كيف يتم نقل الكيف المغربي إلى مصر
01-11-2008, 09:05 PM
تتقاسم عصابات تهريب الكيف أرباح نشاطها مع ضباط متواطئين وبعض شيوخ القبائل في الدول الإفريقية وتنظيم القاعدة والعصابات الإجرامية، وتجني عشرات الملايين من الدولارات كل شهر.
يصل الكيف المغربي إلى مصر بعد نقله، في رحلة تنطلق من جنوب المملكة المغربية وصولا إلى جنوب مصر على مسافة تفوق أربعة آلاف كيلومتر. وتقول مصادر إعلامية مصرية إن سعر الكيف المغربي انخفض بشكل مذهل منذ عام 2006 نتيجة وفرته في السوق الداخلية.
وتشير مصادر أخرى إلى أن الكيف المغربي المهرب عبر الصحراء الكبرى يتجه عبر صحراء سيناء المصرية إلى دول الخليج وإسرائيل. ومع وصول الكوكايين الكولومبي إلى دول الساحل الإفريقي، فإن طريق الكيف المغربي أصبح أيضا يختص في نقل الكوكايين في ذات الاتجاه مع انتشار الفساد والفوضى في دول الساحل الإفريقي.
''الخبر'' حققت في ملف عصابات تهريب الكيف على مدى عدة أسابيع. وقادنا بحثنا إلى ولاية تمنراست أين يقيم ''عبد الرزاق''، بعد خروجه من سجن ورفلة، منذ عدة أشهر فقط.
التقيناه نهاية شهر أوت الماضي بمدينة تمنراست. عمل ''عبد الرزاق'' سائق سيارة لنقل المخدرات عبر الصحراء الكبرى وعبر صحراء الجزائر منذ عام 2002. واعتقل بولاية ورفلة في قضية تهريب سجائر حكم عليه فيها بالسجن لعامين قضى منها 14 شهرا.
وافق ''عبد الرزاق'' على الحديث معنا بعد وساطة مهرب سجائر من مدينة المنيعة. واشترط إبقاء بعض المعلومات سرا وعدم ذكر أسماء الأشخاص الحقيقية، والإشارة في مقالنا إلى الجزائريين الذين توفوا خلال عملهم مع مهربي الكيف.
قتلى جزائريون على
طريق ''الكيف''
وفي هذا السياق يتذكر عبد الرزاق، صديقين عزيزين على قلبه، دفعا حياتهما ثمنا للرحلة نحو مصر. دفن أحدهما، وهو ''سعيد''، وينحدر من ولاية بشار في دولة مالي، في صيف عام 2005 ، بعد أن أصيب بلدغة ثعبان في بلدة ''انيفيس''. ولم يتمكن أحد من إنقاذه بسبب انتشار السم في جسده بسرعة كبيرة.


ودفن الثاني، وسنسمه ''صالح'' مقيم بولاية أدرار، سرا كذلك في صحراء قريبة من مدينة ''أرليت'' في النيجر، عندما أطلق عليه متمردون نيجيريين النار بعد رفضه التوقف بالسيارة. وأراد عبد الرزاق، الذي ينحدر من ولاية ورفلة تخليد ذكرى صديقيه اللذين ماتا بعيدين عن عائلتهما.
ويقول عبد الرزاق: ''نعيش مثل الإرهابيين تماما. وكل هذا من أجل مبلغ 200 مليون سنتيم، هي أجر الرحلة بين موريتانيا وجنوب ليبيا''.
وتخفي قصص صالح، وسعيد، وعبد الرزاق ما يمكن أن يسمى ''ملحمة اختراق حدود 5 دول دون جواز سفر، لنقل شحنات الكيف المغربي نحو وجهته النهائية على الحدود المصرية-الليبية.
الموت بطريقة بشعة.. ثمن إفشاء السر
لا ينزع عبد الرزاق العمامة من فوق رأسه.. وأسهب في الحديث إلينا:''خلف الحدود الجنوبية للجزائر كل شيء في حكم المباح. هنا تكفي روح المغامرة لصنع ثـروات بالملايير. بدأت العمل مع مهربين من ولاية إليزي في منتصف الثمانينيات. نقلنا حينها الآلات الإلكترونية من حدود الجماهيرية الليبية عبر قرية ''الدبداب'' الحدودية، بعدها انتقلنا للعمل في تهريب السجائر من دولة النيجر، عبر تمنراست وأدرار. وفي عام 1996 دخلت سجن بشار في قضية اعتداء بالسلاح الأبيض على رجل رفض أداء دينه تجاه شريكي في تهريب السجائر. وقيمة الدين فاقت 200 مليون سنتيم. وكنت أنوي قتله لكن أمري كشف وحكم علي بالسجن 10 سنوات، قضيت منها 5 وغادرت السجن بعفو رئاسي في جويلية .''2001
ويواصل الحديث عن سيرة حياة غير عادية: ''وبعد خروجي من السجن كنت في حالة عوز وفقر. فقد خسرت كل ما أملك بعد أن صادرت الجمارك شحنة سجائر حاولت نقلها قبل دخولي السجن. وكنت مدينا للجمارك حينها بمبلغ 800 مليون سنتيم كغرامة مالية. وفي سوق أسيهار بمدينة تمنراست التقيت في صيف عام 2001 صديقا موريتانيا قديما، سأسميه ''محمود''، عرض علي العمل معه في نقل الكيف المغربي من الحدود الجنوبية للجزائر وإيصاله إلى الحدود الجزائرية-الليبية.. في البداية رفضت.. لكن ظروفي الاجتماعية المزرية جعلتني أقبل الفكرة بشرط أن أعمل في رحلتين فقط بعدها أغادر هذا العمل. ولم أعلم في ذلك الوقت بأنني بصدد الانخراط في عصابات متعددة الجنسيات لا معنى للروح البشرية لديها''.
لينطلق عبد الرزاق بعدها في سرد عمله مع هذه العصابة: ''بدأت أول رحلة في شهر فيفري 2001 عند انطلاقنا من مدينة أدرار بـ4 سيارات من نوع ''تويوتا ستايشن'' نحو الجنوب إلى منطقة تقع داخل الأراضي الموريتانية تدعى تينما.. مشينا طيلة يومين.. كانت مهمة السيارة الأولى كشف الطريق أمامنا. وكنا 9 أفراد، 4 منا مسلحين برشاشات كلاشنكوف. أما الزعيم الموريتاني ''محمود'' فقد كان يحمل مبلغ مليون وتسعمائة ألف أورو، أي 19 مليار سنتيم تقريبا، ومعها مبالغ بالدينار وأخرى بعملات مختلفة وكان مسلحا بمسدس''.
''عند وصولنا تينما الواقعة على مسافة 130 كيلومتر من الحدود الجزائرية-الموريتانية، وجدنا جماعة المهربين المغاربة في انتظارنا وكان معهم موريتانيون. وبعد الاتفاق وتناول العشاء معا انتقلنا عند الفجر إلى المخبأ أين أخفيت شحنة الكيف. في العادة يتفق طرفا الصفقة ويدفع ثمن الكيف بالأورو أو الدولار، ثم يعطي البائع للمشتري جهاز إرشاد الموقع ''جي.بي.أر.أس''. وتكون إحداثيات المكان الذي أخفيت فيه البضاعة مسجلة به''. هذا التقليد معروف لدى مهربي السجائر ومهربي الكيف حيث لا يتم الاتفاق أبدا في موقع وجود البضاعة..
''وعلى مسافة 30 كلم أخرى، نحو الغرب، وجدنا 18 قنطارا من الكيف مخبأة في أكياس بلاستيكية حملناها على متن 3 سيارات وعدنا أدراجنا إلى الحدود. الآن علينا أن نجتاز ألفي كلم عبر الأراضي الجزائرية لإيصال الكيف إلى الحدود مع ليبيا، أين ينتظرنا المشتري حسب اتفاق مسبق. وكان ثمن شحنة الكيف سيتضاعف 3 مرات أثناء هذه الرحلة. وقيل لنا بأن المهمة صعبة جدا والرحلة ستستغرق أسبوعا، حيث لن نسير إلا ليلا للإفلات من حرس الحدود والدرك والجمارك الجزائرية. وسنعتمد على سيارتين تقومان بكشف الطريق أمامنا. ولدى اقترابنا من بلدة رفان التحقت بنا سيارتا ''تويوتا ستايشن'' لتأمين وصول الشحنة إلى وجهتها النهائية''.
وفي قرية غات الحدودية بين الجزائر وليبيا، يواصل عبد الرزاق وصف هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر: ''امتد طريقنا عبر ما يسمى عرق الشباشب -يسمى عرق الشاش في الخرائط الرسمية- ثم اختراق وادي تيدكل والاتجاه شمالا نحو وادي ميا، الواقع بين عين صالح والمنيعة، ثم الانحراف نحو الشرق إلى منطقة آغر أين يوجد بئر تقليدي، ومن هناك إلى منطقة آرسي الواقعة جنوب الزاوية أو برج عمر ادريس، ثم ننطلق إلى منطقة كاكا الواقعة جنوب بلدة غات الليبية أين ينتظرنا المشتري. الاتصال جرى بين زعيمنا محمود والليبيين بهاتف الثـريا.. كانت المحادثة تجري بلغة الهوسا الإفريقية، وبكلمات كودية.. وكان هدف الحديث بهذه اللغة تحاشي الوقوع في فخ الأمن الجزائري أو الليبي. فقد كنا نسمع بأن كل المكالمات عبر شبكة الثـريا مراقبة منذ أحداث 11 سبتمبر''.
''وبعد المسير 6 أيام و7 ليالي انتهت الرحلة وعدنا أدراجنا وانفصلت عن المجموعة في الطريق الرابط بين المنيعة وعين صالح، حيث نزلت من السيارة حتى أعود إلى بيتي في ورفلة. واتفقنا على اللقاء في تمنراست بعد 20 يوما، وحصلت مقابل عملي في هذه الرحلة على 70 مليون سنتيم.. في البداية طلبت 100 مليون، وبعد مفاوضة محمود نزل المبلغ إلى 70 مليون. وكانت مهمتي هي قيادة إحدى السيارات. وحصل باقي الجماعة على نفس المبلغ. وقبل الافتراق قال لي محمود كلمة لا يزال صداها يتردد في أذني: ''لا ثمن لإفشاء السر عندنا إلا الموت''. أدركت حينها أني تورطت ورطة عمري، التي لا خلاص لي منها. فبعد رفضي لهذا العمل في البداية ثم قبولي له بشرط العمل فترة مؤقتة أدركت بأن مغادرة هذه الجماعة تعني الموت.
وهنا يحدثنا عبد الرزاق عن بشاعة ما يجري داخل هذه العصابات: ''وفي أثناء مرافقتي للجماعة سمعت قصص مرعبة عن تصفية الحسابات وسط هذه العصابات. فقد كانت العقوبة المتداولة هي أن يعمد إلى ربط يدي وقدمي المطلوب في سيارتين ثم تتجه كل منهما في اتجاه فيقسم جسمه ويموت. ثم يدفن في الصحراء.. وفي الطريق علمت بأن عصابة تهريب الكيف التي تورطت معها لا تختلف كثيرا عن الجماعات الإرهابية. فقد كنا مثل الإرهابيين نعيش في الظلام ونتحرك في الظلام ولا ضمان لحياتنا سوى في قطعة سلاح نحملها ولا تفارقنا في أية لحظة.