التَّخلُّص الشَّيخ بلقاسم بن ارْوَاقْ من الطُّرقية
09-02-2013, 10:54 AM
التَّخلُّص الشَّيخ بلقاسم بن ارْوَاقْ من الطُّرقية


فصلٌ مستل من الكتاب الفذّ :
الشَّيخ بلقاسم بن ارْوَاقْ: سيرته ومنهجه الإصلاحي
أعدَّهُ: الشَّيخ السَّلفي أبو محمّد سمير سمراد - حفظه الله



بسم الله الرحمن الرحيم



[الشَّيخ سمير سمراد-حفظه الله-] : يحدثِّنا بلقاسم عن نفسه ، فيقول : " كنت طُرُقيًّا في جملة أسرتي الَّتي ورثت ذلك خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ " ، لكن هذا الفتى ، لم يكن عاديًّا ، ولم يشبه سائر أضرابه وأقرانه ، مستسلمًا لكلِّ ما اعتاده وأَلِفَهُ ، لا يستخدم عقله ، ولا يُعْمل فكره .. يتلقَّى يبحث .. يعتقد ولا يفكِّر .. طاقات معطَّلة .. ومواهب مدفونة ، لم يكن هذا الطِّفل على صغر سنِّه وحداثته كهؤلاء ، بل كان لا يفتر عن البحث والتَّفكير ، والتَّفتيش عن الحقيقة ، إلى أن بلَّغه الله إيَّاها ، واهتدى إليها بنفسه ، فاستطاع أن يتخلَّص من الطُّرقيَّة ومن تأثيرها عليه ، تخلَّص من خرافة الشَّيخ والـمُرِيدِ ، ومصيدة الوِرْدِ والوظيفة ، وبشائر مفتريات ، ووعود مكذوبات ، لمن أخلص وتفانى في الخدمة ، فتنقَّى قلبه ، وتطهَّر فؤاده من هذه الخرافات ، وسلم من سيطرتها ، وانفكَّ عن تأثيرها ، عرف ذلك بفطرته ، وأدركه من تلقاء نفسه ، وهو يعملُ التَّفكير

يقول : " وكنت في كلِّ طوري باحثًا عن الحقيقة ومتشوِّقًا إليه حتَّى إذا عرفتها تمسَّكت بأذيالها عليها بالنَّواجذ وقد عافاني الله منها فرفضتها وأنا طفل لم أبلغ بعد الخامسة عشر من العمر فما ندمت يومًا ، على ذلك الرَّفض – وما ينبغي لي ذلك – وما استحييت من خضوعي للحقِّ وانتهاجي منهجه ..."

[الشَّيخ سمير سمراد-حفظه الله-] : هذا هو بلقاسم في هذه السِّنِّ المبكِّرة ، وهو لـَّما يبلغ الخامسة عشر من العمر ، في حين أنَّ الكثيرين قد شبُّوا على ذلك ، وشابوا عليه ، ولم يدركوا الحقَّ ، ولم يكتشفوا الحقيقة إلاَّ في أخريات أعمارهم ، ومنهم من أدركه في كهولته ، ومنهم في شبابه ، وقلَّ من يدرك ذلك في زمن الحداثة والطُّفولة ، ذلك فضل الله على بلقاسم ، أن فتح عقله صغيرًا ، وأنضج له فكرَه مبكِّرًا .

[الشَّيخ سمير سمراد-حفظه الله-] : ولا يفتوني هنا أن أشير إلى عاملٍ مهمٍّ في اهتداء بلقاسم إلى الحقِّ – زيادة على استعداده الفطري – وهو الدَّعوة الإصلاحيَّة الَّتي ظهرت أقوى ما تكون في منطقة بسكرة على يد العلاَّمة وداعية الإصلاح الدِّيني الكبير الزَّعيم الشَّيخ الطَّيِّب العقبي ، ومن انضمَّ إليه من إخوانه العلماء والأدباء ، والشَّباب النَّاهض ، فإنَّ القطر الجزائري لذلك العهد لم يعرف ثورة جارفة على البدع كما عرفتها المنطقة ، حصل بها قَلْبٌ لكلِّ المفاهيم الخاطئة في الأمَّة ، وزُلزل المبتدعون والضَّالُّون زِلْزَالاً شديدًا ، كان فيها الشَّيخ الطَّيِّب العقبي العالم الأوَّل والمصلح الدَّاعية الأوَّل ، وأصبح فلول الطُّرقيَّة الضَّالَّة ، ومبتدعوها من المشائخ والمقاديم ومعهم الأغرار من المريدين والإخوان .. يتوارون عن الأنظار حتَّى لا يتعرَّضوا لهذا السَّيل الجارف " [انظر : الطَّاهر فضلاء : "الشَّيخ الطَّيِّب العقبي رائدًا لحركة الإصلاح الدِّيني في الجزائر" (ص:52-53) ، وانظر : عن جراءة العقبي "رسالة الشِّرك" لمبارك الميلي (ص:284)]