظمة الوحدة الإفريقية ، ودعم التّعاون جنوب ـ جنوب .









(1) bedjaoui : aspects de la constitution algerienne annuaire francais de droit international xxiii 1977, paris c.n.r.s p ـ75 94
عبد الله بلحبيب ـ مرجع سابق ـ ص 129 ـ فقرة 1 (2)
(3) أحمد حمدي : جذور الخطاب الأيديولوجي الجزائري ـ معالم ـ دار القصبة للنشر 2001 ـ ص 102 فقرة 1 .
(4) أحمد حمدي : ـ مرجع سابق ـ ص 104 فقرة 1

كما تحمّلت الجزائرُ مسؤولياتها الكاملة كجزءٍ من العالم العربي والإسلامي ، وهي تؤمن بسياسة حسن الجوار الإيجابي إذْ تعمل جاهدةً على تقريب وجهات النظر بين الأشقاءْ ، وتبارك بين كلّ مسعى يضمن التطبيق الحقيقي لإرادة القارّة الإفريقية (1) ، فالكفاح ضد الصهيونية لا ينفصل عن الكفاح ضد العنصرية وسياسة الإستغلال ، كما أنّ أمن الشمال مرهون بتطور الجنوب وكلّْ مواطن معني بسلامة وأمن التراب الوطني ، وفي قوّة الجزائر دعمٌ لكلِّ القوّات التقدُّمية في العالم (2) ، وإذا كنت أقول بأنّنا أنجزنا الكثير ، فإنّني أقول أيضًا بأنّنا لم ننجز ما فيه الكفاية ، إذْ أخذنا بعين الإعتبار الإمكانيات المتوفرة وضخامة التّحدّيات التي نواجهها أو قلت : " أنّه من غير المقبول أن نعيش سياسيًا عالةً على شهداءِ حربنا التحريرية ، وإقتصاديًا على ثروةٍ زائِلة هي رصيدنا من البترول والغاز " (3) ، كما حظيت الجزائر بالإشادة والإهتمام من مختلف الشركاءْ في المنتديات الإقليمية والدّولية ، تكملةً للمسيرة ، وأولت اهتمامًا بمحيطها الإقليمي المتمثّل في المغرب العربي ، ما عبّر عنه الرئيس الجزائِري بقوله : " يجب على الدبلوماسية الجزائرية أن تتكيّف مع المعطيات العالمية ، والعمل من أجل صيانة مصلحة الجزائر ، وإسماع صوتها عاليًا في المحافل الدّولية ، وأعبر عن قناعتي في مواصلة بناءْ صرح إتّحاد المغرب العربي ، الذي سينتصر على كلّ العقبات لأنّه يحمل في طياتِه رسالة مستقبل تحكمها وحدة مصير كلّ الشعوب المغاربة..... " وإنّ العلاقات الدّولية تشهد تطورات عميقة ، تتميّز باضطرابات في موازين قِواها ، وبتطلّعات مشروعة ، وأيضًا بالتخوّف من المستقبل وعدم الإستقرار ، وعلى الدبلوماسية الجزائرية أن تلعب دورًا هامًّا ، في إعادة تحديد مفهوم العلاقات الدّولية ، على أساس يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات الجديدة من أجل الدّفاع عن مكانة بلادنا ، وإسماع صوتنا عاليًا ، والحفاظ على مصالحها (4) ، وبهذا تمثّل الدبلوماسية بالإضافة لكونها أداة فعّالة لإدارة العلاقات الدّولية وقت السّلم و الحرب ، فهي من أهم أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدّول (5) كما هو الشَّأن بالنسبة لدولة الجزائِرْ ....








* (1) (2) (3) : مقدّمة لخطاب الرئيس الشاذلي بن جديد حول وضع الأمة والتنمية الوطنية ـ من مطبوعات قسم الإعلام و الثقافة
(4) : من خطاب رئيس الجمهورية السيّد ليامين زروال بمناسبة اليوم الوطني للدبلوماسية الجزائرية بقصر الشعب ، الجزائر العاصمة ، وكالة الأنباءْ الجزائرية 08 / 10 / 1996
عبد النّاصر جندلي : التّنظير في العلاقات الدّولية بين الإتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية ـ الطبعة 1 ص 86 (5) :
لا سيما على الصعيد الإقليمي الذي جسّده الدّور الفاعل للجزائِر بناءًا على مداخلات خبراءْ يدعمون مقاربتها في هذا الشأن ، بحيث أوصى الأستاذ عبد القادر كاشر في مداخلة حول " التحدّيات وضرورة التحلي بوعيٍ جماعي إفريقي ووضع آليات إفريقية لتسوية النزاعات في القارة ، كما أوصى بالمطالبة بالتحلّي بوعيٍ جماعي بخصوص النزاعات العرقية والترابية ، والتوصّل إلى حيلولة ، دون تدّخل تأثير القوى الإستعمارية القديمة في القارّة (1) ومن جهة أبرز الأستاذ إسماعيل دبش في مساهمة له بعنوان : ـ سياسة الجزائِر اتجاه السّاحل بين المقاربة الإقليمية والتأثير الدّولي ـ " إنّ موقف الجزائر يبقى الأكثر قبولًا ، لأنّه كما يوصي بحلّ ساحلي للنِّزاع ، وتجنُّبْ أيّ تدّخل أجنبي من شأنه تعقيد الوضع أكثر في المنطقة (2) كما يعدُّ نجاح اتفاق سلم المصالحة بمالي الذي تحقّق بفضل الوساطة الدّولية بقيادة الجزائِر من خلال الملتقى الذي نظّمه المعهد العسكري للتوثيق والتقييم والإستشراق ، أحد الآليات الدبلوماسية الجزائِرية في تجسيد طرائِقها لإدارة هذه الأزمة ، معتمدةً في ذلك على موقفها الجيوبوليتيكي في التوظيف كأداة ضاغطة لحلٍّ حازم ، فالإدارة الرّشيدة إذن تستلزم اتخاذ موقف حازم قوي ، لكن مع توفير قدر ملائِم من المرونة وعدم الجمود لا سيما كان ذلك على مستوى السُّلوك الفعلي المباشر ( التحرّكات المادّية ) (3) ....














) (2) خبراء يدعمون مقاربة الجزائر " نزاعات السّاحل " جريدة الخبر 02 مارس 2015 1(
(3) عبد القادر محمد فهمي : المدخل إلى دراسة الإستراتيجية " الأزمة الدّولية وطرائِق إثارتها " الطبعة 2 ـ دار مجدلاوي 2013 ص 237 فقرة 2






دور التفاعلات السياسية ـ الإقليمية ـ والعالمية في صنع تحدّيات السياسة الخارجية الجزائرية







المحدّدات الإقليمية والعربية للسياسة الخارجية الجزائِرية







رهانات السياسة الخارجية الجزائرية في ظلّ إرادة الدّول الكبرى


المطلب الأوّل ـ المحدّدات الإقليمية والعربية للسياسة الخارجية الجزائرية :
وجدت المنظمّات الإقليمية قبل أن توجد المنظمّات العالمية : " الأسرة الأوروبية عام 1648 ، إثر اتفاقيات وستفاليان والإتّحادات الأمريكية التي وجدت في القرن التاسع عشر " والأصل فيها أن تحلّ المشكلات خاصةً بين الدّول المتجاورة وإستحسان ذلك التضامن بين هذه المجموعات من الدُّول ، نظرا لارتباطهم بروابط خاصة ، كالجنس ، أو العرق أو اللّغة أو الدين أو الأيديولوجية ....إلخ (1) فاستناد السياسة الخارجية الجزائرية بشكلٍ كبير على نشاطها الدبلوماسي داخل المنظّمات الإقليمية ، بما في ذلك جامعة الدّول العربية ، ومنظمة الإتحاد الإفريقي ، يضفي عليها صبغة الرّيادة في حلّ المشكلات الإقليمية ، وذلك بحكم موقعها الجيوسياسي ، كقوّة إقليمية في شمال إفريقيا ، وتجنُّبها سياسة التحالفات ، وتقيدَّها الصارم بأحكام المنظّمات الإقليمية والدُّولية ، حفاظًا على علاقات متوازنة مع الدّول الكبرى ، وكذا دعمها للقضايا العادلة في العالم ، كلُّها عوامل ارتكاز أضفت على تحدِّياتها صفة الشرعية الدُّولية ، ومن هذا المنطلق ، يرى الدبلوماسي ووزير الثقافة الأسبق ن عبد العزيز رحابي : " أنَّ بروز الجزائر في الآونة الأخيرة في دول الساحل ، خاصةً دور الوساطة الذي تقوم به في مالي ومساعي الحلّ السياسي للأزمة الليبية ، يعود إلى أنّ وزير الخارجية الحالي ، يملك من الخبرة والحنكة الدبلوماسية ، ويعرف طبيعة المشاكل والأزمات التي تجتازها بلدان السّاحل (2) والتي لم تثني الجزائر عن عزمها على تطبيق استراتيجيات التَّفكير الإيجابي ، وذلك بدعم استقرار المنطقة المغاربية ، وعملها الدَّؤوب على تصفية أسباب التَّوتّر والنِّزاعات و التطرُّفْ ، من ذلك اقتناعها أنّ مشكلة الصحراءْ ، يجب أن تأخذ طريقها نحو الحلّ تحت مظلَّة الأمم المتّحدة جاهدةً على تنفيذ آليات خطّتها في هذا الشأن ، وهادفةً إلى تنقية الأجواءْ في محيطها الإقليمي ، ومن ثمّ المحيط العربي ، ودورها فيه ......










( 1 ) قاسمية جمال : أشخاص المجتمع الدّولي والمنظمات الدّولية ـ الدّولة والمنظّمات ـ دار الهومة ـ الجزائر 2013 ص 230 ـ 231 الفقرة 2 ـ 3
( 2 ) لخضر رزَّاوي : لهذه الأسباب إنتعشت السياسة الخارجية للجزائِر " بوّابة الشروق 2015 الفقرة الثانية"
وعلى هذا نجد دعوة الدبلوماسي الأسبق عبد العزيز رحابي للحكومة الجزائرية للإرتقاءْ إلى آمال المواقف الشعبية ،وذلك من أجل خلق نوع من التقارب بينها وبين السياسة الخارجية ، شأنها في ذلك شأن سياسة الدِّفاع ، ومع هذه التَّحدّيات نجد معظم القادة الجزائريين يؤكّدون على خيار الإتّحاد المغاربي ، والذي هو : " خيار إستراتيجي ، وأولوية وطنية ، وهذا ليس فقط شعارات ، وإنّما هو هدف له معنى ، وله محتوى ملموس (1) نابع من متغيّر حتمية التّقارب ، والذي هو متغيّر محوري لقضية السّاعة ، ومحلًّا لآفاق المستقبل ، ومن جهةٍ أخرى يمكن تقصِّي وحدة المغرب العربي ، من خلال عقد مقارنة بين حتميته وعوائِقهِ ، فإذا كان الإنهيار الإقتصادي و الخضوع لتبعية غِذائية وتكنولوجية ، لا سيما أنّ المردودية و النّمو الإقتصادي المتكامل والتطّور التكنولوجي ، لا يتأتّى إلّا بتحقيق الوحدة التي توفر الشروط الضرورية لإنشاءْ نظام إقتصادي مجزّئْ ، ضمن مجموعة إقليمية ، لماتتوفّرعليه من مصادر خام للطاقة ، وإنتاج متنوِّع وسوق واسطة لأكثر من 150 مليون نسمة (2) من ضمن المشاكل المطروحة لقضايا التنمية ، والتي تحول دون نجاح مشروع الوحدة المغربية من خلال تحقيق مشروع حضاري ، بحيث تكون خطوةً نحو الوحدة العربية الشَّاملة ، كما تكون قاعدة لخلق توازن إقتصادي وحضاري بين ضفَّتي المتوسّط ، ممّا يسمح للمغرب العربي أن يقوم بدوره الطبيعي في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي(3) وكذا التّعامل مع الكتل الإقتصادية العالمية ، كركيزة قوّية لمواجهة التّحدّيات الخارجية ، فوحدة المغرب العربي بين الحتمية التاريخية والواقع المعاش (4) يجعلنا دومًا نتساءَل عمَّا سينتج عن تحقيقها ، لا سيما في خضم التوازنات العالمية المعاصرة ؟ أو ما ينجرُّ عن غيابها ؟










(1) التصريح لوزير الخارجية أحمد عطّاف ليومية الخبر (الجزائر) السبت 03 ماي 1997 ص 6
(2) (3) ناصر الدين سعيدوني : الجزائر منطلقات وآفاق " مقاربات للواقع الجزائري من خلال قضايا ومفاهيم تاريخية " الطبعة الثالثة ـ مراجعة ومنقّحة ـ البصائِر 2012 ص 473
(4) عُرِضَ الموضوع في الملتقى الوطني لمعهد العلوم السياسية ، جامعة الجزائر ، حول المغرب العربي بين الوحدة والتّوحيد ، ونشر في المجلّة الجزائرية للعلاقات الدّولية ـ العدد الثالث ـ 1986 ص 53 ، 64 / 17 ـ 18 جوان 1986
كما نجد على مستوى مواجهة قضايا السّاعة لكم التساؤلات المطروحة : أين يمضي المجتمع العربي والإسلامي ي حركيته اللَّافاعلة وهو يعيش على هامش التاريخ ...؟ وأين مكانة التاريخ الجزائِري في ظلّ هذا الوضع ؟ يجيب الدكتور ناصر الدين سعيدوني قائِلًا : " ترتسم أبعاد المستقبل في ظلِّ صراع حضاري مفروض علينا ، لا يمكن تجنّبهُ ، أو الهروب منه أو محاولة تجاوزه إلى أطروحات أيديولوجية ظرفية ، هناك حكمًا تاريخيًا حتميًا يتمثّل في مقولة : " ما بقيت الرّوح حيّة ، بقيت الذّاتية إيجابية في عطائِها وإبداعها " فقد لا نعيش نحن هذا الواقع ، ولكن من الأكيد أنّ أجيال المستقبل ستعرفه وتتفاعل معه ، وتعرف كيف تتعامل معه ، لأنّ تطوّر الشعوب وسير التاريخ لا يقاس بالسنوات ، وإنّما يقدّر بالحقب و الفترات الزمنية (1) وفي ظلّ هذه الصيرورة التاريخية بين عالمٍ غربي متطوّر وشرقي يطمح أن تكون له مكانة ، نجد نيّة بلد الجزائِر في تطبيق استراتيجيات النتيجة الإيجابية الهادفة إلى توحيد النظام العربي ، لا سيما في ظلِّ إنقسامه على إثر حرب الخليج الثانية ، والتي شكّلت نقطة تحوّل في تاريخ هذا النظام ، ونضالاتها الدبلوماسية المستميتة في هذا الشأن ، وإن لم تشفع الروابط المشتركة والرّصيد التاريخي الواحد لِتوحّد هذا النظام أمام عاصفة حرب الخليج نجد دومًا السعي الجزائِري ممثَّلًا في حضوره القوِّي في المحفل العربي ف : " الجزائر بصفتها طرفًا عربيًا معنيًا بالقضية العربية ، والوفية لمبادِئِها ما انفكّت تناضل من أجل رص الصفوف العربية ، فلا يسعها إلّا أن تبدي ارتياحها لإنعقاد هذه القمّة الموسّعة ، وهي تشارك فيها إقتناعًا منها ، بأنّها تشكّلُ سائِحة ثمينة للشروع في مسارٍ يهدف إلى إنعاش آليات التشاور العربي على أعلى المستويات ، وعلى أساسٍ شامل ومنتظم ، وعليه فإنّ بعث هذا التشاور العربي ، لم يعد ضروريًا فحسب ، بل استعجاليًا ، بروز عمل موحّد وفعّال (2) ، هذا وقد خلّفت أزمة الخليج الثانية خارطة استراتيجية جديدة ، تزيد من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية ، وبالتالي استمرار التبعية العربية لها ، إذْ نجد تحذير وزير الخارجية الجزائِري من عواقب هذا الوضع قائِلًا : " من هذا المنظور لم يبقى أمامنا من خيار ، سوى لم شملنا ، ورص صفوفنا وتوحيد كلمتنا ، وإلّا فرضت علينا ترتيبات ، أقلُّ ما يُقالُ عنها أنّها تتجاهل مصالحنا الحيوية ، والطموحات المشروعة لشعوبنا في الأمن والسّلام والرّخاءْ (3) لاسيما إن كان ذلك يتعارض ومصالحها في المنطقة ....





(1) ناصر الدين سعيدوني : من خلال مقابلة مع الصحفية سليمة بوعسيلة ـ جريدة المساءْ (الجزائِرْ) بتاريخ 15 ـ 16 جانفي 1993
(2) الرئيس الجزائِري ليامين زروال :خطاب ألقاه في أشغال القمّة العربية المنعقدة بالقاهرة ، 22 جوان 1996 ، وكالة الأنباءْ الجزائِرية ، 23 / 06 / 1996
(3) من نص خطاب وزير الخارجية الجزائِري ، أثناءَ تراُسِهِ الدّورة 106 لمجلس جامعة الدّول العربية بالقاهرة ، وكالة الأنباءْ الجزائرية 10 / 09 /1996
وانطلاقًا من هذه المواقف التاريخية للقادة الجزائريين واستراتيجياتهم المنظمة كسلاحٍ نقدي ، ووعي إجتماعي وأداة لتوحيد الصّف العربي ، ووسيلة سامية لبناءْ التحدّي الموجه في هذا الشأن ، على أساس ثبات المبادئْ ، سواءٌ على مستوى توافق العلاقات ، بما في ذلك دول الجوار ، أو تشابكها على مدار الصيرورة التاريخية لسياسات القادة الجزائِريين كان لتحدّيات السياسة الخارجية الجزائرية ، ووفقا لقراراتها العقلانية ، تفادي خسارتها ، إن لم نقل اقترابها النوعي من كسبها الرّهان ، بحيث يمثّل موقعها الجيوبوليتيكي ، أحد دعائم التحوّل البراغماتي في إدارة سياستها الخارجية ، فالحدود السياسية التي تفصل بين الدّول ، مثلًا لم تعد حدًّا فاصلًا مجرّدًا ، أو بعيدًا عن واقع سياسي له انعكاسات على سلوك الدّولة ، ليس فقط في تعاملها على ما يتضمّنه إقليمها ، من معطيات مادّية تسهم في بناءْ قوتها ، وإنَّما أيضًا في قدرتها على توظيف الحقائق الجغرافية بكلِّ مكوّناتها بهدف تمكينها من إتباع أنماط سلوكية مع الدّول المجاورة ، أو الملاصقة لإقليمها ، لتأتي بنتائج سياسية تعود بالنفع عليها ، ويندرج في ذلك ليس فقط الحدود السياسية ، وإنّما أيضًا طبيعة الموارد الإقتصادية القومية ومدى كفايتها لِتأمين الحاجات والمتطلّبات الإجتماعية (1) ما جعل دولة موريتانيا تقتاد بها في هذا الشأن ، وذلك عندما ألغت في عام 1973 ، معاهدتي الدفاع ، والتعاون الدبلوماسي الذي أبرمته مع فرنسا ، حيث أمّمت بعدها بسنة مناجم حديد الزويرات والتي كانت ملكًا لشركة ميفرماmiferma المتعدّدة الجنسيات ، مستفيدةً من التجربة الجزائرية في هذا المجال ، وإن كان هذا يمثّل صورة مقتضبة للدبلوماسية الجزائرية ، ماضيًا ، فإنّ موقف العالم من الجزائر في تحسن مستمر، وبالتالي ومع استكمالها لترتيب مؤسساتها المباشرة للعودة إلى السّاحة الدّولية ، ومع التركيز في نفس الفترة على الدّول ذات شأن ، موزّعة عبر القارات ، تختار لقدراتها التبادلية وحسن استعدادها للتعامل ، نذكر منها على سبيل المثال كندا ، والولايات المتّحدة في القارة الأمريكية ، والصين واليابان وكوريا الجنوبية في آسيا وجمهورية إفريقيا الجنوبية ونيجيريا في القارة السّمراءْ ، دون أن ننسى روسيا الإتحادية ، والبلدان التي تأوي جاليات هامّة من مواطنيها (2) ، واستكمالًا أيضًا لهذا الترتيب ، تعدُ التجارب الجارية حاليًا في مجال التعاون الثنائي مع كلٌّ من الأردن ، قطر ، المملكة العربية السعودية ، والإمارت العربية المتّحدة ، وغيرها ، مع نتائجها الإيجابية واعدةً حقًّا ، تبشر بإنطلاقة أشمل سوف تنعش إن تواصلت إقتصاد الجزائِر ، وتدعمُ مكانتها في اتجاه باقي شركائِها (3) وكذا المنظَّمات الدُّولية ....






(1) عبد القادر محمد فهمي : المدخل لدراسة الإستراتيجية والنظريات الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية ، الطبعة 2 ـ دار مجدلاوي ـ 2013 ص 60 فقرة 01 .
Anep (2) (3) الصّالح بن القُبّي : " الدبلوماسية الجزائرية بين الأمس واليوم " ـ محاضرات أخرى ـ منشورات ص 30 ـ31 ـ 32 فقرة 3 و2




















مـــُقـــَدِّمــــة : وبِناءًا على ما عبَّر عنه فريديريك شومان بقوله:" إنَّ القاعدة الأساسية في العلاقات الدّولية هي الشَّك والريبة وبالتَّالي فإنّه لا بدَّ من إستخدام الدُّول للقوة العسكرية ، ضدَّ بعضها البعض بهدف تعزيز مكانتها "، وعلى إعتبار أنَّ القوة العسكرية * كانت ولا تزال على مدار الزّمن العنصر الحاسم والهامّْ في تقرير قوّة الدّولة (1) وفي الواجهة مع النِّظام الدّولي الّذي هو : " عبارة عن أفكار مركّبة ومتغيِّرة وتدابير عسكرية ، تضمُّ وتتزوّد بالقوة من عناصر الإنتظام التي هي في الغالب تخصُّ العلاقات بين الدّول (2) "والأمن بهذا المعنى ، هو أمن الدّولة ومن فيها ، ويغطّي كلّْ مظاهر الحياة وقد اتّسَع كثيرًا ليشمل ضمان تحقيق وحماية جميع أهداف السياسة الخارجية للدّولة (3) وبهذا فإنَّ للدِّبلوماسية دور في تصريف العلاقات الدّولية بجمعها للمعلومات وحماية المصالح القومية ورفع التقارير ، والأكثر من ذلك كلُّه المفاوضات ورغم اتّساع نطاق ونشاط الدِّبلوماسية العلنية أو المحفلية على حساب الدبلوماسية السِّرية أو الفردية ، فإنَّ الأخيرة تبقى وسيلة لحسم الكثير من المنازعات الدّولية ، كما أنّ ازدياد التَّداخل للدّور الدِّبلوماسي والسياسي ورجل الدّولة أهمِّية في تجاوز بعض المعوِّقات التي لا يستطيع الدبلوماسي التَّغلب عليها لافتقاره إلى السُّلطة أو التَّخويل في إتِّخاذ القرار ، وبِشَكلٍ أو بآخر فإنّ الدّبلوماسية أداة من أدوات السياسة القومية ، ووسيلة لحسم الحالات المشحونة باحتمال اللُّجوءِ إلى الحرب (4) فالفاعل الرَّئيسي إذن في هذا الشّأن إضافةً إلى الجندي ، هو الرَّجل الدِّبلوماسي على حدِّ تعبير ريمون آرون .......



* لمزيد من المعلومات عن دور القوة العسكرية في النِّظام الدّولي الجديد : راجع محمد محمود أبو غزالة القوة تحكم العالم الطبعة 01 عمّان 1997 ـ ص 57
(1) وجدنا أنّه من الأنسب الحديث عن أهمية التغيّرات التي شهدها العالم على القوة العسكرية ، وذلك باستحداث مفهوم الخصخصة الّذي يتبنّاه النِّظام الرأسمالي إلى الجيوش ، حيث يوجد في الولايات المتّحدة الأمريكية جيش كامل من القوّات المدرّبة المحترفة ، والخاضعة لشركات خاصَّة ، وتمتلك من القوة المادِّية والأسلحة ، مايضاهي الكثيرمن الجيوش القوّية وهي عبارة عن شركات الأمن .....
(2) lyon peter : new states and international order in james allen the bases of international order ; oxford university press ; london 1973 ; p 25
(3) otto pick and jallin gritchley ; collective security 2 ededition(marcmillan ;london :1974 p15.
(4) د ــ كاظم هاشم نعمة : العلاقات الدّولية ــــ بغداد ـــ دار الكتب للطِّباعة والنَّشر 1979
الدّور الرِّيادي للجزائِرْ لتسوية النِّزاعات الدّاخلية في مالي ( نموذَجًا ) :
بناءًا على أنَّه : " يفضُّ أعضاء الهيئة منازاعاتهم الدّولية بالوسائِلْ السِّلمية ، على وجهٍ لا يجعل السِّلم والأمن والعدل الدّولي عرضةً للخطر " (1) هذا وبتشكّيل إفريقيا العمق الإستراتيجي للجزائرْ ، الَّتي تشهد عدّة نزاعات داخلية ، لذلك يمكن للجزائر أن تلعب دورًا في تسوية وحلّ هذه النزاعات ، وأن تكون عامل تهدئة وتوحيد وتفاهم بين جميع الأطراف إنطلاقًا من هذه الرؤية ، وحفاظًا على أمنها الوطني قامت الجزائِر دائِمًا بدور الوسيط لتسوية النزاعات الدّاخلية في مالي في سنوات 1990 و1996 و 2006 و2012 ـ 2013 ، فالأزمة في مالي معقّدة ومتعدّدة الأبعاد ، والبعد السياسي فيها يتمثل في أزمة بناءْ الدّولة ، سواءٌ في مالي أو موريتانيا أو النيجر أو حتّى التشاد ، إذ أنّ هناك هشاشة في المؤسّسات الأمنية والسياسية ، وهي الصّفة المشتركة بين جميع هذه الأنظمة السياسية ، ثمّ إن هناك البعد التاريخي السياسي ، حيث أنّ تشكيل الدّولة الوطنية في هذه المنطقة أبعد الكثير من الهويات أو الأقليات ، والتي لم تدمج في نظام الدّولة ، كما لم تستفد من التنمية...... هذا وإنّ تطور النزاع في مالي ، لا يمكن فصله عن تطور إشكالية السّلام والأمن في إفريقيا ففي هذا السياق يذهب الدبلوماسي " سعيد جنيت " محافظ الإتحاد الإفريقي للسّلام والأمن في محاضرةٍ له بالمدرسة العليا الحربية أمام إطارات وضباط الجيش من مختلف المدارس العسكرية ، إلى تقسيم تطوّر مسألة الأمن في إفريقيا إلى مرحلتين ـ المرحلة الأولى ـ تمتد من إستقلال الدّول الإفر يقية حتى نهاية الثمانينيات مع تصدُّعْ المعسكر الإشتراكي ، أين تميّزت هذه المرحلة بإعطاءْ الأولوية لمسألتي بناءْ الدّولة والتنمية الوطنية ، كشرطين أساسين للتطوُّر الإجتماعي والأمن والإستقرار لكن هشاشة الدُّول في هذه المرحلة ، نتج عنها نزاعات حدودية بين دول ، وكذا نزاعات مسلّحة داخلية تعدُّ من مخلَّفات الإرث الإستعماري امّا ـ المرحلة الثانية ـ فتبدأ من إنهيار الإتحاد السوفياتي ، ونهاية الثنائية القطبية التي أدّت إلى الإنفتاح السياسي والإقتصادي ، والإعلامي ، فكان من نتائِجِهِ بروز التناقضات السياسية والدينية والإثنية......فقد شهدت سنة 1990 أوّل صدام حقيقي بين قبائِلْ التوارق والجيش النظامي المالي ، وكان عددٌ كبير من التوارق ، قد تلقوا تكوينًا عسكريًا في ليبيا مع نهاية الثمانينيات ، وتزامن ذلك مع عودة آلاف التوارق من الجزائر بعد قر ارها إرجاع التوارق المقيمين على أراضيها ، وعليه توفّرت الشروط الموضوعية للصِدام ..... هذا وإنّ إعادة إحياءْ مشروع دولة التوارق الكبرى من شأنه أن يعطي لقضية الحدود أبعاد دولية ، ويفجر المنطقة كلّها ما يجعل الأمن الوطني الجزائري في خطر ، لهذا بادرت الجزائرُ إلى تنظيم وعقد قمّة رباعية بمدينة جانت في سبتمبر 1990 ضمّت كلٌ من : الجزائر ، ليبيا ، مالي والنيجر نتج عن هذه القمّة ، اتفاقًا يقضي باستبعاد العمل العسكري ، وتبنِّي الحلول السياسية ، والعمل على وضع حدّْ للتهميش الذي يعاني منه التوارق ، وتمّ إنشاءْ لجنة دائِمة تضُم وزراءْ داخلية الدّول المعنية ، وتتم متابعة أشغال هذه اللّجنة ، من طرف وزراءْ خارجية هذه الدّول الذين يجتمعون مرّة كلّْ سنة ، ومن منطلق مبدأ حسن الجوار الإيجابي ، قامت الجزائر بدور الوسيط الدبلوماسي لحلّْ مشكلة الأزواد ، منذ 1991 بين الحركة الشعبية لتحرير الأزواد ، والجبهة العربية الإسلامية للأزواد من أجل وقف العمليات المسلَّحة....


(1) نص المادَّة الثانية ـــ فقرة 03 ـــ من ميثاق الأمم المتَّحدة
وفي نفس الوقت قادت الجزائِر دبلوماسية نشطة ، بين التوارق وحكومتي مالي والنيجر ، واحتضنت في هذا السياق العديد من اللِّقاءات ، وعمليات الوساطة مثل : إجتماع الجزائِر العاصمة الأوّل من 29 إلى 30 ديسمبر 1991 ، واجتماع الجزائر الثاني من 22 إلى 30 جانفي 1994 ، وكذا الإجتماع الثالث من 15 إلى 25 مارس 1992 ، ولقاءْ تمنراست من 16 إلى 20 أفريل 1994 ، ولقاءْ الجزائِرْ 10 إلى 15 ماي 1994 ، ثمَّ جاءَ لقاءْ تمنراست من 27 إلى 30 جانفي 1994 الذي توِّجَ بالإعلان الرّسمي عن تسوية النزاع في شمال مالي بتاريخ 26 مارس 1996 ، ثم عاد النزاع ليشتعل في العام 2006 بسبب تدهور الأوضاع الإقتصادية ، وعودة الجيش النظامي المالي إلى أماكن تواجد التوارق ، ونشب تمرّد التوارق في ماي 2006 ، بعد الهجوم على مواقع عسكرية في كيدال وميناكا من طرف قوات التحالف الديمقراطي للتغيير وذلك بعد أن أعلن كلاً من الزعيمين التارقيين " إبراهيم أغ باهانغا " و "الحسن فاغاغا " الحرب ضد الحكومة المالية بعد فشل وساطة غير معلنة قام بها زعيم تارقي آخر هو " إيّاد أغ غالي " ، وفشل فيها بِإقناع الرئيس " آمادو توماني توري " بالمطالب التي قدّمها قادة التوارق في لقاءْ جمع الإثنين في 22 مايو 2006 في قصر كولوبا الرئاسي ، و بعد اشتداد النزاع قادت الجزائرْ وساطة على أعلى مستوى ، أشرف عليها الرئيس بوتفليقة شخصيًا ، ما يدلّلُ إهتمام الجزائر الكبير بالدائرة الإفريقية ، وبحجم التهديد لأمنها الوطني الذي يشكلُّه تمرد التوارق في إقليم أزواد ، حيث توجت الوساطة الجزائرية بالتوقيع على إتفاق سلام بالجزائر في 04 جويلية 2006 تحت إسم تحالف 23 ماي من أجل التغيير ، والذي كان أثر المقاربة الجزائرية لإحلال الأمن في المنطقة واضحًا فيه ..... وقد نصَ هذا الإتفاق على إنشاءْ مجلس جهوي مؤقت للتنسيق والمتابعة ، تكون مهمته الإشراف على شؤون التنمية والميزانية المحلية وتنظيم الأمن في المنطقة . أمّا على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي ، فقد نصّت بنود الإتفاق ، على تنظيم منتدى كيدال حول التنمية خلال ثلاثة أشهر بعد توقيع الإتفاق ، ما ينتج عنه إنشاء صندوق خاص للإستثمار ، وذلك مع اعتماد نظام اللّامركزية وتحويل صلاحيات التسيير إلى الجماعات المحلّية ، ومنح القروض لإقامة مشاريع تنموية ، وتحديد وتنظيم التبادل التجاري بين دول الجوار ، ووضع منظومة صحية ملائِمة لطبيعة سكان المنطقة من الرُّحل ، وكذا القضاءُ على العزلة ، عبر تطوير شبكة الطُّرقات الرئيسية بين كيدال والمناطق العميقة في مالي ، وبين كيدال و المناطق الحدودية الجزائرية ، وفي الجانب السياسي الأمني تحديدًا ينصُّ الإتفاق على إنسحاب الجيش من مناطق الشّمال ، وإنشاءْ وحدات أمنية خاصة تتكوّن غالبيتها من التوارق ، ويتمُّ دمجها في الجيش المالي ، وكرَّست هذه الترتيبات ، نوعًا من التقسيم الفعلي لأراضي البلد بين طرفي النزاع ، حيث كان لدى الكثير من ضباط وجنود الجيش المالي ، رفضًا لاتفاقات السّلام ، التي كان آخرُها الإتفاق الموقّع في الجزائِرْ بتاريخ 04 / 07 / 2006 ، هذاوشهدت قضية تطبيق بنود إتفاق الجزائر، خلافات أخرى بين الطرفين إستدعت الدّخول في مفاوضات جديدة برعاية الوسيط الجزائِري ، دائِمًا إنتهت بالتوقيع في 20 فيفري 2007 بالجزائِر على بروتوكول إضافي يضمُّ ثلاث وثائِقْ *



الأولى : تخصُّ الإجراءات التطبيقية العالقة في اتفاق04 جويلية ، والثانية : عبارة عن جدول زمني ، حدّد آجال تسليم 3000 من عناصر التحالف لسلاحهم ، أمّا الوثيقة الثالثة : فتضبط شروط منتدى المانحين لتنمية منطقة شمال مالي كيدال ( تومبكتو و غاو) وطريقة تنظيم هذا المنتدى الذي عقد في 23 و24 مارس 2008 ، ولكن تصلّب مواقف الطرفين ، أدّى إلى تجدّد القتال في نفس شهر مارس 2008 ، فقامت الجزائر مرّةً أخرى بجمع طرفي النزاع في إجتماعات تفاوضية بالجزائر العاصمة دامت أربعة أيّام من 24 إلى 27 جويلية 2008 ، إنتهت بتوقيع اتفاق لوقف القتال بين الطرفين ، مع التشديد على ضرورة إطلاق سراح المساجين الموجودين عند كلّ طرف ، وإيجاد حلول لمسألة العائِلات اللاجئة التي وصلت إلى الحدود ، وتمَّ إنشاءْ لجنة مختصّة لمراقبة تنفيذ بنود الإتفاقات ، تتكوّن من نحو مائتي عضو من الطرفين بالتساوي ، وبخصوص أزمة مالي فهي تعدُّ انعكاسًا طبيعيًا للتدّخل الأجنبي العسكري في ليبيا ، وهي تمثّلُ درجة عالية من الخطورة على المستويين الإقليمي والدّولي ، وهذا ما أكّده "جان بيينغ " رئيس المفوضية الإفريقية بقوله : " إنّ أزمة مالي الرّاهنة من أخطر الأزمات التي تواجهها قارتُنا ، وإنَّ استمرارها يشكّلُ خطرًا حقيقيًا على ديمومة الدّولة المالية والإستقرار والأمن الإقليميين ، وكان من المنطقي ومن الطبيعي أن تكون الجزائِر هي قبلة الماليين الأولى ، لمساعدتهم على حلّ نزاعاتهم الدّاخلية "منذ اندلاع الأزمة المالية الأخيرة في جانفي 2012 ، قامت الجزائرْ التي كانت دائِمًا الراعي الحصري لجميع اتفاقيات السلّام السابقة بدعوة طرفي النِّزاع لوقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد تسوية سلمية للأزمة ، وسعت للنأي بنفسها عن النزاع الدّائر عبر وقف تزويد الجيش المالي بالسلاح ، كما سحبت خبراءها العسكريين من شمال مالي تحت حجة أنّها تخشى أن يستخدم سلاحها ، أو خدمات خبراءها في حرب الجيش المالي ضدّ المتمرّدين التوارق ، لكن في المقابل رفضت إستقبال بعض الجرحى من المتمرّدين التوارق ، وأعلنت عدم استعدادها لدعم أيٍ من الطرفين ، وإن كان البعد الشعبي للتوارق في الجزائر ، سيمنح للمتمردين فرصة أكبر، للإستفادة من العمق الجزائري ، إلّا أنّ المراقبين يعتقدون أنّ الجزائر قد تنتظر فرصة إنهاك الحرب للطرفين ، قبل أن تتدخّل وسيطًا ، وذلك لتفرض شروطها على الجميع ، وعلى هذا كانت المقاربة الجزائرية لتسوية الأزمة المالية الرّاهنة تقوم على إستراتيجية تهدف لإيجاد حلّ لأزمة شمال مالي بعيدًا عن الحلّ العسكري الذي تقترحه مجموعة الإيكواز بإيعازْ من أطراف دولية معيّنة ، وعلى رأسها فرنسا ، حسب الخبراءْ فإنّ الدبلوماسية الجزائرية تسعى لإيجاد حلّ للأزمة المالية الرّاهنة وفق خطة عمل تقوم على الحلّ السياسي السلمي الدّاخلي دون أي تدّخل أجنبي الذي يعتبر بالنسبة للجزائر تهديد لأمنها واستقرارها ، فالموقف الجزائري قد أكدّه الوزير الأوّل " أحمد أويحي " في حوار مع جريدة لوموند الفرنسية عندما قال : " أنّ أي تدخل أجنبي في مالي ، سيمثل تهديدًا أمنيًا مباشِرًا للجزائِرْ ، والجزائر لن تقبل بمساس بالوحدة الترابية لمالي ، هذا وفي إجتماع وزراءْ خارجية دول المغرب العربي أعرب وزير الخارجية الجزائري الأسبق " مراد مدلسي " : أنّ النشاطات الإرهابية هي أكبر تهديد لدول المغرب العربي ، وشدّد على وضع مقاربة مغاربية مشتركة لمواجهة كلّ التهديدات الَّتي تتعلّق بدولة دون أخرى ..*



كما يمكن القول أنّ الجزائر تستعمل كلّ الأوراق وأدوات الضغط التي تملكها ، سواءٌ العسكرية أو الأمنية ، فهي تملك أقوى جيش في المنطقة ، كما للدبلوماسية السياسية ، الدّور الإيجابي الذي اضطلعت به في السابق بين الأطراف المتنازعة في مالي ، فالجزائر تملك قدرة على التأثير على القوى الفاعلة في مالي ، بحكم قدرة التأثير السياسي والإقتصادي وحتى الثقافي الإجتماعي ، الذي تراكم منذ مئات السنين ، لكن فقط الإرادة السياسية وحدها تستطيع تعبئة القدرات الوطنية وتوجيهها ، لخدمة مصالح الأمن الوطني الجزائري ، كما تعالت بعض الأصوات من الطبقة السياسية المالية ترفض الحلّ العسكري للأزمة ، حيث يرى الرئيس المالي " إبراهيم أبو بكر كيتا " : " أنّ الجزائربلد محوري وذو ثقل في المنطقة ونأمل أن تساعدنا " وأضاف عن الدّولة المالية : " النظام غير شعبي ، وإنّما مفروضٌ من قوى غربية علينا "* . وكانت الجزائر قد أكّدت عقب اختتام أشغال إجتماع دول الميدان ، على نقل تجربتها في المصالحة الوطنية ، التي كانت مرجعًا للعديد من الدُّول الإفريقية ، مؤكِّدةً على ضرورة إيجاد حلّ سلمي للنّزاع ، في إطار مقاربة شاملة تأخذ بعين الإعتبار الجانب الأمني ، نظرًا للوضع السّائد في هذا البلد ، وعليه فقد دعت في الكثير من المناسبات إلى حلّ سياسي قائم على الحوار بين الحكومة بباماكو ، وجماعات التوارق هذا وتعدُّ الوساطة الجزائرية بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الآلية الوحيدة التي بإمكانها حلّ أزمة مالي ومشاكله بصفة نهائية ، حسبما أكّده المدير التنفيذي لاتحاد علماء إفريقيا عمر بامبا بالجزائر العاصمة ، بحيث عبّر في تصريح له على هامش ندوة حول موضوع " تحدّيات السلم والتنمية في دول السّاحل والصحراءْ " التي نظّمتها حركة البناءْ الوطني عن اقتناعه أنّ الوساطة الجزائرية هي الآلية الوحيدة التي بإمكانها حلّ أزمة مالي ، وتأثيرها على أمن واستقرار المنطقة بصفةٍ نهائِية ، وأشاد في هذا السياق بجهود الرئيس الجزائري من خلال تجربته الدبلوماسية الطّويلة ، وأضاف مسؤول إتّحاد علماءْ إفريقيا ، أنّ مسار الجزائر في تسوية أزمة مالي سيعرف منعرجًا حاسمًا مع استئناف الحوار بين أطراف الأزمة فيه ، مضيفًا أنّ هذا المسار سيضع مالي موضع أمن وخلص المتحدّث إلى التأكيد على أنّ الجزائر : " هي العمود الفقري الذي يفكّر اليوم بجدّية لإيجاد حلول للمشاكل التي تعيشها منطقة صحراءْ إفريقيا ، وخصّ بالذّكر التطرّف التخلّف والفقر ، وبدوره حيّا رئيس التجمّع الإسلامي بالسنيغال مختار كيبي إسراع الجزائر في إيلاءْ عناية خاصّة والجهود الكبيرة لحلّ أزمة مالي ، إدراكًا منها أنّ وسائل حلّ هذه الأزمة أكبر من إمكانيات باقي دول السّاحل الإفريقي ودعا علماءْ وأئِمّة إفريقيا ، إلى ضرورة تعزيز نشر ثقافة الوساطة والإعتدال في الإسلام ، التي تتبنّاها الكثير من الطّرق والزوايا الإفريقية منها الطريقة التيجانية ، كما حثَّ أيضًا الأكاديميين على ضرورة تعميق الدراسات لمعرفة أسباب وطرق إنتشار العنف الممارس باسم الدين في القارّة الإفريقية ومن تمَّ إيجاد حلول للقضاءِ عليه ، إذْ لا يمكن لأيِّ مشروع أن يتحقّق ن سواءٌ كان حضاريًا ، أو إقتصاديًا ، جعلا من منطقة السّاحل الإفريقي مفتاح السّلم العالمي وبالتالي تجنُّبْ أكبر للتوتّرات الدّاخلية ، تعمل القوى الكبرى على تغذيتها لإضعاف المنطقة *.....


الرائِدُ لا يُكّذب شعبه : يومية إخبارية وطنية ، " الدّور الريادي للجزائرْ في تسوية النّزاعات الدّاخلية في مالي " *
* الوساطة الجزائرية الآلية الوحيدة ل : "حلّ أزمة مالي بصفةٍ نهائية ـ إتحاد علماءْ إفريقيا ـ وكالة الأنباءْ الجزائرية
03 /11 / 2014
ويذهب الكثير من المحللين إلى أنّ الجزائر تتعامل وفق إستراتيجية محكمة ، لإيجاد حلّ لأزمة شمال مالي ، بعيدًا عن طبول الحرب التي تدّقها دول الإكواس ، بإيعازٍ من أطراف دولية معيّنة ، وعلى رأسها فرنسا ، وذلك من خلال ثلاث محاورأساسية ، يتقدّمها الحلّ السلمي الدّاخلي ، دون أي تدّخل أجنبي في شمال مالي ، خاصّةً أنّ منطقة السّاحل تُعْرَفُ أنّها ، ساحة للتنافس الإستراتيجي العالمي ، خصوصًا الأمريكي والفرنسي ، حيث ترى في هذا الصّدد أنّ أي تدّخل أجنبي "le mondeهو بمثابة مساس بأمنها القومي ، وهو ما جاءِ على لسان رئيس الوزراء " أحمد أويحي " في حوار مع " قائِلًا : " أنّ أي تدّخل أجنبي في مالي ، سيمثِلُ تهديدًا أمنيًا مباشِرًا للجزائر " ما ذهب إليه أيضًا الوزير المنتدب المكلّف بالشؤون المغاربية والإفريقية ، عبد القادر مساهل ، الذي قال بشكلٍ واضح : " الوحدة الترابية لمالي غيرقابلة للتفاوض " وأكدّ على مبدأ التفاوض لحلّ الأزمة في المنطقة ، حيث تركّز الدبلوماسية الجزائرية على الحوار المباشر مع جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة ، ومن هنا تأتي أهمية التنسيق الأمني المحلّي ، بين الدّول المعنية فقط دون غيرها وهو ما تحاول الجزائر القيام به ، لتجنّب أي وجود أجنبي مهما كانت طبيعته في منطقة جدّ حسّاسة للجزائر التي ترى أنّ التدّخل الأجنبي ، سيوسّع رقعة التهديدات الأمنية ، وسيضاعف من الأزمة ، ويعطي الجماعات الجهادية المتشدّدة غطاءْ لإضفاءْ الشرعية على أعمالها ، وعلى هذا تعدُّ المقاربة الجزائرية للخروج من الأزمة في مالي ، الأكثر نجاعةً من خلال التأكيد على أن يكون الماليون المبادرين الأوائِلْ في البحث عن حلول لمشاكلهم ، وعليه فإنَّ تصور الدبلوماسية الجزائرية يجمع حوله أغلبية القوى الكبرى لوجود مخرج للأزمة في مالي ، التي تحتلّ شمالها مجموعات مسلّحة منذ قرابة الستة أشهر وتتمثّل هذه المقاربة التي أكدّ عليها الوزير المنتدب المكلّف بالشؤون المغاربية والإفريقية ، في مداخلته فيالإجتماع حول السّاحل ، من تنظيم منظّمة الأمم المتّحدة على هامش الجمعية العامّة لها ، في كونها تؤكّد على ضرورة الحلّ السلمي للأزمة دون التّدخّل العسكري .إذْ توصي هذه المقاربة بالإحاطة بالجوانب التي يجب أخذها بعين الإعتبار في تحديد إستراتيجية من أجل السّاحل ، التي يجرى إعدادها على مستوى الأمم المتّحدة ، وترى الجزائر في هذا الخصوص ، أنّه من أجل الحصول على أفضل فرص النّجاح ، فإنّ البحث عن مخرج للأزمة في مالي ، ينبغي أنْ يتمّْ في ظلِّ احترام بعض الشروط ، ويتعلّق الأمر أوّلًا كون الماليين ، هم الحلقة المحورية في البحث عن حلول لمشاكلهم وأنّ الأمر يتعلّق بالمساعدة والدّعم مع تعزيز إمكاناتهم الوطنية ، أمّا الجانب الثاني فيتلخّص في أن تتفق الأطراف الفاعلة في المجتمع الدّولي على أجندة واحدة ، ومسارٍ واحد لجهودهم ، تأخذ بعين الإعتبار إرادة الماليين وصلاحيات المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا ، وكذا مصالح الأمن الوطني لدول الميدان المجاورة لمالي ( الجزائر ـ النيجر و موريتانيا ) ، وأكّد كذلك على ضرورة الأخذ بالحسبان مسؤوليات الإشراف والتنسيق المنوطة بالإتّحاد الإفريقي في مجال الحفاظ على السّلم والأمن أمّا بخصوص النقطة الثالثة ، فتتلخّص في ضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي تفاوضي ، وذلك لتفادي أي إنزلاق يجرّ معه الأطراف التي تنبذ بشكلٍ صريح الجريمة الدّولية المنظّمة ، ويرفضون أي مساس للسلامة الترابية لمالي....... *




وفي هذا الصّدد أكّد الجنرال الأمريكي كارتر هام ، القائد الأعلى لقيادة القوات المسلّحة الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم) ، أنّ الولايات المتّحدة ليس لها نفس فهم الجزائر، فيما يخصّ ما يجري في مالي ، وعلى هذا قال : " نحن نحاول فهم الدّور الذي تضطلع به جماعة أنصار الدين ، أو ذلك الخاص بحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا ، أو الحركة الوطنية لتحرير الأزواد ، وتابع المسؤول العسكري الأمريكي يقول : " أنّ هناك تحدّيات أخرى في شمال مالي ينبغي مواجهتها بدءًا من إقامة حكومة شرعية في باماكو ، وضرورة الأخذ بالحسبان إنشغالات سكان شمال مالي ، كما أشار إلى أنّ الأزمة ، لايمكن أن تحلّْ إلّا بطريقة دبلوماسية أو سياسية ، مضيفٍا أنّ القوة العسكرية ستكون جزءًا من الكلّْ ، وستلعب دورًا محدّدًا في حلِّ هذا النّزاع " والمتتبّع للوضع في المنطقة ، يدرك حقيقة أنّه لا تزال مستويات التفاعل مع تطوّرات الوضع الميداني محدودة ، ذلك أنّ الجزائر التي تعتبر القوّة العسكرية الإقليمية الأهم ، ترفض وبشكلٍ شبه مقدّس ، أي عمل عسكري خارج حدودها ، كما تعترض على كلّ صيغة للتعاون مع أطرافٍ أخرى من خارج دول الميدان ، قد يكون انعكاساتها المباشرة ، نشر قوّات أجنبية على حدودها ، ولا تزال الجزائر تصرُّ على تغليب الحلول السياسية والدبلوماسية ،لتجاوز الأزمة في باماكو ومشملة الشمال المالي ، مع إمكانية النظر في السبل الأخرى الكفيلة بتحجيم القاعدة في المنطقة عندما تكون الظُّروف مواتية ، وتحسُّبًا لأي طارئ عمدت الجزائر على إرسال مايزيد عن عشرة آلاف جندي لإغلاق المنافذ الحدودية الفاصلة بينها ، وبين كلٌ من النيجر ومالي وموريتانبا مع مهمّة خاصّة بتطويق المسالك الصحراوية المهجورة ، ولفهم هذه المقربة الجزائرية لا بدّ من فهم مبادئ ومحدّدات السياسة الخارجية الجزائرية ، إذْ تتحرّك الدبلوماسية الجزائرية في فضائها الجيوسياسي الإفريقي ، وهي تدرك أنّها تعيش في ساحل من الأزمات الممتدّة على حدود تتجاوز 6343 كلم ، وهذا الساحل الأزماتي يرتبط بعدد من المعضلات الأمنية أهمّها خمس معضلات كبرى وهي صعوبة بناءْ الدّولة في هذه المنطقة ، ضعف وتنامي الصراعات الإثنية ، البنى الإقتصادية الهشّة ، وهو ما يشكّل تهديدات صلبة وليّنة يمكن تصديرها للجزائر ، ضعف الأداءْ السياسي ، إذْ سجلّت لحدِّ الآن ست انقلابات في كلٍّ من موريتانيا ومالي والنيجر ، وكذا انتشار لجميع أشكال الجريمة ، وأنواع الأشكال الجديدة للعنف البنيوي ، وعلى هذا نجد الدبلوماسية الجزائرية وفق المنظور الأمني تربط أي تحرّك بالمعايير القانونية الدبلوماسية التالية : تفضيل الجزائر دبلوماسية الفعل على دبلوماسية التصريحات ، وهي تتحرّك دائمًا وفق هذا الإطار العام في حالات الإستقرار أو حالة التأزم في العلاقات مع دوا الجوار، هذا وترى الجزائرْأنّ لتعاطيها السياسي مع الفضاءْ الإفريقي كلفة إقتصادية وسياسية ، يجب دفع فاتورتها ضمانًا لإستقرارها ، وقد أفلحت الجزائر في إدارة هذه العلاقات ، وتجنّب أنواع التمزّق ودعوات الإنفصال ، وحافظت على كيانها الموحّد ، بل إنّها أجبرت القوى الكبرى على قبول منطقها في التّصدي لما يُعْرَفْ بظاهرة الإرهاب والجريمة المنظّمة ، ولهذا فالحلّْ الأكثر كفاءة هو الأقوى فاعلية ، وبالنسبة للتدخّل العسكري الخارجي ، تحت منطق قمع الإرهاب دون الأخذ بعين الإعتبار المطالب السياسية والشرعية ، في الكثيرمن الأحيان للمتمردين في الشّمال والجنوب ، سيكون ذو عواقب وخيمة على المنطقة *.



إنّ تعزيز جهود تسوية الصراعات التي تمتد داخل المجتمع المالي عن طريق التفاوض ، وتحييد دعاة التطرُّف في الداخل والخارج ، هو التّحدّي المزدوج الذي يواجهه الحلّ لهذه الأزمة ، كما يجب التأكيد على ضرورة تغليب الوسائل الدبلوماسية والسياسية للخروج من الأزمة أي ينبغي على المجتمع الدّولي أن يشجع الحوار للحفاظ على هذه الفرصة وعلى منظّمة الإيكواس إعادة موازنة جهود وساطتها ، لتجنّب زيادة تفاقم الكسور العميقة الموجودة في المجتمع المالي كذلك على الفواعل الإقليمية بما فيها الجزائر زيادة التنسيق الأمني بين هذه الوحدات السياسية ، خاصةً في إطار دول الميدان ، للوقوف في وجه التحدّيات الأمنية المعقّدة و المركبة ، كما يجب على الجزائر كونها لاعبًا محوريًا وذلك من خلال تنشيط سياستها الخارجية ، وفرض منطق الرّيادة في المنطقة بما يتماشى وحماية أمنها القومي ، فهي تعتمد في تعاملها مع القوى الكبرى على توجّه إستراتيجي يتوقّف على منظورين ، الأوّل : هو الدفاع عن ريادتها المغاربية و الإقليمية ، والثاني هو رفض التدخّل الأجنبي تحت أيِّ مبرّر ، لكن دون إستبعاد التعاون مع القوى الكبرى ...... تشير المادّة 25 من الدستور الجزائري المعدّل والمتمّم ، بالدّور المحدّد والمنوط بالجيش الجزائري إلى ما يلي : تنتظم الطاقة الدّفاعية للأمّة ودعمها وتطوريها حول الجيش الوطني الشعبي ، والذي تتمثّل مهمّته الدّائمة في المحافظة على الإستقلال الوطني والدّفاع عن السّيادة الوطنية ، كما يضطلع بالدّفاع عن وحدة البلاد ، وسلامتها الترابية ، وحماية مجالها البرّي والجوّي ، ومختلف مناطق أملاكها البحرية ، هذا وتُعدّ الوساطة الجزائرية بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة " الآلية الوحيدة التي بإمكانها حلّ أزمة مالي ومشاكله بصفةٍ نهائية " ، الأمر الذي جعل مدير إتّحاد علماءْ إفريقيا يشيد بهذا الدّور وبجهود الرئيس الجزائري من خلال تجربته الدبلوماسية الطويلة " * وحثّْ دول الجوار على الإستفادة منها...







* مأخوذ عن بوحنية قوي : استراتيجية الجزائر اتجاه التطورات الأمنية في السّاحل الإفريقي ، مركز الجزيرة للدّراسات يونيو 2012 ص 12
*الحوار ورفض الحلّ العسكري ، " مقاربة الجزائر لحل أزمة مالي "
* أوراري .م عبد القادر مساهل : " المقاربة الجزائرية للخروج من الأزمة في مالي تحظى بإجماع الدّول الكبرى " في مداخلته في الإجتماع حول السّاحل ومالي من تنظيم منظّمة الأمم المتّحدة
وكالة الأنباءْ الجزائرية ، الأزمة المالية : الولايات المتّحدة تدعم المقاربة الجزائرية *
المطلب الثاني ـ رهانات السياسة الخارجية الجزائرية في ظلّ إرادة تموقع الدّول الكبرى :
والتي تمحورت بناءًا على تلك الخلافات بين الحليفين الفرنسي والأمريكي ، حينما نصحت الولايات المتّحدة الأمريكية فرنسا ، بعدولها عن معارضة طرح القضية الجزائرية (1) في الدّورة الثانية عشر حينما تقدّمت مجموعة من الدّول الأفروآسيوية ، بمشروع قرار للتصويت لصالح القضية الجزائرية ، وذلك بضغطها على فرنسا بعد ممارستها الوحشية ضدّ الشعب الجزائري ، وحدوث تصدّع في الموقف الأطلسي بحيث سُجّل غياب فرنسا في الدّورة الخامسة عشر ، وكان هذا الأخير إنتصار حقيقي للقضية الجزائرية ، واستكمالًا للمسار التاريخي للعلاقات بين البلدين ، فقد تمّ إعتراف الولايات المتّحدة الأمريكية ، بالحكومة الجزائرية في 29 ديسمبر 1962 ، بحيث كان ويليام بورتر أوّل سفير أمريكي بالجزائر في ديسمبر 1962 ، وكاستكمال آخر لمجرى تاريخ العلاقات الجزائرية الأمريكية ، نتصّفّح محطّة زيارة الرئيس الشاذلي بن جديد لواشنطن في 17 أفريل 1985 ، والتي جاءت في سياق مجموعة أحداث ، كتنويع مصادر السّلاح ، ناهيك عن دور العامل الإقتصادي في إحداث تقارب دبلوماسي سياسي بين البلدين ، والمغرب العربي ومشكلة الصّحراء الغربية ، بحيث تمّ التركيز على هذين المحورين (2) الأمر الذي يعكس الأبعاد الكبيرة للدبلوماسية الجزائرية ، وتطلُّعاتها للعب دور محوري على الصَّعيد الإقليمي ، القارِّي وكذا الدّولي ، ومع توالي الخطوات التاريخية للعلاقات بين البلدين ، يمكن القول بأنّه تاريخيًا ، لا يمكن الحديث عن الجزائر والولايات المتّحدة الأمريكية كحليفين استراتيجيين ، ولكن بلدين جمعهما الإقتصاد ، وفرّقتهما الأيديولوجيا (3) وفي الواجهة المعاكسة كان الإتّحاد السوفياتي أوّل دولة في العالم تقيم علاقات دبلوماسية مع الجزائر المستقِّلة ، بحيث تمّ في 04 أفريل 2001 توقيع البيان حول الشراكة الإستراتيجية بين الدّولتين وفي 23 نوفمبر 2005 زار وزير الخارجية الرّوسي الجزائر في إطار جولة مغاربية ، بحيث قام وزير الخارجية الأسبق محمّد بجاوي ، بزيارة جوابية إلى موسكو عام 2006 ، وكلّ هذا كان في إطار تأسيس لاستراتيجية التّعاون الرّوسي الجزائري ، بحيث ساهم خبراءْ روس مساهمة فعّالة في تطوير الإقتصاد الجزائري ، وتطوير فروعه مثل الطّاقة والتعدين والحديد والصُّلب ، وبناء الماكينات وإنشاءْ المشاريع المائية ، وإقامة مشاريع كبرى ، كمصنع الحديد والصُّلب في الحجّار وعنَّابة ، والمحطّة الكهروحرارية في جيجل وخَطّْ أنابيب الغاز ، بحاسي مسعود وسدّْ بني زيد ، بحيث شغلت هذه المشاريع مكانة هامّة ، في التّعاون الثنائي بين البلدين ، بهذا وإذا ما قمنا بدراسة مقارنتية لموقع السياسة الخارجية الجزائرية في ظلّ الثنائية القطبية .......



(1) محمد السّعيد هارون : " صوت القضية الجزائرية في المحافل الدّولية " مجلّة المجاهد ، العدد 1143 ، 02 جويلية 19 82 ص 78
(2) عمر عزّْ الرجال : " أبعاد زيارة الرئيس بن جديد للولايات المتّحدة " بمجلّة السياسة الدّولية ـ العدد 81 السنة 1985 ص 13
(3) عمّار قليل " ملحمة الجزائر الجديدة " الجزء الثالث ـ الجزائر دار البعث 1991 ص 89
يمكننا القول أنّ الجزائر شأنها شأن الدُّول التي تتجه خارجًا ، بعد العودة إلى العامل التاريخي ، فيتولّى إثارتها بخصوص تركيبات المجتمع المادّية ، السياسية ، السوسيوإقتصادية ، العسكرية القبلية واللّغوية و الدينية ، وتطوُّرِها إعتبارًا من أنّ الخبرة التاريخية ، ذات دلائل في وضع تصوُّرات بشأن السياسة الخارجية (أو أي سياسية أخرى) لمعالجة الواقع ، وكذلك بشأن وضع تصوّرات المستقبل (1) ، من ذلك العلاقات الصينية ـ الجزائرية الوثيقة وطويلة الأمد ، وتماشِيًا للصيرورة التاريخية للعلاقات بين البلدين في مجال علاقات التعاون الإستراتيجية الصينية ـ الجزائرية ، نجد حضور الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، قمّة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي ، بحيث تمّ توقيع بيان بِشأن تطوير علاقات التعاون الإستراتيجية بين البلدين وبصورةٍ متزايدة ، ووفقًا للإحصاءْ الوارد من الجمارك الصينية ، وصل الحجم الثنائي الصيني ـ الجزائري ، إلى 3 مليارات و828 مليون دولار أمريكي عام 2007 ، في الإقتصاد ، التِّجارة ومجالات أخرى بين صادرات وواردات البلدين ، والتي يحدِّدُها العامل التاريخي ، والمفاهيم التي يقدِّمُهَا هذا العامل ، ونجد أنّ الرؤية له تختلف من دولةٍ إلى دولة فالفهم الذي نعطيه للعامل التاريخي ، والمفاهيم التي يقدِّمها هذا العامل بدوره لتلك الدّول تجعلها تختلف وتتناقض في صيغها وأدائِها للسياسة الخارجية ، وهذا أمرٌ طبيعي في العلاقات الدُّولية (2) ، وانطلاقًا من كلّ تلك التناقضات في سياسات الدُّول الكبرى ، والعوامل التاريخية المحدّدة لعلاقاتها بالجزائرْ ، وكذا موقعها الإستراتيجي إرتسمت قوّة السياسة الخارجية لها ما جعلها محلّ استقطاب لسياسات الدّول الكبرى ، والفاعلة منها على السّواءْ ، ما دفع بالجزائِرْ لرفض وجودها فيما يسمّى ب " المنطقة الهامشية " ، وهي المناطق التي تستطيع الولايات المتّحدة الأمريكية التدخُّل فيها بسرعة ، نظرًا لإمكانياتها العسكرية ، وقدرتها على التّدخّل السريع (3) ساعيةً إلى رفض الأطماع والدّخول في مناطق النُّفُوذْ ، ومحاربة كلّ ما يضعها في خانة الوجود الهامشي(4) شأنها في ذلك شأن الدّول الكبرى التي عملت على الوقاية من أي تدخل أجنبي في شؤونها ، من خلال إتفاقات يالطا فيفري 1945 ، وبوتسدام جويلية 1945 ، واتفاقات هالسكي للأمن والتعاون الأوروبي 1975 ، والتي هي تكريس للواقع الحالي لها ، " كما لا يفوتنا أن نذكِّر أنَّ العلاقات السياسية والدِّبلوماسية والتِّجارية بين الجزائِرِ وبريطانيا قد بدأت منذ العام 1585 في وقت إليزابيت الأولى ، حيث تمَّ تعيين قنصل إسمه جون تبتون وكان مقيمًا في الجزائِرْ ممثَّلَا لبريطانيا ، وله صلاحيات واسعة على مستوى كلّْ شمال إفريقيا ، وهذا يدلُّ على أنَّ الجزائِرْ كانت قويةً جدًّا كقوَّة بحرية ، سياسية ، إقتصادية وعسكرية في البحر الأبيض المتوسِّط كَكُل " (5) ويدفع لتوطيد هذه العلاقات معها .....


(1) (2) بوعشّة : التكامل والتنازع في العلاقات الدّولية الرّاهنة ـ دراسة في المفاهيم والنّظريات ـ ص 150 الفقرة 3 و4
(3) بوكرا إدريس : " مبدأ عدم التدخل في القانون الدّولي المعاصر" المؤسّسوة الوطنية للكتاب 1990 ص 373 فقرة 2
(4) خطاب الرئيس الشاذلي بن جديد في الهند 22 أفريل 1982 ـ الجزائر والأحداث الدّولية ـ
(5 ) محمّد الصّالح دمبري للحوار البريطانية : شراكتنا مع بريطانيا بوابة لتعزيز علاقتنا مع أوروبا ، نشر بواسطة فتحي شفيق يوم 08 / 12 / 2009

عبّر الفيلسوف الألماني هيغل عن الحركة الثورية الأصيلة ، والتي غالبًا ما يصاحبها حالة من الوعي بالذات : " بِأنّها الفاصل بين الإمكانيات المعبرة عن الوجود بالقوة ، وبالواقع الموضوعي المعبِّر عن الوجود بالفعل " ، وهي نفس الحالة التي قال عنها المفكّر الجزائري مالك بن نبي : " بأنّها حالة التوتر أو الفعالية التي تحرك الطاقات الإجتماعية ، وتوجهها بفعل المبرِّرات والدوافع الإنسانية إلى أسمى الغايات "* مع العلم بأنّ نهضة الشعوب لا يتحقّق بفعالية ونجاعة ، إلّا في مثل هذه الحالات من الوعي بالذات والمناخ الثوري ، وأنّها إن ضيّعت مثل هذه الفرص ، ولم تستنفع من مدخَّراتها فمن الصعب عليها القيام بعملية النهضة ، بل تصبح زيادةً على ذلك عرضة لعملية الإستيلاءْ والنّهب ، فهي إذن لحظات تدفع بالأمم ، للدّخول إلى معترك التاريخ ، بحيث أنّه نادرًا ما تتكرّر تلك الحالة من الوعي ، ويصعب أيضًا المحافظة عليها وتعتبر محاولة للحدّ من تفاعلاتها ، خسارة عظمى للأمم ، واستنادًا على جهاز دولة ضامن للإستقرار والتنمية واستكمالًا لمسيرة الإستقلال السياسي والثقافي باستقلال إقتصادي ، وتصفية نهائية للمكاسب الإستعمارية ، وفق نطاق استراتيجية تتجاوب والإفرازات التي أنتجها نموذج التنمية الإقتصادية ، الموافق للشروط الدّولية . وكون أنّ الهدف السياسي الخارجي هو الحالة المستقبلية التي يطمح صانع القرار لتحقيقها مدعومًا بالقدرات التأثيرية لدولته إلى ترتيبها خارج حدودها السياسية خدمةً لمصلحتها الوطنية ، وهو بهذا المعنى يسهم في إضفاءْ البعد المقصود للحركة السياسية الخارجية ، بمعنى لا يمكن تصوُّر سياسة خارجية تخلو من أهداف تسعى إلى إنجازها (1) كما يعرّف إسماعيل صبري مقلّد أهداف السياسة الخارجية بأنّها : " وضع معيّن يقترن بوجود رغبة مؤكّدة لتحقيقه من خلال تخصيص ذلك القدر الضَّروري من الجهد والإمكانيات التي يستلزمها الإنتقال بهذا الوضع من مرحلة التَّصور النَّظري البحث إلى مرحلة الوجود أو التَّحقق المادِّي (2) فما هي مساعي الجزائِرْ إذن في هذا النَّمط ؟







* الجزائر منطلقات وآفاق ــــ ناصر الدّين سعيدوني ــــ البصائِرْ 2012 ص 295 (1) مازن إسماعيل الرّمضاني مقدّمة في الجوانب النَّظرية لمفهوم الأمن الخارجي ( الأمن والجماهير العدد 04 تموز ـ يوليو 1981 ص 324
(2) إسماعيل صبري مقلَّد : العلاقات السياسية والدّولية ـــ دراسة في الأصول والنَّظريات ، الطبعة الرابعة ( الكويت ذات السلاسل ) 1987 ص 128



الإقتصاد الجزائري بين الثورات البنيوية وأيديولوجية التنمية




تحدّيات السياسة الجزائرية في إعادة هيكلة المنظومة الإقتصادية





التّحدي مصدر لضعف العدوان الإقتصادي





مجهودات الجزائِرْ في الحصول على السيادة الإقتصادية في إطار استراتيجية التصلُّبْ
Intransygent strategy

المطلب الأول ـ التحدِّي مصدر لضعف العدوان الإقتصادي :
إنّنا نرى أنّ الإستعمار ليس بالعنصر الوحيد المعطي ، والذي يؤدي حتمًا إلى إقرار نظام دولي إقتصادي جديد ، بل إنّ التحليلات تمكّننا من ملاحظة أنّ الإنسان المستعمر يبقى بالدّرجة الأولى شاعِرًا ومعايشًا لبلوغ هذا الهدف ، وذلك في محاولةٍ للتخلّي عن استراتيجية التأخير (1) واستنادًا على الصفة الفعالة لميثاق الحقوق والواجبات الإقتصادية للدّول ، وذلك من خلال قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة رقم 2218 في دورتها الواحد والعشرين ، ارتسمت ملامح لإقامة الجزائر لثورتها البنيوية على الصعيد الإقتصادي ، وعملت جاهدةً على إنجاح ذلك ، لا سيما بعد صدور قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في دورتها الخامسة والعشرون بعنوان الإستراتيجية الدّولية لعشرية التنمية الثانية للأمم المتّحدة رقم 2626 والذي كان من ضمن نصوصه واجب تقديم كلّ دولة متقدّمة موارد صافية لا تقلّ عن 01 بالمائة من ناتجها القومي الحقيقي لغرض مساعدة الدّول النامية بين سنتي 1972 ـ 1975 ، وذلك دون وضع شروط مسبقة أو المساس بسيادتها الدّاخلية إذْ أنّ مايعكس توفر القدرة والإرادة والنظرة الإستراتيجية للجزائر في مواجهة تحدّيات العصر، والناجمة عن مواجهة نظام إقتصادي عالمي هي : " كون أنّ الثورة الزراعية ، الصناعية والثقافية ، وإنشاءْ حزب جبهة التّحرير الوطني ومشروع الميثاق الوطني الذي انبثق عنه أوّل دستور للبلاد ، كانت خيارات تنموية صائبة إنتهجها الرئيس هواري بومدين في تلك الفترة ، والتي سمحت بضمان حماية الجزائر لسنوات طويلة حتّى بعد وفاته " * ، وذلك بنظرةٍ مستقبلية عميقة وترتيب كامل للأولويات ، والإختيار الأمثل للبدائلْ ، بالإرتكازْ على متغيّرات ونظريات سياسية قديمة وحديثة ، ليصل إلى ترقيع بلد قطّعه الإستعمار إجتماعيًا وسياسيًا (2) ، أمّا يونس قرار مستشار تكنولوجيات الإعلام والإتصال ، فقد ذكّر بالرؤية المستقبلية للرئيس هواري بومدين خلال الستينات بخصوص الإعلام والإتصال ، وهو ما يعيشها العالم اليوم من تحولات في هذا المجال ، إذْ تمّ تأسيس المعهد الوطني لتكوين الشباب في الإعلام الآلي ، إلى جانب مشاريع أخرى كشبكة الخطوط الجوِّية * والذي من خلاله تمّ تقديم أرقام في تحدّيات الإعلام والإتصال تقدّر بعشرين مليون مشترك في خدمة الجيل الثالث بعد سنتين من إنطلاقه * وإلى جانب إستكمال المؤسسات الوطنية كرهان تنموي فقد جعل من الجزائر طرفًا محوريًا في العلاقات الدّولية و الإقليمية ، مشيرًا إلى بعض مواقفه التاريخية في حلّْ النزاعات بين الدّول في إفريقيا وآسيا ، كالنزاع المغربي ـ الموريتاني سنتة 1969 وبين بنغلادش وباكستان سنة 1974 * ، وذلك في إطار استراتيجية تعميق العلاقة بين الجزائرْ وكلّْ الدّول النامية والمتقدِّمة على حدٍّ سواءْ .....



(1) محمد بجاوي : من أجل نظام إقتصادي دولي جديد ـ الشركة الوطتية للنشر والتوزيع 1980 ص117 فقرة 1 ـ تعريب الدكتور جمال مرسي وابن عمّار الصغير
* (2) محي الدين عميمور ويونس قرار ـ الملتقى الوطني الثامن حول استراتيجية التنمية في فكر الرئيس الرّاحل هواري بومدين .
المطلب الثاني ـ مجهودات الجزائر في الحصول على السيادة الإقتصادية في إطار استراتيجية التّصلّب :
من خلال ما أفرزته أطروحات أفكار منظِّري الإطار التبعي ، التي سنَّت للعمل على تطبيق الفجوة بين العالمين النَّامي والمتقدّم ، والتي عكستها ديناميكية إستراتيجية الرئيس الرّاحل هواري بومدين في سعيه الدّؤوب لحصول الجزائر على الإستقلال التّام ، لا سيما من خلال مواقفه الرّائدة في المؤتمر الرابع لحركة عدم الإنحياز المنعقد بالجزائرِ سنة 1973 والذي كان موقفه يستجيب لتطلُّعات بلدان العالم الثالث ، في إقامة نظام دولي إقتصادي جديد يضمن تحرّرْ شعوبها ويعتبر مساهمة فعّالة في تدعيم الأدوات القانونية لحماية السيادة والإستقلال ، ويكرِّسْ قواعد جديدة في القانون الدُّولي (1 ) من ذلك نص المادّة 01 من القرار 1803 للجمعية العامّة للأمم المتّحدة المتمثّل في حق الشعوب والأمم في السيادة الدّائمة على ثرواتها ومواردها الطبيعية ، والذي يجب أن يمارس لصالح تنميتها القومية ورفاهية شعب الدّولة المعنية ، و يعتبر من جملة القرارات التي توضّح أنَّ : " مفهوم التدّخل الإقتصادي أصبح يشقُّ طريقه نحو قاعدة عرفية جديدة تتضمّن عدم التدخُّل الإقتصادي " (2) ومن ذلك نجد تلك القفزة الكبيرة جدّا التي شهدتها الجزائِرْ في مجال الصناعة ، وتركيزها على الصناعات الثقيلة ، لضمان إستقلالية البلد ، بحيث لم يمنعها هذا الإهتمام بالصناعات الخفيفة على غرار كلٌّ من كوريا الجنوبية وهونغ كونغ ، و إختار الرئيس بومدين في هذا المجال التعاون بالشراكة مع ألمانيا ، إنطلاقًا من أنّها الدولة الأوروبية النّاجحة على الصّعيد الصناعي ،، كما أمِّمت الأراضي المغتصبة والبنوك ، وكذا إسترجاع القاعدة العسكرية بالمرسى الكبير بوهران ، وتفكيك مواقع التجارب النّووية الفرنسية في رقان وبشار ، كما منحت الجزائر من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي للعلماءْ الذين لم يقدِروا على التعبير على أرائِهم في بلدانهم الحفاوة والمنبر* ، وذلك في إطار التمسُّك بثوابت الأمّة ، ومن خلال الإستراتيجية الهادفة إلى إظهار استقلالية الجزائر عن التبعية ، وعدم الخضوع للضغوطات للتأكيد على قوتها الإقليمية المقاومة لجميع أنواع التدخّل ، محتجّةً بمبدأ السيادة والإستقلالية (3) فعدم الإستقرار في العلاقات الدّولية من شأنه أن يؤثر بصفة مباشرة على دول العالم الثالث ، ويعرقل مطامحها في الحفاظ على استقلالها السياسي والإقتصادي ، وهذا الوضع يزيد من تمسُّك هذه الدّول ، بضرورة إقامة النظام الإقتصادي الدّولي الجديد ، وإدخال تحسينات على نظام العلاقات الدُّولية (4) ، ذلك أنّه عادةً ما يجسِّد هذه الإستراتيجية كونها أحد مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية ، تلك التصريحات الحادَّة من قبل القادة الجزائريين في مختلف المحافل والمناسبات .


(1) (2) بوكرا إدريس : " مبدأ عدم التدخّل في القانون الدّولي المعاصر" المؤسسة الوطنية للكتاب ـ الجزائرـ 1990 ص 384 و385
(3) محمد هادف : " حول مفهوم السيادة لدى النظام السياسي الجزائِرِي "
la politique exterieur de l‘ algerie a l‘ egare du tiers monde, op . cit
(4) من خطاب الرئيس الشاذلي بن جديد في الصين 26 أفريل 1982 ، الجزائر والأحداث الدّولية وزارة الشؤون الخارجية
* أحمد طالب الإبراهيمي : مقابلة مع رضوان حرياطي ـ حوارٌ في الذّاكرة ـ إذاعة الجزائر 27/ 10/ 2016







مساعي الجزائر في تجسيد متغيِّر الأمن الإقتصادي الجماعي .





الإقتصاد الجزائري وتبنّي إستراتيجية البدائِلْ المطروحة






دور الجزائرْ في تنسيق التنمية الإقتصادية




المطلب الأوّل ـ الإقتصاد الجزائري وتبني إستراتيجية البدائلْ المطروحة :
تعتبر العلاقات الإقتصادية الدّولية بين الدّول المتقدّمة مع غيرها من بلدان العالم الثالث ، مظهر من مظاهر تفوق هذه الأخيرة ، ذلك لأنّها كوّنت في إحدى صورها تبعية إقتصادية في السلع المصنّعة والمنتوجات الزراعية ، وكذا المواد الأوّلية ، ومردّ ذلك إلى اللاتكافؤْ في العلاقات ، والذي يتولّد عنه إتساع الهوّة بينهما ، وذلك من خلال إعتماد الدّول المستهلكة ، على منتوجٍ واحد في صادراتها وكذا على المواد الخام ، بحيث مثّل هذا الوضع أهمّْ فترة أعقبت الثورة الصناعية بإنجلترا (1890 ـ 1914) ، وإحدى الحقائق الدّولية الرّاهنة ، كعامل محدّد في العلاقات الدّولية ما جعل الإقتصاد الجزائري يجد نفسه أمام حتمية التغيُّرات الجذرية ، وذلك من خلال إصلاحات بنيوية هامّة تعمل على إنعاش مختلف القطاعات لا سيما بعد موافقة الجمعية العامّة في لائِحتها رقم 3362 (ص7) من خلال النّدوة العامّة المنعقدة بليما سنة 1975 ، النّاصة على تحويل منظّمة الأمم المتّحدة للتنمية الصناعية ، إلى مؤسّسة متخصّصة تعمل على مساعدة البلدان النّامية في تفعيل سياستها التنموية ، وإن كان هذا دون الرّضا التّام للدول المتقدّمة ، والتي جرّدت من جزءٍ من سلطتها التقريرية ، مع أنّه لا يزال مرهونًا بالإدارة السياسية لها (1) ، من ذلك تفعيل قطاع المحروقات كقطاع حيوي ومحوري في الإقتصاد الوطني للجزائر، بحيث تكفّلت الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك بمختلف النَّشاطات المتعلّقة بهذا القطاع ، وقام الرئيس الشاذلي بن جديد بإعادة هيكلة المؤسّسات الإقتصادية الكبرى ، وإعادة توزيع أقطابها الصناعية كما كان الإتجاه نحو تقوية الصادرات من الغاز الطبيعي مع مطلع 2000 ، وذلك بتجديد مصانع تمييع الغازالمغاربي وبناءْ أنبوب الغاز المغاربي ، ومضاعفته في إتِّجاه إيطاليا ، وقبلها مع بدايات سنة 1994 ، بدأ الإهتمام الأجنبي ينصبّ حول السوق النفطية الجزائرية ، حيث أنّ أكثرمن عشرين عقد شراكة أمريكية ،فرنسية وإيطالية وقع في هذا المجال كشركة آركو الأمريكية والَّتي تقدَّمت بمشروع لرفع إنتاج حوض روض الباقِلْ وتلك المفاوضات بين كلٌّ من شركة سوناطراك وتوتال الفرنسية على حوض يقع جانب حاسي الرّمَل (2) وبسيطرة حكومات الجزائِرْ على مصادر ثراواتها القومية النَّفطية في إطار رسم لاستراتيجية الإستخدام الأفضل للإحتياط النَّفطي ، وذلك باستهدافِها لصالح تعجيل التَّنمية الإقتصادية .








(1) محمد بجاوي : من أجل نظام إقتصادي دولي جديد ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع 1980 ص 297
(2) عبد الله بلحبيب : " السياسة الخارجية الجزائرية في ظلّ الأزمة " ص 71 فقرة 4
هذا وعرفت سنة 1995 إنطلاق إنتاج أحواض جديدة في منطق النومر وبئر الربيع بالجنوب الجزائري مع شركة آجيب وحوض الحامة مع توتال وبالموازاة مع هذه المحاولات لتحديث قطاع المحروقات ، بغية بعث الإقتصاد الوطني أقدمت السلطات الجزائرية على جملة من الإصلاحات ، لإعادة جدولة ديونها ، باعتباره خيارٌ لا مفرَّ منه (1) وكانت تلكم بداية تستلزم تحقيق موازنة فضلى بين المحافظة على الثروة النفطية لأغراض مواجهة متطلّبات التنمية في المستقبل وبين تحديد وتأثر الإنتاج لمواجهة متطلّبات التنمية في الحاضر ، إذْ فرضت هذه التحوّلات مسؤوليات كبرى على عاتق العاملين على تخطّيها في تحديد استراتيجية الإستخدام الأمثل للثروة النفطية من ناحية أهداف ومعايير التنمية(2) الأمر الذي يتطلّب الموازنة بين الكلفة الإقتصادية من جهة ، والكلفة البيئية من جهةٍ أخرى ، في إطار تحسين نوعية مخرجات المشاريع الإقتصادية (3) وتقييم فعالية السياسة المطبّقة على تنمية واستغلال الموارد الطبيعية وكذا مؤشرات قياسها التنموية (الإستثمار)













(1) عبد الله بلحبيب : مرجع سابق ـ ص 72 فقرة 1
(2) علي أحمد عتيقة : بعض الخيارات المتاحة للعلاقات الجديدة بين المنتجين والمستهلكين للنفط ، في ظلِّ دراسات وأبحاث ألقيت في دورة أساسيات صناعة النفط والغاز ، المنعقدة في الكويت في 05 جانفي إلى 04 مارس 1976 ـ الجزءْ الثاني 1977
(3) عثمان محمد غنيم وماجدة أبوزنط : التنمية المستديمة فلسفتها ، وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها ـ دار الصفاءْ للنشر والتوزيع ـ عمّان ، الطبعة الثانية 2014 ص 48 فقرة 01 .
المطلب الثاني ـ دور الجزائِرْ في تنسيق التنمية الإقتصادية :
بحيث أصبحت السياسة الخارجية الجزائرية في هذا التقييم ، وأصبح النشاط الدبلوماسي يكتسي بعدًا اقتصاديًا أكبر ، وهذا من متطلّبات السّاعة والمرحلة التاريخية التي تمرُّ بها البلاد ، فمن الطبيعي أن تعكس دبلوماسيتنا هذه الإنشغالات والتطلُّعات بإقحام البعد الإقتصادي بقوّة في نشاطها (1) ما دفع بالسلطات الجزائرية بإقحام ملاحق اقتصادية على مستوى كلّْ السفارات ، إذْ شهدت 1996 توافد حوالي خمسة آلاف رجال أعمال أجنبي (2) وذلك على غرار إقامة مشاريع شراكة وأعمال من أوروبا والعالم العربي وآسيا ، كما شاركت الجزائرْ في عدّة ملتقيات لدفع عجلة اقتصادها قدُمًا كما فعلت ذلك مئة مؤسّسة جزائرية وألمانية في كولونيا ،و احتضنت الجزائر الإجتماع الأوّل لمنتدى رجال الأعمال الجزائريين والألمان في 27 جويلية 1996 ، بحيث تمّ التوقيع على أربع اتفاقيات (3) كتأكيد لمبدأ لعبة السّوق ، حين عكست مواقفها معاني تدابيرالتكيُّف والتجنب النوعي لاستراتيجيات التواكل العالمي ، من ذلك وضع البدائلْ كأوّل خطوة للخطوط العريضة للتنمية وفق برمجة مستقبلية للاقتصاد الوطني ........ فتحقيق التنمية يجب أن يكون في إطار الإحترام التّام للإلتزامات التي تربط الأجيال ، بحيث تحاسب كلٌ منها الأخرى على نموذج النمّو ، وعلى شكل المجتمع الذي سترثه الأجيال القادمة ، وذلك باستحداث مناهج للتطوّرات الاقتصادية التي تهدف للمحافظة على الثروة الغير قابلة للتجديد (4) وباعتماد الجزائر على نمط تصدير المنتجات الأساسية في التنمية وذلك في إطار نظريات التخصّص الدّولي تبعًا للسمات المقارنة ، وذلك باستغلال خيرات سطح الأرض أو باطنها ، فإنّه يتسنّى الحصول على عائدات مالية ، وكذا مضاعفة أرباحها المحقّقة ، وإعادة الإستثمار وتوسيعه ، ممّا يؤدِّي إلى تحقيق كلمة واحدة وهي " التنمية " والذي يتطلّب تطبيق أسلوبها " أن تقوم الهيئات الرسمية والمحلّية تطوير أساليب إدارة متكاملة يتم بواسطتها التعامل مع المجتمع على أنّه نظام متكامل ، وذلك في شقِّه الاقتصادي ، الأمر الذي يتطلّب ديناميكية عمليات ضبط وتوجيه مستمرة للحد من السلبيات ، وتعظيم الإيجابيات ، وذلك بمشاركة فعّالة لأصحاب المشكلة (5) (التخلّف) والذين هم أكثر الأشخاص المعنيين بها ، وأقدرهم على حلّها * ولعلّ أكبر ما جسّد نجاعة هذا الأسلوب هي تلك المعجزة اليابانية منذ عهد ميجي الشّهير سنة 1868 .



(1) التصريح لوزير الخارجية السيّد أحمد عطّاف ليومية الخبر ، يوم السبت 03 ماي 1997 ص07 .
(2) (3) وكالة الأنباءْ الجزائرية ، الجهازْ الدبلوماسي في خدمة الاقتصاد الوطني 06 / 10 / 1997 .
(4) بجاوي : مرجع سابق ص 93 فقرة 3 .
(5) عثمان محمد غنيم وماجدة أبو زنط ـ مرجع سابق ـ ص 50 فقرة 2
* من الطَّرائِق اليابانية في إدارة الأزمات

والذي عكست ما حققته اليابان من امتلاك للتقنية الغربية ، وذلك بامتزاج الثقافة والاقتصاد في تحقيق مفهوم التنمية * وما يجب التنويه إليه أن لاننظر فقط إلى مؤشِّرات العلاقة التجارية الخارجية في تقويم تبعية الاقتصاد الجزائري من عدمه فمن الصّعب تغيير تلك العلاقة بطريقة فجائية ، وهناك مزايا اكتسبتها الجزائر من تجارتها الخارجية ، ووظفتها بطريقة جيّدة في خدمة خططها التنموية ، وإن كانت هناك أخطاءْ ملموسة ، مثل الإعتماد على استيراد المشاريع التّامة الصنع ( الصناعات التقليدية ) (1) ، والتي جاءت فكرة إدماج القطاع الزراعي في التنمية لإعادة هيكلة منظومة إقتصادية شاملة مكمّلةً لهذه النقائص في القطاع التقليدي ، وعلى هذا كانت الثورة الزراعية بعيدة على أن تكون سياسة تطوير لزيادة الإنتاج فقط ، فهي إلى جانب ذلك سياسة تحويل هيكلية لوضعية زراعية موروثة عن العهد الاستعماري ، ونقلة نوعية في التطوير المجسّم والعادل للقوى الإنتاجية الزراعية لخلق حركية التأثير والتأثر في صنع التنمية الاقتصادية الشّاملة والذي يدخل المشروع الأمريكي الزراعي بأدرار في مجال الاستثمار الفلاحي ضمن إطار علاقة التأثر في هذه الديناميكية وهذا ما سوف نأتي على ذكره لاحقًا ..... كما جاءَت في سياسة الثَّورة الزِّراعية ، وقد تمَّ لحدّْ نهاية 1973 ، تشكيل حوالي 2700 تعاونية زِراعِية تضمُّ من بين أعضاءِها نحو 67 بالمائة من المستفيدين من توزيع الأراضي ، وهي في الواقع تعاونية على مستوى الإنتاج و32 بالمائة تعاونية زراعية للإستعلال المشتركْ ، و 14 بالمائة تعاونية زراعية للإستثمار ، أضف إلى ذلك تنصِيبْ 369 تعاونية بلدية متعدِّدة الخدمات في 12 ولاية (2) بحيث ورد في المراسيم والقرارات المفسِّرة لقانون الثَّورة الزِّراعية تحديد أشكال هذه التَّعاونيات على النَّحو التَّالي : التَّعاونية التَّحضيرية للإستثمار ، التَّجمع الزِّراعي العائِلي للمُشَاعين والتَّجمع الزِّراعي للمتعاونين في العمل (3) ، بحيث عكست هذه الأنواع طبيعة الإنتقال ونضج القِوى والعلاقات الإنتاجية إلى المرحلة المتطوِّرة للنِّظام التَّعاوني ، ومن هذا المنطلق يتَّضِح بِأنَّهُ من الضَّروري بعد الإستقلال الوطني ، الإرتكاز على إعادة تنظيم القطاع الزِّراعي ككُلّْ ، في إطار سياسة تنموية شَاملة من شأنها العمل على التَّحرُّر من تبعيات نظام إستعماري سافِرْ .......




* من الطَّرائق في اليابانية إدارة الأزمات
(1 ) نادية رمسيس فرح ـ التنمية المستقلة في الوطن العربي ـ بحوث ومناقشات النّدوة الفكرية : مركز دراسات الوحدة العربية بناية " سادات تاور " بيروت 2001 ص 545 فقرة 03 .
(2) اللجنة الوطنية للثورة الزراعية ـ بيان التطلُّعات يناير 1974
(3) المرسوم رقم 72 ـ 106 الصّادر 07 جوان 1972 عن وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي
لا سيما بعد صدور نص لائحة المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتّحدة ، في إدانة التدخل الاقتصادي لدول على دول ف : " كل تصرف تقوم به أي دولة ضد أي دولة أخرى من أجل المساس بحقِّها الغير قابل للتصرّف ، في ممارسة كامل سيادتها على ثراواتها الطبيعية ، أو من أجل ممارسة الضغط للحصول منها على منافع من أي نوعٍ كان ، وكل إجراءْ ونص تشريعي يطلق لنفس الغرض يشكل إنتهاكًا صريحًا ، لميثاق الأمم المتحدة ، ويتنافى مع المبادئْ التي صادقت عليها الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في القرار 2625 والقرار 3016 ( الدّورة 27 ) ، وفي حالة إستمرار ذلك يمكن أن يشكل تهديدًا للسِّلم والأمن الدّوليين (1 ) هذا وإن معالجة الاقتصاد الجزائري بالدراسة والتحليل ، وعبر فتراتها الزمنية نجد أنّ السياسة الخارجية الجزائرية ، قد اندرجت في إطارالمساومة التاريخية لاسيما كان ذلك على مستوى النفط أو الغذاءْ ، محدّدًا بذلك إعتبارات العائد الإجتماعي ، ومنظور التنمية الطويلة الأجل والمساوي لرأسمالية الدّولة ، وكذا إعتبارات اضمان الربحية التجارية ، والمساوي الرأسمالي ، وهذا ماأكّده السيّد "عبد العزيز بوتفليقة " ووزير خارجية الجزائرْ مصرِّحًا : " إنّ مؤتمر القمّة الرابع المنعقد في الجزائرْ يؤلِّف حصيلة مرحلة بحثت خلالها شعوبنا بعضها عن البعض الآخر ، زمنًا طويلًا قبل أن تلتقي ، وتتجمّع حول مثل مشترك من النضال والكرامة في موقف المواجهة مع مستغليها " ، " كما أنّ هناك أكثر من مجال كان من شأنه أن يستبدل مواجهات الماضي الغير متكافئة ، والمساومات والمبادرات من طرف واحد ، وذلك بحوارٍ عادل ، يهدف لسلامٍ حقيقي في العالم ، وذلك بإلغاءْ مراكز الصراع ، والحرب الإستعمارية والإستغلال المزمن الذي حلّ بثرواتنا الطبيعية ..."(2) فبرفض الدّول المتقدّمة والشركات الإحتكارية ، تلك المساهمة في تجسيد مجهودات الدّول النامية في تحقيق أهدافها الإستراتيجية الدّولية وخلق مناخ إقتصادي يتلاءم وهذه الأهداف ، نجد من ضمن المطالبات في استحداث نسق إقتصادي جديد ، إنعقاد المؤتمر الرابع لدول عدم الإنحياز ( الجزائرْ1973 ) ، ومن خلال الدّورة الإستثنائية السادسة للجمعية العامّة للأمم المتّحدة في أفريل ـ ماي 1974 ، وفي ميثاق حقوق الدّول وواجباتها الإقتصادية الذي تمّ الإعلن عنه في 14 ديسمبر 1974 ، بحيث تمّ التأكيد على ذلك في الدّورة الإستثائية السابعة للجمعية العامّة للأمم المتّحدة المنعقدة في سبتمبر 1975 ، تلكم هي إذن " الفئة الثالثة في كلِّ امّة من الأمم ، التي تبحث عن إستقلال حقيقي لا وهمي ، وهم اليوم القوّة الصّاعدة المتحرِّقة شوقًا إلى قهر تخلُّفها السياسي والإقتصادي ، والذي طال به العهد (3) بسبب ظاهرة التدخُّل القديمة بقدم وجود النزاعات والصراعات.................



(1) محمد بجاوي : " عدم الإنحيازْ والقانون الدّولي " مجموعة محاضرات أكاديمية للقانون الدّولي بلاهاي 1976 الجزءْ 151 المجلّد 03 ص 386
(2) حوار الشمال ـ جنوب ، أسسه ونتائجه ، إصدار معهد الإنماءْ العربي ، بيروت 1977 ص 55 ـ 56
(3) من تصريح الرئيس الشيلي سلفادور أيندي من على منبر الأمم المتّحدة ، محضر جلسة 04 ديسمبر 1972 للجمعية العامّة ، وثيقة رقم أ / ب فقرة 2096


تعدُّ العقائِد الفلسفية لصانع القرار بمثابة أحد أدوات الإدراك الأساسية له ، وحلقة الوصل بينه وبين بيئته الخارجية والمحدِّد الدّافع به نحو صياغة أهداف واستراتيجيات متوسّطة وبعيدة المدى ، وفي ضوءها وفضْلًا عن عوامل أخرى يقوم بتقييم مواقف وسياسات أصدقائِه وخصومه (1) هذا ولخصائِص أسلوب العمل السياسي الخارجي له ، ما يدفعه إلى إختيار العاملين بمعيَّته (2) من ذلك سعيه الدَّؤوب في إعطاءْ أهمِّية ودور للمتغيِّرْ الإقتصادي كأداة تحليل لظاهرة الصِّراع الدُّولي ، وعلى هذا النَّمط نظَّرت فلسفة التاريخ هيغل قائِلًا : " إنَّ التاريخ هو تطور الروح في الزمان ، وأنّ نظرة عابرة على التاريخ العالمي ، تطلعنا على وجود التغير الذي يعني وجود انحلال تنبثق عنه نهضة ، كما يخرج الحيُّ من الميِّت وإنّه كما بلغ شعبٌ ما مرتبة أداءْ دوره في التاريخ ، فإنّ ذلك يتِّم باتخاذْ الوجود بالقوة ، والواقع الموضوعي المعبّر عن الوجود بالفعل " * من ذلك الفترة التاريخية الجزائرية ، التي فصلت بين كلٌّ من عهدتي الرئيس الرّاحل " هواري بومدين " والرئيس الحالي " عبد العزيز بوتفليقة " بحيث أنّها ساهمت في ارتسام ملامح استراتيجية لعملية بناءْ لجزائر متحدّية كما : " يسعدني أن يقع هذا الإنفصام ما بين فترة بومدين ، والفترة التي أتيتُ فيها ......فالعشرين سنة هذه جعلتني أبني حياتي السياسية من لا شيئْ ، من العزلة والوحدانية ......السياسة تقاسُ بالنتائج ولا تقاسُ بالمآخذْ النظرية ، مدّة الصمت هي استراتيجية في حدِّ ذاتها ، والدّليل هو أنّني موجودٌ اليوم أمامك " (3 ) ، فإلى أيِّ مدى أسهمت هذه الإستراتيجية في إنجاح السياسة الإقتصادية للجزائِرْ ؟ لا سيما في ظلِّ تحوُّلات عالمية تقترب من فلك سرعة لمح البصرْ ؟








(1) ثامر كامل الخزرجي : ـــ مرجع سابق ـــ ص 131
(2) مازن إسماعيل الرَّمضاني ـــ مرجع سابق ـــ ص 295
(3 ) عبد العزيز بوتفليقة : في حديث صحفي لتلفزيون الإمارات ، أبو ظبي 17 /02 / 2000


استراتيجيات السياسة الخارجية للإقتصاد الجزائِري





منطلقات وآفاق السياسة الإستثمارية في الجزائِرْ






* Euromed دور الجزائر في الشراكة الأورو متوسطية *





دور استراتيجية التبني في موازاة السياسة الخارجية الجزائرية للشرعية
الدُّولية ( مشروع الشراكة الجزائرية ـ السعودية والأورومتوسطية )

* :Euromed* المطلب الأوّل ـ دور الجزائر في الشراكة الأورومتوسطية
أطّر إعلان برشلونة 1995 لاتفاق الجزائر والإتحاد الأوروبي ، وذلك من أجل إقامة منطقة تبادل حرّْ بينهما ، وكذا دول البحر الأبيض المتوسّط كما أنّه يعد نقطة انطلاقة ، ارتكزت عليها الجزائرْ في مجال رهاناتها الإقتصادية ، فهي علاقة تقع في إطار أشمل أورومتوسطي ، وتحثُّ على التكامل بين دول المغرب العربي ، ومن بين ما تهدف إليه هو مساعدة الجزائر في مجهوداتها الرّامية إلى تطبيف الإصلاحات الإقتصادية ، وذلك بتبنيها النهج الليبيرالي قولًا وتعمل على تطبيقه عملًا ، فبالإضافة إلى سعيها إلى الإنضمام للمنظمة العالمية للتجارة ، فإنّها عملت على تشجيع القطاع الخاص، والذي جدّد تجهيزه وحسّن موقعه بالنسبة للقطاع العام، فحصته من الإنتاج الخام في الصناعة خارج المحروقات، إنطلقت من 18 بالمائة سنة 1992 إلى 34 بالمائة سنة 1999 و اعتمدت ديباجة هذا الإتفاق الذي أعوزته ، إلى الروابط التاريخية ، والقيم المشتركة والرَّغبة في تدعيمها على أساس علاقات تتّسم بالاستمرارية ، وتبادلية المصالح والإمتيازات على المواد الأوّلية والزراعية من جهة ، وسياسة التنوع وارتفاع التنافسية من جهةٍ أخرى ، وكذا على مبادرة خاصة بما يخلق مناحًا ملائِمًا لتطور العلاقات الإقتصادية والتجارية ويشجع الإستثمار في الجزائر، بما يسمح لها من الإستفادة من التكنولوجيا الأوروبية ، فابنكشاف المؤسسات الجزائرية أمام المنافسة الأجنبية الشرسة ، وتعريها من كلِّ حماية ، من شأنه أن يحثُّها على التحسين من أدائِها ، والإستفادة من الشراكات ، في مجالات تمويل الإستثمارات والتسيير والتسويق والبحث والتطوير ، والحث على تطبيق إدارة الجودة الشاملة ، وكذا إدخال أساليب تسيير جديدة على القطاع المصرفي تتفق والمعايير المعمول بها عالميًا ، واستحداث المزيد من المرونة على القوانين الإستثمارية ، بما يشجع الإستثمار الأجنبي المباشر ، وكلُّ ذلك يندرج في إطار ما يعرف باستراتيجية التّدرّج ، أو استراتيجية الخطوة ـ خطوة ، والتي استخدمتها الجزائر في شراكتها مع الإتّحاد الأوروبي وذلك من أجل تشجيع تدفُّق رؤوس الأموال الأجنبية إليها ، على المديين الطويل والمتوسِّط ، الأمر الذي من شأنه الوصول في نهاية المطاف إلى تحسين القدرة التنافسية للمنتوجات الوطنية ، في إطار تحقيق شامل للتنمية الإقتصادية التي يمكن لها أن تدعم السياسة الخارجية ، باعتبار أنّ تطوير البناءْ الإقتصادي هو شرطًا أساسيًا لصياغة وتنفيذ سياسة خارجية فعّالة (1) وما نستنتجه من إعتماد مختلف هذه الإستراتيجيات في مجال التنمية الإقتصادية للجزائر ، هو أنَّ هذه الأخيرة إنّما هي موقف واتجاه يجعل العاملين عليها يجهدون في سبيل تحقيقها ، وذلك بتعبئة الطاقات النفسية والفكرية اللّازمة لها (2) ومن جهةٍ أخرى تفاعلها وتلك المتغيِّرات الناشئة من البيئة الخارجية للوحدة الدّولية ، والتي تشمل المحيط الأخوي والمحيط المرغوب والمفروض (3) كما هو الشأن بالنسبة للشراكة الأورومتوسطية .........


(1) عبد الله بلحبيب : مرجع سابق ص 77
(2) عبد الله عبد الدايم : منشورات دار الأدب ، بيروت في سبيل ثقافة عربية ذاتية ـ الثقافة العربية والتراث ـ طبعة 01 مارس 1983 ص 62
(3) عبد الله بلحبيب : مرجع سابق ، ص86 فقرة 03
المطلب الثاني ـ (مشروع الشراكة الجزائرية ـ السعودية والأورومتوسطية ) :النفط والغذاءْ هما مادّتان استراتيجيتان، بقدر ماهما مادّة إقتصادية وتجارية، وهل لهما من منافس في الإقتصاد العالمي ؟ وما جسّد هده الفكرة هو نشوب توتّرات وأزمات في العلاقات الأمريكية الإيرانية ، بعد تولِّي نظام الخميني الحكم ، والتي أوضحت بما لايدع مجالًا للشكْ ، أنّ الأرصدة المالية النفطية العربية ، والتوظيفات العربية بالخارج ، تشكّل سلاحًا بيد الغرب لا بيد العرب وهذا ما عبّر عنه وزير الخزانة الأمريكية سابقًا ويليام سايمون : ,وهو تعبير لراسمي السياسات عن الذهنية الغربية باتفاقthese people do not own ـ oil , they only sit on it تصدير السلع الغذائية للأقطار العربية ، وتجميد الارصدة المالية الرسمية للأفكار النفطية ، وذلك بزعامة الولايات المتّحدة ودول أوروبا وكذا اليابان ، وبهذا تجد الجزائر نفسها في ظلّ قواعد اللّعبة في هذا النوع من استراتيجيات التعامل جزءًا من التوازن والمساومة ، بالقدر الذي يسمح به وزنها وحدود قدراتها في ذلك ، وأمام حتمية الصّمود والمواجهة ، وذلك بتحويل مواقفها التي لم تكن مشجعةً للإستثمار الوطني ولا الأجنبي منذ الإستقلال وإلى بداية العقد الأخير من القرن الماضي مجسّدًا بصدور قانون النقد والقرض سنة 1990 ، والذي غيّر مع نهاية سنة 1993 ، وذلك من خلال المرسوم التشريعي رقم 93 ـ 12 المتعلّق بترقية الإستثمارات ، ومع رغبة الجزائر في جلب الإستثمار الأجنبي المباشر خارج قطاع المحروقات ، وذلك من خلال المزايا الممنوحة للإستثمار الأجنبي المباشر بموجب الأمر رقم 01 ـ 03 المعدّل والمتمّم بالأمر 06 ـ 08 (1) وذلك وفق النظامين العامي والإستثنائي ، والتي تحدّها كلٌّ من السلطات العمومية والمجلس الوطني للإستثمار ، كلٌّ في إطاره الخاص ، وكذا تلك الضمانات المقدّمة له في هذا الشأن ، كما تضمّن الباب الثالث من الأمر رقم 01 ـ 03 الضمانات الممنوحة للمستثمرين الطبيعيين والمعنويين ، الجزائريين والأجانب (2) إضافةً إلى تشجيع الجزائر لهؤلاء من خلال إبرام عدّة إتفاقيات ثنائية مع العديد من دول العالم ، وعملًا على موازاة السياسة الخارجية الجزائرية للشرعية الدّولية ، نجد ذلك الإقرار بإمكانية اللّجوء للتحكيم الدّولي في حالات خاصّة لفض الخلافات التي قد تنشأ بين المستثمر الأجنبي والدّولة الجزائرية ، خاصّةً أنّ الجزائرإنضمت سنة 1988 بتحفظ ، إلى الإتفاقية التي صادق عليها مؤتمر الأمم المتحدة المتعلِّقة باعتماد القرارات التحكيمية الأجنبية وتنفيذها (3) ووافقت سنة 1995 ، على كلّ من اتفاقية تسوية النزاعات المتعلّقة بالإستثمارات بين الدّول ورعايا الدّول الأخرى (4) والإتفاقية المتضمّنة إحداث الوكالة الدّولية لضمان الإستثمارات (5) في إطار تسهلاتها الممنوحة في هذا الشَّأنْ ...

(1) أنظر الجريدة الرسمية ، العدد 47 الصّادر يوم 19 / 07 / 2006 ص 17 وما بعدها
(2) أنظر المواد من 14 إلى 17 ، وكذلك المادّة رقم 31 من الأمر رقم 01 ـ 03 السابق الذّكر
(3) أنظرالقانون رقم 88 ـ 18 المؤرّخ في 12 /07/ 1988 الجريدة الرسمية العدد 28 الصّادر يوم 13 /07 / 1988 ص 1028
(4) الأمر رقم 95 ـ 04 المؤرّخ في 21 /01 / 1995 الجريدة الرسمية ، العدد 07 الصّادر يوم 15/ 02/1995 ص 07
(5) الأمر 95 ـ 05 المؤرخ في 21 / 01 / 1995 الجريدة الرسمية ـ العدد 07 الصادر يوم 15 /02 / 1995
وعلى هذا الصَّعيد نجد وزير الصناعة والمناجم الجزائري ، يدعورجال الأعمال السعوديين إلى إستغلال هذه المزايا والتسهيلات التي يوفّرها قانون الإستثمار الجديد ، ذلك أنّ الظرف الخاص باقتصاديات البلدين ، يستلزم ترقية العلاقات الإقتصادية الثنائية إلى مستوى جودة العلاقات السياسية بينهما ، وذلك في إطار تجسيد أكبر لاستراتيجية المساهمة من أجل توسيع مجالات العمل وفتح أسواق جديدة للإستثمار ، بحيث تتعلّق مشاريع الشراكة بمجالاتassociation الطب ، السياحة والتصدير ، وذلك بالتعرّف على الإطار القانوني المنظّم لها ، وقد أسفر لقاءْ الأعمال عن إبرام ثمانية إتفاقيات إقتصادية في مجالات متعدّدة ، عكست وزن الشراكة الإقتصادية والإستراتيجية بين الطرفين..... وعلى صعيدٍ آخر نجد ذلك النّجاح الباهر الذي حقّقته فعاليات الطبعة 13 للصالون الدّولي ، للتجهيزات والتكنولوجيات الحديثة بمقاييس ومعايير دولية ، فضلًا عن الإستراتيجية المسطّرة من قبل الدّولة...... كما أعلن وزير الخارجية الجزائري في هذا المجال من بروكسل ، عن إنعقاد مجلس الشراكة بين الجزائرْ والإتحاد الأوروبي في 13 مارس 2017 بحيث سيتم التوقيع على عدّة إتفاقيات ، من بينها الوثيقة المتضمّنة أولويات الشراكة الإستراتيجية بينهما ، والتي تتعلّق محاورها الأساسية بجوانب تتعلّق بالحكم الرّاشد ، الديمقراطية ، دولة القانون وحركةتنقل الأشخاص بالإضافة إلى مجالات التعاون في مجالي الأمن والطّاقة ومن جهةٍ أخرى ، نجد دعوة رئيس النّادي الإقتصادي الجزائِرِي عبد القادر سمَّاري للعمل على خلق تنظيمات ، من شأنها تجسيد الثقة بين رجالات الأعمال الجزائريين ، في انخراطهم لمختلف النّوادي الإقتصادية المتخصّصة ، والقائمة على إثراءْ السياسة الإقتصادية ، الأمر الذي عكسته مجموعة تلك العلاقات مع رجال أعمال إيطاليين في عقد شراكة مع جزائريين ، سواءٌ في قضية الميكانيك ، أو الأمور المتعلّقة بالمؤسسات المصغرة ، كما يندرج في هذا الإطار ذلك الكم الهائل من التواصل مع الكثير من الدّول ، كفرنسا ، إيطاليا ، البرتغال ، إسبانيا ، تركيا السعودية ، تونس والمغرب ، والمناداة بتوفير مراكز للتحكيم الدّولي بالجزائر ، كما أنّ إكتساب الجزائر لقدرة إقتصادية مرهون ، بوجود مجموعة من الشروط لإنجاح النموذج الإقتصادي ، وملأ الفراغات الموجودة في الإحتياج ، وذلك كاهتمام الجزائرْ بالإستيراد في قطاع الغيار والذي يقارب 1 مليار دولار ، بحكم وجود 6 آلاف قطعة في السيارة وبالتالي وجوب المرور إلى تفعيل عملية تناغمية ، بين مختلف القطاعات الخاص والعام ، وكذا القطاع الوقفي من أجل حصر العملية الإقتصادية في جميع جوانبها ، وذلك للخروج من الكلام الإقتصادي إلى الفعل الإقتصادي ، وهو دورٌ يجب أن تتقلّده المؤسسات الشعبية والرسمية ، ورجال الأعمال ، كما أنّ العاتق الكبير يقع على الجامعات ومراكز البحث العلمي في الإقتصادْ *





* الوزير الاسبق عبد القادر سماري ـ مقابلة مع الصحفي رضوان حرياطي ـ برنامج ضيف الصباح ـ موقع إذاعة الجزائر 16 / 02 / 2017








ـadaptive strategy دور الدبلوماسية الجزائرية في تجسيد استراتيجية التبني ـ





فعاليات السياسة الإستثمارية الجزائرية





دور الجزائر في تفعيل استراتيجية البدائل المطروحة
(مشروع استغلال الطّاقات المتجدّدة )


المطلب الأوّل ـ فعاليات السياسة الإستثمارية الجزائرية :
بحيث رافع ممثّلي الجزائر في مختلف العواصم الغربية من أجل إرساءْ قواعد قانونية استثمارية وتفعيلها على أرض الجزائرْ ، " فالجزائر وقعت كلّْ اتفاقيات الضمانات من أجل ترقية الإستثمار الخارجي فيها ، وأصدرت كلّ القوانين والقواعد المتعلّقة بجلب رؤوس الأموال الأجنبية في البلاد ، وأنّ عدّة إصلاحات إقتصادية بدأت تعرفها الجزائرْ منذ عدّة سنوات ، وقد ترجمت هذه الإصلاحات بالتسيير المستقلّ للمؤسّسات العمومية والبنوك ، وكذا إصلاحات سياسية تقوم على التعدّدية السياسية ودولة القانون " (1) ومع محاولة مجاراة الجزائرْ لسياستها بما في ذلك الإقتصادية ، للشرعية الدّولية نجد تلك النَّقلة النوعية لها في هذا المجال ، وذلك من خلال عقد الشراكات والبروتوكولات الإتفاقية للإستثمار كالمشروع الإستثماري الضّخم في مجال الفلاحة بين المجمّع الجزائري الخاص بإنتاج الحليب ، والمجمّع الفلاحي الدّولي الأمريكي بقيمة تتراوح بين 250 و300 مليون دولار ، وذلك من أجل إقامة مشاريع مختلفة في المجال الفلاحي ، بولاية أدرار تتّسع على مساحةٍ تقدّر ب : 25.000 هكتار ، بحيث سينجز هذا المشروع حسب القاعدة 51 / 49 التي تسير الإستثمار الأجنبي في الجزائِرْ ، وتعطي أغلبية رأس المال للجانب الجزائري عدّة قطاعات فلاحية ، بما فيها البطاطا والأسمدة والحبوب وأغذية الأنعام ، و يحوي المجمّع الأمريكي على ست شركات منها مؤسّسات متعدّدة الجنسيات ، قادمة من عدّة ولايات أمريكية كإيداهو وكاليفورنيا ، إلى جانب خبراءْ في عدّة مجالات ، سيتّم الإستعانة بهم في مختلف مشاريع الشراكة المختلطة بولاية أدرار ، وبهذا نستشّف أنّ ثراءْ السوق الجزائري خاصّةً في المجال الفلاحي ،قد كان حافزًا للبراغماتية الأمريكية ، ومن جهةٍ أخرى وفي إطار دفع العلاقات البينية بين الجزائر والدّول الغربية المتقدّمة ، نجد زيارة رئيس الجمهورية الجزائري لألمانيا سنة 2010 قاطرة الإتحاد الاوروبي ، والتي تمثّل الجزائر بالنسبة لها حلقة تواصل مهمّة بين أوروبا ـ الوطن العربي وإفريقيا ، حسب تصريح لوزير الإقتصاد والطّاقة الألماني ، بحيث أنّ ما يميّز السياسة الإقتصادية الألمانية عن غيرها من السياسات هو التفكير الموضوعي الأكثر دقّةً وفعالية وتمكُّنها الكبير في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسّطة والتي تعتبر العمود الفقري للإقتصاد الألماني ، والذي يعطي الأولوية للعنصر البشري في عملية البحث والتطوير






(1) عبد النور كيرمان ( محافظ بنك الجزائر ) في مداخلة تحت عنوان : أوروبا ودول الحوض المتوسّط في ظلِّ العالم الجديد في إطار ندوة أثينا ـ اليونان ـ من 08 إلى 11 أفريل 1992 وكالة الأنباءْ الجزائرية 11 / 01 / 1992
فتبادل العلاقات الإقتصادية الألمانية الجزائرية ، هي فرصة لتقييمها وتأسيس لجنة مشتركة بينهما وتعزيز محاورالتعاون الإقتصادي ، والتي من خلالها ستنعقد الدّورة السادسة للجنة الثنائية المشتركة للتعاون بين البلدين ، فحجم الجزائر وثقلها الجيوستراتيجي دفع بالألمان للبحث عن موطن قدم في إفريقيا وجعلهم على إستعداد لنقل خبراتهم وتكنولوجياتهم في المنطقة ، على خلاف دول أخرى ، وبهذا الأسلوب نجد أنّ البراغماتية الألمانية لا تدع للمتعامل مجالًا للتفكير بل فقط تجسيد المشروعات ، فاستفادة الجزائر من الخبرات الألمانية في مجال الهندسة المالية والنظّام النّقدي على سبيل المثال مرهون بتكوين شراكات من أجل تطوير هذه الخدمات للإقتصاد الوطني وإن كانت البنوك الجزائرية لا تزال لم تصل إلى مستوى المرونة في الخدمات بمواصفات عالمية ، ومن جهةٍ أخرى نجد عمل السّلطات الجزائرية على إعادة بعث الصناعة الجزائرية كقطاع معوّل عليه ، بحيث أنّ احتواءْ قطاع الصناعات الميكانيكية لديناميكية على أرض الواقع مرهون هو الآخر بجانب التركيزْ على جانب المناولة ، وعمومًا فإنّ تحديد بعض القطاعات كالصيدلة والمعدّات الصّحية وكذا التكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتّصال والتكوين المهني والطّاقات المتجدّدة في الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة الأمر الذي ارتسمت عليه ملامح التفوق الألماني الذي هو أحد مناهج وضع لخُطّة طريق نحو التقارب الجزائري الألماني والذي يعدُّ خطوةً إيجابية في بناءْ عملية النموذج الإقتصادي الجزائري (1)وبهذه المشاريع المجسّدة لمختلف الشراكات الأجنبية مع الجزائرْ من أجل تكييف اقتصادياتها مع التّحديات العالمية الجديدة نجد بروز دور الإستثمار الأجنبي المباشرْ في تحريك النمو الإقتصادي واكتساب التكنولوجيا والمعارف من أجل تحقيق الإستقرار الإقتصادي الكلّي ، ولهذا نجد مسارعة الجزائر لتنفيذ مختلف الإصلاحات منذ عام 1989 ، والذي هو شرط أساسي لجذب المستثمرين الأجانب (2) وكذا وضع استراتيجيات خاصّة بتحضير وترقية الإستثمار : " وإذا ما استثنينا القطاعات الإستراتيجية والفروع الصناعية التي يجب أن تلعب الدّولة فيها دورها بكلّ نجاعة ، فإنّ الأولوية ستعطى للإستثمار الخاص ، الذي يعطي بدوره سواءٌ في إطار وطني أو أجنبي دفعًا للإنعاش الإقتصادي (3) وذلك على غرار تطوير المؤسّسات الصناعية الصّغيرة والمتوسّطة والذي هو محك النّجاح الفعلي للإنتقال نحو إقتصاد السوق وإعادة الإعتبار للإستثمار ، أمّا على صعيد الإستثمار في المجال الطاقوي للموارد الطبيعية ، وبحكم توفر الجزائرْ على كمٍّ هائل في هذا الميدان فإنّها قد لعبت دورهامّْ بمقترح إنتاج الطّاقة والطّاقة والبديلة ، في مؤتمر مؤتمر فيينا 2016 ، الّذي كان يتماشى عقده مع إتِّفاقها في تخفيض إنتاج البترول و نصُّهُ أن يكون التَّخفيض 2 , 1 مليون برميل يومِيًا بالنِّسبة للبلدان المنظمَّة للأوبك أمّا الغير منظمَّة ف : 600 ألف برميل يومِيًا ، 300 ألف منها تذْهب لروسيا .


(1) عبد الرحمان هادف : من خلال مقابلة مع الصّحفي رضوان حرياطي ، برنامج ضيف الصّباح عبر موقع إذاعة الجزائرْ
(2) بلعزوز بن علي ومداني أحمد : دور المناطق الحرّة كحافز لجلب لإستثمار الأجنبي المباشر ـ الملتقى الدّولي حول آثار وانعكاسات الشراكة على الإقتصاد الجزائري ـ كلّية العلوم الإقتصادية ، جامعة سطيف 13 ـ 14 نوفمبر 2006
(3) أحمد طالب الإبراهيمي :" المعضلة الجزائرية ـ الأزمة والحلّْ " 1989 ـ 1999 الطبعة الرابعة ـ شركة دار الأمّة للطباعة والنّشر والتوزيع ـ مارس 1999 ص 242 فقرة 04 و05
المطلب الثاني ـ دور الجزائرْ في تفعيل استراتيجية البدائِلْ المطروحة :
يعتبر استخراج اليورانيوم واستغلاله في مجال البحث والتطوير ، إحدى ركائزْ تقوية الجزائر الجيوستراتيجي في الفضاءْ الطاقوي الدّولي ، وذلك على غرار مختلف الطّاقات التقليدية ( الغاز الطبيعي ، الغاز الصّخري والبترول ) وغير التقليدية كذلك ، والمستخرجة من الرمل والبحار كطاقةٍ بديلة من شأنها تعزيز التكملة الحقيقية لمشروع برنامج الطّاقات المتجدّدة وبحكم أنّ الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في هذا المجال ، قدّمت رهانًا مبدئيًا قدره 300 مليار دولار، ما يعادل 60 مليار متر مكعب سنويًا بتقدير سوناطراك ، الأمر الذي أكسبها موقعًا في الإتحاد الأوروبي ، وكذا التواجد في آسيا على مستوى صحراءْ الجزائر verticauxوبتنبؤْ معلومات جيولوجية علمية سنة 2012 بوجود بئرين عموديين واستحداث حقل جديد " منزل نجمات " وحقول متوسّطة بولاية أدرار، أكّدت سوناطراك بأنّها سترفع من نسبة استثمارتها خلال خمس سنوات مقبلة ، ومن جهةٍ أخرى فإنّ مخاطر وقدرة وإمكانية وآفاق السوق العالمية دفعت بالجزائرْ%إلى 40 إلى التعامل في الأسواق مع معطيات جديدة ، الأمر الذي يوحي بمستقبل البترول ، الذي يبقى دائمًا الآلية الموجودة في السوق ، تجعل من أكبر متوسط له يفوق 90 دولار ، مع وتيرة تنازل ما بين 3 إلى 4 دولارات سنويًا ، بينما لا يقع هذا الحساب على الطّاقات البديلة والمتجدّدة ، والتي تعتبر عاملًا أساسيًا في تحقيق التنمية المنشودة ، وكونها تعمل على مواجهة تحدّيات التنمية ، فيتوجّب ضرورة إستغلالها بشكلٍ عقلاني ، بحيث أكّدّ في هذا الشأن مدير مركز تطوير الطّاقات المتجدّدة ببوزريعة على هذه الضرورة ، وذلك لضمان التقليل من الأضرار والأخطار البيئية * ومن خلال تمكين الباحثين والمختصين من إجراءْ بحوثهم ، والتكوين والتطوير في مجال الطّاقات المتجدّدة لاستغلالها على أكمل وجه ، الأمر الذي جسّده المشروع الضّخم المتمثل في إنجاز مولّد كهربائي هجين ( الطّاقة الشمسية ) بولاية المدية ، والذي يهدف إلى بلوغ نسبة 40 بالمائة من الحصيلة الطّاقوية الوطنية في مجال الطّاقة المتجدّدة في آفاق 2030 *، ومن أجل أكبر ديناميكية لتنشيط القطاع وإنجاح المسعى ، فقد أشار مدير المركز الجزائري لتطوير الطّاقات المتجدّدة الدكتور بلهامل، إلى خطّة للبحث عن مواقع تزخر أكثر بنشاط الرياح بغرض إقامة مزارع لتوليد الطّاقة في هذا المجال * وتعتبر الجزائر الأولى عالميًا في مجال توليد الكهرباءْ الهجينة ، التي تعمل على تنويع مصادر الطّاقة ، من ذلك التوليد الجديدة للكهرباءْ في حاسي الرّمل التي تتشكّل من الغاز حوالي 130 متر، وحقل شمسي بقوة 30 ميغاواط تقريبًا ، إذْ يتطلّب هذا المشروع المبتكر من حيث حجمه إستثمارًا بمبلغ 8 , 315 مليون يورو ، وقد أسند عقد في هذا النّمط إلى الشركة الإسبانية " أبينز " التي تعدّ من الشركات الأولى المتخصّصة من نوعها في هذا الميدان *




ـ Sonalgaz spa * إمكانية الطّاقة الشمسية في الجزائر ـ
الإيطالية التي ترهن مستقبل الجزائر بالطّاقات البديلة La republica صحيفة *
هذا وقد سعت الجزائرُ إلى العمل إلى إنتاج الطّاقة من مصادر غير تقليدية بنسبةٍ تقدّر حوالي 35 بالمائة من الطّلب الوطني ، والتي قد تميّزْ مطلع آفاق 2040 ، بحيث يعمل هذا المشروع على التعاون بين الأطراف الأجنبية ، وذلك من خلال الإستثمارات الهامّة ، والمتمثّلة في إنجاز ثالث برج شمسي في العالم بمدينة القليعة ، كما أظهرت التجربة الجزائرية إمكانيات هامّة ، للمساعدة في تطوير التنمية عن طريق استخدامات الطّاقة الشمسية ، والتي هي عبارة عن محولات تقوم بتحويل ضوءْ الشمس المباشر إلى كهرباءْ وهو وصلٌ له ، بحيث تمّ إنماءْ تقنيات كبيرة في هذا الشأن ، وذلك لتوفير كمّْ هائِل للطّاقة الكهربائية والطّاقة الحرارية * هذا وتماشيًا مع المجهوذات المبذولة في مجال تحديث قطاع المحروقات وتفعيل ديناميكي أكثر له ، من أجل إثراءْ الإقتصاد الوطني ، ومع الإهتمام الأكبر للرأس المال الأجنبي بالسوق الجزائريةومع تقديرات الشركة الوطنية سوناطراك لعائدات محروقاتها نجد : " أنّ قطاع الطّاقة يجلب الذهب ، بل ومليارات الدّولارات من الأموال الصّافية ، والجزائرُ تحظى بطاقةٍ كامنة هامّة من الإستثمار ، وسنصدِّر القوانين وسنطوّر المؤسّسات القابلة للإستثمار " (1) هذا وإنّ الإطار القانوني لقطاع المحروقات ، هو من أكبر الإشكاليات التي يجب أن تكون محلّ نقاش مع الشركاءْ الإجتماعيين ، وكذا المجتمع المدني والحركات الجمعوية الشبانية ، بحكم إرتباطه بمصيرها و مستقبلها ، وهذا "من أجل خلق قاعدة للإنعاش الإقتصادي قائِمةً على التوافق الإجتماعي ، وإعادة الإعتبار للدّولة في مهام التخطيط الإستراتيجي " (2) ، هذا وفي إطار استراتيجية الإستعمال الأمثل للموارد المالية النفطية ، و في ظلّ تحوّلات عالمية كبرى وجدت الجزائرُ نفسها أمام تحديد أهداف ومعايير الإستثمار ووسائِلْ تحقيقه على الأمديين القصير والبعيد ، وذلك لتحقيق اعلى مستوى لمردود إقتصادي لعملية إستخراج مصادر غير تقليدية في المجال الطّاقوي ولأطول مدّة ممكنة وتحويلها إلى ثروة إقتصادية من خلال استحداث مصادر متنوّعة ومتجدّدة للإقتصاد القومي ، وذلك في إطار برنامج تنمية شاملة محدّد الأهداف والمداخيل والنّفقات على مدى عدّة سنوات ، فالجزائِرُ كما صرّحت المديرة العامّة لصندوق النّقد الدّولي نموذج يحتذى به في مجال التحكّم في ميزانيتها ، ومن جهةٍ أخرى فإنّ التنمية بالمفهوم الّذي حدّدته قمّة الجزائرْ ، هي عملية لتحوّل إجتماعي تتضافر فيها كلّْ الجهوذْ الإقتصادية ـ الثقافية والسياسية للتنمية ، هذا وقد رهنت السياسة النفطية نجاح الجزائِرْ كقُطْرٍ نفطي فاعل في منظّمة الأوبك





الإيطالية التي ترهن مستقبل الجزائرْ بالطّاقات البديلة La republica * صحيفة
Politique internationale n° 73 été automne 1996 p 236 أحمد أويحي في حوارٍ ل :(1)
(2) أحمد طالب الإبراهيمي : مرجع سابق ص 243 ـ 244
ذلك " أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية ، كانت في البداية مؤيّدة لاتجاه رفع أسعار النفط للحدّ الذي يسهّل رسم سياسة الطّاقة الدّاخلية " * وذلك على غرار فرنسا ، مُمَثلةً في رئيسها السابق جيسكار ديستان ، التي عملت على تقريب وجهات النّظر بينهما ، في كون أنّ تخفيض أسعار النفط يكون وفق اتخاذْ إجراءات لتخفيض إستهلاك الطّاقة واستغلال الطّاقات المتجدّدة لخلق فائض في العرض ممّا يؤدّي إلى هبوط الأسعار بصفةٍ آلية ، " ولكن عندما نجحت الدّول المنتجة للنفط في الإنفراد بتحديد أسعار صادراتها ، تغيّر موقف الولايات المتّحدة الأمريكية بشكلٍ جذري ، وأصبحت تطالب المستهلكين باتخاذْ إجراءات سريعة وجماعية للحد من حرّية المنتجين في تحديد الأسعار " * ، هذا ومن منطلق أنّه " لن يكون لمنظّمة الأوبك التّحكم جيّدًا بالأسعار ، كما كان الوضع سابقًا وذلك بسبب التزايد المستمر للدّول المنتجة خارج نطاق المنظّمة وبذلك كان التزايد لإحتمالات العثور على بدائِلْ مفيدة للنفط " (1) ذلك أنّه من الإعتبارت المهمة الواجب التفكير فيها لتلبية متطلّبات الإقتصاد العالمي في مسألة ترشيد النفط الخام ، هي الإحتفاظْ به لأغراض التنمية المقبلة ، بما في ذلك الطّاقة التي سيزيد استهلاكها وتائرْ أعلى من الوتائِرْ التاريخية (2) كما أنّه لا بدّ من اتباع معايير في الإستثمار الصناعي وحتى الزراعي ، بما يضمن توجيه استراتيجية التنمية نحو ربط عملية الإستثمار في داخل الأقطار العربية النفطية بمصدر الهيدرو كاربون ، من أجل دمج النفط بالإقتصاد (3) ، وذلك من خلال محاولة سوناطراك تطوير قدراتها الإحتياطية والإنتاجية وتدعيمها في مجالات النّقل والتخزين والشحن ، فضلًا عن تحديث وتوسيع وسائلْ أنظمة التكرير مع احترام خفض الإنتاج المحدّد من قبل منظّمة أوبك ، فربط الثروة النفطية بالتنمية الإقتصادية ، وجعل النفط أساس النّمو الإقتصادي المتسارع ، هو بمثابة نقطة محورية باستراتيجية الإستخدام الأمثل للثروة النفطية ، وذلك يستلزم تشديد مفهوم ممارسة حق الدّولة في السيادة على مصادرها الطبيعية ، لأنّه بدون تلك الممارسة ، لا تستطيع ربط الإستثمار النفطي بالإستثمار الوطني ، وكذا الدّولي المباشر ، وعلى هذا الأساس فإنّ التأكيد على ضرورة إكتساب قدرة تنافسية من شأنها ضمان تصدير مختلف المنتجات ، بما في ذلك الطبيعية ، وكذا رسم ملامح لنهضة إقتصادية قوية لوضع جزائر آمنة من الأزمات المالية العالمية




* دراسات وأبحاث ألقيت في دورة أساسيات صناعة النفط والغازْ ، التي عقدت في الكويت من 05 جانفي إلى 04 مارس 1976 ـ الجزءْ الثاني 1977 ـ
(1) وليد عبد الحيْ " الدراسات المستقبلية في العلاقات الدّولية " شركة الشهاب ، الجزائرْ ص 209
(2) مجموعة دراسات إستراتيجية الإستعمال الأمثل للموارد المالية النفطية " خلاصات واستنتاجات "
(3) مجموعة الدراسات الإستراتيجية : مرجع سابق
والتي " كانت لها صلة بأسباب المصاعب المالية للجزائرْ، ومن جهةٍ أخرى فهي لها آثار على وتيرة التنمية ، والتي تمكنّنا من تحجيمها بفضل التدابير الرشيدة التي اتخذناها خلال السنوات الأخيرة ، غير أنّ الإتصال الجذري والمستدام على هذه الأزمة ، وجعل الجزائر في مأمن من تكرارها ، يتطلّب منا نحن الجزائريات والجزائريين لا غير نهضة قوية متعدّدة الجوانب ، لكي نعيد بناءْ مسار إقتصادي وطني متحرّرْ من هيمنة المحروقات ومتنوع بتنوع قدرات بلادنا الفلاحية ـ السياحية ـ المنجمية ـ الصناعية وغيرها ، وعلى العمّال ربح معركة الإنتاج والإنتاجية والقدرة التنافسية ، لكي نضمن دخول سلعنا في الأسواق الخارجية ، كذلك علينا جميعًا أن نتطوّر أكثر في نظرتنا إلى الرأسماية النزيهة و إلى الشراكة الأجنبية العادلة كشركاءْ استراتيجيين للعمّال في بناءْ التنمية الإقتصادية ومن تمّ تقبل بأريحية أقوى الإصلاحات الضرورية لكي تتحسّن ظروف الإستثمار في بلادنا " * كما أنّ تحقيق كلّ " هذه المهام يندرج في إطار الإرادة التي تعبر عنها الجزائر بكلّ حرية ، وبتقبّل واقع العولمة التي تتحكّم اليوم في أغلب الظّواهر المرتبطة بالتنمية الوطنية " (1) فالجزائرُ وبموقعها الجغرافي المتميزْ بين عدد من القارات هي ملتقى مهد عدد من الحضارات العالمية ، وبفضل قدراتها الإقتصادية ونوعية ثراواتها البشرية ، مدعوةٌ لأن تستأنف دورها الإقليمي المؤثّر ، وأن تساهم تبعًا لذلك عن جدارة واستحقاق في التّحولات العالمية الجارية تحت أعيننا (2) فوصول المرحلة الإنتقالية الإقتصادية للجزائر إلى غاية 2019 وباتخاذ الإتجاه الصّحيح وعلى مستوى كامل الإقليم الوطني ، وبالرغم من بطئ النقلة بين النظام الإقتصادي القديم وكذا الجديد ، بما في ذلك حركة النّمو لدى البنوك ، من خلال التعامل بالبنوك الوسيطة ، وبمنطق تقليدي في ميدان الإستثمار ومع تصنيف تقرير البنك العالمي للجزائر في المرتبة 150 عالميًا ، فهي تهدف إلى أن تكون في المراتب الخمسين الأولى من خلال النموذج الإقتصادي الجديد ، هذا وقد انصبّ إجتماع ثلاثية عنّابة المنعقد في 05 مارس 2017 على تركيز تقييم الوضع الحالي للإقتصاد الوطني وارتباطه بالإقتصاد العالمي ، وكذا تركيز التقييم على الصناعة والمالية والبنوك ، ومع تعديل قطاع الصناعة ـ المالية ـ الفلاحة وكذا التجارة من قوانينهم ، فإنّ هذا البطئْ عائد لتماشي بعض القطاعات مع نظام الإصلاحات من جهة ، وقتل النظام البيروقراطي ، ونقص التكوين الإداري لكلّ المبادت الإقتصادية التي تقامُ في الجزائر من جهةٍ أخرى ، وعلى صعيدٍ آخر فإنّ من أولويات إنجاح النموذج الإقتصادي الجديد هو استثمار رجال الأعمال لأموالهم في مشاريع إنتاجية لخلق الثروة ، بما في ذلك الطّاقات المتجدّدة ، والدراية الكاملة بحيثيات القواعد الإقتصادية الدّولية .....




* عبد العزيز بوتفليقة ـ خطب ورسائل في مناسبة الذكرى 24 فيفري لتأميم المحروقات
(1) أحمد طالب الإبراهيمي : مرجع سابق ، ص 251 فقرة 02
(2) أحمد طالب الإبراهيمي : مرجع سابق ، ص 249 فقرة 02
هذا وقد كان لاجتماع ثلاثية عنّابة، بعد التّوافق الإجتماعي ، والذي هو قاعدة للإنعاش الإقتصادي في إطار تشاور واسع ومؤسّساتي بين الشُّركاءْ الإجتماعيين والمتعاملين العموميين والخواص (1) هذا وتعدّ الجزائِرْ من البلدان النّاشئة والنّامية التي نجحت في الحفاظ على وضعية إيجابية خارجية ، ذلك أنّ لها إمكانية مواجهة صدمة إنهيار أسعار النفط ، والتي لم يكن لها لحدّ الآن إلّا آثارًا محدودة على النّمو الإقتصادي الجزائري ، والّذي يمكن له أن يكون قوِّيًا ، نظرًا لما يمتلكه من مؤهّلات ومقوّمات من شأنها تخفيف العبءْ على قطاع المحروقات ، وذلك في وجوب اعتماده على المدى القريب والمتوسّط على الصِّناعات التحويلية بكلِّ فروعها لتجنُّبْ أزمات إقتصادية محتملة ، وقد أفاد تقرير أمريكي في هذا الشأن أنّ الجزائرْ تتحكّم وبشكلٍ كبير في إجراءْ وتسيير الصّفقات الإقتصادية ، وذلك بفضل إجراءات مصرفية صارمة تتضمّن عدم قابلية صرف الدينار ، وتقييد تحويل العملات ، كما أكّد التقرير على التكيُّفْ السريع للجزائر مع تطور جريمة تبييض الأموال ، من خلال تكييفها لقوانينها مع المعايير الدّولية ، الأمر الذي مكّن الجزائر من التحكّم أكثر في كجانب ذو أهمية قصوى في تحقيق أمن إقتصادي جماعيtransformation ـ autoriséeنظام تحويل الصّفقات المالية يحميها من احتمالات سلبية تعترض مسار تطبيق النموذج الإقتصادي الجديد في التنمية ، وفي سبيل ترجمة الأفكار التّقدمية للنهضة الإقتصادية إلى إنجازات ملموسة تطبع الحياة اليومية بمزيدٍ من الحركية والفكر والعمل : " فلا مناصَّ لعالمٍ آيلٍ للتحوّل والّذي هو تحدٍّ دائم من تطوُّر المؤسّسات لأجل الإستجابة الفعّالة للحاجيات الجديدة ولظروفٍ أخرى " * الأمر الّذي جسَّدته العلاقات الجزائِرِية البريطانية ،" وعليه فإن مجمل هذه النِّقاط يمكن أن تمنحنا نظرة شاملة خاصَّة بالآفاق المستقبلية لهذه العلاقات ، الشَّيئْ الثَّاني الَّذي يمكن بمقتضاه وصفها بِأنَّها في المسار الصَّحيح والإيجابي ، هو تواجد أكثر من 192 مؤسَّسة بريطانية تشتغل في الجزائِرْ خارج قطاع المحروقات ، بما فيها واحد من أكبر الأدوية المتواجد حاليًا بمدينة بومرداس من خلال المصنع الكبير لتصنيع الأدوية ، هذا علاوةً galax misclan العالمية وهو على الإستثمار الكبير لعملاق الصِّناعات البيتروكيمياوية ومؤسَّسة التَّنقيب على النِّفط " بريتيش بيتروليوم " المتواجدة في العديد من مناطق الجنوب الجزائِري الكبير، وقد حقَّقت نجاحات باهرة في هذا الميدان، أضِفْ إلى ذلك تواجد أحد أهم * HSBCمؤسَّسة المؤسَّسات المصرفية والبنكية في العالم ، الَّتي فتحت أحد فروعها في الجزائِرْ وهي







(1) أحمد طالب الإبراهيمي : مرجع سابق ، ص 243 فقرة 03
* تقرير الأمين العام لمؤتمر الأمم المتّحدة للتنمية التجارية والإقتصادية ، وثيقة 535 و 547
* محمّد الصّالح دمبري : مرجع سابق ، يوم 08 / 12 / 2009













حوصلة الموضوع:
و بالموازاة مع هذا الإنعاش الإقتصادي ، الذي يحدّده عامل الزّمن تحديدًا جزئيًا لمفهوم التنمية ، وفي العمل على التوجه نحو مفهومها الشّامل والمتعدّد الجوانب ، وذلك بغزو مجال المواطنة العالمية والتي هي نقطة تحوّل لمسار في مجرى التاريخ ، فإنّ عملية التقييم والتقدير يجب أن تتجاوز المتغيرات الإقتصادية كحقيقة إستراتيجية ملموسة إلى فكرة إرساءْ مفاهيم حضارية وثقافية لتأسيس إمبراطورية السِّلم والأمن ، والتي قام فيها صانع القرار للجزائر في مؤتمر باندونغ إلى صياغة أزمة اللاتكافؤ في العلاقات بين الدّول المتقدّمة والدّول النامية ـ بلغة الحضارة لا بلغة السياسة وبلغة البقاءْ لا بلغة القوّة ، فكلُّ مركّب من عناصر الإنسان و التراب والوقت ـ إذْ لا بدّ أيضًا من أن يركّبها العامل الأخلاقي ، والذي يوشك بدونه " أن تتمخّض العملية عن كومةٍ لا شكل لها ، متقلبة عاجزة عن أن تأخذَ اتجاهًا أو تحتفظ به ، أو أن تكون لها وجهةً بدلًا من أن تكون كلًا محدّدًا في مبناه ، وفيما يهدف إليه * ... هذا وبالتّحدّي الحضاري قد أدرك الشعب الجزائري آفاق السياسة الإستعمارية في طمس مقوِّمات هوِّيته الثقافية والتي كانت بإدراكٍ من الأمير عبد القادر الجزائري من أنّها العنصر الأساسي ، كيف لا ؟ وهو القائلُ بأنّه : " لابدّ من وقتٍ طويل في بلدنا لإعداد عالم حقيقي ، الأمر الّذي لم أجرؤْ معه على القضاءْ في يومٍ واحد على ثمرة زمن طويلٍ وشاق فساكن القصر بإمكانه أن يقطع نخلةً تقلقه ، ولكن كم من سنواتٍ تلزمه للحصول غلى ثمرة النّخلة التي عوّض بها النّخلة المقطوعة ( 1 ) هذا ومع التّحدي الرهيب الّذي واجهته الجزائر إبان الثورة التّحريرية والتي كان بها الإنتصار من خلال تغيير جذري لواقع مرّ، خلّفته الإطارات الإستعمارية في تراكم مشاكل واجهها هذا البلد من نهب وتخريب المدارس ووفاة ودمار لمؤسّسات هيكلية ، وحرق آلاف الهكتارات من المساحات الخضراءْ ، وخزينة مالية معدمة ، وأكثر من تسعمائة أرامل وأيتام لشهداءْ ، فقد كان من الواضح أنّ الثورة الثقافية كانت أحد أهم الركائزْ في اجتيازْ الإمتحان ، استكمالًا لمشروع الحرّية والتّحرّر ، بحيث كانت 1962 بداية إجتيازْ الدّولة الجزائرية الفتية لهذا الإمتحان وفق مخطّط تنظيم لتكامل سياسي ، إقتصادي وثقافي ومحاولة.......





* مالك بن نبي : فكرة الإفريقية آسيوية ( في ضوءْ مؤتمر باندونغ ) ـ ترجمة عبد الصّبور شاهين ـ مكتبة دار العروبة القاهرة ص 151
(1) التعريب في الجزائر من خلال الوثائق الرسمية : عبد الرّحمان سلامة ـ مكتبة الشّعب ـ الشركة الوطنية للنّشر والتوزيع ص 19
" لفك الإرتباط مع الآخر (المستعمر) ، ووضع بنية سياسية وثقافية كتلك التي يرتكز عليها دراسته المستشرق الغربي في لبنية المجتمعات الشرقية بحيث لا يفصل هويته عن البحث النّزيه ويضفي آراءه حضورًا لهوّية الغالب والقوّي ممثّلًا في شخصه ، وذلك في إطار عملية صنع تاريخي يرتسم فيه في الواجهة دور المثقّف سواءٌ أكان يرتدي عباءة السّلطة ، أو ذلك المثقّف الّذي يتميّز بالرّوح النقدية القومية ، في السير نحو محو النظرة الإستعلائية للفكر الغربي المبنية على تبرير إستخدام القوّة في التعامل مع الشّرق ، متبنيين في ذلك مناهج علمية في تصحيح صورة الشّرق في تصوّر لمفهوم الغرب وعدم الإنسياق إلى العلاقة التي تربط هذا بذاك " (1) ، وفي هذا السياق صاغ جواهر لال نهرو نظرية العمل الضروري لتغيير الوضع في أندونسيا في إطار شروط تتفق والتنمية الثقافية للإنسان مخاطبًا جماعة من الطّلبة الأندونسيين قائِلًا : " إنّ العمل الشّاق والتعاون الوفير ضروريان إذا أردنا بناءْ هذه الأمّة الجديدة الحرّة ، أمّا الّذين يضيِّعون مواهبهم في الثرثرة وفي المناقشة وفي المنازعات التافهة ، فإنّهم لا يخدمون بحقّ بلادهم " (2) وها هو ذا أيضًا أحد كبار وقادة الثقافة الآفرآسيوية ، يصوغ في هذا الإطار الدّليل في ذلك قائلًا : " إنّ المسؤولية التي تقع على عاتق التربية خطيرة ، إذْ لا يجب أن ندع الحقد يتاصّل في قلوب الجيل الجديد في الهند ، وعقولهم تحت ستار النّزعة المعادية للإستعمار " ، كما أنّ توجيه الثقافة عند غاندي ، لا تخصُّ فقط المسؤولين عنها في بلده ، بل إنّها تشمل جميع الأوطان الآفرآسيويين ، وهي تحدّد لهذه الشعوب دون لبسٍ وغموض طريق التحرّر الدّاخلي الّذي يجب أن يكمّل أعمال التحرر السياسي والقومي بالتحرّر الذاتي في الإطار النفسي والأخلاقي ، بحيث تظهر أهمية لزومها في مشكلة الثقافة الآفروآسيوية ، كلّما إقتضت ضرورة المهام الإجتماعية ذلك عقب المطالب القومية ، وأصبحت المقتضيات الإنسانية الدّولية أكثرُ إلحاحًا " (3) ، وها هو ذا المؤرِّخ الفرنسي بولارد يشهد للجزائرْ في كتابه " التعليم في الجزائِرْ " بتعدّد المراكزْ الثقافية في القرن 14 ، والتي احتوت أساتذة مكوّنون في علوم الفلسفة ـ الفقه ـ الطّب والفلك ، الأمر الذي أكّده الجنرال كالازي عام 1834 قائِلًا : " يكاد كلّ الجزائريين يعرفون القراءة والكتابة " وبعلاقتنا بفرنسا : " بلغنا المقصود بالذّات ، أي إلى أم البلايا التي غزا سمّها الخلايا ، والتي منها جاءت جميع الرّزايا ، وكان غزوها لنا قضّية القضايا ، رغم مساعدة أجدادنا لها عن سذاجة وصدق النّوايا ، ثمّ أرادت وكادت أن تقرّب إلينا المنايا "(4) ، وها هو ذا مولود قاسم يتطلّع لجعل الفكر الإسلامي فكراً عالميًا إنسانيًا.......





(1) راجع كتاب الإستشراق : إدوارد سعيد
(2) من خطاب جواهر لال نهرو للطلبة الأندونسيين في جويلية 1950
(3) مالك بن نبي : مرجع سابق ص 160 ـ 161
(4) مولود قاسم نايت بلقاسم : شخصية الجزائرْ الدّولية وهبتها العالمية قبل سنة 1830 ـ الجزءْ الثاني ـ ص 07 فقرة 01
ومن الفقهاءِ فقهاءٌ حقيقيين على غرار أوروبا ، والتي كان فيها علماءْ الدّين ، هم الّذين أسّسوا للدّولة الحديثة ، هم الّذين أسّسوا لأفكار المواطنة والديمقراطية والمجتمع المدني ، فمسألة الإنسجام والإستقرار الإجتماعي ، هي مسألةٌ فقهية بالدّرجة الأولى ، فالفقيه في القضايا الخارجية للدّولة ، لا يدافع عن سلطة ، وإنّما عن موقف خارجي لها يحترم في المحافل الدّولية ، كالدِّفاع عن المواطنة والوطنية وحقوق الإنسان ، ومسألة قوّة الدّولة كمتغيّر يجب أن يرتكزْ على إجتهادات فقهية ، وها هو ذا دور الفقهاءْ في المقاومة ، الّذي شكّلت فيه مسألة الوطن ، أهمّ الأولويات في فكر الشيخ " أحمد حمّاني " مالك الفكر ، الفقه ، والنّصوص النّاضجة في تأسيس الجزائِرْ الحديثة على غرار الشيخيين " عبد الحميد ابن باديس " و " البشير الإبراهيمي " ......... هذا ونجد فيما يتعلّق بهذه المسألة ، وبالعودة إلى النصّوص التي كتبها الفقهاءْ التي ظهرت في 1200 ـ 1300 ـ 1400 نصوص النّوازل الفقهية ، والتي احتوت كيفية الدّفاع عن الأرض من أهل الحرابة آنذاك ، وهم الفئات التي تقطع الطريق وتأخذ الإيتاوات ، وتفرض الضّرائب على المارين والغرامات على حماية قوافل الحجيج ، فاستقرار المجتمع إرتبط باستقرار منطقة جغرافية والدّفاع عنها ، بدلَ احتلالها من طرف الأجانب ، والّذي لعب فيه التراث الفقهي وكمّْ الوعي الموجود عند الجزائريين في الدّفاع عن أرضهم ، وإلّا كان مصيرها مثل قرطبة وغرناطة ، دورًا في بناءْ ركائزْ الإستقرار ، وها هو ذا مجلس الشورى عند الأمير عبد القادر يضّمُّ 80 بالمائة من الفقهاءِ والعلماءْ لترسيخ مفهوم الدَّولة والوطن * وانطلاقًا من مقولة نيتشه : " أنّ الجديد في التاريخ ، هو أنّ المعرفة تريد أن تكون أكثر من وسيلة ، فإنّ للجزائر أكثر من إمكانية لإعادة الصّلة بتراثها والإستثمار فيه ، دون الدّخول إلى عصبية تاريخية مقيتة ، وذلك بتحرير المساحة الثقافية التاريخية ، والإهتمام بها من خلال تحرير تومبوكتو العاصمة الثقافية ، والتي لها جذور وعروق مع الجزائِرْ ، والتأسيس مستقبلًا لعلاقة ثقافية روحية تدعو إلى السِّلم والإنسجام الإجتماعي في المجتمعات الإفريقية والقارية وإلى الوحدة الوطنية ، ذلك أنّ النزاعات الرّاهنة الثقافية والعرقية التي تحييها بعض الدّوائِرْ العالمية ، هي من أجل تفتيت المنطقة ، فالمهمة إذن هي علمية بالدّرجة ذات الأهمّية القصوى * فالتّوجه إلى توات وتمنراست لتشييد مراكز بحث علمية وإقامة جامعات حقيقية ، تستوعب المجتمعات الإفريقية كطلبة ـ تراث وتاريخ ـ ، هو ضرورة وواجب تاريخي لصنع الخوصصة الثقافية المركّبة من هاجس الأصالة والمعاصرة ، والمرهونة في المقام الأوّل بالوجود الثقافي للمجتمع الجزائري ، والّذي هو إمّا في الحقيقة مسألة هويّة أو إنتماءْ في الواجهة مع الآخر ، وفي ظلّ ما يسمّى بالعولمة والتي كانت وليدة سقوط جدار برلين والمعسكر الشيوعي ، وبروز الأحادية القطبية وكذا النِّظام العالمي الجديد ، فما هو دور كلّ هذه المتغيرات في رسم العديد من التّحدّيات أمام الجزائرْ ، للمحافظة على هويتها الثقافية ، وأين يقف الثابت فيها من المتغيّرْ ، وما هي الإستراتيجيات الواجب وضعها في ذلك ؟





* عبد الرّزاق جلولي وبوزيد بومدين : برنامج موروثنا ، عبرإذاعة الجزائِرْ 24 / 07 / 2014
" إنَّ السبيل القويم الّذي يؤدِّي إلى حفظ الجيل الجديد من توارث صفقة خاسرة ، والتي هي رأسمالنا اليوم من أخلاقٍ لا تزن جناح بعوضة ، و إلى توثيق عرى الأخوّة بين أفرادهِ و توحيد أفكارهِ ومشاربِهِ واتجاهاته ، وإلى تصحيح فهمه للحياة وتسديد نظرته إليها وتشديد عزيمته في طلبها ، هو المدرسة العربية الّتي تصقُلُ الفكر والعقل واللِّسان وتسيطِرُ عليها .... غاية التَّعليم هي تفقيه النَّشءْ في دينِهِ ولغتِهِ ، وتعرفيهِ بنفسِهِ بمعرفة لغتِهِ ، فهذِه هي الغاية السَّامية الَّتي في تحقيقها نجهَدُ ونكدَحْ وللوصول إليها نعمَلْ ، وفي العمل لها نلقى الأذى ، وفي الأذى فيها نلقى راحة الضَّميرْ ، واطمئنان النَّفس وببلوغِها ـ إنشاءَ اللهُ ـ نكون قد أدَّينا الأمانة ، وقضينا المناسِكْ ، وكفَّرْنَا عن جريمة التَّقصيرْ " (1) وعلى صعيدٍ آخر،فإنَّ الإعتراف بتطوّر التكنولوجيا في العصر الحديث ووسائل الإتّصال ضرورةٌ ملّحة لا بدّ منها ، لكن يجب أيضًا أن لا نهمل الماضي ، فهو الدّليل الّذي يمكن من خلاله ، الإهتداءُ به لصياغة المستقبل والحاضرْ " (2) وتماشيًا مع جانب أهمّية الهوّية التي تظهر في كلّ مكان ، وتؤكّد على محورها في سائر المجتمعات العربية ، نجد ذلك التّحول الرّهيب والإنتقال إلى وحدة التعدّد كهدف معتمد من قِبَل التّميّز العالمي ، الرّامي إلى فرض القيم الغربية ومواجهة ما دون ذلك ، " ففيما تكمن تحدّيات الهوّية الثقافية في الحفاظ على خصوصيتها ، وتخلّصها من التبعية والإستهلاك ؟ في ظلّ تطلّع وتوجّه إقتصادي وسياسي وثقافي ، حضاري وتربوي ، تذوب فيه الحدود بين الدّول وبين الشّمال والجنوب ، والحضارات بعضها ببعض وحركة معقّدة ذات أبعاد إقتصادية ـ سياسية ـ إجتماعية حضارية ـ ثقافية وتكنولوجية ، أنتجها ظروف العالم المعاصرْ تؤثّرٍ على حياة الأفراد والمجتمعات " (3) ممّا خلق نوع من التّبادل اللامتكافؤ في الثقافات ، والّذي يتولّد عنه مشكل الخصوصية في ظلّ شمولية الإتّصال بين الحضارات ، واستمرار آلية السيطرة وامتداد فعاليتها في أوساط المجتمعات المستهلكة ، وكيف نجعل من الوسائِط الإستهلاكية الجديدة في خدمة الهويات في الجزائِرْ ؟ بحكم أنّ العولمة ٌقد إنطوت على الهيمنة الثقافية بواسطتها كوسيلة إحتراف ثقافي ، أليس في إظهار الوجود الثقافي عبر هذه الوسائل ما يكفل الحفاظ عليه ، وضمان إستمراريته ، مع عملية تحرّي واكتشاف لأعماق جذوره ، والتمسّك بها وفق إختراق مجرى النّشاط العنيف للطّاقات العذراءْ ، واقتراح الحلول الخاطئة في تمويه المشاكل الحقيقية ، للمحافظة على وضع بال لا يتّفق مع اعتبارات الحياة القومية والدّولية (4) ، وعلى اعتبار أنّ العولمة تدفع في اتجاه فرض الوجود الثقافي الغربي ....



(1) محمّد البشير الإبراهيمي : البصائِرْ ، العدد 145 بالتَّصرُفْ
(2) عدنان السيّد حسن : متطلبات الأمن القومي الثقافي العربي ـ دراسة في الإستراتيجيات و السياسات ، من كتاب الثقافة العربية " أسئلة التّطور والمستقبل ، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية 2003 ص 289
(3) عدنان المجالي : قضايا معاصرة ـ دار وائل للنشر والتوزيع طبعة 01 سنة 2005 ص 216
(4) مالك بن نبي : ـ مرجع سابق ـ ص 30 فقرة 03
والعمل على طمس معالم ما يواجهها ، فإنّ فرض العزلة من جهة والهيمنة من جهةٍ أخرى في الوقت نفسه ومحولة صنع الوجود الثقافي في معترك الحياة من خلال تطويع الثقافة الجديدة مع ثقافتنا حتّى تصبح مزيجًا من الأصالة والمعاصرة بحيث يمكن المحافظة على هويتنا ومواكبة الآخر(1) فالقضاءْ على الهيمنة الثقافية يكون من خلال التّصدي لعملية الغربنة* القائمة عليها ، وذلك بالتعامل معها وليس الذّوبان فيها ف : " التّحرّر يكون من خلال المعرفة بالأشياءْ " على حدّ تعبير الدكتور بوزيد بومدين ، ويكون من خلال التّمسك بالموروث ، الّذي ينبني من منطلق فكرة وينتهي إلى فكرةٍ أخرى وبناءْ تاريخي سنة بعد سنة وقرنًا بعد قرن ، فها هي ذي العاصمة الثانية لبني حمَّادْ ، الملاذُ الآمِنْ للمسلمين الفارِّين من محاكم التفتيش الإسبانية ، قِبلة العلماءْ وطالبي العلم التي ساهمت في الحفاظْ على الهُوِّية والحضارة العربية الإسلامية....إنّها مدينة بجاية التي لها تاريخٌ طويلٌ وعريق ، أقام فيها الفينيقيون والرّومان والبيزنطيون ، وصفها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان قائِلًا : " مدينةٌ على ساحل البحر بين إفريقيا والمغرب " كان أوّلُ من اختطَّها الّناصِرْ بن حمَّادْ بن الزِيري حوالي 457 للهجرة ، بحيث كتبِتْ فيها فصول حقبة تاريخية هامّة في تاريخ المغرب العربي وانبثقت منها نواتُها الأولى ، والتي أُحْدِثَ على عاتقها توحيد المسلمين في الشَّمال الإفريقي ، هذا وجاءَ في الوثائِقْ التاريخية أنّ العثمانيين دخلوا الجزائِرْ من بوابة بجاية ، فبعد إحتلال الإسبان للمدن السَّاحلية الإفريقية ، ذَهب نفرٌ من العلماءْ إلى تونس لدعوة الإخوة عرُّوجْ للقدوم إلى بجاية ونصرة أهلها من غَزْوْ الإسبان وبطشهم بالسُّكان المسلمين....وصِفَتْ مدينة بجاية بِأنّها مدينة الهجرة ، فقد التحق بها العشرات من العلماءْ المسلمين القادمين من القيروان فشهدت بذلك مرحلة هامّة من التلاقحْ الفكري والإمتزاجْ الثقافي جعلت منها مركزْ إشعاع فكري إلى جانب مدن أخرى كتلمسان وقسنطينة ، أنجبت العديد من العلماءْ والفقهاءْ كعبد الرّحمان الثعالبي وأحمد ابن إدريس الّذي كان أستاذًا للعلّامة ابن خلدون ، بالإضافة إلى الفقيه أحمد ابن القاضي الزواوي الّذي تراَّس الوفد إلى تونس للقاءْ الإخوة عرُّوج وطلب العون منهم لصدّْ الإعتدَاءاتْ الإسبانية على المدن السَّاحلية ، وبالرُغْمِ من المراحل التاريخية الصَّعبة التي مرّت بها المدينة ، إلّا أنَّ دور الزَّوايا كقلاع فكرية ظلَّ حيًّا في الحفاظْ على الهوِّية وترسيخ العقيدة الإسلامية ، وبالرُّغم من إقامة المستعمِرْ بعض الحصون العسكرية والثَّكنات التي تشهَدْ على ماضٍ إستعماري بغيض ، إلّا أنَ المدينة لا تزالُ شاهِدةً إلى حدِّ اليوم على إرثٍ تاريخي ضَخْمْ ، يزيد من فخر سكانها ، وهي كذلك إحدى أهَمّْ الإتِّجاهات السِّياحية التي يسترْجَعُ بها بعضًا من عَبَقِ التاريخْ وروعة المكان ....





(1 ) جيهان سليم : " عولمة الثقافة واستراتيجيات التعامل معها في ظلّ العولمة من كتاب الثقافة العربية ، أسئلة التّطور والمستقبل ـ بيروت مركزدراسات الوحدة العربية ـ 2003 ص 246
Occidentalisation : الغربنة *
وها هو ذا الضّريح الموريتاني بمدينة تيبازة العائِدْ إلى عهد الملك يوبا الثَّاني و الّذي كان يُعَدُّ من أقوى الملوك والقادة العسكريين لإمبراطورية موريتانيا الممتدة إلى السّنة 25 قبل الميلاد ، هو معلمٌ تاريخي آثاري يحمل الكثير من صفات الأهرام يحاكي الحضارة الأمازيغية ، يرمز لوجود تحالفات في الفترة الفرعونية دامت أكثر من ثلاث قرون بين مملكة الفراعنة ودولة موريتانيا في الغرب بقيام علاقات مصاهرة وزواج بين العائِلتين الملكيتين ، اكتشفه عالم الآثار والحفريات الفرنسي ـ بيار أدريان بيرجو ـ العام 1865 ، يعدُّ معلَمًا هامًّا ضمن التراث العالمي ، صُنِّفَ من أهمِّ النُّصُبْ والآثار التاريخية التي يجب الإعتناءُ بها وتثْمينُها للحفاظْ على الذَّاكرة وتاريخ المنطقة ...... هـــا هي ذي مدينة تيارت التي تعتبر من مدن المغرب العربي القديم، عاصمة الهضاب والغرب الجزائِرِي ، جنّة الخيل تَاقْدَامْتْ ، اللّبُؤَة و تَاغْزُوتْ، كانت عاصِمةً للدّولة الرّستمية لِما يزيد عن القرن من الزَّمن ، بِهَا أسّسَ عبد الرّحمان ابن رستم عاصمة دولته التي عرفت إزدهارًا تِجارِيًا كبيرًا ، عرفت أوّج إزدهارها خلال فترة حكمه ، تعتبرمن أشهر المدن في القرن الثَّامن ميلادي ، إمتدّت حدودها من جبال تلمسان غربًا إلى إقليم طرابلس شَرْقًا على امتداد 1300 كلم تتخلَّلُها سهوب وواحات جنوب الجزائِرْ ، يعتبر عبد الرّحمان ابن رستم حسب روايات العلّامة ابن خلدون قائِدْ الجيش الفارسي في معركة القادِسية ومرافق جيوش الفتح الإفريقية ، ومع نزوح أعداد كبيرة من دعاة وعلماءْ المذْهب الخالجي والّذي أصبح يعرفُ فيما بعد بالمذْهبْ الإباضي تطوَرَ هذا الفكر مع توافد هؤلاء، بويِعَ عبد الرّحمان ابن رستم بالإمامة وأصبح حاكِمًا على منطقة الغرب الجزائِري ، واستمرَّ حكمه إلى غاية إستيلاءْ الجيوش الفاطمية على العاصمة تيهرت وفرار ما تبقَّى من الرُّستميين إلى الجنوب واستقرارهم في منطقة الميزاب أو غرداية حالِيًا ....... كانت تيهرت موضع إهتمام الأمير عبد القادر الّذي إتّخذ منها مصنَعًا للسِّلاح والذَّخيرة باعتبارها كانت منطَلَقًا له للمقاومة الشَّعبية ضِدَّ الجيوش الفرنسية التي حافظَت المنطقة على خاصِّية تربية الخيول في فترتها ، بحيث تمَّ تأسيس حضيرة بها في هذا الخصوص العام 1877 من قبل المستعمِرْ الفرنسي ، تعرفُ بحضيرة شاوشاوة التي تمتلك قيمة تاريخية كبيرة جعلتها ضمن المواقع التاريخية الجزائِرِيَة ، فهي مدعاةْ للتظاهرات الثّقافية ذات البعد الحضاري ، إلى جانب العديد من الآثار التي تشبه إلى حدٍّ كبير أهرامات مصر القديمة ....... وها هي ذي مدينةٌ يقال أنّ الفضل في تأسيسها ، يعود للتُّجار الفينيقيين ، وتطوَّرت على يد الرّوُمان لاحِقًا ، كانت عاصِمةً لمملكة نوميديا في زمن الملك ماسينيسا ، إنّها مدينة سيرتا أو قسنطينة حالِيًا ...... مدينة سيرتا أطلق عليها عدّة تسميات ، منها مدينة الصّخر العتيق نسبةً للصّخر الّذي بنيت فوقه ، وكانت تسمّى بأمِّ الحواضر باعتبارها من أقدم المدن في العالم ، وقد تعاقبت عليها حضاراتٌ عدّة ، وكان القرطاجيون يسموُّنها بصريم ـ بتيم ، حاصرها الملك يوغرطا ، الّذي رفض تقسيم مملكة أبيه إلى ثلاث أقسام ، وبعد خمسة أشهر من الحصار ، إقتحم تحصينات المدينة واستولى عليها ، وبعدها سقطت المدينة بيد الرُّومان ثمَّ البيزنطيين ، إلى أن عاود الإمبراطور الرُّوماني ماكسيناس إجتياحها وتمَّ تخريبها كُلِّيةً ، وأعيد بناءُها في عهد الإمبراظور قسطنطين ، وأخذت المدينة إسمها منه ، وتحوّل هذا الإسم عربيًا إلى مدينة قسنطينة ، وفي القرن الخامس ميلادي غزت قبائِل الوندال القادمة من أواسط أوروبا ، المدينة إلّا أنَّ الملك البيزنطي تمكَّن من حسم كلّْ المعارك لصالحه في المنطقة الواقعة في جبال إيدوغ ، ومع دخول المسلمين إلى شمال إفريقيا ، عرفت المدينة نوعًا من الإستقلال ، فكان سكَّانها يتمتّعون باستقلالية ذاتية وبعد سقوط الأندلس ، إستوطن المسلمون القادمون من شبه جزيرة إيبيريا ، المدينة ، حيث وفدت إليها أعدادٌ كبيرة من الأسر اليهودية ، والتي شكَّلت مجتمعًا طائِفيًا إستمرَّ إلى غاية الإحتلال الفرنسي ، وسقوط قسنطينة عام 1837 بيدهم ..... وتوجد بالمدينة العديد من المعالم الحضارية ، منها قبور تعود إلى فترات تاريخية قديمة وجسر بابل قنطرة ، الّذي أنشئَ في العهد الرُّوماني ، بالإضافة إلى العديد من الأقواس الرّومانية والكهوف ، كما تحتوي المدينة على العديد من المساجد كالجامع الكبير وجامع سيدي لخضر ، إلى جانب القصور والمباني ، كقصر أحمد باي وهو من التُّحف المعمارية ذات الطِّراز العثماني الجميل ، كما توجد بعض الآثار القادمة عن الحمَّامات كحمَّامات القيصر ، وتوجد في المنحدر بواد الرِّمال ، وقد كانت هذه الحمَّامات قبلةً لكلِّ العائِلات في ذلك الوقت ، لوجود مياهٍ دافئَة ومناظر جميلة تطلُّ على المدينة وها هي ذي أشهر القلاع التي بناها الإسبان في شمال إفريقيا بمحاذاة البحر المتوسِّط ، قلعةٌ تحكي تاريخ مدينةٍ بأكملها بقيت شامخةً على إمتداد القرون ، وساهمت في بقاءْ الإحتلال الإسباني في مدينة وهران لمدَّةٍ تزيد عن القرنين والسَّبعين سنة ، إنَّها قلعة سانتا كروس بأعالي جبال المرجاجو ...... سانتا كروس قلعةٌ حصينة بناها الإسبان مابين عامي 1577 و 1604 من طرف الحاكم الإسباني سيلفاد سانتا كروس وقام بتصميمها أحد شيوخ منطقة وهران المعروف باسم مرجط الّذي قتل مباشَرةً بعد الإنتهاءِ من بنائِها ، وقد استخدمت القلعة كبرج مراقبة للسّفن العابرة عبر المياه الإقليمية ، بالإضافة إلى كونها تسهر على تأمين سلامة مدينة وهران وسكَّانها من الغزاة الأجانب ...... الطّريق إلى قلعة سانتا كروس يبدأ من وسط مدينة وهران بحي سيدي الهواري العتيق ، ويمتد في شكل متعرَّج يخترق جبل المرجاجو إلى أن يصل إلى بوابةٍ كبيرة محاطة بسورٍ مرتفع به فتوحات لنصب مدافع ، في حال تعرُّض المدينة لهجومٍ بحري ، وظلَّت القلعة بيد الإسبان ، إلى أن تمَّ تحرير مدينة وهران من قبل الجيش العثماني العام 1708 ، وقاد الحملة آنذاك الباشا بوشلاغم ، والّذي شيّد بعد ذلك العديد من المدارس والقصور والمساجد ، وتحوَّلت بعد ذلك إلى ما يعرَفْ بعاصمة البايليك " بايليك الغرب الجزائِري " القلعة تعدُّ من الشَّواهد الأثارية المهمَّة ، كونها أصبحت تمثِّلُ مركزًا سياحِيًا ومنتزهًا لكلّْ السُّياح من كلِّ الأقطار وتلكم هي واحدةٌ من أجمل مدن الجنوب الجزائِري ، كانت في الأصل عبارة عن مجموعة من الواحات ، إستوطنها رجال الطوارق قديمًا ، وبها قصور ومباني حجرية ، يعبرها وادٍ يسقي الواحة ، وتتكوّن المنطقة من مجموعةٍ تشكيلة من الصُّخور البركانية والرَّملية ، وعليها تمَّ تصوير العديد من النُّقوش الّتي تعود إلى آلاف السِّنين ......إنَّها مدينة جانت . تقع مدينة جانت بمحاذاة سلسلة جبلية تعرف بالطاسيلي ناجر، ترتفع بأكثر من ألفي متر على مستوى سطح البحر وعرضها من 50 إلى 60 كلم ، وتمتد على مساحة تقدَّر ب 12 ألف كلم مربع ، وخلال الفترة الرَّطبة من العصر الحجري الحديث بين 9250 قبل الميلاد ، كانت المنطقة مكسوة بالأعشاب والنَّباتات ، وقد سكنها الإنسان منذ القدم واستوطنها العديد من قبائِل الطَّوارق ، فعمَّروا المنطقة وازدهرت الحياة ، وبحلول العام 2500 قبل الميلاد ، تحوَّلت إلى أرضٍ قاحلة فلم تعد صالحةً للعيش ، وبقيت النُّقوش والرُّسوم الحجرية شاهدةً على تلك الحقبة الزَّمنية ، وقد أحصى المختصُّون بعلم الحفريات نحو 30 ألف من النُّقوش على الكهوف والمغارات ، وتظهر أشكالًا مختلفة تمثِّل عمليات الصَّيد بالإضافة إلى أنواعٍ حيوانية كالفيلة والبقر الوحشي وفرس النَّهر وصور لخيول ومراسيم دينية ، وأدرجت منظَّمة اليونيسكو المنطقة ، ضمن مواقع التراث العالمي في العام 1982 ، وفي العام 1986 أعتبرت المنطقة كذلك محمية طبيعية لحيواناتٍ نادرة كالضّأن البربري وأنواعٍ من الغزال والفهود ، هذا ويُشكِّل الموقع أكبر متحف للرُّسوم الصّخرية البدائِية وقد تمَّ إحصاءُ أكثر من 30 ألفًا من الرُّسوم تجسِّدُ الطُّقوس الدينية والحياة اليومية للإنسان في فترة ما قبل التاريخ وهي تشكّل أيضًاُ إحدى المزارات الهامَّة للسُّياح الأجانب ، خاصَّةً ما كان يروى من أساطير على صورة النَّقش ، الّذي يحكي قصَّة البقرة الباكية بعد أن جفَّت كل مصادر الماءْ ، وتأثَّرت البقرة لدرجة أنَّها دمعت عيناها حُزْنًا وألمًا ، وهي أسطورةٌ أقرب إلى الحقيقة ، كون المنطقة عرفت عصُورًا تاريخية متباينة ، أمَّا عن مدينة جانت فإنَّ أصل تسميتها يعود إلى اللَّهجة الأمازيغية التَّارقية وتعني حطَّ الرِّحال ، وتحكي الأسطورة أنَّ قطِيعًا من الإبل تاهَ عن صاحبِهِ فبينما هو يبحثُ عنها إلتقى بمجموعة من البدو الرُّحل فسألهم عنها ، فأجابهُ أحدهم : " إذْهب إلى الواد ستجدها جانت " أي باركَةً هناك وتبعُدُ مدينة جانت عن الحدود اللِّيبية بنحو 100 كلم ، وعن النِّيجر بنحو 200 كلم ، وهي تعتيرُ عاصمة الطَّاسيلي .... وها هو ذا مسجد عقبة ابن نافع الفهري الّذي يعتبر من أقدم المساجد في شمال إفريقيا بعد مسجد القيروان في تونس أختير إسمه تخْليدًا للفاتح المسلم القائِدْ عقبة ابن نافع الّذي استشهد في موقعة تاهودا سنة 63 هجرية الموافق ل 682 ميلادية ، وصَفَهُ العلّامة ابن خلدون بأنَّه أشرفُ مَزَارٍ على بقاع الأرض يقعُ مسجد عقبة ابن نافع على بُعد 18 كلم جنوب شرق مدينة بسكرة ، ويُروى أنَّ المسجد كان في الأصلِ ضرِيحًا للفاتح العظيم ووالي إفريقيا ، حيث توُفِّي رفقة بعضِ جنوده بعد معركَةٍ خاضَها ضدَّ كسيلة وجيوشِه ، وبالرُّغم من عدم وجود نصوص تاريخية تُؤَرِّخُ لتأسيس المسجد ، إلّا أنّ غالبية الأراءْ تقول بِأنَّ أتباع عقبة ابن نافع الَّذين أسِروا في المعركة هم من شيَّدو مسجِدًا حول ضريحِهِ في الفترة الممتدَّة بين نهاية فترة الكاهنة وتأسيس دولة الأغالبة في القرن الثَّامن الميلادي ويُعدُّ هذا المسجد النَّواة الأولى لتأسيس مدينة سيدي عقبة على اعتبار أنَّ المدينة الأولى كانت تسمَّى تهودا ، حيث قامت مدينة اولاد مولات ببِناءْ زاوية في القرن التَّاسع الهجري ، وبعد قَرْنٍ من الزَّمن تمَّ إنجازْ حارة كاملة مقابِلةً للمسجد ، تلتها حاراتٌ أخرى ، كوَّنت فيما بعد ما يُسمَّى مدينة سيدي عقبة ، يبلغ طول المسجد 60 مترًا وعرضُه 37 مترًا ويتكوَّن من بيتٍ للصَّلاة وعدد من الغرف الملحقة ، وتعتبر المِأذَنَة من أقدم المآذِن في شمال إفريقيا ، حافظت على تماسُكِهَا وصلابَتِهَا عبر عديد القرون * ...... تلكم هي مدن عريقة وشواهد حضاريةجزائِرية تعكسُ وتُجَسِّد وتُمثِّلُ : " مجموع التَّجارب التاريخية لأحد المجتمعات وما تترُكُه من تأثيرات نوعية في سلوكِ أعضاءِه وعلاقاتهم المتبادلة من ناحية ، وكيفية تفسيرهم للماضي وتقويمهم للحاضِرْ ونظرتهم للمستقبل من ناحيةٍ أخرى ، وأنَّ هذه التَّجارب لكلِّ دولة إنَّما تختلف بالضَّرورة عن تجارب غيرها ، وأنَّ لهذه تأثيرًا خاصًّا على أنماط حركتها السياسية الخارجية " (1) ودورها كرموزٍ قوِّية في تحديد فاعليتها .....








* عبد الرّحمان ابن نافلة ـــ إذاعة الجزائِرْ ـــ 31 / 03 / 2017
(1) مازِن إسماعيل الرَّمضاني ــــ مرجع سابق ـــــ ص 207 ، 208
وها هو ذا أثر حكم الباب العالي وإنهاءِه على الجزائِرْ (1) : بحيث كان للأتراك بالجزائِرْ دورٌ فعَّال في إنقاذ هذا البلد من إحتلال إسباني واقع لا محالة ، لذلك قَبِلَ السُّكان بالإنضِواءْ تحت لِواءْ الخلافة العثمانية بأسطنبول ، وما من شكّْ بِأنَّ رابطة الدِّين ، كانت الدَّافع الرَّئِيسي للإستنجاد بالأخوين عرُّوج وخير الدِّين ، وتلبيتهما النِّداءْ ، خاصَّةً وأنَّ الصِّراع آنذاك كان على أشُدِّهِ بين المسلمين والصَّليبيين ، وعليه فقد بذل الأتراكْ العثمانيون جهوذًا تُحْفَظُ لهم في التَّاريخْ من أجل حماية الجزائِرْ من سيطرة إستعمارية طوال ثلاثة قرون .، دخل فيها حلبة الصِّراع ضِدَّ الجزائِرْ إلى جانب الفرنسيين والإنجليزْ كلٌّ من الإسبان والهولنديين ، وكاد الأمر يتحوّل إلى تحالف أوروبي ضِّدَّ الجزائِرْ ، إلّا أنَّها تفطَّنت وفوَّتتْ الفرصة فصالحت الهولنديين عام 1663 لمحاربة الفرنسيين وصالحت الفرنسيين لتحارب الإنجليزْ والهولنديين وفي العام 1671 صالحت الإنجليزْ لِتَعود إلى الحرب مع فرنسا وهكذا ، وبحلول العام 1710 دخلت الجزائِرْ مرحلة هامَّة في نظامها السِّياسي ، فأنهَتْ عهد ثنائِية الحكم برفضهم الباشا المبعوث من طرف السُّلطان العثماني ، حيث رفض الدّاي علي شاوش إستقبال شرقان إبراهيم باشا كممَثِّل للسُّلطان العثماني بالجزائِرْ ، وبالتالي أصبح الدَّاي يجمع بين المنصبين ( الباشا والدَّاي ) ، وهي مرحلة الإستقلال الفعلي عن الدَّولة العثمانية ، وأكثر من هذا قاوم الدَّايات حتَّى وسط الباب العالي في المشاكل الدَّاخلية والخارجية للجزائِرْ ، ولم يعد بذلك للسُّلطان العثماني أيَّ نفوذٍ فيها ، أصبحت الدَّولة الجزائِرية في عهد الدَّايات تتمتَّع بحرِّية العمل في المجال السِّياسي وبنت جيشًا قوّيًا وعندها ميزانية مستقلَّة لا تقلُّ أهمّيةً عن ميزانية الدُّول القوية في تلك الفترة ، كما كان الدَّاي يعقد المعاهدات ( سِلْمْ وتجارة ) باسم الجزائِرْ ويبعث بقناصل الجزائِرْ إلى الدُّول الكبرى ويوافق على اعتماد القناصل في الجزائِرْ بدون مشاورة تركيا ، ويعلن الحرب ، ويستعمل العملة الخاصَّة بالجزائِرْ ، الأمر الّذِي يثبت استقلالية القرار الجزائِري ، وبالرُّغمِ من أنَّ نفوذ الجيش البحري والدَّايات لم يخدم الأهالي ولم يستجب لمطالبهم وكذا توجُّه القوات العسكرية والسِّياسية لخدمة مصالحهم وتحوُّل الرِّياس من جنودٍ مناضلين ومقاتلين ضدَّ القوات المسيحية المعادية للإسلام إلى رجالٍ يبحثون عن الغنائِمْ لأنفسهم ، وبالمثل إهتمَّ حكَّام الجزائِرْ الدَّايات بجمع الثَّروة من العمليات البحرية ، إلّاأنَّه تظلُّ وتشهَدْ تلك الفترة أهمّْ الأحداثْ الَّتي يمكن إيجازُها فيما يلي :






(1) وهيبة بوزيفي : ــــ محاضرات في مقياس مدخل إلى تاريخ الجزائِر المعاصِرْ ــــ 2015 ، 2016 ، كلِّية علوم الإعلام والإتِّصال جامعة الجزائِرْ 03
ـــ تمكُّن حكَّام الجزائِرْ في هذه المرحلة الأخيرة من القضاءِ نهائِيًا على الوجود الإسباني في الجزائِرْ وبالتَّحديد في وهران والمرسى الكبير ، وكان ذلك سنة 1792 ، ويذْكَرْ أنَّ تحرير مدينة وهران من الإسبان تمَّ على مرحلتين ، حيث كان التَّحرير الأوَّلْ عنْوَةً العام 1708 على يد مصطفى أبو شلاغم باي الأيالة الوهرانية وصهره أوزن حسن ، وفي عهد الدَّاي محمّد بقطاش باشا ، وذلك بعد أن مكثَ فيها الإسبان مائتين وخمسة أعوام ، وعلى إثرِ هذا الإنتصار نُقِلَت عاصمة البايلك من معسكر إلى وهران ، ويسمَّى هذا الحدثْ بفتح وهران الأوَّل ، لكن الإسبان عادوا سنة 1732 واحتلُّوهَا مرَّةً ثانية إلى أن جاءَ عهد حسن باشا الَّذي شهدت على يديه التَّحرير النِّهائِي لمدينة وهران سنة 1792 ـــ ومن الأحداثْ المميِّزة لهذا العهد : (2) ، كثرة الغارات الأوروبية على سواحل البلاد ، برغبة الإنتقام من قوَّة الجزائِرْ البحرية خاصَّةً من طرف : الإسبان ، الإنجليزْ ، والفرنسيين ، حيث نظَّم الأميرال الفرنسي دوكين في عهد الدَّاي بابا حسن وبالضَّبط يوم 12 جويلية 1682 حملة عسكرية قوامها ثلاثون سفينة حربية ، لمهاجمة شرشال ومدينة الجزائِرْ ولكن هذه المحاولة باءَتْ كغيْرِها بالفشل ....... وفي العام 1684 أبرمت الجزائِرْ معاهدة سلم مع فرنسا لمدَّة مائَة سنة ، لكنّها نقضت العام 1776 بسبب نشوب معركة بين السُّفن الفرنسية والجزائِرِية ، ومرَّةً أخرى تمَّ الصُّلْحُ بين الطَّرفين ، وفي عهد محمَّد عثمان باشا خاضت الجزائِرُ حربًا ضدَّ الدَّانمارك وبالتَّحديد العام 1770 ، حيث قنبلت الميناءْ الجزائِري ولكن الجيش البحري الجزائِري كان أقوى منها بكثير ، فتغلَّبَ عليها وأجبَرَها على التَّفاوضْ ، وفي العام 1770 ، شنَّت القوات الإسبانية حملة عسكرية ضدَّ الجزائِرْ بِأمرٍ من الملك شارل الثالث وبقيادة " دون بيدرو " ، ولم تكد تنزِلْ القوَّات الإسبانية على أرض الجزائِرْ ، حتَّى تصدَّت لها قُوَّات صالح باي قسنطينة وألحقت بهم شرَّ الهزيمة ، وبعدها حاول الملك شارل الثالث مصالحة الجزائِريين ، لكن الدَّاي محمَّد عثمان باشا رفض لعدم ثقتِهِ في الإسبانْ ، فكرَّرَ الإسبان هجماتهِمْ العام 1784 على الجزائِرْ بقيادة " دون أونطونيو " لكن كالعادة القوَّات البحرية الجزائِرية أجبرتهُمْ على الإنسحابْ ، وبعد ذلك قبلت الجزائِرُ الصُّلح مع الإسبان على شرط جَلاءْ الحامية الإسبانية من وهران والمرسى الكبير فقبِلَ الإسبان هذا الشَّرطْ ، لكن لم يُنفَّذْ فِعْلِيًا إلّا في عهد الدَّاي حسن باشا أي في سنة 1792 * ..........




(2) وهــــيـبـة بــوزيـــفـــي : ــــ مــصــدر ســـابـــق ــــ
* محمّد مقصودة ـــ الكراغلة والسُّلطة في الجزائِرْ خلال العهد العثماني ( 1519 ، 1830 ) مذكِّرة لنيل شهادة الماجيستير في التَّاريخ الحديث والمعاصِرْ ، قسم التَّاريخ والآثارْ ، كلِّية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية ، جامعة وهران 2014

ها هي ذي الآثار العلمية والإصلاحية القيِّمة الّتي تعتبر من المصادر الأساسية لدراسة الفترة الأخيرة من العهد العثماني في الجزائِرْ أثناءِ الإحتلال الفرنسي ، والَّتي تعطي صورة واضِحة عن العلاقات بين الجزائِرْ وغيرِها من البلدان ، والّتي كانت معظمها عبارة عن مُؤَلَّفات ، ترجمة ، مذكِّرات ورسائِلْ ، إذْ أنَّهُ في فترةٍ قصيرة ألَّف المرآة ، وراسل شخصيات متعدِّدة على مختلف المستويات ، واتَّصل بجناح المعارضة بباريس ، وأثَّر فيهم وتأثَّر بهم ، ولم يكتَفِ بالمراسلات السياسية ، بل وسَّع نشاطهُ فخاطَبَ بجُرْأة أُولئِكَ الجامدين من المسلمين بأصول فقهية وأسس علمية لا تقبلُ جِدالًا واستطاع أن يَسْلَمَ من أذاهم ........ ولمَّا حدث إتِّصال العرب بالغرب واطَّلعوا على منجزاته ، إنشطَر العالم العربي الإسلامي إلى فريقين ، فوقف فريقٌ من المسلمين وهم كثرةٌ بدءًا بشيخ الإسلام ثمَّ القضاة وفِئَةً من علماءْ ومفتيين وأئِمَّة وقفوا موقف الحذرِ تارةً والإنكار لِما توصَّل إليه العالم الغربي تارةً أُخرى ، حجَّتهم في ذلك بِدَعٌ يجبُ محاربتها ، بينما تبنَّى فريقٌ آخر من المسلمين أهمَّ ما جاءَ به الغرب خاصًّةً في ميدان العلوم ، ونذكرُ من هذا الفريق حمدان خوجة ، الّذي يعدُّ رائِد الإصلاح السِّياسي والإجتماعي في العالم الإسلامي ، ومن أبرز ما في هذا الجانب في شَخْصِيتِهِ أنَّه دعا إلى نبذْ التعصُّبْ والتَّزمُّت الَّذين كانا يسودان العالم الإسلامي نتيجَةً لموقف المحافظين من علماءْ الدِّين الَّذين أخذوا بظاهِرِ الآيات والأحاديث النَّبوية ، فأغلقوا باب الإجتهاد والتزموا التقوقُعْ ، واعتبروا كلَّ شيئٍ أُخِذَ عن غير مسلم كُفْرًا ، فأدرك حمدان أنَّ هذا هو السَّبب في تخلُّف العالم الإسلامي ، بِالرُّغم مِنْ أنَّه سبق العالم الغربي إلى الحضارة ، لهذا ناشَد السُّلطان العثماني وأولي الأمر أن يسرعوا إلى وضع حدّْ لِلأَعمال العقيمة الَّتي كان يمارسُها هؤلاءِ الجامدون ، وأن يبادِروا إلى إصلاح كلّْ ما من شَأنه أن يُلْحِقَ ضرَرًا بالبلاد الإسلامية ، لأنَّ الحدَّ من نشاطهم هو من باب إصلاح المجتمع الإسلامي ومنطلق لتحضُّرِهِ ، وقال حمدان في هذا الصَّدَدْ : " يجب على السَّلاطين وعلى أولي الأمر أن يُبادِرُوا بإصلاح ما يدخِل عليهم الضَّررْ(على الرَّعية) ولا يُرخَّص لهم ــــ بعد تحقُّق ذلك ـــــ أن يساعدوا الجهَّال على تصلُّبهِمْ وجهلهم ، وذهب إلى أبعد من ذلك بِأن حاول أن يفطِّن الحكَّام إلى قاعدة هامَّة في التَّجديد إذْ قال : " إنَّ كلُّ عصرٍ له متطلَّبات وخصائِصْ جديدة ولديهِ ظهور عادة حديثة توجب التَّخلي عن القديم حتَّى نتفادى حدوث إضطراب وقلق في الشَّعب ، وحتَّى لا يعرقِلْ ذلك تسيير دولاب الإدارة النَّاجحة "، ثمَّ إنتقد الحكَّام الَّذين لم يطبِّقوا الشريعة الإسلامية لِأنَّهم لم يفهموا جيِّدًا مبادِئَها السَّمحة الَّتي من بينها أنَّ ظروفًا تترتَّب على زمن وحاجات الإنسان لم تتوقعُها القوانين ولذلك يجب على أيِّ مشرِّعْ أن يفهم هذه الضَّرورات ليعمل على إيجاد طريقة حكيمة لتطبيق هذه القوانين . يكون حمدان بهذه الرُّوح المتفتِّحة وبهذا الرَّأي العميق ، قد أدرك عوامل تطوُّر المجتمعات ، أي أنَّه أدرك قيمة الآخر من جهة ، كما أنَّه يعدُّ بحقّْ رائِدًا وقلَّما نجد له شخصًا معاصِرًا له بهذا المستوى الفكري ، والفضل يعود إليه آنذاك في أنَّه ساهم في تعريف العالم الأوروبي بحقيقة الشَّريعة الإسلامية خاصَّةً في كتابه المرآة حين نُشِرَ باللّغة الفرنسية ، وهو الوحيد في العالم العربي الإسلامي من نُشِرَ له مؤلَّف بالفرنسية في أوروبا العام 1833 ، من أرائِه الإصلاحية ، إلحاحِهِ على تطبيق الحجر الصِّحي الَّذي كان معمولًا به في أغلب بلدان أوروبا بينما لم ينظَّم أو يعمَّم في البلاد الإسلامية ، إذْ قال " لكشف حقيقة ما يستعمله الإفرنج لمن يقف على رسالتنا حتَّى لا يتوهَّم من لفظ ( الكرنتية ) أنَّها أمرٌ غريب يصادف ديننا ... والأولى إلتزام الإحتياط في أوّل الأمر .... وكلُّ ما ذكرناه من تصرُّفاتهم ليس فيها ما يُكْرَهُ شَرْعًا ولا طَبْعًا وقال في موضِعٍ آخر " أنَّ مبنى إنكار من أنكر كلُّ ما نسب إلى الإفرنج إنَّما مبناهُ على الجهل والتَّعصُّبْ "

وعند حمدان ليس نبذ التعصُّب والتَّزمت فحسب ، بل على العالم الإسلامي أن يستعين برأي الأوروبيين الَّذين تقدَّموا أشواطًا كبيرة في كيفية الإحتراس والتَّداوي من هذا المرض وغيره ، خلاف الَّذين أهملوا أمر الطِّب مع أنَّه فرض كفاية وصرفوا إهتماماتهم إلى العلوم الشَّرعية والأدبية لمقاصد متنوِّعة فامتاز الأوروبيون واليهود بالمهارة المبنية على التَّجربة لأنَّهم توارثُوا الصَّنائِع المهمَّة وزاد فيها آخرهم على الأوَّل ، فتوفَّرت عساكرهم ومتاجرهم ، وهما الرَّكيزتان اللَّتان عليهما المعوَّلْ ، فاكتفوا بقلَّة حزمنا عن قتالنا حيث ضعفت قوانا واستأصلنا معظم رجالنا ........... وتفطَّن حمدان قبل غيره من رجال الفكر العرب المسلمين إلى أعمدة أساسية في بناءْ الحضارة ، وهي أنَّ المسلمين لم يُقْبِلُوا على العلوم التَّجريبية والرِّياضيات والطِّب ، فأهملوا هذا الجانب الفكري الخصب ، وحصروا إهتماماتهم في الإقبال على العلوم النَّظرية ، وتعجَّب حمدان من موقف المسلمين المتعصِّبين الَّذين ضربوا عن الأخذْ بمعالم الحضارة الأوروبية بل قالوا بتحريم ذلك ، فيستنكر حمدان ويقول : " ويا للعجب كيف يتهجَّم هؤلاءِ على مثل هذا التَّحريم والتَّكفير بغير سند ولا نصّْ ولا إجماعْ ، ويطيلون ألسنتهم فيما هم فيه مخطِئُون ، ويتعاملون عن شيوع الرِّبا في بلاد الإسلام ..... وصفوة القول ، أنَّ حمدان خوجة بهذا التَّحليل والتركيب لدقائِق الأمور ، شخصيةٌ على جانب كبير من التَّفتح والمعرفة العميقة للعوامل المحرِّكة للمجتمعات وأجهزتها الحاكمة ، كما كان إلى حدٍّ كبير مصيبًا في طرق أهمّْ المواضيع في عصرِهِ إذْ كثيرًا ما دعا إلى تطبيق نظريات إصلاحية ، إلَّا أنَّ دعوته لم تتعدَّ حدود الكلمة المكتوبة ، ولم تحظَى بتأييدٍ أو تطبيق في المجتمع الإسلامي آنذاك ، خلافًا لما كان بالجانب السِّياسي من شخصيتِه الَّتي كان لها تأثير واضح في الجانب الإجتماعي ، سواءٌ آهو في الجزائِرْ أو في فرنسا أو في أسطنبول ، مثلما يعتبر من الَّذين جمعوا معرفة بين الذَّات الجزائِرية والأوروبية شعوبًا وحضارة .......










تلك هي إذن تجربة الجزائِرُ في فترة الحكم العثماني ، وكذا شواهدها التاريخية الَّتي تعكِس وتُجسِّد وتُثمِّن أهمِّية الجانب الحضاري في ارتسام ملامح الوطن والدَّولة و في التَّأثير على صُنَّاع القرار لِتحديد إستراتجياتهم على السَّاحة الدُّولية ،هذا و : " على الرُّغم من صعوبة تحديد الآثار التي يُرتِّبُها المتغيِّر التاريخي في العلاقات الخارِجية لدولةٍ من الدُّول لطبيعتها غيرالمادِّية ، ولكن ذلك لا ينفي البتَّة بأنَّ للمتغيِّر التاريخي تأثيرٌ مهمّْ له إنعكاساتُهُ على صانعِ القرار وبالنتيجة في السُّلوك السياسي الخارجي لَهُ ، بمعنى أنّ أهمِّيته تتجسَّد في مدى انعكاساته على كيفية إدراك صانع القرار لدلالات تجارب دولية مع إحدى الدُّول وأثر ذلك على حركتِهِ السياسية الخارجية في الحاضِرْ والمستقبل (1) وكذا دعم ذلك التَّواصل التَّاريخي للمجتمع الجزائِرِي بمختلف تركيباتهِ الممثَّلة اليوم في النَّقابات الوطنية للنَّاشرين الجزائِريين والنَّقابة المهنية للكتابْ وملتقى ناشِري الكُتُبْ ، والَّتي لها تأثيرْ على صانعْ القرار في الجزائِرْ من جهة ، والعمل على تنمية الإنسان من جِهَةٍ أُخْرى ، فها هو ذا سور الصِّين العظيم يُخْتَرَقْ من قِبَلْ الغَزَوَات اليابانية بعد 18 سنة من البِناءِ والتَّشييدْ وذلك لتجاهُلِ الصِّين لهذا العنصُرْ ، والعاتِقُ الأكبَرْ في هذا المجال يقَعُ بالدَّرجة القُصوى على كاهِلِ المعلِّمِ و الأستاذْ " ولتحقيقِ هذا النَّمط من الأهدافْ دورٌ وتأثيرْ في علاقات الدُّول الخارجية ، إنطلاقًا من محاولتها وعبر وسائِلها المتاحة لصيانة تراثها الثَّقافي والحضاري ، والمحافظة عليه من إحتمالات الغزو الثَّقافي الخارِجي ومحاولات الإستهداف وكذلك محاولة الدُّول تصدير ثقافتها عبر حدودها تمهيدًا لفرضها بما يخدم مصلحة الدَّولة الوطنية ، والمعنى سعي الدَّولة إلى دعم تراثها الثَّقافي والمحافظة عليه ، ذلك أنَّهُ يمثِّل أحد المقوِّمات الهامّة التي تستنِدْ إليها في إثبات وجودها ودورُها الثَّقافي والحضاري في البيئَة الدُّوليَة " (2) وكذا تفاعلات العلاقات الدُّولية في هذا النَّمط .....











Karl w . deutsch ; op cit ; p 83 وكذلك F. H hartmann ; op cit ; p 60 (1) أنظُرْ :
(2) ثامر كامل الخزرجي : مرجع سابق ـــ ص 207 ، 208
هذا ومن باب الإطلالة على الحقائِقْ التي هـي أكثر بلاغةً من الكلمات ، فلنتبنّى ولظرفٍ زمني فرضية فشل السياسة الخارجية للجزائِرْ ، فما هو أصل هذه الفرضية في حتمية التاريخ ؟ وما موقع هذا الفشل في عقيدة السياسة الأمريكية ؟
التي تبنّت هي الأخرى عن سابق عزم ، الجزائرْ كمنطقة متميّزة في العالم ، نظرًا لأهميتها وغناها بمصادر الطّاقة واستحواذْها على سحر البنتاغون ، وإعلانها مبدأ كلّ شيئْ ملكٌ لمن يجعله أفضل ، ولو كان الأمر كذلك ، فلماذا تُبْذَلُ الجهوذ من أجل الحفاظ على المصالح الحيوية فيها ، أمّا فيما لو كانت الجزائِرُ غير ذلك ، فما كان للمستثمر الأمريكي أن يكون له موقع قدمٍ فيها ، فالجزائِرُ في ظلِّ المتغيِّرات العالمية ، تتبنّى قاعدة الإستثناءْ الأمثل في علاقاتها بغيرها ، وعلى صعِيدٍ آخر ، حرِيٌّ بنا البحث عن موقع الجزائِر في موسوعة الحضارة الإنسانية ، مجتمعةً بين الجانب المادِّي والفكري ومكمِّلةً لتراث إنساني أثار شغف الباحث الأمريكي " ويل ديورنت " في معالجته لمختلف الحضارات الإنسانية منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا ،،، والمحصّلة فالجزائرُ تواجه مرحلة تحديد أحسن الشروط لإيجاد نتيجة النّجاح ، وفي أقلِّ زمنٍ ممكن ، وهي في وضعها الرّاهن تمرُّ بميداني التطبيق والتجربة للوصول إلى ذلك ، متّخذةً الإعتبار التركيبي كوسيلة لبلوغ هذا الهدف .....كيف لا ؟ وقد استطاعت يومًا استرجاع منطقة قمح الشّتلة الذّهبية ، التي تملأ فضاءْ سطيف وفضاءْ سهول الشّمال القسنطيني ، والتي شهد عليها منصفون فرنسيون ممّن أعمت بصيرتهم قدرة الإله ، قائِلين دون انتباه في رسائِل لزوجاتهم : " إنّنا نمرُّ الآن بوادٍ كلّه اخضرار على مدى البصر في منطقة الهضاب العليا ، ما رأيناه في حياتنا في منطقةٍ من المناطق التي مررنا بها في أوروبا ...." * كما وأنّ في قضايا هذا العالم ، يقول رجل دولة يعرف الكثير ، بأنّه لا يمكن أن تصدّق كيف أنّ جرعة المنطق الّذي ينظّم المصائِرْ ( الوجهات ) السياسية للشعوب الضّعيفة جدًّا ، ومع ذلك كانوا يسيرون ، وبعد مرور بعض الوقت وصلوا إلى الهدف الّذي اختاروه ، كانت هناك قُوّةً تعلوهم وهي التي كانت تقودهم ، وتتكفّل بجمع الجهوذْ الغير متماسكة للحكّام والمحكومين في نتيجةٍ منطقيةٍ واحدة ، ومع ذلك لا يجب أن نغفل عن المبدأ الحكيم الّذي عبّر عنه أجدادنا في هذه الكلمات " ساعد نفسك ، تساعدك السّماءْ ، هذا هو الأمر المؤكّد " فالجزائِرُ كما قال عنها الشيخ عبد الرّحمان الثعالبي : في أحوالها عجبُ ، ولا يدوم بها للنّاسِ مكروهٌ ما حلّ عسرٌ بها أبدًا ، إلّا ولطفٌ من الرّحمان يتلوه







* نقلا عن المؤرِّخْ : محمد الأمين بلغيث ـ التاريخ يسجّلْ ـ 2015 / 09 / 29

تمثّل الإستثمارات في المحفظة ، والتي يقصد بها ملكية الأوراق المالية على اختلاف أنواعها ( سندات ، أسهم ، ضمانات ، قروض ، والتي يحصل عليها المقرضون مقابل رأس مال المستثمر ) أهم جانب في الإستثمارات الدّولية المباشرة ، والتي أصبحت قناة رئيسية للعلاقات الإقتصادية الدّولية ، بحيث أثار تحليل العلاقة الموجودة بينهما ، وبين الشركات المتعدّدة الجنسيات ، إهتمام العديد من الإقتصاديين ، على غرار بيرمان ودانينغ ،بحيث أشارت مختلف الدراسات والنظريات الإقتصادية ، بما في ذلك النظرية النّقدية والشواهد التطبيقية الحديثة إلى أهمّية الإصلاحات الإقتصادية في توفير مناخ إستثماري ملائِم لبناءْ بيئة سليمة للإقتصاد الكلّي ، وهذا ما تسعى إليه المؤسّسات الإقتصادية الجزائرية عامّةً ، وكذا عملية تسيير التجارة الخارجية من قبل البنوك على وجه الخصوص مستندةٍ في ذلك على إصلاحات قوية من شأنها تخفيف الضّغط الّذي شكّلته ظروف زمنية كتقلُّبات أسعار الفائدة ، أسعار البترول ، المديونية ، عجز ميزان المدفوعات ، وذلك في إطار قانوني داعم للمتعاملين ، الهدف منه تعظيم الأرباح وتحقيق الأهداف ، من خلال العمل أكثر على تفعيل الدبلوماسية الإقتصادية ، والتسيير الحذِرْ لاحتياطات الصّرف بالعملة الصّعبة في الخارج ، والحرص على أن يكون القرض الإستهلاكي فقط للمنتجات التي تتوفّر على نسبة إندماج مابين 40 إلى 50 بالمائة في إطار مراجعة دقيقة للمنظومة المصرفية حسب رؤية الأستاذْ عبد الرّحمان مبتول لسياسة ترشيد النَّفقات والتي يرى فيها بأنّ اعتماد عملية التصحيح الإقتصادي مشروط بتحقيق الجزائِرْ إنتقالًا إقتصاديًا لفترات الإنطلاقة التنموية * في ذلك ، في آفاق 2020 .....
بحيث دفعتنا أهمِّية النظام البنكي في الحياة الإقتصادية ، وكذا إعادة النّظر في السياسات الجزئِية المتعلِّقة به ، إلى تحرير هذه الورقة البحثية من خلال دراسة تطبيفية للرهانات المقدّمة من قبل البنك في إطار تحدّيات المناخ الإقتصادي الجديد....



Phases of economic development * الإنطلاقة التنموية :

طبيعة الإستثمارات الأجنبية المباشرة :
" يمكن القول أن يقترن هذا النّوع من الإستثمارات في بعض الأحيان بتنقّل الخبرات والتكنولوجيا ، أمّا الإستثمارات المباشرة ، فهي ذات طبيعة مختلفة من حيث المبدأ ، فهي لا تعني مجرّد تصدير رأسمال خالص في صورته المالية فحسب ، وإنّما تعني عادةً صفقة متكاملة تتضمّن تنظيم إنشاءْ المشروعات وتوريد التكنولوجيا والخبرات التنظيمية والإدارية وتأهيل الإطارات والعمّال ، فالخاصية الفردية في حركة رأسمال دولي خاصّْ ، تتركّزْ في أنّه غالبًا مايكون مالكًا للخبرات والقدرات التي لا يمكن أن تجتاز الحدود المحلّية بطريقةٍ أخرى " (1) بينما يرى كليند لبرغ : " أنّ الإستثمار الأجنبي عبارة عن إنتقال رأسمال بإشراف مستثمر من جانب المستثمر ، ويُثبت هذا قانونيًا في بعض الأحيان تبعًا للحصّة التي يملكها المستثمر الأجنبي في أسهم الشركات أو الفروع الخارجية " (2) وهذا ما عبّر عنه نص المادّة 31 من قانون ترقية الإستثمار الجزائري ، وذلك بتقديم تنازلات في حدود من الأسهم والحصص الإجتماعية للشركات الأجنبية المالكة للمساهمة في مؤسّسات جزائرية ، وذلك بمراقبة% 10 مجلس مساهمات الدّولة في إطار حماية الإقتصاد الوطني من مخاطر الإستثمار ، والتي إعتقد فيها كند لبرغر : " أنّ الشركات المتعدّدة الجنسيات مستعدّةً للمضاربة حتى ضدّ عمّال البلد الّذي يقع فيه مقرّها الرئيسي " مُؤَكّدًا على أهمية المنافسة الإحتكارية التي تتمتّع بها هذه الشركات ، فهي لا تشعر في ظلّ المنافسة الدّولية بالولاءْ لأيِ بلدٍ من البلدان بحيث دفعت هذه المؤشّرات العالمية إلى وجوب توفير مناخ تشريعي وإجرائي وإداري كمعايير للسياسة الإستثمارية في العلاقات الإقتصادية للجزائرْ مع العالم الخارجي ، وكرابط لها بمستجدّات السوق العالمي سواءٌ من ناحية العرض أو الطّلب ، وفي هذا الإطار تُبْرِزْ بريطانيا تفهُّمَها الخاصّْ بإجراءَات قانون المالية التَّكميلي للجزائِرْ بحيث : " أبدى الجانب البريطاني عدم تخوُّفه ، مُؤَكِّدًا لنا أنَّ لِكلِّ دولة ، الحَقّْ في المحافظة على مصالحها واتِّقاءْ المخاطِرْ ، لا سيما الإقتصادية الَّتي هزَّتْ إقتصاديات أغلب دول العالم جرَّاءِ الأزمة العالمية ، وعليه أعيد الـتَّأكيد على أنَّ هذا الجانب لن يكون عائِقًا أبدًا أمام قدوم أيًّا كان للجزائِرْ " (3) ، وهذا في ظلِّ تأسيس قانوني وبناءْ للآفاق المستقبلية لعلاقات الجزائِرْ بغيرها من الدُّول لا سيما الكبرى منها ........






(1) dunning studies in international investment london 1970
(2) economic internationale . p. indert .kindelberger economica 1988
(3) محمّد الصَّالح الدمبري : مرجع سابق .
طبيعة الإستثمارات الأجنبية المباشرة :
" إنَّ ظاهرة الإعتمادية الدُّولية أضحتْ إحدى خصائِصْ عالم اليوم ، التي لا مفرَّ لأيِّ نظام سياسي من التعامل معها ، بيد أنّ هذا لا يعني أنّها استطاعت تحويل جوهر لعبة الأمم على نَحوٍ آخر مختلف ، فالإعتمادية المتبادلة مثَلًا لم تحلُّ دون ديمومة التَّبعية والإبتزاز الإقتصادي كما أنَّها لم تمنع الدّول من اللُّجوءْ إلى تلك الإجراءَات والقيود الإقتصادية ، ضَمانًا لتطوُّرها الإقتصادي الذّاتي و استقلالها الإقتصادي والسياسي " (1) وعليه فإنَّ على صعيد الإقتصاد النَّقدي سعت الجزائِرمن أجل تفادي المشكلات المالية المترتّبة عن العائدات البترولية في النظام الإقتصادي القديم وتفاقم عجز الموازنة وكذا إرتفاع الدّين الخارجي إلى أكثر من 25 مليار دولار أي ما يعادل 86 بالمائة من مجمل قيمة حصيلة صادراتها وتراجع النَّشاط الإقتصادي لذا " فإنَّ أزمة 1986 المالية دفعت بالبلاد إلى تبنِّي خيارات جديدة ، تولَّدت عنها إطلاق آلية إصلاح واسعة منذ العام 1988 لتحقيق الإستقرار " (2) الهدف منها الإنتقال من تجارة مقيَّدة بالإحتكارات إلى تجارة محرَّرة من العراقيل الإدارية البيروقراطية ، وذلك من خلال " موافقة الجزائِر على إعادة جدولة 5,6 مليار دولار من الدُّيون كانت مستحقة في فترة 1994 ـــ 1995 أي على مدار 15 سنة ، وذلك مع مجموعة نادي باريس ، كما تمَّ الإتفاق عام 1995 على إعادة جدولة 4,5 مليار دولار إضافية من الدُّيون كما قدّم صندوق النّقد الدُّولي تسهيلات بقيمة 1,1 مليار دولار لمدَّة ثلاث سنوات من 1995 ـــ 1998 لإستعماله في إعادة الإنعاش ، ممَّا يتيح للإقتصاد الجزائِري فرص هائِلة لبثّْ روح جديدة في جسم الإصلاحات " (3 ) من ذلك إرتفاع سعر الصّرف من 1 ,24 مليار دولار سنة 1993 إلى 4,59 مليار دولار سنة 1998 كمؤشِّر لتحسُّن الأداءْ الإقتصادي للجزائِرْ ، ضمن مخطَّط دعم النُّمو ، والّذي يتطلّب إستثمارات ضخمة في مواجهة خطوات التّنفيذ الموجودة في الإصلاح . من ذلك تقنيات البنك في تسيير عمليات التِّجارة الخارجية ، وكذا تحديد سعر الصَّرف في ظلِّ الرّقابة على الصَّرف الأجنبي وتعزيز مكانة الورقة التِّجارية في نظام الدّفع البنكي في ظلِّ رسم معادلة الإستبدال بإدخال النُّقود المصرفية ضمن إطار النَّظرية النَّقدية الحديثة ، ودور البنك التِّجاري الجزائِري في تفعيل محتوياتها .






(1) ثامر كامل الخزرجي ــــ مرجع سابق ــــ ص 112
(2) الإقتصاد والأعمال : عدد خاص ـ أفريل 2002 ، ص 08 و09
إقتصاد وأعمال ـ مرجع سابق ـ ص 09 (3)
أهمّية النّظرية النّقدية الحديثة ( قواعد وقدرات ) :
لقد حملت النّظرية النّقدية الحديثة أفكارًا مختلفة جاءَ بها الإقتصادي البريطاني جون مينارد كينز ، والتي تتعلّق بتفسير كمّية النّقود على الدّخل والعمالة والأسعار ، من خلال مؤلّفه الشّهير " النّظرية العامّة للعمالة ـ الفائدة والنّقود ـ " فللنّقود أهمية في التبادلات الإقتصادية وأثر على متغيّراتها ، وعلى هذا الإعتبار فهي أداة ضرورية فيه والمحرّك الرئيسي له فما ينتج من سلع وخدمات يكون عن طريق دخل القرض المتمثّل في النّقود وكذلك الإستهلاك ، الإدّخار ، الإستثمار والدّخل القومي والتي لها علاقة مباشرة بالنّقود (1 ) وهي أصل مالي أي صورة من صور الإدّخار وميزةٌ كاملة السّيولة كما أنّها تستخدم كمستودع للقيمة ووحدة للحساب ، سواءٌ آكانت متعلّقة بالمستهلك ، أو رجال الأعمال في مقارنتهم لأسعار الموارد الإنتاجية ، ويشمل عرض النّقود بهذه الأهمّية المعنى الضيّق المتمثّل في الودائع الإدّخارية ، وبعض الأصول المالية السّائلة الأخرى مضافًا إليه الودائع الإدّخارية لدى المصارف والودائع لأجل (2) ، ومن جهةٍ أخرى فإنّ " معادلة الإستبدال بإدخال النّقود المصرفية لم يقتصر فيها فيشير إلى إدخال سرعة دوران النّقود فحسب ، وإنّما كان ذلك وفق معادلةٍ في صورةٍ جديدة تتمثّل في :
كمّية النّقود × سرعة الدّوران + الودائع المصرفية × سرعة دورانها = حجم المعاملات × متوسّط الأسعار(3)
ففعالية نظام الدّفع البنكي تستلزم سرعة تداول النّقود المرضية للمتعاملين ، والتي يتوقّف عليها شرط النّمو الإقتصادي المحدّد لإنتاج السّلع و الخدمات وتسويقها في ظلّ نظام الرّقابة على الصّرف الأجنبي وكذا تحقيق أهدافه .








(1) : عبد القادر بحيح : الشّامل لتقنيات أعمال البنوك ـ دار الخلدونية للنّشر والتوزيع ـ السنة 2013 ، ص70 فقرة 02 (2) بن عصمان محفوظ : مدخل في الإقتصاد ـ دار العلوم للنّشر والتوزيع ـ السنة 2010 ، ص 209 ، 210 (3) مجدي محفوظ شهاب : الإقتصاد النّقدي ـ النّهضة العربية ـ 2001 مصر ، ص 45

معايير الإستثمار في القطاع المصرفي الجزائري :
يتمثّل الإعتماد المستندي في تلك العملية التي يقبلها البنك المستورد ، والتي تجعله يحلّ محلّ الشخص المستورد بعد التزامه بتسديد مبلغ الصّفقة الخاصّة باستيراد السلع والخدمات ، وهذا لصالح البنك الأجنبي المصدّر ، وذلك من خلال وثائق ومستندات تثبت قيام عملية تسويق البضاعة ، كما تمثّل الوثيقة المحرّرة من قبل القسم الخاصّْ بالإقتصاد بالهيئة القنصلية والمسمّاة الفاتورة القنصلية ، والتي هي معبر للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية التِّجارية بين الدّول ، وذلك من خلال التأكّد وتحرير المعلومات المتعلّقة بالمنتج والمصدّر ، أحد أنواع وثائق السعر المطلوبة في ملف القرض المستندي وهذا على غرار كلٌ من الفاتورة التجارية والفاتورة التقييمية ، هذا وللدّور الّذي يلعبه الإعتماد المستندي الغير قابل للإلغاءْ والمؤكّد (1) أهمّية قصوى في عملية التّسويق من قبل النّظام البنكي والمتمثّلة في قوّة الضمانات المقدّمة من قبل كلٌّ من البنك المستورد والمصدّر على حدٍّ سواءْ ، وذلك من خلال إلتزام كلٌّ منهما في تنفيذ القرض المستندي ، وهذا ما تمثِّله المعادلة التالية :
الإعتماد المستندي الغير قابل للإلغاءْ والمؤكّد = إلتزام البنك المستورد بدفع مبلغ الصّفقة + إلتزام البنك المصدّر بدفع مبلغ الصّفقة , وكذا الشّكل التالي : (2)




تعهد رسمي لتنفيذ القرض المستندي



القرض المستندي الغير قابل للإلغاءْ والمؤكّد




Credit documentaire irrévocable et confirmé : (1) الإعتماد المستندي الغير قابل للإلغاءْ والمؤكَّد
(2) عبد القادر بحيح ـ مرجع سابق ـ ص 316
هذا ويستمد الصندوق الوطني لتمويل الإستثمارات في القروض الطّويلة الأجل موارده المالية من الخزينة العمومية على خلاف القروض الأخرى التي تبقى من إختصاص البنوك التّجارية ، وذلك على غرار تقنيات النّظام البنكي الكلاسيكي في توزيع هذا النّوع من القروض ، والتي جاءت أكثر موافقةً للنّظم الإقتصادية النّاجحة المبنية على مبدأ الشراكة في العمل والإنتاج بين المتعاملين الإقتصاديين " الفكرة ـ وسيلة الإنتاج ـ رؤوس أموال " والتي قد تؤدّي إلى معدّلات فائدة أكثر أو أقلّ من ربح المشاريع ، هذا ويعتبر إشتراك عدّة مؤسّسات في تمويل واحد ، وقيامها بطلب ضمانات حقيقية ذات قيمة قبل الشروع في عملية التمويل ، أحد الرهانات المقدّمة في تفادي درجة مخاطر هذا النّوع من القروض ( الربوية ) وفي كلا النوعين من القروض الإستثمارية ، يقوم البنك على تخصيص هدفين في النّظام العام هما : تحقيق قيمة مضافة للإقتصاد العام من سلع وخدمات ، مع خلق مناصب شغل والمشاركة في النتيجة النِّهائية للمشروع ( ربح ـ خسارة ) (1) ، وعلى صعيدٍ آخر ، وفي إطار التّحديد الأوّلي لسعر الصّرف في ظلّ نظام الرّقابة عليه ، نجد أنّ التفريق بين صلاحيات البنك المركزي الجزائري والخزينة العمومية فيما يتعلّق بإصدار النّقود الإئتمانية من الأوراق النّقدية والقطع المعدنية ، قد ألغي بموجب القانون البنكي لسنة 1986 (2) وأصبح إمتيازْ إصدار الأوراق البنكية مُفَوَّضْ من قبل الدّولة إلى البنك المركزي الّذي وسعت صلاحياته إلى إصدار القطع المعدنية كذلك ، وهذا ما أكّده قانون النّقد والقرض لسنة 1990 (3) ، هذا وقد جاءَ فرض نظام رقابة عام على الصّرف الأجنبي ، نتيجة التأثيرات السلبية التي تركتها الأزمات المالية الكبرى ، والتي أدّت إلى إنهيار قاعدة الذّهب والإختلال المالي في موازين المدفوعات المالية (4) ، ممّا أدّى إلى تراجع في حجم التجارة الخارجية و بالتالي الإعتماد على القروض القصيرة الأجل كبديل للوفاءْ بالإلتزامات ، بحيث أنّ من مميّزات هذه النّشاطات الإستغلالية ، أنّها تكرّر باستمرار أثناءِ عملية الإنتاج ، لذا فإنّها تسمّى بالدّورة الإستغلالية ، وذلك على غرار القروض القابلة للتعبئة ،والّذي يتمُّ إقراضها عن طريق السّند لأمر (5) وهذا راجع للإحتياج المالي الّذي يقع فيه البنك في فترات غير متوقّعة بسبب طول القرض ، والّذي يتعدّى التعامل فيه إلى مؤسّسات مالية أخرى تعمل على خصم القروض الإستثمارية النّاشئة عن علاقتها ببنك صاحب القرض على أساس شراءْ ديون مقابل معدّلات فائدة ، وبالتالي فهو تحت عرضة مراقبة البنك المركزي عن بعد(6) في توزيع القروض الإستثمارية فهو من يحدّد نوعيتها لأسباب تتماشى ومتطلّبات الإقتصاد الكلّي للدّولة حسب برنامج التنمية المسطّر من طرف الحكومة وبالتالي التّحكم في الكتلة النّقدية والّذي من شأنه البحث عن السّيولة التي تعوِّض حجم الإقراض ..

(1) عبد القادر بحيح ـ مرجع سابق ـ ص 270
(2) قانون رقم 86 ـ 12 , 19 أوت 1986 خاص بنظام البنك والقرض
قانون رقم 90 ـ 11 , 14 أفريل 1990 خاص بنِظام قانون القرض والنّقد (3)
(4) وجيه شندي ـ المدفوعات الدّولية وأزمة النّقد العالمية ـ ص 47
Billet a l ordreالسّند لأمر : (5)
Contrôle a posteriore6) المراقبة عن بعد : )
دور المؤسّسات الإقتصادية الجزائرية ( عوائق ورهانات ) :
ترك إنهيار الدينار الجزائري في سابقة له ، منذ إستقلال البلاد آثارًا إقتصادية سلبية على المواطن تجلّت في إرتفاع الأسعار ، خصوصًا في ظلّ تراجع إيرادات الخزينة ، جراء إستمرار تهاوي أسعار النفط ، وهو ما شكّل صدمة في الجزائرْ يصعب التعامل معها ، بحيث كانت هزّة صعبة على الإقتصاد الوطني وصفها محافظ بنك الجزائِرْ السابق لاكساسي بالصّدمة القوية عليه ، وهذا على غرار الأموال المسلوبة في السّوق الموازية ، والتي تقدّرها الحكومة بحوالي 3700 مليار دينار ، بحيث يتحكّم هذا السّوق عن بعد في الوضعية الجبائية وكذا الإستخدام الواسع لإحتياطي الصّرف ممّا يعود سلبًا على صندوق ضبط الإيرادات ، " فبعد الشّروع في سياسة خفض الواردات ، تعمل الحكومة على ضبط السّوق حيث أنّه لافائدة من السياسة الأولى في حال إستمرار التهريب على الحدود ، وفي حال فوضى السّوق الموازية وفي حال أيضَا ضعف التحصيل الضريبي والجبائي (1) فعلى الحدود هناك تهريب للمواد الإستهلاكية وكذا الطّاقوية ، من ذلك المشتقّات النفطية لمحطّات الوقود ، فتهريب البنزين والمواد الطّاقوية يقارب المليون لتر ، ما يعادل 23 مليون دينار جزائري ، ففي مجال الإستيراد سنة 2016 قامت إدارة الجمارك بمعاينة 1580 قضية لتهريب البنزين ، وبنسبة إحصائِية دقيقة ، هناك كمّية تتراوح بين المليون و 574 لتر ، وفي مجال الثروة الحيوانية ، قيمة السّلعة المهرّبة كانت 3 ملايين و 16 ألف دينار جزائري ، كما مثّلت السّلع الغذائية المدعّمة نسبة معتبرة في تهريب الصّادرات ، هذا وأعطى الوزير الأوّل من خلال زيارته الأخيرة لولاية واد السّوف ، تشخيصًا لخطورة الوضع المالي للإقتصاد الجزائِري ، من خلال التهريب عبر الحدود ، والتهريب الضريبي الّذي ينخر الإقتصاد في الصّميم ، وأكّد على ضرورة إعطاءْ الأولوية للإستثمار الفلاحي ، وتدعيمه في مختلف الولايات ، ما يجعلنا نستشّف تلك المقاربة لنظرة الوزير الأوّل ، والمواقف الأخيرة وقرارات صندوق النّقد الدّولي ، وكذا البنك العالمي حول الوضعية الإقتصادية للجزائِرْ ، فالجزائِرُ خلال سنة 2016 قد إنخفضت إيراداتها بحوالي 60 بالمائة من إيرادات البترول بعد ثلاث سنوان ، فالموازنة العامَّة تقوم على 90 بالمائة من إيرادات البترول ، وهذا كان من ضمن مخلَّفات السُّوق الموازية ، وكذا الإنخفاض في إحتياطات الصَّرف الّذي كان بحوالي 115 مليار دولار وعجز في الميزان التِّجاري والموازنة العامَّة مع إستنزاف خزينة الدَّولة من خلال تهريب المواد المدعَّمة الَّتي تأخذ إعتمادات كبيرة ودخول السِّلع دون رفع الرُّسوم الجمركية ممَّا يؤثِّر على المنتوج وارتفاع الأسعار ، فالسُّوق الموازية تتغذّى من عمليات التَّهريب ودعم مطابقة عمليات التِّجارة الخارجية للقانون ، إذْ لا بدَّ إذن من " تكثيف الجهود للمحافظة على أمن الحدود ، ومسعانا في ذلك هو دومًا بالحوار مع كافَّة شرائِح المجتمع ، ونحن في ظرفٍ صعب وصعب جِدًّا من الجانب المالي في ضوءْ التَّطورات الإقتصادية والعالمية وإنعكاساتها على الجزائِرْ في جانب الميزانية " (2) ، هذا وقد إنضمَّت كلٌّ من ..........



(1) عائشة بن قاسمي ـ رهانات إقتصادية ـ إذاعة الجزائِرْ ـ 05 / 04 / 2017 .
(2) التصريح للوزير الأوّل عبد المالك سلال ـ واد السّوف ـ 01 /04 / 2017 .
إدارة الجمارك والضّرائب للشّباك الموحّد في وكالة ودعم وترقية الإستثمار نظرًا لمساعيهما في القضاءْ على السّوق الموازي على غرار كلٌّ من بنك الجزائِرْ والسّجل التجاري لتوفير أفضل التسهيلات لعمليات الإستثمار ، وترقية المهمّة الإقتصادية بحيث " يخضع إلتماس خدمات هذا الشّباك لإدارة المستثمرين ، باستثناءْ إيداع تصريح الإستثمار وطلب المزايا (1) ، هذا ويرى الخبير الإقتصادي مسدور أنّه لا بدّ على الحكومة تبنّي المصالحة الإقتصادية من خلال القضاءْ على الإقتصاد الموازي والّذي يكلّف الدّولة خسائِرَ فاذحة ، ومن جهةٍ أخرى فإنّ المؤشّرات الإقتصادية والإجتماعية في الجزائِرْ على خلفية الأزمة ، ومن خلال تقارير المجلس الإقتصادي والإجتماعي بعد دسترته ، وكذا التقرير الدّولي للأمم ، فإنّ الجزائِرْ قفزت ب : 14 مرتبة في مجال التنمية البشرية وتقييم المستوى المعيشيcnud المتّحدة ومنظّمة التنمية للمواطن ، وبالرغم من قوّة صدمة 2014 ، إلّا أنّ ردّ الفعل كان مقبولًا ، وبالتزامن مع مشاكل خفض الدّينار ، فالعجز سنة 2017 لن يكون بالحجم الأكبر ممّا كان عليه ... ، " هذا وإنّ الوضعية المالية الخارجية لبلادنا مريحة ، فتقارير التّطورات الإقتصادية والنّقدية للبلاد سنة 2015 ـ 2016 هو أنّه وعلى الرّغم من الأزمة التي تمرّ بها الجزائِرْ ، وهي الأشدُّ والأكثر حدّةً من كلِّ الأزمات السّابقة ، خاصّةً وأنّها تستمرُّ منذ ثلاث سنوات ، إلّا أنّ الإقتصاد الوطني يتواصل بوتيرة قوّية " (2) كما يتطلّب مخطّط دعم النّمو إستثمارات ضخمة وقدرات متخصّصة ، أرست بمؤشّرات غيّرت إيجابًا الحالة الإقتصادية للبلاد.........
1998
1997 1996 1995 1994 1993 السنوات
44,2
32,4 29,16 43,78 7 , 48 93 , 88 خدمات المديونية للناتج المحلّي الخام
4,95
5,75 15 21,8 39 16,3 %نسبة التضخّم
59,4
85,4 56,2 52,2 42,9 24,1 سعر الصّرف
6,84
7,5
8,47
9,33 4,23
4,51 2,11
2,09 2,64
2,85 1,51
2,81 الإحتياط : العمولات بالمليار دولار
سعر الإستيراد
5,1
1,1 3,8 3,8 0,9 ـ 2,2 % نسبة النّمو




(1) المادّة 22 الشّباك الموحّد المنصوص عليه في المادّة 08 ـ الفقرة الثانية ـ مرسوم تشريعي رقم 93 ـ 12 المؤرّخ في 05 أكتوبر 1993
(2) محمّد لوكال ـ محافظ بنك الجزائِرْ ـ جريدة المساءْ 13 / 04 / 2017
(3) المؤسّسة العربية لضمان الإستثمار ، ص 129 .
وتماشيًا أيضًا مع متطلّبات الإقتصاد الكلّي للدّولة ، أصدرت الجزائرْ قوانين عديدة ، أهمّها قانون النّقد والقرض ، وقانون التجارة والمرسوم المتضمّن إنشاءْ البورصة والقانون المتعلّق بسير رؤوس الأموال وقانون المنافسة ، وكذا الأمرين المتعلّقين بتطوير الإستثمار ، وخوصصة وتنظيم المؤسّسات العمومية ، وبعد إنشاءْ صندوق لدعم الإستثمار ، الّذي خصّص له مبلغ 3 ,1 مليار دينار ما يعادل 175 مليون دولار ، أحد تلك الإجراءات التي شنّها قانون المالية 2002 والمرسّخة على أرض الواقع ، كما إعتمد هذا الأخير على إجراءات جبائية جديدة ، من شأنها عصرنة الإدارة الجبائية ومراجعة نسب بعض الرّسوم ، وكذا تخفيض بعض الأتاوات لصالح المؤسّسات الإقتصادية الجزائرية المنتجة للثروة " على خلاف وقف نفقات الدّعم الحكومي للسّلع المهرّبة "(1) والضّغط أكثر على واردات الجزائرْ ، وللتقليل أيضًا من آثار السوق الموازية ، يجب الضّبط والتّحكم أكثر في عمليات التجارة الخارجية ، والعمل على تكييفها والقانون الوطني وشروطه السّارية المفعول ، وعصرنة النِّظام الضّريبي ، وإدخال النظام الإلكتروني والوسائِلْ التكنولوجية ، ونشر القوائم المالية على الإنترنت ، بما يحدّ من ظاهرة التهرّب الضريبي ، ومن جهةٍ أخرى تخفيف الإجراءات الجبائية لجذب المستثمر ونشاط السّوق ، إذ لا يجب : " فرض نفس الضريبة للمستثمر الجالب للثروة ، والهارب منها "(2) هذا وبخصوص التّخوفات من تكرار أزمة 1986 أوضح الخبير الإقتصادي فارس مسدور ، أنّ الأزمة التي تشهدها البلاد تختلف عن سابقاتها ، نظرًا لتوفُّر إحتياطات مالية من شأنها التخفيف من شدّة الصّدمة ، فصناديق الإستثمار لوحدها تحتوي على 137 مليار دولار غير مستغلّة ، إضافةً إلى 47 مليار دولار في الخزينة العامّة الأمريكية وبريطانيا وكذا اليابان ، والتي من خلالها يمكن النّهوض بإقتصادْ قارّة ، وبتحقيق الجزائِرْ نسبة نمو متوسِّطة ، بلغت 2 ,3 بين 1998 و 2001 ، بحيث أنّها نسبةٌ معتبرة في ظلّ الإنكماش العالمي ، إذْ أنّ هناك إنخفاض محسوس في عجز الميزانية العامّة و 5 بالمائة 3,3 وتحسُّن في الميزان التجاري ، وكذا السياسة النّقدية ، لأنّ أهم مؤشِّرات التضخُّم سجّلت إنخفاضًا بين أمَّا الدُّيون الخارجية فقد إنخفضت من 28 إلى 25 مليار دولار وهو مؤشِّر إيجابي جيِّد ، إنعكس بارتفاع حجم الإستثمارات العربية بالجزائِرْ ، وانتقلت من 122 مليون دولار سنة 1998 إلى 347 مليون دولار سنة 2000 ، ويبقى هذا الإرتفاع متواضِعًا في ظلِّ حجم الإستثمارات العربية البينية ، ذلك أنَّ المنطقة العربية غير جاذبة للإستثمار ، ولا تستفيد من تدفُّقاته الدُّولية إلَّا بنسبة 01 بالمائة أوأقل وهي النسبة الأدنى في العالم ، فالرَّفع إذن من القدرات التَّنافسية للمؤسَّسات الإقتصادية مرهون بتحسين مناخ الإستثمار في الجزائِرْ وتفعيل حرب ميدانية على كلّ العراقيل الَّتي من شَأنها تحطيم الإقتصاد الوطني .........





(1) صالح دراجي : الخبير الإقتصادي والمالي وعضو لجنة المالية والميزانية سابقًا لمجلس الأمّة
قاعدة العدالة والملائمة في النّظام الضريبي (2)
يرى بعض الإقتصاديين أنّ التطور الإقتصادي يعتمد بالدّرجة الأولى على مدى تطوّر النظام المصرفي وتفاعله مع متطلّبات الإقتصاد ، بحيث يتوقّف هذا الأخير على مدى مقدار تغلغل الوعي المصرفي لدى الأفراد ، وكذا نجاح وسائِل البنك المركزي في السيطرة على النّظام الإئتماني ، وعلى صعيدٍ آخر فقد شهدت سنوات التسعينات في الجزائِرْ بداية تراجع الدّولة عن ممارسة وظيفة المقاولة ، والإتّجاه نحو تبنّي أولى قواعد إقتصاد السّوق ، عن طريق فكّْ إحتكار النّشاط الإقتصادي (1) وكذا تحرير القطاع المصرفي سنة 1990 (2) بفتحه أمام الإستثمار الخاصّْ ، وتحرير التّجارة الخارجية (3) إضافةً إلى إصلاح نظام الإستثمار بالمرور من نظام الإعتماد المسبّق إلى نظام التّصريح (4) هذا وإنّ مؤشّر قياس مستوى الأداءْ في التّوازن الإقتصادي قائِم على تداخل العلاقة بين كلٌّ من الإقتصاد العيني والإقتصاد النّقدي ، على خلاف ما نظّر له كينز في أسعار الفائِدة والناتج القومي ، وليس ثمة شكّْ انّ تحقيق معدّلات نمّو إقتصادي متزايدة وقابلة للإستثمار ، يتطلّب إزالة العوائِق التي تواجه عملية التنمية الإقتصادية والنّمو الإقتصادي ، ولعلّ أهم تلك العوائِق هو قصور مصادر التمويل ، ورأس المال الكافي لتمويل المشروعات الإستثمارية الخاصّة بخطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية ، وعلى هذا حظي البنك الجزائِري بحيازة إمتيازْ قانوني دونًا عن غيره من المِؤسّسات الإقتصادية الأخرى وذلك " بإسترداد منتجات صادراتها المنجمية والطّاقوية إلى الوطن والتنازلِ عنها له " (5) ، هذا وإضافةٍ إلى استكمال الجزائِرْ لسيادتها بإصدار النّقود سنة 1964 ، وأمام الرّفض المتعمّد للبنوك الأجنبية للمشاركة في تمويل الإقتصاد الوطني إختارت الجزائِرْ من أجل تحقيق التنمية الإقتصادية ، النموذج الشائِع آنذاك ، والمتمثّلْ في الإعتماد على الصِّناعات الثقيلة بحيث أختيرت المؤسّسة العمومية كأداة لتنفيذْ هذا النموذجْ ، ممّا استلزم إستثمارات ضخمة ، وسمح بإقامة مؤسّسات وطنية عملاقة ، سُخِّرت لإنجازها إمكانيات تجاوزت 120 مليار دولار للفترة الممتدّة بين سنتي 1966 ـ 1990 من ذلك والّذي إضافةً إلى أنّه يعمل على تمويل عمليات التّجارة الخارجية ، فهو يقوم علىBEAنجد البنك الخارجي الجزائِريتمويل الشّركات الكبرى ، كسوناطراك وشركات الصناعات الكيميائية والبتروكيميائية ....





(1) بواسطة المرسوم رقم 88 ـ 201 المؤرّخ في 18 أكتوبر 1988 المتضمّن إلغاءْ جميع الأحكام التنظيمية التي تخوِّلُ المؤسّسات الإشتراكية ذات الطّابع الإقتصادي إحتكارها للتّجارة .
(2) بواسطة القانون رقم 90 ـ 10 المؤرّخ في 14 أفريل 1990 المتعلّق بالنّقد والقرض .
(3) المادّة 19 من دستور 1989 ، النّاصة على تنظيم الدّولة للتّجارة الخارجية .
(4) المادّة 03 المرسوم التشريعي 93 ـ 12 المؤرّخ في 05 أكتوبر 1993 المتعلّق بترقية الإستثمار .
(5) أمر رقم 10 ـ 04 المؤرّخ في 26 / 08 / 2010 المتعلّق بالمادّة 130 من قانون النّقد والقرض .
وحتّى يتكيّف النّظام المصرفي مع هذه التّطورات في الإقتصاد الوطني ، تمّ إصدار قوانين ولوائِح مالية معيّنة من خلال الإصلاح المالي لسنة 1971 ، هذا وقد ظهر قانون الضّبط الإقتصادي في الجزائِرْ مباشرةً بعد الإصلاحات الإقتصادية من قبل السّلطات العمومية إنطلاقًا من سنة 1988 ، وكفرع قانوني جديد يجمع بين القانون الخاصّْ والقانون العامّْ ، وذلك استكمالًا لمسيرة هذه القوانين ، وعملًا على ضمان التّوازن للأهداف الإقتصادية بين المنافسة والحماية " الأمر الّذي يظهر بِأنّ استقبال القانون اللِّيبيرالي في الجزائِرْ ، لم يكن إلّا على سبيل الجرد " (1) من ذلك " تخويل مجلس إدارة بنك الجزائِرْ صلاحية وسلطة البثّْ في جدوى الدّعاوى القضائِية التي ترفع بإسمه وتحديد ميزانيته كلّ سنة ، وتداوله بمبادرة من المحافظ في شأن جميع الإتفاقيات ، وكذا ضبطه توزيع الأرباح و موافقته على مشروع التقرير ، الّذي يرفعه المحافظ بإسمه إلى رئيس الجمهورية ، واطِّلاعه هعلى جميع الشِؤون التي تخصُّ تسيير بنك الجزائِرْ * ، هذا وفي الواجهة لأهمية القطاع المصرفي في الإقتصاد الوطني نجد " أثر معدّلات الفائدة المعلن ، ومعدّل الفائِدة الحقيقي ، ممّا يعكس الظّروف الإقتصادية والنّقدية بالبلاد "(2) ، وما تبث من دراسة تحليلية ، أنّ زيادة معدّلات التّضخم كان لها أثرًا سلبيًا على حركة الإيداع في الجزائِرْ سنة 1994 ممّا أدّى إلى تراجع الودائِع ، وبانخفاض نسبة التّضخم ، سجّل زيادة في حركة الودائِعْ أمّا بالنسبة للمديونية فإنّه كلّما زادت إنتاجية الإقتصاد الوطني ينعكس ذلك على سيولته والعكس ، فالإعتماد على العالم الخارجي يخفِّض من درجة سيولة الإقتصاد ، ويُؤَدِّي إلى تسرُّب جزءْ كبير من فائِضه إلى خارج الجهازْ المصرفي وخارج الإقتصاد في صورة سداد للأقساط والوفاءْ بالواردات ممّا أثّر سلبًا على الإيداع والإئتمان ، وأكسب المنظومة البنكية نوعًا من الفاعلية في سدّ الفجوات المتعلِّقة بوظائِفها .....







(1 ) zouaimia : le droit de la concurrence ; op cit ; p 13 .
* المادَّة 19 من قانون النَّقد والقرض
(2 ) حمزة محمود الزبيدي : إدارة المصارف ، إستراتيجية تعبئة الموارد وتقديم الإئْتمان ـــ مؤسَّسة الورَّاق ـــ عمَّان 2000 ص 144 ـــ 149

هذا و : " تعدُّ مشكلة المديونية الخارجية من أعقد المشكلات الّتي تواجه إقتصادات الدّول ، ولا سيما في ظلِّ بروز إصطلاحات مثل ( خدمات الدَّين ، إعادة الجدولة ، وشروط التَّسديد المفضَّلة ) وغيرها من الإصطلاحات للتعبيرعن الآليات المعقَّدة لسلاح المديونية " (3) والَّتي غالبًا ما يُؤَدِّي تفاقمها إلى إعادة جدولتها مع الحكومات والمنظَّمات المالية الدُّولية ، التي تحاولُ دومًا إستغلال الموقف بما يحقِّقُ أهدافها ومصالحها، وحسب عبد الوهّاب كيرمان حاكم بنك الجزائِرْ فقد تمّ صرف 980 مليار ـ دج ـ لتطهير المؤسّسات العمومية و 367 مليار ـ دج ـ وجِّهت لمعالجة مشاكل المؤسّسات البنكية ، و111 مليار ـ دج ـ فوائِدْ غير مسدّدة في إطار هذا التطهير و88 مليار ـ دج ـ لإعادة رسملة البنوك (4) وتطهير القطاع المصرفي في كلفة الخزينة 518 مليار ـ دج ـ لإعادة رسملة 340 مليار ـ دج ـ وتمثّل عملية تطهير البنوك نسبة 60 بالمائة من الدّين الخارجي للجزائِرْ (5) وذلك في إطار برنامج إصلاحي شامل وتحقيق النّجاعة في الأداءْ........
وبالتَّالي الوصُول إلى معادلة تقييم للمشاريع الإستثمارية والمتمثِّلة في :

التَّدفق النَّقدي الصَّافي = التَّدفق النَّقدي الإجمالي ــــ الضَّرائِبْ على الأرباح



ومن أجل الإستثمار في المشاريع ذات المردودية الإقتصادية يتوجّب تفعيل المعادلة التَّالية :


تشجيع القطاع الخاصّْ + توسيع النِّظام الجبائِي ـــ ضَخْ ميزانية التَّجهيز والتَّسيير مردودية إقتصادية =






مقترح شخصي





(3) جمال قنَّان ، نظام عالمي جديد أم سيطرة إستعمارية جديدة ، المستقبل العربي ، العدد 180 ( بيروت م ، د ، و ، ع 1994 ) ص 83
جريدة الخبر ـ الأربعاءْ 08 / 11 / 2000 عدد 3013 , ص : 02 (4)
جريدة الخبر ـ الخميس 14 / 02 / 2002 , عدد 3397 , ص : 03 (5)
و بحكم أنّ عامل التّضخم يفقد النّقود قيمتها الحقيقية عبر الزّمن ، فإنّ لإختيار الإستثمارات مهما كان عمرها يجب الوقوف عند مؤشّر تدفقاتها النّقدية بالقيمة الآنية ، وإالغاءْ عامل الزّمن للحصول عليها ، وفق ما يسمح بالمقارنة بين مختلف الإستثمارات ، وبالتالي استحسان درجة العائِدْ باختيار أفضلها وفق عدّة معايير ، كتلك المشاريع التي تحقق أقلّْ فترة في الإسترداد، الأمر الّذي يجعل بعض المؤسّسات الإقتصادية التي تنشط في محيط غير مستقرْ أمام مفترق الطّرق * وذلك بتضحيتها بالأرباح الإضافية في سبيل تفادي خطر عجز الخزينة ، وفي هذه الحالة فإنّ أفضل المشاريع ، هو الّذي يحقّق أكبر قيمة نقدية ، وفي أقل فترة إسترداد ، وبالتالي فاستخدام تكنولوجيا الإعلام المتطوِّرة ، والمتعلّقة بتطوير الخدمات المصرفية ، هي من أكبر الرهانات في سبيل تحديث لإدارة البنك على غرار باقي المؤسّسات الإقتصادية ..... وعليه فإنّ أهمية إستعمال المتعامل الإقتصادي لحسابه البنكي لعملية السّحب والدّفع ، تبقى أهمية ذات قيمة في الإقتصاد البنكي ، والّذي يؤثّر مباشرةً على الإقتصاد الكلِّي باعتبار أنّ البنك هو الجامع والمنظّم للكتلة النّقدية في الإقتصاد وفي هذا الإطار تدمج السّيولة النّقدية ضمن القنوات البنكية ، ويتِّمُ تسجيلها فيها بطريقة رسمية ، حيث أنّها تغذِّي أسواق السّلع والخدمات وتسدّد فاتورتها ، الأمر الّذي يسهّل على السّلطات النّقدية تسييرها داخل الإقتصاد الوطني من خلال مراقبتها والسّماح لمصلحة الَضّرائِبْ بتحصيل الضّريبة ، ومحاربة المعاملات الـتّجارية التي تتعامل بالسيولة في الأسواق الموازية " هذا وتعتبر المؤسّسات المالية المحرّك الأساسي لإقتصاد الدّولة حيث تمثّل خصومها وسائل أساسية للدّفع والمعاملات والتّسوية ، كما تمثِّلُ أصولها مصدررئيسي للإئتمان لكلّ الوحدات الإقتصادية في المجتمع ، سواءٌ شركات أو رجال أعمال أو أفراد أو حكومات ، ولذلك تعتبرالمؤسّسات المالية أحد المكوِّنات الأساسية لنمو الإقتصاد ككلّْ " (1) وباستحواذْ الدّولة على القطاع المصرفي من خلال التّدابير المتّخذة من قبل السّلطات العمومية بواسطة قانون المالية التّكميلي والّذي هو تعبير عن سياستها البراغماتية من خلال تعديل السياسة الإقتصادية ، وإعادة النّظر في خيارات الإنفتاح على السّوق وهو ما يترجم حسب الأستاذْ مصطفى منور " العودة إلى السّيادة الإقتصادية الوطنية في مواجهة العولمة " (2) وبالتالي تعزيز رقابتها على الحرِّية الإقتصادية وإنشاءْ المؤسّسات ، وهو ما كرّسته المادّة 83 من قانون المالية 2009 التي يحكمها القانون الجزائِري ، إلّا في إطار شراكة تمثّلْ نسبة 51 بالمائة من المساهمة الوطنية المقيمة على الأقلّْ من رأس المال ـ منح حقّْ الشّفعة للدّولة في حالة التنازُلْ عن الأسهم ، ومنحها الحقّْ في إمتلاك سهم نوعي في رأسمال البنوك والمؤسّسات المالية الأجنبية ذات رؤوس الأموال الخاصّة .




* gross roads __ strategy
(1) عبد القادر بحيح ـ مرجع سابق ـ ص 13 .
(2) M _ menaouer le droit de la concurrence ; op cit _ p 63

وفي هذا الإطار ، ومن خلال هذه المراسيم التشريعية لتطبيق معيار الحدّ الأدنى للحقوق الإقتصادية للجزائِرْ وفق قانونها الوطني ، بما يمنح للمتعامل الأجنبي حقًّا مستأهلًا للحماية الدّولية ، فإنّ في إبطال قانونها الوطني للعقود التّجارية نفيًا لحقوق المتعاقد الأجنبي ، بحيث لا يمكنه سوى اللّجوءْ لقاعدة الإثراءْ بلا سبب .... ــــ وعلى الصّعيد الإقتصادي ، يتوجّب زيادة الضّرائِبْ على الدّخل ، والتي ,إن كان لها عائِد سلبي على النّاتج ، الأسعار ، وأسعار الفائِدة في الأجل القصير ، فإنّ لها آثار إيجابية على المدى الطّويل ، فارتفاع الأرصدة الحقيقية يحرِّكْ منحنى أسعار الفائِدة تصاعُدِيًا كما أنّ زيادة الأرصدة الحقيقية بسبب إنخفاض الأسعار يُؤَدِّي إلى زيادة الطّلب الكُلّي ، ممّا يجعل منحنى الطّلب الكلّي وإرتفاع مرافق في الأجور الحقيقية يصل بالإقتصاد الوطني عند النُّقطة التّوازنية ، إذن في الأجل الطّويل ترتفع الأرصدة الحقيقية تنخفض الأسعار ، ترتفع أسعار الفائِدة ، ولا يتغيّر الناتج ..... ــــ وضع أسس تَطْبيقية منظِّمة لعلاقة راس المال بالسّلع والعمل ، في إطار إستثمار في قِطاع مصرفِي متحرّر من أشكال علاقات تعاقُدِية مرتكِزة على إعتماد مستندي مؤكّد وغير قابل للإلغاءْ ، في إطار توافُرْ شروط سياسة بنكية ناجحة تُجنِّبْ الجزائِرْ الدّخول إلى دول ما بعد التاريخ ، : " في الحين الّذي يتقبَّلْ فيه الجميع قوانين السّوق وبلا أدنى تحفُّظْ لِأنَّ هذه القوانين حتمية ، ونهايات طبيعية تشْبِعْ حاجتين عند الإنسانْ التّقدير ْ والإشباع ( المادِّي والإقتصادي )* هذا وفي ظلِّ بحثْ الجزائِرْ عن مدى وحدود إستقلاليتها ، فإنِّ التّمسُكْ بحماية المنتج الوطني ، يبقى الشّرط الوحيد الّذي يجب على الوفد الجزائِري المفاوضْ للإنضمام لمنظّمة التِّجارة العالمية ، عدم التَّخلي عنه ، وذلك بهدف حماية القطاعات الإقتصادية الإستراتيجية على المدى الطَّويل والمتوسِّطْ.... ــــ توافر ومراعاة وتحسين القدرة الشرائِية ، برفع مستوى دخل الفرد ، وكذا الدّعم العلمي والتكنولوجي للمرافق العلمية المتخصّصة ، كالمؤسّسات الثقافية ـ التّعليمية والتاريخية ، وتكثيف أكبر للأنشطة الجامعية وتزويد المستوى الصِّحي بأحدث التكنولوجيات القائِمة على أسس علمية وصحّية كما لايجب إغفال القدرة الإنتاجية والإقتصادية بوجود مؤسّسات تكنولوجية عالية ، والصِّناعات الهامّة كالصِّناعات الدِّفاعية ، وصناعات الطّاقة ، والصّناعات التكنولوجية بضرورة تعزيز التجارة الإلكترونية كونها باتت مُحرِّكًا تنمويًا وإقتصاديًا هامًّا وأكبر دافع للتّطور سواءٌ على المستوى المحلِّي الإقليمي أو الدُّولي ...... ــــ ضرورة توافر كلّْ هذه العناصر مع توافر شرط أساسي وهو الإكتتاب على المدى الطّويل ، في ظلِّ تضييق الفجوة والدّخول ضمن نطاق التَّصنيف الدّولي للتّجمعات الحضرية العالمية، وذلك في إطار السّعي نحو تحقيق الأهداف الإستراتيجية العليا والمتوسّطة على حدٍّ سواءْ ........


* محمّد العربي ولد خليفة : النِّظام العالمي ـ ما تغيَّر فيه ؟ أين نحن من تحوُّلاته ؟ مدخل لدراسة الهيكلة الجديدة للعالم من الحرب الباردة إلى الأحادية القطبية ـ ديوان المطبوعات الجامعية ـ الجزائِرْ ، السّنة 1998 ، ص 174.
و كذا نحو تــــجـــســـيــــد وتـــفـــعــــيــــل مــــا ركَّــــزَ عـــلـــيـــهِ الــــقـــائــــِد نـــــاصــــِرْ الـــدِّيـــــن ســــعـــيـــدونــــي فــــي الــــرَّدّْ عـــــلــــى جُــــمــــلـــة الـــكِـــــتــــَابـــــاتْ لِــــــبَـــــعْـــــضْ الـــــفــــرنـــــســــيـــــيـــــنْ الَّـــــتــــي تـــــنــــاولـــــتْ فــــــتــــرة آواخِـــــــرْ الــــــعَـــــــهْــــــدْ الــــــعُـــــثْــــــمـــــَانـــــي ، والَّــــذي يُـــــبْرِزْ أنَّ هَــــــاتــــــِه الـــــدَّولــــــة الَّـــــتِي تــــتــــعـــرَّضْ لـــلــقَـــــصْـــفْ الــــــشَّــــديــــدْ مِــــنْ طَـــــرَفْ الـــــفَــــرنــــســـــيــــيــــنْ لـــــمْ يــــجِـــــدُوا طِـــــيـــــلــــة 330 ســــــنــــة أَحــــــســـــنْ مِـــــنْ نِـــــظـــــامِـــــهَـــــا ، والَّـــــذِي لَــــمْ يــــكُــــنْ يَـــــخْـــــتَــــلِــــفِ لا شَـــــــكْــــــلاً ولا مَـــــضْمُـــــونًـــــا عـــــمَّــــا أقــــــامَـــــهُ الـــــعُـــــثْـــــمَـــــانِــــيُــــونْ فِـــــي الــــجَــــزائِــــرْ طِــــيــــلَــــةَ ثَـــــلاثَـــــةْ قُــــــرون كَــــــامِـــــلَــــة ، أَمَّــــــا عَـــــنْ الــــــتَّــــعْــــدِيـــــلاتْ الـــــواقِـــــعَــــة ، فَـــــهِــــيَ لا تَـــــعــــْدُو أَنْ تَــــكُـــونَ عُــــنْــــصُــــرِيَــــةً ، كَــــنِــــظَــــامْ الأَهـــــالــــي ونِـــــظــــام دَعْـــــهُ يَـــــمُــــرّْ ، وبِــــالـــتَّـــالــــي إِتْـــــقــــان أَكْــــــبَــــرْ فــــي تَــــدْمـــــيــــر الــــشَّــــبَــــكَــــة الإِجْـــــتِــــمَــــاعِــــيَــــة لِـــلْـــجَــــزائــــر، والإِبْـــــدَاعْ فِـــــي تَــــفْــــطِــــيــــرْ الشُّــــــــعُـــــوبْ والأُمَــــــــــمْ ......*














* أنْـــظُـــرْ نَــــاصِــــرْ الـــدِّيـــنْ سْــــعَــــيْــــدُونــــي : الــــنِّـــظـــامْ الــــمَـــالـــي لـــلْــــجَــــزائِــــرْ فِــــي آواخِــــرْ الـــعَـــهْـــدْ الــــعُــــثْــــمَـــانــــي .




















قائمة المراجع بالعربية :
ــــ أرجمند كوران : السِّياسة العثمانية اتجاه الإحتلال الفرنسي للجزائِرْ ، تعريب عبد الجليل التَّميمي / ط 02 ، تونس 1970
ــــ العلاقات السياسية الدّولية وإستراتيجية إدارة الأزمات ــــ الدكتور ثامر كامل الخزرجي ـــ دار مجدلاوي للنَّشر والتوزيع 2005
ــــ الوجيز في القانون الدّستوري والمؤسّسات السياسية المقارنة " د . الأمين شرَيَطْ " ديوان المطبوعات الجامعية2011
النّظام السياسي الجزائِري " د السّعيد. بوشعير " ـ دار الهدى ــــ
السياسة الخارجية الجزائِرية في ظلِّ الأزمة 1992 ـ 1997 لعبد الله بلحبيب ــــ
ــــ جذور الخطاب الأيديولوجي الجزائِري ـ معالم ـ للمُؤلِّف أحمد حميدي
ــــ التّنظير في العلاقات الدّولية : " الإتّجاهات التّفسيرية والنّظريات التّكوينية " للمؤَلِّفْ عبد النّاصر جندلي ـ دار الخلدونية الطّبعة 1 .
ــــ الدّبلوماسية الجزائِرية بين الأمس واليوم ـ الصّالح بن القبِّي ـ
مبدأ عدم التّدخل في القانون الدّولي المعاصِرْ " بوكـرا إدريس " المؤسّسة الوطنية للكتاب 1990 ــــ
ــــ من أجل نظام إقتصادي دولي جديد " محمّد بجاوي " الشّركة الوطنية للنّشر والتوزيع 1980 ــــ في سبيل ثقافة عربية ذاتية ـ الثّقافة العربية والتراث ـ د . عبد الله عبد الدّايم ـ
ــــ فـــكرة الإفريقية آسيوية ( في ضوءْ مؤتمر باندونغ ) مالك بن نبي فكرة الإفريقية آسيوية ( في ضوءْ مؤتمر باندونغ ) مالك بن نبي
ــــ المدخل إلى دراسة الإستراتيجية ـ لعبد القادر محمّد فهمي ـ دار مجدلاوي 2013
ــــ المعضلة الجزائِرية الأزمة والحلّْ " د . أحمد طالب الإبراهيمي "ـ شركة دار الأمّة الطّبعة الرّابعة 1999 ــــ التَّكامل والتّنازع في العلاقات الدّولية الرّاهنة ـ دراسة المفاهيم والنّظريات ـ محمّد بوعشّة ـ
الدّراسات المستقبلية في العلاقات الدّولية ـ وليد عبد الحيّ ـ ــــ
كاظم هاشم نعمة ـ العلاقات الدّولية ـ بغداد ، دار الكتب للطِّباعة والنَّشر ـــــ
شخصية الجزائِرْ الدُّولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830 ـــــ مولود قاسم نايت بلقاسم ـــــ الجزءْ الثاني ـــــ
مازن إسماعيل الرَّمضاني ـــ مقدٍّمة للجوانب النّظرية لمفهوم الأمن الخارجي ، العدد 04 السنة 1981 ـــــ
إسماعيل صبري مقلّد ـــ العلاقات السياسية والدّولية ـــ دراسة في الأصول والنّظريات ، 1987 ــــ
قائِمة المراجع بالأجنبية
1ـــ kenneth waltz explain war : in international relations theory : realism ; pluralism ; globalism ed . paul viotti § mark kauppi 1993
2 _ bedjaoui mohamed : les aspects internationaux de la constitution algerienne , A . F. O. I
XXIII , paris C. N. R. S. 1986 ـ la resolution et le droit , bruxelles ـ 1961 ـ
3 _ jim seorka and behler anton : contomporary political systems classification and
Trypologies ; lynne rienner , 1990
4_ lyon peter _ new states and international order _ the bases of internatinal order 1973
5 _ otto pick and jallin gritchley _ marcmillan ; london 1974 _
Les cours :
1_ bedjaoui mohamed : nom alignment et droit international _ tome 151 : receuil des cours de l‘ academie de droit international de la haye 1976
Les theses :
M ( hadef ) la politique exterieure de l‘ algerie a L‘ egard du tiers monde ( these de doctorat ) paris 1986
الدّوريات :
دورة أساسيات صناعة النّفط والغاز المنعقدة بالكويت سنة 1976 _ الجزءْ الثاني 1977 ـــ
ـــ الملتقى الدّولي حول آثار وإنعكاسات الشّراكة على الإقتصاد الجزائِري ـ بلعزوز بن علي ومدني أحمد ـ دور المناطق الحرّة كحافز لجلب الإستثمار الأجنبي المباشر
ـــ المجلّة الجزائرية للعلاقات الدّولية ـ العدد الثالث ـ المغرب العربي بين الوحدة والتّوحيد ـ جوان 1986 نادية رمسيس فرح ـ التّنمية المستقلّة في الوطن العربي ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت ـ 2001



المحاضرات والدّروس : الوطن العربي
ـــ محاضرات في القانون الدّستوري والمؤسّسات السياسية ـ جامعة قسنطينة 1991 ـ غير مطبوعة ـ
ـــ عبد النّور كيرمان : أوروبا ودول حوض المتوسّط في ظلّ النّظام العالمي الجديد ، ندوة أثينا الدّولية من 08 إلى 11 أفريل 1992
ـــ محاضرات في مقياس مدخل إلى تاريخ الجزائِرْ المعاصر ـــ الدكتورة بوزيفي وهيبة ـــ كلِّية علوم الإعلام والإتِّصال جامعة الجزائِرْ 2015 ـــ 2016
ـــ وظيف الله محمد الأخضر : محاضرات في النَّهضة العربية الحديثة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائِرْ 1980
جرائِد ومجلّات :
ـــ جريدة " الحوار " البريطانية : محمّد الصَّالح دمبري ــــ شراكتنا مع بريطانيا بوَّابة لتعزيز علاقتنا مع أوروبا ــــ منشور لشفيق فتحي ، يوم 08 / 12 / 2009
ـــ خبراءٌ يدعمون مقاربة الجزائِرْ " نزاعات السّاحل " جريدة الخير 02 مارس 2015
ـــ مقال : لخضر رزّاوي " لهذه الأسباب إنتعشت السياسة الخارجية للجزائِرْ " بوابة الشروق 2015
ـــ محمد السّعيد هارون " صوت القضية الجزائرية في المحافل الدّولية " مجلّة المجاهد 1982
ـــ البصائِرْ : محمَّد البشير الإبراهيمي الـعـدد 145 بالتَّـصـرُّفْ ، وناصر الدِّيـــن سعـــيــدُوني : الجزائِرُ منطلقات وآفاق 2012 .
ـــ جريدة المساءْ ( الجزائِرْ ) بتاريخ 15 ـ 16 جانفي 1993 " ناصر الدّين سعيدوني : قضايا ومفاهيم تاريخية "
الإيطالية La republica ـــ جريدة
ـــ جمال قنَّان ، نظام عالمي جديد أم سيطرة إستعمارية جديدة ، المستقبل العربي العدد 180 بيروت 1994
مذكّرات :
ـــ مصباح بلقاسم : أهمّية الإستثمار الأجنبي المباشر ودوره في التّنمية المستدامة " مذكّرة لنيل شهادة الماجيستر في علوم التّسيير 2005 ـ 2006
ـــ عبد الكريم بعداش : أهمّية الإستثمار الأجنبي ودوره في التّنمية المستدامة " مذكّرة لنيل شهادة الماجيستر في علوم التّسيير 2007 ـ 2008
ـــ الكراغلة والسُّلطة في الجزائِرْ خلال العهد العثماني ( 1519 ــ 1830 ) مذكِّرة لنيل شهادة الماجيستير في التَّاريخ الحديث والمعاصر ، قسم التاريخ والآثار ، كلِّية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية ، جامعة وهران 2014
ـــ مذكِّرات أحمد باي وحمدان بوضربة ، تعريب محمّد العربي الزُّبيري ، الجزائِرْ 1973
مواقع إلكترونية :
ـــ موقع مركز تنمية الطّاقات المتجدّدة
ـــ موقع جريدة البصائِر ــــ الجزائِرْ والطّاقة الشّمسية
www.Radioalgerie.dz :ـــ رضوان حرياطي
http: //www.elbiled.netـــ
archive/ 73287 ( 13 / 10 / 2012 )
http: //www.elbiled.net ـــ
archives/59744 (13 / 10 / 2012 )
http: //www. elmassar ar. com /ara /permalink /17920 ـــ
html ( 13 / 10 / 2012 )

التقارير والوثائِقْ :
ـــ بيان أوّل نوفمبر .
ـــ تقرير الجمعية العامّة للأمم المتّحدة ( نص القرار 1803 ) .
ـــ إتفاقيات الشّراكة الإقتصادية الجزائِرية السّعودية .
ـــ نصوص المواد 14 ـ 17 ـ 31 من الأمر 01 ـ 03 المتضمِّن التسهيلات الممنوحة للإستثمار الأجنبي .
ـــ الأمر 95 ـ 05 المؤرّخ في 21 ـ 01 ـ 1995 ، الصّادر بالجريدة الرّسمية .
ـــ المرسوم التشريعي رقم 93 ـ 12 المتعلِّق بترقية الإستثمار .
ـــ وكالة الأنباءْ الجزائرية : الدبلوماسية الجزائِرية ودورها التنسيقي في التنمية 08 / 10 / 1996
ـــ اللّجنة الوطنية للثورة الزِّراعية : بيان التّطلعات يناير 1974 .
ـــ تقرير الأمين العام لمؤتمر الأمم المتّحدة للتنمية التجارية والإقتصادية ، الوثيقة 535 ـ 547 .
ـــ الإعلان الرّسمي عن تسوية النِّزاع في شمال مالي 26 مارس 1996 .
ـــ توقيع البروتوكول الإضافي 20 فيفري 2007 إتفاقات السّلام في مالي .
ـــ نصّْ عقد فيينا 2016
ـــ التمِّيمي عبد الجليل بحوث ووثائِق في التاريخ المغربي ، الدار التونسية للنَّشر ، ط 01 تونس 972
ـــ مخطوط لحمدان خوجة : المكتبة الوطنية ، الجزائِرْ العاصمة ، رقم 1261



















المــلــخّــــــَص الــــــعـــــــام :................................................. ...........................................08
مـــقـــــــــــــدِّمــــــــــــــــــــة : .................................................. .........................................11

الـفـصـل الأوَّل : دور الـتَّـحـولات الإقـلـيـمـيـة والـدُّولـيـة فـي فـرض تـحـدِّيـات الـسـِّيـاسـة الـخـارِجِيـة الـجـزَائِرِيـة

مـــقــــدِّمـــة الفــــصــل الأوَّل : .................................................. .........................................13

المــطــلب الأوَّل : التَّأطير القانوني للسِّياسة الخارِجِيَة الجَزَائِرِية .................................................. ........14

الـمـطــلب الثَّاني : مهام مُؤَسَّسة الرِّئاسة في صياغة السِّياسة الخارجية الجزائِرية ........................................15

المـبحث الثَّاني : دور التَّفاعلات السِّياسية ــــ الإقليمية والعالمية في صنع تحدِّيات السياسة الخارِجية الجزائِرِية ........19


المـطلب الأوَّل : المحدِّدات الإقليمية والعربية للسِّياسة الخارجية الجزائِرية ................................................ 20


الدَّور الرِّيادي في تسوية النِّزاعات الدَّاخلية في مالي .................................................. ......................24


مــــــقــــدِّمـــة : .................................................. .................................................. ............ 25

الـمـطـلـب الثَّـانـي : رهانات السِّياسة الخارِجِية الجزائِرية في ظلِّ إرادة تموقع الدُّول الكبرى ............................33

الــفــصــل الــثــَّانــي : الإقــتــصــاد الــجــزَائــرِي بــيــن الــثَّــورات الــبــُنْــيَــوِيــة وأيــديــولــوجِــيــَة الــتَّــنــْمــِيــة


مــقــدّمــة الــفــصــل الـــثَّــانـــي : .................................................. .......................................35


الـمبـحث الأوَّل : تـحـدِّيـات الـسـيـاسـة الـجـزائـرِيـة في إعـادة هـيـكـلـة الـمـنـظـومـة الإقــتـصـاديـة ...................36


الـمـطـلـب الأوَّل : الــتَّــحــدِّي مــصــدر لِــضُعْــف الــعــدوان الإقــتــصــادي ............................................37


الـمـطـلـب الثَّـاني : مجهودات الجزائِرْ في الحصول على السِّيادة الإقتصادية في إطار إستراتيجية التَّصلُّبْ .............38


الـمـبـحـثْ الـثَّـانـي : مـسـاعـي الـجـزائـِر فـي تــجْـســيدْ مـتـَغــيِّــرْ الأمــن الإقـتــصـادي الجــمــاعــي .................39


الــمــطـلــب الأوَّل : الإقـتــصــاد الــجــزائِــرِي وتــبنّــي إســتراتــيــجــيــة الــبــدائــِلْ الــمـطــروحــة ................ 40


الــمـطـلــب الثَّـانــي : دور الــجــزائــِرْ فــي تــنــســيــقْ الــتَّــنْــمــيــة الإقــتــِصــاديـــة .................................42




الـفـصـل الثَّــالــِثْ : إســتــراتــِجِيــَات الــسِّــيَــاســة الــخــارِجـِيــة لِلْإقــتــِصــَادْ الــجــَزَائِـــري

مُـــقَـــدِّمـــة الــفَصــل الثَّـــالِـــثْ : .................................................. ........................................ 45

الـــمــبــحــثْ الأوَّل : مـنـطـلـقـات وتـطـلُّـعـات الـسّـِـيـاسـة الإســتــثــْمَــارِيــة فــي الــجــزائــِرْ ........................ 46

........................47 * EUROMED * الــــمـطـــلـبْ الأوَّل : دور الـجـزائِــرْ فــي الــشَّــراكـة الأورومــتـوسِّــطِــيـة

الـمـطـلـب الـثَّـانــي : دور إستراتيجية التَّبنِّي في موازاة السِّياسة الخارجية الجزائِرية للشَّرعية الدُّولية ...................48 ( مشروع الشَّراكة الجزائِرية السَّعودية ـــ والأورومتوسِّطية )

الــمــبـحـث الـثَّــانـي : دور الـدِّبـلـومـاســيـة الــجـزائـِرِيــة فــي تـجْــسـيــدْ إســتراتـيـجِــيـة الــتَّـبـنِّـي .................. 50
"ADAPTIVE STRATEGEY "

الــمــطــلــب الأوَّلْ : فــعــالــيــات الــسِّــيــاســة الإســتــثْــمــاريــة الــجــزَائـــرِيـــَة ................................... 51
( الـمــشْــرُوع الأمــريــكـي للــزِّراعـــة )

الــمـطـلـبْ الــثـانـي : دور الـجـزائـِرْ فـي تــفـعــيـل إسـتـراتــيـجـيـَة الــبـدائـِلْ الـمـطـروحـة ............................53
( مــشــروع إســـتــغــلال الـــطّــاقــات الــمُــتــَجــدِّدة )

حَـــــــــوصـــــلـــــــة : .................................................. .................................................. ..58
خـــــــــاتـــــــــمــــــة : .................................................. .................................................. .. 72
الــــجانـــب الــتَّــطـبـيـقـي : .................................................. ................................................ 73
قَــــائــمــة الــمــلا حــِقْ والــمــراجِــعْ : .................................................. .................................. 88
الـــــــفــــــهـــــــــرس : .................................................
التعديل الأخير تم بواسطة الزهراء دحو ; 29-03-2018 الساعة 06:00 PM سبب آخر: خطأ في تحميل الملف
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية أبو اسامة
أبو اسامة
مشرف عام ( سابق )
  • تاريخ التسجيل : 28-04-2007
  • الدولة : بسكرة -الجزائر-
  • المشاركات : 44,562
  • معدل تقييم المستوى :

    64

  • أبو اسامة is a jewel in the roughأبو اسامة is a jewel in the roughأبو اسامة is a jewel in the rough
الصورة الرمزية أبو اسامة
أبو اسامة
مشرف عام ( سابق )
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 08:40 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى