تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
تفسير حزب سبح
30-05-2014, 08:28 PM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
نواصل نقل تفسير ما بدأناه من آي القرآن الكريم، وقد إخترنا هذا الجزء لشيوع حفظه بيننا وهو ما بدأنا حفظه ونحن صغار فيحسُن بنا فهم ما نقرأه فالعبرة بالتدبر لا بكثرة الحفظ،فأرجوا لكم متابعة نافعة
نبدأ بأول سورة (( سبح اسم ربك الأعلى )) البسملة سبق الكلام عليها، وأنها آية من كتاب الله مستقلة ليست من الفاتحة ولا من البقرة، ولا من آل عمران، ولا من أي سورة من القرآن، لكنها آية مستقلة تنزل في ابتداء كل سورة ولهذا كان الصحيح من الفاتحة أن أول آية فيها (( الحمد لله رب العالمين ))، والثانية (( الرحمن الرحيم )) والثالثة )) مالك يوم الدين (( والرابعة ))إياك نعبد وإياك نستعين (( والخامسة )) إهدنا الصراط المستقيم (( والسادسة (( صراط الذين أنعمت عليهم )) والسابعة (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) هذا هو القول الصحيح التي دلت عليه سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
يقول الله تعالى : (( سبح اسم ربك الأعلى )) الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يقوم الدليل على أنه خاص به فيختص به.
الثاني: أن يقوم الدليل على أنه عام فيعم.
الثالث: أن لا يدل دليل على هذا ولا على هذا، فيكون خاصًّا به لفظاً، عامًّا له وللأمة حكماً. مثال الأول: قوله تبارك وتعالى: (( ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك )) .ومثاله أيضاً قوله تعالى: (( وأرسلناك للناس رسولاً )). فإن هذا من المعلوم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومثال الثاني الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام، وفيه قرينة تدل على العموم: قوله تعالى: (( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن )). فوجه الخطاب أولاً للرسول عليه الصلاة والسلام،(( يا أيها النبي )) ولم يقل " يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم " قال: (( يا أيها النبي إذا طلقتم ))، ولم يقل: " يا أيها النبي إذا طلقت " قال: (( يا أيها النبي إذا طلقتم )) فدل هذا على أن الخطاب الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام موجه له وللأمة. وأما أمثلة الثالث: فهي كثيرة جداً يوجه الله الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، والمراد الخطاب له لفظاً وللعموم حكماً. هنا يقول الله عز وجل: (( سبح اسم ربك الأعلى )) (( سبح )) يعني نزه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، فإن التسبيح يعني التنزيه، إذا قلت: سبحان الله، يعني أنني أنزه الله عن كل سوء، عن كل عيب، عن كل نقص، ولهذا كان من أسماء الله تعالى " السلام، القدوس " لأنه متنزه عن كل عيب. ونحن نضرب لكم أمثلة: من صفات الله تعالى: الحياة ، هل في حياته نقص؟ لا ، وحياة المخلوق فيها نقص، أولاً: لأنها مسبوقة بالعدم فالإنسان ليس أزلياً. وثانياً: أنها ملحوقة بالفناء (( كل من عليها فان )). السمع، سمع الله عز وجل ليس فيه نقص يسمع كل شيء، حتى إن المرأة التي جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم والتي ذكر الله تعالى قصتها في سورة المجادلة، كانت تُحدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعائشة في الحجرة يخفى عليها بعض حديثها، والله تعالى يقول في كتابه: (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )). ولهذا قالت عائشة: " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات "، إن المرأة المجادلة لتشتكي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنه ليخفى علي بعض حديثها. إذن معنى (( سبح )) سبحان الله معناها أيش أنزه الله عن كل عيب ونقص. وقوله: (( اسم ربك الأعلى )) قال بعض المفسرين: إن قوله (( اسم ربك )) يعني مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناها: سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني لا تسبحه بالقلب فقط بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: (( فسبح باسم ربك العظيم )). يعني سبح تسبيحاً مقروناً بالاسم، وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون بالقلب، بالعقيدة، وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والمقصود أن يسبح بهما جميعاً بقلبه لافظاً بلسانه. وقوله (( ربك )) الرب معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فالله تعالى هو الخالق، وهو المالك، وهو المدبر لجميع الأمور، وهل المشركون يقرون بذلك؟ الجواب نعم يقرون بذلك (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )). (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )). وأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم إذا سئلوا (( أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله}. فهم يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه غيره، وهذا من الجهل، كيف تقر بأن الله وحده هو الخالق، المالك، المدبر للأمور كلها وتعبد معه غيره!! إذن معنى الرب هو الخالق، المالك، المدبر لجميع الأمور، وكل إنسان يقر بذلك يلزمه أن لا يعبد إلا الله، كما تدل عليه الايات الكثيرة: (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم )). قال: (( اعبدوا ربكم الذي خلقكم )) يعني لا تعبدون غيره. (( سبح اسم ربك الأعلى )) الأعلى : من العلو، وعلو الله عز وجل نوعان: علو صفة، وعلو ذات، أما علو الصفة: فإن أكمل الصفات لله عز وجل، قال تعالى: (( ولله المثل الأعلى )).
وأما علو الذات: فهو أن الله تعالى فوق عباده مستو على عرشه، والإنسان إذا قال: يا الله أين يتجه؟ يتجه إلى السماء إلى فوق، فالله جل وعلا فوق كل شيء مستو على عرشه. إذن (( الأعلى )) إذا قرأتها فاستشعر بنفسك أن الله عال بصفاته، وعال بذاته، ولهذا كان الإنسان إذا سجد يقول: سبحان ربي الأعلى، يتذكر بسفوله هو، لأنه هو الآن نزل فأنزل شيء هو هذا، فأشرف ما في الإنسان وأعلى ما في الإنسان هو وجهه ومع ذلك ينزله يجعله في الأرض التي تداس بالأقدام، فكان من الحكمة أن تقول: سبحان ربي الأعلى، يعني أنزه ربي الذي هو فوق كل شيء، لأني نزلت أنا أسفل كل شيء، فتسبح الله الأعلى بصفاته، والأعلى بذاته، وتشعر عندما تقول: سبحان ربي الأعلى، أن ربك تعالى فوق كل شيء، وأنه أكمل كل شيء في الصفات. ثم قال: (( الذي خلق فسوى )) (( خلق )) يعني أوجد من العدم، كل المخلوقات أوجدها الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: (( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له (( سبحان الله ،الله يقول له )) يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا (( اسكتوا )) إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه(( . والله مثل عظيم، كل الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً، ولو اجتمعوا له، لو يجتمع جميع الآلهة التي تعبد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذباباً واحداً ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، و الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدمت الصناعة هذا التقدم الهائل لو اجتمع كل هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدمياً آلياً ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابة، هذا الآدمي الآلي ما هو إلا آلات تتحرك فقط، لكن لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحتر، ولا تبرد، ولا تتحرك إلا بتحريك، الذباب لا يمكن أن يخلقه كل من سوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق وبماذا يخلق؟ بكلمة واحدة (( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )). (( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )). كلمة واحدة، الخلائق كلها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زجرها الله زجرة واحدة أخرجي فتخرج. (( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة )). (( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون )). كل العالم من إنس وجن، ووحوش وحشرات وغيرها كلها يوم القيامة تحشر بكلمة واحدة. إذن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يخلق معه، والخلق لا يعسره ولا يعجزه وهو سهل عليه ويكون بكلمة واحدة. وقوله (( فسوى )) خلق فسوى ، يعني سوى ما خلقه على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسبة، الإنسان مثلاً قال الله تعالى في سورة الانفطار: (( الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك )). (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )). لا يوجد في الخلائق شيء أحسن من خلقة الإنسان، رأسه فوق، وقلبه في الصدر، وعلى هيئة تامة، ولهذا أول من يدخل في قوله: (( فسوى )) هو تسوية الإنسان (( الذي خلق فسوى )) كل شيء يسوى على الوجه الذي يكون لائقاً به. (( والذي قدر فهدى )) قدر كل شيء عز وجل كما قال تعالى: (( وخلق كل شيء فقدره تقديراً )). قدره في حاله، وفي مآله، في ذاته، وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، فالآجال محدودة، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، كل شيء مقدر تقديراً كما قال تعالى: (( وخلق كل شيء فقدره تقديراً )). وقوله: (( فهدى )) يشمل الهداية الشرعية، والهداية الكونية،
الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: (( فمن ربكما يا موسى. قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى )). تجد كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، فالطفل الآن ـ انظر إلى الطفل ـ إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه، وانظر إلى أدنى الحشرات النمل مثلاً أين تضع بيوتها ؟ لا تضع بيوتها إلا في مكان مرتفع من الأرض على ربوة من الأرض ، لماذا ؟ تخشى من السيول تدخل بيوتها فتفسدها، أيضاً إذا جاء المطر وكان في جحورها، أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره لماذا ؟ لئلا يعفن، وهي قبل أن تدّخره تأكل أطرافها أطراف الحبة لئلا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهد مجرب من الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، هذه هداية كونية: أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه. أما الهداية الشرعية ـ وهي الأهم بالنسبة لبني آدم ـ فهي أيضاً بينها الله عز وجل حتى الكفار قد هداهم الله يعني بيّن لهم، قال الله تعالى: (( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى )). والعياذ بالله استحبوا الكفر على الإيمان والهداية الشرعية هي المقصود من حياة بني آدم (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )). وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، إذا علمنا أنه هو الخالق بعد العدم وأصابنا المرض إلى من نلجأ ؟ إلى الله ـ نلجأ إلى الله ـ لأن الذي خلقك وأوجدك من العدم قادر على أن يصحح بدنك، إذاً إلجأ إلى ربك، اعتمد عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء، لكن مع اعتقاد أن هذا الدواء مثلاً سبب من الأسباب جعله الله عز وجل، وإذا شفيت بهذا السبب فمن الذي شفاك الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواء سبباً لشفائك، ولو شاء لجعل هذا الدواء سبباً لهلاكك، فإذا علمنا أن الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلها إلى الله عز وجل، إذا علمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم وأن يحلنا وإياكم دار كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ........
يتبع...
يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير حزب سبح
31-05-2014, 05:56 PM
نواصل والله المستعان، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قال تعالى : (( سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى )) هذا وعد من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يقرئه القرآن ولا ينساه الرسول، يقرئه إياه و لا ينساه ، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجل إذا جاء جبريل يُلقي عليه الوحي فقال الله له: (( لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه )). فصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرأه، وهنا يقول: (( سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله )) يعني إلا ما شاء أن تنساه فإن الأمر بيده عز وجل (( يمحو الله ما يشاء ويثبت )). (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير. ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير )). وربما نُسّي النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية من كتاب الله ولكنه سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى: (( إنه يعلم الجهر )) أي أن الله تعالى يعلم الجهر، ما يجهر به الإنسان ويتكلم به مسموعاً. (( وما يخفى )) أي ما يكون خفيًّا لا يُظهر فإن الله يعلمه كما قال تعالى: (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )). فهو يعلم عز وجل الجهر ويعلم أيضاً ما يخفى. (( ونيسرك لليسرى )) وهذا أيضاً وعد من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن ييسره لليسرى، فما هي اليسرى ؟ اليسرى أن تكون أموره ميسرة، ولاسيما في طاعة الله عز وجل، ولما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما من أحد من الناس إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، كل بني آدم مكتوب مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، قالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل ـ يعني على ما كتب ـ قال: ( لا. اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له ) فأهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: (( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى )) وهذا الحديث يقطع حُجة من يحتج بالقدر على معاصي الله فيعصي الله ويقول: هذا مكتوب علي. نقول هذا غلط لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له ) هل أحد يحجزك عن العمل الصالح لو أردته؟ أبداً. هل أحد يجبرك على المعصية لو لم تردها؟ أبداً لا أحد، ولهذا لو أن أحداً أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثم، ولا يترتب على فعلك لها ما يترتب على فعل المختار لها، حتى إن الكفر وهو أعظم الذنوب، قال الله تعالى فيه: (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )). إذن نقول اعمل أيها الإنسان، اعمل الخير وتجنب الشر، حتى ييسرك الله لليسرى ويجنبك العسرى، فرسول الله صلى الله عليه وسلّم وعده الله بأن ييسره لليسرى فيسهل عليه الأمور، ولهذا لم يقع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة وضنك إلا وجد له مخرجاً عليه الصلاة والسلام. ثم أمره تعالى أن يذكر فقال: (( فذكر إن نفعت الذكرى )) يعني ذكر الناس، ذكرهم بآيات الله، ذكرهم بأيام الله، عظهم، (( إن نفعت الذكرى )) يعني في محل تنفع فيه الذكرى، وعلى هذا فتكون (( إن )) شرطية والمعنى إن نفعت الذكرى فذكر، وإن لم تنفع فلا تذكر، لأنه لا فائدة من تذكير قوم نعلم أنهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية. وقال بعض العلماء: المعنى ذكر على كل حال، إن كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذكرى فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنه لا يُذكر إلا إذا نفعت، بل المعنى ذكر إن كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير، فالمعنى على هذا القول: ذكر بكل حال، والذكرى سوف تنفع. تنفع المؤمنين، وتنفع الُمذكِّر أيضاً، فالمذكر منتفع على كل حال، والمذَّكر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفع بها فإن ذلك لا ينقص من أجر المذِّكر شيئاً، إذاً نحن نذكر سواء نفعت الذكرى أم لم تنفع. وقال بعض العلماء: إن ظن أن الذكرى تنفع وجبت، وإن ظن أنها لا تنفع فهو مخير إن شاء ذكر وإن شاء لم يذكر. ولكن على كل حال نقول: لابد من التذكير حتى وإن ظننت أنها لا تنفع، فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناس أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب، وإما حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرم، قال الناس: لو كان هذا محرماً لذكَّر به العلماء، أو لو كان هذا واجباً لذكَّر به العلماء، فلابد من التذكير ولابد من نشر الشريعة سواء نفعت أم لم تنفع. (( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى )) أفلح مأخوذ من الفلاح والفلاح كلمة جامعة وهو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب هذا هو معنى الفلاح فهي كلمة جامعة لكل خير رادعة من كل شر وقوله (( من تزكى )) مأخوذ من التزكية وهو التطهير ومنه سميت الزكاة زكاة لأنها تطهر الإنسان من أخلاق الرذيلة وخلق البخل كما قال تعالى (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم )) إذاً تزكى يعني تطهر، ومن أي شيء تزكى ؟ يتزكى أولاً من الشرك بالنسبة لمعاملة الله أي فيعبد الله مخلصاً له الدين لا يرائي ولا يسمع ولا يطلب جاهاً ولا رئاسة بما يتعبد به لله عز وجل وإنما يريد بهذا وجه الله والدار الآخرة ، تزكى باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام حيث لا يبتدع في شريعته، لا بقليل ولا بكثير، لا بالاعتقاد، ولا بالأقوال، ولا بالأفعال، وهذا أعني التزكي بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام هو اتباع من غير ابتداع لا ينطبق تماماً إلا على الطريقة السلفية، طريقة أهل السنة والجماعة الذين يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على الطريقة السلفية الذين لا يبتدعون في العبادات القولية، ولا في العبادات الفعلية شيئاً في دين الله، تجدهم يتبعون ما جاء به الشرع خلافاً لما يصنعه بعض المبتدعة في الأذكار المبتدعة إما في نوعها، وإما في كيفيتها وصفتها، وإما في أدائها كما يفعله بعض أصحاب الطرق من الصوفية وغيرهم. كذلك يتزكى بالنسبة لمعاملة الخلق بحيث يطهر قلبه من الغل والحقد على إخوانه المسلمين فتجده دائماً طاهر القلب يحب لإخوانه ما يحب لنفسه لا يرضى لأحد أن يمسه سوء، بل يود أن جميع الناس سالمون من كل شر، موفقون لكل خير. فصارت التزكية لها ثلاثة متعلقات: الأول؟ منكم الجواب: في حق الله، والثاني؟ في حق الرسول، والثالث؟ في حق عامة الناس. في حق الله: يتزكى من الشرك فيعبد الله تعالى مخلصاً له الدين. في حق الرسول: يتزكى من الابتداع، فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العقيدة والقول والعمل. في معاملة الناس: يتزكى من الغل والحقد والعداوة والبغضاء وكل ما يجلب ذلك، كل ما يجلب العداوة والبغضاء بين المسلمين يتجنبه، ويفعل كل ما فيه المودة والمحبة ومن ذلك، من ذلك إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( والله لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم )، فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبة والمودة بين المسلمين، وهذا شيء مشاهد: إن مر بك رجل ولم يسلم عليك صار في نفسك شيء، وإذا لم تسلم عليه أنت صار في نفسه شيء لكن لو سلمت عليه أو سلم عليك صار هذا كالرباط بينكما يوجب المودة والمحبة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في السلام: ( وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف )، وأكثر الناس اليوم إذا سلم يسلم على من يعرف، وأما من لا يعرفه فلا يسلم عليه، وهذا غلط، لأنك إذا سلمت على من تعرف لم يكن السلام خالصاً لله، سلم على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبة المسلمين بعضهم لبعض، وتمام الإيمان، والنهاية دخول الجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها.

يُتبع....
يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية LILI.nas
LILI.nas
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 06-06-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 3,555
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • LILI.nas will become famous soon enough
الصورة الرمزية LILI.nas
LILI.nas
شروقي
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير حزب سبح
01-06-2014, 06:01 PM
وفيك بارك الله،اللهم إجعلنا ممن يستمع للقول فيتبع أحسنه
يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير حزب سبح
01-06-2014, 06:14 PM
نواصل مع الجزء الأخير من صورة سبح
قال الله عزّ وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(( وذكر اسم ربه فصلى )) يعني ذكر اسم الله تعالى بالتعبد له، فصلى، ويدخل في ذكر اسم الله الوضوء مثلاً، فالوضوء من ذكر اسم الله، أولاً: لأن الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالاً لأمر الله. وثانياً: أنه إذا ابتدأ وضوءه قال: بسم الله، وإذا انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. ومن ذكر الله عز وجل خطبة الجمعة، فإن خطبة الجمعة من ذكر الله، لقول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )). وعلى هذا فقوله : (( وذكر اسم ربه )) يعني الخطيب يوم الجمعة (( فصلى )) أي صلاة الجمعة. فهذه الآية تشمل كل الصلوات التي يسبقها ذكر، وما من صلاة إلا ويسبقها ذكر في الغالب؛ نعم قد يصلي الإنسان صلاة قد توضأ فيها من قبل لكن الغالب أن الإنسان يتوضأ قبيل الصلاة فيذكر اسم الله ثم يصلي. وقول الله تبارك و تعالى في سورة الأعلى (( سيذكر من يخشى. ويتجنبها الأشقى )) إلى آخره ، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكّر فقال (( فذكر إن نفعت الذكرى ) ثم قال (( سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى )) فبيّن تعالى أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين:
القسم الأول: من يخشى الله عز وجل، أي يخافه خوفاً عن علم لعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذكّر بآيات ربه تذكر كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: (( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًّا وعمياناً )). فمن يخشى الله ويخاف الله إذا ذكر ووعظ بآيات الله اتعظ وانتفع.
أما القسم الثاني: فقال: (( ويتجنبها الأشقى )) أي يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها الأشقى و(( الأشقى )) هنا اسم تفضيل من الشقاء وهو ضد السعادة كما في سورة هود: (( فأما الذين شقوا ففي النار )). (( وأما الذين سعدوا ففي الجنة )). فالأشقى ـ والعياذ بالله ـ المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع بالذكرى، ولهذا قال: (( الذي يصلى النار الكبرى. ثم لا يموت فيها ولا يحيى )) الذي يصلى النار الموصوفة بأنها (( الكبرى )) وهي نار جهنم؛ لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة لها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة )، أي أن نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءاً، والمراد بنار الدنيا كلها أشد ما يكون من نار الدنيا فإن نار الآخرة فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً ولهذا وصفها بقوله: (( النار الكبرى )) ثم إذا صلاها (( لا يموت فيها ولا يحيى )) المعنى لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة سعيدة، وإلا فهم أحياء في الواقع لكن أحياء يعذبون (( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها )). كما قال الله عز وجل (( ونادوا يا مالك )) وهو خازن النار (( ليقض علينا ربك )) يعني ليهلكنا ويريحنا من هذا العذاب (( قال إنكم ماكثون )) ولا راحة ويقال لهم: (( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون )). هذا معنى قوله: (( لا يموت فيها ولا يحيى )) لأنه قد يشكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حي ولا ميت؟ والإنسان إما حي وإما ميت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتة يستريح بها، ولا يحيى حياة يسعد بها، فهو ـ والعياذ بالله ـ في عذاب وجحيم، وشدة يتمنى الموت ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: (( ثم لا يموت فيها ولا يحيى )). وقد سبق الكلام على قوله تعالى (( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى )) ، وبينا أن المراد بقوله تزكى أي بنفسه أي زكاها وأخرجها من رجس الشرك إلى زكاة التوحيد . وقول الله تبارك وتعالى : (( فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى )) بقي من قوله تعالى (( قد أفلح من تزكى )) هذه الجملة جملة فعلية مؤكدة بقد (( قد أفلح ))، والفلاح كلمة عامة يراد بها النجاة من المكروه والفوز بالمحبوب ، وقوله من تزكى أي من تطهر ظاهره وباطنه ، فتطهر باطنه من الشرك بالله عز وجل ومن الشك ومن النفاق ومن العداوة للمسلمين والبغضاء وغير ذلك من مما يتطهر القلب منه ، وتطهر ظاهره من إطلاق لسانه وجوارحه في العدوان على عباد الله عز وجل فلا يغتاب أحداً ولا ينم عن أحد ولا يسب أحداً ولا يعتدي على أحد بضرب أو جحد مال أو غير ذلك، فالتزكي كلمة عامة تشمل التطهر من كل درن ظاهر أو باطن (( وذكر اسم ربه فصلى)) ذكر اسم ربه فصلى : أي ذكر الله لكنه ذكر سبحانه وتعالى ذكر الاسم لأجل أن يكون الذكر باللسان لأن الذكر باللسان ينطق اللسان به فيه باسم الله فيقول مثلاً: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فيذكر اسم الله، وقد ذكر بعض العلماء أن المراد بذكر اسم الله هنا خطبة الجمعة لقوله بعد ذلك (( فصلى )) ولكن الصحيح أنها أعم من هذا أن المراد به كل ذكر اسم الله عز وجل أي كلما ذكر الإنسان اسم الله اتعظ وأقبل إلى الله فصلى ، والصلاة معروفة هي عبادة ذات أقوال وأفعال، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم. ثم قال تعالى: (( بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى )) (( بل )) هنا للإضراب الانتقالي، لأن بل تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي، أي أنه سبحانه وتعالى انتقل ليبين حال الإنسان أنه مؤثر للحياة الدنيا لأنها عاجلة، والإنسان خلق من عجل، ويحب ما فيه العجلة، فتجده يؤثر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصفها دنيا، دنيا زمناً، ودنيا وصفاً، أما كونها دنيا زمناً فلأنها سابقة على الآخرة فهي متقدمة عليها، والدنو بمعنى القرب. وأما كونها دنيا ناقصة فكذلك هو الواقع فإن الدنيا مهما طالت بالإنسان فإن أمدها الفناء، ومنتهاها الفناء، ومهما ازدهرت للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمر بك يوم في سرور إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:
فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر.
تأمل حالك في الدنيا تجد أنه لا يمر بك وقت ويكون الصفو فيه دائماً بل لابد من كدر، ولا يكون السرور دائماً بل لابد من حزن، ولا تكون راحة دائماً بل لابد من تعب، فالدنيا على اسمها دنيا. (( والآخرة خير وأبقى )) الآخرة خير من الدنيا وأبقى، خير بما فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا ينغص بكدر (( لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين )). كذلك أيضاً هي أبقى من الدنيا؛ لأن بقاء الدنيا كما أسلفنا قليل زائل مضمحل، بخلاف بقاء الآخرة فإنه أبد الآبدين. (( إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى )) (( إن هذا )) أي ما ذكر من كون الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمنته الآيات من المواعظ (( في الصحف الأولى )) أي السابقة على هذه الأمة (( صحف إبراهيم وموسى )) وهي صحف جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوب وتصلح به الأحوال، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن أوتي في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، ووقاه الله عذاب النار .


فاللهم إنفعنا بما علمتنا وعلمنا ماينفعنا إنّك جواد كريم وبلإجابة جدير نعم المولى ونعم النصير،وإلى لقاء آخر مع سورة أخرى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية LILI.nas
LILI.nas
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 06-06-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 3,555
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • LILI.nas will become famous soon enough
الصورة الرمزية LILI.nas
LILI.nas
شروقي
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير حزب سبح
06-06-2014, 09:18 AM
السلام عليكم
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده وعلى آله وصحبه، نواصل نقل التفسير الممتع لشيخ العثيمين عليه رحمة الله ونصل اليوم إلى سورة الغاشية

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَشِيَةِ )) والبسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها بل هي آية مستقلة ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة وأن أول الفاتحة هي (( الحمد لله رب العالمين )) وهلم جرا، يقول الله تعالى (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَشِيَةِ )) والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإما لمن يصح خطابه وهذا يأتي في القرآن كثيراً يوجه الله الخطاب ويكون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح خطابه إلا أنه أحياناً يتعين أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام مثل (( ألم نشرح لك صدرك )) (( ألم نشرح لك صدرك )) ، هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول عليه الصلاة والسلام (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )) هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحياناً يترجح العموم مثل (( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء )) فهذا أول خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وآخره ( إذا طلقتم) عام . فقوله (( هل أتاك حديث الغاشية )) يجوز أن يكون الخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحده وأمته تبعاً له، ويجوز أن يكون عاماً لكل من يتأتى خطابه، والاستفهام هنا للتشويق فهو كقوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )). ويجوز أن يكون للتعظيم لعظم هذا الحديث عن الغاشية. (( حديث الغاشية )) أي نبأها، و(( الغاشية )) هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، وهي يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة مثل قوله تعالى: (( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد )). ثم قسم الله سبحانه وتعالى الناس في هذا اليوم إلى قسمين فقال: (( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة )) (( خاشعة )) أي ذليلة كما قال الله تعالى: (( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي )). فمعنى خاشعة يعني ذليلة. (( عاملة ناصبة )) عاملة عملاً يكون به النصب وهو التعب. قال العلماء: وذلك أنهم يكلّفون يوم القيامة بجر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم ـ والعياذ بالله ـ ، كما يخوض الرجل في الوحل، فهي عاملة تعبة من العمل الذي تكلف به يوم القيامة؛ لأنه عمل عذاب وعقاب نسأل الله العافية ، وليس المعنى كما قال بعض الناس إن المراد بها: الكفار الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وذلك لأن الله قيد هذا بقوله: (( وجوه يومئذ )) أي يومئذ تأتي الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة. إذن فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها منها. (( تصلى ناراً حامية )) أي تدخل في نار جهنم – والعياذ بالله- ، في النار الحامية التي بلغت من حموها أنها فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا، يعني نار الدنيا كلها بما فيها من أشد ما يكون من حرارة نار جهنم أشد منها بتسعة وستين جزءًا، ويدلك على شدة حرارتها أن هذه الشمس حرارتها تصل إلينا مع بعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواء باردة غاية البرودة وتصل لنا هذه الحرارة التي تدركونها ولاسيما في أيام الصيف ، النار أعاذنا الله وإياكم منها ، نار حامية (( تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع ))، لما بين مكانهم والعياذ بالله ، وأنهم في نار جهنم الحامية، بين طعامهم وشرابهم فقال: (( تسقى )) أي هذه الوجوه (( من عين آنية )) أي شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكل سهولة، أو كلما عطشوا سقوا، لا وإنما يأتي كلما اشتد عطشهم واستغاثوا كما قال تعالى: (( وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب )). هذا الماء إذا قرب من وجوههم شواها وتساقط لحمها، وإذا دخل في أجوافهم ، يقول عز وجل: (( وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعائهم )). إذن لا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً، لا ظاهراً بالبرودة يبرد الوجوه، ولا باطناً بالري، ولكنهم ـ والعياذ بالله ـ يغاثون بهذا الماء ولهذا قال: (( تسقى من عين آنية )). فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفئ النار؟ أليس كذلك ، فالجواب: أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، لو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليس الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على قدر ميل، والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شيًّا، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا. أيضاً يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، منهم من هو في ظلمة شديدة، ومنهم من هو في نور (( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم )). يحشرون في مكان واحد ويعرقون، منهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حِقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد. إذن أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا. فلو قال قائل كيف يكون الماء في النار ؟ قلنا أولاً: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا . ثانياً: أن الله على كل شيء قدير، ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار كما قال تعالى: (( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون )). الشجر الأخضر رَطِب، ومع ذلك إذا ضرب بعضه ببعض، أو ضرب بالزند انقدح خرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير، فهم يسقون من عين آنية في النار ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل. أما طعامهم فقال: (( ليس لهم طعام إلا من ضريع. لا يسمن ولا يغني من جوع )) الضريع قالوا: إنه شجر ذو شوك عظيم إذا يبس لا يرعاه ولا البهائم، وإن كان أخضر رعته الإبل ويسمى عندنا الشبرق، هذا الضريع شجر ذو شوك إذا يبس لا يرعى لأنه شوك وإذا كان أخضر ترعاه الأبل فهم ـ والعياذ بالله ـ في نار جهنم ليس لهم طعام إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظن أن الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا فهو يختلف عنه اختلافاً عظيماً، ولهذا قال: (( لا يسمن )) فلا ينفع الأبدان في ظاهرها {ولا يغني من جوع} فلا ينفعها في باطنها فهو لا خير فيه ليس فيه إلا الشوك، والتجرع العظيم، والمرارة، والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئاً.

يتبع....
يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير حزب سبح
07-06-2014, 03:04 PM
نواصل....
ثم ذكر الله عز وجل القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية فقال: و(( وجوه يومئذ ناعمة )) على قول الله تبارك وتعالى : {وجوه يومئذ ناعمة} على قول الله تعالى : (( وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين )) قسم الله سبحانه وتعالى الناس يوم القيامة إلى قسمين ، القسم الأول: وجوه عاملة خاشعة ناصبة وسبق الكلام على ذلك ، والقسم الثاني: وجوه ناعمة أي ناعمة بما أعطاها الله عز وجل من السرور والثواب الجزيل؛ لأنها علمت ذلك وهي في قبورها، فإن الإنسان في قبره ينعم، يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، فهي ناعمة (( لسعيها راضية )) أي لعملها الذي عملته في الدنيا راضية لأنها وصلت به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح، فهي راضية لسعيها بخلاف الوجوه الأولى فإنها غاضبة ـ والعياذ بالله ـ غير راضية على ما قدمت. (( في جنة عالية )) الجنة هي دار النعيم التي أعدّها الله عز وجل لأوليائه يوم القيامة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تبارك وتعالى: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )). وقال تبارك وتعالى: (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم للزكاة فاعلون )) إلى قوله: (( أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون )). وقال الله تعالى: (( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون )). فهم في (( جنة عالية )) العلو ضد السفول فهي فوق السماوات السبع، ومن المعلوم أنه في يوم القيامة تزول السماوات السبع والأرضون ولا يبقى إلا الجنة والنار فهي عالية وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الرب جل وعلا. (( لا تسمع فيها لاغية )) أي لا تسمع في هذه الجنة قولةً لاغية، أو نفساً لاغية، بل كل ما فيها جد، كل ما فيها سلام، كل ما فيها تسبيح، تحميد، تهليل، تكبير، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، أي أنه لا يشق عليهم ولا يتأثرون به، فهم دائماً في ذكر الله عز وجل، وتسبيح وأنس وسرور، يأتي بعضهم إلى بعض يزور بعضهم بعضاً في حبور لا نظير له نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها . (( فيها عين جارية )) وهذه العين بيّن الله عز وجل أنها أنهار (( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )). (( جارية )) أي تجري حيث أراد أهلها لا تحتاج إلى حفر ساقية، ولا إقامة أخدود كما قال ابن القيم رحمه الله:
أنهارها في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان
(( فيها سرر مرفوعة. وأكواب موضوعة. ونمارق مصفوفة. وزرابي مبثوثة ))
انظر للتقابل (( فيها سرر مرفوعة )) عالية يجلسون عليها يتفكهون (( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون )). (( وأكواب موضوعة )) الأكواب جمع كوب وهو الكأس ونحوه (( موضوعة )) يعني ليست مرفوعة عنهم، بل هي موضوعة لهم متى شاءوا شربوا فيها من هذه الأنهار الأربعة التي سبق ذكرها. (( ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة )) النمارق جمع نمرقة وهي الوسادة أو ما يتكىء عليه. (( مصفوفة )) على أحسن وجه تلتذ العين بها قبل أن يلتذ البدن بالاتكاء إليها. (( وزرابي مبثوثة )) الزرابي أعلى أنواع الفرش (( مبثوثة )) منشورة في كل مكان، ولا تظنوا أن هذه النمارق، وهذه الأكواب، وهذه السرر، وهذه الزرابي لا تظنوا أنها تشبه ما في الدنيا؛ لأنها لو كانت تشبه ما في الدنيا لكنا نعلم نعيم الآخرة، ونعلم حقيقته لكنها لا تشبهه لقول الله تعالى: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )). إنما الأسماء واحدة والحقائق مختلفة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط "، فنحن لا نعلم حقيقة هذه النعم المذكورة في الجنة وإن كنا نشاهد ما يوافقها في الاسم في الدنيا لكن فرق بين هذا وهذا. وقول الله تعالى (( أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ )).لما قرّر الله عز وجل في هذه السورة حديث الغاشية وهي يوم القيامة، وبيّن أن الناس ينقسمون إلى قسمين: وجوه خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية، ووجوه ناعمة لسعيها راضية، وبين جزاء هؤلاء وهؤلاء، قال: (( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )) وهذا الاستفهام للتوبيخ، أي إن الله يوبخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة، وعن الثواب والعقاب، أنكر عليهم إعراضهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها إلى غير ذلك من المنافع فقال: (( أفلا ينظرون إلى الإبل )) وهي الأباعر (( كيف خلقت )) يعني كيف خلقها الله عز وجل، هذا الجسم الكبير المتحمل، تجد البعير تمشي مسافات طويلة التي لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة، وتجد البعير أيضاً يحمل الأثقال وهو بارك ثم يقوم في حمله لا يحتاج إلى مساعدة، والعادة أن الحيوان لا يكاد يقوم إذا حُّمل وهو بارك لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوة وقدرة من أجل مصلحة الإنسان، لأن الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمة لطولها، ولكن الله تعالى يسر لهم الحمل عليها وهي باركة ثم تقوم بحملها، وكما قال الله تعالى في سورة يس: (( ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون )). منافعها كثيرة لا تحصى، وأهلها الذين يمارسونها أعلم منا بذلك، فلهذا قال: (( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )) ولم يذكر سواها من الحيوان كالغنم والبقر والظبى وغيرها لأنها أعم الحيوانات نفعاً وأكثرها مصلحة للعباد. (( وإلى السماء كيف رفعت )) يعني وينظرون إلى السماء كيف رفعت بما فيها من النجوم، والشمس، والقمر وغير هذا من الآيات العظيمة التي لم يتبين كثير منها إلا الآن، ولا نقول إن هذه الآيات السماوية هي كل الآيات، بل لعل هناك آيات كبيرة عظيمة لا ندركها حتى الآن، وقوله: (( كيف رفعت )) أي رفعت هذا الارتفاع العظيم، ومع هذا فليس لها عمد مع أن العادة أن السقوف لا تكون إلا على عمد، لكن هذا السقف العظيم المحفوظ قام على غير عمد (( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها )). (( وإلى الجبال كيف نصبت )) هذه الجبال العظيمة التي تحمل الصخور والقطع المتجاورات المتباينات، الجبال مكونة من أحجار كثيرة وأنواع كثيرة، فيها المعادن المتنوعة وهي متجاورة ومع ذلك تجد مثلاً هذا الخط في وسط الصخر تجده يشتمل على معادن لا توجد فيما قرب منه من هذا الصخر، ويعرف هذا أهل " الجيولوجيا " كيف نصب الله هذه الجبال العظيمة، ونصبها جل وعلا بهذا الارتفاع لتكون رواسي في الأرض لئلا تميد بالناس، لولا أن الله عز وجل خلق هذه الجبال لمادت الأرض بأهلها، لأن الأرض في وسط الماء، الماء محيط بها من كل جانب، وما ظنك بكرة تجعلها في وسط ماء سوف تتحرك وتضطرب، وتتدحرج أحياناً، وتنقلب أحياناً لكن الله جعل هذه الجبال رواسي تمسك الأرض كما تمسك الأطناب الخيمة، وهي راسية ثابتة على ما يحصل من الأرض من الأعاصير العظيمة التي تهدم البنايات التي بناها الآدميون لكن هذه الجبال لا تتزحزح راسية ولو جاءت الأعاصير العظيمة، بل إن من فوائدها: أنها تحجب الأعاصير العظيمة البالغة التي تنطلق من البحار، أو من غير البحار لئلا تعصف بالناس، وهذا شيء مشاهد تجد الذين في سفوح الجبال وتحتها في الأرض تجدهم في مأمن من أعاصير الرياح العظيمة التي تأتي من خلف الجبل، ففيها فوائد عظيمة، وهي رواسي لو أن الخلق اجتمعوا على أن يضعوا سلسلة مثل هذه السلسلة من الجبال ما استطاعوا إلى هذا سبيلاً مهما بلغت صنعتهم، وقوتهم، وقدرتهم، وطال أمدهم فإنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذه الجبال. وقد قال بعض العلماء: إن هذه الجبال راسية في الأرض بمقدار علوها في السماء، يعني مثلاً أن الجبل له جرثومة وجذر في داخل الأرض في عمق يساوي ارتفاعه في السماء، وليس هذا ببعيد أن يُمكّن الله لهذا الجبل في الأرض حتى يكون بقدر ما هو في السماء لئلا تزعزعه الرياح فلهذا يقول الله عز وجل: (( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم هم يهتدون )).


يتبع.....
يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير حزب سبح
08-06-2014, 07:46 PM
السلام عليكم
نواصل اليوم مع الجزء الأخير من سورة الغاشية
يقول عز وجل: (( وإلى الجبال كيف نصبت )) (( وإلى الأرض كيف سطحت )) كيف سطح الله هذه الأرض الواسعة، وجعلها سطحاً واسعاً ليتمكن الناس من العيش فيه بالزراعة والبناء وغير هذا، وما ظنكم لو كانت الأرض صبباً غير مسطحة يعني مثل الجبال يرقى لها ويصعد لكانت شاقة، ولما استقر الناس عليها، لكن الله عز وجل جعلها سطحاً ممهداً للخلق، وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الأرض ليست كروية بل سطح ممتد لكنّ هذا الاستدلال فيه نظر، لأن هناك آيات تدل على أن الأرض كروية، والواقع شاهد بذلك فيقول الله عز وجل: (( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل )). والتكوير التدوير، ومعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض، فإذا كانا مكورين لزم أن تكون الأرض مكورة، وقال الله تبارك وتعالى: (( إذا السماء انشقت. وأذنت لربها وحقت. وإذا الأرض مدت. وألقت ما فيها وتخلت )). فقال: (( وإذا الأرض مدت )) وقد جاء في الحديث أنها يوم القيامة تمد مد الأديم أي مد الجلد حتى لا يكون فيها جبال، ولا أودية، ولا أشجار، ولا بناء، يذرها الرب عز وجل قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، فقوله: (( إذا السماء انشقت )) متى تنشق السماء ؟ كلنا يعرف أنها لا تنشق إلا يوم القيامة وهي الآن غير منشقة إذاً قوله: (( إذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت )) يعني يوم القيامة فهي إذاً الآن غير ممدودة، إذاً فما هي ! إذاً مكورة، والواقع المحسوس المتيقن الآن أنها كروية لا شك، والدليل على هذا أنك لو سرت بخط مستقيم من هنا من المملكة متجهاً غرباً لأتيت من ناحية الشرق، تدور على الأرض ثم تأتي إلى النقطة التي انطلقت منها، وكذلك بالعكس لو سرت متجهاً نحو المشرق وجدتك راجعاً إلى النقطة التي قمت منها من نحو المغرب، إذاً فهي الآن أمر لا شك فيه أنها كروية. فإذا قال الإنسان: إذا كانت كما ذكرت كروية فكيف تثبت المياه، مياه البحار عليها وهي كروية؟ نقول في الجواب عن ذلك: الذي أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه يمسك البحار أن تفيض على الناس فتغرقهم، والله على كل شيء قدير، قال بعض أهل العلم: (( وإذا البحار سجرت )) أي حبست ومنعت من أن تفيض على الناس كالشيء الذي يُسجر يربط، وعلى كل حال القدرة الإلهية لا يمكن لنا أن نعارض فيها. نقول قدرة الله عز وجل أمسكت هذه البحار أن تفيض على أهل الأرض فتغرقهم، وإن كانت الأرض كروية. ثم قال عز وجل لما بين من آياته هذه الآيات الأربع: الإبل، والسماء، والجبال، والأرض قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (( فذكر )) أمره الله أن يذكر ولم يخصص أحداً بالتذكير، أي لم يقل ذكّر فلاناً وفلاناً فالتذكير عام، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُعث إلى الناس كافة، ذكّر كل أحد في كل حال وفي كل مكان، فذكّر النبي عليه الصلاة والسلام، وذكّر خلفاؤه من بعده الذين خلفوه في أمته في العلم والعمل والدعوة، ذكّروا، ولكن هذه الذكرى هل ينتفع بها كل الناس؟ الجواب: لا، (( ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )). أما غير المؤمن فإن الذكرى تقيم عليه الحجة لكن لا تنفعه، لا تنفع الذكرى إلا المؤمن، ونقول إذا رأيت قلبك لا يتذكر بالذكرى فاتهمه، ليش ؟ لعدم الإيمان لعدم الإيمان ، لأن الله يقول: (( ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) فإذا ذُكرت ولم تجد من قلبك تأثراً وانتفاعاً فاتهم نفسك، واعلم أن فيك نقص إيمان، لأنه لو كان إيمانك كاملاً لانتفعت بالذكرى، لابد أن تنفع المؤمن. (( إنما أنت مذكر )) يعني أن محمداً عليه الصلاة والسلام ليس إلا مذكراً مبلغاً، وأما الهداية فبيد من ؟ بيد الله عز وجل، (( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء )). وقد قام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالذكرى والتذكير إلى آخر رمق من حياته حتى أنه في آخر حياته يقول: ( الصلاة، الصلاة وما ملكت أيمانكم )، حتى جعل يغرغر بها عليه الصلاة والسلام، فذكّر صلوات الله وسلامه عليه منذ بعث وقيل له (( قم فأنذر )). إلى أن توفاه الله، لم يأل جهداً في التذكير في كل موقف، وفي كل زمان على ما أصابه من الأذى من قومه ومن غير قومه، والذي قرأ منكم التاريخ ـ السيرة النبوية ـ يعرف ما جرى له من أهل مكة من قومه الذين هم أقرب الناس إليه، والذين كانوا يعرفونه، ويسمونه بالأمين يلقبونه بذلك ويثقون به حتى حكّموه في وضع الحجر الأسود في الكعبة حينما هدموا الكعبة ووصلوا إلى حد الحجر قالوا من ينصب الحجر، فتنازعوا بينهم كل قبيلة تقول نحن الذين نتولى وضع الحجر في مكانه، حتى جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحكّموه فيما بينهم وأمر أن يوضع رداء وأن تمسك كل طائفة من هذه القبيلة أن يمسك كل واحد من هذه القبائل بطرف من هذا الرداء حتى يرفعوه، فإذا حاذوا محله أخذه هو بيده الكريمة ونصبه في مكانه، فكانوا يسمونه بالأمين لكن لما أكرمه الله تعالى بالنبوة انقلبت المعايير، فصاروا يقولون إنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وكذاب، ورموه بكل سب، فالرسول عليه الصلاة والسلام يذكّر وليس عليه إلا التذكير، ومن هنا نأخذ أننا نحن لا يجب علينا أن نهدي الخلق ولا يمكننا أن نهدي الخلق أبداً ، لا يمكن أن نهدي أقرب الناس إلينا (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )). فلا نجزع إذا ذكّرنا إنساناً ووجدناه يعاند، أو يخاصم، أو يقول من أعرف من ، أنا أعمل ما شئت، أو ما أشبه ذلك. قال الله تعالى لنبيه: (( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين )). لا تهلك نفسك إذا لم يؤمنوا، إيمانهم لهم وكفرهم ليس عليك ولهذا قال: (( لست عليهم بمصيطر )) يعني ليس لك سلطة عليهم، ولا سيطرة عليهم، لمن السلطة والسيطرة ؟ لله رب العالمين، أنت عليك البلاغ بلغ، أن يعمل الناس بذلك لا ، هذا إلى الله عز وجل ، والسلطان والسيطرة لله عز وجل. (( إلا من تولى وكفر. فيعذبه الله العذاب الأكبر )) قال العلماء: (( إلا )) هنا بمعنى لكن يعني أن الاستثناء في الآية منقطع وليس بمتصل، والفرق بين المتصل والمنقطع أن المتصل يكون فيه المستثنى من جنس المستنثى منه، والمنقطع يكون أجنبيًّا منه، فمثلاً لو قلنا إنه متصل لصار معنى الآية " لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فأنت عليهم مصيطر " وليس الأمر كذلك بل المعنى: لكن من تولى وكفر بعد أن ذكرته فيعذبه الله العذاب الأكبر. فمن تولى وكفر بعد أن بلغه الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وآله سلّم فإنه سيعذب (( إلا من تولى وكفر )) التولي يعني الإعراض فلا يتجه للحق، ولا يقبل الحق، ولا يسمع الحق، حتى لو سمعه بأذنه لم يسمعه بقلبه كما قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون. ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون )). أي لا ينقادون. فهنا يقول عز وجل: (( إلا من تولى وكفر )) (( تولى )) أعرض، (( وكفر )) أي استكبر ولم يقبل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام (( فيعذبه الله العذاب الأكبر )) يعذبه الله العذاب الأكبر يعني يوم القيامة قال الله تعالى(( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر )) والعذاب الأكبر يوم القيامة ، وهنا قال (( الأكبر )) ولم يذكر المفضل عليه يعني لم يقل الأكبر من كذا فهو قد بلغ الغاية في الكبر والمشقة والإهانة والعياذ بالله ، وكل من تولى وكفر فإن الله يعذبه العذاب الأكبر. هل هناك عذاب أصغر ؟ نقول نعم هناك عذاب أصغر في الدنيا قد يبتلى المتولي المعرض بأمراض في بدنه، في عقله، في أهله، في ماله، في مجتمعه، وكل هذا بالنسبة لعذاب النار عذاب أصغر، لكن العذاب الأكبر إنما يكون يوم القيامة ولهذا قال بعدها: (( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم )) يعني إلينا إيابهم أي مرجعهم، فالرجوع إلى الله مهما فرّ الإنسان فإنه راجع إلى ربه عز وجل لو طالت به الحياة راجع إلى الله، ولهذا قال تعالى: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه )). فاستعد يا أخي لهذه الملاقاة لأنك سوف تلاقي ربك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ـ مباشرة بدون مترجم يكلمه الله يوم القيامة ـ فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه ـ يعني على اليسار ـ فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة )، كلنا سيخلو به ربه عز وجل يوم القيامة ويقرره بذنوبه، يقول: فعلت كذا في يوم كذا، حتى يقر ويعترف، فإذا أقر واعترف قال الله تعالى: ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم )، وكم من ذنوب سترها الله عز وجل، كم من ذنوب اقترفناها لم يعلم بها أحد ولكن الله تعالى علم بها، موقفنا من هذه الذنوب أن نستغفر الله عز وجل، وأن نكثر من الأعمال الصالحة المكفرة للسيئات حتى نلقى الله عز وجل ونحن على ما يرضيه سبحانه وتعالى. (( إنا إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم )) نحاسبهم، قال العلماء: وكيفية الحساب ليس مناقشة يناقش الإنسان، لأنه لو يناقش هلك، لو يناقشك الله عز وجل على كل حساب هلكت، لو ناقشك في نعمة من النعم كالبصر لا يمكن أن تجد أي شيء تعمله يقابل نعمة البصر، نعمة النَّفَس، الذي يخرج ويدخل بدون أي مشقة، وبدون أي عناء، الإنسان يتكلم وينام، يأكل ويشرب، ومع ذلك لا يحس بالنفس، ولا يعرف قدر النفس إلا إذا أصيب بما يمنع النفس، حينئذ يذكر نعمة الله، لكن مادام في عافية يقول هذا شيء طبيعي، لكن لو أنه أصيب بكتم النفس لعرف قدر النعمة، فلو نوقش لهلك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: ( من نوقش الحساب هلك ) أو قال ( عذب )، لكن كيفية الحساب: أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به بنفسه ليس عندهما أحد ويقرره بذنوبه فعلت كذا فعلت كذا، فعلت كذا حتى إذا أقر بها قال الله تعالى: ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم )، أما الكفار فلا يحاسبون هذا الحساب لأنه ليس لهم حسنات تمحو سيئاتهم لكنها تحصى عليهم أعمالهم، ويقررون بها أمام العالم، ويحصون بها، وينادى على رؤوس الأشهاد (( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين )). ـ نعوذ بالله من الخذلان ـ

وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة وهي إحدى السورتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وآله سلّم يقرأ بهما في المجامع الكبيرة، فقد كان يقرأ في صلاتي العيدين (( سبح اسم ربك الأعلى )) و(( هل أتاك حديث الغاشية )) وكذلك في صلاة الجمعة، ويقرأ أحياناً في العيدين (( ق. والقرآن المجيد )) و(( اقتربت الساعة وانشق القمر ))، وفي الجمعة سورة الجمعة والمنافقين، ينوع مرة هذا، ومرة هذا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم ناعمة لسعيها راضية، وأن يتولانا بعنايته في الدنيا والآخرة، إنه على كل شيء قدير. .

يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير حزب سبح
10-06-2014, 07:19 PM
سورة الفجر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،بسم الله الرحمان الرحــــيم
قال الله سبحانه وتعالى : (( والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر )) كل هذه إقسامات بالفجر، وليال عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها، الأول: الفجر (( والفجر )) هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة، إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول، يعني أحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس، وأحياناً تقصر حسب الفصول، والفجر فجران: فجر صادق، وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا الفجر الصادق، والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق يكون عرضاً يمتد من الشمال إلى الجنوب. الفرق الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده، بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة، فإنه يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول. الفرق الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة، هذه ثلاثة فروق آفاقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك، لأن الأنوار تحجب هذه العلامات. وأقسم الله بالفجر لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال ، انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع، وأقسم الله به لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: (( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون )) وأقسم الله بالفجر لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل: إمساك الصائم، فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه، ويترتب عليه أيضاً: دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما دخول وقت الصلاة، أي أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حالة الصوم، لماذا ؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل، لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثَمَّ ندعوكم ـ أيها الإخوة ـ إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني العناية بدخول وقت صلاة الفجر، لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر وهذا غلط، لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، ومتى يكون حضور الصلاة ؟ أسألكم ، إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح يجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة. وقوله تعالى: (( وليال عشر )) قيل المراد بـالليالي العشر عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام ليالي، لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام يراد بها الليالي، وقيل المراد بـالليالي العشر، ليال العشر الأخيرة من رمضان. أما على الأول الذين يقولون المراد بالليال العشر عشر ذي الحجة، فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ( ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ). وأما الذين قالوا: إن المراد بالليال العشر هي ليال عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي وما هي الأيام، وقالوا: إن ليال العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها أنها(( خير من ألف شهر ))، وقال: (( ليلة مباركة )).وقال ((فيها يفرق كل أمر حكيم )) ، وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني أنها الليالي العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها، ولأن فيها ليلة القدر، ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض الإسلام وأركان الإسلام، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي. وأما قوله: (( والشفع والوتر )) فقيل: إن المراد به كل الخلق، كل الخلق إما شفع وإما وتر، صح ، كل الخلق إما شفع وإما وتر والله عز وجل يقول: (( ومن كل شيء خلقنا زوجين )). فالعبادات إما شفع وإما وتر، فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً من شفع ووتر، وكل ما كان مشروعاً من شفع ووتر، وقيل: المراد بالشفع الخلق كلهم، والمراد بالوتر الله عز وجل. واعلموا أن قوله والوتر فيها قراءتان صحيحتان (( والوِتر )) و(( الوَتر )) يعني لو قلت (( والشفع والوِتر )) صح ولو قلت (( والشفع والوَتْر )) صح أيضاً، فقالوا إن الشفع هو الخلق؛ لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين (( ومن كل شيء خلقنا زوجين )) والوَتْر أو الوِتر هو الله لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إن الله وتر يحب الوتر )، وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها الآية، وهذه القاعدة في علم التفسير أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين وأحدهما لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً. قال تعالى: (( والليل إذا يسر )) أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسري، والسري: هو السير في الليل، والليل ـ كما نعلم ـ يسير يبدأ بالمغرب وينتهي بطلوع الفجر فهو يمشي الزمن يمشي ما يتوقف، فهو دائماً في سريان، فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات كصلاة المغرب، والعشاء، وقيام الليل، والوتر وغير ذلك، ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: ( من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ) ولهذا نقول: إن الثلث الآخر من الليل إنه وقت إجابة، فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد ويدعو الله سبحانه وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة لعله يصادف ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه.............
يامن عدى ثم اعتدى ثم اقترف**** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشِر بقول الله في تنزيله**** ان ينتهو يغفر لهم ماقد سلف
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 07:39 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى