أَخْــبِــــرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُـحِـــبُّـــهُ
22-07-2018, 08:58 AM
…. عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»
__________

عائشة بنت أبي بكر الصديق، وزوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وحبيبته، كانت فقيهة ربانية، وعالمة بأشعار العرب وأنسابهم، وأيامهم.
أكثرت عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم - الرواية، فلذلك صارت مرجعاً للصحابة في كثير من أمور الدين، فهي من حفاظ الصحابة وعلمائهم.
روى عنها خلق كثير من الصحابة والتابعين.
ولدت-رضي الله عنها- سنة أربع من البعثة النبوية، وتزجها رسول الله-صلى الله عليه وسلم - بعد موت خديجة-رضي الله عنها- بثلاث سنوات، ودخل بها في المدينة، وهي أبنة تسع سنوات، وتوفي عنها ولها من العمر ثماني عشرة سنة، ومات-صلى الله عليه وسلم - وهي حاضنته على صدرها.
صلى عليها أبو هريرة، ودفنت في البقيع، -رضي الله عنها- (1) .

وهذه السورة وسائر سور القرآن هي
صفة الرحمن؛ لأنها كلامه، وكلامه من صفاته، ولكن تميزت هذه السورة بأنها خالصة لذكر أوصاف الرحمن-تعالى- وهذ هو المتبادر إلى الفهم من مراد الصحابي-رضي الله عنه- أي أنها خالصة لوصف الرحمن-تعالى- دون غيره.
وقوله:
" أخبروه أن الله يحبه" قد يكون سبب محبة الله له: محبته لهذه السورة، أو لمحبته ذكر صفات الرب - عز وجل -، ، أو لمجموع الأمرين، وهو الأولى.
وفيه ثبوت محبة الله - تعالى - لأهل طاعته من عباده، والأدلة عليه كثيرة جداً،
وحقيقة المحبة له: ميلهم إليه؛ لاستحقاقه سبحانه المحبة من جميع الوجوه.
ومحبته - تبارك وتعالى - لعبده المؤمن شيء فوق إنعامه، وإحسانه، وعطائه، وإثابته، فإن هذا أثر المحبة وموجبها، أما هي فأعظم من ذلك، وهي التي يتسابق إليها أنبياؤه وملائكته وأولياؤه، وعباده الصالحون
كقوله - تعالى - {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) ، وقوله -تعالى- {اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (2) ، {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (1) ، {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (2) ، {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (3) ، والآيات في هذا كثيرة.
و كقوله - صلى الله عليه وسلم-: " لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله" (4) ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي" (5) .
ومعنى الإله: المحبوب الذي تألهه القلوب، وتحبه، وتعظمه، وتجله، وتقصده بالإنابة والخضوع والذل، والافتقار إليه، والخوف منه، ورجائه.
.. قال -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} (1) .
{تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) ، ولا يجوز أن تكون تسويتهم لهم برب العالمين إلا في الحب؛


وقد علم المؤمنون أن محبة العباد لربهم هي حياة القلوب، ونعيم الروح، بل هي أعلى نعيم في الدنيا والآخرة، وهي فوق كل محبة تفترض، ولا نسبة لسائر المحاب إليها، وهي حقيقة لا إله إلا الله، وبتمامها وكمالها تتفاوت منازل العباد عند الله في الدنيا والآخرة، وقد جاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " أحبوا الله من كل قلوبكم" (2) . يعني: لا يبقى في القلب موضع لغير محبة الله تعالى. وفي "الصحيحين": مرفوعاً:
"ثلاث من كن فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار" (3) .

فالمحبة هي حقيقة العبودية، ولا يمكن وجود العبادة التي يريدها الله ويأمر بها عباده بدونها أبداً، بل لا يوجد أي نوع من أنواع العبادة المطلوبة شرعاً بدونها، مثل الإنابة، والخشية، والخوف، والرجاء، والحمد، والشكر، والصبر، والدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، وغير ذلك من أنواع العبادة، فمنكر المحبة في الحقيقة منكر لجميع مقامات الإيمان والإحسان.