لهذا أؤيد كعربي سوريا الأسد
22-08-2012, 05:13 PM
لهذا أؤيد كعربي سوريا الأسد


حرصت طوال الأزمة ألا أكتب إلا قليلًا فقط دون إفراط إذ تهيأ لي أن الوقت مازال مبكرًا للكتابة..

لكن الآن وصلنا لمفترق الطرف، وبتنا على مجرى نهر لا ينفع معه السكوت أو الانتظار، فإما أحدد موقفي أو أصمت للأبد، ولأنه في البدء كانت الكلمة، فقد قررت كتابة كلمتي وإجابة سؤال هام هو لماذا أؤيد (كعربي) سوريا الأسد، هذا مقال لن أشارك في التعليق عليه، وأكتفي بما أكتب معبرًا عن وجه نظر خاصة هدفها المصلحة المصرية وحدها، ومعبرة أيضًا عن مصلحة سوريا في النهاية.

قبل أن نتحدث عن الآني من الأحداث علينا أن نقوم بإطلالة على الماضي حتى يستقيم مجرى النهر ولا يكون تحليلنا السياسي مبنيًا على فرع الشجرة لا جذعها، حيث تضرب جذورها في الأرض. إطلالتنا لحدثين هما نسخة كربونية من أحداث اليوم بسوريا، الفارق الوحيد أنها اليوم في ظرف دولي خاص مختلف عن الحدثين السابقين، ولهذا امتدت النيران كثيرًا ولم تنطفئ سريعًا..

* أحداث 1964:
بالعام 1964 بدأت سلسلة من الأحداث العدائية للدولة البعثية عبر مساجد المدن الرئيسية بتنظيم من الإخوان المسلمين ضد السلطة البعثية واعتبارها سلطة لا دينية ملحدة وجبت إزالتها، ولعبت السفارتان العراقية -!!- والمصرية دورًا أساسيًا في دعم الاضطرابات، ومعهما مد سعودي ندر أن يلتقي بالمد المصري في تلك الحقبة. كانت حماة معقل الإخوان المسلمين مركز الاضطرابات، ومنها خرج السلاح لإزالة حزب البعث، متحالفين مع ملاك الأراضي الكبيرة بحمص وحماة وأصحاب رؤوس الأموال. ومع أبريل 1964 انفجرت الحرب المسلحة بين الإخوان وحلفائهم والدولة السورية، ولعب الشيخ محمود الحامد ومروان حديد دورًا أساسيًا في التحريض على المواجهات بأُسس دينية شملت قتل البعثيين وتمزيق الجثث، والهجوم على محلات الخمور وتدميرها، انتهت الأحداث حين تدخل آمر الحرس القومي حمد عبيد بالدبابات وقصف الأحياء السكنية، حيث يتحصن المسلحون، وتم تدمير مسجد كبير يخزنون فيه السلاح والأفراد لتنتهي الأحداث مؤقتًا إلى مرحلة قادمة.

* أحداث 1982:
بدءًا من يونيو 1979 قامت ميليشيا إسلامية متعددة تتصدرها ميليشيا الإخوان بعمليات ضد الكليات العسكرية ومخافر الشرطة ونقاط الجيش ومسئولي حزب البعث في اغتيالات وتفجيرات وخطف وقتل مستمرين، ومارست الميليشيا أعمالها كالمعتاد بين الأحياء الصغيرة المكتظة بالسكان، بل وامتد الأمر لقتل الشيوخ المعارضين لعملياتهم مثل الشيخ محمد الشامي المذبوح في المسجد أمام الكل!، واستمر الصدام مع النظام على هيئة ضربة ضد ضربة، إلا أن الأمر انفجر بالعام 1980 حين تولى رفعت الأسد قيادة عمليات تصفية الإرهاب، وقد قدم رأيه (وكان على حق) أن الصمت وتبادل الضربات لن يصلح شئ، فالقضاء على الخصم هو الحل، عبر عامي 1980 و1981 قامت القوات البرية والمحمولة جوًا حتى وصل الأمر لقيام زوج ابنة رفعت الأسد بالانتقام لموت مجموعة من الطلاب العسكريين بقتل 500 سجين من الأوان في زنانزينهم!!! ومع العام 1982 كانت التفجيرات المفخة بالشوارع تحصد العسكريين والمدنيين في عمليات استهدفت كل ما يمت للدولة بصلة، لكن القوات العسكرية كانت قد قلصت وجود الميليشيا حتى باتت محاصرة بحماة معقل الإخوان المسلمين. في فبراير 1982 تم قتل 20 جنديًا بحماة فكان الحادث دافعًا لرفعت الأسد- مع حوادث أخرى- لإنهاء الأزمة تمامًا والقضاء على المسلحين المحتشدين بالأحياء السكنية تمامًا وبأي ثمن. قامت قوات رفعت الأسد بالهجوم الشامل على المدينة حتى أجبرت بقايا المسلحين على الهرب لأحياء الكيلاني والبارودي، وهناك تمت عملية تدمير الأحياء، وتم القضاء على ميليشيا الإسلاميين بعد خسائر بلغت عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين، وكانت الاتهامات تتجه للأردن والسعودية والمخابرات الأمريكية بتدبير الأحداث، وأقر الملك الحسين بعد سنوات بأن الأردن كانت على خطأ لاشتراكها في صناعة الأحداث.

هنا نجد أن الماضي قد شارك الحاضر في عدة نقاط:
1- المسلحون يحتشدون بالضواحي والأحياء الصغيرة حتى يضطر الجيش لعدم ضربهم، وإلا قتل مدنيين، وفي حالة ضربهم يتم تصوير المدنيين باعتبارهم ضحايا للجيش بغض النظر عن المسئول أصلًا عن موتهم حين عرضهم للخطر واحتشد وسطهم.
2- الأردن والسعودية لعبا دورًا رئيسيًا في صناعة أزمتي 1964 و1982، واليوم تتكرر المواقف، بالإضافة لدور تركي، ولهذا قصة أخرى في هذا المقال.
3- الجيش دومًا يواجه بموقف ديني عقائدي تكفيري، والميليشيا سنية بقيادة أغلبها إخوانية مسلحة تكفر الحكم والدولة، لكن- وإلى اليوم- يتعامل الخارج معها باعتبارها حركات مدنية تسعى لدولة حديثة.


فماذا عن اليوم؟

في التالي أسئلة أجيب عنها، وفيها وجهة نظري الكاملة:
لماذا أرفض تأييد المعارضة؟
1- المعارضة المسلحة عبارة عن ميليشيا متعددة سلفية متطرفة في أغلبها من عدة جنسيات، ولا يمكن قبول أن يحلوا محل النظام، وإلا دمرت سوريا بحكم قيادة الميليشيا كما رأينا في الأسلوب الميليشياوي بالصومال وأفغانستان، فهم أهل حرب عصابات لا حكم وإدارة.
2- الميليشيا مدعومة من الخارج، مما يجعل المصلحة السورية مخترقة بمصالح أجنبية من دول ذات أطماع في سوريا (تركيا تحديدًا كعدو تاريخي لسوريا، وهنا التاريخ يتحدث، وعلينا الصمت) مما يجعل وصول الميليشيا للحكم خطرًا على الوطن السوري.
3- المعارضة السياسية ممزقة تمامًا ومختلفة لدرجة الشجار والتطاحن، وتكرر هذا مرتين باسطنبول ومرة في القاهرة، فالمعارضة لا يمكن أن تكون مؤهلة لإمساك زمام الأمور، وستسقط البلاد في فوضى مدمرة.
4- الميليشيا المعارضة طائفية، وهي صاحبة النفوذ على المعارضة السياسية الممزقة سلفًاً، أحاديثهم تدور على غرار دولة السنة: إزالة الحكم النصيري.. الدولة السورية الإسلامية، بل إن كتائبهم يتم إعلانها بأسماء القعقاع وحذيفة وأم المؤمنين الخ الخ، وهذا في بلد كسوريا معناه حرب أهلية طائفية على غرار الحرب اللبنانية 1975-1990.

ما هي مصلحة مصر (من وجهة نظري الخاصة) في بقاء الأسد؟
1- ليس من مصلحة مصر الاستراتيجية أن تنفرد الولايات المتحدة بالنفوذ في الشرق الأوسط، فلابد من توازن ولو بسيط بين النفوذ الأمريكي ومحور سوريا إيران، والاختلال لصالح النفوذ الأمريكي بإزالة نظام الأسد سيضر مصر بشدة بحكم أنه سيزيد موقف إسرائيل قوة بالمنطقة.
2- سوريا هي الداعم الوحيد للمقاومة بالمنطقة، ومصدر تسليحها من إيران، ولو زال الأسد سيزول حزب الله بمرور الوقت، ويدخل لبنان حرب داخلية في سبيل هذا، والنظام البديل بحكم داعميه ومموليه واتجاهاتهم وطائفيتهم لن يساعدوا المقاومة.
3- سوريا دولة متعددة الطوائف، والحكم العلماني السكري نجح في حفظ توازنها، لكن لو انتهى لصالح المعارضة الهشة سياسيًاً المحكومة بميليشيا مرتزقة وطائفية، فسنرى انفجارًا طائفيًا سيمتد إلينا سريعًا، والعراق نموذج.
4- سوريا تساعد على الضغط السياسي ضد "إسرائيل" بدعم المقاومة، فهي تعجز عن شن حرب ضد إسرائيل لأن العرب قبل الغرب لن يساعدوها بل سيقفوا متفرجين، وربما مؤيدين لإسرائيل (حرب لبنان 2006 نموذجًاً)، فليس من صالح مصر إزالة الضغط بالمنطقة وإقامة نظام يتضح الآن من تحالفاته ومموليه وخلفياتهم أنهم سيتخلون عن دعم المقاومة.
5- النظام البعثي الاشتراكي السوري مثل لمصر فرصة للتصدير المستمر الذي تجاوز المليار دولار، والنظام البديل سيطيح بالمنهج الاشتراكي ويفتح السوق السوري للبضائع الأوروبية، مما سيدمر قدرات التصدير المصرية كما حدث مع العراق بعد الاحتلال الأمريكي.

ماذا تريد تركيا من سوريا؟
1- الحلم الأتاتوركي القديم بمد الحدود التركية لتشمل حلب-الموصل، ويبدو أن هذا الحلم العبثي مؤثر بشدة لدي الحكومة التركية.
2- تركيا تريد فرض النظام في المناطق السورية الكردية بالقتل كما يحدث لكرد العراق، أو بالاحتلال كما هو متوقع. فمع انهيار الإدارة المركزية وتولي ميليشيا متعددة الحكم بإدارة سياسية مهلهلة سيكون الحل التدخل الأجنبي، والذي سيصير غالبًا قوات عربية مشتركية وتدخل تركي على الحدود السورية.
3- لتركيا مصالح اقتصادية كبرى مع سوريا، وهي بدأت العداء مع النظام السوري الحالي، فهي تريد نظام بديل للأسد يصادقها ويساعدها في ضمان التدفق الاقتصادي.
4- تهدف تركيا لتحويل سوريا لسوق للمنتجات التركية، فالمنهجية الاشتراكية وأفكار الصناعة الوطنية والاكتفاء الذاتي ليست مناسبة تمامًا للمصالح التركية، وسوق حر مفتوح أفضل، وهذا لن يتم إلا بإزالة نظام الأسد.

ماذا تريد الولايات المتحدة من سوريا؟
1- تفكيك الجيش العربي السوري باعتباره الجيش الوحيد الذي مازال يعلن العداء لإسرائيل ويمثل خطرًا مستقبليًا عليها.
2- إزالة النظام السوري المتعاون مع إيران وإحلال نظام عبر الميليشيا المدعومة منها ومن شريكتها الأطلسية تركيا، يحل الولايات المتحدة محل إيران وروسيا عسكريًا.
3- إعادة تكوين الجيش السوري بعقائد (مسالمة) وسلاح أمريكي وقوة نيران محدودة بحيث يكون القرار العسكري بيد الولايات المتحدة (النموذج المصري الساداتي) كما حدث بالعراق بعد الاحتلال.
4- إزالة النهج الاشتراكي الاقتصادي وإلغاء نظريات السوق المحدود والاكتفاء الذاتي وفتح السوق السوري للبضائع الغربية (نموذج التحول الاشتراكي للرأسمالية بأوروبا الشرقية تحديدًاً) مع خصصة أدوات الإنتاج الحكومية وتسليمها لقطاع خاص بنسبة أجنبية محددة.
5- قدر الإمكان الحصول على (تسهيلات) عسكرية بسوريا على غرار نفس التسهيلات الممنوحة لإيران وروسيا تدعم التواجد العسكري (مع العلم بأن أمريكا عمليًا ربما لا تحتاج هذه الفترة لوجود قواعد لها بإيطاليا وتركيا، وتسهيلات بإسرائيل ومصر ولبنان).

ماذا تريد إسرائيل؟
بالنسبة لإسرائيل فهناك جناحان متصارعان:
أ) جناح يرى أن نظام الأسد أفضل فهو معروف ولن يشن حربًا لضعف جيشه واستحالة تأييد سوريا من أي بلد عربي، ودوره التخريبي قاصر على تمويل حزب الله، وهذا الأخير ساكن منذ عام 2000 لم يتحرك إلا لرد الضربات الإسرائيلية، أما البديل فهو الفوضى وتفكك الحدود وهجوم عناصر مسلحة متطرفة دينيًا على إسرائيل، مما يجعل بقاء النظام الأسدي أفضل من الفوضى القادمة.
ب) جناح يرى أن إزالة نظام الأسد أفضل بكثير، فهو نظام يمول أو يمرر كل طلقة تضرب إسرائيل منذ وصول البعث للحكم، والعقيدة الأسدية ترفض أي سلام بدون الجولان، أما النظام الضعيف القادم فسيقبل. كذلك النظام الحالي لدية جيش متماسك وجيد مسلح من روسيا بعلاقات قوية مع إيران، أما بديل الأسد بطائفيته سيفكك الجيش حتمًا على غرار ما حدث بلبنان (الجيش العربي اللبناني-الفرقة السادسة- القوات المارونية الخ الخ) مما يجعل إزالة النظام أقل ضررًا من بقاء النظام، باعتبار البقاء يجعل خطر دعم حماس فلسطين وحزب الله مستمرًا، وإسرائيل منذ 1973 لم تقاتل ضد أي جيش، بل فقط ضد حماس والمقاومة اللبنانية.

إلى الآن تميل الحكومة الإسرائيلية إلى الجناح الثاني، مع تبني الجناح الأول من قبل سياسيين كُثر، لكن المؤكد أن إسرائيل هي الرابح لو أزيل جيش عدو ونظام متماسك على الحدود..

نهايةً، فإن الضمير الوطني والعقل السياسي يحتمان تلك الكلمة:
لا شئ اسمه حقوق إنسان حين نتحدث عن سياساتنا الخارجية، فقط مصلحتنا بأي وسيلة، وبأي طريق، فالآخر لن يتعامل إلا بهذا النهج فقط. إن الزمان الذي كانت فيه قيم العروبة والإخوة تحرك سياساتنا قد انتهى، ويحضرني موقف شكري القوتلي الذي فجر أنابيب البترول المارة بأرض سوريا وهو رئيس الجمهورية السورية أثناء العدوان الثلاثي على مصر تضامنًا معنا، وأدى هذا لانهيار قيمة الجنية الاسترليني، هذا الزمان حيث نحيا، من العبث أن نجد فيه من يصيح بالعروبة لتبرير عمليات ضد الأسد بينما يهين العهد الناصري!

مصلحة مصر في بقاء بشار الأسد، ومصير سوريا- من وجهة نظري- سيكون سيئ بعد الأسد، ولا قيمة حقيقية للتحليل السياسي بدون ربط تاريخي، ولا منطق سليم في القرار الخارجي بدون إعلاء قيم المصلحة المصرية. باسم الثورة ندعم ميليشيا سلفية متطرفة لتدمر الجيش السوري، وباسم الثورة ندعم تدخل دولي بسوريا، وباسم الثورة سنلعن الثورة السورية يومًا ما.

* إن الجيش السوري في مجمل من قتلهم من مدنيين لا يتحمل وحده المسئولية، بل ميلشيا الجيش السوري الحر تقتل مدنيين والميليشيا السلفية تقتل وتهجر مدنيين، لكن نحن فقط لسبب ما نهتم بالجيش السوري. الجيش السوري حين يقصف مدينة فإنه يقصف مراكز تمركز مسلحين في أحياء سكنية، وقد قتل المسلحون هؤلاء المدنيين قبل الجيش السوري، فهم من حولهم لدروع بشرية. فهل المطلوب من الجيش في أي بلد ترك مدنه لميليشيا مسلحة لأنها حولت المدنيين لدروع؟.

* الإخوان المسلمون واهمون إن تصوروا أن دعم قطر وتركيا لهم سيوصلهم للحكم، فهناك من الوقائع الطائفية والميليشياوية والدولية ما يمنع الإخوان. الحقائق على الأرض تقول إن الإخوان ميليشيا واحدة من ضمن عدة ميليشيات، وحتى يكون لها الأمر فهي بحاجة لسلاح جيش كامل، الطائفية ستعيق أي تنظيم من الوصول للحكم تمامًا، والسلاح سيجعل مهمة الإخوان مستحيلة، والتداخلات الدولية ستحول مهمتهم لحلم كبير، فسوريا لا يحكمها إلا نظام سياسي قوي بجيش قوي، أما الميليشيا مهما دُعمت من الخارج فستظل ميليشيا تتقاتل ولا تنتصر إلا بدعم حقيقي أي بجيش حقيقي..

* إن الديموقراطية ليست حجة لتبرير التدخل الأمريكي، فأمريكا ذبحت الديموقراطية كثيرًا من أجل المصلحة، وأطاحت بنظم منتخبة وأحلت محلها نظم عسكرية استبدادية، فككت النظام الإشتراكي وصنعت رأسمالية أمريكية بامتياز (شيلي نموذجًاً)، وتكرر الأمر بأشكال عديدة سياسية وعسكرية إلى اليوم. فالديموقراطية حجة سخيفة لتبرير القبول بدور أمريكي ما بالمنطقة وفي سوريا. الولايات المتحدة دعمت صدام وخلعته، ودعمت مبارك وتركته، وصنعت الشاة وهرولت منه، فالكوميديا الحقيقية أن نعتبر تدخل أي بلد- بالذات امريكا- لأسباب ديموقراطية! فالديموقراطية نكتة عبثية حقيقية في عالم السياسية الخارجية تمامًا كحقوق الإنسان.


منقووووووووووووول

التعديل الأخير تم بواسطة دائمة الذكر ; 22-08-2012 الساعة 05:15 PM