تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > نقاش حر

> أهل البدع وشمس الدين..ومصطلح الحشوية

موضوع مغلق
  • ملف العضو
  • معلومات
الليث
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 12-09-2007
  • المشاركات : 84
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • الليث is on a distinguished road
الليث
عضو نشيط
أهل البدع وشمس الدين..ومصطلح الحشوية
04-10-2007, 11:36 PM
حشوية /
حشوية /
حشوية /
حشوية /
حشوية /
كلمة ينبز بها غلاة المبتدعة وأهل الضلال من هم على مذهب السلف من الاعتقاد في صفات الله عز وجل حيث يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم به فيما صح عنه ، فيثبتونه على الحقيقة من غير نفي أو تعطيل أو تشبيه أو تأويل ويفوضون كيفية الصفة لله عز وجل وهذا مذهب السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان كالأئمة الأعلام مثل الإمام مالك ، والإمام أحمد ...وغيرهم ممن هم على عقيدة السلف .
ولم يكن شمس الدين الكاتب في جريدة الشروق اليومي بدعا في هذا الوصف ، فقد تبع سلفه عند ماأشهر هذا الوصف ضد العلماء كابن تيمية والألباني والبربهاري وغيرهم ممن لايستطيع أن يذكرهم لأنه لو ذكرهم لرمي بالحجارة من عامة التاس ، ومن هؤلاء العلماء كما ذكر الإمام مالك رحمه الله ، فهو على عقيدة السلف التي تخالف العقيدة التي يدعوا إليها شمس الدين وغيره من أهل البدع وهي عقيدة التأويل ونفي الصفات بحجة التنزيه .
وهنا يطرح التساؤل : هل يمكن أن يتجرأ شمس الدين يوما ما في الشروق ليقول أن الإمام مالك أو غيره من الأئمة الأربعة حشوية ( لأنهم ليسوا على ماهو عليه من النفي والتأويل ، بل هم مثبتون على طريقة السلف ) ؟؟"؟؟؟؟؟؟.
وإليكم إخوتي بعض ماقاله شيخ الإسلام بن تيمبة لما سئل عن عقيدة أهل السنة في الصفات والفرق بينها وبين عقيدة أهل البدع ، منقولة من مجموع الفتاوى :
"............
الحمد لله . هذه المسائل بسطها يحتمل مجلدات لكن نشير إلى المهم منها والله الموفق .

قال الله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غيرسبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} . وقد شهد الله لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ومنتبعهم بإحسان بالإيمان . فعلم قطعا أنهم المراد بالآية الكريمة فقال تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهمبإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداذلك الفوز العظيم} وقالتعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلمما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} .

فحيث تقرر أن من اتبع غير سبيلهم ولاه الله ما تولىوأصلاه جهنم . فمن سبيلهم في الاعتقاد : " الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه" التي وصف بها نفسه وسمىبها نفسه في كتابه وتنزيله أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها ولا نقص منها ولاتجاوز لها ولا تفسير لها ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها ولا تشبيه لها بصفاتالمخلوقين ; ولا سمات المحدثين بل أمروها كما جاءت وردوا علمها إلى قائلها ; ومعناها إلى المتكلم بها .

وقال بعضهم - ويروى عنالشافعي- : " آمنت بما جاء عن اللهوبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله " .

وعلموا أن المتكلم بها صادقلا شك في صدقه فصدقوه ولم يعلموا حقيقة معناها فسكتوا عما لم يعلموه . وأخذ ذلكالآخر عن الأول ووصى بعضهم[ ص: 3 ] بعضا بحسن الاتباع والوقوف حيث وقف أولهم وحذروا منالتجاوز لهم والعدول عن طريقتهم وبينوا لنا سبيلهم ومذهبهم ونرجو أن يجعلنا اللهتعالى ممن اقتدى بهم في بيان ما بينوه ; وسلوك الطريق الذي سلكوه .

والدليل على أن مذهبهم ماذكرناه : أنهم نقلوا إلينا القرآن العظيم وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلمصدق لها مؤمن بها قابل لها ; غير مرتاب فيها ; ولا شاك في صدق قائلها ولم يفسرواما يتعلق بالصفات منها ولا تأولوه ولا شبهوه بصفات المخلوقين إذ لو فعلوا شيئا منذلك لنقل عنهم ولم يجز أن يكتم بالكلية . إذ لا يجوز التواطؤ على كتمان ما يحتاجإلى نقله ومعرفته لجريان ذلك في القبح مجرى التواطؤ على نقل الكذب وفعل ما لا يحل .

بل بلغ من مبالغتهم فيالسكوت عن هذا : أنهم كانوا إذا رأوامن يسأل عن المتشابهبالغوا في كفه تارة بالقولالعنيف ; وتارة بالضرب وتارة بالإعراض الدال على شدة الكراهة لمسألته . ولذلك لمابلغعمر- رضي الله عنه - أنصبيغايسأل عن المتشابه أعد لهعراجين النخل فبينماعمريخطب قام فسأله عن : { والذاريات ذروا} { فالحاملات وقرا} وما بعدها . فنزلعمرفقال : " لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف " ثم أمر به فضرب ضربا شديدا وبعث به إلىالبصرةوأمرهم أن لا يجالسوه فكان بها كالبعير الأجرب لا يأتيمجلسا إلا قالوا : " عزمة أمير المؤمنين " فتفرقوا عنه حتى تاب وحلف بالله ما بقييجد مما كان في نفسه شيئا فأذنعمرفي مجالسته[ ص: 4 ] فلما خرجتالخوارجأتي فقيل له : هذا وقتك فقال : لا نفعتني موعظة العبد الصالح .

ولما سئل " مالك بن أنس" - رحمه الله تعالى - فقيلله : ياأبا عبد الله{ الرحمنعلى العرش استوى} كيف استوى؟ فأطرقمالكوعلاه الرحضاء - يعني العرق - وانتظر القوم ما يجيء منهفيه . فرفع رأسه إلى السائل وقال : " الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمانبه واجب والسؤال عنه بدعة وأحسبك رجل سوء " . وأمر به فأخرج .

ومن أول الاستواءبالاستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب بهمالكوسلك غير سبيله . وهذا الجواب منمالك- رحمه الله - في الاستواءشاف كاف في جميع الصفات . مثل النزول والمجيء واليد والوجه وغيرها .

فيقال في مثل النزول : النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .

وهكذا يقال في سائر الصفاتإذ هي بمثابة الاستواء الوارد به الكتاب والسنة .

وثبت عنمحمد بن الحسن- صاحبأبيحنيفة- أنه قال : " اتفقالفقهاء كلهم من الشرق والغرب : علىالإيمان بالقرآن والأحاديث التيجاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجلمن غير تفسير ولا[ ص: 5 ] وصف ولا تشبيهفمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة . فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا . فمن قالبقولجهمفقد فارق الجماعة " انتهى .

فانظر - رحمك الله - إلى هذا الإمام كيف حكى الإجماع فيهذه المسألة ولا خير فيما خرج عن إجماعهم . ولو لزم التجسيم من السكوت عن تأويلهالفروا منه . وأولوا ذلك ; فإنهم أعرف الأمة بما يجوز على الله وما يمتنع عليه .

وثبت عنإسماعيلبن عبد الرحمن الصابونيأنهقال : " إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم - تبارك وتعالى - بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله وشهد له بها رسوله ; على ما وردت به الأخبارالصحاح ونقله العدول الثقات . ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ولا يكيفونهاتكييف المشبه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه تحريفالمعتزلةوالجهمية.

وقد أعاذ الله " أهلالسنة " من التحريف والتكييفومن عليهم بالتفهيم والتعريف حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه وتركوا القولبالتعطيل والتشبيه واكتفوا بنفي النقائص بقوله عز من قائل : { ليسكمثله شيء وهو السميع البصير} وبقوله تعالى : { ولم يكنله كفوا أحد} " .

وقالسعيد بنجبير: " ما لم يعرفهالبدريون فليس من الدين " .

وثبت عنالربيع بن سليمانأنه قال : سألتالشافعي- رحمه الله تعالى - [ ص: 6 ] عن صفات الله تعالى ؟ فقال : " حرام علىالعقول أن تمثل الله تعالى ; وعلى الأوهام أن تحده وعلى الظنون أن تقطع ; وعلىالنفوس أن تفكر ; وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط وعلى العقول أن تعقلإلا ما وصف به نفسه أو على لسان نبيه " عليه الصلاة والسلام .

وثبت عنالحسنالبصريأنه قال : " لقد تكلممطرفعلى هذه الأعواد بكلام ما قيل قبله ولا يقال بعده . قالوا : وما هو ياأبا سعيد؟ قال : " الحمد لله الذي منالإيمان به : الجهل بغير ما وصف به نفسه " .

وقالسحنون" من العلم بالله السكوت عن غير ما وصف به نفسه " .

وثبت عنالحميديأبي بكر عبد الله بن الزبير- أنه قال : " أصول السنة " - فذكر أشياء - ثم قال : ومانطق به القرآن والحديث مثل : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلتأيديهم} ومثل : { والسماوات مطويات بيمينه} وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسرهونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول : { الرحمنعلى العرش استوى} ومن زعمغير هذا فهو جهمي " .

فمذهبالسلفرضوان الله عليهمإثباتالصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها. لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات وإثباتالذات إثبات وجود ; لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات . وعلى[ ص: 7 ] هذا مضىالسلفكلهم . ولو ذهبنا نذكر مااطلعنا عليه من كلامالسلففي ذلك لخرجنا عن المقصود في هذا الجواب .

فمن كان قصده الحق وإظهارالصواب اكتفى بما قدمناه ومن كان قصده الجدال والقيل والقال والمكابرة لم يزدهالتطويل إلا خروجا عن سواء السبيل والله الموفق .

وقد ثبت ما ادعيناه من مذهبالسلفرضوان الله عليهم بما نقلناهجملة عنهم وتفصيلا واعتراف العلماء من أهل النقل كلهم بذلك . ولم أعلم عن أحد منهمخلافا في هذه المسألة بل لقد بلغني عمن ذهب إلى التأويل لهذه الآيات والأخبار منأكابرهم : الاعتراف بأن مذهبالسلففيها ما قلناه . ورأيته لبعض شيوخهم في كتابه قال : " اختلف أصحابنا في أخبار الصفات فمنهم من أمرها كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل معنفي التشبيه عنها . وهو مذهبالسلف" فحصل الإجماع على صحة ما ذكرناه بقول المنازع والحمدلله .

وما أحسن ما جاء عن " عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة" أنه قال : " عليك بلزومالسنة فإنها لك بإذن الله عصمة . فإن السنة إنما جعلت ليستن بها ويقتصر عليها وإنماسنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطإ والحمق والتعمق . فارض لنفسك بما رضوابه لأنفسهم . فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا . ولهم كانوا على كشفها أقوى . وبتفصيلها لو كان فيها أحرى[ ص: 8 ] وإنهم لهم السابقون وقد بلغهم عن نبيهم ما يجري منالاختلاف بعد القرون الثلاثة ; فلئن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئنقلتم حدث حدث بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم واختار مانحته فكره على ما تلقوه عن نبيهم ; وتلقاه عنهم من تبعهم بإحسان .

ولقد وصفوا منه ما يكفي ; وتكلموا منه بما يشفي . فمن دونهم مقصر ; ومن فوقهم مفرط . لقد قصر دونهم أناسفجفوا ; وطمح آخرون فغلوا ; وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم
"…….. . وأستغفر الله لي ولكم
  • ملف العضو
  • معلومات
sofiane_info
زائر
  • المشاركات : n/a
sofiane_info
زائر
رد: أهل البدع وشمس الدين..ومصطلح الحشوية
12-10-2007, 07:35 PM
و انا اضيف لك ما يلي ز:
:42:12




بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
إن صراعا ساخنا يدور في الأوساط الثقافية الدينية حول مدلول مصطلح ( الحشـوية ، و المشبهة ، و المجسمة ، و الوهابية ) ، فمن يا ترى المقصود بهؤلاء في كثير من الاطروحات المعاصرة التي لا زالــت تخوض معترك صراع الألقاب هذا ؟ ، والإجابة على هذا السؤال يجب أن تسبقه إجابة على أسئلة أخرى بين يديـه ومن خلفه لا يتضح المقصود إلا بها ، وهي بدون أي مقدمات : من الذي يضخ هذه المصطلحات في المجتمع ؟ ومـاذا يهدف من وراء ذلك ؟ وما هي حقيقة هذا الصراع ؟ فإذا عرف القارئ الكريم من الذي يلقي هذه الألقاب فإنه سوف يضع قدمه – بلا شك – على أول الطريق في سبيل معرفة حقيقة هذا الصراع وأهدافه . {ولتعرفنهم في لحن القــول . . . } [سورة محمد آية 3 ] لقد تأملت في أسماء قائمة من الكتب والمنشورات والمجلات التي تعمل على طرح هذه الألقاب في الساحــة الإسلامية ، ونظرت في السير الذاتية لمؤلفيها والقائمين عليها ، ممن تحلى منهم بالشجاعة العلمية فذكر اسمه الحقيقي على كتابه أو نشرته ولم يلبس برقع الغدر ، وإذا بهم مجموعة من غلاة أهل البدع ، وإنما قلت ( غـلاة ) وأنـا أقصد ما أقول ، لأني لا زلت أعتقد وأومن أن في المنتسبين إلى هذه الفرق عقلاء وعلماء يطلبون الحق ، وأقـول : إنهم أخطؤوه ، و لكن من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأصابه ، وفجر في خصومته ، وغــلا في بدعته ، ومشى بالفساد في الأرض ، والله – جل ذكره - يقول : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) [سورة القصص آية 83 ] ، وقد كان إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – يدعو في سجوده ويقول : ( اللهم من كان من هذه الأمــة على غير الحق وهو يظن أنه على الحق ، فرده إلى الحق ليكون من أهله ) ( ) ولك أيها القارئ الكريم أن تتحقق من ذلك بنفسك أي من السير الذاتية لهؤلاء الغلاة ، ولولا خشية الإطالة والإملال لبينت لك حال كل واحد منهم ، وذلك من خلال أقوالهم ، وتقريراتهم ، وسلوكهم العقدي ومنهجهم الكتابي .. . هذه الشرذمة من الغلاة الذين أشرنا إليهم – أخي العزيز – تجمعهم أصول مشتركة ، وغايات موحـــدة !!..ويكفي هذا لأن يجمعهم خندق واحد في حربهم ضد من يسمونهم بالحشوية ، والمجسمة والمشبهة ، والوهابـية ، الذين سنعرفك بمن يقصدون بهذه الألقاب بعد حين ، ومع أن هؤلاء الغلاة يوجد بين أعضاء اتحادهم من الشروخ العقائدية ، والتناقضات المنهجية ، ما يكفل معه انهيار ألفتهم ، ولكنهم يتجاوزونها ليكون الهمّ همّا واحدا كمــا اجتمع همّ النصارى واليهود والشيوعيين والبوذيين وأهل الملل التائهة عن الله تعالى على حرب الإسلام وأهله ، على شدة تباين ما بين هذه الطوائف من المعتقدات الردية وتناقضها ، وهاهنا يجتمع فـئام من أهل البدع ، ويتجاوزون ما بينهم من مفارقات عقائدية ، وتناقضات منهجية ، تحقـــيقا للمصلحة المشتركة بينهم وهي القضاء على من يسمونهم بالحشوية والمشبهة والمجسمة والوهابية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .. . وأعداء الإسلام من يهود ونصارى ، ومن شايعهم من العلمانيين ، يغذون هذا الصراع ، ويحمدون لهــؤلاء المبتدعة حربهم السافرة ضد من يسمونهم بالحشوية .. ، كما قال الله تعالى : ( وإخوانهم يمدونهم في الغــي ثم لا يقصرون ) [سورة الأعراف آية 202 ] ، وعلاقة هؤلاء بأولئك وأهدافهم لا تخفى على ذي لب فلا نطيل الحديث فيها الآن . وأهل الشهوات – أيضا - ، والمنافقون ، ومرضى القلوب ، يصطادون في الماء العكر ، قال الله – تعالى - : ( ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) [ سورة النساء آية 27 ] . الإجــــــابة على السـؤال . . . ؟؟ من خلال دراستك – أخي القارئ الكريم – لتأريخ هذا المصطلح [ الحشوية ، المشبهة ، المجسـمة ، الوهابية ] سوف تعرف من المقصود به عند إطلاقه ، سيما إذا اجتمعت هذه الألقــاب في قالب واحـد ، وسوف تدرك – يقينا – تبعا لذلك أن الحرب إذا اتجهت عليه : من المعني بها ؟ !! ، حيث أن هذا المصـطلح ليس مصطلحا جديدا اخترعه هؤلاء المعاصرون من كتاب المقالات كما يظنه بعض البسطاء ، وإنما هو مصطلح قديم . وحتى تكون على بينة من الأمر ، وتتضح لك: جلية الحال ، وتعرف المقصود بهذه الألقـــاب والمسميات ، وتعرف قدمها ، فإني أتركك مع شيخ الإسلام ، الإمام ، أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني الشافعي (373-449 ) من علماء القرن الرابع والخامس الهجري – رحمه الله – الذي قال عنه الإمام عبد الوهاب السبكي – رحمه الله – في كتاب [ طبقات الشافعية الكبرى ](3/291 ) : ( كان مجمعا على دينه ، وسيادته ، وعلمه ، لا يختلف عليه أحد من الفرق ) حيث قال شيخ الإسلام الصابوني في رسالته التي ألفها في [السنة ] : ( وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية ، وأظهر علاماتهم : شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي – صلى الله عليه وسلم - ، واحتقارهم لهم ، وتسميتهم إياهم حشــوية ، وجهلة ، وظاهرية ، ومشبهة ، اعتقادا منهم في أخبار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنها بمعزل عن العلم ، وأن العلم ما يلقيه الشيـطان إليهم ، من نتائج عقولهم الفاسدة ، ووساوس صدورهم المظلمة ، ، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير ، العاطلة ، وحججهم – بل شبههم – الداحضة الباطلة : ( أولئك الذين لعنهم الله ، فأصمهم وأعمى أبصارهم )[سورة محمد الآية 33 ] ، ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) [ سورة الحج الآية 18 ] ) .
ثم ذكر – رحمه الله تعالى – بإسناده بعض الآثار في شرف أهل الحديث ، وفيها الإشارة إلى ما يروجه المبتدعة عنهم من قالة السوء ، ثم قال – رحمه الله – في هذا السياق : ( سمعت الأستاذ أبا منصور محمد بن عبدالله حمشاد ، العالم الزاهد يقول : سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقري الرازي ، يقول : قرىء على أبى عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي ، وأنا أسمع : سمعت أبي يقول – عنى به الإمام في بلده أباه أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، يقول : " علامة أهل البدع : الوقيعة في أهل الأثر ( ) . وعلامة الزنادقـــة : تسميتهم أهل الأثر حشوية ، يريدون بذلك إبطال الآثار . وعلامة القدريـــة : تسميتهم أهل السنة مجبرة . وعلامة الجهميـــة : تسميتهم أهل السنة مشبهة . وعلامة الرافضـــة : تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة . قلــت : وكل ذلك عصبية ، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ، وهو أصحاب الحديث " ( ) . قلــت - أي شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني - : أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة سلكوا معهم مسالك المشركين مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فإنهم اقتســموا القول فيه : فسماه بعضهم ساحرا ، وبعضهم كاهنا ، وبعضهم شاعرا ، وبعضهم مجنونا ، وبعضهم مفتونا ، وبعضـهم مفتريا مختلقا كذابا ، وكان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من تلك المعائب بعيدا بريئا ، ولم يكن إلا رسولا مصطفى نبيا ، قال الله - عز وجل - : ( أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا )[سورة الإســـراء الآية 48 ] كذلك المبتدعة - خذلهم الله – اقتسموا القول في حمـلة أخباره ، ونقلة آثاره ، ورواة أحاديثه ، المقتـدين بسنته ، فسما هم بعضهم حشوية ، وبعضهم نابتة ، وبعضهم ناصبة ، وبعضهم جبرية ؛ وأصحاب الحــديث عصامة من هذه المعائب برية ، نقية زكية تقية ، وليسوا إلا أهل السنة المضية ، والسيرة المرضية ، والسبل السوية ، والحجج البالغة القوية ، قد وفقهم الله – جل جلاله – لاتباع كتابه ، ووحيه وخطابه ، والإقتداء برسوله في أخباره ، التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل ، وزجرهم عن المنكر فيها ، وأعانهم على التمسك بـــسيرته ، والاهتداء بملازمة سنته ، وشرح صدورهم لمحبته ، ومحبة أئمة شريعته ، وعلماء أمته ، ومن أحب قوما فهو منـهم بحكم قول رسول الله _ صلى الله عليه وسلم - :" المرء مع من أحب " ( ) . وإحدى علامات أهل السنـــــة : حبهم لأئمة السنة وعلمائها ، وأنصارها وأوليائها ، وبغضهم لأئمة البدع ، الذين يدعون إلى النار ، ويدلون أصحابهم إلى دار البوار ، وقد زين الله - سبحانه – قلوب أهل الــسنة ونورها بحب علماء السنة ، فضلا منه – جل جلاله – ومنـة . أخبرنا الحاكم أبو عبدالله الحافظ- أسكنه الله وإيانا الجنة – ثنا محمد بن إبراهيم بن الفضل المزكي ، ثنا أحمد بن سلمة ،قرأعلينا أبو رجاء قتيبة بن سعيد في كتاب (الإيمان ) له ، فكان في آخره : " فإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، وشعبة ، وابن المبارك ، وأبا الأحوص ، وشريكا ، ووكيعا ، ويحيى بن سعيد ، وعبدالرحمن بن مهدي ، فاعــلم أنه صاحب سنة " .
قال أحمد بن سلمة _ رحمه الله - : " فألحقت بخطي تحته : ويحيى بن يحيى ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بـن راهوية " ، فلما انتهى إلى هذا الموضع نظر إلينا أهل نيسابور وقال : هؤلاء يتعصبون ليحيى بن يحيى ، فقلنا له : يا أبا رجاء ما يحيى بن يحيى ؟ قال : رجل صالح ، إمام المسلمين ، وإسحاق بن إبراهيم إمام ، وأحمد بن حنبل أكـبر ممن سميتهم كلهم . وأنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكرهم قتيبة – رحمه الله – أن من أحبهم فهو صاحب سنة من أئمة الحديث الذين يقتدون بهم ، ويهتدون بهديهم ، ومن جملتهم ومتبعيهم وشيعتهم أنفسهم يعدون ، وفي اتباعهم آثارهم يجدون ، جماعة آخرين : منهم : محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ، الإمام المقدم ، والسيد المعظم ، العظيم المنة على الإسلام والسنة ، الموفق الملقن ، الملهم المسدد، الذي عمل في دين الله وسنة رسول الله من النصر لهما والذب عنهما مالم يعمله أحد من علماء عصره ومن بعدهم . ومنهم : الذين كانوا قبل الشافعي – رحمه الله – كسعيد بن جبير ، والزهري ، والشعبي ، والتمـــيمي ( يقصد أبا المعتمر ) . ومن بعدهم : كالليث بن سعد ، والأوزاعي ، والثوري ، ووسفيان بن عيينة الهلالي ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، ويونس بن عبيد ، وأيوب ، وابن عون ، ونظرائهم . ومن بعدهم : مثل يزيد بن هارون ، وعبدالرزاق ، وجرير بن عبد الحميد . ومن بعدهم : مثل محمد بن يحيى الذهلي ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج القشيري ، وأبي داود السجستاني ، وأبي زرعة الرازي ، وابن أبي حاتم ، وابنه ، ومحمد بن مسلم بن واره ، ومحمد بن أسلم الطوسي ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة _ الذي كان يدعى إمام الأئمة في وقته - ، وأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل البستي . . . ) ومضى شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني – رحمه الله – يعدد أئمة الهدى ، ويذكر أسماءهم الواحد تلو الآخر ، إلى أن قال : ( .. وغيرهم من أئمة السنة الذين كانوا متمسكين بها ، ناصرين لها داعين إليها ، دالـين عليها ) انتهى لفظ شيخ الإسلام الإمام الصابوني – رحمه الله – نقلا من رسالته في [ اعتقاد السلف وأصحاب الحديث ] ، وهو من الوضوح بمكان ، حتى إنه ليستغني ببيانه عن التعليق عليه ، وكفى بهذا الإمام حجة في نقله عن أئمة السنة هذه الشـهادة التي حفظها الله –عز وجل لنا بهذه الأسانيد الصحيحة لتكشف لنا امتداد خط المبتدعة الذين كانت لهم طريق سابلة منذ قديم الزمان في تشويه صورة أهل السنة والجماعة ، حملة الحديث ، ونقلة الآثار ، وأتباع الســـلف الصالح من الصحابة والتابعين ، وتابعيهم بإحسان ، ووصفهم بأسماء مخترعة ، ونعوت باطلة ، لتنفير الناس عنهم ، واسـتلاب قلوب ضعاف العلم والإيمان بالأصوات التي تنفخ في أبواق الباطل .. ( ليطفئوا نور الله بأفواههم ) [سورة التوبة آية 32] فيسمون أهل السنة بالحشوية والمشبهة والنابتة والوهابية وغيرها من الألقاب . وليأذن لي القارئ الكريم أن أقف به على شهادة العلم الحافظ ، والإمام ، أحمد بن حجر العسقلاني – رحمه الله – (773-852 ) حيث قال في كتابه العجاب [ فتح الباري ] ( 13/418 ) في معرض تقريره لصفة الاستواء لربنا الأعلى ، وهو يحكي ما أسنده الإمام البيهقي الحافظ – رحمه الله – حيث قال ما نصه : ( ومن طريق أبي بكر الضبعي قال : مذهب أهل السنة في قوله " الرحمن على العرش استوى " [ سورة طه آية 5] قال :بلاكيف ، والآثار فيه عن السلف كثيرة ، وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل ) . ثم قال – رحمه الله - : ( وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول : وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه ، كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات ، وقال في باب فضل الصدقة : قد ثبتت هذه الروايات فنحن نؤمن بها ، ولا نتوهم ، ولا يقال كيف ، كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك : أنهم أمروها كما جاءت بلا كيف ، وهذا قول أهل العلم من أهل الــسنة والجماعة ، وأما الجهمية فأنكروها وقالوا : هذا تشبيـه . . )
. ثم قال – رحمه الله - : ( قال ابن عبد البر : أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ، ولم يكيفوا شيئا منها ، وأما الجهمية والمعتزلة والخــــوارج فقالوا : من أقر بها فهو مشبــه ، فسماهم من أقر بها معطلة ) . فهذا هو الحافظ ابن حجر – رحمه الله – ينقل عن الإمام الترمذي ، وعن الإمام الحافظ ابن عبد البر – رحمهما الله – وأقرهم على أن الجهمية والمعتزلة والخــوارج منذ عهد قديم كانوا يسمون أهل السنة والجماعة [مشبهة ] زورا وبهتانا ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) [سورة البروج آية 8] فيثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الجلال والكمال ، والمقصود أن هذه المصطلحات لم يخترعها كتاب المقالات المعاصرون من المبتدعة الغالين وإنما هو مصطلح قديم يستخدمه المبتدعة يموهون به على عامة المسلمين ويقصدون به { أهل السنة والجمـاعة } . وإن شئت – أيها القارئ الكريم – شاهدا آخر على صدق ما حررناه لك هاهنا فانظر – رحمك الله – إلى ما قاله الإمامان الجليلان : الشيخ عبد القادر الجيلاني ، والإمام ابن قتيبة _ رحمهما الله - فمن ذلك ما قاله الإمام عبد القادر الجيلاني في كتاب ( الغنية لطالبي الحق ص 80 ) : ( واعلم أن لأهل البدع علامات يعرفون بها ، فعلامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الزنادقة ، تسميتهم أهل الأثر بالحشوية ، ويريدون إبطال الآثار ، … وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة ، ولا اسم لهم إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث ، ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع ، كما لم يلتصق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – تسمية كفار مكة ساحرا ، وشاعرا ومجنونا ومفتونا وكاهنا ولم يكن اسمه عند الله وعند ملائكته وعند إنسه وجنه وسائر خلقه إلا رسولا نبيا ، بريا من العاهات كلها .. )أ.هـ وانظر كتاب " تأويل مختلف الحديث " للإمام ابن قتيبة صفحة 55 ، بـــل .. وانظر شهادة الإمام القاري بذلك في كتاب " شرح الفقه الأكبر " صفحة 13 ] . فماذا سوف يقول مبتدعة عصرنا في جميع هؤلاء ؟؟؟ ، هل سيقولون إنهم – جميعا – حشوية ، مشبهة ، وهابية ؟؟ لئن قالوا ذلك فإنهم حينئذ سوف يحكمون على أنفسهم في ملأ المسلمين .‎!! بمــاذا ؟؟ ، بأنهـــم مبتــــــدعة !!! . قلــت : ولا غرابة أن يقولوا ذلك ؛ فإن أول من تكلم بمصطلح [ حشوية ] – كما يذكر المؤرخون – هو عمرو بن عبيد المعتزلي ، فقد قال : كان عبد الله بن عمر حشـويا ، فأطلق المعتزلة هذا الاسم على أهل السنة تبعا لإطلاقهم له على هذا الصحابي الجليــل – رضي الله عنه وأرضاه - .. ! ! . نعم .. من الإنصاف أن نقول : لقد كانت مصطلحات زنادقة القرون الأولى ومبتدعتهم في التنفير من أهـل السنة والجماعة [ حشوية ، مشبهة ، مجسمة ، نابتة ، جبرية . . . الخ ، وهي ذاتها المصطلحات التي يـــرددها المعاصرون منهم بدون خوف من الله ولا حياء ، وإنما أضاف المعاصرون مصطلحا واحدا لم يبتكره قدماؤهم ، وهو مصطلح [ وهابية !!] ويقصدون لمز أهل السنة بعالم من علمائهم ، وهو الإمام : محمد بن عبد الوهاب التميمي الحنبلي المتوفى سنة (1206 هـ ) ( ) ، وذلك لكثرة ما روج أهل الفساد والإلحاد من دعايات باطلة تشوه صورة هذا الإمام العظيم آنذاك .. . قال الزركلي في كتابه الموسوعة ( الأعلام 6/257 ) :
( محمد بن عبد الوهاب : زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب ، … كان ناهجا منهج السلف الصالح ، داعيا إلى التوحيد الخالص ، ونبذ البدع ، وتحطيم ما علق به من أوهام ، .. وكانت دعوته الشــعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله : تأثر بها رجال الإصلاح في الهند ومصر والعراق والشام وغيرها … ، سماهم خصومهم بالوهابيين ، وشاعت التسمية الأخيرة عند الأوربيين ، فدخلت معجماتهم الحديثة ، وأخطأ بعضهم فجعلها مذهبا جديــدا في الإسلام تبعا لما افتراه خصومه ) انتهى كلامه . فهل قال الزركلي هذا لأنه وهابي ، حشوي ، مشبه ؟ أم ماذا ؟ إنه إنصاف التاريخ – أخي القارئ الكريم – وقد قرر الزركلي في كلامه هذا أمورا أهمها : - أن الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – داعية من دعاة الإصلاح في العصر الحديث على منــهج السلف الصالح من أهل السنة والجماعة وقد تميزت دعوته بالدعوة إلى التوحيد الخالص ، والدعوة إلى نبذ البدع ، وتحطيم ما علق بالإسلام من أوهام . - أن من دعايات المبتدعة لأجل التنفير من دعاة الإصلاح من أهل السنة وصفهم وتسميتهم بالوهابيين ، والتدليس على الناس بمحاولة إيهام العامة أن ( الوهابية !! ) مذهب جديد خارج عن مذاهب أهل السنة والجماعة !!! ، وهذا من أعظم البهتان ، وأفدح الأخطاء ، وهي من افتراءات الخصوم المبتدعة. - أن تسمية أهل السنة ( بالوهابيين !!) شاعت عند الأوربيين ، ودخلت معاجمهم الحديثة ، ونقول : بل إن المستقرئ لتأريخ هذا المصطلح – ربما – يثبت له أن أصله كان من اختراع أعداء الإسلام الصليبيين الحاقدين ، والكفار المبغضين ، فقد كان أعداء الإسلام ؛ هؤلاء (الأوربيين ) يراقبون الدعوة الإصلاحية في مجتمعات أهل السنة التي قام بها الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله –في القرن الثاني عشر منذ نشأتها ، وقد كتبوا في ذلك كتبا ، ومن هذه الكتب التي كتبت عن دعوة هذا الإمام كتاب {DES WAHABIS HISTOIRE} [ تأريخ الوهابية ] طبع في باريس بعد وفاة الشيخ بثمانية عشر عاما ، وكذلك كتـاب { THE WAHABIS } [ الوهابيون ] للقسيس زويمر ،وكل صياحهم في كتاباتهم هذه على ما يتهدد الكفر وأهله من استمرار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ، وما يترتب على ذلك من عودة الإسلام بأصالته إلى الحياة العامة وانحسار ما كان يروج له دعاة الإلحاد وأذنابهم في مجتــمعات المسلمين مما يضعف الإسلام وأهله !! . ( أنظر الأعلام للزركلي 6/357 ، وكتاب موسوعة أهل السنة 2 /1219 ففيه ما يؤيد ما قرره الزركلي مما هو مشار إليه أعلاه ) . ثم إن مبتدعة عصرنا لو تأملوا – قليلا – في هذا المصطلح الذي اخترعه لهم النصارى الصليبيون فربما عدلوا – لو كانت لهم أحلام ، أو في قلوبهم لله خشية – عن المجازفة بإطلاق هذا اللـــقب على أحد من الناس ؛ إذ أن { الوهــــــاب } من أسماء الله الحسنى التي لا يجوز أن يشتق منه اسم لفرقة من الفرق ، وتنبـز به على وجه التشنيع والتحقير ، ومعلوم أن الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – لم يقل أنا الوهاب !! وإنما كان اسمه ( محمد بن عبد الوهاب ) ، فكما أنه لا يجوز أن يشتق من اسم ( عبد الرحمن ) اسم لفرقة تســـمى على وجه الانتقاص والتحقير ( الرحمانيـون ) لأن الرحمن اسم من أسماء الله – سبحانه وتعالى – فكذلك لا يجوز هذا في اسم ( الوهاب ) لأنه من الإلحاد في الأسماء الحسنى لربنا العظيم – جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه – وقد توعــد الله في كتابه هؤلاء الملحدين في أسمائه فقال – سبحانه - : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، سيـــجزون ما كانوا يعملون ) [ سورة الأعراف آية 108 ]، وهذا مثل اسم { اللـه }، -جل جلاله – لا يجوز أن يشتق منه أحد اسما لفرقة أو جماعة تنتقص به !!!
فليت شعري .. هل يعقل هؤلاء البسطاء المتعالمون ذلك ، فيرعوون عن الإلحاد في أسماء الله – تعالى – الحسنى ، وينـزجرون عن التنابز بالألقاب ، واتخاذ اسم من أسمائه الحسنى سبة لأهل السنة والجماعـة ؟؟!! ، مع أن أهـل السنة يقولون : إن هذه النسبة إلى { الوهاب } نسبة فيها تشريف عظيم فهي نسبة إلى الله – تعالى – كما تقـول للقوم : ( أنتم ربانيون ) نسبة إلى الرب – سبحانه وتعالى - ، ومع هذا وذاك فأهل السنة والجماعة لا يلحقهم من هذه الألقاب على كثرتها إلا اسم واحد وهو النسبة إلى السنة والجماعة ، وهم أهل الحديث والأثر كما قال أئمة الهدى – رضوان الله عليهم – فيما نقلناه آنفا عنهم . والمقصود أن هؤلاء المبتدعة المعاصرون لم يضيفوا جديدا في حربهم السافرة على السنة والإسلام وأهله فوق ما كاد به أسلافهم سوى هذا المصطلح الذي اخترعه لهم النصارى الحاقدون على الإسلام وأهله ، وحسبهم من الشر أن أئمتهم فيه هؤلاء الكفار الذين أجمعت الأمة على كفرهم ، أم انهم – يا ترى – سوف يدافـــعون عن كفر النصارى ليغيظوا الحشوية ، المشبهة ، الوهابية أعني أهل السنة والجماعة !!! ما أراهم إلا فاعلين ذلك ولو بعـــــد حين ! ! .. . وأخيرا .. أيها القارئ المبارك : أعد التأمل فيما نقلناه لك عن أئمة المسلمين من القرون الأولى المفضلة عن تأريخ هذه المصطلحات ، وأنصف – ولو على نفسك إن كنت من المخالفين - فإن الله عدل يحب العدل ، فتأمل شهادة الإمام أبي حاتم الرازي (195- 277 )،من علماء القرن الثالث الهجري ، نقلها أئمة الإسلام الأعــلام شاهدين بها ، مقرين لها ، مؤكدين عليها ، يتبين لك من المقصود بهذه الألقاب !! ، ومن الذي يقــف وراءها ، ويتولى كبر إذاعتها في المجتمع المسلم والترويج لها !! وتأمل معه كلام الحافظ ابن حجر – رحمه الله – الذي نقله عن أئمة الدين ، السابقين النبلاء ، والسادة العلماء الأتقياء ، لكي ترى من خلال ذلك كله شمس الحقيقة تشـرق في قلبك ، وتعلم بيقين حقيقة هذا الصراع بين من ، ومن ؟؟ . {فتبينوا أن تصيبــوا قوما بجهالة } [ سورة الحجرات آية 6 ] لقد بقيت فترة من الزمن أقلب النظر وأعيده فيما كان يسود به أهل البدع صحائف مقالاتهم التي ينشرونها ، وماذا تراهم يقصدون بأسلوبهم هذا في الكتابة الذي يعتمدون فيه على تعمية الحقائق ، وقلب المفاهيم ، وتوعـير الطريق في الوصول إلى الحق ؟ فرأيتهم في عامة ما يكتبون يسعون لأمرين : ( الأول ) : تعمية الحقائق على الرجال العقلاء من مذاهبهم ، فيتحرون الكذب ينمقونه لهم ، ويغرونهم به ، معتمدين في ذلك على ثقة هؤلاء فيهم – ربما –لأجل منصبهم ، أو جاههم الاجتماعي ، حتى إن هؤلاء العقلاء – هداهم الله تعالى- لا يكلفون أنفسهم عناء المراجعة وراء سدنتهم ، ومن يظنون فيهم أنهم " علماء " !! وليتهم يفعلون ذلك ويمحصون المعلومات ، ويدققون فيما ينقله هؤلاء الكاتبون إليهم فإنهم لو فعلـوا ذلك لكشفوا عوار هؤلاء الغلاة ، واكتشفوا زيف بهرجهم المصطنع ،وقطعوا الطريق على كل من يريد أن يحول بينهم وبين الحقيقة النقية ، فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) [ رواه مسلم في صحيحه ] ، وفي حادث الإفك الذي تولى كبره المنافقون على عهد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ووقع فيه بعض ذوي النيات الحسنة من المسلمين فكان من شأنهم ما خلد الله جل وتعالى ذكره في قرآن يتلى إلى يوم القيامة ( من الآية 11 الى الآية 26 من سورة النور المباركة ) ما فيه بلاغ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وحسب المؤمن الكيس منها قوله جل وتعالى :" إذ تلقونه بألسنتكم ، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ) [ سورة النور أية 15/16]
فجدير بالعاقل أن ينتبه لنفسه ولا يعتمد على أمور لا واقع لها، ونقول زائفة في أحكامه على عبـاد الله تعالى؛ وخاصة إذا كان لحكمه هذا أثـر في الحياة العامة، نسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين إلى ما يحـــب ويرضى، إنه سميع مجيب . ( الثاني ) : من الأمور التي يسعى إليها هؤلاء المفترون فصل علماء أهل السنة والجماعة عن جمهور أهل السنة ؛ عوامهم ومثقفيهم ممن يقل نصيبه من العلم الشرعي ، وذلك باستخدام ذات الوسيلة المعتمدة على قلب الحقائق ، والكذب الرخيص ، فيسمون علماء ودعاة أهل السنة بـالحشوية ، والوهابية والمشبهة ، ويوهمون جمهور أهــل السنة من العامة والمثقفين بأنهم غير مقصودين على ( قاعدة فرق تسد ) ، وحتى يتسنى لهم القضاء على السنة – زعموا – إذ يسهل عليهم اقتناص العامة واستيعابهم والقضاء عليهم بعد الإجهاز على علمائهم ودعاتهم ، والمتعلمين منهم على ما سيأتي بيانه .. خابوا وخسروا فيما قصدوا !!! . وقد عرفناك على لسان أئمة الحديث وعلماء السنة بداية من القرون المفضلة إلى يوم الناس هذا من هم الحشوية – في نظرهم – الذين يحاربونهم ، فتذكر ذلك جيدا ولا يعزبن عن بالك – رعاك الله - .. . هذا ولأجل تحقيق هذين الغرضين – ربما – سعوا لتخويف جمهرة المخالفين لمنهج أهل السنة ، بل – ربما – وعوام أهل السنة – أيضا - وذلك بالترسيخ في عقولهم أن المذهب الحشوي ( ويقصدون أهل السنة !!) يكفر كل مخالف له ولو في مسائل الفروع البسيطة ، ويستحل دمه وماله !!! ويرفعون عقيرتهم بحشر اسم كل عدو للسنة أو جاهل مغرر به ، يتكثرون بهم لتأييد دعواهم الباطلة هذه ، مع أن عكس ذلك تماما هو الصحيح ، فما عرفنا _ ويشهد الله على هذا – طائفة تنتسب إلى الإسلام تنصف مخالفيها أكثر من أهل السنة والجماعة الذين شرفهم الله عز وجل باتباع منهج رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وصحابته الكرام في الأصول والفروع ، فهم – بحق – يمثلون الإسلام النقي الذي جاء به نبي الهدى ، وإمام المتقين . ولا يقولنَّ مخالف عن كلامي هذا : " سـني شهد لنفسه :‎" ، فإن أسعد الناس بالحق أوجدهم للدليل ، فهذا كتاب الله تعالى يشهد بذلك ، وهذه السنة الغـراء على صاحبها صلوات الله وسلامه ، وهذا التاريخ أعظم برهان ، وهذه مصنفات أئمتنا وكتبنا ، وتلك كتب غـيرنا من أهل البدع والأهواء الذين انحرفوا عن الجادة واتبعوا السبل .. . وعودا على بدء ، فإني لست في مقام تتبع مغالطات هؤلاء القوم الحاقدين على أهل السنة واستقصاء كذبهم وافتراءاتهم التي يختلقونها من قلوبهم المريضة فهو كثير ، وأتمثل هاهنا بقول الإمام أبي العباس بن سريج الشافعي – رحمه الله – حيث كان يقول : ولو كلما كلب عوى ملت نحوه أجاوبه ، إن الكلاب كثيـــر ولكن مبالاتي بمن صاح أو عوى قليل فإني بالكلاب بصيــــر وحسبي في هذه العجالة كشفا لعوارهم أن أوضح للقارئ الكريم – مخالفا أو موافقا – شيئا يسيرا عن حقيقة هذا الصراع وذلك عن طريق التنبيه على أصول عامة في اعتقاد أهل السنة والجماعة من أئمة السلف الصالح _ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - ، فهذه الكلمات رسالة موجزة إلى : * جمهور أهل السنة ومثقفيهم تجلي لهم الحقيقة حتى لا يغرر بهم العدو ، فينخدعوا بأراجيفه .. إنها تنبيه للغافل ، وتذكير للعاقل .
* ثم هي – أيضا – لعقلاء أهل الفرق والمذاهب الأخرى ، وطالبي الحق منهم ، فالحق أحق ما قيـــل ، والصدق أولى ما آثره ذو السبيل ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .. مع محبتنا وتقديرنا لكـل منصف . مســـــــــائل تحت المجهــــر لقد مارس هؤلاء المخالفون من غلاة أهل البدع الذين وصفناهم كثيرا من الشغب على أهل السنة والجماعة في مسائل كثيرة ، بعضها في أصول الديانة ، وهي المسائل العقائدية بزعمهم أن من يسمونهم بالحشوية والوهابية والمشبهة هم غير الأئمة الأربعة الذين تلقتهم الأمة بالقبول وأتباعهم . ثم يلصقون تهمة الحشو والتشبيه بكل سني يدعو إلى السنة ويعلمها للناس ، خاصة إذا اختلف هذا الداعية مع أحد هؤلاء المبتدعة في أصـل أو فرع ليخلق – بزعمه – حاجزا نفسيا يحول بين طلاب الحق ، ومحبي السنة النبوية من النظر بتجرد وإخلاص في آراء الدعـاة إلى السنة الذين يمثلون المنهج النبوي النقي المتمثل في قوله – عليه الصلاة والسلام - : ( عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ) ( )، والذين هم – في الحقيقة – امتــداد حي للقرون الفاضلة المشهود لها بالخيرية ، وهيهات أن يفلح أعداء الله ورسوله ، فإن للحق نورا ، وللسنة ضياءا ، ( والله متم نوره ولو كره الكافرون ) [سورة الصف آية 8 ] . أما المسائل العقائدية فإنهم أخذوا يثيرونها ، ويقررون من خلال ذلك عقائدهم المخالفة لكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وعقيدة سلف هذه الأمة من صحابة وتابعين – رضوان الله عليهم أجمعين – فأحيوا مذهب الاعتزال وآراءه البالية ووصفوها بأنها هي السنة وبالتالي يقررون أن من نحا منحى المعـــتزلة والخوارج في العقيدة هم أهل السنة !!! ، ويعيبون منهج أهل الحديث الذين هم أهل السنة بالحق والــصدق ممن ذكرناهم لك في الفصل الأول من الأئمة الأربعة – رضي الله عنهم – وغيرهم من أئمة الإسلام الأعـــلام من السابقين الأولين ، ويصورونهم بأنهم حشوية ومشبهة ومجسمة ووهابية كما سبق وأن بينا شهادة الأئمة على ذلك . ومن أهم هذه المسائل التي يكثر شغبهم من خلالها : - رؤية المومنين لربهم في الجنة . - مسألة خلق القرآن . - إثبات الصفات لله – تعالى – على الوجه اللائق . - تكفير المخالفين من أهل القبلة . - إثبات شفاعة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لأهل الكبائر من الموحدين ، وعدم خلودهم في النار - عدالة الصحابة الكرام _ رضي الله عنهم - . وسوف نقرر – إن شاء الله تعالى – ما هو الحق من مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك بعد حين . وأما المسائل الفقهية فعبث المخالفين فيها لا يحصى ، فهم يركضون على غير هدى كالذي يتخبطه الشيطان من المس ، لأجل التشويش على مصداقية علماء أهل السنة والجماعة ، والتشويش على صدق أهل الحديث في نقلهـم لأحكام الإسلام ، وذلك عن طريق التشنيع على العلماء والمجتهدين ببعض الآراء الاجتهادية في بعض مسائل الفروع التي أجمعت الأمة على أن للإجتهاد فيها مسرح وأن المخالف لا يضلل في شيء منها ، بل إن المجتهد إذا اجــتهد فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر الإجتهاد ، كما ثبت ذلك عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح الإمام البخاري – رحمه الله تعالى - . إن التشنيع على العلماء بفتاواهم في فروع الأحكام ونوازل الأيام مما اجتهدوا فيه فأصابوا أو أخطؤوا نوع من التردي في أغوار بعيدة من الجهل ، وسوء أدب الغاية منه تشجيع عامة الناس ودهمائهم على الوقوع في أعــراض العلماء ، ونزع مصداقيتهم وتوقيرهم من صدور المسلمين ، ثم بعد ذلك يبقى العامة مفصولين عن علمائهم – كما أشرنا سابقا – فيستأسد عليهم هؤلاء المبتدعة وإخوانهم من شياطين الإنس والجن فيجتالونهم عن دينهم ، وهــذه الرسالة أضيق من أن تتسع لمناقشة المسائل الفقهية محور شغب المخالفين ، وحسبي هنا أن أضع القارئ الكريــم على هدف هؤلاء من إثارة هذه المسائل بهذه الصورة ، مع أنها مما يسع فيه الخلاف ، وليست مدارا للتضليل بـين الأمة ، والله المستعان .
المســــائل العقائــديـة ما نحن بصدده في هذا المبحث تقرير قول سلفنا الصالح من الصحابة الكرام ، والتابعين لهم بإحسان من أئمة الهدى ، كالأئمة الأربعة ، مالك بن أنس ، وأبي حنيفة النعمان ، ومحمد بن إدريس ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم من أعلام أهل الحديث _ رضي الله عنهم أجمعين _ ، وليس غرضنا تتبع شبه المخالفين لأهل السنة لأجل الــــرد علــيها ، فذاك شأن يطول ويخرج بنا عن مقصد هذه الرسالة ، غير أننا قد نشير إلى ما يقتضيه المقام مما يتعلق به إيضاح المقصود من الردود والله الموفق . { المسألة الأولى } : رؤية المؤمنين لربهم – جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه – في الجنة : ( 1 ) : قال الله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظـرة ) [ سورة القيامة آية 22 ، 23 ] قال ابن عباس – رضي الله عنهما - :" تنظر إلى وجه ربها – عز وجل – " ( ) . قال عكرمة – رحمه الله - : " تنظر إلى ربها نظرا " ( ) . وقال الحسن – رحمه الله - :" تنظر إلى الخالق ، وحق لها أن تنضر "( ) وقال رجل للإمام مالك بن أنس – رضي الله عنه - : يا أبا عبد الله ، قول الله تعالى ( إلى ربها ناظرة ) ،يقول قوم إلى ثوابه ؟!! فقال الإمام مالك : " كذبوا ، فأين هم عن قوله تعالى ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [سورة المطففين الآية 15]. ( 2 ) : قال الله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ سورة يونس آية 26] . الحسنى هي : الجنة ، والزيادة هي : النظر إلى وجهه الكريم _ جل وتعالى - ، فسرها بذلك رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – والصحابة من بعده : روى الإمام مسلم – رحمه الله – في صحيحه ، عن صهيب – رضي الله عنه - ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : ما هو ؟، ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويجرنا من النار ؟ ، فيكشف الحجاب ، فينظرون إليه ، فما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ثم تلا : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ( ). وكذلك فسرها الصحابة الكرام – رضي الله عنهم - ، روى ذلك الإمام محمد بن جرير الطبري – رحمه الله في تفسيره ، عن جماعة من الصحابة منهم : أبي بكر الصديق ، وحذيفة ، وأبي موسى الأشعري ، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين( ). ( 3 ) : قال الله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [سورة المطففين آية 15] قال الربيع بـن سليمان : كنت ذات يوم عند الشافعي ، وجاءه كتاب من الصعيد ، يسألونه عن قوله عــز وجـل :( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ، فكتب : لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونـه بالرضا . قلت : أو تدين بهذا يا سيدي ؟ . فقال : " والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا " ( ) . ( 4 ) : قال الله تعالى : ( لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ) [سورة ق آية 3] . قال الحافظ عماد الدين ابن كثير – رحمه الله - : ( وقوله تعالى " ولدينا مزيد " كقوله عز وجل " للذيــن أحسنوا الحسنى وزيادة "وقد تقدم في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي أنها النظر إلى وجه الله الكريم ) (4/290) ( 5 ) : وأما الاحاديث عن النبي – صلى الله عليه وآله - الدالة على الرؤية ، الصريحة فيها فمتواترة ، رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن ، منها :
( 1 ) : حديث جرير بن عبد الله – رضي الله عنه - : قال : كنا جلوسا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، قال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استــطعتم أن لا تغـلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا ) [ أخرجاه في الصحيحين ] . ( 2 ): حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري _ رضي الله عنهما - : أن ناسا قالوا : يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ ) . قالوا : لا يا رسول الله . قال : ( فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ ) قالوا : لا يا رسول الله . قال : ( فإنكم ترونه كذلك ) [ أخرجاه في الصحيحين بطوله ] . ( 3 ) : حديث صهيب – رضي الله عنه – المتقدم في تفسير الزيادة ، في الفقرة الثانية من هذا المبحث . ( 4 ) : حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين ، وحديث عدي بن حاتم في صحيح الإمام البخاري – رحمه الله - ، وغيرها كثير حتى إن علماء الحديث صرحوا أنه قد روى أحاديث الرؤية اكثر من ثلاثين صحابيا . ( 6 ) :قال العلامة المحدث الفقيه : أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني في كتاب " نظم المتناثر من الحديث المتـواتر ( ص 238 – 240 ) عند الكلام على الحديث رقم ( 307 ) : ( إنكم ستـرون ربكم – يعني يوم القيامة – كما ترون القمر … ) ، قال – رحمه الله - : ( ذكره السعد في شرح النسفية ، وقال : هو حديث مشهـور ، رواه واحد وعشرين من أكابر الصحابة – رضي الله عنهم – " أ.هـ وقد نقله الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي في حواشيه على " المسايرة " لشيخه ابن الهمام ، وقال عقبه ما نصه : " قلت : أخذ هذا من الكفاية ، قال فيهــا : وذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي – رحمه الله – في تصنيف له ، قال : على صحة حديـث الرؤية عدة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلهم أئمة منهم : 1 – ابن مسعود 2 – ابن عمر 3 – ابن عباس 4 - وصهيب 5 – وأنس 6 – وأبو موسى 7 – وأبو هريرة 8 – وأبو سعيد الخدري 9 – وعمار بن ياسر 10- وجابر بن عبد الله 11- ومعاذ بن جبل 12- وثوبان 13- وعمارة بن رويبة الثقفي 14- وحذيفة 15- وأبو بكر الصديق 16- وزيد بن ثابت 17- وجرير بن عبد الله اليمني 18- وأبو أمامة الباهلي 19- وبريدة الأسلمي 20- وأبو برزة الأسلمي 21- وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي - رضوان الله عليهم أجمعين ، فهم واحد وعشرون من مشاهير الصحابة وكبرائهم ، نقلوه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واتفقوا على ثبوته ، ولم يشتهر عن غيرهم خلاف ذلك ، فكان إجماعا " أ.هـ ثم ذكر الشيخ قاسم من خرج أحاديثهم من الأئمة ثم عد أيضا ممن رواه : 22- أبا رزين العقيلي 23- وعبادة بن الصامت 24- وكعب بن عجره 25- وفضالة بن عبيد 26- وأبي بن كعب 27-وعبد الله بن عمرو 28- وعائشة فانظره . وقال ابن أبي شريف في شرحها – أيضا - : أحاديث الرؤية متواترة معنى ، فقد وردت بطرق كثيرة عن جمع كثير من الصحابة ، ذكرنا عدة منها في حواشي شرح العقائد أ.هـ وقال اللقاني في شرح جوهرته : أحاديث رؤية الله تعالى في الآخرة بلغ مجموعها مبلغ التواتر مع اتحاد ما تشير إليه وإن كان تفاصيلها آحاد أ.هـ . وقال الدميري في " حياة الحيوان " في مبحث العلق لما ذكر أن رؤيته تعالى في الدنيا والدار الآخرة جائزة بالأدلة العقلية ما نصه : وأما النقلية فمنها … إلى أن قال : ومنها ما تواترت به الأحاديث من إخباره – صلى الله علـيه وسلم – برؤية الله تعالى في الدار الآخرة ، ووقوع ذلك كرامة للمؤمنين أ.هـ . وفي المواهب في الكلام على الإسراء : تواترت الأخبار عن أبي سعيد وأبي هريرة وأنس وجرير وصهيب وبلال وغير واحد من الصحابة عن النبي – صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يرون الله تعالى في الدار الآخرة في العرصات وفي روضات الجنات جعلنا الله منهم) . انتهى نص ما جاء في كتاب الإمام الكتاني " نظم المتناثر من الأحاديث المتواتر" . وممن نص على تواتر أحاديث الرؤية – أيضا - فوق من ذكر : الحافظ عماد الدين بن كثير في تفسير القرآن العظيم (4/578 ) فقد قال ما نصه : ( وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها ) ثم قال : ( وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام ، وهداة الأنام )أ.هـ . والإمام ابن حزم في كتابه " الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/3 ) . والإمام الحافظ ابن القيم في " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ( ص 231 ) . وغير هؤلاء كثير ممن لا يعد فيحصى ، ولا يحصر فيستقصى !!! . ( 7 ) : قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : سمعت أبا بكر بن فورك يقول : سئل الأستاذ أبو سهل ( ) ، عن جواز رؤية الله تعالى من طريق العقل ، فقال : الدليل عليه شوق المؤمنين إلى لقائه ، والشوق إرادة مفرطة ، والإرادة لا تعلق بالمحال . فقال السائل : ومن الذي يشتاق إلى لقائه ؟ فقال الأستاذ أبو سهل : " يشتاق إليه كل حر مؤمن ، فأما من كان مثلك فلا يشتاق "( ) . ( 8 ) : قال الإمام مالك بن أنس – رضي الله عنه - : " الناس ينظرون إلى الله تعالى بأعينهم يوم القيامة " ( ) . ( 9 ) : قال الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنه - : " من قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر " ( ) . ( 10 ) : قال الوليد بن مسلم ( ) ، : " سألت الأوزاعي ، وسفيان ، ومالك بن أنس ، عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية فقالوا : ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) ، وفي لفظ ( أمضها بلا كيف ) وفي ثالث ( . . بلا كيفية ) ( ). ( 11 ) : روى يزيد بن هارون ( ) في مجلسه حديث جرير بن عبد الله في الرؤية وقول رسول الله _ صلى الله عليه وسلم - : ( إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر ) فقال رجل في مجلسه : يا أبا خالد ! ما معنى هذا الحديث ؟ ، فغضب وحرد ، وقال : " ما أشبهك بصبيغ ( )، وأحوجك إلى مثل ما فعل به ، ويلك !!! ، ومن يدري كيف هذا ؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه ، واستخف بدينه ؟!!! ، إذا سمعتــم الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاتبعوه ولا تبتدعوا فيه ، فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم ، وإن لم تفعــلوا هلكتم " [ ذكره شيخ الإسلام الصابوني في " عقيدة السلف وأصحاب الحديث " ص 237]. ( 12 ) : قال الإمام إسماعيل بن يحيى المزني المتوفى سنة 264هـ - وهو من أخص تلامذة الإمام الشافعي رضي الله عنهم أجمعين – في رسالته " شرح السنة " في عقيدة أهل السنة والجماعة ص82 :( وأهل الجـنة يومئذ في الجنة يتنعمون ، وبصنوف اللذات يتلذذون ، وبأفضل الكرامات يحبرون ، فهم حينئذ إلى ربهم ينظرون ، لا يمارون في النظر إليه ، ولا يشكون ، فوجوههم بكرامته ناضرة ، وأعينهم بفضله إليه ناظرة ، في نعيم دائم مقيم …) ولما قال المزني : سمعت إبراهيم بن هرم القرشي يقول : سمعت الشافعي يقول في قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين 15 ] : فلما حجبهم في السخط كان هذا دليل على أنهـم يرونه في الرضا ، قال أبو النجم القزويني للإمام المزني : يا أبا إبراهيم : به تقول ؟ قال : نعم ، وبه أدين . فقام إليه عصام فقبل رأسه ، وقال : يا سيد الشافعيين اليوم بيضت وجوهنا . أورده هكذا المقريزي في كتاب " المقفى الكبير " ( 5/346 ) وأورده مختصرا جدا البيهقي في " مناقب الشافعي " ( 2/353 )
{ المسألة الثانية } : مسـألة خلق القرآن : ( 1 ) : قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - في القرآن : ( ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله ، منه بدأ ، وإليه يعود ) ( ). ( 2 ) : قال عبدالله بن عباس ، وعبدالله بن مسعود – رضي الله عنهم - : ( القرآن كلام الله ، مــنــه بـدأ وإليه يعود ) ( ). ( 3 ) : قال سفيان بن عيينه – رحمه الله - : "سمعت عمرو بن دينار يقول : " أدركت مشايخنا والناس منذ سبعين سنة يقولون : ( القرآن كلام الله ، منه بدأ ، وإليه يعود ) " ( ) . ( 4 ) : كان مالك بن أنس – رضي الله عنه – يقول : ( من قــــال القـرآن مخلـوق يوجـع ضربـا ، ويـحـبس حتى يموت ) [ أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب " السنة " ( 1/106-107 ) بسند صحيح ] . ( 5 ) : عن سفيان الثوري – رحمه الله – قال : " من قال :إن ( قل هــو الله أحد ) [ سورة الإخلاص آية 1-2] مخلوق فهو كافـر " [ أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب " السنة " (1/107-108) بسند حسن ] . ( 6 ) : عن محمد بن أعين – رحمه الله – قال : سمعت النظر بن محمد يقول : " من قال ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) [ سورة طه الآية 14] ، مخلوق فهو كافر . قال : فأتيت ابن المبارك ، فقلت له : ألا تعجب من أبي محمد قال كذا وكذا ، قال : " وهل الأمر إلا ذلك ؟ ، وهل يجد بدا من أن يقول هذا ؟ " [ أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب " السنة " (1/110) ، وأبو داود في " مسائله " ص 267، بسند حسن ] . ( 7 ) : وعن غياث بن جعفر قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : " القرآن كلام الله – عز وجل - ، ومن قال مخلوق فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر " . [ أخرجه عبدالله في " السنة " (1/112) ، بسند حسن ، وأخرجه أبو داود في " مسائله " مختصرا ] . ( 9 ) : عن شاذ بن يحيى ، قال : حلف لي يزيد بن هارون في بيته : " والله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، من قال إن القرآن مخلوق فهو زنديق " . [ أخرجه عبد الله في " السنة " (1/122) ، وأبو داود في " مسائله " ص 268 وسنده حسن ] . ( 10 ) : عن أبي داود قال : " كتبت ورقة ، وأرسلت بها إلى أبي عبدالله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – وهـو يومئذ متوار . . ، وفيها قوله ( القرآن ليس بمخلوق ) . [ أخرجه أبو داود في " مسائله " ص 265 ] . ( 11 ) : أخرج أبو داود في " مسائله " عن الإمام أحمد –رحمه الله – ص 262 قال : سمعت أحمد ذكر له رجل أن رجلا قال : إن أسماء الله مخلوقة ، والقرآن مخلوق ؟ ، قال أحمد : ( كفر بين ) . ( 12) : عن الربيع بن سليمان : أن حفصا الفرد سأل الشافعي عن القرآن ، فاحتج عله الشــافعي ، وطالت المناظرة ، فأقام الشافعي الحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وكفـر حفصا الفرد . قال الربـيع : فلقيت حفصا الفرد في المجلس بعد فقال : أراد الشافعي قتلي . [ أخرجــه ابن أبي حاتم في " آداب الشافعي" ص 194- 195 ، وسنده صحيح ]. (13 ) : عن أبي يعقوب البويطي – رحمه الله - ، صاحب الإمام الشافعي ، قال : ( من قال القرآن مخلوق فهو كافر ) [ أخرجه أبو داود في " مسائله " ص 268 ، بسند صحيح ] . ( 14 ) : قال الإمام أبو الحسن الأشعري ( 260 – 324 ) – رحمه الله - ، في كتابـه " الإبانة " ص ( 63-85 ) ما نصه : ( "الباب الثاني " : الكلام في أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق …) فأورد الأدلة الدامغة لشبه المعتزلة والجهمية الذين كانوا يرفعون لواء القول بخلق القرآن في عهده – رحمه الله – فكان مما قال : ( .. وزعمت الجهمية كما زعمت النصارى أن كلمته تعالى حواها بطن مريم – رضي الله عنها - ، وزادت الجهــمية عليهم ، فزعمت أن كلام الله مخلوق حل في شجرة ، كانت الشجرة حاوية له ، فلزمهم أن تكون الشجرة بذلك الكـلام متكلمة ، ووجب عليهم أن مخلوقا من المخلوقين كلم موسى _ صلى الله عليه وسلم - ، وأن الشجرة قالت : ( يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) .
فلو كان كلام الله مخلوقا في شجرة ، لكان المخلوق قال ( يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) ، وقد قال تعالى : ( ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [ سورة السجدة الآية 13 ] وكلام الله من الله تعالى ، فلا يجوز أن يكون كلامه الذي هو منه مخلوقا في شجرة مخلوقة ، كما لا يجوز أن يكون علمه الذي هو منه مخلوقا في غيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . ) ثم قال : ( ..دليل آخر : ومما يبطل قولهم إن الله قال مخبرا عن المشركين انهم قالوا ( إن هذا إلا قول البشر ) [ سورة المدثر آية 25] يعني القرآن ، فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر ، وهذا ما أنكره الله على المشركين ..) . كما أثبت – رحمه الله – في كتابه " اللمع " ص 22 وما بعدها ( ط بيروت 1952 ) : أن الله لم يـــزل متكلما ، وأبطل قول من قال أنه خلق الكلام في نفسه أوفي غيره . ( 15 ) : قال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحميم الصابوني (373- 449 ) في رسالته التي ألفها في عقيدة أهل السنة والحديث ما نصه (ص 165 ) : (.. ويشهد أهل الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله ، وكتابه ، ووحيه ، وتنزيله ، غير مخلوق ، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم ) ثم فصل القول ، وذكر أدلته ، وقال بعد ذلك بإسناده عن الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة – رحمه الله – أنه قال : " القرآن كلام الله غير مخلوق ، فمن قال أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم ، لا تقبل شهادته ، ولا يعاد إن مرض ، ولا يصلى عليه إن مات ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه " . وقد نقل قول الإمام ابن خزيمة هذا – أيضا – الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه الموسوعة " سير أعلام النبلاء " (14/374 ) عند ترجمته لإمام الأئمة ابن خزيمة – رحمهم الله جميعا - . ( 16 ) : قال الإمام المحدث العلامة أبو جعفربن محمد الطحاوي ( 239-321 ) في عقيدة أهل السنة والجماعة التي ألفها ، وقال في مقدمتها : ( هذا ذكر بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنــيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم البجلي ، وأبي عبدالله محمد بن الحسن الشيباني – رضي الله عنهم – وما يعتقدون في أصول الدين ، ويدينون به لرب العالمين ) ثم قال بعد فصـول : ( ولا نجادل في القرآن ، ونعلم أنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين فعلمه سيد المرسلين ، محمد – صلى الله عليه وسلم ، وعـلى آله أجمعين – وكلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ، ولا نقول بخــلقه ولا نخالف جماعة المـسلمين ) ا. هـ ص 15 . ( 17 ) : قال الحافظ الإمام عبد الغني المقدسي في رسالته " الاقتصاد في الاعتقاد " ص 136 : ( وأجمع أئمة السلف ، والمقتدى بهم من الخلف على أنه غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر ) . ( 18 ) : نقص عليك – أيها القارىء الكريم – في هذا الفصل خبر محنة أئمة أهل السنة ، وثباتهم على معتقد أهل السنة والجماعة في القول بعدم خلق القرآن إلى الموت ، وتصريحهم بأنها عقيدة لا تقبل المساومة ، ولا تحتمل المقايضة ولو كان الثمن هو الحياة : يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجـود - خبر محنة الإمام أحمد بن حنبل الشيباني – رحمه الله - . - خبر محنة الإمام أحمد بن نصر الخزاعي – رحمه الله - . - خبر محنة الإمام أبو يعقوب يوسف بن يحي البويطي – رحمه الله - .
{ الفرع الأول } : ملخص محنة الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – من كلام أئمة السنة ، منقولة من نص قول الحافـظ عماد الدين ابن كثير – رحمه الله – في كتابه الـتأريخي العظيم " البداية والنهاية"( 10/ 346-349): قال – رحمه الله - : ( ملخص الفتنة والمحنة من كلام أئمة السنة : قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل . قال البيهقي : ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس إلا على مذهب السلف ومنهاجهم ، فلما ولي هو اجتمع عليه هؤلاء فحملوه على ذلك وزيـنوه له ، واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن ، واتفق له ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة ثماني عشرة ومائتين . فلما وصل الكتاب – كما ذكرنا – استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا ، فتهددهــم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين ، واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ، ومحـمد بن نوح الجند النيسابوري ، فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك ، وهما مقيدان متعادلان في محـمل على بعير واحد ، فلما كانا ببلاد الرحبة جاءهما رجل من الأعراب من عبادهم ، يقال له جابر بن عامر ، فسـلم على الإمام أحمد ، وقال له : " يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم ، وإنك رأس الناس اليوم فإيــاك أن تجيبهم إلى ما يدعونك فيجيبوا ، فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه ، فإنه ما بينك وبين أن تدخل الجنة إلا أن تقتل ، وإنك إن لم تقتل تمت ، وإن عشت عشت حميدا ، " . قال الإمام أحمد : " وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامـتناع من ذلك الذي يدعونني إليه " . فلما اقتربا من جيش الخليفة ، ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول : يعز علي يا أبا عبدالله ؛ إن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك ، وأنه يقسم بقـرابته من رسول الله _ صلى الله عليه وسلم – لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف . قال : فجثـــا الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال : " سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل ، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته " . قال : فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل . قال أحمد : ففرحنا ، ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد ، وأن الأمر شديد ، فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسرى ، ونالني منهم أذى كثير ، وكان في رجليه القيود ، ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق ، وصلى عليه أحمد ، فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان ، فأودع في السجن نحوا من ثمــانية وعشرين شهرا ، وقيل : نيفا وثلاثين شهرا ، ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم ، وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه . ذكر ضربه _ رضي الله عنه – بين يدي المعتصم لما أحضره المعتصم من السجن زاد في قيوده ، قال أحمد : " فلم أستطع أن أمشي بها فربطتها في التكة وحملتها بيدي، ثم جاؤوني بدابة فحملت عليها فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود وليس معي أحد يمســكني ، فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم ، فأدخلت في بيت وأغلق علي وليس عندي سراج ، فأردت الوضوء فإذا إنــاء فيه ماء فتوضأت منه ، ثم قمت ولا أعرف القبلة ، فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد .
ثم دعيت فأدخلت على المعتصم ، فلما نظر إلي وعنده ابن أبي دؤاد قال : أليس قد زعمتم أنه حدث السن ، وهذا شيخ مكـهل ؟ فلما دنوت منه وسلمت قال لي : ادنه ، فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ، ثم قال : اجلس ، فجلست ، وقد أثقلني الحديد ، فمكثت ساعة ثم قلت : يا أمير المؤمنين إلى ما دعا إليه ابن عمك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله . قلت : فإني أشهد أن لا إله إلا الله . قال : ثم ذكرت له حديث ابن عبـاس في وفد عبد القيس ثم قلت : فهذا الذي دعا إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - . قال : ثم تكـلم ابن أبي دؤاد بكلام لم أفهمه ، وذلك أني لم أتفقه كلامه ، ثم قال المعتصم : لولا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك .ثم قال : يا عبد الرحمن ألم آمرك أن ترفع المحنة ؟ ، قال أحمد : فقلت : الله أكبر ، هذا فرج للمسلمين . ثم قال : ناظره يا عبد الرحمن ، كلمه ، فقال لي عبد الرحمن : ما تقول في القرآن ؟ ، فلم أجبه ، فقال المعتصم : أجبه ، فقلت : وما تقول في العلم ؟ فسكت ، فقلت : القرآن من علم الله ، ومن زعم أن علم الله مخلوق فقـد كفر بالله ، فسكت ، فقالوا فيما بينهم : كفرك وكفرنا ، فلم يلتفت إلى ذلك: ، فقال عبد الرحمن : كــان الله ولا قرآن ، فقلت : كان الله ولا علم ؟ ، فسكت . فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، اعطوني شيئا من كتاب الله أوسنة رسوله حتى أقول به !! . فقال ابن أبي دؤاد : وأنت لا تقول إلا بهــذا وهذا ؟ فقلت : وهل يقوم الإسلام إلا بهما . وجرت منظرات طويلة ، واحتجوا عليه بقوله : ( ما يأتيهــم من ذكر من ربهم محدث ) [ سورة الأنبياء الآية 2 ] ، وبقوله : ( الله خالق كل شيء ) [ سورة الرعد الآية 16 ] ، وأجــاب بما حاصله أنه عام مخصوص بقوله : ( تدمر كل شيء بأمر ربها ) [ سورة الأحقاف الآية 25 ] ، فقال ابن أبي دؤاد : هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع ، وهنا قضاتك والفقهاء فسلهم ، فقال لهم : ما تقولون ؟ فأجابوا بمثل ما أجاب به ابن أبي دؤاد ، ثم أحضروه في اليوم الثاني ، وناظروه في اليوم الثالث ، وفي ذلك كله يعلو صوته عليهم ، وتغلب حجته حججهم . قال : فإذا سكتوا فتح الكلام عليهم ابن أبي دؤاد ، وكان من أجهلهم بالعلم والكلام ، وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة ولا علم لهم بالنقل ، فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها ، وسمعـت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحدا يقولها ، وقد تكلم معي ابن غوث بكلام طويل ذكر فيه الجسـم وغيره بما لا فائدة فيه ، فقلت : لا أدري ما تقول ، إلا أني أعلم أن الله أحد صمد ليس كمثله شيء ، فسكت عــني . وقد أوردت لهم حديث الرؤية في الدار الآخرة فحاولوا أن يضعفوا إسناده ، ويلفقوا عن بعض المحدثين كلاما يتسلقون به إلى الطعن فيه ، وهيهات ، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ؟! وفي غبون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول : يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي . فأقول : يا أمير المؤمنين ، يأتوني بآية من كتاب الله ، أو سنة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم _ حتى أجيبهم إليها !! . واحتج أحمد عليهم حين أنكروا الآثار بقوله تعالى : ( يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) [ سورة مريم الآية 42 ] ، وبقوله : ( وكلم الله موسى تكليما ) [ سورة النساء الآية 163 ] ، وبقوله : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) [ سورة طه الآية 14 ] ، وبقوله : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ سورة النحل الآية 40 ] ونحو ذلك من الآيات . فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة ، فقالوا : يا أمير المؤمنين هذا كافر مضل . وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد : يا أمير المؤمنين ، ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين ، فعنــد ذلك حمي واشتد غضبه ، وكان ألينهم عريكة وهو يظن أنهم على شيء . قال أحمد : فعند ذلك قال لي : لعنك الله ، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني !! ، ، ثم قال خذوه واخلعوه واسحبوه !!! .
قال أحمد : فأخذت وسحبـت ، وخلعت ، وجيء بالعاقبين والسياط وأنا أنظر ، وكان معي شـــعرات من شعر النبي – صلى الله عيه وسلم – مصرورة في ثوبي ، فجردوني منه وصرت بين العقابين ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، الله الله ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث ..) وتلوت الحديث ، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حــتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم ) ، فبم تستحل دمي ولم آت شيــئا من هذا ؟ يا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي هذا بين يديك ، فكأنه أمسك . ثم لم يزالوا يقولون له : يا أمير المؤمنين ، إنه ضال مضل كافر ، فأمر بي ، فقمت بيت العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه ، وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي أي الخشبتين ، فلم أفهم ، فتخلعت يداي ، وجيء بالضرابين ومعهم السياط ، فجعل أحدهم يضربني سوطين ، ويقول له – يعني المعتصم - : " شد قطع الله يديك " ، ويجـيء الآخر فيضربني سوطين ، ثم الآخر كذلك ، فضربوني أسواطا فأغمي علي ، وذهب عقلي مرارا ، فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي ، وقام المعتصم إلي يدعوني إلى قولهم ، فلم أجبه ، وجعلوا يقولون : ويحك الخليفة على رأسـك فلم أقبل ، وأعادوا الضرب ، ثم عاد إلي فلم أجبه ، فأعادوا الضرب ، ثم عاد إلي الثالثة ، فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب ، ثم أعادوا الضرب ، فذهب عقلي فلم أحس بالضرب ، وأرعبه ذلك من أمري ، وأمر بي فأطلقت ، ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان في سنة احدى وعشرين ومائتين . ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله ، وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطا ، وقيل : ثمانبن سوطا ، لكن كان ضربا مبرحا شديدا جدا ، وقد كان الإمام أحمد رجلا طوالا رقيقا أسمر اللون ، كثير التواضع – رحمه الله - . ولما حمل من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم ، أتوه بسويق ليفطر من الصوم ، فامتنع من ذلك وأتم صومه ، وحين حضرت صلاة الظهر ، صلى معهم ، فقال له ابن سماعة القاضي : وصليت في دمك ! ! ، فقال له أحمد : قد صلى عمر وجرحه يثعب دما ، فسكت . ويروى أنه لما أقيم ليضرب انقطعت تـكة سراويله ، فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته ، فحرك شفتيه ، فدعا الله فعاد سراويله كما كان ، ويروى أنه قال : يا غياث المستغيثين ، يا إله العالمين ، إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة . ولما رجع إلى منزله جاءه الجرايحي فقطع لحما ميتا من جسده ، وجعل يداويه ، والنائب في كل وقت يسأل عنه ، وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا ، وجعل يسأل النائب عنه ، والنائب يستعلم خبره ، فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك ، ولما شفاه الله بالعافية ظل مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد ، وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة ، وكان يتلوا في ذلك قوله تعالى : ( وليعفوا وليصفحوا . . . الآية ) [سورة النور الآية 22 ] ، ويقول : ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك ؟ ، وقد قال تعالى : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ) [ سورة الشورى الآية 40 ] ، وينادي المنادي يوم القيامة ،: " ليقم من أجره على الله ، فلا يقوم إلا من عفا " ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله _ صلى الله عيه وسلم - : ( ثـلاث أقسم علـيهن : ما نقص مال من صــدقة ، وما زاد الله عــبدا بعــفو إلا عـزا ، ومن تواضـع لله رفعه الله ) . ) أ . هـ ، كلام الحافظ ابن كثير بنصه .
{ الفرع الثاني } : ملخص خبر محنة الإمام أحمد بن نصر الخزاعي – رحمه الله - : الإمام أحمد بن نصر هذا قال عنه الحافظ عماد الدين ابن كثير – رحمه الله – : " بأنه كان من أهل العلم والديانة ، والعمل الصالح والاجتهاد في الخير ، وكان من أئمة السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المـنكر ، وممن يدعو إلى القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وكان الواثق [ أي الخليفة العباسي 196-232 ] من أشد الناس في القول بخلق القرآن ، يدعو إليه ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا ، اعتمادا على ما كان عليه أبوه قبله ، وعمه المأمون ، من غير دليل ولا برهان ، ولا حجة ولا بيان ، ولا ســـنة ولا قرآن " [ البداية والنهايـة 10/ 317 ] . وقال عنه في موضع آخر : " وقد كان أحمد بن نصر هذا من أكابر العلماء العاملين ، القائمين بالأمــر بالمعروف والنهي عن المنكر .. " قام الإمام أحمد بن نصر – رحمه الله – يدعو إلى الله ، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، فأحضره الواثق ، وأوقفه بين يديه ، بحضور جماعة من أعيان المبتدعة منـهم القاضي المعتزلي رأس المبتدعة في عصره أحمد بن أبي دؤاد . فقال الواثق للإمام أحمد : ما تقول في القرآن ؟ فقال الإمام أحمـــد : هو كلام الله . قال الواثــــــق : أمخلوق هــو ؟ قال الإمام أحمـــد : هو كلام الله . وكان الإمام أحمد قد استقتل ، وباع نفسه ، وحضر وقد تحنط وتنور ، وشد على عورته ما يسترها ، فقال له الواثق : فما تقول في ربك ، أتراه يوم القيامـــة ؟ فقال الإمام أحمد : يا أمير المؤمنين : قد جاء القرآن والأخبار بذلك ، قال الله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) [ سورة القيامة الآية 22-23 ]
، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ( إنكم سـترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) ( ) ، فنحن على الخبر . قال الحافظ عماد الدين ابن كثير : " وزاد الخطيب : قال الواثق : ويحك ! أيرى كما يرى المحدود والمتـجسم ؟، ويحويه مكان ، ويحصره الناظر ؟ ، أنا أكفر برب هذه صفته !!! " قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : " قلت : ما قاله الواثق لا يجوز ، ولا يلزم ، ولا يرد به هذا الخبر الصحيح ، والله أعلم " ، ثم قال الإمام أحمد بن نصر للواثق : وحدثني سفيان بحديث يرفعه : ( إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله يقلبه كيف يشاء ) ( )، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ( )، وبعد حوار، قال بعض قضاة المبتدعة : هو حلال الدم ، وقال آخر : من أصحاب أحمد بن أبي دؤاد : اسقني دمه يا أمير المؤمنين !! ، فقال الواثق : لا بد أن يأتي ما تريد !! ، ثم قال أحمـد بن أبي دؤاد : هو كافر يستتاب ، لعل به عاهة ، أو نقص عقل ، فقال الواثق : ما أراه إلا مؤديا لكفره ، قائما بما يعتقده منه . ثم نهض إليه بسيفه المسمى بالصمصامة ، وقال : إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي ، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده ، ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها " ، ثم أمر بالنطع ، فأجلس عليه ، وهو مقـيد ، وأمر أن يشد رأسه بحبل ، وأمرهم أن يمدوه ، فلما انتهى إليه ضربه بالسيف على عاتقه ، ثم ضربه أخرى علــى رأسه ، ثم طعنه في بطنه ، فسقط صريعا – رحمه الله – على النطع ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم قام إليه أحــد رؤوس المبتدعة ويسمى [ سيما الدمشقي ] فضرب بسيفه عنق الإمام أحمد ، وحز رأسه ، ثم حمل جسده الطـيب – رحمه الله - فصلب ،وفي رجليه زوج قيود ، وعليه سراويل وقميص ، وحمل رأسه إلى بغداد ، فنصب في الجانب الشرقي أياما ، وفي الغربي أياما ، وعنده حرس في الليل والنهار ، وفي أذنه رقعة مكتوب فيها : ( هذا رأس الكافر المشرك الضال ، أحمد بن نصر الخزاعي ، ممن قتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن ، ونفي التشبيه ، وعرض عليه التوبة ، ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح ، فالحمد لله الذي عجله إلى ناره ، وأليم عقابه بالكفر ، فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه ) فتدبروا يا أهل السنة ! ! : إن الحرب قديمة من المبتدعة على خلق القرآن ، ونفي رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ، ورمي من أثبت الرؤية وصفات الله تعالى على الوجـه اللائق به بالتشبيه والتجسيم والشرك والكفر والضلال ، فالله المستعان ! ! !
.. قال جعفر بن محمد الصائغ : بصرت عيناي وإلا فقئتا ، وسمعت أذناي وإلا فصمَّتا أحمد بن نصر الخزاعي حين ضربت عنقه ، يقول رأسه : ( لا إله إلا الله ) ، وقد سمعه بعض الناس وهو مصلوب على الجذع ورأسه يقرأ : ( ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) [ سورة العنكبوت الآية ]، قال : فاقشعر جلدي . ورآه بعضهم في النوم فقال له : ما فعل بك ربك ؟ فقال : " ما كانت إلا غفــوة حتى لقيت الله عز وجل ، فضحك إلي " . وذكره يوما يحيى بن معين فترحم عليه وقال : قد ختم الله له بالشهادة ، وأثنى عليه جدا . وذكره الإمام أحمد ابن حنبل يوما فقال : رحمه الله ، ما كان أسخاه بنفسه لله ، لقد جاد بنفسه له . هذا ولم يزل رأس الإمام أحمد بن نصر منصوبا ، وجثته مصلوبة ما يزيد على ست سنين ، وفي خلافة المتوكل العباسي أمر بدفنه ، وجمع بين رأسه وجثته ، ودفن في الجانب الشرقي من بغداد . ثم إن الإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني دخل على الخليفة العباسي المتوكل فقال له : يا أمير المؤمنين ! ما رؤي أعجب من أمر الواثق ! ، قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن . قال : فوجد المتوكل من ذلك ، وساءه ما سمعه في أخيه الواثق ، إذ دخل عليه وزيره محمد بن عبد الملك الزيات [ وكان أحد المحرضين للواثق على قتل الأمام أحمد بن نصر ]، فقال له الواثق : يا ابن عبد الملك في قلبي من قتل أحمد بن نصر ! ! . فقال ابن عبـد الملك : يا أمير المؤمنين ، أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين إلا كافرا . ثم دخل عليه هرثمة [ وكان أحـــد المحرضين للواثق على قتله ] ، فقال له الواثق مثل مقالته لابن عبد الملك ، فقال هرثمة : يا أمير المؤمنين ، قطعني الله إربا إربا إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا . ثم دخل عليه ابن أبي دؤاد ن فقال له المتوكل مثل ما قال لصاحبيه ، وكان رأس البدعة في عصره - كما قلنا - ، فقال ابن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين ، ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلا كافرا . قال المتوكل : فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار ، وأما هرثمة ، فإنه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعـرفه رجل من الحي فقال : يا معشر خزاعة هذا الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه ، فقطعوه إربا ، إربا ، وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده – يعني بالفالج – ( وهو الشلل ) ، ضربه الله به قبل موته بأربع سنـــين ، وصودر ماله ، وصار في الأذلين ، و صدق الله تعالى إذ يقول : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، إن الله لا يحب كل خوان كفور ) [ سورة الج الآية 38 ] . انظر ترجمة الإمام أحمد بن نصر الخزاعي في البداية والنهاية للحافظ عماد الدين ابن كثير (10/ 316، 320 ) ، وطبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي (2/51 ، 54 ) ، وغيرها . { الفرع الثالث } : ملخص خبر محنة الإمام البويطي تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنهم ملخصا من كتاب " طبقات الشافعية الكبرى للسبكي – رحمه الله – ( 2 / 162 – 165 ) : هو الإمام الجليل أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي ، من أكابر أصحاب الإمام الشافعي – رضــي الله عنهم - ، كان إماما جليلا ، عابدا زاهدا ، فقيها عظيما ، مناظرا ، جبلا من جبال العلم والدين ، غالب أوقاتـه الذكر والتشاغل بالعلم ، وغالب ليله التهجد والتلاوة ، سريع الدمعة . قال أبو عاصم : كان الشافعي – رضي الله عنه – يعتمد عليه في الفتيا ، ويحيل عليه إذا جاءته مســألة ، واستخلفه على أصحابه بعد موته ، فتخرجت على يديه أئمة تفرقوا في البلاد ، ونشروا علم الشافعي في الآفاق . كان – رحمه الله – متنوعا في صنائع المعروف ، كثير التلاوة ، لا يمر عليه يوم وليلة – غالبا- حتى يختم . كتب ابن أبي دؤاد - وزير الواثق - إلى والي مصر أن يمتحنه في القول بخلق القرآن ، فامتحنه فلم يجب إلى ما أرادوه ، وكان الوالي حسن الرأي فيه ، فقال له : قل فيما بيني وبينك ! ! ، فقال – رحمه الله - : " إنه يقتدي بي مائة ألف ، ولا يدرون المعنى " . وكان الواثق قد أمر أن يحمل إلى بغداد في أربعين رطل من الحديد إن هو لم يجب إلى القول بخلق القرآن !!.
قال الربيع : كان البويطي أبدا يحرك شفتيه بذكر الله ، وما أبصرت أحدا أنزع بحجة من كتاب الله مـــن البويطي ، ولقد رأيته على بغل ، وفي عنقه غل ، وفي رجليه قيد ، وبين الغل والقيد سلسلة حديد ، وهو يقول : " إنما خلق الله الخلق بكن ، فإذا كانت ( كن ) مخلوقة فكأن مخلوقا خلق بمخلوق ، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه ، - يعني الواثق - ، ولأموتن في حديدي هذا ، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم " . الله أكبر . . إنها رسالة إليكم يا أهل السنة في كل زمان ومكان !! : " انه قد مات في هذا الشأن قوم . . " وأي قوم هم ؟؟ إنهم سادة الدنيا ، زين الأمكنة ، وسرج الأمكنة ! ! ، ( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا ، وما استكانوا ، والله يحب الصابرين ) [ سورة آل عمران الآية 146] . فماذا أنتم فاعلون يا أهل السنة .. عامة ، وعلماء ، شيوخا ، وشبابا ؟؟؟ أسائرون على طريق أسلافكم أم ناكصون – وحاشاكم – على أعقابكم ؟؟ ، نسأل الله العافية والثبات لنـا ولكم ! ! . قال أبو يعقوب البويطي – رحمه الله - : " خلق الله الخلق بـ ( كـن ) ، أفتراه خلق مخلوقا بمخلوق ؟ ، والله يقول بعد فناء النار ( لمن الملك اليوم ) ولا مجيب ولا داعي ، فيقول تعالى : ( لله الواحد القهار ) ، فلو كــان مخلوقا مجيبا لفني حتى لا يجيب " وكان يقول – رحمه الله - : " من قال القرآن مخلوق فهو كافر " . قال الإمام السبكي – رحمه الله - : " قلت : يرحم الله أبا يعقوب ، لقد قام مقام الصديقين " ، ثم قال : " قال الساجي : كان البويطي وهو في الحبس يغتسل كل جمعة ، ويتطيب ، ويغسل ثيابه ، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء ، فيرده السجان ، ويقول : ارجع – رحمك الله - . فيقول البويطي : " اللهــم إني أجــبت داعيك فمنعوني " .
قال أبو عمرو المستملي : حضرنا مجلس محمد بن يحيى الذهلي فقرأ علينا كتاب البويطي إليه ، وإذا فيه : " والذي أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث ، لعل الله يخلصني بدعائهم ، فإني في الحديد ! ! ، وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة ! ! " ، فضج الناس بالبكاء والدعاء له " . قال الإمام السبكي – رحمه الله - : " قلت : انظر إلى هذا الحبر – رحمه الله – لم يكن أسفه إلا على أداء الفرائض ، ولم يتأثر بالقيد ، ولا بالسجن ، فرضي الله عنه ، وجزاه عن صبره خيرا ، .. وما كان أبو يعقوب إلا ليموت في الحديد ! ! ، كيف وقد أخبر الربيع : أن الإمام الشافعي قال له : أنت تموت في الحديد . قال الربيع : فدخلت على البويطي أيام المحنة ، فرأيته مقيدا إلى أنصاف ساقيه ، مغلولة يداه إلى عنقه " . مات – رحمه الله عنه – في شهر رجب سنة احدى وثلاثين ومائتين ، في سجن بغداد ، في القيد والغل ، نص على ذلك الحافظ عماد الدين ابن كثير – رحمه الله – في كتابه ( البداية والنهاية 10 / 321 ) . قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في الكتاب المذكور (10 / 349 ) : " وكان الذين ثبتوا على الفتنة فلم يجيبوا بالكلية أربعة ( ) : أحمد بن حنبل وهو رئيسهم ، ومحمد بن نوح بن ميمون الجند النيسابوري ومات في الطريق ، ونعيم بن حماد الخزاعي وقد مات في السجن ، وأبو يعقوب البويطي وقد مات في سحن الواثق على القول بخلق القرآن وكان مثقلا بالحديد ، وأحمد بن نصر الخزاعي .. " . { المسألة الثالثة }: إثبات الصفات لله تعالى على الوجه اللائق به – جل وعز - : إن زبدة اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذا الباب ما لخصه شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني _ رحمه الله – في رسالته التي ألفها في عقيدة أهل السنة ، حيث افتتحها – بعد حمد الله والصلاة على رسوله – صلى الله عليه وآله – بقوله : ( قلت – وبالله التوفيق - : أصحاب الحديث – حفظ الله أحياءهم ، ورحم أمواتهم – يشهدون لله تعالى بالوحدانية ، وللرسول – صلى الله عليه وسلم – بالرسالة والنبوة ، ويعرفون ربهم – عز وجل – بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله ، أو شهد له بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ما وردت الأخبار الصحاح به ، ونقلت العدول الثقات عنه ، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه ، وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ، فيقولون إنه خلق آدم بيديه ، كما نص – سبحانه – عليه ، في قوله – عز من قائل - : ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) [ سورة ص الآية 75 ] ، ولا يحـرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة الجهمية – أهلكهم الله – ولا يكيفـونهما بكيف أو شبهها بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة – خذلهم الله - .
وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف ، ومن عليهم بالتعريف والتفهيم ، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه ، وتركوا القول بالتعطيل والتشلبيه ، واتبعوا قول الله – عز وجل - : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [ سورة الشورى الآية 11 ] ) . إلى أن قال – رحمه الله - : ( وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ، ووردت به الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه واعلم والقوة والقدرة والعزة والعظمة والإرادة والمشيئة والقول والكلام والرضى والسخـط والحب والبغض والفرح والضحك وغيرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين ، بل ينتهون فيــها إلى ما قاله الله – تعالى - ، وقاله رسوله – صلى الله عليه وسلم ، من غير زيادة عليه ، ولا إضافة إليه ، ولا تكييف له ولا تشبيه ، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير ، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه ، بتأويل منكر مستنكر ، ويجرون على الظاهر ، ويكلون علمه إلى الله تعالى ، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى : ( والراسخون في العلم يقولــون آمنا به كل من عند ربنا ، وما يذكــر إلا أولوا الألباب ) [ سورة آل عمران الآية 7 ] ) أ . هـ من لفظ شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني ( ص 160-165 ) . وتفصيل أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في هذا الباب يطول ، وحسبنا هنا أن ندلل على ذلك بذكر بعض أقوالهم فمنها : ( 1 ) الإمام محمد بن إدريس الشافعي – رضوان الله تعالى عليه - : روى شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري ، والحافظ أبو محمد المقدسي ، إلى أبي ثور ، وأبي شعيب ، كلاهما عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ناصر الحديث – رضي الله عنه – قال : ( القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما
المصدر
موقع جمعية الدعوة الى القرآن و السنة بمراكش المغرب
www.maghrawi.net
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 08:01 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى