تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
تفسير جزء عمّ ـ للشيخ إبن عثيمين ـ 1،23
05-04-2014, 04:50 PM

كما كنت وعدت سأحول نشر تفسير جزء عــمّ مفرغا من أشرطة الشيخ إبن عثيمين ـ رحمه الله ـ قد نتسائل لماذا هذا الجزء بالذات؟ ذللك لأنه الأكثر قراءة(في صلواتنا) والأكثر حفظا فيحسنُ بنا فهمه لِنتدبره والله الهادي إلى سواءِ السبيل.

نبدأ أولاً بسورة النبأ: قال الله عز وجل: (( عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ . عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ . الَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ )): أي: عم يتساءل هؤلاء، ثم أجاب الله عز وجل عن هذا السؤال فقال: (( عن النبأ العظيم. الذي هم فيه مختلفون )) وهذا النبأ هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البينات والهدى، ولاسيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الآخر والبعث والجزاء، وقد اختلف الناس في هذا النبأ الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فمنهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر به وكذب، فبيّن الله أن هؤلاء الذين كذّبوا سيعلمون، سيعلمون ما كذّبوا به علم اليقين، وذلك إذا رأوا يوم القيامة يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق، ولهذا قال سبحانه هنا: (( كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون )) والجملة الثانية توكيدٌ للأولى من حيث المعنى، وإن كانت ليست توكيداً باعتبار اصطلاح النحويين؛ لأنه فُصل بينها وبين التي قبلها بحرف عطف، والتوكيد لا يُفصل بينه وبين مؤكده بشيء من الحروف. والمراد بالعلم الذي توعدهم الله به هو علم اليقين الذي يشاهدونه على حسب ما أخبروا به. ثم بيّن الله تعالى نعمه على عباده ليقرر هذه النعم فيلزمهم شكرها فقال: (( ألم نجعل الأرض مهاداً . والجبال أوتاداً . وخلقناكم أزواجاً . وجعلنا نومكم سباتاً....)) الخ: فالأرض خلقها الله تعالى مهاداً ممهدة للخلق ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، ولا المشي عليها إلا بصعوبة، وليست باللينة الرخوة التي لا ينتفعون بها، ولكنها ممهدة لهم على حسب مصالحهم وعلى حسب ما ينتفعون به، أما الجبال فجعلها الله تعالى أوتاداً بمنزلة الوتد للخيمة حيث يثبتها فتثبت به، وهو أيضاً ثابت كما قال تعالى: (( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها )). وهذه الأوتاد قال علماء الأرض: إن هذه الجبال بها جذور راسخة في الأرض كما يرسخ جذر الوتد في الجدار، ولذلك تجدها صلبة قوية لا تزعزعها الرياح وهذا من تمام قدرته ونعمته. (( وخلقناكم أزواجاً )) أي أصنافاً ما بين ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وأسود وأحمر، وشقي وسعيد إلى غير ذلك مما يختلف الناس فيه، فهم أزواج مختلفون على حسب ما أراده الله عز وجل واقتضته الحكمة ليعتبر الناس بقدرة الله تعالى، وأنه قادر على أن يجعل هذا البشر الذين خلقوا من مادة واحدة ومن أب واحد على هذه الأصناف المتنوعة المتباينة. (( وجعلنا نومكم سباتاً )) أي قاطعاً للتعب، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام استراح وتجدد نشاطه، وهذا من النعمة وهو في نفس الوقت من آيات الله عز وجل، حيث قال الله تعالى: (( ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله )). (( وجعلنا الليل لباساً )) أي جعل الله هذا الليل على الأرض بمنزلة اللباس، كأنه، كأن الأرض تلبسه ويكون جلباباً لها، وهذا لا يعرفه تمام المعرفة إلا إذا صعد فوق ظل الأرض، وقد رأينا ذلك مشاهد عجيبة، إذا خرجت في الطائرة وارتفعت وقد غابت الشمس عن سطح الأرض ثم تبينت الشمس بعد أن ترتفع تجد الأرض وكأنما كسيت بلباس أسود، لا ترى شيئاً إلا السواد، فتبين بهذا قوله تعالى: (( وجعلنا الليل لباساً )) . أما النهار فجعله معاشاً يعيش الناس فيه في طلب الرزق على حسب درجاتهم وعلى حسب أحوالهم، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد. ولنكتفي على هذا الجزء من هذه السورة، وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يجعلنا ممن قرأ وانتفع إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثم قال تعالى: (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً )) وهي السماوات السبع، وقد وصفها الله تعالى بالشداد لأنها قوية كما قال تعالى: (( والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون )). أي بنيناها بقوة. (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً . وجعلنا سراجاً وهَّاجاً )) يعني الشمس فهي سراج مضيء، ولهذا فهي ذات حرارة عظيمة. (( وهاجاً )): أي وقَّادة، وحرارتها كما تشاهدون في أيام الصيف حرارة شديدة مع بعدها الساحق عن الأرض، فما ظنك بمن يقرب منها، ثم إنها تكون في أيام الحر -في شدة حرها- من فيح جهنم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم ). وقال عليه الصلاة والسلام: ( اشتكت النار إلى الله، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الزمهرير أو من البرد فإنه من جهنم – نعوذ بالله منها -، وأشد ما يكون من الحر من فيح جهنم ). ومع ذلك فإن فيها مصلحة عظيمة للخلق فهي توفر على الخلق أموالاً عظيمة سيما النهار حيث يستغني الناس بها عن إيقاد الأنوار ، وكذلك الطاقة التي تستخرج منها تكون فيها فوائد كبيرة، وكذلك في إنضاج الثمار وغير هذا من الفوائد العديدة من هذه السراج الذي جعلها الله عز وجل لعباده. ولما ذكر السراج الوهاج الذي به الحرارة واليبوسة ذكر ما يقابل ذلك فقال: (( وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجَّاجاً )) والماء فيه الرطوبة وفيه البرودة، وهذا الماء أيضاً تنبت به الأرض وتسقى به الأرض، فإذا انضاف إلى هذا ماء السماء، وحرارة الشمس حصل بهذا إنضاج للثمار ونمو لها على أكمل ما يكون. (( وأنزلنا من المعصرات )) يعني السحاب، ووصفها الله بأنها معصرات كأنما تعصر الماء للنزول عصراً كنزول اللبن من الضرع، (( ماء ثجَّاجاً )) أي كثير التدفق وافراً. (( لنخرج به حبًّا ونباتاً . وجنات ألفافاً )): أي لنخرج بهذا الماء الذي ينزل من السماء إلى الأرض فتنبت الأرض ويخرج الله به الحب بجميع أصنافه وأنواعه كالبر والشعير والذرة وغيرها. (( ونباتاً )): من الثمار كالتين والعنب، وما أشبهه. (( وجنات ألفافا )): أي بساتين ملتفاً بعضها إلى بعض، من كثرتها وحسنها وبهائها. ثم بعدما ذكر الله ما أنعم به على العباد ذكر حال اليوم الآخر وأنه ميقات يجمع الله فيه الأولين والآخرين، وسنتكلم عنه في جلسة أخرى. أسئلة. يقول الله عز وجل: (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً )): أي قوية متينة وهي السماوات السبع، وقد جاء ذكر السماوات مقيدة بالسبع في القرآن الكريم في قوله تعالى (( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ))، أما الأرضون فجاءت مقيدة بهذا العدد في السنة مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:( من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من فوق سبع أراضين )، وجاءت في القرآن الكريم مقيدة بهذا العدد على وجه الإشارة في قوله تعالى:(( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن )) ، فقوله (( ومن الأرض مثلهن )) لا يتأتى فيه إلا المماثلة في العدد لأن المماثلة في الكيفية متعذرة لأن هناك فرقاً بين السماوات والأرض في الكيفية والصفة والسعة والقوة، فتبين أن يكون المراد مثلهن في العدد. ثم قال تعالى: (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً. وجعلنا سراجاً وهاجاً )): وقلنا هذه الشمس، لأنها سراج الأرض، والوهج: شديدة الحرارة، ودليل ذلك أننا نحس بحرارتها وبيننا وبينها هذه المسافة العظيمة ولاسيما في أيام الصيف إذا كانت قريبة من الرؤوس عمودية فوقنا، ولا يخفى على أهل العلم بطبائع النبات والبحار والصحاري ما يكون من الفائدة العظيمة في هذه الحرارة على الأعيان وعلى الصفات، ولهذا أكد الله عز وجل ذلك بقوله: (( وجعلنا سراجاً وهاجاً )): أي يتوهج. (( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجَّاجاً )) )) المعصرات)): هي السحب، وسميت معصرات لأنها بمنزلة الذي يعصر الماء من الثوب فإن هذا الماء يتخلل هذا السحاب ويخرج منه كما يخرج الماء من الثوب المعصور، قال الله تعالى: (( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ثم يجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله )) قوله)) ثجَّاجاً ((: أي كثير الثج يعني الانهمار وذلك لغزارته وقوته حتى يروي الأرض.(( لنخرج به حبًّا ونباتاً . وجنات ألفافاً )): الحب والنبات هو الزروع: وهو النبات الذي ليس له ساق. (( وجنات ألفافاً )): هي الأشجار التي لها ساق، فيخرج من هذا الماء الثجاج الزروع والنخيل والأعناب وغيرها سواء خرج منه مباشرة أو خرج منه بواسطة استخراج الماء من باطن الأرض؛ لأن الماء الذي في باطن الأرض هو من المطر كما قال تعالى: (( فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين )). وقال تعالى في آية أخرى: (( فسلكه ينابيع في الأرض )).
وقوله: (( ألفافاً )): أي ملتفة بعضها إلى بعض حتى إنها لتستر من فيها لكثرتها، والتفاف بعضها إلى بعض . ثم قال تعالى: (( إن يوم الفصل كان ميقاتاً )) وهو يوم القيامة، وسمي يوم فصل لأن الله يفصل فيه بين العباد فيما شجر بينهم، وفيما كانوا يختلفون فيه، فيفصل بين أهل الحق وأهل الباطل، وأهل الكفر وأهل الإيمان، وأهل العدوان وأهل الاعتدال، ويفصل فيه أيضاً بين أهل الجنة والنار، فريق في الجنة وفريق في السعير. و (( كان ميقاتاً )): يعني موقوتاً لأجل معدود كما قال تعالى: (( وما نؤخره إلا لأجل معدود ))، وما ظنك بشيء له أجل معدود وأنت ترى الأجل كيف يذهب سريعاً يوماً بعد يوم حتى ينتهي الإنسان إلى آخر مرحلة، فكذلك الدنيا كلها تسير يوماً بعد يوم حتى تنتهي إلى آخر مرحلة، ولهذا قال تعالى: (( وما نؤخره إلا لأجل معدود ))، وكل شيء معدود فإنه ينتهي.
يُتبع إن شاء الله......
التعديل الأخير تم بواسطة abchir ; 09-04-2014 الساعة 07:05 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير جزء عمّ ـ للشيخ إبن عثيمين ـ 1،2
06-04-2014, 07:54 PM
تتممه
(( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً )) والنافخ فيها إسرافيل، النافخ فيها ينفخ فيها نفختين: الأولى: يفزع الناس ثم يصعقون فيموتون، والثانية: يبعثون من قبورهم تعود إليهم أرواحهم، ولهذا قال هنا: (( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً )) وفي الآية كما لا يخفى، في الآية إيجاز بالحذف أي فتحيون فتأتون أفواجاً؛ فوجاً مع فوج أو يتلو فوجاً، وهذه الأفواج ـ والله أعلم ـ بحسب الأمم كل أمة تدعى إلى كتابها لتحاسب عليه، فيأتي الناس أفواجاً في هذا الموقف العظيم الذي تسوى فيه الأرض فيذرها الله عز وجل قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، وفي هذا اليوم يقول الله عز وجل: (( وفتحت السماء فكانت أبواباً )) فتحت وانفرجت فتكون أبواباً يشاهدها الناس بعد أن كانت الآن سقفاً محفوظاً تكون في ذلك اليوم أبواباً مفتوحة، وفي هذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل أن هذه السبع الشداد يجعلها الله تعالى يوم القيامة كأن لم تكن، تكون أبواباً (( يوم تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن. ولا يسأل حميم حميماً. يبصرونهم )) . (( وسيرت الجبال فكانت سراباً )) أي أن الجبال العظيمة الصماء تُدك فتكون كالرمل ثم تكون كالسراب تسير (( وسيرت الجبال فكانت سراباً )) ثم قال تعالى: (( إن جهنم كانت مرصاداً )) وندع ذلك للأسبوع القادم إن شاء الله تعالى. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم قال الله عز وجل: (( إن جهنم كانت مرصاداً )) : أي مرصدة ومعدة للطاغين، وجهنم اسم من أسماء النار التي لها أسماء كثيرة، وسميت بهذا الاسم لأنها ذات جُهمة، وظلمة بسوادها وقعرها أعاذنا الله وإياكم منها، وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن فهي موجودة كما قال تعالى:(( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ))، ورآها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف، ورأى فيها امرأة تعذب في هرة لها حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار يعني أمعاءه، لأنه كان أول من أدخل الشرك على العرب . هذه النار يقول الله عز وجل إنها (( للطاغين مآباً ))، والطاغين جمع طاغ، وهو الذي تجاوز الحد، لأن الطغيان مجاوزة الحد، كما قال الله تعالى: (( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية )) ،أي: زاد وتجاوز حده، وتجاوز الحد يكون في حقوق الله ويكون في حقوق العباد، أما في حقوق الله عز وجل فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم، وأما الطغيان في حقوق الآدميين فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم، هذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأعلن تحريمها في حجة الوداع فقال:( إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) ، فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العبد هم أهل النار والعياذ بالله، ولهذا قال: (( للطاغين مآباً ))، أي مكان أوب والأوب في الأصل الرجوع كما قال تعالى: (( نعم العبد إنه أواب ))، أي رجّاع إلى الله عز وجل. (( لابثين فيها أحقاباً )): أي باقين فيها،(( أحقاباً )): أي مدداً طويلة، وقد دل القرآن الكريم على أن هذه المدد لا نهاية لها وأنها مدد أبدية كما جاء ذلك مصرحاً به في ثلاث آيات من كتاب الله: في سورة النساء في قوله تعالى: (( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً. إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً ))، وفي سورة الأحزاب: (( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً. خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً )) ، وفي سورة الجن في قوله تعالى: (( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً )) ، فإذا كان الله صرح في ثلاث آيات من كتابه بأن أصحاب النار مخلدون فيها أبداً فإنه يلزم أن تكون النار باقية أبد الآبدين وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة أن النار والجنة مخلوقتان ولا تفنيان أبداً، ووجد خلاف يسير من بعض أهل السنة في أبدية النار وزعموا أنها غير مؤبدة واستدلوا بحجج هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه وإذا قورنت بالأدلة الأخرى فهو خلاف لا معول على المخالف فيه ولا على قوله، والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالة صريحة لا تحتمل التأويل، والآيات الثلاث التي سمعتم كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ، ولا يتطرق إليها الاحتمال، أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر وأخبار الله عز وجل لا تنسخ وكذلك أخبار رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحد الخبرين إما تعمداً من المخبر أو جهلاً بالحال وكل ذلك ممتنع في خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم المبني على الوحي، وأما عدم تطرق الاحتمال فللتصريح بالأبدية في الآيات الثلاث، والمهم أيها الأخوة أنه يجب علينا أن نعتقد شيئين: الشيء الأول: وجود الجنة والنار الآن وأدلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة منها قوله تعالى: (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين )) ، والإعداد التهيئة وهذا الفعل" أعدت" فعل ماض يدل على أن الإعداد قد وقع وكذلك قال الله تعالى في النار: (( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ))، والإعداد تهيئة الشيء والفعل هنا ماض يدل على الوقوع وقد جاءت السنة صريحة في ذلك في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى الجنة ورأى النار. الأمر الثاني: اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبداً، أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها كما قال تعالى: (( وما هم منها بمخرجين ))، وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالمهم أنه لا بد من اعتقاد هذين الشيئين، وما هما؟ الإجابة عندك؟ الأول أن الجنة والنار مخلوقتان الآن. والثاني؟ أنهما أبديتان لا تفنيان. فقوله تعالى: (( لابثين فيها أحقاباً . لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً )) لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة يعني أنها إلى أمد ثم تنتهي، بل المعنى أحقاباً كثيرة لا نهاية لها. (( لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً )): نفى فيها البرد الذي تكون به برودة ظاهر الجسم، والشراب الذي يكون فيه برودة داخل الجسم، وذلك لأنهم والعياذ بالله كما قال الله تعالى : (( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً ))، وهل الماء الذي كالمهل وإذا قرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه؟ الجواب: لا، بل بالعكس (( سقوا ماءً حميماً فقطع أمعائهم )) ، أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى: (( خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم . ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ))، وقال تعالى: )) يصب من فوق رؤوسهم الحميم . يصهر به ما في بطونهم والجلود ((، ما في بطونهم من الأمعاء، والجلود ظاهر الجسم، فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً يطفئ حرارة بطونهم، ومن تدبر ما في القرآن والسنة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف:" عجبت للنار كيف ينام هاربها، وعجبت للجنة كيف ينام طالبها ". إننا لو قال لنا قائل: إن لكم في أقصى الدنيا قصوراً وأنهاراً وزوجات وفاكهة لكنا نسير على أهداب أعيننا ليلاً ونهاراً لنصل إلى هذه الجنة التي بها هذا النعيم العظيم، والتي نعيمها دائم لا ينقطع، وشباب ساكنها دائم لا يهرم، وصحته دائمة ليس فيها سقم، أعتقد أننا لو وجدنا ذلك لكنا نسير على أهداب أعيننا لكي نصل إلى هذا المكان، وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهماً من الدنيا أو ديناراً قد يتمتعون به وقد لا يتمتعون به، فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة وهذا الموقف من الهرب من النار، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.(( لابثين فيها أحقاباً. لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً.إلا حميماً وغساقاً...))الخ، وسنؤجل الباقي إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى لنتفرغ للإجابة على أسئلتكم، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجعلنا وإياكم من المنتفعين بكتابه التالين له حق تلاوته إنه جواد كريم. ثم قال تعالى )) إلا حميماً وغساقاً (( وهذا الاستثناء منقطع عند النحويين لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، والمعنى ليس لهم إلا هذا الحميم وهو الماء الحار المنتهي في الحرارة، كما ذكرناه سابقاً من أنهم )) يغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه (( ، (( وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم )). (( وغسّاقاً )) قال المفسرون: إن الغسّاق هو شراب منتن الرائحة شديد البرودة، فيجمع لهم ـ والعياذ بالله ـ بين الماء الحار الشديد الحرارة، والماء البارد الشديد البرودة ليذوقوا العذاب من الناحيتين: من ناحية الحرارة، ومن ناحية البرودة، بل إن بعض أهل التفسير قالوا: إن المراد بالغسّاق صديد أهل النار، وما يخرج من أجوافهم من النتن والعرق وغير ذلك، وعلى كل حال فالآية الكريمة تدل على أنهم لا يذوقون إلا هذا الشراب الذي يقطع أمعاءهم من حرارته، ويفطّر أكبادهم من برودته، نسأل الله العافية، وإذا اجتمعت هذه الأنواع من العذاب كان ذلك زيادة في إضعاف العذاب عليهم.
يتبع بحول الله في آخر جزء
التعديل الأخير تم بواسطة abchir ; 06-04-2014 الساعة 08:02 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير جزء عمّ ـ للشيخ إبن عثيمين ـ 1،2
09-04-2014, 07:04 PM
السلام عليكم
لعديد المرات وكثير المحولات لوضع تتممة تفسير سورة عمّ
إلا أن ضعف الشبكة هو الذي أخر ذالك فمعذره

ثم قال تعالى:(( جزاء وفاقاً )) أي يجزون بذلك جزاء موافقاً لأعمالهم من غير أن يظلموا، قال الله تبارك وتعالى: (( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون )). فهذا الجزاء موافق مطابق لأعمالهم، ثم بين وجه الموافقة أي موافقة هذا العذاب للأعمال فقال: (( إنهم كانوا لا يرجون حساباً. وكذبوا بآياتنا كِذَّاباً )) فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول، (( إنهم كانوا لا يرجون حساباً )): أي لا يؤملون أن يحاسبوا بل ينكرون الحساب، ينكرون البعث يقولون: (( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر )) فلا يرجون حساباً يحاسبون به لأنهم ينكرون ذلك، هذه عقيدة قلوبهم، أما ألسنتهم فيكذبون يقولون هذا كذب، هذا سحر، هذا جنون، وما أشبه ذلك كما تقرؤون في كتاب الله ما يصف به هؤلاء المكذبون رسل الله، كما قال عز وجل: (( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون )). وقال الله تعالى عن المكذبين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: (( وقال الكافرون هذا ساحر كذاب )). وقالوا إنه شاعر (( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون )) ، (( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين )). ولولا أن الله ثبت أقدام الرسل وصبّرهم على قومهم ما صبروا على هذا الأمر، ثم إن قومهم المكذبين لهم لم يقتصروا على هذا بل آذوهم بالفعل كما فعلوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام من الأذية العظيمة بل آذوهم بحمل السلاح عليهم، فمن كانت هذه حاله فجزاؤه جهنم جزاءً موافقاً مطابقاً لعمله كما في هذه الآية الكريمة: (( جزاء وفاقاً. إنهم كانوا لا يرجون حساباً. وكذبوا بآياتنا كذاباً )) . (( وكل شيء أحصيناه كتاباً )) (( كل شيء )) يشمل ما يفعله الله عز وجل من الخلق والتدبير في الكون، ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال، ويشمل كل صغير وكبير .(( كل شيء أحصيناه كتاباً )): أي ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف. (( كتاباً )) يعني كتباً، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة، بل كل قول يكتب، قال الله تعالى: (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )). رقيب يعني مراقب، والعتيد يعني الحاضر، ودخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله وهو مريض يئن من مرضه فقال له: يا أبا عبد الله إن طاووساً -وهو أحد التابعين المشهورين- يقول: إن أنين المريض يكتب، فتوقف رحمه الله عن الأنين خوفاً من أن يكتب عليه أنين مرضه. فكيف بأقوال لساننا التي لا حدّ لها ولا ممسك لها، ألفاظ تترى طول الليل والنهار ولا يحسب لها الحساب -نسأل الله أن يعاملنا وإياكم بعفوه-، كل شيء يكتب حتى الهم يكتب إما لك وإما عليك، من همّ بالسيئة فلم يعملها عاجزاً عنها فإنها تكتب عليه، وإن هم بها وتركها لله فإنها تكتب له، فلا يضيع شيء كل شيء أحصيناه كتاباً. (( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً )) : هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، يعني يقال لأهل النار: ذوقوا العذاب إهانة وتوبيخاً فلن نزيدكم إلا عذاباً ولن نخفف عنكم بل ولا نبقيكم على ما أنتم عليه لا نزيدكم إلا عذاباً في قوته ومدته ونوعه، وقد قرأتم في آية أخرى أنهم يقولون لخزنة جهنم: (( ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب )) . تأمل هذه الكلمة من عدة أوجه: أولاً: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم، لماذا؟ لأن الله قال لهم: (( اخسئوا فيها ولا تكلمون ))، فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً لأن يسألوا الله ويدعوه بل بواسطة. ثم قالوا: (( ادعوا ربكم )) ولم يقولوا: ادعوا ربنا، لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتحدث أو أن تتكلم بإضافة ربوبية الله لهم أي بأن يقولوا ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلاً لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا (( ربكم )) .ثم انظروا أنهم لم يقولوا يرفع عنا العذاب، قالوا: (( يخفف )) لأنهم آيسون نعوذ بالله، آيسون من أن يرفع عنهم. ثم انظروا أيضاً هل قالوا يخفف عنا العذاب دائماً؟ قالوا (( يوماً من العذاب )) يوماً واحداً، يتبين لكم إذا تصورتم هذه الحال، يتبين لكم ما هم عليه من العذاب والهوان والذل (( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي )). أعاذنا الله وإياكم منها. ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم، لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب، وإذا ذكر الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر أهل الخير ذكر أهل الشر، وإذا ذكر الحق ذكر الباطل، مثاني حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف وأيش؟ والرجاء؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء وقع في الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف وقع في القنوط من رحمة الله، وكلاهما من كبائر الذنوب، كلاهما شر، لا الأمن من مكر الله ولا القنوط من رحمة الله، كذلك تجدون القرآن الكريم يأتي بهذا وبهذا، ولئلا تمل النفوس من ذكر حال واحدة والإسهاب فيها دون ما يقابلها، وهذا من بلاغة القرآن الكريم،. إلى قول الله تعالى: (( إن للمتقين مفازاً. حدائق وأعناباً . وكواعب أتراباً... ))الخ ما ذكر الله عز وجل، هذه الآيات جاءت بعد قوله: (( إن جهنم كانت مرصاداً. للطاغين مئاباً )) ، وذلك لأن القرآن مثاني تثنى فيه الأمور، إذا ذكر فيه الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر العقاب ذكر الثواب، وإذا ذكرت صفات المؤمنين ذكرت صفات الكافرين، وهكذا لأجل أن يكون الإنسان حين يقرأ القرآن راغباً راهباً، إذا قرأ ما فيه ثواب المؤمنين رغب ورجا وأمل، وإذا قرأ ما فيه عقاب الكافرين خاف، ليكون سائراً إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، لا يأمن مكر الله، ولا ييأس من رحمة الله، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:" ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء فأيهما غلب هلك صاحبه ". يقول الله عز وجل: (( إن للمتقين مفازاً ))، والمتقون: هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، أحياناً يأمر الله بتقواه، وأحياناً يأمر بتقوى يوم الحساب، وأحياناً يأمر بتقوى النار، قال الله تعالى: (( واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار )) ، فجمع بين الأمر بتقواه والأمر بتقوى النار، وقال تعالى: (( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ))، فأمر بتقوى يوم الحساب، وكل هذا يدور على معنى واحد وهو: أن يتقي الإنسان محارم ربه فيقوم بطاعته وينتهي عن معصيته، فالمتقون هم الذين قاموا بأوامر الله واجتنبوا نواهي الله، هؤلاء لهم (( مفازاً ))، والمفاز هو مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً، فهم فائزون في أمكنتهم، وفائزون في أيامهم. يقول عز وجل (( حدائق وأعنابا )) هذا نوع المفاز، ((حدائق )): أي بساتين عظيمة الأشجار، كثيرة الأشجار، منوعة الأشجار، (( وأعناباً )): الأعناب جمع عنب وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر. (( وكواعب أترابا )) الكواعب جمع كاعب وهي التي تبيّن ثديها ولم يتدل، بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر، (( وأتراباً )) أي على سن واحدة لا تختلف إحداهن عن الأخرى كبراً كما في نساء الدنيا، لأنها لو اختلفت إحداهن عن الأخرى كبراً فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب. (( وكأساً دهاقاً )): أي كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر، وربما يكون للخمر وغيره، لأن الجنة فيها (( أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) ، والكأس الدهاق يعني المملوئة بالخمر، وربما يكون من الخمر وغيره. (( لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً )): لا يسمعون في الجنة لغواً أي كلاماً باطلاً لا خير فيه، (( لا كذاباً )) أي ولا كذباً فلا يكذبون، ولا يكذّب بعضهم بعضاً، لأنهم على سرر متقابلين قد نزع الله ما في صدورهم من غل وجعلهم أخواناً. (( جزاء من ربك عطاء حساباً )): أي أنهم يجزون بهذا جزاء من الله سبحانه وتعالى على أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا واتقوا بها محارم الله، وقوله عز وجل ((حساباً )) أي كافياً، مأخوذة من الحسب وهو الكفاية أي أن هذا الكأس كأس كافٍ لا يحتاجون معه إلى غيره لكمال لذته وتمام منفعته. ثم قال عز وجل:(( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن )) فالله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء، قال الله تعالى: (( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء )) ، فهو رب السماوات السبع الطباق، ورب الأرض وهي سبع كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، (( وما بينهما )): أي ما بين السماوات والأرض من المخلوقات العظيمة كالغيوم والسحب والأفلاك وغيرها مما نعلمه، ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. وقوله: (( لا يملكون منه خطاباً )): يعني أن الناس لا يملكون الخطاب من الله، ولا يستطيع أحد أن يتكلم إلا بإذن الله، وذلك (( يوم يقوم الروح )) وهو جبريل (( والملائكة صفًّا )) أي صفوفاً، صفًّا بعد صف، لأنه كما جاء في الحديث: ( تنزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بالخلق، ثم ملائكة السماء الثانية من وراءهم، ثم الثالثة والرابعة والخامسة ) وهكذا.. صفوفاً لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى. (( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً )): أي لا يتكلمون ملائكة ولا غيرهم كما قال تعالى: (( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً ))، (( إلا من أذن له الرحمن )) بالكلام فإنه يتكلم كما أُذن له، (( وقال صواباً )): أي قال قولاً صواباً موافقاً لمرضات الله سبحانه وتعالى وذلك بالشفاعة إذا أذن الله لأحد أن يشفع شفع فيما أذن له فيه على حسب ما أُذن له. قال الله تعالى (( ذلك اليوم الحق )): أي ذلك الذي أخبرناكم عنه هو اليوم الحق، والحق ضد الباطل أي الثابت الذي يقوم فيه الحق، ويقوم فيه العدل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أعانني الله وإياكم على ذلك اليوم. (( فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً )): أي من شاء عمل عملاً يؤوب به إلى الله ويرجع به إلى الله، وذلك العمل الصالح الموافق لمرضاة الله تعالى. وقوله: (( فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً )): قيدتها آية أخرى وهي قوله تعالى: (( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )): يعني أننا لنا الخيار فيما نذهب إليه لا أحد يكرهنا على شيء؛ لكن مع ذلك خيارنا وإرادتنا ومشيئتنا راجعة إلى الله (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ))، وإنما بين الله ذلك في كتابه من أجل أن لا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى مشيئته بل يعلم أنها مرتبطة بمشيئة الله، حتى يلجأ إلى الله في سؤال الهداية لما يحب ويرضى، لا يقول الإنسان أنا حر أريد ما شئت وأتصرف كما شئت، نقول الأمر كذلك لكنك مربوط بإرادة الله عز وجل. ثم قال تعالى (( إنا أنذرناكم عذاباً قريباً )): أي خوفناكم من عذاب قريب وهو يوم القيامة، يوم القيامة في الحقيقة يا إخواننا قريب، ولو بقيت الدنيا ملايين السنين فإنه قريب (( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ))، فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب، ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان. (( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه )) المرء: أي كل امرئ ينظر ما قدمت يداه ويكون بين يديه ويعطى كتابه، ويقال: (( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ))، ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول وما يشاهده من العذاب: (( يا ليتني كنت تراباً )): أي ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها ثم يقول كوني تراباً فتكون تراباً يتمنى أن يكون مثل البهائم، فقوله: (( كنت تراباً )) تحتمل ثلاثة معانٍ: المعنى الأول: ياليتني كنت تراباً فلم أُخلق، لأن الإنسان خُلق من تراب
. المعنى الثاني: ياليتني كنت ترابًا فلم أُبعث، أي كنت ترابًا في أجواف القبور.
أو المعنى الثالث
: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً فكانت تراباً قال: ليتني كنت تراباً أي كما كانت هذه البهائم ـ والله أعلم ـ وإلى هنا تنتهي سورة النبأ، وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل ما يكون موجباً للإيقان والإيمان، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه، وأن يجعله موعظة لقلوبنا، وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 08:03 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى