في ذكرى غزو العراق / خمس سنوات من الدماء والدموع
19-03-2008, 01:31 PM
فــي الذكرى الخامسة لغزو العراق .
خمس سنوات من الدماء والدموع
في مثل هذه الأيام من سنة 2003 م كانت بداية تنفيذ مشروع عصابة السطو المسلح العالمية ، المشروع الذي استهدف محو جزء عزيز على قلوبنا من خريطة العالم العربي والإسلامي،وإزالة حضارة بعمر آلاف السنين من أهم منجزاتها أول قانون مدون على مر التاريخ ((تشريعات حمورابي))، في مثل هذه الأيام كانت بداية الزحف المغولي الجديد على مدينة السلام ، عاصمة الرشيد بغداد.
رغم التحذيرات التي صدرت حينها والتي أجمعت على أن غزو العراق سيفتح أبواب الجحيم على الإدارة الأمريكية وربما على المنطقة بكاملها ورغم ملايين الحناجر التي خرجت تهتف في كل أصقاع العالم " لا للحرب على العراق " إلا أن عصابة السطو المسلح بالتنسيق مع بعض شياطين الإنس ممن غدروا ببني جلتهم وتنكروا لجميل وطنهم ،وأثخنوا في ظهور إخوانهم في الإنسانية والعقيدة ،شنت حربا ظالمة على العراق الجريح وكان قبل ذلك قد حوصر حصارا خانقا ما يقارب 12 سنة كان من نتائجه الوخيمة وفاة مليون ونصف مليون طفل عراقي بسبب المرض ونقص الأدوية ، جحوش الاستعمار كانوا قد أوعزوا إلى إدارة الاحتلال أن الشعب العراقي سيستقبل جحافل الغزو بالورود والزغاريد والأناشيد الحماسية والقبلات الحارة ، لكن الذي استقبلهم على أرض المستنقع العراقي تمثل في المقاومة العراقية الباسلة بحديدها الملتهب ونارها المتوهجة ، الغزاة استقبلوا بالرصاص والعبوات الناسفة والصواريخ المضادة للطائرات والقذائف الخارقة للدروع والقنص وغيرها من العمليات الجريئة التي حولت أحلام المحتل إلى محرقة حقيقية وفرملت المشروع الاستعماري الذي كان معدا سلفا للمنطقة عند حدود بلاد الرافدين .
اليوم تمر خمس سنوات على عملية الغزو التي فشلت في تحقيق أهدافها البعيدة المدى ،ونحن نرفض أن نسميه (سقوط العراق) ، لأن العراق لم ولن يسقط إلا عندما يتمكن المحتل من إسكات آخر بندقية تقاوم ،وهو أمر نراه من المستحيلات بالنظر إلى وقائع ومجريات الأحداث في تلك الديار، الذي سقط بعد سنوات الغزو الخمسة هو المشروع الاستعماري الإمبراطوري الأمريكي في المنطقة الذي يترنح وسط رمال العراق المتحركة ، الذي سقط هو الأقنعة الخادعة لحكام المحميات الأمريكية في المنطقة العربية الذين يذرفون دموع التماسيح على حال الشعب العراقي المفجوع في حين التاريخ يشهد أنهم كانوا مطية الاحتلال نحو بغداد ، الذي سقط هو هذا المجتمع المتأمرك الذي يسميه البعض (دوليا) والذي غض الطرف عن الاحتلال وإفرازاته المشؤومة بل وتواطأ معه بإرسال قوات إلى العراق لمحاربة المقاومة تحت مسمى (قوات متعددة الجنسيات؟ )الذي سقط هو هذا المكتب التابع لوزارة الخارجية الأمريكية ويحلو للبعض أن يسميه (مجلس الأمن) حيث لم يتوانى عن شرعنة الاحتلال في سابقة خطيرة تعيدنا بالذاكرة إلى تجربة عصبة الأمم الفاشلة بعد الحرب العالمية الأولى ، الذي سقط هو حكومة فيشي العميلة المذعورة والمتحصنة داخل المنطقة الخضراء والمكونة من خدم نطوا إلى سدة الحكم من على ظهور دبابات المحتل وطائراته وتحت حماية حرابه ، الذي سقط هو بعض عمائم الإفتاء وبعض الأقلام المأجورة التي دعمت الغزو السافر دونما أدنى حياء.
سنوات الغزو الخمسة وكما أصبح معروفا لدى الجميع ، حولت العراق إلى فوضى أقل ما يقال عنها أنها عارمة ولا مثيل لها ، نستدل على هذا بآخر تقرير صدر عن "منظمة العفو الدولية بمناسبة الذكرى الخامسة للاحتلال حيث ورد فيه مايلي :
العراق أصبح من أكثر البلدان خطرا في العالم ، مئات الأشخاص يقتلون كل شهر ، الفقر وانقطاع الكهرباء والماء ، نقص الغذاء والدواء ، العنف المتصاعد ضد النساء والفتيات ، عمليات القتل المبرمج من طرف الميليشيات الطائفية ، التعذيب وسوء المعاملة واحتجاز الآلاف بدون محاكمة من طرف قوات أمن حكومة فيشي الجديدة ، ملايين الدولارات أنفقت على الأمن بدون فائدة تذكر ، ثلاثة عراقيين من أصل أربعة محرومين من الماء الصالح للشرب ، ثلث السكان يعيشون على المساعدات الدولية العاجلة ، نصف الفئة العاملة تعاني من البطالة الخانقة ، أربعة عراقيين من أصل عشرة يعيشون تحت عتبة خط الفقر أي بأقل من دولار في اليوم ، 23 ألف معتقل في محتشدات المحتل في معسكرين كوبر غرب بغداد وبوكا في البصرة ، 60 ألف معتقل في محتشدات حكومة فيشي الجديدة.
في ذكرى الغزو أيضا صدر تقرير عن العالم العراقي الدكتور" نور الدين الربيعي "الأمين العام لاتحاد المجالس النوعية للأبحاث العلمية ورئيس أكاديمية البحث جاء فيه أن العراق شهد طيلة سنوات الاحتلال عمليات تصفية ممنهجة ضد العلماء وتم حرق المجلدات العلمية التي أنفقت عليها ما يفوق عشرة ملايير من الدولارات ، كما أشار التقرير إلى أن 80 ٪ من عمليات الاغتيال الغادرة مست العاملين في الجامعات مثل جامعة بغداد والموصل والمستنصرية والبصرة ، 62 ٪ من العلماء المغدور بهم يحملون شهادة دكتوراه ثلثهم مختصون بالعلوم والطب ، العراق فقد 5500 عالم منذ الغزو إما هاجروا قسرا وإما استهدفتهم رصاصات الغدر......
رغم كل هذه الأحوال والمحن التي تزداد فظاعة مع مرور الأيام لم يتوانى الرئيس الأمريكي المهزوم عن التصريح في ذكرى الاحتلال أن قوات الغزو حققت نجاحات لا يستهان بها؟ ولسنا ندري على أي كوكب يعيش هذا الرجل وعن أي نجاحات كان يتحدث ؟ النجاح الوحيد الذي حققته الإدارة الأمريكية بفعل الاحتلال هو تحويل العراق الجريح إلى خراب وإلى بركة كبيرة من الدماء ، هذا النجاح المزعوم يتمثل في توريط الجيش الأمريكي في دائرة مغلقة ومستنقع لا مخرج منه يبدو في الأفق بفعل التكاليف المالية المتصاعدة للاحتلال والسقوط المريع للعملة الأمريكية في السوق العالمية وخلاصة القول أن غزو العراق كان بمثابة قفزة في الهواء ومعروف لدى العام والخاص أن القفز في الهواء يؤدي بصاحبه حتما إلى السقوط المريع والهلاك المحتوم.
الذي يمكن الإشارة إليه بالإيجاب بعد سنوات الغزو الخمسة هو هذه المقاومة العراقية البطلة وهو فرسان المعالي وأحرار الرافدين الذين ألحقوا بالمحتل الأمريكي ثاني هزيمة نكراء بعد هزيمة الفيتنام الشهيرة ، المقاومة العراقية التي أسقطت حكومات ودحرجت رؤوسا كبيرة نحو قاع الهاوية كان أبرزهم المقاتل العجوز دونالد رامسفيلد وزير الحرب السابق في إدارة السطو المسلح ، المقاومة التي رغم الجراح وخذلان الأشقاء وتكالب الأعداء أثبتت أن القوة العسكرية والعتاد الحربي الحديث والاستناد إلى العملاء والأقلام المأجورة والمرتزقة والميليشيات والأنظمة الديكتاتورية لا يصنع الدول والحكومات بل يسقطها ويرسل بها إلى الجحيم ، المقاومة التي حولت أكابر رؤوس عصابة السطو المسلح إلى لصوص يتسللون إلى العراق خفية وسط
تكتم شديد وحراسة برية وجوية مكثفة داخل سجنهم الكبير المنطقة الخضراء.
في الذكرى الخامسة للاحتلال نألم لحال الشعب العراقي الجريح ،نألم لدماء الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ التي تسيل أنهارا يوميا بين أزقة بلاد الرافدين بفعل سياسة الاحتلال المتهورة ، نألم لحال أهلنا المأسورين المعذين في سجون الاحتلال ومحتشدات عملائه ، نألم لحال أخواتنا العراقيات الماجدات اللواتي يتعرضن يوميا للاختطاف وهتك الأعراض،نألم لحال علمائنا الأفاضل الأئمة وخطباء المساجد الذين قضوا نحبهم غدرا بسبب مجاهرتهم بقول كلمة الحق "لا للاحتلال ، نعم للمقاومة "، نألم لحال اللاجئين الذين يعيشون ظروف عصيبة للغاية على أراضي دول الجوار الجغرافي للعراق المحتل ، لكن أملنا كبير جدا في المقاومة العراقية بفضل الله تعالى أن توفق إلى نسف المشروع الاحتلالي الأمريكي في العراق وطرد المحتل يجر أذيال الهزيمة النكراء وإن كل المؤشرات تدل على قرب حلول هذا اليوم الموعود الذي ربما يراه بعض خدم المارينز بعيدا بينما نراه قريبا باذن الله.
مقاومة ، مقاومة ، مقاومة ، شعارنا ونهجنا المقاومة ، خيارنا النضال لدحر الاحتلال وليس في حسابنا المساومة.
لن نهون ، نحن أشبال الغزاة الفاتحين ، بالدماء سوف تعلو راية النصر المبين.

بقلم جمــاعي لخضـر / ولاية تندوف
[email protected]