قصة الحديث والمحدثون [3] زوايا مغيبة في الجرج والتعديل.
03-03-2015, 08:34 PM
قصة الحديث والمحدثون [3]
( زوايا مغيبة في الجرج والتعديل.)
عيسى العلي
°°°بعد أن عرفنا في المقالتين السابقة تعريف الحديث, والفرق بينه وبين السنّة, وذكرنا كيف تم تدوين الحديث, وكيف تطور إلى أن رسى على أسس معينة, كما أننا عرجنا على موقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من التدوين, وذكرنا أيضا المراد من المحدثين, وعرفنا بأن أبرز مهمة يقوم بها المحدثون هي الجرح والتعديل, وعرجنا على أهم ما في هذا المنهج.
في هذا المقال سنذكر زوايا مغيبة في الجرح والتعديل, تثبت وتؤكد ماخرجنا به سابقا من هلامية المنهج وبشريته المحضة.
°°°ولنبدأ من أعلى الهرم على المستويين، المجَرِّح والمجروح, إذ المجَرِّح هو البخاري، من جُعل كتابه لدى بعض الحنابلة بمنزلة المقدس، أي كما القرآن الكريم الذي لا يمكن أن يدخله الخطأ، أو يشوبه الغلط. والمجروح هو من تربى في بيت الرسول!
°°°إن البخاري يورد الضعفاء! هند بن أبي هالة رضي الله عنه ربيب رسول الله عليه الصلاة والسلام، في كتابه وكأني بسائل يسأل ومن هند بن أبي هالة ؟
°°°هند هو من تربى في حجر رسول الله، وهو ابن أفضل نسائه خديجة من زوجها الأول، يقول ابن عبدالبر (1) وابن الأثير(2) عنه:
"ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه خديجة بنت خويلد، خلف عليها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أبي هالة، وقد شهد بدرا، وقيل: بَلْ شهد أحدا، وقتل هند بن أبي هالة مع عَليّ يوم الجمل".
هذا الصحابي الجليل، الذي تربى في بيت رسول الله، يأتي البخاري ليضعفه، ويزعم أن السبب: رواية بعض الضعفاء عنه!(3) وقد تبجح البعض فأتوا بعذر أقبح من ذنب، حيث قالوا: أنه لم يضعف هند، وإنما ضعف من روى أو رووا عنه. وأقول: لو كان كلامهم صحيحا، لم يذكر اسمه في الضعفاء، وإنما يذكر من رووا عنه.
°°°وقد كانت حجة البخاري في ذلك ما ذكره بنفسه، من أنه قد روى عن هند من هو ضعيف. فأقول: لو ضعفنا كل شخص روى عنه شخص آخر ضعيف، لضعفنا ابن حنبل وجميع السابقين! لأنه لا يخلو كبير أو من له مكانة، إلا ويستغل اسمه فيكذب عليه، ويروى عنه.
°°°وقد استغرب ذلك أبي حاتم فقال ابنه: "سمعت أبي يقول: روى عنه قوم مجهولون، فما ذنب هند بن أبي هالة أدخله البخاري في كتاب الضعفاء؟ فسمعت أبي يقول: يحول من هناك!".(4)
°°°ولننتقل إلى مثال آخر, إنه الإمام يحيى بن معين, يقول عنه الذهبي(5): "هو: الإمام، الحافظ، الجهبذ، شيخ المحدثين" "قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن يحيى، فقال: إمام. وقال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث، ثقة، مأمون" "يقول أحمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين، فليس هو بحديث", هذا في بداية أمره, ولكن عندما اختلفت الآراء ولو حتى إكراها, فإن المكانة والمعايير ستختلف!
°°°ففي محنة خلق القرآن, كان "المأمون" –كما يُروى- يجبر العلماء على القول بأن القرآن مخلوق, فكان أحد الذين استجابوا لذلك يحي بن معين, فغضب أحمد وغيره فضعفوه, وناقضوا جميع مدحهم وتقييمهم السابق الذي لم يقم "بداية" على معايير واضحة وثابتة.
°°°فأصبح الحكم في ابن معين كما يروي الذهبي(6) "كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين".
°°°ومثال ثالث أقدم له باستهلالة وأقول: من المعلوم أن الصديق له أحكامه وخصوصيته الأخلاقية والحقوقية، غير أن بعض رجالات الجرح والتعديل زادوه حقوقا على حساب الدين, فتغاضوا عن أصدقائهم عندما يخطئون, ويكتمون الإخبار عن خطئهم, أحد المواقف التي وصلتنا في ذلك, موقف يحي بن معين من صديقه عفان.
يقول الذهبي: "قال الحسن بن عليل العنزي: حدثنا يحيى بن معين، قال: أخطأ عفان في نيِف وعشرين حديثا، ما أعلمت بها أحدا، أعلمته سرا، وطلب إلي خلف بن سالم، فقال: قل لي: أي شيء هي؟ فما قلت له، كان يحب أن يجد عليه"!(7)
°°°إن القارئ لكتب التراث يجد الكثير من الحقائق المرة، التي يتستر عليها رجال الدين، إما جهلا أو استكبارا. ما سبق هي نماذج بسيطة مما حوت هذه الكتب، حاولت أن أنقل أصحها لديهم، وأكثرها اختصارًا، وأتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال نماذج حول قوة الجرح والتعديل من عدمه، علمًا بأني لم أغص في التفاصيل تحتاج إلى مؤلف كامل، يذكر فيه مدى العور والمشاكل التي توضح مدى ضعف هذا الفن عند محاكمته إلى وسائل البحث الحديثة.
°°°في المقال القادم سأستعرض المراد بالصحابة وأقوال السابقين "السلف" فيه, وسأبين مدى قوة/ضعف التعريف الشائع من أن الصحابي هو كل من رأى الرسول مؤمنا به ومات على ذلك, مستحضرا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك, ذاكرا آراء بعض الصاحبة والتابعين وتابعيهم.
مصادر المقال:
1- يوسف بن عبدالله المشهور بابن عبدالبر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي (بيروت: دار الجيل، 1412)،، 4/ 1544.
2- عز الدين ابن الأثير، أسد الغابة (بيروت: دار الفكر، 1409)، 5/ 385.
3- محمد بن إسماعيل المشهور بالبخاري، كتاب الضعفاء، تحقيق أحمد بن أبي العينين (مكتبة ابن عباس، 1426) ، 138.
4- انظر: محمد بن عبدالرحمن المشهور بابن أبي حاتم، الجرح والتعديل (الهند: مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1271)، 9/ 116.
5- المصدر نفسه، 11/ 71.
( زوايا مغيبة في الجرج والتعديل.)
عيسى العلي
°°°بعد أن عرفنا في المقالتين السابقة تعريف الحديث, والفرق بينه وبين السنّة, وذكرنا كيف تم تدوين الحديث, وكيف تطور إلى أن رسى على أسس معينة, كما أننا عرجنا على موقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من التدوين, وذكرنا أيضا المراد من المحدثين, وعرفنا بأن أبرز مهمة يقوم بها المحدثون هي الجرح والتعديل, وعرجنا على أهم ما في هذا المنهج.
في هذا المقال سنذكر زوايا مغيبة في الجرح والتعديل, تثبت وتؤكد ماخرجنا به سابقا من هلامية المنهج وبشريته المحضة.
°°°ولنبدأ من أعلى الهرم على المستويين، المجَرِّح والمجروح, إذ المجَرِّح هو البخاري، من جُعل كتابه لدى بعض الحنابلة بمنزلة المقدس، أي كما القرآن الكريم الذي لا يمكن أن يدخله الخطأ، أو يشوبه الغلط. والمجروح هو من تربى في بيت الرسول!
°°°إن البخاري يورد الضعفاء! هند بن أبي هالة رضي الله عنه ربيب رسول الله عليه الصلاة والسلام، في كتابه وكأني بسائل يسأل ومن هند بن أبي هالة ؟
°°°هند هو من تربى في حجر رسول الله، وهو ابن أفضل نسائه خديجة من زوجها الأول، يقول ابن عبدالبر (1) وابن الأثير(2) عنه:
"ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه خديجة بنت خويلد، خلف عليها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أبي هالة، وقد شهد بدرا، وقيل: بَلْ شهد أحدا، وقتل هند بن أبي هالة مع عَليّ يوم الجمل".
هذا الصحابي الجليل، الذي تربى في بيت رسول الله، يأتي البخاري ليضعفه، ويزعم أن السبب: رواية بعض الضعفاء عنه!(3) وقد تبجح البعض فأتوا بعذر أقبح من ذنب، حيث قالوا: أنه لم يضعف هند، وإنما ضعف من روى أو رووا عنه. وأقول: لو كان كلامهم صحيحا، لم يذكر اسمه في الضعفاء، وإنما يذكر من رووا عنه.
°°°وقد كانت حجة البخاري في ذلك ما ذكره بنفسه، من أنه قد روى عن هند من هو ضعيف. فأقول: لو ضعفنا كل شخص روى عنه شخص آخر ضعيف، لضعفنا ابن حنبل وجميع السابقين! لأنه لا يخلو كبير أو من له مكانة، إلا ويستغل اسمه فيكذب عليه، ويروى عنه.
°°°وقد استغرب ذلك أبي حاتم فقال ابنه: "سمعت أبي يقول: روى عنه قوم مجهولون، فما ذنب هند بن أبي هالة أدخله البخاري في كتاب الضعفاء؟ فسمعت أبي يقول: يحول من هناك!".(4)
°°°ولننتقل إلى مثال آخر, إنه الإمام يحيى بن معين, يقول عنه الذهبي(5): "هو: الإمام، الحافظ، الجهبذ، شيخ المحدثين" "قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن يحيى، فقال: إمام. وقال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث، ثقة، مأمون" "يقول أحمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين، فليس هو بحديث", هذا في بداية أمره, ولكن عندما اختلفت الآراء ولو حتى إكراها, فإن المكانة والمعايير ستختلف!
°°°ففي محنة خلق القرآن, كان "المأمون" –كما يُروى- يجبر العلماء على القول بأن القرآن مخلوق, فكان أحد الذين استجابوا لذلك يحي بن معين, فغضب أحمد وغيره فضعفوه, وناقضوا جميع مدحهم وتقييمهم السابق الذي لم يقم "بداية" على معايير واضحة وثابتة.
°°°فأصبح الحكم في ابن معين كما يروي الذهبي(6) "كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين".
°°°ومثال ثالث أقدم له باستهلالة وأقول: من المعلوم أن الصديق له أحكامه وخصوصيته الأخلاقية والحقوقية، غير أن بعض رجالات الجرح والتعديل زادوه حقوقا على حساب الدين, فتغاضوا عن أصدقائهم عندما يخطئون, ويكتمون الإخبار عن خطئهم, أحد المواقف التي وصلتنا في ذلك, موقف يحي بن معين من صديقه عفان.
يقول الذهبي: "قال الحسن بن عليل العنزي: حدثنا يحيى بن معين، قال: أخطأ عفان في نيِف وعشرين حديثا، ما أعلمت بها أحدا، أعلمته سرا، وطلب إلي خلف بن سالم، فقال: قل لي: أي شيء هي؟ فما قلت له، كان يحب أن يجد عليه"!(7)
°°°إن القارئ لكتب التراث يجد الكثير من الحقائق المرة، التي يتستر عليها رجال الدين، إما جهلا أو استكبارا. ما سبق هي نماذج بسيطة مما حوت هذه الكتب، حاولت أن أنقل أصحها لديهم، وأكثرها اختصارًا، وأتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال نماذج حول قوة الجرح والتعديل من عدمه، علمًا بأني لم أغص في التفاصيل تحتاج إلى مؤلف كامل، يذكر فيه مدى العور والمشاكل التي توضح مدى ضعف هذا الفن عند محاكمته إلى وسائل البحث الحديثة.
°°°في المقال القادم سأستعرض المراد بالصحابة وأقوال السابقين "السلف" فيه, وسأبين مدى قوة/ضعف التعريف الشائع من أن الصحابي هو كل من رأى الرسول مؤمنا به ومات على ذلك, مستحضرا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك, ذاكرا آراء بعض الصاحبة والتابعين وتابعيهم.
مصادر المقال:
1- يوسف بن عبدالله المشهور بابن عبدالبر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي (بيروت: دار الجيل، 1412)،، 4/ 1544.
2- عز الدين ابن الأثير، أسد الغابة (بيروت: دار الفكر، 1409)، 5/ 385.
3- محمد بن إسماعيل المشهور بالبخاري، كتاب الضعفاء، تحقيق أحمد بن أبي العينين (مكتبة ابن عباس، 1426) ، 138.
4- انظر: محمد بن عبدالرحمن المشهور بابن أبي حاتم، الجرح والتعديل (الهند: مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1271)، 9/ 116.
5- المصدر نفسه، 11/ 71.